فصل: فَصْلٌ: شَرَائِطُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: شَرَائِطُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ:

وَأَمَّا شَرَائِطُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ فَأَنْوَاعٌ: بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْقَاسِمِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَقْسُومِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَقْسُومِ لَهُ.

.الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْقَاسِمِ:

(أَمَّا) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْقَاسِمِ فَنَوْعَانِ: نَوْعٌ هُوَ شَرْطُ الْجَوَازِ وَنَوْعٌ: هُوَ شَرْطُ الِاسْتِحْبَابِ أَمَّا شَرَائِطُ الْجَوَازِ فَأَنْوَاعٌ: مِنْهَا الْعَقْلُ، فَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ مِنْ شَرَائِطِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، فَأَمَّا الْبُلُوغُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الْقِسْمَةِ حَتَّى تَجُوزَ قِسْمَةُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْقِسْمَةَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَكَذَلِكَ الْإِسْلَامُ وَالذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الْقِسْمَةِ، فَتَجُوزُ قِسْمَةُ الذِّمِّيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْعِ فَكَانُوا مِنْ أَهْلِ الْقِسْمَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَمِنْهَا) الْمِلْكُ وَالْوِلَايَةُ، فَلَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ بِدُونِهِمَا أَمَّا الْمِلْكُ فَالْمَعْنِيُّ بِهِ: أَنْ يَكُونَ الْقَاسِمُ مَالِكًا فَيَقْسِمُ الشُّرَكَاءُ بِالتَّرَاضِي.
وَأَمَّا الْوِلَايَةُ فَنَوْعَانِ: وِلَايَةُ قَضَاءٍ، وَوِلَايَةُ قَرَابَةٍ، إلَّا أَنَّ شَرْطَ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ الطَّلَبُ، فَيَقْسِمُ الْقَاضِي وَأَمِينُهُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ، عِنْدَ طَلَبِ الشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ- عَلَى مَا نَذْكُرُهُ- وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي وِلَايَةِ الْقَرَابَةِ، فَيَقْسِمُ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ، وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُ، عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَعْتُوهِ، مِنْ غَيْرِ طَلَبِ أَحَدٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْبَيْعِ فَلَهُ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ، وَمَنْ لَا فَلَا، وَلِهَؤُلَاءِ وِلَايَةُ الْبَيْعِ فَكَانَتْ لَهُمْ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ، وَكَذَا الْقَاضِي لَهُ وِلَايَةُ بَيْعِ مَالِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فِي الْجُمْلَةِ، فَكَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ فِي الْجُمْلَةِ.
(وَأَمَّا) وَصِيُّ الْأُمِّ وَوَصِيُّ الْأَخِ وَالْعَمِّ فَيَقْسِمُ الْمَنْقُولَ دُونَ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ بَيْعِ الْمَنْقُولِ دُونَ الْعَقَارِ، وَفِي وَصِيِّ الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ أَنَّهُ هَلْ يَقْسِمُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَهَذَا كُلُّهُ يُقَرِّرُ مَا قُلْنَا: إنَّ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ لَازِمٌ فِي الْقِسْمَةِ، حَيْثُ جَعَلَ سَبِيلَهُ سَبِيلَ الْبَيْعِ فِي الْوِلَايَةِ، وَلَا يَقْسِمُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ؛ لِانْعِدَامِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَا يَقْسِمُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهِ؛ لِانْعِدَامِ وِلَايَتِهِمْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَلَا يَقْسِمُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَلَى بَعْضٍ؛ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ فَلَا يَقْسِمُونَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ، وَلَوْ اقْتَسَمُوا وَهُوَ غَائِبٌ نُقِضَتْ قِسْمَتُهُمْ، لَكِنْ هَذَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالتَّرَاضِي، فَإِنْ كَانَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي- تَنْفُذُ وَلَا تُنْقَضُ؛ لِمَا نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا شَرَائِطُ الِاسْتِحْبَابِ فَأَنْوَاعٌ:
(مِنْهَا) أَنْ يَكُونَ عَدْلًا أَمِينًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ خَائِنًا، أَوْ جَاهِلًا بِأُمُورِ الْقِسْمَةِ يُخَافُ مِنْهُ الْجَوْرُ فِي الْقِسْمَةِ لَا يَجُوزُ.
(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ غَيْرِهِ لَا تَنْفُذُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْغَائِبِ؛ وَلِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِشَرَائِطِ الْأَمَانَةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْزُقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِيَقْسِمَ لِلنَّاسِ مِنْ غَيْرِ أَجْرٍ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَرْفَقُ بِالْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَرْزُقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يَقْسِمُ لَهُمْ بِأَجْرٍ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّرَ لَهُ أُجْرَةً مَعْلُومَةً كَيْ لَا يَتَحَكَّمَ عَلَى النَّاسِ، وَلَوْ أَرَادَ النَّاسُ أَنْ يَسْتَأْجِرُوا قَسَّامًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي نَصَبَهُ الْقَاضِي لَا يَمْنَعُهُمْ الْقَاضِي عَنْ ذَلِكَ، وَلَا يَجْبُرُهُمْ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرُوا قَسَّامًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَعَلَّهُ لَا يَرْضَى إلَّا بِأُجْرَةٍ كَثِيرَةٍ فَيَتَضَرَّرُ النَّاسُ، وَكَذَا لَا يَتْرُكُ الْقَسَّامِينَ يَشْتَرِكُونَ فِي الْقِسْمِ؛ لِمَا قُلْنَا.
(وَمِنْهَا) الْمُبَالَغَةُ فِي تَعْدِيلِ الْأَنْصِبَاءِ، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ السِّهَامِ بِأَقْصَى الْإِمْكَانِ؛ لِئَلَّا يَدْخُلَ قُصُورٌ فِي سَهْمٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَدَعَ حَقًّا بَيْنَ شَرِيكَيْنِ غَيْرَ مَقْسُومٍ مِنْ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ وَالشُّرْبِ، إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضُمَّ نَصِيبَ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ إلَى بَعْضٍ إلَّا إذَا رَضَوْا بِالضَّمِّ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقِسْمَةِ ثَانِيًا، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُدْخِلَ فِي قِسْمَةِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا الدَّرَاهِمَ، إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ الْقِسْمَةُ إلَّا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَحِلَّ الْقِسْمَةِ الْمِلْكُ الْمُشْتَرَكُ، وَلَا شِرْكَةَ فِي الدَّرَاهِمِ فَلَا يُدْخِلُهَا فِي الْقِسْمَةِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
(وَمِنْهَا) أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِسْمَةِ، وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ قَبُولَ مَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ هَذَا السَّهْمُ مِنْ هَذَا الْجَانِبِ مِنْ الدَّارِ، وَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ بَعْدَهُ فَلَهُ السَّهْمُ الَّذِي يَلِيهِ هَكَذَا، ثُمَّ يُقْرِعُ بَيْنَهُمْ؛ لَا لِأَنَّ الْقُرْعَةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ؛ بَلْ لِتَطْيِيبِ النُّفُوسِ؛ وَلِوُرُودِ السُّنَّةِ بِهَا؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَنْفَى لِلتُّهْمَةِ فَكَانَ سُنَّةً، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَإِذَا قَسَمَ بِأُجْرَةٍ فَأُجْرَةُ الْقِسْمَةِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعِنْدَهُمَا- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ أُجْرَةَ الْقِسْمَةِ مِنْ مُؤْنَاتِ الْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَالنَّفَقَةِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ- أَنَّ الْأُجْرَةَ بِمُقَابِلَةِ الْعَمَلِ، وَعَمَلُهُ فِي حَقِّ الْكُلِّ عَلَى السَّوَاءِ فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِمْ عَلَى السَّوَاءِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ عَمَلَهُ تَمْيِيزُ الْأَنْصِبَاءِ، وَالتَّمْيِيزُ عَمَلٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ تَمْيِيزَ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ، هُوَ بِعَيْنِهِ تَمْيِيزُ الْكَثِيرِ مِنْ الْقَلِيلِ، وَالتَّفَاوُتُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ مُحَالٌ، وَإِذَا لَمْ يَتَفَاوَتْ الْعَمَلُ لَا تَتَفَاوَتُ الْأُجْرَةُ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ يَتَفَاوَتُ فَهُوَ الْفَرْقُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَقْسُومِ لَهُ:

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَقْسُومِ لَهُ فَأَنْوَاعٌ:
(مِنْهَا) أَنْ لَا يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ فِي أَحَدِ نَوْعَيْ الْقِسْمَةِ دُونَ النَّوْعِ الْآخَرِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِسْمَةَ نَوْعَانِ: قِسْمَةُ جَبْرٍ: وَهِيَ الَّتِي يَتَوَلَّاهَا الْقَاضِي، وَقِسْمَةُ رِضًا: وَهِيَ الَّتِي يَفْعَلُهَا الشُّرَكَاءُ بِالتَّرَاضِي، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى نَوْعَيْنِ: قِسْمَةُ تَفْرِيقٍ، وَقِسْمَةُ جَمْعٍ.
(أَمَّا) قِسْمَةُ التَّفْرِيقِ فَنَقُولُ- وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إنَّ الَّذِي تُصَادِفُهُ الْقِسْمَةُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: (إمَّا) أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِي تَبْعِيضِهِ بِالشَّرِيكَيْنِ أَصْلًا بَلْ لَهُمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ.
(وَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ مِمَّا فِي تَبْعِيضِهِ مَضَرَّةٌ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مَضَرَّةُ فِي تَبْعِيضِهِ أَصْلًا بَلْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلشَّرِيكَيْنِ، كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ، فَتَجُوزُ قِسْمَةُ التَّفْرِيقِ فِيهَا قِسْمَةُ جَبْرٍ، كَمَا تَجُوزُ فِيهَا قِسْمَةُ الرِّضَا؛ لِتُحَقِّقَ مَا شُرِعَ لَهُ الْقِسْمَةُ، وَهُوَ تَكْمِيلُ مَنَافِعِ الْمِلْكِ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّا فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: (إمَّا) أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
(وَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ بِأَحَدِهِمَا نَفْعٌ فِي حَقِّ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْجَبْرِ فِيهِ، وَذَلِكَ نَحْوُ اللُّؤْلُؤَةِ الْوَاحِدَةِ وَالْيَاقُوتَةِ وَالزُّمُرُّدَةِ وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَالسَّرْجِ وَالْقَوْسِ وَالْمُصْحَفِ الْكَرِيمِ، وَالْقَبَاءِ وَالْجُبَّةِ وَالْخَيْمَةِ وَالْحَائِطِ وَالْحَمَّامِ وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ وَالْحَانُوتِ الصَّغِيرِ وَالرَّحَى وَالْفَرَسِ وَالْجَمَلِ وَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قِسْمَةُ إضْرَارٍ بِالشَّرِيكَيْنِ جَمِيعًا، وَالْقَاضِي لَا يَمْلِكُ الْجَبْرَ عَلَى الْإِضْرَارِ، وَكَذَلِكَ النَّهْرُ وَالْقَنَاةُ وَالْعَيْنُ وَالْبِئْرُ؛ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ أَرْضٌ؛ قُسِمَتْ الْأَرْضُ وَتُرِكَتْ الْبِئْرُ وَالْقَنَاةُ عَلَى الشِّرْكَةِ.
(فَأَمَّا) إذَا كَانَتْ أَنْهَارُ الْأَرَضِينَ مُتَفَرِّقَةً أَوْ عُيُونًا أَوْ آبَارًا؛ قُسِمَتْ الْآبَارُ وَالْعُيُونُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي الْقِسْمَةِ، وَكَذَا الْبَابُ وَالسَّاحَةُ وَالْخَشَبَةُ إذَا كَانَ فِي قَطْعِهِمَا ضَرَرٌ فَإِنْ كَانَتْ الْخَشَبَةُ كَبِيرَةً يُمْكِنُ تَعْدِيلُ الْقِسْمَةِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ؛ جَازَتْ، وَتَجُوزُ قِسْمَةُ الرِّضَا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِأَنْ يَقْتَسِمَاهَا بِأَنْفُسِهِمَا بِتَرَاضِيهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ الْإِضْرَارَ بِأَنْفُسِهِمَا مَعَ مَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ نَفْعٍ، وَمَا لَا تَجْرِي فِيهِ الْقِسْمَةُ لَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى بَيْعِ حِصَّتِهِ مِنْ صَاحِبِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ مَالِكٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ: إذَا اخْتَصَمَا فِيهِ؛ بَاعَ الْقَاضِي وَقَسَمَ الثَّمَنَ بَيْنَهُمَا.
وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الْجَبْرَ عَلَى إزَالَةِ الْمِلْكِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَعَلَى هَذَا طَرِيقٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ فَإِنْ كَانَ يَسْتَقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَرِيقٌ نَافِذٌ بَعْدَ الْقِسْمَةِ يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَقَعُ تَحْصِيلًا لِمَا شُرِعَتْ لَهُ- وَهُوَ تَكْمِيلُ مَنَافِعِ الْمِلْكِ- فَيُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِيمُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهَا قِسْمَةُ إضْرَارٍ بِالشَّرِيكَيْنِ فَلَا يَلِيهَا الْقَاضِي إلَّا إذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ مِنْ الدَّارِ مَفْتَحٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَيَقْسِمُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا تَقَعُ إضْرَارًا، وَلَوْ اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا جَازَتْ لِتَرَاضِيهِمَا بِالضَّرَرِ، وَكَذَلِكَ الْمَسِيلُ الْمُشْتَرَكُ إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ.
وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ قُسِمَ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ قَدْرُ مَا يَسِيلُ مَاؤُهُ، أَوْ كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ يُمْكِنُهُ التَّسْيِيلُ فِيهِ يَقْسِمُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لَمْ يَقْسِمْ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّرِيقِ، وَعَلَى هَذَا إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا مَفْتَحَ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ الطَّرِيقِ، وَأَبَى الْآخَرُ إلَّا بِرَفْعِ الطَّرِيقِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَفْتَحٌ آخَرُ يَفْتَحُهُ فِي نَصِيبِهِ؛ قَسَمَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ رَفْعِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْقِسْمَةِ- وَهُوَ تَكْمِيلُ مَنَافِعِ الْمِلْكِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ- أَوْفَرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَفَعَ بَيْنَهُمَا طَرِيقًا وَقَسَمَ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَفْتَحٌ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِغَيْرِ طَرِيقٍ تَفْوِيتًا لِلْمَنْفَعَةِ لَا تَكْمِيلًا لَهَا، فَكَانَتْ إضْرَارًا بِهِمَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا بِغَيْرِ طَرِيقٍ فَيَجُوزُ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي سَعَةِ الطَّرِيقِ وَضِيقِهِ جُعِلَ الطَّرِيقُ عَلَى قَدْرِ عَرْضِ بَابِ الدَّارِ وَطُولِهِ عَلَى أَدْنَى مَا يَكْفِيهَا؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ وُضِعَ لِلِاسْتِطْرَاقِ، وَالْبَابُ هُوَ الْمَوْضُوعُ مَدْخَلًا إلَى أَدْنَى مَا يَكْفِي لِلِاسْتِطْرَاقِ فَيَحْكُمُ فِيهِ، وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ.
وَعَلَى هَذَا إذَا بَنَى رَجُلَانِ فِي أَرْضِ رَجُلٍ بِإِذْنِهِ، وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الْبِنَاءِ وَأَبَى الْآخَرُ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ غَائِبٌ؛ لَمْ تُقْسَمْ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ الْمَبْنِيَّ عَلَيْهَا بَيْنَهُمَا شَائِعٌ بِالْإِعَارَةِ أَوْ بِالْإِجَارَةِ، فَلَوْ قَسَمَ الْبِنَاءَ بَيْنَهُمَا لَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبِيلٌ فِي بَعْضِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَفِيهِ ضَرَرٌ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَلَوْ اقْتَسَمَا بِالتَّرَاضِي جَازَتْ، وَكَذَا لَوْ هَدَمَهَا وَكَانَتْ الْآلَةُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى هَذَا زَرْعٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُمَا؛ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الزَّرْعِ دُونَ الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ قَدْ بَلَغَ وَسَنْبَلَ لَا يَقْسِمُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَلَوْ طَلَبَا جَمِيعًا لَا يَقْسِمُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الرِّبَا وَحُرْمَةُ الرَّبَّا لَا تَحْتَمِلُ الِارْتِفَاعَ بِالرِّضَا، وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ بَقْلًا فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا لَا يَقْسِمُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ مَمْلُوكَةٌ لَهُمَا عَلَى الشِّرْكَةِ فَلَوْ قَسَمَ؛ لَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبِيلٍ مِنْ الْقَطْعِ وَفِيهِ ضَرَرٌ وَلَا جَبْرَ عَلَى الضَّرَرِ.
وَلَوْ اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا وَشَرَطَا الْقَطْعَ جَازَتْ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِالضَّرَرِ، وَلَوْ شَرَطَا التَّرْكَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْأَرْضِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا فَكَانَ شَرْطُ التَّرْكِ مِنْهُمَا فِي الْقِسْمَةِ شَرْطًا لِانْتِفَاعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِلْكِ شَرِيكِهِ، وَمِثْلُ هَذَا الشَّرْطِ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ فَكَانَ مُفْسِدًا لِلْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لَهُمَا، وَكَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا بِالْإِعَارَةِ أَوْ بِالْإِجَارَةِ، وَالزَّرْعُ بَقْلٌ لَا تُقْسَمُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا جَازَتْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَلَا تَجُوزُ بِشَرْطِ التَّرْكِ كَالْبَيْعِ عَلَى ذِكْرِنَا، وَكَذَلِكَ طَلْعٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الطَّلْعِ دُونَ النَّخْلِ وَالْأَرْضِ لَمْ يَقْسِمْ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الزَّرْعِ، وَلَوْ اقْتَسَمَا بِالتَّرَاضِي فَإِنْ شَرَطَا الْقَطْعَ جَازَ، وَإِنْ شَرَطَا التَّرْكَ لَمْ يَجُزْ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الزَّرْعِ.
وَلَوْ تَرَكَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَأَدْرَكَ وَقَلَعَ فَالْفَضْلُ لَهُ طَيِّبٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ حَصَلَ فِي مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ لَكِنَّهُ حَصَلَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فَلَا يَكُونُ خَبِيثًا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ؛ لِتَمَكُّنِ الْخُبْثِ فِيهِ فَكَانَ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ، هَذَا إذَا كَانَ شَيْئًا فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ شَيْئًا فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا فِيهَا شِقْصٌ قَلِيلٌ فَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ الْقِسْمَةَ قُسِمَتَا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي حَقِّهِ مُفِيدَةٌ؛ لِوُقُوعِهَا مُحَصَّلَةٌ لِمَا شُرِعَتْ لَهُ مِنْ تَكْمِيلِ مَنَافِعِ الْمِلْكِ، وَفِي حَقِّ صَاحِبِ الْقَلِيلِ تَقَعُ مَنْعًا لَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ إذْ لَا يَقْدِرُ صَاحِبُ الْقَلِيلِ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ؛ لِقِلَّةِ نَصِيبِهِ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ فِي حَقِّهِ مَنْعًا لَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَجَازَتْ، وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ الْقِسْمَةَ فَقَدْ ذَكَرَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ يُقْسَمُ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ.
(وَجْهُ) مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْكَثِيرِ، بَلْ لَهُ فِيهِ مُنَفِّعَةٌ فَكَانَ فِي الْإِبَاءِ مُتَعَنِّتًا فَلَا يُعْتَبَرُ إبَاؤُهُ، وَصَاحِبُ الْقَلِيلِ قَدْ رَضِيَ بِالضَّرَرِ حَيْثُ طَلَبَ الْقِسْمَةَ فَيُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ، كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ بِأَحَدِهِمَا أَصْلًا بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ تَقَعُ الْقِسْمَةُ إضْرَارًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يُوجَدْ الرِّضَا بِالضَّرَرِ، وَالْقَاضِي لَا يَمْلِكُ الْجَبْرَ عَلَى الْإِضْرَارِ فَهُوَ الْفَرْقُ.
(وَجْهُ) مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ مُتَعَنِّتٌ فِي طَلَبِ الْقِسْمَةِ؛ لِكَوْنِ الْقِسْمَةِ ضَرَرًا مَحْضًا فِي حَقِّهِ فَلَا يُعْتَبَرُ طَلَبُهُ، وَقِسْمَةُ الْجَبْرِ لَمْ تُشْرَعْ بِدُونِ الطَّلَبِ، وَلَوْ اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا جَازَتْ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ قَدْ رَضِيَ بِالضَّرَرِ بِنَفْسِهِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ أَصْلًا فَجَازَتْ قِسْمَتُهَا.
وَعَلَى هَذَا دَارٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا، فَأَصَابَ أَحَدَهُمَا مَوْضِعٌ بِغَيْرِ طَرِيقٍ شُرِطَ لَهُ فِي الْقِسْمَةِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ فِيمَا أَصَابَهُ مَفْتَحٌ إلَى الطَّرِيقِ جَازَتْ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَضَرَّةَ لَهُ فِيهَا إذْ يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ بِفَتْحِ طَرِيقٍ آخَرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيمَا أَصَابَهُ مَفْتَحٌ أَصْلًا فَإِنْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ فِي الْقِسْمَةِ؛ فَلَهُ حَقُّ الِاخْتِيَارِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ مِنْ الْحُقُوقِ فَصَارَ مَذْكُورًا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّهَا قِسْمَةُ إضْرَارٍ فِي حَقِّ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، وَكَذَلِكَ إذَا قُسِمَتْ بِغَيْرِ مَسِيلٍ شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا، وَوَقَعَ الْمَسِيلُ فِي نَصِيب الْآخَرِ؛ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الطَّرِيقِ، وَلَوْ اقْتَسَمَا عَلَى أَنْ لَا طَرِيقَ لَهُ، وَلَا مَسِيلَ جَازَتْ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالضَّرَرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تَخْرُجُ قِسْمَةُ الْجَمْعِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا فِي جِنْسَيْنِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ تَقَعُ إضْرَارًا فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا عَلَى مَا سَنَذْكُرُ- إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِي ذَكَرْنَا قِسْمَةُ التَّفْرِيقِ.
وَأَمَّا قِسْمَةُ الْجَمْعِ: فَهِيَ أَنْ يَجْمَعَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ، وَأَنَّهَا جَائِزَةٌ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَا تَجُوزُ فِي جِنْسَيْنِ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ تَقَعُ وَسِيلَةً إلَى مَا شُرِعَتْ لَهُ- وَهُوَ تَكْمِيلُ مَنَافِعِ الْمِلْكِ- وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ تَقَعُ تَفْوِيتًا لِلْمَنْفَعَةِ لَا تَكْمِيلًا لَهَا إذَا عَرَفْتَ هَذَا، فَنَقُولُ: لَا خِلَافَ فِي الْأَمْثَالِ الْمُتَسَاوِيَةِ، وَهِيَ الْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ وَالْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَقَارِبَةُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ تُقْسَمُ قِسْمَةَ جَمْعٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ مَا شُرِعَتْ لَهُ الْقِسْمَةُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ؛ لِانْعِدَامِ التَّفَاوُتِ، وَكَذَلِكَ تِبْرُ الذَّهَبِ وَتِبْرُ النُّحَاسِ وَتِبْرُ الْحَدِيدِ؛ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ الثِّيَابُ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْهَرَوِيَّةِ، وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالْمَطْلُوبِ لَا يَتَفَاحَشُ بَلْ يَقِلُّ.
وَالتَّفَاوُتُ الْقَلِيلُ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ أَوْ يُجْبَرُ بِالْقِيمَةِ فَيُمْكِنُ تَعْدِيلُ الْقِسْمَةِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ اللَّآلِئُ الْمُنْفَرِدَةُ، وَكَذَا الْيَوَاقِيتُ الْمُنْفَرِدَةُ؛ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ فِي جِنْسَيْنِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَزْرُوعِ وَالْعَدَدِيِّ قِسْمَةُ جَمْعٍ، كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْقُطْنِ وَالْحَدِيدِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالثِّيَابِ الْبَرْدِيَّةِ وَالْمَرْوِيَّةِ، وَكَذَلِكَ اللَّآلِئُ وَالْيَوَاقِيتُ، وَكَذَا الْخَيْلُ وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَكَذَا إذَا كَانَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ فَرْدٌ كَبِرْذَوْنٍ وَجَمَلٍ وَبَقَرَةٍ وَشَاةٍ وَثَوْبٍ وَقَبَاءٍ وَجُبَّةٍ وَقَمِيصٍ وَوِسَادَةٍ وَبِسَاطٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَوْ قُسِمَتْ عَلَى الْجَمْعِ كَانَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ تُقْسَمُ بِاعْتِبَارِ أَعْيَانِهَا، وَإِمَّا أَنْ تُقْسَمُ بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهَا بِإِنْ يَضُمَّ إلَى بَعْضِهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِأَحَدِهِمَا لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَالْقَاضِي لَا يَمْلِكُ الْجَبْرَ عَلَى الضَّرَرِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قِسْمَةٌ فِي غَيْرِ مَحِلِّهَا؛ لِأَنَّ مَحِلَّهَا الْمِلْكُ الْمُشْتَرَكُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الدَّرَاهِمِ.
وَلَوْ اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ جَازَتْ الْقِسْمَةُ، حَتَّى لَوْ اقْتَسَمَا ثَوْبَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةِ وَزَادَ مَعَ الْأَوْكَسِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً جَازَ، وَكَذَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ قِسْمَةَ الرِّضَا لَا قِسْمَةَ الْقَضَاءِ، وَكَذَا الْأَوَانِي سَوَاءٌ اخْتَلَفَتْ أُصُولُهَا أَوْ اتَّحَدَتْ؛ لِأَنَّهَا بِالصِّنَاعَةِ أَخَذَتْ حُكْمَ جِنْسَيْنِ، حَتَّى جَازَ بَيْعُ الْأَوَانِي الصِّغَارِ وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ.
وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَلَا يُقْسَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- قِسْمَةُ جَمْعٍ، وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الرَّقِيقَ عَلَى اخْتِلَافِ أَوْصَافِهَا وَقِيمَتِهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَاحْتَمَلَ الْقِسْمَةَ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَمَا فِيهَا مِنْ التَّفَاوُتِ يُمْكِنُ تَعْدِيلُهُ بِالْقِيمَةِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ، وَجَوَازُ التَّصَرُّفِ بِدُونِ شَرْطِ جَوَازِهِ مُحَالٌ، وَبَيَانُ ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّا لَوْ قَسَمْنَاهَا رِقًّا- بِاعْتِبَارِ أَعْيَانِهَا- فَقَدْ أَضْرَرْنَا بِأَحَدِهِمَا لِتَفَاحُشِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ عَبْدٍ وَعَبْدٍ فِي الْمَعَانِي الْمَطْلُوبَةِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، فَكَانَا فِي حُكْمِ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَمِنْ شَرْطِ جَوَازِ هَذِهِ الْقِسْمَةِ أَنْ لَا تَتَضَمَّنَ ضَرَرًا بِالْمَقْسُومِ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَسَمْنَاهَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لَوَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهَا؛ لِأَنَّ مَحِلَّهَا الْمِلْكُ الْمُشْتَرَكُ وَلَا شِرْكَةَ فِي الْقِيمَةِ، وَالْمَحَلِّيَّةُ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ فَصَحَّ مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا جَازَ لِتَرَاضِيهِمَا بِالضَّرَرِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَ الرَّقِيقِ غَيْرُهُ قُسِمَ.
كَذَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مَقْصُودًا فَيُجْعَلُ تَبَعًا لِمَا يَحْتَمِلُهَا فَيُقْسَمُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا مَقْصُودًا، ثُمَّ يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لِلنَّهْرِ وَالْأَرْضِ، كَذَا هَذَا، وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَى قِسْمَةِ الرِّضَا.
وَأَمَّا قِسْمَةُ الْقَضَاءِ فَلَا تَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَقْسُومِ لَيْسَ تَبَعًا لِلْمَقْسُومِ بَلْ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ- بِخِلَافِ الشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ-، وَكَذَلِكَ الدُّورُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْسَمُ قِسْمَةَ جَمْعٍ حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَارَانِ تُقْسَمُ كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى حِدَتِهَا، سَوَاءٌ كَانَتَا مُنْفَصِلَتَيْنِ أَوْ مُتَلَاصِقَتَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا يَنْظُرُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ الْأَعْدَلُ فِي الْجَمْعِ جَمَعَ، وَإِنْ كَانَ الْأَعْدَلُ فِي التَّفْرِيقِ فَرَّقَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْضَانِ أَوْ كَرْمَانِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ.
وَأَمَّا الْبَيْتَانِ فَيُقْسَمَانِ قِسْمَةَ جَمْعٍ إجْمَاعًا مُتَّصِلَيْنِ كَانَا أَوْ مُنْفَصِلَيْنِ، وَكَذَا الْمَنْزِلَانِ الْمُتَّصِلَانِ.
وَأَمَّا الْمُنْفَصِلَانِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَى الْخِلَافِ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الدُّورَ كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَالتَّفَاوُتُ الَّذِي بَيْنَ الدَّارَيْنِ يُمْكِنُ تَعْدِيلُهُ بِالْقِيمَةِ فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي إنْ رَأَى الْأَعْدَلَ فِي التَّفْرِيقِ فَرَّقَ، وَإِنْ رَأَى الْأَعْدَلَ فِي الْجَمْعِ جَمَعَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الرَّقِيقِ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا بِاعْتِبَارِ أَعْيَانِهَا، وَيَقَعُ ضَرَرُ التَّفَاوُتِ مُتَفَاحِشًا بَيْنَ دَارٍ وَدَارٍ؛ لِاخْتِلَافِ الدُّورِ فِي أَنْفُسِهَا وَاخْتِلَافُهَا بِاخْتِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْبِقَاعِ، فَكَانَا فِي حُكْمِ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَالْقِسْمَةُ فِيهَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ تَقَعُ تَصَرُّفًا فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ فَلَا يَصِحُّ، وَلَوْ اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ بِالْقَاضِي بِتَرَاضِيهِمَا جَازَ؛ لِمَا مَرَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَأَمَّا دَارٌ وَضِيعَةٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ فَلَا تُجْمَعُ بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ يَقْسِمُ كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلَى حِدَةٍ؛ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَمِنْهَا الطَّلَبُ فِي أَحَدِ نَوْعَيْ الْقِسْمَةِ- وَهُوَ قِسْمَةُ الْجَبْرِ- حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ الطَّلَبُ مِنْ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ أَصْلًا لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ الْقَاضِي تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَالتَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ مَحْظُورٌ فِي الْأَصْلِ، إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ طَلَبِ الْبَعْضِ يَرْتَفِعُ الْحَظْرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَبَ عُلِمَ أَنَّهُ لَهُ فِي اسْتِيفَاءِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ ضَرَرًا، إذْ لَوْ كَانَ الطَّلَبُ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ لِطَلَبِ صَاحِبِهِ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْإِضْرَارِ دِيَانَةً، فَإِذَا أَبَى الْقِسْمَةَ، عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ فَيَدْفَعُ الْقَاضِي ضَرَرَهُ بِالْقِسْمَةِ، فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ بَابِ دَفْعِ الضَّرَرِ، وَالْقَاضِي نُصِبَ لَهُ، وَنَظِيرُهُ الشُّفْعَةُ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَتَمَلَّكُ الدَّارَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ مِنْ غَيْرِ رِضًا دَفْعًا لِضَرَرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ الشُّفْعَةَ عُلِمَ أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِجِوَارِهِ فَالشَّرْعُ دَفَعَ ضَرَرَهُ عَنْهُ بِإِثْبَاتِ حَقِّ التَّمْلِيكِ بِالشُّفْعَةِ جَبْرًا عَلَيْهِ، كَذَا هَذَا.
(وَمِنْهَا) الرِّضَا فِي أَحَدِ نَوْعَيْ الْقِسْمَةِ، وَهُوَ رِضَا الشُّرَكَاءِ فِيمَا يَقْسِمُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الرِّضَا، أَوْ رِضَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ، إذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الرِّضَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَا يَصِحُّ، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ صَغِيرٌ لَا وَصِيَّ لَهُ، أَوْ كَبِيرٌ غَائِبٌ، فَاقْتَسَمُوا؛ فَالْقِسْمَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْبَيْعِ، وَقِسْمَةُ الرِّضَا أَشْبَهُ بِالْبَيْعِ، ثُمَّ لَا يَمْلِكُونَ الْبَيْعَ إلَّا بِالتَّرَاضِي، فَكَذَا الْقِسْمَةُ، إلَّا إذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الرِّضَا كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينَ فَيَقْسِمُ الْوَلِيُّ أَوْ الْوَصِيُّ إذَا كَانَ فِي الْقِسْمَةِ مَنْفَعَةٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ الْبَيْعَ فَيَمْلِكَانِ الْقِسْمَةَ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ وَلَهُ وَلِيٌّ، أَوْ وَصِيٌّ، يَقْتَسِمُونَ بِرِضَا الْوَلِيِّ أَوْ الْوَصِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَصَبَ الْقَاضِي عَنْ الصَّغِيرِ وَصِيًّا، وَاقْتَسَمُوا بِرِضَاهُ فَإِنْ أَبَى تَرَافَعُوا إلَى الْقَاضِي، حَتَّى يَقْسِمَ بَيْنَهُمْ، وَمِنْهَا حَضْرَةُ الشُّرَكَاءِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ فِي نَوْعَيْ الْقِسْمَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ أَصْلًا وَلَا يَقْسِمُ الْقَاضِي أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ وَلَكِنَّهُ لَوْ قَسَمَ لَا تُنْقَصُ قِسْمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ مَحِلَّ الِاجْتِهَادِ فَلَا يُنْقَضُ.
وَمِنْهَا الْبَيِّنَةُ فِي قِسْمَةِ الْقَضَاءِ فِي الْإِقْرَارِ بِمِيرَاثِ الْإِقْرَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَعِنْدَهُمَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَيَقْسِمُ بِإِقْرَارِهِمْ فَنَقُولُ- جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي بَيَانِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ: إنَّ جَمَاعَةً إذَا جَاءُوا إلَى الْقَاضِي، وَهُمْ عُقَلَاءُ بَالِغُونَ أَصِحَّاءُ فِي أَيْدِيهِمْ مَالٌ، فَأَقَرُّوا أَنَّهُ مِلْكُهُمْ، وَطَلَبُوا الْقِسْمَةَ مِنْ الْقَاضِي فَهَذَا لَا يَخْلُو فِي الْأَصْلِ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ:
(إمَّا) أَنْ يُقِرُّوا بِالْمِلْكِ مُطْلَقًا عَنْ ذَكَرِ سَبَبٍ، وَإِمَّا أَنْ يُقِرُّوا بِالْمِلْكِ بِسَبَبٍ ادَّعَوْا انْتِقَالَ الْمِلْكِ بِهِ مِنْ أَحَدٍ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ: (إمَّا) أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ مَنْقُولًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَقَارًا، فَإِنْ أَقَرُّوا بِالْمِلْكِ مُطْلَقًا عَنْ سَبَبِ الِانْتِقَالِ قَسَمَ بِإِقْرَارِهِمْ، وَيَذْكُرُ فِي الْإِشْهَادِ فِي كِتَابِ الصَّكِّ أَنِّي قَسَمْتُ بِإِقْرَارِهِمْ وَلَمْ أَقْضِ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ.
وَلَا يَطْلُبُ مِنْهُمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَصْلِ الْمِلْكِ مَنْقُولًا كَانَ الْمَالُ أَوْ عَقَارًا، إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَهُوَ الْيَدُ وَالْإِقْرَارُ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ، وَلَا دَعْوَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ مِنْ أَحَدٍ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ لَمْ يَقْسِمْ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حَضْرَةَ الشُّرَكَاءِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ شَرْطٌ وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَصْلُحُونَ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ، وَإِنْ أَقَرُّوا بِالْمِلْكِ بِسَبَبِ الْمِيرَاثِ بِأَنْ قَالُوا: هُوَ بَيْنَنَا مِيرَاثٌ عَنْ فُلَانٍ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ مَنْقُولًا؛ قُسِمَ بَيْنَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا تُطْلَبُ مِنْهُمْ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْحَاضِرَانِ اثْنَيْنِ كَبِيرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ قَدْ نُصِبَ عَنْهُ وَصِيٌّ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ عَقَارًا فَلَا يُقْسَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَوْتِ فُلَانٍ وَعَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ، وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ فِي الصَّكِّ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ مَحِلَّ قِسْمَةِ الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ وَقَدْ وُجِدَ لِوُجُودِ دَلِيلِ الْمِلْكِ- وَهُوَ الْيَدُ وَالْإِقْرَارُ بِالْإِرْثِ- مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ فَصَادَفَتْ الْقِسْمَةُ مَحِلَّهَا فَيَقْسِمُ، وَيَكْتُبُ أَنَّهُ قَسَمَ بِإِقْرَارِهِمْ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ؛ وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تُقَامُ عَلَى مُنْكِرٍ، وَالْكُلُّ مُقِرُّونَ فَعَلَى مَنْ تُقَامُ الْبَيِّنَةُ؟ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ قِسْمَةٌ صَادَفَتْ حَقَّ الْمَيِّتِ بِالْإِبْطَالِ فَلَا تَصِحُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَدَعْوَى الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّارَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الزَّوَائِدَ الْحَادِثَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ شَجَرَةً فَأَثْمَرَتْ كَانَ الثَّمَرُ لَهُ حَتَّى تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ، وَتَنْفُذُ مِنْهُ وَصَايَاهُ، فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ تَصَرُّفًا عَلَى مِلْكِهِ بِالْإِبْطَالِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَيْسَ قَطْعًا لِحَقِّ الْمَيِّتِ بَلْ هِيَ حِفْظُ حَقِّ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ مُحْتَاجٌ إلَى الْحِفْظِ وَالْقِسْمَةُ نَوْعُ حِفْظٍ لَهُ.
وَأَمَّا الْعَقَارُ فَمُسْتَغْنٍ عَنْ الْحِفْظِ، فَبَقِيَتْ قِسْمَتُهُ قَطْعًا لِحَقِّهِ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمَا لَا مُنْكَرٌ هاهنا فَعَلَى مَنْ تُقَامُ الْبَيِّنَةُ؟ (قُلْنَا): تُقَامُ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ مِنْ الْبَعْض، وَإِنْ كَانُوا مُقِرِّينَ- وَذَلِكَ جَائِزٌ- كَالْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ إذَا أَقَرَّا عَلَى الصَّغِيرِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَلَا مُنْكِرَ هَاهُنَا، كَذَا هَذَا.
هَذَا إذَا أَقَرُّوا بِالْمِلْكِ بِسَبَبِ الْإِرْثِ، فَإِنْ أَقَرُّوا بِهِ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ مَنْقُولًا قُسِمَ بَيْنَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَقْسِمُ بِإِقْرَارِهِمْ وَلَا تُطْلَبُ مِنْهُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ فُلَانٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الشِّرَاءِ وَبَيْنَ الْمِيرَاثِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَقْسِمُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ كَالْمِيرَاثِ.
(وَجْهُ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُمْ لَمَّا أَقَرُّوا أَنَّهُمْ مَلَكُوهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ فُلَانٍ فَقَدْ أَقَرُّوا بِالْمِلْكِ لَهُ، وَادَّعَوْا الِانْتِقَالَ إلَيْهِمْ مِنْ جِهَتِهِ، فَإِقْرَارُهُمْ مُسَلَّمٌ وَدَعْوَاهُمْ مَمْنُوعَةٌ وَمُحْتَاجَةٌ إلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ الْبَيِّنَةُ.
(وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الشِّرَاءِ وَبَيْنَ الْمِيرَاثِ أَنَّ امْتِنَاعَ الْقِسْمَةِ فِي الْمَوَارِيثِ بِنَفْسِ الْإِقْرَارِ لِمَا يَتَضَمَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ مُنْعَدِمٌ فِي بَابِ الْبَيْعِ إذْ لَا حَقَّ بَاقٍ لِلْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ؛ فَصَادَفَتْ مَحِلَّهَا فَصَحَّتْ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَثَةِ كَبِيرٌ غَائِبٌ أَوْ صَغِيرٌ حَاضِرٌ، فَإِنْ كَانَ فَأَقَرُّوا بِالْمِيرَاثِ فَلَا يُشْكِلُ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَقْسِمُ بِإِقْرَارِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْسِمُ بَيْنَ الْكِبَارِ الْحُضُورِ فَكَيْفَ يَقْسِمُ هَاهُنَا؟ وَأَمَّا عِنْدَهُمْ فَيَنْظُرُ إنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْكِبَارِ الْحُضُورِ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ؛ لِمَا بَيَّنَّا، وَيَضَعُ حِصَّةَ الْغَائِبِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ يَحْفَظُهُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ مِنْ الْبَعْضِ، وَيَنْصِبُ عَنْ الصَّغِيرِ وَصِيًّا وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْغَائِبِ الْكَبِيرِ أَوْ فِي يَدِ الْحَاضِرِ الصَّغِيرِ أَوْ فِي أَيْدِيهِمَا مِنْهَا شَيْءٌ؛ لَا يَقْسِمُ، حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِيرَاثِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ بِالْإِجْمَاعِ.
لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ الدَّارِ شَيْءٌ فَالْحَاجَةُ إلَى اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ، فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ هَذَا إذَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى مِيرَاثِ الْعَقَارِ، فَأَمَّا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَطَلَبُوا الْقِسْمَةَ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ: إنْ كَانَ الْحَاضِرُ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا وَالْغَائِبُ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ وَفِيهِمْ صَغِيرٌ حَاضِرٌ؛ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ وَيَعْزِلُ نَصِيبَ كُلِّ كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ، فَيُوَكِّلُ وَكِيلًا يَحْفَظُهُ، بِخِلَافِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ إذَا حَضَرَ شَرِيكَانِ وَشَرِيكٌ غَائِبٌ؛ أَنَّهُ لَا يَقْسِمُ.
(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ قِسْمَةَ الْعَقَارِ تَصَرُّفٌ عَلَى الْمَيِّتِ وَقَضَاءٌ عَلَيْهِ بِقَطْعِ حَقِّهِ عَنْ التَّرِكَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا يَرُدُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْعَيْبِ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الْحَاضِرُ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا أَمْكَنَ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدَهُمَا خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهِ، وَالْآخَرَ مَقْضِيًّا لَهُ فَتَصِحُّ الْقِسْمَةُ، وَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ وَاحِدًا وَالْبَاقُونَ غَيْبًا لَمْ يَقْسِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هُوَ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ حَتَّى تُسْمَعَ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ؛ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ مَقْضِيًّا لَهُ وَعَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْحَاضِرِ وَارِثٌ صَغِيرٌ نَصَبَ الْقَاضِي عَنْهُ وَصِيًّا وَقَسَمَ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ هاهنا مُمْكِنَةٌ؛ لِوُجُودِ مُتَقَاسِمَيْنِ حَاضِرَيْنِ، وَإِذَا قَسَمَ الْمَنْقُولَ- بَيْنَ الْوَرَثَةِ بِإِقْرَارِهِمْ- أَوْ الْعَقَارَ- بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَفِيهِمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ فَعَزَلَ نَصِيبَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ فَإِنْ أَقَرَّ، كَمَا أَقَرُّوا أُولَئِكَ، فَقَدْ مَضَى الْأَمْرُ، وَإِنْ أَنْكَرَ تُرَدُّ الْقِسْمَةُ فِي الْمَنْقُولِ بِالْإِجْمَاعِ.
وَكَذَلِكَ فِي الْعَقَارِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ- فِي الْعَقَارِ لَا تُرَدُّ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ الْمَبْنِيَّةَ عَلَى الْبَيِّنَةِ قَدْ تَقَدَّمَتْ عَلَى الْغَائِبِ فَلَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ مِيرَاثًا وَفِيهِ وَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ وَبَعْضُ الْوَرَثَةِ غَائِبٌ، فَطَلَبَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ الْقِسْمَةَ بَعْدَ مَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِيرَاثِ وَالثُّلُثِ قَسَمَ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ حَاضِرٌ فَكَأَنَّهُ حَضَرَ اثْنَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ؛ قَسَمَ وَإِنْ كَانَ الْبَاقُونَ غَيْبًا، كَذَا هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَقْسُومُ عَلَيْهِ مَالِكًا لِلْمَقْسُومِ وَقْتَ الْقِسْمَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ؛ لِمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.