فصل: تفسير الآيات (34- 37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (24- 26):

{فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)}
قوله تعالى: {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهآ أَلاَّ تَحْزَنِي} فيه قولان:
أحدهما: أن المنادي لها من تحتها جبريل، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك، والسدي.
الثاني: أنه عيسى ابنها، قاله الحسن، ومجاهد.
وفي قوله من تحتها وجهان:
أحدهما: من أسفل منها في الأرض وهي فوقه على رأسه، قاله الكلبي.
الثاني: من بطنها: قاله بعض المتكلمين، بالقبطية.
{قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} فيه قولان:
أحدهما: أن السريّ هو ابنها عيسى، لأن السري هو الرفيع الشريف مأخوذ من قولهم فلان من سروات قومه أي من أشرافهم، قاله الحسن، فعلى هذا يكون عيسى هو المنادي من تحتها {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً}
الثاني: أن السريّ هو النهر، قاله ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، وقتادة، والضحاك، لتكون النخلة لها طعاماً، والنهر لها شراباً، وعلى هذا يكون جبريل هو المنادي لها {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً}.
الثاني: أنه عربي مشتق من السراية فَسُمِّيَ السريّ لأنه يجري فيه ومنه قول الشاعر:
سهل الخليقة ماجد ذو نائلٍ ** مثل السريّ تمده الأنهار

وقيل: إن اسم السري يطلق على ما يعبره الناس من الأنهار وثباً. وروى أبان بن تغلب في تفسيره القرآن خبراً عن عدد لم يسمهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث شداد بن ثمامة مصدقاً لبني كعب بن مذحج وكتب له كتاباً: «عَلَى مَا سَقَتْهُ المَرَاسِمُ وَالجَدَاوِلُ وَالنَّوَاهِرُ وَالدَّوَافِعُ العُشْرُ وَنِصْفُ العشر بقيمة عَدْلٍ إِلاَّ الضَّوَامَرَ وَاللَّوَاقِحَ وَمَا َأطل الصور من الجفن. وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إِلاَّ العَقِيلَ وَالأَكِيلَ وَالربِيَّ. ومن كل ثلاثين بقرةً جِذْعٌ أَوْ جِذْعَةٌ إِلاَّ العَاقِرَ وَالنَّاشِطَ وَالرَّاشِحَ. وَمِن كُلِّ خَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ المُوَّبلَةِ مُسِنَّةٌ مِنَ الغَنَمِ. وَلاَ صَدَقَةَ فِي الخَيلِ وَلاَ فِي الإِبِلِ العَامِلةِ. شَهِدَ جِرِيرٌ بِن عَبدِ اللَّهِ بن جَابرٍ البَجْلِي وَشَدَّادُ بن ثُمَامَةَ وَكَتَبَ المُغِيرَةُ بن شُعْبةِ» فالمراسل العيون، والجداول الأنهار الصغار، والنواهر الدوالي، والدوافع الأودية، والضوامر ما لم تحمل من النخل، واللواقح الفحول، والجفن الكرم، وما أطلاه من الزرع عفو، والعقيل فحل الغنم والأَيل الذي يُرَبَّى للأكل. والربي التي تربي ولدها والعاقر من البقر التي لا تحمل، والناشط الفحل الذي ينشط من أرض إلى أرض والراشح الذي يحرث الأرض.
قوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} الآية. اختلف في النخلة. على أربعة أقاويل:
أحدها: كانت برنية.
الثاني: صرفاتة، قاله أبو داود.
الثالث: قريناً.
الرابع: عجوة، قاله مجاهد.
وفي {الجَنِي} ثلاثة أقاويل:
أحدها: المترطب البسر، قاله مقاتل.
الثاني: البلح لم يتغير، قاله أبو عمرو بن العلاء.
الثالث: أنه الطري بغباره. وقيل لم يكن للنخلة رأس وكان في الشتاء فجعله الله آية. قال مقاتل فاخضرت وهي تنظر ثم حملت وهي تنظر ثم نضجت وهي تنظر.
قوله تعالى: {فَكُلِي} يعني من الرطب الجني.
{وَاشْرَبِي} يعني من السريّ.
{وَقَرِّي عَيْناً} يعني بالولد، وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: جاء يقر عينك سروراً، قاله الأصمعي، لأن دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة.
الثاني: طيبي نفساً، قاله الكلبي.
الثالث: تسكن عينك ولذلك قيل ما شيء خير للنفساء من الرطب والتمر.
{فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً} يعني إما للإِنكار عليك وإما للسؤال لك.
{فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً} فيه تأويلان:
أحدهما: يعني صمتاً، وقد قرئ في بعض الحروف: {لِلرَّحَمْنِ صَمْتاً} وهذا تأويل ابن عباس وأنس بن مالك والضحاك.
الثاني: صوماً عن الطعام والشراب والكلام، قاله قتادة. {فَلَنْ أُكَلَّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً} فيه وجهان:
أحدهما: أنها امتنعت من الكلام ليتكلم عنها ولدها فيكون فيه براءة ساحتها، قاله ابن مسعود ووهب بن منبه وابن زيد.
الثاني: أنه كان من صام في ذلك الزمان لم يكلم الناس، فأذن لها في المقدار من الكلام قاله السدي.

.تفسير الآيات (27- 33):

{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)}
قوله تعالى: {شَيْئاً فَرِيّاً} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: أنه القبيح من الإفتراء، قاله الكلبي.
الثاني: أنه العمل العجيب، قاله الأخفش.
الثالث: العظيم من الأمر، قاله مجاهد، وقتادة، والسدي.
الرابع: أنه المتصنع مأخوذ من الفرية وهو الكذب، قاله اليزيدي.
الخامس: أنه الباطل.
قوله تعالى: {يَآ أُخْتَ هَارُونَ} وفي هذا الذي نسبت إليه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه كان رجلاً صالحاً من بني إسرائيل ينسب إليه من يعرف بالصلاح، قاله مجاهد وكعب، والمغيرة بن شعبة يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أنه هارون أخو موسى فنسبت إليه لأنها من ولده كما يقال يا أخا بني فلان، قاله السدي.
الثالث: أنه كان أخاها لأبيها وأمها، قاله الضحاك.
الرابع: أنه كان رجلاً فاسقاً معلناً بالفسق ونسبت إليه، قاله ابن جبير.
{وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} أي زانية. وسميت الزانية بغياً لأنها تبغي الزنا أي تطلبه.
قوله تعالى: {فَأشَارَتْ إِلَيْهِ} فيه قولان:
أحدهما: أشارت إلى الله فلم يفهموا إشارتها، قاله عطاء.
الثاني: أنها أشارت إلى عيسى وهو الأظهر، إما عن وحي الله إليها، وإما لثقتها بنفسها في أن الله تعالى سيظهر براءتها، فأشارت إلى الله إليها، فأشارت إلى عيسى أن كلموه فاحتمل وجهين:
أحدهما: أنها أحالت الجواب عليه استكفاء.
الثاني: أنها عدلت إليه ليكون كلامه لها برهاناً ببراءتها.
{قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ} وفي {كَانَ} في هذا الموضع وجهان:
أحدهما: أنها بمعنى يكون تقديره من يكون في المهد صبياً قاله ابن الأنباري.
الثاني: أنها صلة زائدة وتقديره من هو في المهد، قاله ابن قتيبة.
وفي {الْمَهْدِ} وجهان:
أحدهما: أنه سرير الصبي المعهود لمنامه.
الثاني: إنه حجرها الذي تربيه فيه، قاله قتادة. وقيل إنهم غضبوا وقالوا: لسخريتها بنا أعظم من زناها، قاله السدي. فلما تكلم قالوا: إن هذا لأمر عظيم.
{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} وإنما قدم إقراره بالعبودية ليبطل به قول من ادعى فيه الربوبية وكان الله هو الذي أنطقه بذلك لعلمه بما يتقوله الغالون فيه.
{ءَآتَانِيَ الْكِتَابَ} أي سيؤتيني الكتاب.
{وَجَعَلَنِي نَبِيَّاً} فيه وجهان:
أحدهما: وسيجعلني نبياً، والكلام في المهد من مقدمات نبوته.
الثاني: أنه كان في حال كلامه لهم في المهد نبياً كامل العقل ولذلك كانت له هذه المعجزة، قاله الحسن. وقال الضحاك: تكلم وهو ابن أربعين. [يوماً].
قوله تعالى: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: نبياً، قاله مجاهد.
الثاني: آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر.
الثالث: معلماً للخير، قاله سفيان.
الرابع: عارفاً بالله وداعياً إليه.
{وأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ} فيها وجهان:
أحدهما: الدعاء والإِخلاص. الثاني: الصلوات ذات الركوع والسجود.
ويحتمل ثالثاً: أن الصلاة الإِستقامة مأخوذ من صلاة العود إذا قوّم اعوجاجه بالنار.
{وَالزَّكَاة} فيها وجهان:
أحدهما: زكاة المال.
الثاني: التطهير من الذنوب.
ويحتمل ثالثاً: أن الزكاة الاستكثار من الطاعة، لأن الزكاة في اللغة النماء والزيادة.
قوله تعالى: {وَبَرَّاً بِوَالِدَتِي} يحتمل وجهين: أحدهما: بما برأها به من الفاحشة.
الثاني: بما تكفل لها من الخدمة.
{وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً} فيه وجهان:
أحدهما: أن الجبار الجاهل بأحكامه، الشقي المتكبر عن عبادته.
الثاني: أن الجبار الذي لا ينصح، والشقي الذي لا يقبل النصيحة.
ويحتمل ثالثاً: أن الجبار الظالم للعباد، والشقي الراغب في الدنيا.
قوله تعالى: {وَالْسَّلاَمُ عَلَيَّ} الآية. فيه وجهان:
أحدهما: يعني بالاسلام السلامة، يعني في الدنيا، {وَيَوْمَ أَمُوتُ} يعني في القبر، {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيَّاً} يعني في الآخرة، لأن له أحوالاً ثلاثاً: في الدنيا حياً، وفي القبر ميتاً، وفي الآخرة مبعوثاً، فسلم في أحواله كلها، وهو معنى قول الكلبي.
الثاني: يعني بالسلام {يَوْمَ وُلِدتُّ} سلامته من همزة الشيطان فإنه ليس مولود يولد إلا همزه الشيطان وذلك حين يستهل، غير عيسى فإن الله عصمه منها. وهو معنى قوله تعالى: {وَإِنِّي أُعِذُهَا وَذُرّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} {وَيَوْْمَ أَمُوتُ} يعني سلامته من ضغطة القبر لأنه غير مدفون في الأرض {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} لم أر فيه على هذا الوجه ما يُرضي.
ويحتمل أن تأويله على هذه الطريقة سلامته من العرض والحساب لأن الله ما رفعه إلى السماء إلا بعد خلاصه من الذنوب والمعاصي.
قال ابن عباس ثم انقطع كلامه حتى بلغ مبلغ الغلمان.

.تفسير الآيات (34- 37):

{ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)}
قوله تعالى: {ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الحق هو الله تعالى.
الثاني: عيسى وسماه حقاً لأنه جاء بالحق.
الثالث: هو القول الذي قاله عيسى من قبل.
{الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: يشكّون، قاله الكلبي.
الثاني: يختلفون لأنهم اختلفوا في الله وفي عيسى، فقال قوم هو الله، وقال آخرون هو ابن الله، وقال آخرون هو ثالث ثلاثة. وهذه الأقاويل الثلاثة للنصارى.
وقال المسلمون: هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم.
ونسبته اليهود إلى غير رشدة فهذا معنى قوله: {الَّذِي فِيهِ تَفْتَرُونَ} بالفاء معجمة من فوق.
قال ابن عباس ففرّ بمريم ابن عمها معها ابنها إلى مصر فكانواْ فيها اثنتي عشرة سنة حتى مات الملك الذي كانوا يخافونه.