فصل: تفسير الآيات (37- 40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (33- 36):

{وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)}
قوله عز وجل: {وفجرنا فيها مِن العيون ليأكلوا من ثمَرِه وما عَمِلتْهُ أيديهم} فيه وجهان:
أحدهما: أنها إثبات وتقديره: ومما عملته أيديهم، قاله الكلبي والفراء وابن قتيبة.
والوجه الثاني: أنها جحد وفيها على هذا القول وجهان:
أحدهما: وما لم تعمله أيديهم من الأنهار التي أجراها الله سبحانه لهم. قال الضحاك يعني الفرات ودجلة ونهر بلخ ونيل مصر.
الثاني: وما لم تعمله أيديهم من الزرع الذي أنبته الله تعالى لهم.
قوله عز وجل: {سبحان الذي خَلَق الأزواج كلها} فيه وجهان:
أحدهما: يعني الأصناف كلها، قاله السدي.
الثاني: يعني من النخل والشجر والزرع كل صنف منه زوج.
{ومن أنفسهم} وفي ذلك دليل على مشاكلة الحيوان لهم في أنها زوج ذكر وأنثى.
{ومما لا يَعْلمون} فيه وجهان:
أحدهما: يعني الروح التي يعلمها الله ولا يعلمها غيره.
الثاني: ما يرى نادراً من حيوان ونبات.
ويحتمل ثالثاً: مما لا تعلمون من تقلب الولد في بطن أمه.

.تفسير الآيات (37- 40):

{وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)}
قوله عز وجل: {وآيةٌ لهم الليل نسلخ منه النهار} أي نخرج منه النهار يعني ضوءه، مأخوذ من سلخ الشاة إذا خرجت من جلدها.
{فإذا هم مظلمون} أي في ظلمة لأن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضئ، فإذا خرج منه أظلم.
{والشمس تجري لمستقر لها} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني لانتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا، حكاه ابن عيسى.
الثاني: لوقت واحد لا تعدوه، قاله قتادة.
الثالث: أي أبعد منازلها في الغروب، ثم ترجع إلى أدنى منازلها، قاله الكلبي. وروى عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرأها: والشمس تجري لا مستقر لها. وتأويل هذه القراءة أنها تجري في الليل والنهار ولا وقوف لها ولا قرار.
وقوله عز وجل: {والقمر قدرناه منازل} فيه وجهان:
أحدهما: جعله في كل ليلة على مقر له، يزيد في كل ليلة من أول الشهر حتى يستكمل ثم ينقص بعد استكماله حتى يعود كما بدأ، وهو محتمل.
الثاني: أنه يطلع كل ليلة في منزل حتى يستكمل جميع المنازل في كل شهر، ولذلك جعل بعض الحساب السنة الشمسية ثلاثة عشر شهراً قمرياً.
{حتى عَادَ كالعرجون القديم} فيه قولان:
أحدهما: أنه العذق اليابس إذا استقوس، وهو معنى قول ابن عباس، ومنه قول أعشى قيس:
شرق المسك والعبير بها ** فهي صفراء كعرجون القمر

الثاني: أنه النخل إذا انحنى مائلاً، قاله الحسن.
{لا الشمس ينبغي لها أن تُدْرِك القَمر} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: أي لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر، قاله مجاهد.
الثاني: لا يجتمع ضوء أحدهما مع ضوء الآخر، لأن ضوء القمر ليلاً وضوء الشمس نهاراً، فإذا جاء سلطان أحدهما ذهب سلطان الآخر، قاله قتادة.
الثالث: معناه أنهما إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر في منازل لا يشتركان فيها، قاله ابن عباس.
الرابع: أنهما لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة، قاله الحسن.
الخامس: أنه لا تدرك الشمس القمر ليلة البدر خاصة لأنه يبادر بالمغيب قبل طلوعها، حكاه يحيى بن سلام.
{ولا الليلُ سابق النهار} فيه وجهان:
أحدهما: يعني أنه لا يتقدم الليل قبل استكمال النهار وهو معنى قول يحيى بن سلام.
الثاني: أنه لا يأتي ليل بعد ليل متصل حتى يكون بينهما نهار منفصل، وهو معنى قول عكرمة.
ومن الناس من يجعل هذا دليلاً على أن أول الشهر النهار دون الليل، لأنه إذا لم يسبق الليل النهار واستحال اجتماعهما وجب أن يكون النهار سابقاً. وهذا قول يدفعه الشرع ويمنع منه الإجماع.
{وكلٌّ في فلك يسْبَحون} قال الحسن: الشمس والقمر والنجوم في فلك بين السماء والأرض غير ملتصقة بالسماء، ولو كانت ملتصقة ما جرت.
وفي قوله تعالى: {يسبحون} ثلاثة أقاويل:
أحدها: يجرون، قاله ابن عباس.
الثاني: يدورون كما يدور المغزل في الفلكة، قاله عكرمة ومجاهد.
الثالث: يعملون، قاله الضحاك.

.تفسير الآيات (41- 44):

{وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)}
قوله عز وجل: {وآية لهم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: عبرة لهم لأن في الآيات اعتباراً.
الثاني: نعمة عليهم لأن في الآيات إنعاماً.
الثالث: إنذار لهم لأن في الآيات إنذاراً.
{أنَّا حَملْنا ذُرّيتَهم في الفلك المشحون} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الذرية الآباء حملهم الله تعالى في سفينة نوح عليه السلام، قاله أبان بن عثمان، وسمى الآباء ذرية لأن منهم ذرء الأبناء.
الثاني: أن الذرية الأبناء والنساء لأنهم ذرء الآباء حملوا في السفن، والفلك هي السفن الكبار، قاله السدي.
الثالث: أن الذرية النطف حملها الله تعالى في بطون النساء تشبيهاً بالفلك المشحون، قاله عليّ رضي الله عنه.
وفي {المشحون} قولان:
أحدهما: الموقر، قاله ابن عباس.
الثاني: المملوء، حكاه ابن عباس أيضاً.
{وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أنه خلق مثل سفينة نوح مما يركبونها من السفن، قاله ابن عباس.
الثاني: أنها السفن الصغار خلقها لهم مثل السفن الكبار، قاله أبو مالك.
الثالث: أنها سفن الأنهار خلقها لهم مثل سفن البحار، قاله السدي.
الرابع: أنها الإبل خلقها لهم للركوب في البر مثل السفن المركوبة في البحر، قاله الحسن وعبد الله بن شداد. والعرب تشبه الإبل بالسفن، قال طرفة:
كأنَّ حدوج المالكية غدوةً ** خلايا سَفينٍ بالنواصِف من رَدِ

ويجيء على مقتضى تأويل عليّ رضي الله عنه في أن الذرية في الفلك المشحون هي النطف في بطون النساء. قولٌ خامس في قوله: {وخلقنا لهم من مثله ما يركبون}:
أن يكون تأويله النساء خلقن لركوب الأزواج، لكن لم أره محكياً.
قوله عز وجل: {وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم} فيه وجهان:
أحدهما: فلا مغيث لهم، رواه سعيد عن قتادة.
الثاني: فلا منعة لهم، رواه شيبان عن قتادة.
{ولا هم ينقذون} فيه وجهان:
أحدهما: من الغرق.
الثاني: من العذاب.
{إلا رحمة منا} فيه وجهان:
أحدهما: إلا رحمتنا، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: إلا نعمة منا، قاله مقاتل.
{ومتاعاً إلى حين} فيه وجهان:
أحدهما: إلى الموت، قاله قتادة.
الثاني: إلى القيامة، قاله يحيى.

.تفسير الآيات (45- 47):

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47)}
قوله عز وجل: {وإذا قيل لهم اتَّقوا ما بين أيديكم وما خلْفكم} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: ما بين أيديكم ما مضى من الذنوب، وما خلفكم ما يأتي من الذنوب، قاله مجاهد.
الثاني: ما بين أيديكم من الدنيا، وما خلفكم من عذاب الآخرة، قاله سفيان.
الثالث: ما بين أيديكم عذاب الله لمن تقدم من عاد وثمود، وما خلفكم من أمر الساعة، قاله قتادة.
ويحتمل تأويلاً رابعاً: ما بين أيديكم ما ظهر لكم، وما خلفكم ما خفي عنكم.
{لعلكم ترحمون} معناه لكي ترحموا فلا تعذبوا. ولهذا الكلام جواب محذوف تقديره: إذا قيل لهم هذا أعرضوا عنه.
قوله عز وجل: {وما تأتيهم مِن آيةٍ مِنْ آيات ربِّهم} فيها ثلاثة تأويلات:
أحدها: من آية من كتاب الله، قاله قتادة.
الثاني: من رسول، قاله الحسن.
الثالث: من معجز، قاله النقاش.
ويحتمل رابعاً: ما أنذروا به من زواجر الآيات والعبر في الأمم السالفة.
قوله عز وجل: {وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم اللهُ قال الذين كفروا} الآية. فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم اليهود أمروا بإطعام الفقراء فقالوا {أنطعم من لو يشاء الله أطعمه} قال الحسن.
الثاني: أنهم الزنادقة أمروا فقالوا ذلك، قاله قتادة.
الثالث: أنهم مشركو قريش جعلوا لأصنامهم في أموالهم سهماً فلما سألهم الفقراء أجابوهم بذلك، قاله النقاش.
ويحتمل هذا القول منهم وجهين:
أحدهما: إنكارهم وجوب الصدقات في الأموال.
الثاني: إنكارهم على إغناء من أفقره الله تعالى ومعونة من لم يعنه الله تعالى.
{إن أنتم إلا في ضلال مبين} فيه قولان:
أحدهما: أنه من قول الكفار لمن أمرهم بالإطعام، قاله قتادة.
الثاني: أنه من قول الله تعالى لهم حين ردوا بهذا الجواب، حكاه ابن عيسى.

.تفسير الآيات (48- 50):

{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)}
قوله عز وجل: {ويقولون متى هذا الوعدُ إن كنتم صادقين} فيه وجهان:
أحدهما: ما وعدوا به من العذاب، قاله يحيى بن سلام. الثاني: ما وعدوا به من الظفر بهم، قاله قتادة.
قوله عز وجل: {ما ينظرون إلا صيحةً واحدة تأخذهم} قال السدي: هي النفخة الأولى من إسرافيل ينتظرها آخر هذه الأمة من المشركين، وروى نعيم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فما يطويانه حتى تقوم، والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه حتى تقوم، والرجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم، والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتى تقوم».
{وهم يخصمون} فيه وجهان:
أحدهما: يتكلمون في معايشهم ومتاجرهم، قاله السدي.
الثاني: يخصمون في دفع النشأة الثانية، حكاه ابن عيسى.
{فلا يستطيعون توصية} أي يستطيع بعضهم أن يوصي إلى بعض بما في يديه من حق.
ويحتمل وجهاً ثانياً: أنه لا يستطيع أن يوصي بعضهم بعضاً بالتوبة والإقلاع.
{ولا إلى إهلهم يرجعون} أي إلى منازلهم، قال قتادة لأنهم أعجلوا عن ذلك.