فصل: تفسير الآية رقم (58):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (38- 45):

{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)}
قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني لئن كانوا في لدنيا صماً عمياً عن الحق فما أسمعهم له وأبصرهم به في الآخرة يوم القيامة، قاله الحسن، وقتادة.
الثاني: أسمع بهم اليوم وأبصر كيف يصنع بهم يوم القيامة يوم يأتوننا، قاله أبو العالية.
ويحتمل ثالثا: أسمع أمَّتَك بما أخبرناك من حالهم فستبصر يوم القيامة ما يصنع بهم.
قوله تعالى: {وَأَنذرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ} فيه وجهان:
أحدهما: يوم القيامة إذا قضي العذاب عليهم، قاله الكلبي.
الثاني: يوم الموت إذ قضى الموت انقطاع التوبة واستحقاق الوعيد، قاله مقاتل.

.تفسير الآيات (46- 48):

{قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48)}
قال تعالى: {لأَرْجُمَنَّكَ} فيه وجهان:
أحدهما: بالحجارة حتى تباعد عني، قاله الحسن.
الثاني: لأرجمنك بالذم باللسان والعيب بالقول، قاله الضحاك، والسدي، وابن جريج.
{وَاهْجُرنِي مَلِيّاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: دهراً طويلاً، قاله الحسن، ومجاهد، وابن جبير، والسدي، ومنه قول مهلهل.
فتصدعت صم الجبال لموته ** وبكت عليه المرملات ملياً

الثاني: سوياً سليماً من عقوبتي، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك، وعطاء.
الثالث: حيناً، قاله عكرمة.
قوله تعالى: {قَالَ سَلاَمٌ عَلَيكَ} هذا سلام إبراهيم على أبيه، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه سلام توديع وهجر لمقامه على الكفر، قاله ابن بحر.
الثاني: وهو أظهر أنه سلام بر وإكرام، فقابل جفوة أبيه بالبر تأدية لحق الأبوة وشكراً لسالف التربية.
ثم قال: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} وفيه وجهان:
أحدهما: سأستغفر لك إن تركت عبادة الأوثان.
الثاني: معناه سأدعوه لك بالهداية التي تقتضي الغفران. {إنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} فيه خمسة أوجه:
أحدها: مُقَرِّباً.
الثاني: مُكْرِماً.
الثالث: رحيماً، قاله مقاتل.
الرابع: عليماً، قاله الكلبي.
الخامس: متعهداً.

.تفسير الآيات (49- 50):

{فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)}
قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} فيه وجهان:
أحدهما: جعلنا لهم ذكراً جميلاً وثناءً حسناً، قاله ابن عباس، وذلك أن جمع الملك بحسن الثناء عليه.
الثاني: جعلناهم رسلاً لله كراماً على الله، ويكون اللسان بمعنى الرسالة: قال الشاعر:
أتتني لسان بني عامر ** أحاديثهما بعد قول ونكر.

ويحتمل قولاً [ثالثاً] أن يكون الوفاء بالمواعيد والعهود.

.تفسير الآيات (51- 53):

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53)}
قوله تعالى: {وَنَادَينَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ} والطور جبل بالشام ناداه الله من ناحيته اليمنى. وفيه وجهان:
أحدهما: من يمين موسى. الثاني: من يمين الجبل، قاله مقاتل.
{وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه قربه من الموضع الذي شرفه وعظمه بسماع كلامه.
الثاني: أنه قربه من أعلى الحجب حتى سمع صريف القلم، قاله ابن عباس، وقال غيره: حتى سمع صرير القلم الذي كتب به التوراة.
الثالث: أنه قربه تقريب كرامة واصطفاء لا تقريب اجتذاب وإدناء لأنه لا يوصف بالحلول في مكان دون مكان فيقرب من بعد أو يبعد من قرب، قاله ابن بحر.
وفي قوله: {نَجِيّاً} ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه مأخوذ من النجوى، والنجوى لا تكون إلا في الخلوة، قاله قطرب.
الثاني: نجاه لصدقه مأخوذ من النجاة.
الثالث: رفعه بعد التقريب مأخوذ من النجوة وهو الإِرتفاع، قال الحسن لم يبلغ موسى من الكلام الذي ناجاه به شيئاً.

.تفسير الآيات (54- 55):

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)}
قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} وصفه بصدق الوعد لأنه وعد رجلاً أن ينتظره، قال ابن عباس: حولاً حتى أتاه. وقال يزيد الرقاشي: انتظره اثنين وعشرين يوماً. وقال مقاتل: انتظره ثلاثة أيام.
{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ} فيه وجهان:
أحدهما: يأمر قومه فسماهم أهله.
الثاني: أنه بدأ بأهله قبل قومه. وفي الصلاة والزكاة ما قدمناه. وهو على قوله الجمهور: إسماعيل بن إبراهيم. وزعم بعض المفسرين أنه ليس بإسماعيل بن إبراهيم لأن إسماعيل مات قبل إبراهيم، وإن هذا هو إسماعيل بن حزقيل بعثه الله إل قومه فسلخوا جلدة رأسه، فخيره الله تعالى فيما شاء من عذابهم فاستعفاه ورضي بثوابه وفوض أمرهم إليه في عفوه أو عقوبته.

.تفسير الآيات (56- 57):

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)}
قوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} فيه قولان:
أحدهما: أن إدريس رفع إلى السماء الرابعة، وهذا قول أنس بن مالك في حديث مرفوع، وأبي سعيد الخدري، وكعب، ومجاهد.
الثاني: رفعه إلى السماء السادسة، قاله ابن عباس، والضحاك، وهو مرفوع في السماء.
واختلفوا في موته فيها على قولين:
أحدهما: أنه ميت فيها، قاله مقاتل وقيل أنه مات بين السماء الرابعة والخامسة.
الثاني: أنه حيّ فيها لم يمت مثل عيسى. روى ابن إسحاق أن إدريس أول من أُعْطِي النبوة من ولد آدم وأول من خط بالقلم، وهو أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوش بن شيث بن آدم. وحكى ابن الأزهر عن وهب بن منبه أن إدريس أول من اتخذ السلاح وجاهد في سبيل الله وسبى، ولبس الثياب وإنما كانوا يلبسون الجلود، وأول من وضع الأوزان والكيول، وأقام علم النجوم، والله أعلم.

.تفسير الآية رقم (58):

{أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)}
قوله تعالى: {خَرّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً} أي سُجّداً لله، وبكياً جمع باك، ليكون السجود رغبة والبكاء رهبة. وقد روي في الحديث: «فَهذَا السُّجُودُ فَأَينَ البُكَاءُ؟» يعني هذه الرغبة فأين الرهبة؟ لأن الطاعة لا تخلص إلا بالرغبة والرهبة.

.تفسير الآيات (59- 60):

{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)}
قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} الآية. في الفرق بين الخلْف بتسكين اللام والخلف بتحريكها وجهان:
أحدهما: أنه بالفتح إذا خلفه من كان من أهله، وبالتسكين إذا خلفه من ليس من أهله.
الثاني: أن الخلْف بالتسكين مستعمل في الذم، وبالفتح مستعمل في المدح قال لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ** وبقيت في خلفٍ كجلد الأجْرب

وفي هذا الخلف قولان:
أحدهما: أنهم اليهود من بعد ما تقدم من الأنبياء، قاله مقاتل. الثاني: أنهم من المسلمين.
فعلى هذا في قوله {من بَعْدِهِم} قولان:
أحدهما: من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، من عصر الصحابة وإلى قيام الساعة كما روى الوليد بن قيس حكاه إبراهيم عن عبيدة.
الثاني: إنهم من بعد عصر الصحابة. روى الوليد بن قيس عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَكُونُ بَعْدَ سِتِّينَ سَنَةً {خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ}». الآية.
وفي إضاعتهم الصلاة قولان:
أحدهما: تأخيرها عن أوقاتها، قال ابن مسعود وعمر بن عبد العزيز.
الثاني: تركها، قاله القرظي.
ويحتمل ثالثاً: أن تكون إضاعتها الإِخلال باستيفاء شروطها.
{فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: أنه واد في جهنم، قالته عائشة وابن مسعود.
الثاني: أنه الخسران، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه الشر، قاله ابن زيد.
الرابع: الضلال عن الجنة. الخامس: الخيبة، ومنه قول الشاعر:
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره ** ومن يغو لا يعدم على الغي لائماً

من يغو: أي من يخب.

.تفسير الآيات (61- 63):

{جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63)}
قوله تعالى: {لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً} فيه وجهان:
أحدهما: الكلام الفاسد.
الثاني: الخلف، قاله مقاتل.
{إلاَّ سَلاَماً} فيه وجهان:
أحدهما: إلا السلامة.
الثاني: تسليم الملائكة عليهم، قاله مقاتل.
{وَلَهُمْ رَزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشيًّاً} فيه وجهان:
أحدهما: أن العرب إذا أصابت الغداء والعشاء نعمت، فأخبرهم الله أن لهم في الجنة غداء وعشاء، وإن لم يكن في الجنة ليل ولا نهار.
الثاني: معناه مقدار البكرة ومقدار العشي من أيام الدنيا، قاله ابن جريج. وقيل إنهم يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وغلق الأبواب، ومقدار النهار. برفع الحجب وفتح الأبواب.
ويحتمل أن تكون البكرة قبل تشاغلهم بلذاتهم، والعشي بعد فراغهم من لذاتهم، لأنه يتخللها فترات انتقال من حال إلى حال.