فصل: تفسير الآية رقم (82):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (78- 79):

{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)}
قوله عز وجل: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل}.
أما دلوك الشمس ففيه تأويلان:
أحدهما: أنه غروبها، وأن الصلاة المأمور بها صلاة المغرب، ومنه قول ذي الرمة:
مصابيح ليست باللواتي تقودها ** نجومٌ ولا بالآفات الدوالك

قاله ابن مسعود وابن زيد، ورواه مجاهد عن ابن عباس، وهو مذهب أبي حنيفة.
الثاني: أنه زوالها، والصلاة المأمور بها صلاة الظهر، وهذا قول ابن عباس في رواية الشعبي عنه، وهو قول أبي بردة والحسن وقتادة ومجاهد، وهو مذهب الشافعي ومالك لرواية أبي بكر بن عمرو بن حزم عن ابن مسعود وعقبة بن عامر قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر» وقال الشاعر:
هذا مُقام قَدَامي رباح ** ذَيّبَ حتى دَلَكت بَراح

وبراح اسم الشمس، والباء التي فيه من أصل الكلمة، وذهب بعض أهل العربية إلى أن الباء التي فيها باء الجر، واسم الشمس راح.
فمن جعل الدلوك اسماً لغروبها فلأن الإنسان يدلك عينيه براحته لتبينها، ومن جعله اسماً لزوالها فلأنه يدلك عينيه براحته لشدة شعاعها. وقيل إن أصل الدلوك في اللغة هو الميل، والشمس تميل عند زوالها وغروبها فلذلك انطلق على كل واحدٍ منهما.
وأما {غسق الليل} ففيه تأويلان:
أحدهما: أنه ظهور ظلامه، قاله الفراء وابن عيسى، ومنه قول زهير:
ظَلَّت تَجُودُ يَدَاها وهِيَ لاَهِيَةٌ ** حتى إذا جَنَحَ الإِظْلاَمُ والغَسَقُ

الثاني: أنه دنوّ الليل وإقباله، وهوقول ابن عباس وقتادة. قال الشاعر:
إن هذا الليل قد غسقا

وفي الصلاة المأمور بها قولان:
أحدهما: أنها صلاة المغرب، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك.
الثاني: هي صلاة العشاء الآخرة، قاله أبو جعفر الطبري.
ثم قال {وقرآن الفَجْر إنّ قرآن الفجْر كان مشهوداً} في {قرآن} تأويلان:
أحدهما: أقم القراءة في صلاة الفجر، وهذا قول أبي جعفر الطبري.
الثاني: معناه صلاة الفجر، فسماها قرآناً لتأكيد القراءة في الصلاة، وهذا قول أبي اسحاق الزجاج.
{إن قرآن الفجر كان مشهوداً} فيه قولان:
أحدهما: إن من الحكمة أن تشهده بالحضور إليه في المساجد، قاله ابن بحر.
الثاني: ان المراد به ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار» وفي هذا دليل على أنها ليست من صلاة الليل ولا من صلاة النهار.
قوله عز وجل: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} أما الهجود فمن أسماء الأضداد، وينطلق على النوم وعلى السهر، وشاهد انطلاقه على السهر قول الشاعر:
ألا زارت وأهْلُ مِنىً هُجُود ** ولَيْتَ خَيَالَهَا بِمِنىً يعُود

وشاهد انطلاقه على النوم قول الشاعر:
أَلا طَرَقَتْنَا والرِّفَاقُ هُجُود ** فَبَاتَتْ بِعُلاَّت النّوالِ تجود

أما التهجد فهو السهر، وفيه وجهان:
أحدهما: السهر بالتيقظ لما ينفي النوم، سواء كان قبل النوم أو بعده.
الثاني: أنه السهر بعد النوم، قاله الأسود بن علقمة.
وفي الكلام مضمر محذوف وتقديره: فتهجد بالقرآن وقيام الليل نافلة أي فضلاً وزيادة على الفرض.
وفي تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بأنها نافلة له ثلاثة أوجه:
أحدها: تخصيصاً له بالترغيب فيها والسبق إلى حيازة فضلها، اختصاصها بكرامته، قاله علي بن عيسى.
الثاني: لأنها فضيلة له، ولغيره كفارة، قاله مجاهد.
الثالث: لأنها عليه مكتوبة ولغيره مستحبة، قاله ابن عباس.
{عسى أن يبعثك ربُّك مقاماً محموداً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن المقام المحمود الشفاعة للناس يوم القيامة، قاله حذيفة بن اليمان.
الثاني: أنه إجلاسه على عرشه يوم القيامة، قاله مجاهد.
الثالث: أنه إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة.
ويحتمل قولاً رابعاً: أن يكون المقام المحمود شهادته على أمته بما أجابوه من تصديق أو تكذيب، كما قال تعالى: {وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} [النساء: 41].

.تفسير الآيات (80- 81):

{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)}
قوله عز وجل: {وقل ربِّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مُخرج صدق} فيه سبعة أقاويل:
أحدها: أن مدخل الصدق دخوله إلى المدينة حين هاجر إليها، ومخرج صدق بخروجه من مكة حين هاجر منها، قاله قتادة وابن زيد.
الثاني: أدخلني مدخل صدق إلى الجنة وأخرجني مخرج صدق من مكة إلى المدينة، قاله الحسن.
الثالث: أدخلني مدخل صدق فيما أرسلتني به من النبوة، وأخرجني منه بتبليغ الرسالة مخرج صدق، وهذا قول مجاهد.
الرابع: أدخلني في الإسلام مدخل صدق، وأخرجني من الدنيا مخرج صدق، قاله أبو صالح.
الخامس: أدخلني مكة مدخل صدق وأخرجني منها مخرج صدق آمناً، قاله الضحاك.
السادس: أدخلني في قبري مدخل صدق، وأخرجني منه مخرج صدق، قاله ابن عباس.
السابع: أدخلني فيما أمرتني به من طاعتك مدخل صدق، وأخرجني مما نهيتني عنه من معاصيك مخرج صدق، قاله بعض المتأخرين.
والصدق ها هنا عبارة عن الصلاح وحسن العاقبة. {واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يعني مُلكاً عزيزاً أقهر به العصاة، قاله قتادة.
الثاني: حجة بيّنة، قاله مجاهد.
الثالث: أن السلطة على الكافرين بالسيف، وعلى المنافقين بإقامة الحدود قاله الحسن.
ويحتمل رابعاً: أن يجمع له بين القلوب باللين وبين قهر الأبدان بالسيف.
قوله عز وجل: {وقُلْ جاء الحق وزهق الباطل} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن الحق هو القرآن، والباطل هو الشيطان، قاله قتادة.
الثاني: أن الحق عبادة الله تعالى والباطل عبادة الأصنام، قاله مقاتل بن سليمان.
الثالث: أن الحق الجهاد، والباطل الشرك، قاله ابن جريج. {إن الباطل كان زهوقاً} أي ذاهباً هالكاً، قال الشاعر:
ولقدْ شفَى نفسي وأبْرأ سُقْمَهَا ** إِقدامُهُ قهْراً له لَمْ يَزْهَق

وحكى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة ورأى فيها التصاوير أمر بثوب فبُل بالماء وجعل يضرب به تلك التصاوير ويمحوها ويقول {جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً}

.تفسير الآية رقم (82):

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)}
قوله عز وجل: {وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين} يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: شفاء من الضلال، لما فيه من الهدى.
الثاني: شفاء من السقم، لما فيه من البركة.
الثالث: شفاء من الفرائض والأحكام، لما فيه من البيان.
وتأويله الرحمة ها هنا على الوجوه الأُوَلِ الثلاثة:
أحدها: أنها الهدى.
الثاني: أنها البركة.
الثالث: أنها البيان.
{ولا يزيد الظالمين إلا خساراً} يحتمل وجهين:
أحدهما: يزيدهم خساراً لزيادة تكذيبهم.
الثاني: يزيدهم خساراً لزيادة ما يرد فيه من عذابهم.

.تفسير الآيات (83- 84):

{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)}
قوله عز وجل: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه} يحتمل وجهين:
أحدهما: إذا أنعمنا عليه بالصحة والغنى أعرض ونأى وبعد من الخير.
الثاني: إذا أنعمنا عليه بالهداية أعرض عن السماع وبعُد من القبول وفي قوله {ونأى بجانبه} وجهان:
أحدهما: أعجب بنفسه، لأن المعجب نافر من الناس متباعد عنهم.
الثاني: تباعد من ربه.
{وإذا مَسّهُ الشر كان يئوساً} يحتمل إياسه من الفرج إذا مسه الشر وجهين:
أحدهما: بجحوده وتكذيبه.
الثاني: بعلمه بمعصيته أنه معاقب على ذنبه.
وفي {الشر} ها هنا ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنه الفقر، قاله قتادة.
الثاني: أنه السقم، قاله الكلبي.
الثالث: السيف، وهو محتمل.
قوله عز وجل: {قُلْ كلٌّ يعمل على شاكلته} في ستة تأويلات:
أحدها: على حِدّته، قاله مجاهد.
الثاني: على طبيعته، قاله ابن عباس.
الثالث: على بيته، قاله قتادة.
الرابع: على دينه، قاله ابن زيد.
الخامس: على عادته.
السادس: على أخلاقه.
{فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً} فيه وجهان:
أحدهما: أحسن ديناً.
الثاني: أسرع قبولاً.

.تفسير الآية رقم (85):

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)}
قوله عز وجل: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} فيها خمسة أقاويل:
أحدها: أنه جبريل عليه السلام، قاله ابن عباس. كما قال تعالى: {نزل به الروح الأمين} [الشعراء: 193].
الثاني: ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى بجميع ذلك، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
الثالث: أنه القرآن، قاله الحسن، كما قال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا} [الشورى: 52] فيكون معناه أن القرآن من أمر الله تعالى ووحيه الذي أنزل عليّ وليس هو مني.
الرابع: أنه عيسى ابن مريم هو من أمر الله تعالى وليس كما ادعته النصارى أنه ابن الله، ولا كما افترته اليهود أنه لغير رشدة.
الخامس: أنه روح الحيوان، وهي مشتقة من الريح. قال قتادة سأله عنها قوم من اليهود وقيل في كتابهم أنه إن أجاب عن الروح فليس بنبيّ فقال الله تعالى: {قل الروح من أمر ربي} فلم يجبهم عنها فاحتمل ذلك ستة أوجه:
أحدها: تحقيقاً لشيء إن كان في كتابهم.
الثاني: أنهم قصدوا بذلك الإعنات كما قصدوا اقتراح الآيات.
الثالث: لأنه قد يتوصل إلى معرفته بالعقل دون السمع.
الرابع: لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سؤال ما لا يعني.
الخامس: قاله بعض المتكلمين، أنه لو أجابهم عنها ووصفها؛ بأنها جسم رقيق تقوم معه الحياة، لخرج من شكل كلام النبوة، وحصل في شكل كلام الفلاسفة. فقال {من أمر ربي} أي هو القادر عليه.
السادس: أن المقصود من سؤالهم عن الروح أن يتبين لهم أنه محدث أو قديم، فأجابهم بأنه محدث لأنه قال: {من أمر ربي} أي من فعله وخلقه، كما قال تعالى: {إنما أمرنا لشيء}.
فعلى هذا الوجه يكون جواباً لما سألوه، ولا يكون على الوجوه المتقدمة جواباً.
{وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} فيه وجهان:
أحدهما: إلا قليلاً من معلومات الله.
الثاني: إلا قليلاً بحسب ما تدعو الحاجة إليه حالاً فحالاً.
وفيمن أريد بقوله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} قولان:
أحدهما: أنهم اليهود خاصة، قاله قتادة.
الثاني: النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الخلق.