فصل: تفسير الآيات (74- 76):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (74- 76):

{إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)}
قوله عز وجل: {لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى} يحتمل وجهين:
أحدهما: لا ينتفع بحياته ولا يستريح بموته، كما قال الشاعر:
ألا من لنفسٍ لا تموت فينقضي ** شقاها ولا تحيا حياة لها طعم

الثاني: أن نفس الكافر معلقة بحنجرته كما أخبر الله عنه فلا يموت بفراقها. ولا يحيا باستقرارها.

.تفسير الآيات (77- 79):

{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)}
قوله تعالى: {لاَ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَى} قال ابن جريج: قال أصحاب. موسى له: هذا فرعون قد أدركنا، وهذا البحر وقد غشينا، فأنزل الله هذه الآية. أي لا تخاف دركاً من فرعون ولا تخشى من البحر غرقاً إن غشيك.

.تفسير الآيات (80- 82):

{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)}
قوله تعالى: {وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ} وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا تكفروا به.
الثاني: لا تدّخرواْ منه لأكثر من يوم وليلة، قال ابن عباس: فدُوّد عليهم ما ادخروه، ولولا ذلك ما دَوّد طعام أبداً.
الثالث: لا تستعينوا برزقي على معصيتي.
{فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} قرئ بضم الحاء وبكسرها ومعناه بالضم ينزل، وبالكسر يجب.
{فَقَدْ هَوَى} فيه وجهان:
أحدهما: فقد هوى في النار.
الثاني: فقد هلك في الدنيا.
قوله عز وجل: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} أي غفار لمن تاب من الشرك {وآمن} يعني بالله ورسوله و{عمل صالحاً} يريد العمل بأوامره والوقوف عند نواهيه.
{ثُمَّ اهْتَدَى} فيه ستة تأويلات:
أحدها: ثم لم يشك في إيمانه، قاله ابن عباس.
الثاني: لزم الإِيمان حتى يموت، قاله قتادة.
الثالث: ثم أخذ بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قاله الربيع بن أنس.
الرابع: ثم أصاب العمل، قاله ابن زيد.
الخامس: ثم عرف جزاء عمله من خير بثواب، أو شر بعقاب، قاله الكلبي.
السادس: ثم اهتدى في ولاية أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ثابت.

.تفسير الآيات (83- 89):

{وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89)}
قوله تعالى: {غَضْبَانَ أَسِفاً} فيه خمسة أوجه:
أحدها: أن الأسف أشد الغضب.
الثاني: الحزين، قاله ابن عباس، وقتادة، والسدي.
الثالث: أنه الجزع، قاله مجاهد.
الرابع: أنه المتندم.
الخامس: أنه المتحسِّر.
قوله تعالى: {أَلَمْ يَعِدُكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حسناً} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه وعدكم النصر والظفر.
الثاني: أنه قوله: {وِإِنِّي لَغَفَّارٌ} الآية.
الثالث: التوراة فيها هدى ونور ليعملواْ بما فيها فيستحقواْ ثواب عملهم.
الرابع: أنه ما وعدهم به في الآخرة على التمسك بدينه في الدنيا، قاله الحسن.
وفي قوله تعالى: {فَأَخَلَفْتُم مَّوْعِدِي} وجهان:
أحدهما: أنه وعدهم على أثره للميقات فتوقفوا.
{قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: بطاقتنا، قاله قتادة والسدي.
الثاني: لم نملك أنفسنا عند ذلك للبلية التي وقعت بنا، قاله ابن زيد.
الثالث: لم يملك المؤمنون منع السفهاء من ذلك والموعد الذي أخلفوه أن وعدهم أربعين فعدّوا الأربعين عشرين يوماً ليلة وظنوا أنهم قد استكملوا الميعاد، وأسعدهم السامري أنهم قد استكملوه.
{وَلْكِنَّا حُمِّلْنآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ} أي حملنا من حلي آل فرعون، لأن موسى أمرهم أن يستعيروا من حليهم، قاله ابن عباس، ومجاهد، والسدي. وقيل: جعِلت حملاً.
والأوزار: الأثقال، فاحتمل ذلك على وجهين:
أحدهما: أن يراد بها أثقال الذنوب لأنهم قد كان عندهم غلول.
الثاني: أن يراد أثقال الحمل لأنه أثقلهم وأثقل أرجلهم.
قوله تعالى: {فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} الآية. قال قتادة. أن السامري قال لهم حين استبطأ القومُ موسى: إنما احتبس عليكم من أجل ما عندكم من الحلي، فجمعوه ورفعوه للسامري، فصاغ منه عجلاً، ثم ألقى عليه قبضة قبضها من أثر الرسول وهو جبريل، وقال معمر: الفرس الذي كان عليه جبريل هو الحياة فلما ألقى القبضة عيه صار عجلاً جَسَداً له خوار.
والخوار صوت الثور، وفيه قولان:
أحدهما: أنه صوت حياة خلقه، لأن العجل المُصَاغُ انقلب بالقبضة التي من أثر الرسول فصار حيواناً حياً، قاله الحسن، وقتادة، والسدي، وقال ابن عباس: خار العجل خورة واحدة لم يتبعها مثلها.
الثاني: أن خواره وصوته كان بالريح، لأنه عمل فيه خروقاً فإذا دخلت الريح فيه خار ولم يكن فيه حياة، قاله مجاهد.
{فقالوا هذا إلهكم وإله موسى} يعني أن السامري قال لقوم موسى بعد فراغه من العجل: هذا إلهكم وإله موسى، يعني ليسرعوا إلى عبادته.
{فَنَسِيَ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: فنسي السامري إسلامه وإيمانه، قاله ابن عباس.
الثاني: فنسي السامري قال لهم: قد نسي موسى إلهه عندكم، قاله قتادة، والضحاك.
الثالث: فنسي أن قومه لا يصدقونه في عبادة عجل لا يضر ولا ينفع، قاله ابن بحر.
الرابع: أن موسى نسي أن قومه قد عبدوه العجل بعده، قاله مجاهد.
{أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً} يعني أفلا يرى بنو إسرائيل أن العجل الذي عبدوه لا يرد عليهم جواباً.
{وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً}؟ فكيف يكون إِلهاً.
قال مقاتل: لما مضى من موعد موسى خمسة وثلاثون يوماً أمر السامري بني إسرائيل أن يجمعواْ ما استعاروه من حلي آل فرعون، وصاغه عجلاً في السادس والثلاثين والسابع والثامن ودعاهم إلى عبادة العجل في التاسع فأجابوه، وجاءهم موسى بعد استكمال الأربعين.

.تفسير الآيات (90- 94):

{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)}
قوله تعالى: {قَالَ يَا هارُونَ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّواْ} يعني بعبادة العجل.
{أَلاَّ تَتَّبِعَنِ} فيه وجهان:
أحدهما: ألا تتبعني في الخروج ولا تقم مع من ضل.
الثاني: ألا تتبع عادتي في منعهم والإِنكار عليهم، قاله مقاتل.
{أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} وقال موسى لأخيه هارون: أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين فلمّا أقام معهم ولم يبالغ في منعهم والإِنكار عليهم نسبه إلى العصيان ومخالفة أمره.
{قَالَ يَا بْنَ أُمَّ} فيه قولان:
أحدهما: لأنه كان أخاه لأبيه وأمه.
الثاني: أنه كان أخاه لأبيه دون أمه، وإنما قال يا ابن أم ترفيقاً له واستعطافاً.
{لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي} فيه قولان:
أحدهما: أنه أخذ شعره بيمينه، ولحيته بيسراه، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه أخذ بأذنه ولحيته، فعبر عن الأذن بالرأس، وهو قول من جعل الأذن من الرأس.
واختلف في سبب أخذه بلحيته ورأسه على ثلاثة أقوال:
أحدها: ليسر إليه نزول الألواح عليه، لأنها نزلت عليه في هذه المناجاة. وأراد أن يخفيها عن بني إسرائيل قبل التوبة، فقال له هارون: لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ليشتبه سراره على بني إسرائيل.
الثاني: فعل ذلك لأنه وقع في نفسه أن هارون مائل إلى بني إسرئيل فيما فعلوه من أمر العجل، ومثل هذا لا يجوز على الأنبياء.
الثالث: وهو الأشبه- أنه فعل ذلك لإِمساكه عن الإِنكار على بني إسرئيل الذين عبدوا العجل ومقامه بينهم على معاصيهم.
{إِنِّي خَشيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرآئِيلَ} وهذا جواب هارون عن قوله: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} وفيه وجهان:
أحدهما: فرقت بينهم بما وقع من اختلاف معتقدهم.
الثاني: [فرقت] بينهم بقتال مَنْ عَبَدَ العجل منهم.
وقيل: إنهم عبدوه جميعاً إلا اثني عشر ألفاً بقوا مع هارون لم يعبدوه.
{وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} فيه وجهان:
أحدهما: لم تعمل بوصيتي، قاله مقاتل.
الثاني: لم تنتظر عهدي، قاله أبو عبيدة.

.تفسير الآيات (95- 101):

{قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98) كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101)}
قوله عز وجل: {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ} الخطب ما يحدث من الأمور الجليلة التي يخاطب عليها، قال الشاعر:
آذنت جارتي بوشك رحيل ** بكرا جاهرت بخطب جليل

وفي السامري قولان:
أحدهما أنه كان رجلاً من أهل كرمان، تبع موسى من بني إسرائيل، قاله الطبري، وكان اسمه موسى بن ظفر.
أحدهما: أنه كان رجلاً من أهل كرمان، تبع موسى من بني إسرئيل، قاله الطبري، وكان اسمه موسى بن ظفر. وفي تسميته بالسامري قولان:
أحدهما: أنه كان من قبيلة يقال لها سامرة، قاله قتادة.
الثاني: لأنه كان من قرية تسمى سامرة.
{قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ} فيه وجهان:
أحدهما: نظرت ما لم ينظروه، قاله أبو عبيدة.
الثاني: بما لم يفطنواْ له، قاله مقاتل.
وفي بصرت وأبصرت وجهان:
أحدهما: أنَّ معناهما واحد.
الثاني: أن معناها مختلف، بأبصرت بمعنى نظرت، وبَصُرت بمعنى فطنت.
{فَقَبَضْتُ قَبْضَةً} قرأه الجماعة بالضاد المعجمة، وقرأ الحسن بصاد غير معجمة، والفرق بينهما أن القبضة بالضاد المعجمة، بجميع الكف، وبصاد غير معجمة: بأطراف الأصابع {مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} فيه قولان:
أحدهما: أن الرسول جبريل.
وفي معرفته قولان:
أحدهما: لأنه رآه يوم فلق البحر فعرفه.
الثاني: أن حين ولدته أمه [جعلته في غار]- حذراً عليه من فرعون حين كان يقتل بني إسرائيل وكان جبريل يغذوه صغيراً لأجل البلوى، فعرفه حين كبر، فأخذ قبضة تراب من حافر فرسه وشدها في ثوبه {فَنَبَذْتُهَا} يعني فألقيتها، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه ألقاها فيما سبكه من الحلي بصياغة العجل حتى خار بعد صياغته.
الثاني: أنه ألقاها في جوف العجل بعد صياغته حتى ظهر خواره، فهذا تفسيره على قول من جعل الرسول جبريل.
والقول الثاني: أن الرسول موسى، وأن أثره شريعته التي شرعها وسنته التي سنها، وأن قوله: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَأ} أي طرحت شريعة موسى ونبذت سنته، ثم اتخذت العجل جسداً له خوار.
{وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} فيه وجهان:
أحدهما: حدثتني نفسي. قاله ابن زيد.
الثاني: زينت لي نفسي، قاله الأخفش.
قوله عز وجل: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ} فيه قولان:
أحدهما: أن قوله: {فَاذْهَبْ} وعيد من موسى، ولذا [فإن] السامري خاف فهرب فجعل يهيم في البرية مع الوحوش والسباع، لا يجد أحداً من الناس يمسه، حتى صار كالقائل لا مساس، لبعده عن الناس وبعد الناس منه. قالت الشاعرة:
حمال رايات بها قنعاسا ** حتى يقول الأزد لا مساسا

القول الثاني: أن هذا القول من موسى [كان] تحريماً للسامري، وأن موسى أمر بني إسرائيل ألا يؤاكلوه ولا يخالطوه، فكان لا يَمَسُّ وَلاَ يُمَسُّ، قال الشاعر:
تميم كرهط السامري وقوله ** ألا لا يريد السامري مساسا

أي لا يُخَالِطُونَ وَلاَ يُخَالَطُون.
{وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: في الإِمهال لن يقدم.
الثاني: في العذاب لن يؤخر.
قوله عز وجل: {وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} فيه وجهان:
أحدهما: أحاط بكل شيء حتى لم يخرج شيء من علمه.
الثاني: وسع كل شيء علماً حتى لم يخل شيء عن علمه به.