فصل: تفسير الآيات (16- 20):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (16- 20):

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)}
قوله تعالى: {لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: ولداً، قاله الحسن.
الثاني: أن اللهو النساء، قاله مجاهد. وقال قتادة: اللهو بلغة اهل اليمن المرأة. قال ابن جريج: لأنهم قالواْ: مريم صاحبته وعيسى ولده.
الثالث: أنه اللهو الذي هو داعي الهوى ونازع الشهوة، كما قال الشاعر:
ويلعينني في اللهو أن لا أحبه ** وللهو داعٍ لبيب غير غافلِ

{لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ} أي من عندنا إن كنا فاعلين. قال ابن جريج: لاتخذنا نساء وولداً من أهل السماء وما اتخذنا من أهل الأرض.
{إِن كُنََّا فَاعِلِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: وما كنا فاعلين، قاله ابن جريج.
الثاني: أنه جاء بمعنى الشرط، وتقدير الكلام لو كنا لاتخذناه بحيث لا يصل علمه إليكم.
قوله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الحق الكلام المتبوع، والباطل المدفوع. ومعنى يدمغه أي يذهبه ويهلكه كالمشجوج تكون دامغة في أم رأسه تؤدي لهلاكه.
الثاني: أن الحق القرآن، والباطل إبليس.
الثالث: أن الحق المواعظ والباطل المعاصي، قاله بعض أهل الخواطر.
ويحتمل رابعاً: أن الحق الإِسلام، والباطل الشرك.
{فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} فيه وجهان:
أحدهما: هالك، قاله قتادة.
الثاني: ذاهب، قاله ابن شجرة.
قوله عز وجل: {وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: لا يملون، قاله ابن زيد.
الثاني: لا يعيون، قاله قتادة.
الثالث: لا يستنكفون، قاله الكلبي.
الرابع: لا ينقطعون، مأخوذ من الحسير وهو البعير المنقطع بالإِعياء، قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأما عظامها ** فبيض وأما جلدها فصليب

.تفسير الآيات (21- 23):

{أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)}
قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُواْ ءَالِهَةً مِّنَ الأَرْضِ} أي مما خلق في الأرض.
{هُمُ يُنشِرُونَ} فيه قولان:
أحدهما: يخلقون، قاله قطرب.
الثاني: قاله مجاهد، يحيون، يعني الموتى، يقال: أنشر الله الموتى فنشروا أي أحياهم فحيوا، مأخوذ من النشر بعد الطي، قال الشاعر:
حتى يقول الناس مما رأوا ** يا عجباً للميت الناشِر

قوله تبارك وتعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمآ} يعني في السماء والأرض.
{ءَالهِةٌ إِلاَّ اللَّهُ} فيه وجهان:
أحدهما: معناه سوى الله، قاله الفراء.
الثاني: أن (إلا) الواو، وتقديره: لو كان فيهما آلهة والله لفسدتا، أي لهلكتا بالفساد فعلى الوجه الأول يكون المقصود به إبطال عباد غيره لعجزه عن أن يكون إلهاً لعجزه عن قدرة الله، وعلى الوجه الآخر يكون المقصود به إثبات وحدانية الله عن أن يكون له شريك يعارضه في ملكه.
قوله عز وجل: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يسأل الخلق الخالق عن قضائه في خلقه، وهو يسأل الخلق عن عملهم، قاله ابن جريج.
الثاني: لا يسأل عن فعله، لأن كل فعله صواب وهولا يريد عليه الثواب، وهم يسألون عن أفعالهم، لأنه قد يجوز أن تكون في غير صواب، وقد لا يريدون بها الثواب إن كانت صواباً فلا تكون عبادة، كما قال تعالى: {ليسأل الصادقين عن صدقهم} [الأحزاب: 8].
الثالث: لا يُحْاسَب على أفعاله وهم يُحْسَبُونَ على أفعالهم، قاله ابن بحر.
ويحتمل رابعاً: لا يؤاخذعلى أفعاله وهم يؤاخذون على أفعالهم.

.تفسير الآيات (24- 29):

{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)}
قوله تعالى: {هذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي} فيه وجهان:
أحدهما: هذا ذكر من معي بما يلزمهم من الحلال والحرام، وذكر من قبلي ممن يخاطب من الأمم بالإِيمان، وهلك بالشرك، قاله قتادة.
الثاني: ذكر من معي بإخلاص التوحيد في القرآن، وذكر من قبلي في التوراة والإِنجيل، حكاه ابن عيسى.
قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما ما بين أيديهم من أمر الآخرة، وما خلفهم من أمر الدنيا، قاله الكلبي.
الثاني: ما قدموا وما أخروا من عملهم، قاله ابن عباس.
وفيه الثالث: ما قدموا: ما عملوا، وما أخروا: يعني ما لم يعملوا، قاله عطية.
{وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} فيه وجهان:
أحدهما: لا يستغفرون في الدنيا إلا لمن ارتضى.
الثاني: لا يشفعون يوم القيامة إلا لمن ارتضى.
وفيه وجهان:
أحدهما: لمن ارتضى عمله، قاله ابن عيسى.
الثاني: لمن رضي الله عنه، قاله مجاهد.

.تفسير الآيات (30- 33):

{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)}
قوله عز جل: {أَنَّ السَّموَاتِ وَألأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين ففتق الله بينهما بالهواء، قاله ابن عباس.
الثاني: أن السموات كانت مرتتقة مطبقة ففتقها الله سبع سموات وكانت الأرض كذلك ففتقها سبع أرضين، قاله مجاهد.
الثالث: أن السموات كانت رتقاً لا تمطر، والأرض كانت رتقاً لا تنبت، ففتق السماء بالمطر، والأرض بالنبات، قاله عكرمة، وعطية، وابن زيد.
والرتق سدُّ، والفتق شق، وهما ضدان، قال عبد الرحمن بن حسان:
يهون عليهم إذا يغضبو ** ن سخط العداة وإرغامُها

ورتق الفتوق وفتق الرتو ** ق ونقض الأمور وإبرامها

{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن خلق كل شيء من الماء، قاله قتادة.
الثاني: حفظ حياة كل شيء حي بالماء، قاله قتادة.
الثالث: وجعلنا من ماء الصلب كل شيء حي، قاله قطرب.
{أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ} يعني أفلا يصدقون بما يشاهدون.
قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ} والرواسي الجبال، وفي تسميتها بذلك وجهان:
أحدهما: لأنها رست في الأرض وثبتت، قال الشاعر:
رسا أصله تحت الثرى وسما به ** إلى النجم فرعٌ لا يزال طويل

الثاني: لأن الأرض بها رست وثبتت. وفي الرواسي من الجبال قولان:
أحدهما: أنها الثوابت: قاله قطرب.
الثاني: أنها الثقال قاله الكلبي.
{أَن تَمِيدَ بِهِم} فيه وجهان:
أحدهما: لئلا تزول بهم.
الثاني: لئلا تضطرب بهم. الميد الاضطراب.
{وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً} في الفجاج وجهان: أحدهما: أنها الأعلام التي يهتدى بها.
الثاني: الفجاج جمع فج وهو الطريق الواسع بين جبلين. قال الكميت:
تضيق بنا النجاح وهنّ فج ** ونجهل ماءها السلم الدفينا

{لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: سبل الاعتبار ليهتدوا بالاعتبار بها إلى دينهم.
الثاني: مسالك ليهتدوا بها إلى طرق بلادهم.
قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: محفوظاً من أن تسقط على الأرض.
الثاني: محفوظاً من الشياطين، قاله الفراء.
الثالث: بمعنى مرفوعاً، قاله مجاهد.
ويحتمل رابعاً: محفوظاً من الشرك والمعاصي.
قوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ والْقَمَرَ كُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} فيه قولان:
أحدهما: أن الفلك السماء، قاله السدي.
الثاني: أن القطب المستدير الدائر بما فيه من الشمس والقمر والنجوم ومنه سميت فلكة المغزل لاستدارتها، قال الشاعر:
باتت تقاسي الفلك الدّوار ** حتى الصباح تعمل الأقتار

وفي استدارة الفلك قولان:
أحدهما: أنه كدوران الأكرة.
الثاني: كدوران الرحى قاله الحسن، وابن جريج.
واختلف في الفلك على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه السماء تدور بالشمس والقمر والنجوم.
الثاني: أنه استدارة في السماء تدور فيها النجوم مع ثبوت السماء، قاله قتادة.
الثالث: أنها استدارة بين السماء والأرض تدور فيها النجوم، قاله زيد بن أسلم.
{يَسْبَحُونَ} وجهان:
أحدهما: يجرون، قاله مجاهد.
الثاني: يدورون قاله ابن عباس، فعلى الوجه الأول يكون الفلك مديرها، وعلى الثاني تكون هي الدائرة في الفلك.

.تفسير الآيات (34- 35):

{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)}
قوله عز وجل: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} فيها أربعة أوجه:
أحدها: بالشدة والرخاء، قاله ابن عباس.
الثاني: أن الشر: الفقر والمرض، والخير الغنى والصحة، قاله الضحاك.
الثالث: أن الشر: غلبة الهوى على النفس، والخير: العصمة من المعاصي، قاله التستري.
الرابع: ما تحبون وما تكرهون. لنعلم شكركم لما تحبون، وصبركم على ما تكرهون، قاله ابن زيد.
{فِتْنَةً} فيه وجهان: أحدهما: اختباراً. الثاني: ابتلاء.