فصل: فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْبَيْعِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْبَيْعِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْبَيْعِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: حُكْمُ الْبَيْعِ نَوْعَانِ، نَوْعٌ يَرْتَفِعُ بِالْفَسْخِ وَهُوَ الَّذِي يَقُومُ بِرَفْعِهِ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَهُوَ حُكْمُ كُلِّ بَيْعٍ غَيْرِ لَازِمٍ كَالْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ الْأَرْبَعِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ.
وَنَوْعٌ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِإِقَالَةٍ وَهُوَ حُكْمُ كُلِّ بَيْعٍ لَازِمٍ وَهُوَ الْبَيْعُ الصَّحِيحُ الْخَالَيْ عَنْ الْخِيَارِ.
وَالْكَلَامُ فِي الْإِقَالَةِ فِي مَوَاضِعَ، فِي بَيَانِ رُكْنِ الْإِقَالَةِ، وَفِي بَيَانِ مَاهِيَّةِ الْإِقَالَةِ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْإِقَالَةِ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْإِقَالَةِ.
(أَمَّا) رُكْنُهَا فَهُوَ الْإِيجَابُ مِنْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ وَالْقَبُولُ مِنْ الْآخَرِ، فَإِذَا وُجِدَ الْإِيجَابُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْقَبُولُ مِنْ الْآخَرِ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَدْ تَمَّ الرُّكْنُ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي صِيغَةِ اللَّفْظِ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ الرُّكْنُ فَنَقُولُ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: أَقَلْتُ، وَالْآخَرُ: قَبِلْتُ أَوْ رَضِيتُ أَوْ هَوِيتُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهَلْ يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمَاضِي وَبِالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ؟ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَقِلْنِي، فَيَقُولُ: أَقَلْتُكَ، أَوْ قَالَ لَهُ: جِئْتُكَ لِتُقِيلَنِي، فَقَالَ: أَقَلْتُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَنْعَقِدُ كَمَا فِي النِّكَاحِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي كَمَا فِي الْبَيْعِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ رُكْنَ الْإِقَالَةِ هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ كَرُكْنِ الْبَيْعِ، ثُمَّ رُكْنُ الْبَيْعِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي، فَكَذَا رُكْنُ الْإِقَالَةِ وَلَهُمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقَالَةِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَةَ الِاسْتِقْبَالِ لِلْمُسَاوَمَةِ حَقِيقَةً وَالْمُسَاوَمَةُ فِي الْبَيْعِ مُعْتَادَةٌ، فَكَانَتْ اللَّفْظَةُ مَحْمُولَةً عَلَى حَقِيقَتِهَا فَلَمْ تَقَعْ إيجَابًا بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ اللَّفْظِ بِعَلَيَّ حَقِيقَتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَمَةَ فِيهَا لَيْسَتْ بِمُعْتَادَةٍ فَيُحْمَلُ عَلَى الْإِيجَابِ وَلِهَذَا حَمَلْنَاهَا عَلَى الْإِيجَابِ فِي النِّكَاحِ كَذَا هَذَا.
(وَأَمَّا) بَيَانُ مَاهِيَّةِ الْإِقَالَةِ وَعَمَلِهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَاهِيَّتِهَا، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ: الْإِقَالَةُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا فَسْخٌ قَبْلَ الْقَبْضِ بَيْعٌ بَعْدَهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّهَا بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ أَنْ تُجْعَلَ بَيْعًا فَتُجْعَلَ فَسْخًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنَّهَا فَسْخٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ أَنْ تُجْعَلَ فَسْخًا فَتُجْعَلَ بَيْعًا لِلضَّرُورَةِ وَقَالَ زُفَرُ: إنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً (وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ إنَّ الْإِقَالَةَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الرَّفْعِ يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ أَقِلْنِي عَثَرَاتِي أَيْ ارْفَعْهَا، وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَعَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إلَّا فِي حَدٍّ»، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَعْنَى التَّصَرُّفِ شَرْعًا مَا يُنْبِئُ عَنْهُ اللَّفْظُ لُغَةً، وَرَفْعُ الْعَقْدِ فَسْخُهُ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ وَالْإِقَالَةَ اخْتَلَفَا اسْمًا فَيَخْتَلِفَانِ حُكْمًا، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فَإِذَا كَانَتْ رَفْعًا لَا تَكُونُ بَيْعًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إثْبَاتٌ وَالرَّفْعُ نَفْيٌ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَكَانَتْ الْإِقَالَةُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَسْخًا مَحْضًا فَتَظْهَرُ فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْفَسْخُ، كَمَا قَالَ زُفَرُ: إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تُجْعَلَ فَسْخًا فَتُجْعَلُ بَيْعًا ضَرُورَةً (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَهُوَ أَخْذُ بَدَلٍ وَإِعْطَاءُ بَدَلٍ وَقَدْ وُجِدَ فَكَانَتْ الْإِقَالَةُ بَيْعًا لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهَا، وَالْعِبْرَةُ لَلْمَعْنَى لَا لِلصُّورَةِ، وَلِهَذَا أُعْطِيَ حُكْمَ الْبَيْعِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى مَا نَذْكُرُ، وَكَذَا اُعْتُبِرَ بَيْعًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَقْرِيرِ مَعْنَى الْفَسْخِ مَا ذَكَرْنَاهُ لَزُفَرَ أَنَّهُ رَفْعٌ لُغَةً وَشَرْعًا، وَرَفْعُ الشَّيْءِ فَسْخُهُ.
وَأَمَّا تَقْرِيرُ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهِ فَمَا ذَكَرْنَا لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ بِبَدَلٍ وَهَذَا مَعْنَى الْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إظْهَارُ مَعْنَى الْبَيْعِ فِي الْفَسْخِ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ لِلتَّنَافِي فَأَظْهَرْنَاهُ فِي حَقِّ الثَّالِثِ فَجُعِلَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا بَيْعًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ وَهَذَا لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُجْعَلَ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ طَاعَةً مِنْ وَجْهٍ وَمَعْصِيَةً مِنْ وَجْهٍ؟ فَمِنْ شَخْصَيْنِ أَوْلَى، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ، وَلَا صِحَّةَ لِلْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ.
، وَثَمَرَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا تَقَايَلَا وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ الْأَوَّلَ أَوْ سَمَّيَا زِيَادَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَنْقَصَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، أَوْ سَمَّيَا جِنْسًا آخَرَ سِوَى الْجِنْسِ الْأَوَّلِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ أَوْ أَجَّلَا الثَّمَنَ الْأَوَّلَ فَالْإِقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَسْمِيَةُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَالْأَجَلِ وَالْجِنْسِ الْآخَرِ بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهَا، وَالْمَبِيعُ مَنْقُولٌ أَوْ غَيْرُ مَنْقُولٍ لِأَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ، وَالْفَسْخُ رَفْعُ الْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ رَفَعَ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ فَيَكُونُ فَسْخُهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّهُ فَسَخَ ذَلِكَ الْعَقْدَ، وَحُكْمُ الْفَسْخِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُ وَبَيْنَ الْمَنْقُولِ وَغَيْرِ الْمَنْقُولِ، وَتَبْطُلُ تَسْمِيَةُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَالْجِنْسُ الْآخَرُ وَالْأَجَلُ، وَتَبْقَى الْإِقَالَةُ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ تَسْمِيَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ وَبِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الرِّبَا فِيهِ.
وَالْإِقَالَةُ رَفْعُ الْبَيْعِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَمَكُّنُ الرِّبَا فِيهِ فَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْإِقَالَةُ عَلَى مَا سَمَّيَا؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ جَدِيدٌ كَأَنَّهُ بَاعَهُ فِيهِ ابْتِدَاءً، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَبِيعُ عَقَارًا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ جَعْلُهُ بَيْعًا؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ مَنْقُولًا فَالْإِقَالَةُ فَسْخٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا بَيْعًا لِأَنَّ بَيْعَ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَكُلُّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا تَجُوزُ إقَالَتُهُ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ عِنْدَهُ فِي الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْإِقَالَةُ تَكُونُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَتَبْطُلُ تَسْمِيَةُ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَالْجِنْسُ الْآخَرُ وَالنُّقْصَانُ وَالْأَجَلُ يَكُونُ فَسْخًا كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَيْعًا لَكِنَّ بَيْعَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ مَنْقُولًا كَانَ أَوْ عَقَارًا.
وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ تَقَايَلَا مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ أَصْلًا، أَوْ سَمَّيَا الثَّمَنَ الْأَوَّلَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ أَوْ نَقَصَا عَنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَالْإِقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَتَبْطُلُ تَسْمِيَةُ النُّقْصَانِ وَتَكُونُ فَسْخًا أَيْضًا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّهَا فَسْخٌ فِي الْأَصْلِ وَلَا مَانِعَ مِنْ جَعْلِهَا فَسْخًا فَتُجْعَلُ فَسْخًا وَإِنْ تَقَايَلَا عَنْ الزِّيَادَةِ أَوْ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ سِوَى جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَالْإِقَالَةُ عَلَى مَا سَمَّيَا وَيَكُونُ بَيْعًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا فَسْخًا هَاهُنَا؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْفَسْخِ أَنْ يَكُونَ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهَا فَسْخًا تُجْعَلُ بَيْعًا بِمَا سَمَّيَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَايَلَا عَلَى أَنْقَصَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِقَالَةَ تَكُونُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ عِنْدَهُ، وَتُجْعَلُ فَسْخًا وَلَا تُجْعَلُ بَيْعًا عِنْدَهُ لِأَنَّ هَذَا سُكُوتٌ عَنْ نَقْصِ الثَّمَنِ وَذَلِكَ نَقْصُ الثَّمَنِ، وَالسُّكُوتُ عَنْ النَّقْصِ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ السُّكُوتِ عَنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَهُنَاكَ يُجْعَلُ فَسْخًا لَا بَيْعًا فَهاَهُنَا أَوْلَى وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَم.
وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعٌ فَقُضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ الْمُشْتَرِي أَنْ يُسَلِّمَ الشُّفْعَةَ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ بَاطِلَةٌ وَكَذَا تَسْمِيَةُ الْجِنْسِ الْآخَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قُضِيَ لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ فَقَدْ انْتَقَلَتْ الصَّفْقَةُ إلَيْهِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَالتَّسْلِيمُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ يَكُونُ إقَالَةً عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ فَتَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ وَيَصِحُّ التَّسْلِيمُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ عِنْدَهُمَا، وَإِنَّمَا اتَّفَقَ جَوَابُهُمَا هاهنا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى جَوَازَ بَيْعِ الْمَبِيعِ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَبْقَى فَسْخًا عَلَى الْأَصْلِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الزِّيَادَةُ صَحِيحَةٌ وَكَذَا تَسْمِيَةُ جِنْسٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ عِنْدَهُ بَيْعٌ وَلَا مَانِعَ مِنْ جَعْلِهَا بَيْعًا فَتَبْقَى بَيْعًا عَلَى الْأَصْلِ.
وَلَوْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ فِي الْمَنْقُولِ ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا قَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ يَدِهِ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَهَذَا يَطَّرِدُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، أَمَّا عَلَى أَصْلِ زُفَرَ فَلِأَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ مُطْلَقٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ وَالْمُشْتَرِي أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَعَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ فَسْخٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ جَعْلِهِ فَسْخًا، وَلَا مَانِعَ هاهنا مِنْ جَعْلِهِ فَسْخًا بَلْ وُجِدَ الْمَانِعُ مِنْ جَعْلِهِ بَيْعًا؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ فَكَانَتْ الْإِقَالَةُ فَسْخًا عِنْدَهُمْ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا بَيْعَ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَجَازَ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا يَطَّرِدُ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ عِنْدَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ بَيْعٌ مُطْلَقٌ.
وَبَيْعُ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فَكَانَ هَذَا الْفِعْلُ حُجَّةً عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَنْهُ الْخِلَافُ فِيهِ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَطَّرِدُ أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَعْدَ الْقَبْضِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا لِمَانِعٍ وَلَا مَانِعَ مِنْ جَعْلِهَا بَيْعًا هاهنا لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا لَا تَفْسُدُ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَتُجْعَلُ بَيْعًا فَكَانَ هَذَا بَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَمْ يَجُزْ.
وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ فَسْخًا لَكِنْ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ.
وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَهِيَ بَيْعٌ وَالْمُشْتَرِي غَيْرُهُمَا فَكَانَ بَيْعًا فِي بَيْعِهِ فَيَكُونُ بَيْعَ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ، وَزُفَرَ فَلَا يَطَّرِدُ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَ زُفَرَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْأَصْلُ فِيهَا الْفَسْخُ إلَّا لِمَانِعٍ، وَلَمْ يُوجَدْ الْمَانِعُ فَبَقِيَ فَسْخًا فِي حَقِّ الْكُلِّ.
وَلَمْ يَكُنْ هَذَا بَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ مَنْقُولٍ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا جَازَ بَيْعُهُ، مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَيْضًا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا عَلَى قِيَاسِ أَصْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ عَلَى أَصْلِهِ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ، وَهَاهُنَا، يُمْكِنُ لِمَا قُلْنَا، وَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ فَكَانَ هَذَا بَيْعُ الْمَبِيعِ الْعَقَارَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا، وَعَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ فَسْخٌ إلَّا عِنْدَ التَّعَذُّرِ، وَلَا تَعَذُّرَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَبَقِيَتْ فَسْخًا فَلَمْ يَكُنْ هَذَا بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بَلْ بَيْعُ الْمَفْسُوخِ فِيهِ الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَهُ مَنْقُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَنْقُولٍ، وَعِنْدَ زُفَرَ هُوَ فَسْخٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَمْ يَكُنْ بَيْعُهُ بَيْعَ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَجُوزُ.
وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا اشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعٌ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ أَوْ اشْتَرَاهَا، وَلَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا دَارٌ ثُمَّ بُنِيَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ، ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَلَا مَانِعَ مِنْ جَعْلِهَا بَيْعًا، وَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ، وَالشَّفِيعُ غَيْرُهُمَا فَيَكُونُ بَيْعًا فِي حَقِّهِ فَيَسْتَحِقُّ.
وَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ أَصْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَثْبُتُ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ مُطْلَقٌ، وَعَلَى أَصْلِ زُفَرَ، وَعَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ فَسْخٌ مَا أَمْكَنَ، وَهَاهُنَا مُمْكِنٌ، وَالشُّفْعَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْعِ لَا بِالْفَسْخِ كَالرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَلَوْ تَقَايَلَا ثُمَّ وُهِبَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ، مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الِاسْتِرْدَادِ، وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي جَازَتْ الْهِبَةُ، وَمَلَكَهُ الْمُشْتَرِي، وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِقَالَةُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الْبَيْعِ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ، وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِأَنْ، وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الْبَائِعِ وَقَبِلَهُ الْبَائِعُ، وَهَذَا يُشْكَلُ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ أَجْرَى الْإِقَالَةَ بَعْدَ الْقَبْضِ مَجْرَى الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمَا جَازَتْ الْهِبَةُ، وَلَكَانَتْ فَسْخًا لِلْإِقَالَةِ كَمَا كَانَتْ فَسْخًا لِلْبَيْعِ ثُمَّ الْفَرْقُ عَلَى أَصْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا فَسْخًا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْهِبَةِ مَجَازًا عَنْ الْإِقَالَةِ، فَلَا تَنْفَسِخُ الْإِقَالَةُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَأَمْكَنَ جَعْلُ الْهِبَةِ مَجَازًا عَنْ إقَالَةِ الْبَيْعِ.
، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا بِيعَ مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً فَتَقَايَلَا الْبَيْعَ فَاسْتَرَدَّهُ الْبَائِعُ مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ صَحَّ قَبْضُهُ، وَهَذَا لَا يَطَّرِدُ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمَا صَحَّ قَبْضُهُ مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ.
وَلَوْ تَقَايَلَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ وَجَدَ الْبَائِعُ بِهِ عَيْبًا كَانَ عِنْدَ بَائِعِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ يَطَّرِدُ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ، فَكَانَ بَيْعًا فِي حَقِّهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ ثَانِيًا أَوْ وَرِثَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَعَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ، وَزُفَرَ يُشْكِلُ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ عَلَى أَصْلِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَ الرَّدَّ.
، وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ تَقَايَلَا وَعَادَ الْمَبِيعُ إلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ إنَّ بَائِعَهُ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ قَبْلَ النَّقْدِ يَجُوزُ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْبَائِعُ الْأَوَّلُ هاهنا ثَالِثٌ فَكَانَتْ الْإِقَالَةُ بَيْعًا فِي حَقِّهِ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ اشْتَرَاهُ ثَانِيًا، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ بَائِعِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَذَلِكَ جَائِزٌ كَذَا هَذَا.
وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ، وَزُفَرَ فَلَا يَطَّرِدُ؛ لِأَنَّهُمَا يَجْعَلَانِ الْإِقَالَةَ فَسْخًا فَكَانَتْ إعَادَةً إلَى قَدِيمِ الْمِلْكِ فَيَنْبَغِيَ أَنْ لَا يَجُوزُ.
وَأَمَّا شَرَائِطُ صِحَّةِ الْإِقَالَةِ.
(فَمِنْهَا) رِضَا الْمُتَقَايِلَيْنِ أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مُطْلَقٌ، وَالرِّضَا شَرْطُ صِحَّةِ الْبِيَاعَاتِ.
وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ فَلِأَنَّهَا فَسْخُ الْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى الصِّحَّةِ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا أَيْضًا.
(وَمِنْهَا) الْمَجْلِسُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ مَوْجُودٌ فِيهَا فَيُشْتَرَطُ لَهَا الْمَجْلِسُ كَمَا يُشْتَرَطُ لِلْبَيْعِ.
(وَمِنْهَا) تَقَابُضُ بَدَلَيْ الصَّرْفِ فِي إقَالَةِ الصَّرْفِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْبَدَلَيْنِ إنَّمَا، وَجَبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَلَّا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ، وَالْإِقَالَةُ عَلَى أَصْلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فَسْخًا فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ، فَهِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ فَكَانَ حَقُّ الشَّرْعِ فِي حُكْمِ ثَالِثٍ فَيُجْعَلُ بَيْعًا فِي حَقِّهِ.
(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بِمَحَلِّ الْفَسْخِ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسْخِ كَالرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ ازْدَادَ زِيَادَةً تَمْنَعُ الْفَسْخَ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ لَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ عِنْدَهُمَا فَسْخٌ لِلْعَقْدِ فلابد وَأَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ مُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ فَإِذَا خَرَجَ عَنْ احْتِمَالِ الْفَسْخِ خَرَجَ عَنْ احْتِمَالِ الْإِقَالَةِ ضَرُورَةً.
(وَأَمَّا) عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهَا بَعْدَ الْقَبْضِ بَيْعٌ مُطْلَقٌ، وَهُوَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ مُحْتَمِلٌ لِلْبَيْعِ، فَبَقِيَ مُحْتَمِلًا لِلْإِقَالَةِ.
(وَأَمَّا) عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَتْ فَسْخًا لَكِنْ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَلَا إمْكَانَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهَا فَسْخًا لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا لَصَحَّتْ فَجُعِلَ بَيْعًا لِضَرُورَةِ الصِّحَّةِ، فَلِهَذَا اتَّفَقَ جَوَابُ مُحَمَّدٍ مَعَ جَوَابِ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذَا الْفَصْلِ.
(وَمِنْهَا) قِيَامُ الْمَبِيعِ وَقْتَ الْإِقَالَةِ فَإِنْ كَانَ هَالِكًا، وَقْتَ الْإِقَالَةِ لَمْ تَصِحَّ، فَأَمَّا قِيَامُ الثَّمَنِ وَقْتَ الْإِقَالَةِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ (وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ إقَالَةَ الْبَيْعِ رَفْعُهُ، فَكَانَ قِيَامُهَا بِالْبَيْعِ، وَقِيَامُ الْبَيْعِ بِالْمَبِيعِ لَا بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَيْهِ، لَا عَلَى الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَى الْمُعَيَّنِ، وَالْمُعَيَّنُ هُوَ الْمَبِيعُ لَا الثَّمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْيِينَ، وَإِنْ عَيَّنَ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ دَلَّ أَنَّ قِيَامَ الْبَيْعِ بِالْمَبِيعِ لَا بِالثَّمَنِ فَإِذَا هَلَكَ لَمْ يَبْقَ مَحَلُّ حُكْمِ الْبَيْعِ، فَلَا يَبْقَى حُكْمُهُ، فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِقَالَةُ الَّتِي هِيَ رَفْعُ حُكْمِ الْبَيْعِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِذَا هَلَكَ الثَّمَنُ فَمَحَلُّ حُكْمِ الْبَيْعِ قَائِمٌ فَتَصِحُّ الْإِقَالَةُ.
وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا تَبَايَعَا عَيْنًا بِدَيْنٍ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَيَّنَا أَوْ لَمْ يُعَيِّنَا وَالْفُلُوسِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ الْمَوْصُوفَةِ فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ تَقَايَلَا أَنَّهُمَا إنْ تَقَايَلَا، وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ الْإِقَالَةُ، سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ قَائِمًا فِي يَدِهِ أَوْ هَالِكًا لِقِيَامِ حُكْمِ الْبَيْعِ بِقِيَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَقَايَلَا بَعْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ لَمْ تَصِحَّ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَقْتَ الْإِقَالَةِ ثُمَّ هَلَكَتْ قَبْلَ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ سَوَاءً كَانَ الثَّمَنُ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِيهَا مَعْنَى الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَدُّ مَا فِي يَدِهِ عَلَى صَاحِبِهِ فَكَانَ هَلَاكُ الْبَيْعِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَهَلَاكِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْل الْقَبْضِ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْبَيْعِ كَذَا هَذَا سَوَاءٌ بَقِيَ الثَّمَنُ أَوْ هَلَكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ، فَقِيَامُهُ وَهَلَاكُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدَيْنِ، وَتَقَابَضَا ثُمَّ هَلَكَا ثُمَّ تَقَايَلَا أَنَّهُ لَا تَصِحَّ الْإِقَالَةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ لَمْ يَبْقَ مَحَلُّ الْفَسْخِ بِالْإِقَالَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا هَالِكًا وَقْتَ الْإِقَالَةِ وَالْآخَرُ قَائِمًا وَصَحَّتْ الْإِقَالَةُ، ثُمَّ هَلَكَ الْقَائِمُ قَبْلَ الرَّدِّ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِعَيْنٍ، وَتَقَابَضَا، ثُمَّ هَلَكَتْ إحْدَاهُمَا فِي يَدِ مُشْتَرِيهَا، ثُمَّ تَقَايَلَا صَحَّتْ الْإِقَالَةُ، وَعَلَى مُشْتَرِي الْهَالِكِ قِيمَةَ الْهَالِكِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ وَمِثْلُهُ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلُ فَيُسَلِّمُهُ إلَى صَاحِبِهِ وَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ الْعَيْنَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ عَلَى حِدَةِ لِقِيَامِ الْعَقْدِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ خَرَجَ الْهَالِكُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِيَامُ الْعَقْدِ بِهِ فَيَقُومُ بِالْآخَرِ، وَإِذَا بَقِيَ الْمَبِيعُ بَقِيَ مَحَلُّ الْفَسْخِ، فَيَصِحُّ أَوْ نَقُولُ: الْمَبِيعُ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ ثَمَنٌ إذْ الْمَبِيعُ لابد لَهُ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْهَالِكُ لِلثَّمَنِ، وَالْقَائِمُ لِلْمَبِيعِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ، وَفِي الْقَلْبِ إفْسَادُهُ، فَكَانَ التَّصْحِيحُ أَوْلَى فَبَقِيَ الْبَيْعُ بِبَقَاءِ الْمَبِيعِ، فَاحْتَمَلَ الْإِقَالَةَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ تَقَايَلَا، وَالْعَيْنَانِ قَائِمَتَانِ ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الرَّدِّ لَا تَبْطُلُ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْإِقَالَةِ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ فَهَلَاكُهَا بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَهَا عَلَى الصِّحَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَهَذَا بِخِلَافِ بِيعَ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِأَحَدِ الْعَرْضَيْنِ ابْتِدَاءً، وَإِذَا انْعَقَدَ بِهِمَا ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِأَحَدِ الْبَدَلَيْنِ، وَيَبْطُلُ بِهَلَاكِ أَحَدِ الْعَرْضَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَرْضَيْنِ مَبِيعٌ، وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ (فَأَمَّا) الْإِقَالَةُ فَرَفْعُ الْبَيْعِ فَتَسْتَدْعِي بَقَاءَ حُكْمِ الْبَيْعِ، وَقَدْ بَقِيَ بِبَقَاءِ أَحَدِهِمَا.
وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ إقَالَةُ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ سَوَاءٌ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا، وَسَوَاءٌ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَوْ هَالِكًا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ، وَأَنَّهُ قَائِمٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا حَقِيقَةً فَلَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ حَتَّى لَا يَجُوزَ اسْتِبْدَالُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَانَ كَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ قَائِمٌ فَوُجِدَ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِقَالَةِ، وَإِذَا صَحَّتْ، فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنَ مَالٍ قَائِمَةٍ رَدَّهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ رَدَّ مِثْلَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ رَدَّ قِيمَتَهُ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا رَدَّ مِثْلَهُ قَائِمًا كَانَ أَوْ هَالِكًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَهَلَاكُهُ وَقِيَامُهُ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَأَنَّهُ قَائِمٌ فِي يَدِ رَبِّ السَّلَمِ أَنَّهُ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ ثَمَّةَ؛ لِأَنَّهَا صَحَّتْ حَالَ كَوْنِهِ دَيْنًا حَقِيقَةً فَحَالُ صَيْرُورَتِهِ عَيْنًا بِالْقَبْضِ أَوْلَى، وَإِذَا صَحَّتْ فَعَلَى رَبِّ السَّلَمِ رَدُّ عَيْنِ الْمَقْبُوضِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِعَقْدِ السَّلَمِ كَأَنَّهُ عَيْنُ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَالْمُرَابَحَةُ بَيْعُ مَا اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ.
وَإِذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ عَيْنَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فِي التَّقْدِيرِ وَالْحُكْمِ، وَجَبَ رَدُّ عَيْنِهِ فِي الْإِقَالَةِ.
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِنُقْرَةٍ أَوْ بِمَصُوغٍ، وَتَقَابَضَا ثُمَّ هَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ تَقَايَلَا وَالْفِضَّةُ قَائِمَةٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ لِتَعَيُّنِهِ بِالتَّعْيِينِ فَكَانَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ فَيَبْقَى الْبَيْعُ بِبَقَاءِ أَحَدِهِمَا، وَعَلَى الْبَائِعِ رَدُّ عَيْنِ الْفِضَّةِ، وَيَسْتَرِدُّ مِنْ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْعَبْدِ لَكِنْ ذَهَبًا لَا فِضَةً؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ وَرُدَّتْ لَا عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ فَلَوْ اسْتَرَدَّ قِيمَتَهُ فِضَّةً، وَالْقِيمَةُ تَخْتَلِفُ فَتَزْدَادُ أَوْ تَنْقُصُ فَيُؤَدِّي إلَى الرِّبَا،.
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقَالَةِ ثُمَّ هَلَكَ قَبْلَ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ الْفِضَّةَ، وَيَسْتَرِدَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ إنْ شَاءَ ذَهَبًا، وَإِنْ شَاءَ فِضَّةً؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ هاهنا وَرَدَتْ عَلَى عَيْنِ الْعَبْدِ ثُمَّ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي بَدَلًا لِلْعَبْدِ، وَلَا رَبَا بِينَ الْعَبْدِ وَقِيمَتِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.