فصل: تفسير الآيات (76- 77):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (61- 62):

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)}
قوله عز وجل: {لأحتنكن ذُرِّيته إلاّ قليلاً} فيه ستة تأويلات:
أحدها: معناه لأستولين عليهم بالغلبة، قاله ابن عباس.
الثاني: معناه لأضلنهم بالإغواء.
الثالث: لأستأصلنهم بالإغواء.
الرابع: لأستميلنهم، قاله الأخفش.
الخامس: لأقودنهم إلى المعاصي كما تقاد الدابة بحنكها إذا شد فيه حبل يجذبها وهو افتعال من الحنك إشارة إلى حنك الدابة.
السادس: معناه لأقطعنهم إلى المعاصي، قال الشاعر:
أشْكوا إليك سَنَةً قد أجحفت ** جهْداً إلى جهدٍ بنا وأضعفت

واحتنكَتْ أَمْولُنا واجتلفت....

.تفسير الآيات (63- 65):

{قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)}
قوله عز وجل: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: واستخف، وهذا قول الكلبي والفراء.
الثاني: واستجهل.
الثالث: واستذل من استطعت، قاله مجاهد.
{بصوتك} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنه صوت الغناء واللهو، قاله مجاهد.
الثاني: أنه صوت المزمار، قاله الضحاك.
الثالث: بدعائك إلى معصية الله تعالى وطاعتك، قاله ابن عباس.
{وأجلب عليهم بخيلك ورجَلِكِ} والجلب هو السوْق بجلبه من السائق، وفي المثل: إذا لم تغلب فأجلب.
وقوله {بخيلك ورجلك} أي بكل راكب وماشٍ في معاصي الله تعالى.
{وشاركهم في الأموال والأولاد} أما مشاركتهم في الأموال ففيها أربعة أوجه:
أحدها: أنها الأموال التي أصابوها من غير حلها، قاله مجاهد.
الثاني: أنها الأموال التي أنفقوها في معاصي الله تعالى، قاله الحسن.
الثالث: ما كانوا يحرّمونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، قاله ابن عباس.
الرابع: ما كانوا يذبحون لآلهتهم، قاله الضحاك.
وأما مشاركتهم في الأولاد ففيها أربعة أوجه:
أحدها: أنهم أولاد الزنى، قاله مجاهد.
الثاني: أنه قتل الموؤودة من أولادهم، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه صبغة أولادهم في الكفر حتى هوّدوهم ونصّروهم، قاله قتادة. الرابع: أنه تسمية أولادهم عبيد آلهتهم كعبد شمس وعبد العزَّى وعبد اللات، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

.تفسير الآية رقم (66):

{رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66)}
قوله عز وجل: {ربُّكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر} معناه يجريها ويسيرها، قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد، قال الشاعر:
يا أيها الراكب المزجي مطيتُه ** سائل بني أسدٍ ما هذه الصوت

.تفسير الآية رقم (67):

{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)}
قوله عز وجل: {وإذا مَسّكم الضُّرُّ في البحر ضَلَّ من تدعون إلا إياه} فيه وجهان: أحدهما: بطل من تدعون سواه، كما قال تعالى: {أضلَّ أعمالهم} [محمد: 1] أي أبطلها.
الثاني: معناه غاب من تدعون كما قال تعالى: {أئِذا ضَلَلْنا في الأرض} [السجدة: 10] أي غِبْنَا.

.تفسير الآيات (68- 69):

{أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69)}
قوله عز وجل: {أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البَرِّ} يحتمل وجهين:
أحدهما: يريد بعض البر وهو موضع حلولهم منه، فسماه جانبه لأنه يصير بعد الخسف جانباً.
الثاني: أنهم كانوا على ساحل البحر، وساحله جانب البر، وكانوا فيه آمنين من أهوال البحر فحذرهم ما أمنوه من البر كما حذرهم ما خافوه من البحر.
{أو يُرْسِلَ عليكم حاصباً} فيه وجهان:
أحدهما: يعني حجارة من السماء، قاله قتادة.
الثاني: إن الحاصب الريح العاصف سميت بذلك لأنها تحصب أي ترمي بالحصباء. والقاصف الريح التي تقصف الشجر، قاله الفراء وابن قتيبة.

.تفسير الآية رقم (70):

{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)}
قوله تعالى: {ولقد كَرّمنا بني آدم} فيه سبعة أوجه:
أحدها: يعني كرمناهم بإنعامنا عليهم.
الثاني: كرمناهم بأن جعلنا لهم عقولاً وتمييزاً.
الثالث: بأن جعلنا منهم خير أمة أخرجت للناس.
الرابع: بأن يأكلوا ما يتناولونه من الطعام والشراب بأيديهم، وغيرهم يتناوله بفمه، قاله الكلبي ومقاتل.
الخامس: كرمناهم بالأمر والنهي.
السادس: كرمناهم بالكلام والخط.
السابع: كرمناهم بأن سخّرنا جميع الخلق لهم.
{ورزقناهُمْ من الطيبات} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ما أحله الله لهم.
الثاني: ما استطابوا أكله وشربه.
الثالث: أنه كسب العامل إذا نفع، قاله سهل بن عبد الله.
{وفضلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلاً} فيه أربعة أوجه:
أحدها: بالغلبة والاستيلاء.
الثاني: بالثواب والجزاء.
الثالث: بالحفظ والتمييز.
الرابع: بإصابة الفراسة.

.تفسير الآيات (71- 72):

{يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)}
قوله عز وجل: {يوم ندعوا كل أناسٍ بإمامِهمْ} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: بنبيِّهم، قاله مجاهد.
الثاني: بكتابهم الذي أنزل عليهم أوامر الله ونواهيه، قاله ابن زيد.
الثالث: بدينهم، ويشبه أن يكون قول قتادة.
الرابع: يكتب أعمالهم التي عملوها في الدنيا من خير وشر، قاله ابن عباس.
الخامس: بمن كانوا يأتمرون به في الدنيا فيتبعونه في خير أو شر، أو على حق، أو باطل، وهو معنى قول أبو عبيدة.
قوله عز وجل: {ومن كان في هذه أعمى} يحتمل أربعة أوجه:
أحدها: من كان في الدنيا أعمى عن الطاعة {فهو في الآخرة أعمى} عن الثواب. الثاني: ومن كان في الدنيا أعمى عن الاعتبار {فهو في الآخرة أعمى} عن الاعتذار.
الثالث: ومن كان في الدنيا أعمى عن الحق {فهو في الآخرة أعمى} عن الجنة.
الرابع: ومن كان في تدبير دنياه أعمى فهو تدبير آخرته أعمى {وأضل سبيلاً}.

.تفسير الآيات (73- 75):

{وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)}
قوله تعالى: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره} فيه قولان:
أحدهما: ما روى سعيد بن جبير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستلم الحجر في طوافه فمنعته قريش وقالوا لا ندعك تستلم حتى تلم بآلهتنا فحدث نفسه وقال: «ما عليّ أن ألمَّ بها بعد أن يعدوني أستلم الحجر واللّه يعلم أني لها كاره» فأبى الله تعالى وأنزل عليه هذه الآية، قاله مجاهد وقتادة.
الثاني: ما روى ابن عباس أن ثقيفاً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أجِّلْنا سنة حتى نأخذ ما نُهدي لآلهتنا، فإذا أخذناه كسرنا آلهتنا وأسلمْنا، فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطيعهم، فأنزل الله هذه الآية.
{لِتَفْتَريَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: لتدّعي علينا غير وحينا.
الثاني: لتعتدي في أوامرنا.
{وإذاً لاتخذوك خليلاً} فيه وجهان:
أحدهما: صديقاً، مأخوذ من الخُلة بالضم وهي الصداقة لممالأته لهم.
الثاني: فقيراً، مأخوذ من الخلة بالفتح وهي الفقر لحاجته إليهم.
قوله عز وجل: {إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات} فيه قولان:
أحدهما: لأذقناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك.
الثاني: لأذقناك ضعف عذاب الدنيا وضعف عذاب الآخرة، حكاه الطبري:
وفي المراد بالضِّعف ها هنا وجهان:
أحدها: النصيب، ومنه قوله تعالى: {لكل ضِعفٌ} [الأعراف: 38] أي نصيب.
الثاني: مثلان، وذلك لأن ذنبك أعظم.
وفيه وجه ثالث: أن الضعف هو العذاب يسمى ضعف لتضاعف ألمه، قاله أبان بن تغلب وأنشد قول الشاعر:
لمقتل مالكٍ إذ بان مني ** أبيتُ الليل في ضعفٍ أليم

قال قتادة: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين».

.تفسير الآيات (76- 77):

{وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77)}
قوله عز وجل: {وإن كادوا ليستفزونَك مِنَ الأرض ليخرجوك منها} في قوله {ليستفزّونك} وجهان:
أحدهما: يقتلونك، قاله الحسن.
الثاني: يزعجونك باتسخفافك، قاله ابن عيسى. قال الشاعر:
يُطِيعُ سَفِيهَ القوْمِ إذ يَسْتَفِزُّهُ ** ويعْصِي حَكِيماً شَيَّبَتْهُ الْهَزَاهِزُ

وفي قوله {ليخرجوك منها} أربعة أقاويل:
أحدها: أنهم اليهود أرادوا أن يخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، فقالوا: إن أرض الأنبياء هي الشام وإن هذه ليست بأرض الأنبياء، قاله سليمان التيمي.
الثاني: أنهم قريش هموا بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قبل الهجرة، قاله قتادة.
الثالث: أنهم أرادوا إخراجه من جزيرة العرب كلها لأنهم قد أخرجوه من مكة. الرابع: أنهم أرادوا قتله ليخرجوه من الأرض كلها، قاله الحسن.
{وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً} يعني بعدك، قال خلْفك وخلافك وقد قرئا جميعاً بمعنى بعدك، ومنه قول الشاعر:
عَفَتِ الدِّيَارُ خِلاَفَها فَكَأَنَّما ** بَسَطَ الشَّوَاطبُ بَيْنَهُم حَصِيراً

وقيل خلفك بمعنى مخالفتك، ذكره ابن الأنباري.
{إلا قليلاً} فيه وجهان:
أحدهما: أن المدة التي لبثوها بعده ما بين إخراجهم له إلى قتلهم يوم بدر، وهذا قوله من ذكر أنهم قريش.
الثاني: ما بين ذلك وقتل بني قريظة وجلاء بني النضير، وهذا قول من ذكر أنهم اليهود.