فصل: تفسير الآيات (12- 16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (12- 16):

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)}
قوله عز وجل: {كذبت قبلهم قوم نوح} ذكر الله عز وجل القوم بلفظ التأنيث، واختلف أهل العربية في تأنيثه على قولين:
أحدهما: أنه قد يجوز فيه التأنيث والتذكير.
الثاني: أنه مذكر اللفظ لا يجوز تأنيثه إلا أن يقع المعنى على العشيرة فيغلب في اللفظ حكم المعنى المضمر تنبيهاً عليه كقوله تعالى: {كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره} ولم يقل ذكرها لأنه لما كان المضمر فيه مذكوراً ذكره وإن كان اللفظ مقتضياً للتأنيث.
{وعادٌ} وهم قوم هود كانوا بالأحقاف من أرض اليمن، قال ابن اسحاق: كانوا أصحاب أصنام يعبدونها، وكانت ثلاثة يقال لأحدها هدر وللآخر صمور للآخر الهنا، فأمرهم هود أن يوحدوا الله سبحانه ولا يجعلوا معه إِلهاً غيره ويكفوا عن ظلم الناس ولم يأمرهم إلا بذلك.
{وفرعون ذُو الأوتاد} وفي تسميته بذي الأوتاد أربعة أقاويل:
أحدها: أنه كان كثير البنيان، والبنيان يسمى أوتاداً، قاله الضحاك.
الثاني: أنه كانت له ملاعب من أوتاد يلعب عليها، قاله ابن عباس وقتادة.
الثالث: لأنه كان يعذب الناس بالأوتاد، قاله السدي.
والرابع: أنه يريد ثابت الملك شديد القوة كثبوت ما يشج بالأوتاد كما قال الأسود بن يعفر:
ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة ** في ظل ملك ثابت الأوتاد

{وثمود} وهم عرب وحكى مقاتل أن عاداً وثمود أبناء عم، وكانت منازل ثمود بالحجر بين الحجاز والشام منها وادي القرى، بعث الله إليهم صالحاً، واختلف في إيمانهم به، فذكر ابن عباس أنهم آمنوا ثم مات فرجعوا بعده عن الإيمان فأحياه الله تعالى وبعثه إليهم وأعلمهم أنه صالح فكذبوه وقالوا قد مات صالح فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين فأتاهم الله الناقة، فكفروا وعقروها، فأهلكهم الله.
وقال ابن إسحاق: إن الله بعث صالحاً شاباً فدعاهم حتى صار شيخاً، فقروا الناقة ولم يؤمنوا حتى هلكوا.
{وقوم لوط} لم يؤمنوا حتى أهلكهم الله تعالى. قال مجاهد: وكانوا أربعمائة ألف بيت في كل بيت عشرة. وقال عطاء ما من أحد من الأنبياء إلا يقوم معه يوم القيامة قوم من أمته إلا آل لوط فإنه يقوم القيامة وحده.
{وأصحاب الأيكة} بعث الله إليهم شعيباً. وفي {الأيكة} قولان:
أحدهما: أنها الغيضة، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه الملتف من النبع والسدر قاله أبو عمرو بن العلاء. قال قتادة: بعث شعيب إلى أمتين من الناس إلى أصحاب الإيكة وإلى مدين، وعذبتا بعذابين.
{أولئك الأحزاب} يحتمل وجهين:
أحدهما: أحزاب على الأنبياء بالعداوة.
الثاني: أحزاب الشياطين بالموالاة.
قوله عز وجل: {وما ينظر هؤلاء} يعني كفار هذه الأمة.
{إلا صيحة واحدة} يعني النفخة الأولى.
{ما لها من فواق} قرأ حمزة والكسائي بضم الفاء، والباقون بفتحها، واختلف في الضم والفتح على قولين:
أحدهما: أنه بالفتح من الإفاضة وبالضم فُواق الناقة وهو قدر ما بين الحلبتين تقديراً للمدة.
الثاني: معناهما واحد، وفي تأويله سبعة أقاويل:
أحدها: معناه ما لها من ترداد، قاله ابن عباس.
الثاني: ما لها من حبس، قاله حمزة بن إسماعيل.
الثالث: من رجوع إلى الدنيا، قاله الحسن وقتادة.
الرابع: من رحمة. وروي عن ابن عباس أيضاً.
الخامس: ما لها من راحة، حكاه أبان بن تغلب.
السادس: ما لها من تأخير لسرعتها قال الكلبي، ومنه قول أبي ذؤيب:
إذا ماتت عن الدنيا حياتي ** فيا ليت القيامة عن فواق

السابع: ما لهم بعدها من إقامة، وهو بمعنى قول السدي.
قوله عز وجل: {وقالوا ربنا عَجَّل لنا قِطنا} الآية. فيه خمسة تأويلات:
أحدها: معنى ذلك عجل لنا حظنا من الجنة التي وعدتنا، قاله ابن جبير.
الثاني: عجل لنا نصيبنا من العذاب الذي وعدتنا استهزاء منهم بذلك، قاله ابن عباس.
الثالث: عجل لنا رزقنا، قاله إسماعيل بن أبي خالد.
الرابع: أرنا منازلنا، قاله السدي.
الخامس: عجل لنا في الدنيا كتابنا في الآخرة وهو قوله {فأما من أوتي كتابه بيمينه وأما من أوتي كتابه بشماله} استهزاء منهم بذلك. وأصل القط القطع، ومنه قط القلم وقولهم ما رأيته قط أي قطع الدهر بيني وبينه وأطلق على النصيب. والكتاب والرزق لقطعه من غيره إلا أنه في الكتاب أكثر استعمالاً وأقوى حقيقة، قال أمية بن أبي الصلت:
قوم لهم ساحة العراق وما ** يجبى إليه والقط والقلح

وفيه لمن قال بهذا قولان:
أحدهما أنه ينطلق على كل كتاب يتوثق به.
الثاني: أنه مخص بالكتاب الذي فيه عطية وصلة، قاله ابن بحر.

.تفسير الآيات (17- 20):

{اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)}
قوله عز وجل: {اصبر على ما يقولون} يعني كما صبر أولو العزم من الرسل لا كمن لم يصبر مثل يونس.
{واذكر عبدنا داود} أي فإنا نحسن إليك كما أحسنا إلى داود قبلك بالصبر.
{ذا الأيد} فيه قولان:
أحدهما: ذا النعم التي أنعم الله بها عليه لأنها جمع يد حذفت منه الياء، واليد النعمة.
الثاني: ذا القوة، قاله ابن عباس وقتادة ومجاهد، ومنه {والسماء بنيناها بأيد} أي بقوة. وفيما نسب داود إليه من القوة قولان:
أحدهما: القوة في طاعة الله والنصر في الحرب، قاله مجاهد.
الثاني: ذا القوة في العبادة والفقه في الدين قاله قتادة. وذكر أنه كان يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر.
{إنه أواب} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أنه التواب، قاله مجاهد وابن زيد.
الثاني: أنه الذي يؤوب إلى الطاعة ويرجع إليها، حكاه ابن زيد.
الثالث: أنه المسبح، قاله الكلبي.
الرابع: أنه الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها، قاله المنصور.
قوله عز وجل: {وشَدَدنا ملكه} فيه وجهان:
أحدهما: بالتأييد والنصر.
الثاني: بالجنود والهيبة. قال قتادة: باثنين وثلاثين ألف حرس.
{وآتيناه الحكمة} فيها خمسة تأويلات:
أحدها: النبوة، قاله السدي.
الثاني: السنّة، قاله قتادة.
الثالث: العدل، قاله ابن نجيح.
الرابع: العلم والفهم، قاله شريح.
الخامس: الفضل والفطنة.
{وفصل الخطاب} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: على القضاء والعدل فيه، قاله ابن عباس والحسن.
الثاني: تكليف المدعي البينة والمدعَى عليه اليمين، قاله شريح وقتادة.
الثالث: قوله أما بعد، وهو أول من تكلم بها، قاله أبو موسى الأشعري والشعبي.
الرابع: أنه البيان الكافي في كل غرض مقصود.
الخامس: أنه الفصل بين الكلام الأول والكلام الثاني.

.تفسير الآيات (21- 25):

{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (25)}
قوله عز وجل: {وهل أتاك نبأ الخَصْم} والخصم يقع على الواحد والاثنين والجماعة لأن أصله المصدر.
{إذ تسوروا المحراب} ومعنى تسوروا أنهم أتوه من أعلى سورة وفي المحراب أربعة أقاويل:
أحدها: أنه صدر المجلس، ومنه محراب المسجد، قاله أبو عبيدة.
الثاني: مجلس الأشراف الذي يتحارب عليه لشرف صاحبه، حكاه ابن عيسى.
الثالث: أنه المسجد، قاله يحيى بن سلام.
الرابع: أنه الغرفة لأنهم تسوروا عليه فيها.
{إذ دخلوا على داود ففزع منهم} وسبب ذلك ما حكاه ابن عيسى: إن داود حدث نفسه إن ابتلي أن يعتصم، فقيل له إنك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخذ حذرك، فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه، فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر كأحسن ما يكون من الطير فجعل يدرج بين يديه، فهمّ أن يستدرجه بيده فاستدرج حتى وقع في كوة المحراب فدنا منه ليأخذه فانتفض فاطلع لينظره فأشرف على امرأة تغتسل فلما رأته غطت جسدها بشعرها، قال السدي فوقعت في قلبه، قال ابن عباس وكان زوجها غازياً في سبيل الله، قال مقاتل وهو أوريا بن حنان، فكتب داود إلى أمير الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت، وكان حملة التابوت إما أن يفتح الله عليهم أو يقتلوا، فقدمه فيهم فقتل، فلما انقضت عدتها خطبها داود فاشترطت عليه إن ولدت غلاماً أن يكون الخليفة بعده، وكتبت عليه بذلك كتاباً وأشهدت عليه خمسين رجلاً من بني إسرائيل فلم يشعر بفتنتها حتى ولدت سليمان وشب وتسور عليه الملكان وكان من شأنهما ما قَصَّه الله في كتابه.
وفي فزعه منهما قولان:
أحدهما: لأنهم تسوروا عليه من غير باب.
الثاني: لأنهم أتوه في غير وقت جلوسه للنظر.
{قالوا لا تخف خصمان بَغَى بعضنا على بعض} وكانا ملكين ولم يكونا خصمين ولا باغيين، ولا يأتي منهما كذب، وتقدير كلامها: ما تقول إن أتاك خصمان وقالا بغى بعضنا على بعض.
وثنى بعضهم هنا وجمعه في الأول حيث قال: {وهل أتاك نبأ الخصم} لأن جملتهم جمعت، وهم فريقان كل واحد منهما خصم.
{فاحكم بيننا بالحق} أي بالعدل.
{ولا تشطط} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: لا تملْ، قاله قتادة.
الثاني: لا تَجُر، قاله السدي.
الثالث: لا تسرف، قاله الأخفش.
وفي أصل الشطط قولان:
أحدهما: أن أصله البعد من قولهم شطط الدار إذا بعدت، قال الشاعر:
تشطط غداً دار جيراننا ** والدار بعد غد أبعد

الثاني: الإفراط. قال الشاعر:
ألا يالقومي قد اشطّت عواذلي ** وزعمن أن أودى بحقّي باطلي

{واهدِنا إلى سواءِ الصراط} فيه وجهان:
أحدهما: أرشدنا إلى قصد الحق، قاله يحيى.
الثاني: إلى عدل القضاء، قاله السدي.
{إن هذا أخي} فيه وجهان:
أحدهما: يعني على ديني، قاله ابن مسعود.
الثاني: يعني صاحبي، قاله السدي.
{له تسع وتسعونَ نعجةً وليَ نعجةٌ واحدةٌ} فيها وجهان:
أحدهما: أنه أراد تسعاً وتسعين امرأة، فكنى عنهن، بالنعاج، قاله ابن عيسى. قال قطرب: النعجة هي المرأة الجميلة اللينة.
الثاني: أنه أراد النعاج ليضربها مثلاً لداود، قاله الحسن.
{فقال أكفلنيها} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ضمها إليَّ، قاله يحيى.
الثاني: أعطنيها، قاله الحسن.
الثالث: تحوّل لي عنها، قاله ابن عباس وابن مسعود.
{وعزّني في الخطاب} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أي قهرني في الخصومة، قاله قتادة.
الثاني: غلبني على حقي، من قولهم من عزيز أي من غلب سلب، قاله ابن عيسى.
الثالث: معناه إن تكلم كان أبين، وإن بطش كان أشد مني، وإن دعا كان أكثر مني، قاله الضحاك.
قوله عز وجل: {قال لقد ظَلَمَكَ بسؤال نعجتِك إلى نعِاجه} فإن قيل فكيف يحكم لأحد الخصمين على الآخر بدعواه؟ ففيه جوابان:
أحدهما: أن الآخر قد كان أقر بذلك فحكم عليه داود عليه السلام بإقراره، فحذف اكتفاء بفهم السامع، قاله السدي.
الثاني: إن كان الأمر كما تقول لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه.
{وإنَّ كثيراً من الخُلَطاءِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: الأصحاب.
الثاني: الشركاء.
{لَيَبْغِي بعضهم على بعض} أي يتعدى.
{إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} تقديره فلا يبغي بعضهم على بعض، فحذف اكتفاء بفهم السامع.
{وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: وقليل ما فيه من يبغي بعضهم على بعض، قاله ابن عباس.
الثاني: وقليل من لا يبغي بعضهم على بعض، قاله قتادة.
وفي {ما} التي في قوله {وقليل ما هم} وجهان:
أحدهما: انها فضلة زائدة تقديره: وقليل هم.
الثاني: أنها بمعنى الذي: تقديره: وقليل الذي هم كذلك.
{وظن داود أنما فتناه} قال قتادة أي علم داود أنما فتناه وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: اختبرناه، قاله ابن عباس.
الثاني: ابتليناه، قاله السدي.
الثالث: شددنا عليه في التعبد، قاله ابن عيسى.
{فاستغفر ربَّه} من ذنبه. قال قتادة: قضى نبي الله على نفسه ولم يفطن لذلك، فلما تبين له الذنب استغفر ربه.
واختلف في الذنب على أربعة أقاويل:
أحدها: أنه سمع من أحد الخصمين وحكم له قبل سماعه من الآخر.
الثاني: هو أن وقعت عينه على امرأة أوريا بن حنان واسمها اليشع وهي تغتسل فأشبع نظره منها حتى علقت بقلبه.
الثالث: هو ما نواه إن قتل زوجها تزوج بها وأحسن الخلافة عليها، قاله الحسن.
وحكى السدي عن علي كرم الله وجهه قال: لو سمعت رجلاً يذكر أن داود قارف من تلك المرأة محرَّماً لجلدته ستين ومائة لأن حد الناس ثمانون وحد الأنبياء ستون ومائة، حَدّان.
{وخَرّ راكعاً وأناب} أي خرّ ساجداً وقد يعبر عن السجود بالركوع، قال الشاعر:
فخر على وجهه راكعاً ** وتاب إلى الله من كل ذنب

قال مجاهد: مكث أربعين يوماً ساجداً لا يرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموع عينه فغطى رأسه إلى أن قال الله تعالى: {فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} أي مرجع.
في الزلفى وجهان:
أحدهما: الكرامة، وهو المشهور.
الثاني: الرحمة قاله الضحاك. فرفع رأسه وقد قرح جبينه.
واختلف في هذه السجدة على قولين:
أحدهما: أنها سجدة عزيمة تسجد عند تلاوتها في الصلاة وغير الصلاة، قاله أبو حنيفة.
الثاني: أنها سجدة شكر لا يسجد عند تلاوتها لا في الصلاة، ولا في غير الصلاة وهو قول الشافعي.
قال وهب بن منبه: فمكث داود حيناً لا يشرب ماء إلا مزجه بدموعه، ولا يأكل طعاماً إلا بلّه بدموعه، ولا ينام على فراش إلا غرقه بدموعه. وحكي عن داود أنه كان يدعو على الخطائين فلما أصاب الخطيئة كان لا يمر بواد إلا قال: اللهم اغفر للخاطئين لعلك تغفر لي معهم.