فصل: تفسير الآيات (75- 82):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (50- 61):

{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)}
قوله عز وجل: {فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} يعني أهل الجنة كما يسأل أهل النار.
{قال قائلٌ منهم} يعني من أهل الجنة.
{إني كان لي قرين} يعني في الدنيا، وفيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه الشيطان كان يغويه فلا يطيعه، قاله مجاهد.
الثاني: شريك له كان يدعوه إلى الكفر فلا يجيبه، قاله ابن عباس.
الثالث: أنهما اللذان في سورة الكهف {واضرب لهم مثلاً رجلين} إلى آخر قصتهما، فقال المؤمن منهما في الجنة للكافر في النار.
{يقول أئنك لمن المصدقين} يعني بالبعث.
{أئذا مِتْنَا وكُنَّا تراباً وعظاماً أئنا لمدينون} فيه تأويلان:
أحدهما: لمحاسبون، قاله مجاهد وقتادة والسدي.
الثاني: لمجازون، قاله ابن عباس ومحمد بن كعب من قوله: كما تدين تدان.
قوله عز وجل: {قال هل أنتم مطلعون} وهذا قول صاحب القرين للملائكة وقيل لأهل الجنة، هل أنتم مطلعون يعني في النار. يحتمل ذلك وجهين:
أحدهما: لاستخباره عن جواز الاطلاع.
الثاني: لمعاينة القرين.
{فاطّلَعَ} يعني في النار. {فرآه} يعني قرينه {في سواءِ الجحيم} قال ابن عباس في وسط الجحيم، وإنما سمي الوسط سواءً لاستواء المسافة فيه إلى الجوانب قال قتادة: فوالله لولا أن الله عَرّفه إياه ما كان ليعرفه، لقد تغير حبْرُهُ وسبرُه يعني حسنه وتخطيطه.
قوله عز وجل: {قال تالله إن كِدْتَ لتُرْدين} هذا قول المؤمن في الجنة لقرينه في النار، وفيه وجهان:
أحدهما: لتهلكني لو أطعتك، قاله السدي.
الثاني: لتباعدني من الله تعالى، قاله يحيى.
{ولولا نعمة ربي} يعني بالإيمان {لكنت من المحْضَرين} يعني في النار، لأن أحضر لا يستعمل مطلقاً إلا في الشر.

.تفسير الآيات (62- 74):

{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74)}
قوله عز وجل: {أذلك خيرٌ نزلاً أم شجرة الزقوم} والنُّزل العطاء الوافر ومنه إقامة الإنزال، وقيل ما يعد للضيف والعسكر. وشجرة الزقوم هي شجرة في النار يقتاتها أهل النار، مرة الثمر خشنة اللمس منتنة الريح.
واختلف فيها هل هي من شجر الدنيا التي يعرفها العرب أولا؟ على قولين:
أحدهما: أنها معروفة من شجر الدنيا، ومن قال بهذا اختلفوا فيها فقال قطرب: إنها شجرة مرّة تكون بتهامة من أخبث الشجر، وقال غيره بل كل نبات قاتل.
القول الثاني: أنها لا تعرف في شجر الدنيا، فلما نزلت هذه الآية في شجرة الزقوم قال كفار قريش: ما نعرف هذه الشجرة، فقال ابن الزبعرى: الزقوم بكلام البربر: الزبد والتمر فقال أبو جهل لعنه الله: يا جارية ابغينا تمراً وزبداً ثم قال لأصحابه تزقموا هذا الذي يخوفنا به محمد يزعم أن النار تنبت الشجر، والنار تحرق الشجر.
{إنا جعلناها فتنة للظالمين} فيه قولان:
أحدهما: أن النار تحرق الشجر فكيف ينبت فيها الشجر وهذا قول أبي جهل إنما الزقوم التمر والزبد أتزقمه فكان هذا هو الفتنة للظالمين، قاله مجاهد.
الثاني: أن شدة عذابهم بها هي الفتنة التي جعلت لهم، حكاه ابن عيسى.
قوله عز وجل: {إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم} فكان المقصود بهذا الذكر أمرين:
أحدهما: وصفها لهم لاختلافهم فيها.
الثاني: ليعلمهم جواز بقائها في النار لأنها تنبت من النار.
قال يحيى بن سلام: وبلغني أنها في الباب السادس وانها تحيا بلهب النار كما يحيا شجركم ببرد الماء.
{طلعها كأنه رؤُوس الشياطين} يعني بالطلع الثمر، فإن قيل فكيف شبهها برؤوس الشياطين وهم ما رأوها ولا عرفوها؟
قيل عن هذا أربعة أجوبة:
أحدها: أن قبح صورتها مستقر في النفوس، وإن لم تشاهد فجاز أن ينسبها بذلك لاستقرار قبحها في نفوسهم كما قال امرؤ القيس:
ايقتُلني والمشرفيّ مضاجعي ** ومسنونةٍ زُرقٍ كأنياب أغوال

فشببها بأنياب الأغوال وإن لم يرها الناس.
الثاني: أنه أراد رأس حية تسمى عندالعرب شيطاناً وهي قبيحة الرأس.
الثالث: أنه أراد شجراً يكون بين مكة واليمن يسمى رؤوس الشياطين، قاله مقاتل.
قوله عز وجل: {ثم إنّ لهم عليها لشوباً من حميم} يعني لمزاجاً من حميم والحميم الحار الداني من الإحراق قال الشاعر:
كأن الحميم على متنها ** إذا اغترفته بأطساسها

جُمان يجول على فضة ** عَلَتْه حدائد دوّاسها

ومنه سمي القريب حميماً لقربه من القلب، وسمي المحموم لقرب حرارته من الإحراق، قال الشاعر:
أحم الله ذلك من لقاءٍ ** آحاد آحاد في الشهر الحلال

أي أدناه فيمزج لهم الزقوم بالحميم ليجمع لهم بين مرارة الزقوم وحرارة الحميم تغليظاً لعذابهم وتشديداً لبلاتهم.
قوله عز وجل: {ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم} فيه أربعة أوجه: أحدها: يعني بأن مأواهم لإلى الجحيم، قاله عبد الرحمن بن زيد.
الثاني: أن منقلبهم لإلى الجحيم، قاله سفيان.
الثالث: يعني أن مرجعهم بعد أكل الزقوم إلى عذاب الجحيم، قاله ابن زياد.
الرابع: أنهم فيها كما قال الله تعالى: {يطوفون بينها وبين حميم آن} ثم يرجعون إلى مواضعهم، قاله يحيى بن سلام.

.تفسير الآيات (75- 82):

{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (82)}
قوله عز وجل: {ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون} أي دعانا، ودعاؤه كان على قومه عند إياسه من إيمانهم، وإنما دعا عليهم بالهلاك بعد طول الاستدعاء لأمرين:
أحدهما: ليطهر الله الأرض من العصاة.
الثاني: ليكونوا عبرة يتعظ بها من بعدهم من الأمم.
وقوله: {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: فلنعم المجيبون لنوح في دعائه.
الثاني: فلنعم المجيبون لمن دعا لأن التمدح بعموم الإجابة أبلغ.
{ونجيناه وأهله} قال قتادة: كانوا ثمانية: نوح وثلاثة بنين ونساؤهم، أربعة أي رجال وأربعة نسوة.
{من الكرب العظيم} فيه وجهان:
أحدهما: من غرق الطوفان، قاله السدي.
الثاني: من الأذى الذي كان ينزل من قومه، حكاه ابن عيسى.
{وجعلنا ذريته هم الباقين} قال ابن عباس: والناس كلهم بعد نوح من ذريته وكان بنوه ثلاثة: سام وحام ويافث، فالعرب والعجم أولاد سام، والروم والترك والصقالبة أولاد يافث والسودان من أولاد حام، قال الشاعر:
عجوز من بني حام بن نوح ** كأن جبينها حجر المقام

قوله عز وجل: {وتركنا عليه في الآخرين} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: معناه أبقى الله الثناء الحسن في الآخرين، قاله قتادة.
الثاني: لسان صدق للأنبياء كلهم، قاله مجاهد.
الثالث: هو قوله سلام عل نوح في العالمين، قاله الفراء.

.تفسير الآيات (83- 87):

{وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87)}
قوله عز وجل: {وإن من شيعته لإبراهيم} فيه وجهان:
أحدهما: من أهل دينه، قاله ابن عباس.
الثاني: على منهاجه وسنته، قاله مجاهد.
وفي أصل الشيعة في اللغة قولان:
أحدهما: أنهم الأتباع ومنه قول الشاعر:
قال الخليط غداً تصدُّ عَنّا ** أو شيعَه أفلا تشيعنا

قوله أو شيعه أي اليوم الي يتبع غداً، قاله ابن بحر.
الثاني: وهو قول الأصمعي الشيعة الأعوان، وهو مأخوذ من الشياع وهو الحطب الصغار الذي يوضع مع الكبار حتى يستوقد لأنه يعين على الوقود.
ثم فيه قولان:
أحدهما: إن من شيعة محمد لإبراهيم عليهما السلام، قاله الكلبي والفراء.
الثاني: من شيعة نوح لإبراهيم، قاله مجاهد ومقاتل.
وفي إبراهيم وجهان:
أحدهما: أنه اسم أعجمي وهو قول الأكثرين.
الثاني: مشتق من البرهمة وهي إدّامة النظر.
قوله عز وجل: {إذ جاء ربّه بقَلْب سليم} فيه أربعة أوجه:
أحدها: سليم من الشك، قاله قتادة.
الثاني: سليم من الشرك، قاله الحسن.
الثالث: مخلص، قاله الضحاك.
الرابع: ألا يكون لعاناً، قاله عروة بن الزبير.
ويحتمل مجيئه إلى ربه وجهين:
أحدهما: عند دعائه إلى توحيده وطاعته.
الثاني: عند إلقائه في النار.

.تفسير الآيات (88- 98):

{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)}
قوله عز وجل: {فنظر نظرة في النجوم} فيها أربعة تأويلات:
أحدها: أنه رأى نجماً طالعاً، فعلم بذلك أن له إلهاً خالقاً، فكان هذا نظره في النجوم، قاله سعيد بن المسيب.
الثاني: أنها كلمة من كلام العرب إذا تفكر الرجل في أمره قالوا قد نظر في النجوم، قاله قتادة.
الثالث: أنه نظر فيما نجم من قولهم، وهذا قول الحسن.
الرابع: أن علم النجوم كان من النبوة، فلما حبس الله تعالى الشمس على يوشع بن نون أبطل ذلك، فنظر إبراهيم فيها كان علماً نبوياً، قاله ابن عائشة.
وحكى جويبر عن الضحاك أن علم النجوم كان باقياً إلى زمن عيسى ابن مريم عليه السلام حتى دخلوا عليه في موضع لا يطلع عليه فقالت لهم مريم من أين علمتم موضعه؟ قالوا: من النجوم، فدعا ربه عند ذلك فقال: اللهم فوهمهم في علمها فلا يعلم علم النجوم أحد، فصار حكمها في الشرع محظوراً وعلمها في الناس مجهولاً. قال الكلبي وكانوا بقرية بين البصرة والكوفة يقال لها هرمزجرد وكانوا ينظرون في النجوم.
{فقال إني سقيم} فيه سبعة تأويلات:
أحدها: أنه استدل بها على وقت حمى كانت تأتيه.
الثاني: سقيم بما في عنقي من الموت.
الثالث: سقيم بما أرى من قبح أفعالكم في عبادة غير الله.
الرابع: سقيم لشكه.
الخامس: لعلمه بأن له إلهاً خالقاً معبوداً، قاله ابن بحر.
السادس: لعلة عرضت له.
السابع: أن ملكهم أرسل إليه أن غداً عيدنا فاخرج، فنظر إلى نجم فقال: إن ذا النجم لم يطلع قط إلا طلع بسقمي، فتولوا عنه مدبرين، قاله عبد الرحمن بن زيد قال سعيد بن المسيب: كابد نبي الله عن دينه فقال إني سقيم. وقال سفيان: كانوا يفرون من المطعون فأراد أن يخلوا بآلهتهم فقال: إني سقيم أي طعين وهذه خطيئته التي قال اغفر لي خطيئتي يوم الدين وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لم يكذب إبراهيم غير ثلاث: ثنتين في ذات الله عز وجل قوله إني سقيم، وقوله بل فعله كبيرهم هذا، وقوله في سارة هي أختي».
{فراغ إلى ءَالَهِتِهِمْ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: ذهب إليهم، قاله السدي.
الثاني: مال إليهم، قاله قتادة.
الثالث: صال عليهم، قاله الأخفش.
الرابع: أقبل عليهم، قاله الكلبي وقطرب، وهذا قريب من المعنيين المتقدمين.
{فقال ألا تأكلون} فيه قولان:
أحدهما: أنه قال ذلك استهزاء بهم، قاله ابن زياد.
الثاني: أنه وجدهم حين خرجوا إلى عيدهم قد صنعوا لآلهتهم طعاماً لتبارك لهم فيه فلذلك قال للأصنام وإن كانت لا تعقل عنه الكلام احتجاجاً على جهل من عبدها. وتنبيهاً على عجزها، ولذلك قال: {ما لكم لا تنطقون}.
{فراغ عليهم ضرباً باليمين} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يده اليمنى. قاله الضحاك، لأنها أقوى والضرب بها أشد.
الثاني: باليمين التي حلفها حين قال {وتالله لأكيدن أصنامكم} حكاه ابن عيسى.
الثالث: يعني بالقوة، وقوة النبوة أشد، قاله ثعلب.
{فأقبلوا إليه يزفون} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: يخرجون، قاله ابن عباس.
الثاني: يسعون، قاله الضحاك.
الثالث: يتسللون، حكاه ابن عيسى.
الرابع: يرعدون غضباً، حكاه يحيى بن سلام.
الخامس: يختالون وهو مشي الخيلاء، وبه قال مجاهد، ومنه أخذ زفاف العروس إلى زوجها، وقال الفرزدق:
وجاء قريع الشول قَبل إفالها ** يزفّ وجاءت خَلْفه وهي زفّف

قوله عز وجل: {والله خلقكم وما تعملون} فيه وجهان:
أحدهما: أن الله خلقكم وخلق عملكم.
الثاني: خلقكم وخلق الأصنام التي عملتموها.
{فأرادوا به كيداً} يعني إحراقه بالنار التي أوقدوها له.
{فجعلناهم الأسفلين} فيه أربعة أوجه:
أحدها: الأسفلين في نار جهنم، قاله يحيى.
الثاني: الأسفلين في دحض الحجة، قال قتادة: فما ناظروه بعد ذلك حتى أهلكوا.
الثالث: يعني المهلكين فإن الله تعالى عقب ذلك بهلاكهم.
الرابع: المقهورين لخلاص إبراهيم من كيدهم. قال كعب: فما انتفع بالنار يومئذٍ أحد من الناس وما أحرقت منه يومئذٍ إلا وثاقه.
وروت أم سبابة الأنصارية عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثها أن «إبراهيم لما ألقي في النار كانت الدواب كلها تطفئ عنه النار إلا الوزغة فإنها كانت تنفخ عليها» فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلها.