فصل: تفسير الآيات (73- 77):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (73- 77):

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)}
قوله تعالى: {إنَّ في ذلك لآياتٍ للمتوسمين} فيه خمسة أوجه:
أحدها: للمتفرسين، قاله مجاهد. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» ثم تلا هذه الآية...
الثاني: للمعتبرين، قاله قتادة.
الثالث: للمتفكرين، قاله ابن زيد.
الرابع: للناظرين، قاله الضحاك. قال زهير بن أبي سلمى:
وفيهن ملهى للصديق ومنظر ** أنيقٌ لعَيْنِ الناظر المتوسم

الخامس: للمبصرين، قاله أبو عبيدة. قال الحسن: هم الذين يتوسمون الأمور فيعلمون أن الذي أهلك قوم لوط قادر على أن يهلك الكفار، ومنه قول عبدالله بن رواحة للنبي صلى الله عليه وسلم:
إني توسمت فيك الخير أعرِفُه ** والله يعلم أني ثابت البصر

قوله عز وجل: {وإنها لبسبيل مقيم} فيه تأويلان:
أحدهما: لهلاك دائم، قاله ابن عباس.
الثاني: لبطريق معلم، قاله مجاهد. يعني بقوله {وإنما} أهل مدائن قوم لوط وأصحاب الأيكة قوم شعيب.

.تفسير الآيات (78- 79):

{وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79)}
قوله عز وجل: {وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين} يعني في تكذيب رسول الله إليهم وهو شعيب، لأنه بعثَ إلى أمتين، أصحاب الأيكة وأهل مدين. فأما أهل مدين فأهلكوا بالصيحة، وأما أصحاب الأيكة فأهلكوا بالظلة التي احترقوا بنارها، قاله قتادة.
وفي {الأيكة} ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها الغيضة، قاله مجاهد.
الثاني: أنه االشجر الملتف، وكان أكثر شجرهم الدوم وهو المقل، وهذا قول ابن جرير، ومنه قول النابغة الذبياني:
تجلو بِقادِمَتَي حمامةِ أيكة ** بَرَداص أُسفَّ لثاثُهُ الإثمدِ

الثالث: أن الأيكة اسم البلد، وليكة اسم المدينة بمنزلة بكة من مكة، حكاه ابن شجرة.
قوله عز وجل: {فانتقمنا منهم وإنهما لبإمامٍ مبينٍ} فيه تأويلان:
أحدهما: لبطريق واضح، قاله قتادة. وقيل للطريق إمام لأن المسافر يأتم به حتى يصل إلى مقصده.
الثاني: لفي كتاب مستبين، قاله السدي. وإنما سمي الكتاب إماماً لتقدمه على سائر الكتب، وقال مؤرج: هو الكتاب بلغة حِمْيَر.
ويعني بقوله {وإنهما} أصحاب الأيكة وقوم لوط.

.تفسير الآيات (80- 84):

{وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآَتَيْنَاهُمْ آَيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84)}
قوله عز وجل: {ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين} وهم ثمود قوم صالح. وفي {الحجر} ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه الوادي، قاله قتادة.
الثاني: أنها مدينة ثمود، قاله ابن شهاب.
الثالث: ما حكاه ابن جرير أن الحجر أرض بين الحجاز والشام.
وروى جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ في غزاة تبوك بالحجر، فقال: «هؤلاء قوم صالح أهلكهم الله إلاّ رجلاً كان في حَرَم الله، منعه حرمُ الله من عذاب الله». قيل: يا رسول الله من هو؟ قال: «أبو رغال». قوله عز وجل: {وكانوا ينحتون مِنَ الجبال بيوتاً آمنين} فيه أربعة أوجه:
أحدها: آمنين أن تسقط عليهم.
الثاني: آمنين من الخراب.
الثالث: آمنين من العذاب.
الرابع: آمنين من الموت.

.تفسير الآيات (85- 86):

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86)}
قوله عز وجل: {فاصفح الصفح الجميل} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه الإعراض من غير جزع.
الثاني: أنه صفح المنكر عليهم بكفرهم، المقيم على وعظهم، قاله ابن بحر.
الثالث: أنه العفو عنهم بغير توبيخ ولا تعنيف.
الرابع: أنه الرضا بغير عتاب، قاله علي بن أبي طالب.
وفيه قولان:
أحدهما: أنه أمر بالصفح عنهم في حق الله تعالى، ثم نسخ بالسيف، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، «لقد أتيتكم بالذبح، وبعثت بالحصاد ولم أبعث بالزراعة» قاله عكرمة ومجاهد.
الثاني: أنه أمره بالصفح في حق نفسه فيما بينه وبينهم، قاله الحسن.

.تفسير الآيات (87- 88):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ (87) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)}
قوله عز وجل: {ولقد آتيناك سبعاً مِن المثاني والقرآن العظيم} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: أن السبع المثاني هي الفاتحة، سميت بذلك لأنها تثنى كلما قرئ القرآن وصُلّي، قاله الربيع بن أنس وأبو العالية والحسن. وقيل: لأنها يثني فيها الرحمن الرحيم، ومنه قول الشاعر:
نشدتكم بمنزل القرآن ** أمّ الكتاب السّبع من مثاني

ثُنِّين مِن آيٍ مِن القرآن ** والسبع سبع الطول الدواني

الثاني: أنها السبع الطوَل: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس، قاله ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد.
قال ابن عباس: سميت المثاني لما تردد فيها من الأخبار والأمثال والعبر وقيل: لأنها قد تجاوزت المائة الأولى إلى المائة الثانية. قال جرير:
جزى الله الفرزدق حين يمسي ** مضيعاً للمفصل والمثاني

الثالث: أن المثاني القرآن كله، قاله الضحاك، ومنه قول صفية بنت عبد المطلب ترثي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فقد كان نوراً ساطعاً يهتدى به ** يخص بتنزيل المثاني المعظم

الرابع: أن المثاني معاني القرآن السبعة أمر ونهي وتبشير وإنذار وضرب أمثال وتعديد نعم وأنباء قرون، قاله زياد بن أبي مريم.
الخامس: أنه سبع كرامات أكرمه الله بها، أولها الهدى ثم النبوة، ثم الرحمةِ ثم الشفقة ثم المودة ثم الألفة ثم السكينة وضم إليها القرآن العظيم، قاله جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما.
قوله عز وجل: {لا تمدن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجاً منهم} يعني ما متعناهم به من الأموال.
وفي قوله: {أزواجاً منهم} ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم الأشباه، قاله مجاهد.
الثاني: أنهم الأصناف قاله أبو بكر بن زياد.
الثالث: أنهم الأغنياء، قاله ابن أبي نجيح.
{ولا تحزن عليهم} فيه وجهان:
أحدهما: لا تحزن عليهم بما أنعمت عليهم في دنياهم.
الثاني: لا تحزن بما يصيرون إليه من كفرهم.
{واخفض جناحك للمؤمنين} فيه وجهان:
أحدهما: اخضع لهم، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: معناه أَلِنْ جانبك لهم، قال الشاعر:
وحسبك فتيةٌ لزعيم قومٍ ** يمدّ على أخي سُقْم جَناحا

وروى أبو رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل به ضيف فلم يلق عنده أمراً يصلحه، فأرسل إلى رجل من اليهود يستسلف منه دقيقاً إلى هلال رجب، فقال: لا إلاّ برهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أما والله إني لأمينٌ في السماء وأمين في الأرض، ولو أسلفني أو باعني لأدّيتُ إليه» فنزلت عليه {لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم}

.تفسير الآيات (89- 93):

{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)}
قوله عز وجل: {كما أنزلنا على المقتسمين} فيهم سبعة أقاويل:
أحدها: أنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى اقتسموا القرآن فجعلوه أعضاءً أي أجزاءً فآمنوا ببعض منها وكفروا ببعض، قاله ابن عباس.
الثاني: أنهم أهل الكتاب اقتسموا القرآن استهزاءً به، فقال بعضهم: هذه السورة لي، وهذه السورة لك، فسموا مقتسمين، قاله عكرمة.
الثالث: أنهم أهل الكتاب اقتسموا كتبهم، فآمن بعضهم ببعضها، وآمن آخرون منهم بما كفر به غيرهم وكفروا بما آمن به غيرهم، فسماهم الله تعالى مقتسمين، قاله مجاهد.
الرابع: أنهم قوم صالح تقاسموا على قتله، فسموا مقتسمين، كما قال تعالى: {قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله} [النمل: 49] قاله ابن زيد.
الخامس: أنهم قوم من كفار قريش اقتسموا طرق مكة ليتلقوا الواردين إليها من القبائل فينفروهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون، حتى لا يؤمنوا به، فأنزل الله تعالى عليهم عذاباً فأهلكهم، قاله الفراء.
السادس: أنهم قوم من كفار قريش قسموا كتاب الله، فجعلوا بعضه شعراً وبعضه كهانة وبعضه أساطير الأولين، قاله قتادة.
السابع: أنهم قوم أقسموا أيماناً تحالفوا عليها، قاله الأخفش.
وقيل إنهم العاص بن وائل وعبتة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام وأبو البختري بن هشام والنضر بن الحارث، وأمية بن خلف ومنبه بن الحجاج.
قوله عز وجل: {الذين جعلوا القرآن عضين} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: يعني فرقاً، فجعلوا بعضه شعراً، وبعضه سحراً، وبعضه كهانة، وبعضه أساطير الأولين، فجعلوه أعضاء كما يعضّى الجزور و{عضين} جمع عضو، مأخوذ من عضَّيت الشيء تعضية إذا فرقته كما قال رؤبة بن العجاج:
وليس دينُ الله بالمعضى ** يعني بالمفرَّق، قاله ابن عباس والضحاك.

الثاني: أن العضين جمع عضه وهو البهت، ومن قولهم: عضهتُ الرجل أعضهه عضهاً إذا بهتّه، لأنهم بهتوا كتاب الله تعالى فيما رموه به، قاله قتادة. ومنه قول الشاعر:
إن العضيهة ليستْ فعل أحرار ** الثالث: أن العضين المستهزئون، لأنه لما ذكر في القرآن البعوض والذباب والنمل والعنكبوت قال أحدهم: أنا صاحب البعوض، وقال آخر: أنا صاحب الذباب وقال آخر: أنا صاحب النمل. وقال آخر: أنا صاحب العنكبوت، استهزاء منهم بالقرآن، قاله الشعبي والسدي.

الرابع: أنه عنى بالعضه السحر، لأنهم جعلوا القرآن سحراً، قاله مجاهد، قال الشاعر:
لك من عضائهن زمزمة ** يعني من سحرهن. وقال عكرمة: العضه السحر بلسان قريش يقولون للساحرة العاضهة، ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن العاضهة والمستعضهه، يعني الساحرة والمستسحرة.

وفي اشتقاق العضين وجهان:
أحدهما: أنه مشتق من الأعضاء، وهو قول عبيدة.
الثاني: أنه مشتق من العضه وهو السحر، وهو قول الفراء.
قوله عز وجل: {فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني عما كانوا يعبدون، قاله أبو العالية.
الثاني: عما كانوا يعبدون، وماذا أجابوا المرسلين، رواه الربيع بن أنس.