فصل: تفسير الآية رقم (89):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (84- 88):

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)}
قوله عز وجل: {وألقوا إلى الله يومئذ السلم} يحتمل وجهين:
أحدهما: استسلامهم لعذابه، وخضوعهم لعزه.
الثاني: إقرارهم بما كانوا ينكرون من طاعته.
{وضَلَّ عنهم ما كانوا يفترون} يحتمل وجهين:
أحدهما: وبطل ما كانوا يأملون.
الثاني: خذلهم ما كانوا به يستنصرون.
قوله عز وجل: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زِدناهُم عذاباً فوق العذاب} فيه وجهان:
أحدهما: أن الزيادة هي عذاب الدنيا مع ما يستحق من عذاب الآخرة.
الثاني: أن أحد العذابين على كفرهم، والعذاب الآخر على صدهم عن سبيل الله ومنعهم لغيرهم من الإيمان.
{بما كانوا يفسدون} في الدنيا بالمعاصي.

.تفسير الآية رقم (89):

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)}
قوله عز وجل: {ويوم نبعث في كل أمةٍ شهيداً عليهم من أنفسِهم} وهم الأنبياء شهداء على أممهم يوم القيامة وفي كل زمان شهيد وإن لم يكن نبياً. وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم أئمة الهدى الذين هم خلفاء الأنبياء.
الثاني: أنهم العلماء الذين حفظ الله بهم شرائع أنبيائه.
{وجئنا بك شهيداً على هؤلاء} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم شهيداً على أمته.

.تفسير الآية رقم (90):

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)}
قوله عز وجل: {إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان} الآية. في تأويل هذه الآية ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن العدل: شهادة أن لا إله إلا الله، والإحسان: الصبر على أمره ونهيه وطاعة الله في سره وجهره {وإيتاء ذي القربى} صلة الرحم، {وينهى عن الفحشاء} يعني الزنى، {والمنكر} القبائح. {والبغي} الكبر والظلم حكاه ابن جرير الطبري.
الثاني: أن العدل: القضاء بالحق، والإحسان: التفضل بالإنعام، وإيتاء ذي القربى: ما يستحقونه من النفقات. وينهى عن الفحشاء ما يستسر بفعله من القبائح. والمنكر: ما يتظاهر به منها فينكر. والبغي: منا يتطاول به من ظلم وغيره، وهذا معنى ما ذكره ابن عيسى.
الثالث: أن العدل ها هنا استواء السريرة والعلانية في العمل لله. والإحسان أن تكون سريرته أحسن من علانيته. والفحشاء والمنكر: أن تكون علانيته أحسن من سريرته، قاله سفيان بن عيينة. فأمر بثلاث ونهى عن ثلاث.
{يعظكم لعلكم تذكرون} يحتمل وجهين: أحدهما: تتذكرون ما أمركم به وما نهاكم عنه.
الثاني: تتذكرون ما أعده من ثواب طاعته وعقاب معصيته.

.تفسير الآيات (91- 92):

{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)}
قوله عز وجل: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه النذور.
الثاني: ما عاهد الله عليه من عهد في طاعة الله.
الثالث: أنه التزام أحكام الدين بعد الدخول فيه.
{ولا تنقضوا الأيمان بَعْدَ توكيدها} يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: لا تنقضوها بالامتناع بعد توكيدها بالالتزام.
الثاني: لا تنقضوها بالعذر بعد توكيدها بالوفاء.
الثالث: لا تنقضوها بالحنث بعد توكيدها بالِبّر.
وفي هذه الآية ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها نزلت في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم. الثاني: أنها نزلت في الحلف الذي كان في الجاهلية بين أهل الشرك، فجاء الإسلام بالوفاء به.
الثالث: أنها نزلت في كل عقد يمين عقده الإنسان على نفسه مختاراً يجب عليه الوفاء به ما لم تدع ضرورة إلى حله.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فليأت الذي هو خير» محمول على الضرورة دون المباح. وأهل الحجاز يقولون. وكّدت هذه اليمين توكيداً، وأهل نجد يقولون أكدتها تأكيداً.
قوله عز وجل: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً} وهذا مثل ضربه الله تعالى لمن نقض عهده، وفيه قولان:
أحدها: أنه عنى الحبْل، فعبر عنه بالغزل، قاله مجاهد.
الثاني: أنه عنى الغزل حقيقة.
{من بعد قوة} فيه قولان:
أحدهما: من بعد إبرام. قاله قتادة.
الثاني: أن القوة ما غزل على طاق ولم يثن.
{أنكاثاً} يعني أنقاضاً، واحده نكث، وكل شيء نقض بعد الفتل أنكاثٌ.
وقيل أن التي نقضت غزلها من بعد قوة امرأة بمكة حمقاء، قال الفراء: إنها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مُرّة، سميت جعدة لحمقها، كانت تغزل الصوف ثم تنقضه بعدما تبرمه، فلما كان هذا الفعل لو فعلتموه سفهاً تنكرونه كذلك نقض العهد الذي لا تنكرونه.
{تتخذون أيمانكُمْ دَخَلاً بينكُمْ} فيه ستة تأويلات:
أحدها: أن الدخل الغرور.
الثاني: أن الدخل الخديعة.
الثالث: أنه الغل والغش.
الرابع: أن يكون داخل القلب من الغدر غير ما في الظاهر من لزوم الوفاء.
الخامس: أنه الغدر والخيانة، قاله قتادة.
السادس: أنه الحنث في الأيمان المؤكدة.
{أن تكون أمة هي أربى من أمة} أن أكثر عدداً وأزيد مدداً، فتطلب بالكثرة أن تغدر بالأقل بأن تستبدل بعهد الأقل عهد الأكثر. وأربى: أفعل الربا، قال الشاعر:
أسمر خطيّاً كأنّ كعوبه ** نوى القسب أو أربى ذراعاً على عشر

.تفسير الآيات (93- 96):

{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96)}
قوله عز وجل: {ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ} فيه وجهان:
أحدهما: يريد به أن الدنيا فانية، والآخرة باقية.
الثاني: أن طاعتكم تفنى وثوابها يبقى.

.تفسير الآية رقم (97):

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)}
قوله عز وجل: {مَن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينهُ حياةً طيبة} فيها خمسة تأويلات:
أحدها: أنها الرزق الحلال، قاله ابن عباس. الثاني: أنها القناعة، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري.
الثالث: أن يكون مؤمناً بالله عاملاً بطاعته، قاله الضحاك.
الرابع: أنها السعادة، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً.
الخامس: أنها الجنة، قاله مجاهد وقتادة. ويحتمل سادساً: أن تكون الحياة الطيبة العافية والكفاية. ويحتمل سابعاً: أنها الرضا بالقضاء. {ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يجازى على أحسن الأعمال وهي الطاعة، دون المباح منها. الثاني: مضاعفة الجزاء وهو الأحسن، كما قال تعالى: {من جاءَ بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160].

.تفسير الآيات (98- 100):

{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)}
قوله عز وجل: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله تعالى، قاله الزجاج.
الثاني: فإذا كنت قارئاً فاستعذ بالله.
الثالث: أنه من المؤخر الذي معناه مقدم، وتقديره: فإذا استعذت بالله من الشيطان الرجيم فاقرأ القرآن.
والاستعاذة هي استدفاع الأذى بالأعلى من وجه الخضوع والتذلل والمعنى فاستعذ بالله من وسوسة الشيطان عند قراءتك لتسلم في التلاوة من الزلل، وفي التأويل من الخطأ. وقد ذكرنا في صدر الكتاب معنى الرجيم.
قوله عز وجل: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: ليس له قدرة على أن يحملهم على ذنب لا يغفر، قاله سفيان.
الثاني: ليس له حجة على ما يدعوهم إليه من المعاصي، قاله مجاهد.
الثالث: ليس له عليهم سلطان لاستعاذتهم باللَّه منه، لقوله تعالى: {وإمّا ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} [فصلت: 36].
الرابع: أنه ليس له عليهم سلطان بحال لأن الله تعالى صرف سلطانه عنهم حين قال عدو الله إبليس {ولأغوينهم أجميعن إلا عبادَك منهم المخلصين} [الحجر: 39-40] فقال الله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} [الحجر: 42] وفي معنى السلطان وجهان:
أحدهما: الحجة، ومنه سمي الوالي سلطاناً لأنه حجة الله تعالى في الأرض.
الثاني: أنها القدرة، مأخوذ من السُّلْطَة، وكذلك سمي السلطان سلطاناً لقدرته. {إنما سلطانه على الذين يتولونه} يعني يتبعونه.
{والذين هُمْ به مشركون} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: والذين هم بالله مشركون، قاله مجاهد. الثاني: والذين أشركوا الشيطان في أعمالهم، قاله الربيع بن أنس.
الثالث: والذين هم لأجل الشيطان وطاعته مشركون، قاله ابن قتيبة.

.تفسير الآيات (101- 102):

{وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)}
قوله عز وجل: {وإذا بدّلنا آيةً مكان آيةٍ} فيه وجهان:
أحدهما: شريعة تقدمت بشريعة مستأنفة، قاله ابن بحر.
الثاني: وهو قول الجمهور أي نسخنا آية بآية، إما نسخ الحكم والتلاوة وإما نسخ الحكم مع بقاء التلاوة.
{والله أعلم بما ينزل} يعني أعلم بالمصلحة فيه ينزله ناسخاً ويرفعه منسوخاً. {قالوا إنما مفْتَرٍ} أي كاذب.
{بل أكثرهم لا يعلمون} فيه وجهان: أحدهما: لا يعلمون جواز النسخ. الثاني: لا يعلمون سبب ورود النسخ.