فصل: سورة التغابن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (5- 8):

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)}
{وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله} الآية.
روى سعيد بن جبير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل منزلاً لم يرتحل منه حتى يصلي فيه، فلما كانت غزوة تبوك بلغة أن ابن أُبَيّ قال: لئن رجعنا إلى المدينة لِيُخرجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ، فارتحل قبل أن ينزل آخرُ الناس، وقيل لعبد الله بن أُبيّ: ائت النبي صلى الله عليه وسلم حتى يستغفر لك، فلوى رأسه، وهذا معنى قوله: {لوَّوْا رؤوسَهم} إشارة إليه وإلى أصحابه، أي حركوها، وأعرضوا يمنة ويسرة إلى غير جهة المخاطب ينظرون شزراً.
ويحتمل قولاً ثانيا: أن معنى قوله {يستغفر لكم رسول الله} يستتيبكم من النفاق لأن التوبة استغفار.
وفيما فعله عبد الله بن أبيّ حين لوى رأسه وجهان:
أحدهما: أنه فعل ذلك استهزاء وامتناعاً من فعل ما دعي إليه من إتيان الرسول للاستغار له، قاله قتادة.
الثاني: أنه لوى رأسه بمعنى ماذا قلت، قاله مجاهد.
{وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ} فيه وجهان:
أحدهما: يمتنعون، قال الشاعر:
صدَدْتِ الكاسَ عنا أُمَّ عمرو ** وكان الكأسُ مجراها اليمينا

الثاني: يعرضون، قال الأعشى:
صَدَّقَ هُرَيْرةُ عنّا ما تُكَلِّمنا ** جَهْلاً بأُمّ خُلَيْدٍ حبل من تصل

وفيما يصدون عنه وجهان:
أحدهما: عما دُعوا إليه من استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم.
الثاني: عن الإخلاص للإيمان.
{وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: متكبرون.
الثاني: ممتنعون.
{هم الذين يقولون لا تُنفِقوا على مَنْ عِندَ رسولِ الله} الآية يعني عبد الله بن أُبيّ وأصحابه، وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد انكفائه من غزاة بني المصطلق في شعبان سنة ست نزل على ماء المريسيع، فتنازع عليه جهجاه، وكان مسلماً وهو رجل من غفار، ورجل يقال له سنان، وكان من أصحاب عبد الله بن أُبي، فلطمه جهجاه، فغضب له عبد الله بن أُبيّ وقال: يا معاشر الأوس والخزرج ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمّن كلبك يأكلك، أوطأنا هذا الرجلَ ديارنا وقاسمْناهم أموالَنا ولولانا لانفضوا عنه، ما لهم، رد الله أمرهم إلى جهجاه، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذل، فسمعه زيد بن أرقم وكان غلاماً، فأعاده على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذر له قومه، فأنزل الله هذه الآية والتي بعدها.
{ولله خزائن السموات والأرض} فيه وجهان:
أحدهما: خزائن السموات: المطر، وخزائن الأرضين: النبات.
الثاني: خزائن السموات: ما قضاه، وخزائن الأرضين: ما أعطاه.
وفيه لأصحاب الخواطر
ثالث: أن خزائن السموات: الغيوب، وخزائن الأرض القلوب.

.تفسير الآيات (9- 11):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)}
{يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أمْوالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه عنى بذكر الله الصلاة المكتوبة، قاله عطاء.
الثاني: أنه أراد فرائض الله التي فرضها من صلاة وغيرها، قاله الضحاك.
الثالث: أنه طاعة اللَّه في الجهاد، قاله الكلبي.
الرابع: أنه أراد الخوف من اللَّه عند ذكره.
{وَأَنفِقُوا مما رَزَقْناكُم} فيه وجهان:
أحدهما: أنها الزكاة المفروضة من المال، قاله الضحاك.
الثاني: أنها صدقة التطوع ورفد المحتاج ومعونة المضطر.
{ولَن يُؤخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إذا جاءَ أَجَلُها} يحتمل وجهين:
أحدهما: لن يؤخرها عن الموت بعد انقضاء الأجل، وهو أظهرهما.
الثاني: لن يؤخرها بعد الموت وإنما يعجل لها في القبر.

.سورة التغابن:

.تفسير الآيات (1- 4):

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4)}
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فْمِنكُمْ كَافِرٌ} بأنه خلقه {وَمِنْكُم مُّؤمنٌ} بأنه خلقه، قاله الزجاج.
الثاني: فمنكم كافر به وإن أقرّ به، ومنكم مؤمن به.
قال الحسن: وفي الكلام محذوف وتقديره: فمنكم كافر ومنكم مؤمن ومنكم فاسق، فحذفه لما في الكلام من الدليل عليه.
وقال غيره: لا حذف فيه لأن المقصود به ذكر الطرفين.
{خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون بالقول.
الثاني: بإحكام الصنعة وصحة التقدير.
وذكر الكلبي ثالثاً: أن معناه خلق السموات والأرض للحق.
{وَصَوَّرَكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني آدم خلقه بيده كرامة له، قاله مقاتل.
الثاني: جميع الخلق لأنهم مخلوقون بأمره وقضائه.
{فأحْسَنَ صُوَرَكم} أي فأحكمها.

.تفسير الآيات (5- 6):

{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)}
{فقالوا أَبَشَرٌ يَهْدونَنا} يعني أن الكفار قالوا ذلك استصغاراً للبشر أن يكونوا رسلاً من اللَّه إلى أمثالهم، والبشر والإنسان واحد في المعنى، وإنما يختلفان في اشتقاق الاسم، فالبشر مأخوذ من ظهور البشرة، وفي الإنسان وجهان:
أحدهما: مأخوذ من الإنس.
والثاني: من النسيان.
{فَكَفَروا} يعني بالرسل {وَتَوَلَّوْا} يعني عن البرهان.
{واستغنى اللَّه} فيه وجهان:
أحدهما: بسلطانه عن طاعة عباده، قاله مقاتل.
الثاني: واستغنى اللَّه بما أظهره لهم من البرهان وأوضحه لهم من البيان من زيادة تدعو إلى الرشد وتقود إلى الهداية.
{وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} في قوله {غَنِيٌّ} وجهان:
أحدهما: غني عن صدقاتكم، قاله البراء بن عازب.
الثاني: عن عملكم، قاله مقاتل.
وفي {حميد} وجهان:
أحدهما: يعني مستحمداً إلى خلقه بما ينعم به عليهم، وهو معنى قول عليّ.
الثاني: إنه مستحق لحمدهم.
وحكي عن ابن عباس فيه ثالث: معناه يحب من عباده أن يحمدوه.

.تفسير الآيات (7- 10):

{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10)}
{زَعَمَ الذين كَفَروا} قال شريح زعموا كُنْيةُ الكذب.
{يومَ يَجْمَعُكم ليومِ الجمْعِ} يعني يوم القيامة، ومن تسميته بذلك وجهان:
أحدهما: لأنه يجمع فيه بين كل نبي وأمته.
الثاني: لأنه يجمع فيه بين الظالمين والمظلومين.
ويحتمل ثالثاً: لأنه يجمع فيه بين ثواب أهل الطاعة وعقاب أهل المعاصي.
{ذلك يومُ التغابُنِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه من أسماء يوم القيامة، ومنه قول الشاعر:
وما أَرْتجي بالعيش من دارِ فُرْقةٍ ** ألا إنما الراحاتُ يوم التغابنِ

الثاني: لأنه غبن فيه أهل الجنة أهل النار، قال الشاعر:
لعمرك ما شيءٌ يفوتُك نيلُه ** بغبْنٍ ولكنْ في العقول التغابنُ

الثالث: لأنه يوم غَبَنَ فيه المظلومُ الظالمَ، لأن المظلوم كان في الدنيا مغبوناً فصار في الآخرة غابناً.
ويحتمل رابعاً: لأنه اليوم الذي أخفاه اللّهُ عن خَلْقه، والغبن الإخفاء ومنه الغبن في البيع لاستخفائه، ولذلك قيل مَغابِن الجسد لما خفي منه.

.تفسير الآيات (11- 13):

{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13)}
{ما أصابَ مِنْ مُّصيبةٍ} من نفس أو مالٍ أو قول أو فعل يقتضي همّاً أو يوجب عقاباً عاجلاً أو آجلاً.
{إلا بإذْنِ اللَّهِ} فيه وجهان:
أحدهما: إلا بأمر اللَّه.
الثاني: إلا بحكم اللَّه تسليماً لأمره وانقياداً لحكمه.
{ومَن يُؤْمِن باللَّه يَهْدِ قلبَهُ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: معناه يهدي قلبه اللَّه تعالى.
الثاني: أنه يعلم أنه من عند اللَّه ويرضى ويسلّم، قاله بشر.
الثالث: أن يسترجع فيقول: إنّا للَّه وإنا إليه راجعون.
الرابع: هو إذا ابتلي صبر، وإذا أنعم عليه شكر وإذا ظُلم غفر، قاله الكلبي.

.تفسير الآيات (14- 18):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)}
{يا أيها الذين آمنوا إنّ مِنْ أزْواجِكم وأَوْلادِكم عَدوّاً لكم}
فيه خمسة أقاويل:
أحدها: أنه أراد قوماً أسلموا بمكة فأرادوا الهجرة فمنعهم أزواجهم وأولادهم منها وثبطوهم عنها، فنزل ذلك فيهم؛ قاله ابن عباس.
الثاني: من أزواجكم وأولادكم من لا يأمر بطاعة اللَّه ولا ينهى عن معصيته، قاله قتادة. الثالث: أن منهم من يأمر بقطيعة الرحم ومعصية الرب، ولا يستطيع مع حبه ألاّ يطيعه، وهذا من العداوة؛ قاله مجاهد.
وقال مقاتل بن سليمان: نبئت أن عيسى عليه السلام قال: من اتخذ أهلاً ومالاً وولداً كان للدنيا عبداً.
الرابع: أن منهم من هو مخالف للدين، فصار بمخالفة الدين عدواً، قاله ابن زيد.
الخامس: أن من حملك منهم على طلب الدنيا والاستكثار منها كان عدواً لك، قاله سهل.
وفي قوله {فاحذروهم} وجهان:
أحدهما: فاحذروهم على دينكم؛ قاله ابن زيد.
الثاني: على أنفسكم، وهو محتمل.
{وإن تعْفُوا وتَصْفَحُوا وتَغْفِرُوا} الآية. يريد بالعفو عن الظالم، وبالصفح عن الجاهل، وبالغفران للمسيء.
{فإنّ اللَّه غفورٌ} للذنب {رحيم} بالعباد، وذلك أن من أسلم بمكة ومنعه أهله من الهجرة فهاجر ولم يمتنع قال:
لئن رجعت لأفعلنّ بأهلي ولأفعلنّ، ومنهم من قال: لا ينالون مني خيراً أبداً، فلما كان عام الفتح أُمِروا بالعفو والصفح عن أهاليهم، ونزلت هذه الآية فيهم. {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} فيه وجهان:
أحدهما: بلاء، قاله قتادة.
الثاني: محنة، ومنه قول الشاعر:
لقد فتن الناس في دينهم ** وخلّىّ ابنُ عفان شرّاً طويلاً

وفي سبب افتتانه بهما وجهان:
أحدهما: لأنه يلهو بهما عن آخرته ويتوفر لأجلهما على دنياه.
الثاني: لأنه يشح لأجل أولاده فيمنع حق اللَّه من ماله، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الولد مبخلة محزنة مجبنة».
{والله عنده أجْرٌ عظيمٌ} قال أبو هريرة والحسن وقتادة وابن جبير: هي الجنة.
ويحتمل أن يكون المراد بذلك أن يكون أجرهم في الآخرة أعظم من منفعتهم بأموالهم وأولادهم في الدنيا، فلذلك كان أجره عظيماً.
{فاتّقوا الله ما اسْتطعتم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني جهدكم، قاله أبو العالية.
الثاني: أن يطاع فلا يعصى، قاله مجاهد.
الثالث: أنه مستعمل فيما يرجونه به من نافلة أو صدقة، فإنه لما نزل قوله تعالى: {اتّقوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} اشتد على القوم فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم، فأنزل الله تعالى ذلك تخفيفاً {فاتقوا الله ما استطعتم} فنسخت الأولى، قاله ابن جبير.
ويحتمل إن لم يثبت هذا النقل أن المكْرَه على المعصية غير مؤاخذ بها لأنه لا يستطيع اتقاءها.
{واسْمَعوا} قال مقاتل: كتاب الله إذا نزل عليكم.
{وأطيعوا} الرسول فيما أمركم أو نهاكم، قال قتادة: عليها بويع النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة.
{وأنفِقوا خيْراً لأنفُسِكم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدهما: هي نفقة المؤمن لنفسه، قاله الحسن.
الثاني: في الجهاد، قاله الضحاك.
الثالث: الصدقة، قاله ابن عباس.
{ومَن يُوقَ شُحَّ نفسِهِ فأولئك هم المفلِحونَ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: هوى نفسه، قاله ابن أبي طلحة.
الثاني: الظلم، قاله ابن عيينة.
الثالث: هو منع الزكاة، قال ابن عباس: من أعطى زكاة ماله فقد وقاه الله شح نفسه.
{إن تُقْرِضوا اللَّهَ قرْضاً حَسَناً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: النفقة في سبيل اللَّه، قاله عمر رضي اللَّه عنه.
الثاني: النفقة على الأهل، قاله زيد بن أسلم.
الثالث: أنه قول سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر، رواه ابن حبان.
وفي قوله {حَسَناً} وجهان محتملان:
أحدهما: أن تطيب بها النفس.
الثاني: أن لا يكون بها ممتناً.
{يُضاعفْه لكم} فيه وجهان:
أحدهما: بالحسنة عشر أمثالها، كما قال تعالى في التنزيل.
الثاني: إلى ما لا يحد من تفضله، قاله السدي.
{ويَغْفِرْ لكم} يعني ذنوبكم.
{واللَّهُ شكورٌ حليمٌ} فيه وجهان:
أحدهما: أن يشكر لنا القليل من أعمالنا وحليم لنا في عدم تعجيل المؤاخذة بذنوبنا.
الثاني: شكور على الصدقة حين يضاعفها، حليم في أن لا يعجل بالعقوبة من تحريف الزكاة عن موضعها، قاله مقاتل.
{عالِمُ الغَيْبِ والشهَادةِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: السر والعلانية.
الثاني: الدنيا والآخرة.