فصل: تفسير الآيات (11- 16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (11- 16):

{اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)}
قوله تعالى: {يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ} فيه ستة أوجه:
أحدها: أنه الفضيحة، قاله مجاهد.
الثاني: الاكتئاب، قاله ابن أبي نجيح.
الثالث: الإياس، قاله ابن عباس.
الرابع: الهلاك، قاله السدي.
الخامس: الندامة، قاله ابن قتيبة.
السادس: الحيرة، قال العجاج:
يا صاح هل تعرف رسْماً مكرساً ** قال نعم أعرفه وأبلسَا

قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: في الجزاء بالثواب والعقاب.
الثاني: في المكان بالجنة والنار.
قوله تعالى: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يَحْبَرُونَ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: يمكرون، قاله ابن عباس.
الثاني: ينعمون، قاله مجاهد وقتادة.
الثالث: يتلذذون بالسماع والغناء، قاله يحيى بن أبي كثير.
الرابع: يفرحون، قاله السدي. والحبرة عند العرب السرور والفرح قال العجاج:
فالحمد لله الذي أعطى الحبر ** موالي الحي إن المولى يَسَر

فأما الروضة فهي البستان المتناهي منظراً وطيباً ولم يكن عند العرب أحسن منظراً ولا أطيب منها ريحاً قال الأعشى:
ما روضة من رياض الحزن معشبةٌ ** خضراء جاد عليها مسبل هطل

يضحك الشمس منها كوكب شَرِقٌ ** مؤزر بعميم النبت مكتهل

يوماً بأطيب منها نشر رائحةٍ ** ولا بأحسن منها إذا دنا الأُصُل

قوله تعالى: {فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: مدخلون، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: نازلون ومنه قوله: {إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوتُ} [البقرة: 180] و[المائدة: 106] أي نزل به.
الثالث: مقيمون، قاله ابن شجرة.
الرابع: معذبون.
الخامس: مجموعون، ومعاني هذه التأويلات متقاربة.

.تفسير الآيات (17- 19):

{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)}
قوله: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} وفي تسمية الصلاة بالتسبيح وجهان:
أحدهما: لما تضمنتها من ذكر التسبيح في الركوع والسجود.
الثاني: مأخوذ من السبحة، والسبحة الصلاة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم «تَكُونُ لَكُم سَبْحَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ» أي صلاة.
وقوله: {حِينَ تُمْسُونَ} أي صلاة المغرب والعشاء، قاله ابن عباس وابن جبير والضحاك. {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} صلاة الصبح في قولهم أيضاً.
{وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ} فيه قولان:
أحدهما: الحمد لله على نعمه وآلائه.
الثاني: الصلاة لاختصاصها بقراءة الحمد في الفاتحة.
{وَعَشِّياً} يعني صلاة العصر.
{وَحِينَ تَظْهِرُونَ} يعني صلاة الظهر وإنما خص صلاة الليل باسم التسبيح وصلاة النهار باسم الحمد لأن الإنسان في النهار متقلب في أحوال توجب حمد الله عليها، وفي الليل على خلوة توجب تنزيه الله من الأسواء فيها فلذلك صار الحمد بالنهار أخص فسميت به صلاة النهار، والتسبيح بالليل أخص فسميت به صلاة الليل.
والفرق بين المساء والعشي أن المساء بدو الظلام بعد المغيب، والعشي آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب وهو مأخوذ من عشا العين وهو نقص النور من الناظر كنقص نور الشمس، فجاءت هذه الآية جامعة لأوقات الصلوات الخمس، وقد روى سفيان عن عاصم أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس: هل تجد في كتاب الله الصلوات الخمس؟ فقرأ هذه الآية.
قال يحيى ابن سلام: كل صلاة ذكرت في كتاب الله قبل الليلة التي أسري فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم فليست من الصلوات الخمس لأنها فرضت في الليلة التي أسري به فيها وذلك قبل الهجرة بسنة، قال: وهذه الآية نزلت بعد ليلة الإسراء وقبل الهجرة.
{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: يخرج الإنسان الحي من النطفة الميتة ويخرج النطفة الميتة من الإنسان الحي، قاله ابن مسعود وابن عباس وأبو سعيد الخدري ومجاهد وقتادة وابن جبير.
الثاني: يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه والزهري، ورواه الأسود بن عبد يغوث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثالث: يخرج الدجاجة من البيضة ويخرج البيضة من الدجاج، قاله عكرمة.
الرابع: يخرج النخلة من النواة ويخرج النواة من النخلة؛ والسنبلة من الحبة والحبة من السنبلة، قاله ابن مالك والسدي.
ويحتمل خامساً: يخرج الفطن اللبيب من العاجز البليد ويخرج العاجز البليد من الفطن اللبيب.
{وَيُحْيِى الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} يعني بالنبات لأنه حياة أهلها فصار حياة لها.
ويحتمل ثانياً: أنه كثرة أهلها لأنهم يحيون مواتها ويعمرون خرابها.
{وَكَذِلِكَ تُخْرَجُونَ} أي كما أحيا الأرض بإخراج النبات وأحيا الموتى كذلك يحييكم بالبعث. وفي هذا دليل على صحة القياس.

.تفسير الآيات (20- 21):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)}
قوله تعالى: {وَمِنَ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} فيه قولان:
أحدهما: حواء خلقها من ضلع آدم، قاله قتادة.
الثاني: أن خلق سائر الأزواج من أمثالهم من الرجال والنساء، قاله علي بن عيسى.
{لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا} لتأنسوا إليها لأنه جعل بين الزوجين من الأنسية ما لم يجعله بين غيرهما.
{وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} فيه أربعة:
أحدها: أن المودة المحبة والرحمة والشفقة، قاله السدي.
الثاني: أن المودة الجماع والرحمة الولد، قاله الحسن.
الثالث: أن المودة حب الكبير والرحمة الحنو على الصغير، قاله الكلبي.
الرابع: أنهما التراحم بين الزوجين، قاله مقاتل.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: يتفكرون في أن لهم خالقاً معبوداً.
الثاني: يتفكرون في البعث بعد الموت.

.تفسير الآيات (22- 23):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23)}
قوله: {وَمِنْ ءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ} فيه وجهان:
أحدهما: لما فيهما من الآيات والعبر.
الثاني: لإعجاز الخلق عن إحداث مثلهما.
{وَاخْتلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: اختلاف ألسنتكم بالكلام، فللعرب كلام وللفرس كلام وللروم كلام. وألوانكم أبيض وأسود وأحمر، قاله السدي، وحكى وهب بن منبه في المبتدأ أن جميع الألسنة اثنان وسبعون لساناً منها في ولد سام بن نوح تسعة عشر لساناً، وفي ولد حام سبعة عشر لساناً، وفي ولد يافث ستة وثلاثون لساناً.
والوجه الثاني: اختلاف ألسنتكم: النغمة والصوت حتى لا يشتبه صوتان من أخوين لأم وأب، وألوانكم: الصورة حتى لا يشتبه الناس في المعارف والمناكح والحقوق.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} قال ابن عيسى: الجن والإنس. وروى حفص عن عاصم {للعالمين} بكسر اللام يعني جميع العلماء.
قوله: {وَمِنْ ءَايَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ} فيه وجهان:
أحدهما: أن الليل والنهار معاً وقت للنوم ووقت لابتغاء الفضل، لأن من الناس من يتصرف في كسبه ليلاً وينام نهاراً.
الثاني: أن الليل وقت النوم والنهار وقت لابتغاء الفضل، ويكون تقدير الكلام: ومن آياته منامكم بالليل، وابتغاؤكم من فضله بالنهار.
وفي ابتغاء الفضل وجهان:
أحدهما: التجارة، قاله مجاهد.
الثاني: التصرف والعمل. فجعل النوم في الليل دليلاً على الموت، والتصرف في النهار دليلاً على البعث.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} فيه ثلاث أوجه:
أحدها: يسمعون الحق فيتبعونه.
الثاني: يسمعون الوعظ فيخافونه.
الثالث: يسمعون القرآن فيصدقونه.

.تفسير الآيات (24- 25):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)}
قوله تعالى: {وَمِن ءَايَاتِهِ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: خوفاً للمسافر وطمعاً للمقيم، قاله قتادة.
الثاني: خوفاً من الصواعق وطمعاً في الغيث، قاله الضحاك.
الثالث: خوفاً من البرد أن يهلك الزرع وطمعاً في المطر أن يحيي الزرع، حكاه يحيى بن سلام.
الرابع: خوفاً أن يكون البرق برقاً خُلّباً لا يمطر وطمعاً أن يكون ممطراً، ذكره ابن بحر، وأنشد قول الشاعر:
لا يكن برقك برقاً خُلّباً ** إن خير البرق ما الغيث معه

والعرب يقولون: إذا توالت أربعون برقة مطرت وقد أشار المتنبي إلى ذلك بقوله:
فقد أرد المياه بغير زادٍ ** سوى عَدّي لها بَرْق الغمام

قوله تعالى: {وَمِنْ ءَآيَاتِهِ أنْ تَقُومَ السَّمَآءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ} فيه وجهان:
أحدهما: أن تكون.
الثاني: أن تثبت.
{بِأَمْرِهِ} فيه وجهان:
أحدهما: بتدبيره وحكمته.
الثاني: بإذنه لها أن تقوم بغير عمد.
{ثُمَّ إِذا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنْ الأَرْضِ} أي وأنتم موتى في قبوركم.
{إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} أي من قبوركم مبعوثين إلى القيامة. قال قتادة: دعاهم من السماء فخرجوا من الأرض.
ثم فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه أخرجهم بما هو بمنزلة الدعاء وبمنزلة قوله كن فيكون، قاله ابن عيسى.
الثاني: أنهم أخرجهم بدعاء دعاهم به، قاله قتادة.
الثالث: أنه أخرجهم بالنفخة الثانية وجعلها دعاء لهم. ويشبه أن يكون قول يحيى بن سلام.