فصل: تفسير الآيات (38- 43):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (13- 18):

{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)}
{فيومئذٍ وقَعَتِ الواقعةُ} فيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: القيامة.
الثاني: الصيحة.
الثالث: أنها الساعة التي يفنى فيها الخلق.
{وانْشَقّت السماءُ فهِي يومئذٍ واهيةٌ} في انشقاقها وجهان:
أحدهما: أنها فتحت أبوابها، قاله ابن جريج.
الثاني: أنها تنشق من المجرة، قاله عليّ رضي الله عنه.
وفي قوله {واهية} وجهان:
أحدهما: متخرقة، قاله ابن شجرة، مأخوذ من قولهم وَهَى السقاءُ إذا انخرق، ومن أمثالهم:
خَلِّ سبيلَ مَنْ وَهَى سِقاؤه ** ومَن هُريق بالفلاةِ ماؤهُ

أي من كان ضعيف العقل لا يحفظ نفسه.
الثاني: ضعيفه، قاله يحيى بن سلام.
{والملَكُ على أَرجائها} فيه وجهان:
أحدهما: على أرجاء السماء، ولعله قول مجاهد وقتادة.
الثاني: على أرجاء الدنيا، قاله سعيد بن جبير.
وفي {أرجائها} أربعة أوجه:
أحدها: على جوانبها، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: على نواحيها، قاله الضحاك.
الثالث: أبوابها، قاله الحسن.
الرابع: ما استدق منها، قاله الربيع بن أنس.
ووقوف الملائكة على أرجائها لما يؤمرون به فيهم من جنة أو نار.
{ويَحْمِلُ عَرْشَ ربِّك فوقهم يَومئذٍ ثمانيةُ} يعني أن العرش فوق الثمانية وفيهم ثلاثة أقاويل:
أحدها: ثمانية أملاك من الملائكة، قاله العباس بن عبد المطلب.
الثاني: ثمانية صفوف من الملائكة، قاله ابن جبير.
الثالث: ثمانية أجزاء من تسعة، وهم الكروبيون، قاله ابن عباس، وروى أبو هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «يحمله اليوم أربعة، وهم يوم القيامة ثمانية».
وفي قوله {فوقهم} ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم يحملون العرش فوق رؤوسهم.
الثاني: أن حملة العرش فوق الملائكة الذين على أرجائها.
الثالث: أنهم فوق أهل القيامة.
{يومئذٍ تُعْرَضونَ} يعني يوم القيامة، روى الحسن عن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، أما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف من الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله»
{لا تَخْفَى منكم خافيةٌ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: لا يخفى المؤمن من الكافر، ولا البر من الفاجر، قاله عبد اللَّه بن عمرو بن العاص.
الثاني: لا تستتر منكم عورة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يحشر الناس حفاة عراة»
الثالث: أن خافية بمعنى خفيّة كانوا يخفونها من أعمالهم حكاه ابن شجرة.

.تفسير الآيات (19- 24):

{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)}
{فأمّا مَنْ أُوتي كتابَه بيمينه} لأن إعطاء الكتاب باليمين دليل على النجاة.
{فيقول هاؤم اقْرَؤوا كِتابيهْ} ثقة بسلامته وسروراً بنجاته، لأن اليمين عند العرب من دلائل الفرج، والشمال من دلائل الغم، قال الشاعر:
أبيني أفي يُمْنَى يديكِ جَعَلْتِني ** فأفرح أم صيرتني من شِمالِك

وفي قوله {هاؤمُ} ثلاثة أوجه:
أحدها: بمعنى هاكم اقرؤوا كتابيه فأبدلت الهمزة من الكاف، قاله ابن قتيبة.
الثاني: أنه بمعنى هلموا اقرؤوا كتابيه، قال الكسائي: العرب تقول للواحد هاءَ وللاثنين هاؤما وللثلاثة هاؤم.
الثالث: أنها كلمة وضعت لإجابة الداعي عند النشاط والفرح روي أن أعرابياً نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوت عالٍ فأجابه هاؤم بطول صوته.
والهاء من {كتابيه} ونظائرها موضوعة للمبالغة، وذكر الضحاك أنها نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد.
{إني ظننتُ أني مُلاقٍ حِسابِيَهْ} فيه وجهان:
أحدهما: أي علمت، قال الضحاك: كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين، ومن الكافر فهو شك، وقال مجاهد: ظن الآخرة يقين، وظن الدنيا شك.
الثاني: ما قاله الحسن في هذه الآية، أن المؤمن أحْسن بربه الظن، فأحسن العمل، وأن المنافق أساء بربه الظن فأساء العمل.
وفي الحساب ها هنا وجهان:
أحدهما: في البعث.
الثاني: في الجزاء.
{فهو في عِيشَةٍ راضيةٍ} بمعنى مَرْضيّة، قال أبو هريرة وأبو سعيد الخدري يرفعانه: إنهم يعيشون فلا يموتون أبداً، ويصحّون فلا يمرضون أبداً، ويتنعمون فلا يرون بؤساً أبداً، ويشبّون فلا يهرمون أبداً.
{في جنة عالية} يحتمل وجهين:
أحدهما: رفيعة المكان.
الثاني: عظيمة في النفوس.
{قطوفها دانيةٌ} يحتمل وجهين:
أحدهما: دانية من الأيدي يتناولها القائم والقاعد.
الثاني: دانية الإدراك لا يتأخر حملها ولا نضجها.

.تفسير الآيات (25- 37):

{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)}
{وأمّا من أُوتي كتابه بشماله} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه كان يقول ذلك راجياً.
الثاني: أنه كان مستوراً فافتضح، ومن عادة العرب أن تفرق بين القبول والرد وبين الكرامة والهوان، باليمين والشمال، فتجعل اليمين بشيراً بالقبول والكرامة، وتجعل الشمال نذيراً بالرد والهوان.
{ولم أَدْرِ ما حِسابِيَهْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: لما شاهد من كثرة سيئاته وكان يظنها قليلة، لأنه أحصاه اللَّه ونسوه.
الثاني: لما رأى فيه من عظيم عذابه وأليم عقابه.
{يَا لَيْتَها كانت القاضيةَ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني موتاً لا حياة فيه بعدها، قاله الضحاك.
الثاني: أنه تمنى أن يموت في الحال، ولم يكن في الدنيا أكره إليه من الموت، قاله قتادة.
{ما أغْنَى عَنيِّ مالِيَهْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن كثرة ماله في الدنيا لم يمنع عنه في الآخرة.
الثاني: لأن رغبته في زينة الدنيا وكثرة المال هو الذي ألهاه عن الآخرة. {هَلَكَ عني سُلْطانِيَهْ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: معناه ضللت عن حُجّتي، قاله مجاهد وعكرمة والسدي والضحاك.
الثاني: سلطانه الذي تسلط به على بدنه حتى أقدم به على معصيته، وهذا معنى قول قتادة.
الثالث: أنه كان في الدنيا مطاعاً في أتباعه، عزيزاً في امتناعه، وهذا معنى قول الربيع بن أنس.
وحكي أن هذا في أبي جهل بن هشام، وذكر الضحاك أنها نزلت في الأسود ابن عبد الأسد.
{فليس له اليومَ ها هنا حَميمٌ} الحميم: القريب، ومعناه ليس له قريب ينفعه ويدفع عنه كما كان يفعل معه في الدنيا.
{ولا طعامٌ إلا مِنْ غِسْلين} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه غسالة أطرافهم، قاله يحيى بن سلام، قال الأخفش:
هو فعلين من الغسل.
الثاني: أنه صديد أهل النار، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه شجرة في النار هي أخبث طعامهم، قاله الربيع بن أنس.
الرابع: أنه الحار الذي قد اشتد نضجه، بلغة أزد شنوءة.

.تفسير الآيات (38- 43):

{فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43)}
{فلا أُقْسِمُ بما تُبصِرون} قال مقاتل: سبب ذلك أن الوليد بن المغيرة قال:
إن محمداً ساحر، وقال أبو جهل: إنه شاعر، وقال عقبة بن معيط: إنه كاهن فقال اللَّه تعالى قسماً على كذبهم {فلا أُقْسِم} أي أقسم، و(لا) صلة زائدة.
{وَما لا تُبْصِرونَ} فيه وجهان:
أحدهما: بما تبصرون من الخلق وما لا تبصرون من الخلق، قاله مقاتل.
الثاني: أنه رد لكلام سبق أي ليس الأمر كما يقوله المشركون.
ويحتمل ثالثاً: بما تعلمون وما لا تعلمون، مبالغة في عموم القسم.
{إنه لَقْولُ رسولٍ كريمٍ} فيه قولان:
أحدهما: جبريل، قاله الكلبي ومقاتل.
الثاني: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال ابن قتيبة: وليس القرآن من قول الرسول، إنما هو من قول اللَّه وإبلاغ الرسول، فاكتفى بفحوى الكلام عن ذكره.

.تفسير الآيات (44- 52):

{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)}
{ولو تَقوَّل علينا بَعْضَ الأقاويل} أي تكلّف علينا بعض الأكاذيب، حكاه عن كفار قريش أنهم قالوا ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم.
{لأخْذنا منه باليمين} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: لأخذنا منه قوّته كلها، قاله الربيع.
الثاني: لأخذنا منه بالحق، قاله السدي والحكم، ومنه قول الشاعر:
إذا ما رايةٌ رُفِعَتْ لمجدٍ ** تَلَقّاها عَرابةُ باليَمينِ

أي بالاستحقاق.
الثالث: لأخذنا منه بالقدرة، قاله مجاهد.
الرابع: لقطعنا يده اليمنى، قاله الحسن.
الخامس: معناه لأخذنا بيمينه إذلالاً له واستخفافاً به، كما يقال لما يراد به الهوان، خذوا بيده، حكاه أبو جعفر الطبري.
{ثم لَقَطَعْنا مِنه الوَتينَ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه نياط القلب ويسمى حبل القلب، وهو الذي القلب معلق به، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه القلب ومراقّه وما يليه، قاله محمد بن كعب.
الثالث: أنه الحبل الذي في الظهر، قاله مجاهد.
الرابع: أنه عرق بين العلباء والحلقوم، قاله الكلبي.
وفي الإشارة إلى قطع ذلك وجهان:
أحدهما: إرادة لقتله وتلفه، كما قال الشاعر:
إذا بَلَّغْتِني وَحَمَلْتِ رحْلي ** عرابة فاشربي بدَمِ الوَتينِ

الثاني: ما قاله عكرمة أن الوَتين إذا قطع لا إن جاع عَرَق، ولا إن شبع عَرَقَ.
{وإنه لتَذْكرةٌ للمُتّقِينَ} يعني القرآن، وفي التذكرة أربعة أوجه:
أحدها: رحمة.
الثاني: ثَبات.
الثالث: موعظة.
الرابع: نجاة.
{وإنّا لَنَعْلَمُ أنَّ منكم مُكذِّبينَ} قال الربيع: يعني بالقرآن.
{وإنّه} يعني القرآن.
{لَحسْرةٌ على الكافرين} يعني ندامة يوم القيامة.
ويحتمل وجهاً ثانياً: أن يزيد حسرتهم في الدنيا حين لم يقدروا على معارضته عند تحدّيهم أن يأتوا بمثله.
{وإنّه لَحقُّ اليقينِ} فيه وجهان:
أحدهما: أي حقاً ويقيناً ليكونن الكفر حسرة على الكافرين يوم القيامة، قاله الكلبي.
الثاني: يعني القرآن عند جميع الخلق أنه حق، قال قتادة: إلا أن المؤمن أيقن به في الدنيا فنفعه، والكافر أيقن به في الآخرة فلم ينفعه.
{فَسَبِّحْ باسْمِ ربِّكَ العظيم} فيه وجهان:
أحدهما: فصلِّ لربك، قاله ابن عباس.
الثاني: فنزهه بلسانك عن كل قبيح.