فصل: تفسير الآيات (7- 9):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.سورة سبأ:

.تفسير الآيات (1- 2):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)}
قوله عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّموَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ} فيه وجهان:
أحدهما: الذي خلق ما في السموات وما في الأرض.
الثاني: الذي يملك ما في السموات وما في الأرض.
{ولَهُ الْحَمْدُ فِي الآخرَةِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: هو حمد أهل الجنة من غير تَكْلِفٍ فسرورهم بحمده كقولهم: الحمد لله الذي صدقنا وعْدَه، الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، قاله ابن عيسى.
الثاني: يعني أن له الحمد في السموات وفي الأرضين لأنه خلق السموات قبل الأرضين فصارت هي الأولى، والأرضون هي الآخرة، حكاه النقاش.
الثالث: له الحمد في الآخرة على الثواب والعقاب لأنه عَدْل منه، قاله بعض المتأخرين.
{وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} يعني الحكيم في أمره، الخبير بخلقه.
قوله عز وجل: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وََمَا يَخْرُجُ مِنهَا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ما يلج في الأرض المطر، وما يخرج منها النبات، قاله الضحاك.
الثاني: ما يلج فيها الأموات، قاله الكلبي، وما يخرج منها كنوز الذهب والفضة، والمعادن، حكاه النقاش.
الثالث: ما يلج فيها: البذور، وما يخرج منها: الزروع.
{وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: الملائكة تنزل من السماء وتعرج فيها، قاله السدي.
الثاني: وما ينزل من السماء: القضاء، وما يعرج فيها: العمل، وهو محتمل.
الثالث: ما ينزل من السماء: المطر، قاله الضحاك، وما يعرج فيها: الدعاء. وهو محتمل.

.تفسير الآيات (3- 6):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)}
قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ سَعَواْ فِي ءَايَاتِنَا} فيه وجهان:
أحدهما: أن سعيهم فيها بالجحود لها، قاله الضحاك.
الثاني: بالتكذيب بها.
{مُعَاِجِزِينَ} وقرئ. {مُعْجِزِينَ} وفي تأويل معاجزين أربعة أوجه:
أحدها: مسابقين، قاله قتادة.
الثاني: مجاهدين، قاله ابن زيد.
الثالث: مراغمين مشاقين، وهو معنى قول ابن عباس وعكرمة.
الرابع: أي لا يعجزونني هرباً ولا يفوتونني طلباً، وهو معنى قول الكلبي. وفي تأويل معجزين ثلاثة أوجه:
أحدها: مثبطين الناس عن اتباع الرسول، قاله مجاهد.
الثاني: مضعّفين لله أن يقدر عليهم، قاله بعض المتأخرين.
الثالث: معجزين من آمن وصَدَّقَ بالبعث بإضافة العجز إليه.
ويحتمل رابعاً: أنهم نسبوا المؤمنين إلى العجز عن الانتصار لدينهم إما بضعف الحجة وإما بقلة القوة.
{أُوْلئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٍ} قال قتادة: الرجز هو العذاب الأليم.
قوله عز وجل: {وَيَرَى الَّذينَ أوتُواْ الْعِلْمَ} فيهم قولان:
أحدهما: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أنهم المؤمنون من أهل الكتاب، قاله الضحاك.
{الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} قال الحسن هو القرآن كله حق.
{وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} فيه قولان:
أحدهما: يهدي إلى دين الله وهو الإسلام، رواه النواس بن سمعان الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: إلى طاعة الله وسبيل مرضاته.

.تفسير الآيات (7- 9):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)}
قوله عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} يعني بالبعث.
{هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم.
{يُنَبِّئُكُمْ إذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} أي يخبركم أنكم إذا متم فأكلتكم الأرض أو الطير حتى صرتم عظاماً ورفاتاً.
{إنَكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي تحشرون وتبعثون. قيل إن أبا سفيان ابن حرب قال هذا لأهل مكة، فأجاب بعضهم بعضاً.
{أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ} أي قائل هذا أن يكون كذاباً أو مجنوناً فرد الله تعالى عليهم قولهم هذا بأن قال: {بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالأَخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلاَلِ الْبَعِيدِ} العذاب في الآخرة، والضلال البعيد في الدنيا. وفيه وجهان:
أحدهما: أنه البعيد من الهدى، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: أنه الشقاء الطويل، قاله السدي.
قوله عز وجل: {أَفَلَمْ يَرَوْاْ إلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ} فيه وجهان:
أحدهما: معناه ألم ينظروا إلى السماء والأرض كيف أحاطت بهم؟ لأنك إن نظرت عن يمينك أو شمالك، أو بين يديك أو خلفك رأيت السماء والأرض، قاله قتادة، إذكاراً لهم بقدرة الله تعالى عليهم وإحاطتها بهم، لأنهم، لا يرون لأوليتهما ابتداء ولا لآخرتهما انتهاء، وإن بعدوا شرقاً وغرباً.
الثاني: يعني {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} فمن أهلكهم الله تعالى من الأمم الماضية في أرضه {وَمَا خَلْفَهُم} من أمر الآخرة في سمائه، قاله أبو صالح.
{إن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ} يعني كما خسفنا بمن كان قبلهم.
{أَوْ نُسْقِطْ عَلَيهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَآءِ} فيه وجهان:
أحدهما: أن الكسف العذاب قاله السدي.
الثاني: قطعاً من السماء ليعلموا أنه قادر على أن يعذب بسمائه إن شاء ويعذب بأرضه إن شاء، وكل خلقه له جند، قاله قتادة.
{إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أنه المجيب، قاله مجاهد وعطاء.
الثاني: أنه المقبل بتوبته، قاله قتادة، قال الشاعر:
أناب إلى قولي فأصبحت مرصداً ** له بالمكافأة المنيبة والشكر

الثالث: أنه المستقيم إلى ربه، وهو قول الضحاك.
الرابع: أنه المخلص للتوحيد، حكاه النقاش.

.تفسير الآيات (10- 11):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً} فيه سبعة أقاويل:
أحدها: النبوة.
الثاني: الزبور.
الثالث: فصل القضاء بالعدل.
الرابع: الفطنة والذكاء.
الخامس: رحمة الضعفاء.
السادس: حسن الصوت.
السابع: تسخير الجبال له والطير.
{يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: سبحي معه، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة.
الثاني: سيرى معه قاله الحسن وهو من السير ما كان في النهار كله أو في الليل كله، وقيل: بل هو سير النهار كله دون الليل.
الثالث: ارجعي إذا رجع، قال الشاعر:
يومان يوم مقاماتٍ وأنديةٍ ** ويوم سير إلى الأعداء تأويب.

أي رجوع بعد رجوع.
{وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} قال قتادة كان يعمل به كما يعمل بالطين لا يدخله النار ولا يضربه بمطرقة.
ويحتمل وجهاً آخر أنه سهل له الحديد أن يعمل منه ما شاء وإن كان على جوهره وطبعه من قولهم قد لان لك فلان إذا تسهل عليك.
قوله عز وجل: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} أي درعاً تامة، ومنه إسباغ النعمة إتمامها، قال الشاعر:
وأكثرهم دروعاً سابغات ** وأمضاهم إذا طعنوا سنانا

{وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} فيه قولان:
أحدهما: عدِّل المسامير في الحلقة لا تصغر المسمار وتعظم الحلقة فيسلس، ولا تعظم المسمار وتصغر الحلقة فتنفصم الحلقة، قاله مجاهد.
الثاني: لا تجعل حلقه واسعة فلا تقي صاحبها، قال قتادة: وكان داود أول من عملها، وكان قبل ذلك صفائح.
وفي {السَّرْدِ} قولان:
أحدهما: أنه النقب الذي في حلق الدرع، قاله ابن عباس، قال لبيد:
وما نسجت أسراد داود وابنه ** مضاعفة من نسجه إذ يقاتل

الثاني: أنه المسامير التي في حلق الدرع، قاله قتادة، مأخوذ من قولهم: سرد الكلام يسرده إذا تابع بينه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: في الأشهر الحرم ثلاثة سردٌ وواحد فرد. وقال الهذلي:
وعليهما مسرودتان قضاهما ** داود أو صنع السوابغ تبّع

وحكى ضمرة بن شوذب أن داود عليه السلام كان يرفع كل يوم درعاً فيبيعها بستة آلآف درهم، ألفان لأهله، وأربعة آلاف يطعم بها بني إسرائيل خبز الحواري.
وحكى يحيى بن سلام والفراء أن لقمان حضر داود عند أول درع عملها فجعل يتفكر فيما يريد به ولا يدري ما يريد، فلم يسله حتى إذا فرغ منها داود قام فلبسها وقال: نعمت جنة الحرب هذه، فقال لقمان: الصمت حكمة وقليل فاعله.
{وَاعْمَلُواْ صَالِحاً} فيه وجهان:
أحدهما: هو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، قاله ابن عباس.
الثاني: فعل جميع الطاعات.
{إنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي يعلم ما تعملون من خير أو شر.

.تفسير الآيات (12- 13):

{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)}
قوله عز وجل: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ} أي وسخرنا لسليمان الريح.
{غُدُوَّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} قال قتادة: تغدو مسيرة شهر إلى نصف النهار فهي تسير في اليوم الواحد مسيرة شهرين.
وقال الحسن: كان يغدو من دمشق فيقبل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع ويروح فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر للمسرع.
{وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} قال قتادة هي عين بأرض اليمن، قال السدي: سيلت له ثلاثة أيام، قال عكرمة: سال له القطر ثلاثة أيام من صنعاء اليمن كما يسيل الماء.
وقال الضحاك: هي عين بالشام.
وفي (القطر) قولان:
أحدهما: أنه النحاس، قاله ابن عباس وقتادة والسدي.
الثاني: الصَّفر، قاله مجاهد وعطاء وابن زيد.
{وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} يعني أن منهم من سخره الله تعالى للعمل بين يديه، فدل على أن منهم غير مسخر.
{بِإِذْنِ رَبِّهِ} أي بأمر ربه.
{وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا} فيه قولان:
أحدهما: يعني عن طاعة الله تعالى وعبادته، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: عما يأمره سليمان، قاله قتادة: لأن أمر سليمان كان كأمر الله تعالى لكونه نبياً من أنبيائه.
{نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ السَّعِيرِ} أي النار المسعرة وفيه قولان:
أحدهما: نذيقه ذلك في الآخرة، قاله الضحاك.
الثاني: في الدنيا، قاله يحيى بن سلام. لأنه لم يكن يسخر منهم إلا الكفار فإذا آمنوا أرسلوا، قال وكان مع المسخرين منهم ملك بيده سوط من عذاب السعير فإذا خالف سليمان ضربه الملك بذلك السوط.
قوله عز وجل: {يَعْمَلَونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ} فيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها قصور، قاله عطية.
الثاني: المساجد، قاله قتادة، والحسن.
الثالث: المساكن، قاله ابن زيد.
قال أبو عبيدة: محراب الدار أشرف موضع فيها، ولا يكون إلا أن يرتقى إليه.
{وَتَمَاثِيلَ} هي الصور، قال الحسن ولم تكن يومئذ محرمة، وفيها قولان:
أحدهما: أنها من نحاس، قاله مجاهد.
الثاني: من رخام وشبَه، قاله قتادة.
ثم فيها قولان:
أحدهما: أنها كانت طواويس وعقاباً ونسوراً على كرسيه ودرجات سريره لكي يهاب من شاهدها أن يتقدم، قاله الضحاك.
الثاني: صور الأنبياء الذين قبله، قاله الفراء.
{وِجِفَانٍ} قال مجاهد: صحاف.
{كَالْجَوَابِ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: كالحياض، قاله الحسن.
الثاني: كالجوبة من الأرض، قاله مجاهد.
الثالث: كالحائط، قاله السدي.
{وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: عظام، قاله مجاهد.
الثاني: أن أثافيها منها، قاله ابن عباس.
الثالث: ثابتات لا يزلن عن أماكنهن، قاله قتادة، مأخوذ من الجبال الرواسي لثبوتها وثبوت الأرض بها. قال ابن جريج: ذكر لنا أن تلك القدور باليمن أبقاها الله تعالى آية وعبرة.
{اعْمَلُواْ ءَال دَاوُدَ شُكْراً} فيه ستة تأويلات:
أحدها: أنه توحيد الله تعالى، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: تقوى الله والعمل بطاعته، قاله محمد بن كعب.
الثالث: صوم النهار وقيام الليل، قاله ابن أبي زياد، فليس ساعة من نهار إلا وفيها من آل داود صائم ولا ساعة من الليل إلا وفيها من آل داود قائم.
الرابع: اعملوا من الأعمال ما تستوجبون عليه الشكر، قاله ابن عطاء.
الخامس: اذكروا أهل البلاء وسلوا ربكم العافية.
السادس: ما حكاه الفضيل أنه لما قال الله تعالى: {اعْمَلُواْ ءَالَ دَاوُدَ شُكْراً} فقال داود إِلهي كيف أشكرك والشكر نعمة منك؟ قاله: «الآنَ شَكَرْتِنِي حِينَ عَلمْتَ أَنَّ النِّعَمَ مِنِّي».
{وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: المؤمن، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: الموحّد، وهو معنى قول ابن عباس.
الثالث: المطيع، وهو مقتضى قول محمد بن كعب.
الرابع: ذاكر نعمه، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية ثم قال: «ثَلاَثَةٌ مَنْ أُوتِيَهُنَّ فَقَدْ أُتُي مِثْلُ مَا أوتِيَ ءَالُ دَاوُد: العَدْلُ فِي الغَضَبِ وَالرِّضَا، والقَصدُ فِي الفَقْرِ وَالغِنَى، وَخَشَيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِ وَالعَلاَنِيَةِ».
وفي الفرق بين الشاكر والشكور ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الشاكر من لم يتكرر شكره والشكور من تكرر شكره.
الثاني: أن الشاكر على النعم والشكور على البلوى.
الثالث: أن الشاكر خوفه أغلب والشكور رجاؤه أغلب.