فصل: تفسير الآيات (82- 83):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (82- 83):

{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)}
قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرءَآنَ} أصل التدبر الدبور، لأنه النظر في عواقب الأمور.
{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} في الاختلاف ها هنا ثلاثة أقاويل:
أحدها: تناقض من جهة حق وباطل، وهذا قول قتادة، وابن زيد.
والثاني: من جهة بليغ ومرذول، وهو قول بعض البصريين.
والثالث: يعني اختلافاً في الأخبار عما يُسِرُّونَ، وهذا قول الزجاج.
قوله تعالى: {وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ} في المعني بهذا قولان:
أحدهما: المنافقون، وهو قول ابن زيد والضحاك.
والثاني: أنهم ضعفة المسلمين، وهو قول الحسن، والزجاج.
{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ} وفيهم ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم الأمراء، وهذا قول ابن زيد، والسدي.
والثاني: هم أمراء السرايا.
والثالث: هم أهل العلم والفقه، وهذا قول الحسن، وقتادة، وابن جريج، وابن نجيح، والزجاج.
{لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم أولو الأمر.
والثاني: أنهم المنافقون أو ضعفة المسلمين المقصودون بأول الآية، ومعنى يستنبطونه: أي يستخرجونه، مأخوذ من استنباط الماء، ومنه سُمِّي النبط لاستنباطهم العيون.
{وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لآتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} في فضل الله ها هنا ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: القرآن.
والثالث: اللطف والتوفيق.
وفي قوله تعالى: {لآتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} أربعة أقاويل:
أحدها: يعني لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً منكم فإنه لم يكن يتبع الشيطان.
والثاني: لعلمه الذين يستنبطون إلا قليلاً منكم وهذا قول الحسن وقتادة.
والثالث: أذاعوا به إلا قليلاً، وهذا قول ابن عباس، وابن زيد.
والرابع: لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً مع الاتباع.

.تفسير الآيات (84- 87):

{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85) وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)}
قوله تعالى: {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِنْهَا} في الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة قولان:
أحدهما: أنه مسألة الإنسان في صاحبه أن يناله خير بمسألته أو شر بمسألته، وهذا قول الحسن، ومجاهد، وابن زيد.
والثاني: أن الشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمنين، والشفاعة السيئة الدعاء عليهم، لأن اليهود كانت تفعل ذلك فتوعَّدَهُم الله عليه. وفي الكِفْلِ تأويلان:
أحدها: أنه الوِزر والإثم، وهو قول الحسن، وقتادة.
والثاني: أنه النصيب، كما قال تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} [الحديد: 28] وهو قول السدي، والربيع، وابن زيد.
{وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: يعني مقتدراً، وهو قول السدي، وابن زيد.
والثاني: حفيظاً، وهو قول ابن عباس، والزجاج.
والثالث: شهيداً، وهو قول مجاهد.
والرابع: حسيباً، وهو قول ابن الحجاج، ويحكى عن مجاهد أيضاً.
والخامس: مجازياً، وأصل المقيت القوت، فَسُمِّي به المقتدر لأنه قادر على إعطاء القوت، ثم صار اسماً في كل مقتدر على كل شيءٍ من قوت غيره، كما قال الزبير ابن عبد المطلب:
وذي ضَغَنٍ كَففْتُ النَّفْسَ عنه ** وكنتُ على مَسَاءَتِهِ مُقِيتاً

قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَا} في المراد بالتحية ها هنا قولان:
أحدهما: أنه الدعاء بطول الحياة.
والثاني: السلام تطوع مستحب، ورده فرض، وفيه قولان:
أحدهما: أن فرض رّدِّهِ عَامٌّ في المسلم والكافر، وهذا قول ابن عباس، وقتادة، وابن زيد.
والثاني: أنه خاص في المسلمين دون الكافر، وهذا قول عطاء.
وقوله تعالى: {بِأَحْسَنَ مِنْهَآ} يعني الزيادة في الدعاء.
{أَوْ رُدُّوهَا} يعني بمثلها، وروى الحسن أن رجلاً سلَّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَعَلَيْكُمُ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ» ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَعَلَيْكُمُ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وًبَرَكاَتُهُ» ثم جاء آخر فقال: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وَعَلَيْكُم» فقيل: يا رسول الله رددت على الأول والثاني وقلت للثالث وعليكم، فقال: «إِنَّ الأَوَّلَ سَلّمَ وَأَبْقَى مِنَ التَّحِيَّةِ شَيئاً، فَرَدَدْتُ عَلَيهِ بِأَحْسَنَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، كَذَلِكَ الثَّانِي، وإنَّ الثَّالِثَ جَاءَ بِالتَّحِيَّةِ كُلِّهَا، فَرَدَدْتُ عَلَيهِ مِثْلَ ذَلِكَ».
وقد قال ابن عباس: ترد بأحسن منها على أهل الإِسلام، أو مثلها على أهل الكفر، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تَبْدَأُواْ اليَهُودُ بِالسَّلاَمِ فَإِنْ بَدَأُوكُم فَقُولُواْ: عَلَيكُم».
{إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يعني حفيظاً، وهو قول مجاهد.
والثاني: محاسباً على العمل للجزاء عليه، وهو قول بعض المتكلمين.
والثالث: كافياً، وهو قول البلخي.
قوله تعالى: {الله لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ} وفي تسمية القيامة قولان:
أحدهما: لأن الناس يقومون فيه من قبورهم.
والثاني: لأنهم يقومون فيه للحساب.

.تفسير الآيات (88- 91):

{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91)}
قوله تعالى: {فَمَا لَكُم فِي المُنَافِقِينَ فِئَتَينِ} اختلف فيمن نزلت هذه الآية بسببه على خمسة أقاويل:
أحدها: أنها نزلت في الذين تخلَّفُواْ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وقالواْ: لو نعلم قتالاً لاتبعناكم، وهذا قول زيد بن ثابت.
والثاني: أنها نزلت في قوم قَدِمُواْ المدينة فأظهروا الإسلام، ثم رجعواْ إلى مكة فأظهروا الشرك، وهذا قول الحسن، ومجاهد.
والثالث: أنها نزلت في قوم أظهرواْ الإِسلام بمكة وكانواْ يعينون المشركين على المسلمين، وهذا قول ابن عباس، وقتادة.
والرابع: أنها نزلت في قوم من أهل المدينة أرادوا الخروج عنها نفاقاً، وهذا قول السدي.
والخامس: أنها نزلت في قوم من أهل الإفك، وهذا قول ابن زيد.
وفي قوله تعالى: {وَاللهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا} خمسة تأويلات:
أحدها: معناه ردهم، وهذا قول ابن عباس.
والثاني: أوقعهم، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً.
والثالث: أهلكهم، وهذا قول قتادة.
والرابع: أَضَلَّهم، وهذا قول السدي.
والخامس: نكسهم، وهذا قول الزجاج.
{أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللهُ} فيه قولان:
أحدهما: أن تُسَمُّوهم بالهُدى وقد سمّاهم الله بالضلال عقوبة لهم.
والثاني: تهدوهم إلى الثواب بمدحهم والله قد أَضَلَّهم بذمهم.
{إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ} أي يدخلون في قوم بينكم وبينهم أمان فلهم منه مثل ما لكم.
قال عكرمة: نزلت في الهلال بن عويمر الأسلمي، وسراقة بن مالك بن جُعْثَم، وخزيمة بن عامر بن عبد مناف.
قال الحسن: هؤلاء بنو مُدْلِج كان بينهم وبين قريش عهد، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش عهد، فحرم الله من بني مُدْلِجِ ما حرّم من قريش.
{أَوْ جَآؤُكُمْ حَصِرتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ} معنى حصرت أي ضاقت، ومنه حُصِرَ العدو وهو الضيق، ومنه حصر العداة لأنهم قد ضاقت عليهم مذاهبهم.
ثم فيه قولان:
أحدهما: أنه إخبارٌ من الله عنهم بأن صدورهم حَصِرتْ.
والثاني: أنه دعاء من الله عليهم بأن تُحصَرَ صدورهم، وهذا قول أبي العباس.
{وَلَوْ شَآءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ} وفي تسليطهم قولان:
أحدهما: بتقوية قلوبهم.
والثاني: بالإذن في القتال ليدافعواْ عن أنفسهم.
{فَإِن اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} فيه قولان:
أحدهما: الصلح، وهو قول الربيع.
والثاني: الإِسلام، وهو قول الحسن.
{فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} قال الحسن، وقتادة، وعكرمة: هي منسوخة بقوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5].
قوله تعالى: {سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ} هم قوم يُظْهِرُونَ لقومهم الموافقة ليأمنوهم، وللمسلمين الإسلام ليأمنوهم، وفيهم أربعة أقاويل:
أحدها: أنهم أهل مكة، وهذا قول مجاهد.
والثاني: أنهم من أهل تهامة، وهذا قول قتادة.
والثالث: قوم من المنافقين، وهذا قول الحسن.
والرابع: أنه نعيم بن مسعود الأشجعي، وهذا قول السدي.
{كُلَّ مَا ردُوُّاْ إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُواْ فِيهَا} أي كلما رُدُّوا إلى المحنة في إظهار الكفر رجعواْ فيه.

.تفسير الآيات (92- 93):

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)}
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً} اختلف فيمن نزلت فيه هذه الآية على قولين:
أحدهما: أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي وكان أخا أبي جهل لأمه قتل الحارث بن زيد من بني عامر بن لؤي، لأنه كان يعذب عياشاً مع أبي جهل واختلف أين قتله، فقال عكرمة ومجاهد: قتله بالحرّة بعد هجرته إلى المدينة وهو لا يعلم بإسلامه، وقال السدي: قتله يوم الفتح وقد خرج من مكة وهو لا يعلم بإسلامه.
والقول الثاني: أنها نزلت في أبي الدرداء حين قتل رجلاً بالشعب فحمل عليه بالسيف، فقال: لا إله إلا الله، فبدر فضربه ثم وجد في نفسه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أّلاَ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ»
وهذا قول ابن زيد. فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً} يعني وما أّذِنَ الله لمؤمن أن يقتل مؤمناً.
ثم قال: {إلاَّ خَطَأ} يعني أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ وليس مما جعله الله له، وهذا من الاستثناء الذي يسميه أهل العربية: الاستثناء المنقطع، ومنه قول جرير:
من البيض لم تظعن بعيداً ولم تطأ ** على الأرض إلاّ ريْط بُردٍ مرحّلِ

يعني ولم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد وليس البرد من الأرض.
{وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} وفيها قولان:
أحدهما: أنها لا يجزئ عتقها في الكفارة إلا أن تكون مؤمنة بالغة قد صلت وصامت، وهذا قول ابن عباس، والشعبي، والحسن، وقتادة، وإبراهيم.
والقول الثاني: أن الصغيرة المولودة من أبوين مسلمين تكون مؤمنة تجزئ في الكفارة، وهذا قول عطاء، والشافعي.
{وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} في الدية وجهان:
أحدهما: أنها مجملة أخذ بيانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أنها معهودة تقدم العمل بها ثم توجه الخطاب إليها فجعل الله الرقبة تكفيراً للقاتل في ماله والدية بدلاً من نفس المقتول على عاقلته.
{فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} فيه قولان:
أحدهما: أي إن كان قومه كفاراً وهو مؤمن ففي قتله تحرير رقبة مؤمنة وليس فيه ديةُ، وهو قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، وابن زيد. قال ابن زيد: لا تؤدى إليهم لأنهم يَتَقوُّونَ بها.
والثاني: معناه فإن كان من قومٍ عدو لكم يعني أهل حرب إذا كان فيهم مؤمن فَقُتِلَ من غير علم بإيمانه ففيه الكفارة دون الدية سواء كان وارثه مسلماً أو كافراً وهذا قول الشافعي، ويكون معنى قوله: {من قوم إلى قوم}، وعلى القول الأول هي مستعملة على حقيقتها.
ثم قال تعالى: {وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنةٍ} فيهم ثلاثة أقاويل:
أحدها: هم أهل الذمة من أهل الكتاب، وهو قول ابن عباس، يجب في قتلهم الدية والكفارة.
والثاني: هم أهل عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب خاصة، وهذا قول الحسن.
والثالث: هم كل من له أمان بذمة أو عهد فيجب في قتله الدية والكفارة، وهو قول الشافعي.
ثم قال تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} فيه قولان:
أحدهما: أن الصوم بدل من الرقبة وحدها إذا عدمها دون الدية، وهذا قول الجمهور.
والثاني: أنه بدل من الرقبة والدية جميعاً عند عدمها، وهذا قول مسروقٍ.
قوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} قال ابن جريج: نزلت في مقيس بن صبابة، وقد كان رجل من بني فهر قتل أخاه، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الدية وضربها علي بني النجار، فقبلها، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيس بن صبابة ومعه الفهري في حاجة فاحتمل مقيس الفهريَّ وكان أَيِّدا فضرب به الأرض ورضخ رأسه بين حجرين ثم ألقى يغني:
قتلت به فِهراً وحملت عقله ** سراة بني النجار أرباب فارع

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَظُنُّهُ أَحْدَثَ حَدَثاً، أَمَا وَاللَّهِ لَئِن كَانَ فَعَلَ لاَ أُؤَمِّنْهُ فِي حِلٍ وَلاَ حَرمٍ فَقُتِلَ عَامَ الفَتْحِ».
وروى سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{وَمَن يَقْتُلْ مَؤْمِناً مُّتَعمِدّاً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ}» الآية، فقيل له: وإن تاب وآمن وعمل صالحاً. قال وأنَّى له التوبة. قال زيد بن ثابت. فنزلت الشديدة بعد الهدنة بستة أشهر، يعني قوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} بعد قوله: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهَ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68].