فصل: تفسير الآية رقم (36):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الشعراوي



.تفسير الآية رقم (36):

{وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36)}
ونعلم أن الإسلام قد سُبِق بدينين؛ دين النصارى قَوْم عيسى عليه السلام؛ ومن قبله دين اليهود قوم موسى عليه السلام؛ وكِلاَ الدينين له كتاب؛ الإنجيل كتاب المسيحية؛ والتوراة كتاب اليهودية؛ والقرآن هو كتاب الله المهيمن الخاتم؛ كتاب الإسلام، وهناك كتب سماوية أخرى مثل: صحف إبراهيم؛ وزبور داود، وغير ذلك.
وكان على مَنْ نزل عليهم التوراة والإنجيل أن يواصلوا الإيمان بمَدَدِ السماء، والخير القادم منها إلى الأرض، وقد سبق أن أخذ الله من أنبيائهم الميثاق على ذلك، وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ على ذلكم إِصْرِي قالوا أَقْرَرْنَا قَالَ فاشهدوا وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشاهدين} [آل عمران: 81].
وهكذا نعلم أن الحق سبحانه قد شاء أن يستقبل كُلُّ دين سابق الدينَ الذي يليه بالإيمان به؛ وفي كل دين سابق لآخر كانت النصوص تؤكد ضرورة الإيمان بالرسول القادر، كي لا يحدث اقتراع بين الأديان الناسخة والأديان المنسوخة.
فمِنْ صميم مواد أيِّ دين سابق أن ينتظر الدين الذي يليه، وإذا ما جاء الدين الجديد فهو يستقبله فْرَعاً وتكملة، ولا يستقبله كدين يُضادِّ الدين السابق.
وإذا كان الإسلام هو الدين الذي تُختم به مواكب الرُّسُل؛ فلابُدَّ أن الأديان السابقة عليه قد بَشَّرَتْ به، وكل مؤمن بالأديان السابقة مُوصى بضرورة الإيمان به.
ويقول الحق سبحانه: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وموسى وعيسى أَنْ أَقِيمُواْ الدين وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ...} [الشورى: 13].
ويقول الحق سبحانه: {والذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ...} [الرعد: 36].
أي: أن أهل التوراة والإنجيل يفرحون بما جاء يا محمد من القرآن، والإنسان لا يفرح بشيء إلا إذا حقَّق له غايةً تُسْعِده، ولابُدَّ أن تكون هذه الغاية منشورة ومعروفة.
وهم قد فرحوا بما نزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حقق لهم ما جاء في كتبهم من نبوءة به.
ومعنى ذلك أن كتبهم قد صدقتْ، ومَنْ جاء بالرسالة الخاتم صادق، وكان عليهم أن يكونوا أول المُبَادرين إلى الإيمان به.
ذلك أن الفرحة هي العملية التعبيرية أو النُّزوعية من مواجيد الحب، والإنسان إنما يفرح بتحقيق أمر طيِّب كان ينتظره.
ولذلك كان يجب أن يُهروِلوا للإيمان بالدين الجديد، وأنْ يعلنوا الإيمان به مثلما فعل كعب الأحبار، وعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي الذي جاب أغلب البلاد باحثاً عن الدين الحق.
وهؤلاء هم مجرد أمثلة لِمَنْ أرادوا أنْ يُعبِّروا بالفرحة واستقبال مَدَدِ السماء عَبْر مجيء النبي الخاتم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وأعلنوا البيعة للرسول الجديد كما بشَّرَتْ به الكتب السماوية السابقة على بعثته، ثم وقفوا موقف العداء من الذين لم يفرحوا بِمقْدمِ الرسول، ثم غيَّروا ما جاء في كتبهم السماوية طمعاً في السلطة الزمنية.
وعرف مَنْ آمنوا برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذين أنكروا نبوة محمد بن عبد الله قد دَلَّسوا على أنفسهم وعلى غيرهم، وأتوْا بأشياء لم تكن موجودة في كتبهم المُنزَّلة على رسلهم كادعائهم أن لله أبناء، وسبحانه مُنزَّه عن ذلك.
ولذلك جاء قول الحق سبحانه: {والذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأحزاب مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله ولا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} [الرعد: 36].
تلك عدالة من القرآن؛ لأن القرآن لم ينكر الكتب السماوية السابقة بأصولها، لكنه أنكر التحريف في العقائد، وأنكر مواقف مَنْ حرَّفوا وادَّعوْا كذباً أن هناك بنوة لله.
هذا التحريف لم يَنَلْ من القرآن إنكاراً لكل ما جاء بالكتب السابقة على القرآن؛ ولكنه أنكر التحريف فقط.
وقد أثبتَ القرآن ما لله وما للرسول، وأنكر التحريف الذي أرادوا به السلطة الزمنية؛ وادعاء القداسة، والتجارة بصكوك الغفران وبيع الجنة، وتلقِّي الاعترافات، وغير ذلك مما لم ينزل به كتاب سماوي.
وحين جاء الإسلام لِيُحرِّم ذلك دافعوا عن سلطتهم التي يتاجرون بها في أمور الدين، وهي ليست من الدين.
وانظر إلى قول الحق سبحانه: {قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله ولا أُشْرِكَ بِهِ...} [الرعد: 36].
وهذا القول دليلٌ على أن هؤلاء المُغيّرين في الكتب السماوية أو الذين أنكروا وحدانية الله؛ هؤلاء جاء لهم بالقول الفَصْل: {إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله...} [الرعد: 36].
أي: أنه يُقِر بأن هناك ديناً قد اُختِير له من قِبَل مُرَبٍّ؛ ولم يَختَرْ محمد شيئاً أعجبه ليعبده، ولكنه كرسول من الله يَشْرُف بالانتماء لما جاءه الأمر به من السماء، وهو لا يشرك به أحد.
ونجد الرسول صلى الله عليه وسلم يتعصَّب لِمَا يتعلق بربه؛ وقد يتهاون بما يتعلق بشخصه.
ولذلك وجدنا بعض الملاحدة وقد قالوا له: نحن نؤمن بالله وبالسماء والوحي وبكل شيء، لَكِنّا لا نؤمن بك أنت، ولم يغضب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولو كان يُدخِل ذاته أو أنانيته في الأمر لَغضِب، ولكنه لم يغضب.
والدليل على هذا هو أن مواجيده صلى الله عليه وسلم كانت مع الروم المؤمنين بكتاب سماوي ضد المشركين الذين لا يؤمنون بدين سماوي وهم الفُرْس؛ وحزن صلى الله عليه وسلم حين غُلبت الروم، فنزل إليه القول الحق بنبأ النصر القادم في بِضْع سنين؛ تسليةً له صلى الله عليه وسلم: {الم غُلِبَتِ الروم في أَدْنَى الأرض وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون بِنَصْرِ الله يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ العزيز الرحيم} [الروم: 1-5].
وهؤلاء في قلب رسول الله كانوا أقربَ من غيرهم؛ لأنهم يتبعون ديناً سماوياً؛ وساعة يرى رائحة صاحب خير يرجحه على صاحب الشر؛ فهو يطلب لهم النصر ويُبشِّره الله بخير نصرهم في بِضْع سنين، وهم يحملون رائحة الخير، رغم أنهم لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومعنى: {قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله ولا أُشْرِكَ بِهِ...} [الرعد: 36].
أي: أنني سأعبد الله وحده، ولن أعطف على عبادته شيئاً؛ ويدعو لعبادته وحده؛ لأنه يعلم أنه سيؤوب إليه، كما سيؤوب إليه كُلُّ إنسان؛ فلا أحدَ ينفلِتُ من ربه وخالقه، ولابُدَّ لكل إنسان أن يُعِد عُدَّته لهذا المآب.
ويقول سبحانه من بعد ذلك: {وكذلك أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً...}.

.تفسير الآية رقم (37):

{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37)}
والمقصود ب (كذلك) إشارة إلى إرسال الرسل المُتقدِّمين بمعجزات شاءها الحق سبحانه، ولم يقترحها أحد.
وقوله: {أَنزَلْنَاهُ...} [الرعد: 37].
ساعةَ نسمعه نرى أن هناك مكانة عَلِِيّة يُنزِل منها شيئاً لمكانة أدْنَى، ومثل ذلك أمر معروف في الحِسِّيات، وهو معروف أيضاً في المعنويات.
بل وقد يكون هذا الشيء لم يَصِل إلى السماء؛ ولكنه في الأرض، ومع ذلك يقول فيه الحق سبحانه: {وَأَنزَلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ...} [الحديد: 25].
وهو إنزالٌ، لأنه أمر من تدبير السماء، حتى وإنْ كان في الأرض: {وكذلك أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً...} [الرعد: 37].
والحكم هو المُعْنى، والمقصود بالإنزال هنا هو القرآن، وهو كتاب؛ والكتاب مَبْنى ومَعْنى، وشاء الحق سبحانه هنا أن يأتي بوصف المبالغة ليأتي الوصف وكأنه الذات، أي: أنه أنزل القرآن حُكْماً؛ وهذا يعني أن القرآن في حَدِّ ذاته حكم.
وأنت حين تصف قاضياً يحكم تمام العدل؛ لا تقول (قَاضٍ عادلٌ) بل تقول (قََاضٍ عَدْل) أي: كأن العدل قد تجسم في القاضي؛ وكأن كل تكوينه عدل. والحق سبحانه هنا يوضح أن القرآن هو الحكم العدل، ويصفه بأنه: {حُكْماً عَرَبِيّاً...} [الرعد: 37].
لأن اللسان الذي يخاطب به الرسول القوم الذين يستقبلون بآذانهم ما يقوله لهم لابد أن يكون عربياً. ولذلك يقول في آية أخرى. {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: 44].
أي: أنه شرفٌ كبير لك ولقومك، أن نزل القرآن بلغة العرب.
وقد حفظ القرآن لنا اللغة العربية سليمة صافيةً؛ بينما نجد كل لغات العالم قد تشعَّبتْ إلى لهجات أولاً، ثم استقلتْ كل لهجة فصارتْ لغة، مثل اللغة اللاتينية التي خرجتْ منها أغلب لغات أوربا المعاصر من: إنجليزية وفرنسية وإيطالية، ووجدنا تلك اللغات تتفرَّق إلى لغات استقلالية، وصار لكل منها قواعد مختلفة.
بل إن اللغة الإنجليزية على سبيل المثال صارت (إنجليزية إنجليزية) يتكلم بها أهل بريطانيا؛ و(إنجليزية أمريكية) يتكلم بها أهل الولايات المتحدة.
ولو تركنا نحن لغة التخاطب بيننا كمسلمين وعرب إلى لغة التخاطب الدارجة في مختلف بلادنا؛ فلن يفهم بعضنا البعض، ومرجع تفاهمنا مع بعضنا البعض حين نتكلم هو اللغة الفصحى.
ودليلنا ما رأينا في مغربنا العربي، فنجد إنساناً تربَّى على اللغة الفرنسية، أو تكون لغة جَمْعاً بين لهجات متعددة من البربرية والفرنسية وبقايا لغة عربية، فإذا حدثته باللغة العامية لا يفهم منك شيئاً، وإن تحدثت معه باللغة العربية استجاب وأجاب؛ لأن فطرته تستقبل الفصحى فهماً وإدراكاً.
وهكذا رأينا كيف صان القرآن الكريم اللغة العربية واللسان العربي.
ومن ضمن معاني قول الحق سبحانه: {حُكْماً عَرَبِيّاً...} [الرعد: 37].
أي: أن الذي يصُون ويعصِم هذا اللسان العربي هو القرآن الكريم.
ويتابع سبحانه بقوله: {... وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ العلم مَا لَكَ مِنَ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ} [الرعد: 37].
وهذا خطاب مُوجَّه منه سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم يكشف فيه الحق سبحانه أمام رسوله صلى الله عليه وسلم مَضارّ وخطورة اتباع الهوى؛ وهو خطاب يدل على أن الدين الذي نزل على موسى ثم عيسى، وهما السابقان لرسول الله؛ لم يَعُدْ كما كان على عهد الرسولين السابقين؛ بل تدخَّل فيه الهوى؛ ولم يَعُدْ الدين متماسكاً كما نزل من السماء.
ولذلك يقول سبحانه في آية أخرى: {وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السماوات والأرض...} [المؤمنون: 71].
ذلك أنه سبحانه لو اتبع أهواءهم لَضَاع نظام الكون؛ ألم يقولوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً...} [الإسراء: 92].
ولو استجاب الحق مثلاً لهذه الدعوة، ألم تكن السماء لتفسد؟
إذن: فبعد أن نزل القرآن من السماء حكماً وعلماً ومنهجاً يسهل عليهم فهمه، لأنه بلُغتِهم، وهم يحمل كامل المنهج إلى أن تقوم الساعة، وفيه دليل السعادة في الدنيا والآخرة.
لذلك فليس لأحد أن يتبع هواه؛ فالهوى كما نعلم يختلف من إنسان لآخر، والخطاب المُوجَّه لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتضمن في طيّاته الخطاب لأمته صلى الله عليه وسلم.
ومن يفعل ذلك فليس له من دون الله وليّ يؤازره أو ينصره، أو يقيه عذاب الحق: شقاءً في الدنيا، وإلقاءً في الجحيم في الآخرة.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ...}.

.تفسير الآية رقم (38):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)}
وأنت يا محمد لست بِدْعاً من الرسل في مسألة الزواج والإنجاب. وهي تحمل الرد على مَنْ قالوا: {مَالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِي فِي الأسواق...} [الفرقان: 7].
ومنهم مَنْ قال: ما لهذا الرسول يتزوج النساء؟ ألم يكن من اللائق أن يتفرغ لدعوته؟
وهؤلاء الذين قالوا ذلك لم يستقرئوا الموكب الرسالي، لأنهم لو فعلوا لوجدوا أن أغلب الرسل قد تزوَّجوا وأنجبوا.
وحين تكون حياة الرسول قريبةً كمثال واضح من حياة الناس الذين أُرسل إليهم؛ ليكون أُسْوة لهم؛ فالأُسْوَة تتأتِّى بالجنس القابل للمقارنة؛ وحين تكون حياة الرسول كحياة غيره من البشر في إطارها العام؛ كأبٍ وزوجٍ، فالأسوة تكون واضحة للناس.
ونعلم أن هناك مَنْ جاء إلى رسول الله؛ ليطلب الإذن بالتفرُّغ التامّ للعبادة من: صوم وصلاة وزُهْد عن النساء، فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال في حديث شريف: (إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).
ويتابع الحق سبحانه: {... وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38].
أي: ما كان لأحد أن يقترح على الله الآية التي تأتي مع أيّ رسول من الرسل، ولم يكُنْ لأيِّ رسول حق في اختيار الآية المصاحبة له.
وبهذا القول حسم الحق سبحانه قضية طلب المشركين لآيات الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل رسول جاء لزمنه ولقومه؛ وكل معجزة كانت من اختيار الله، وكل رسول يؤدي ما يُكلِّفه به الله؛ وليس للرسول أن يقترح على الله آيةً ما؛ لأن الخالق الأعلى هو الأعلم بما يصلح في هذه البيئة على لسان هذا الرسول.
ونأخذ من قوله الحق: {... لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38].
أن لكل رسالة رسولها، ولكل رسالة مكانها، ولكل رسالة معجزتها، فإذا كان الأمر كذلك فدعوا محمد صلى الله عليه وسلم وما اختاره الله له؛ في المكان الذي شاءه سبحانه، وفي الزمان؛ وفي المعجزة المصاحبة له صلى الله عليه وسلم.
ولكن، أهناك تغيير بعد أن يقول الحق سبحانه: {... لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38].
نعم هناك تغيير، وانظروا إلى قول الحق سبحانه من بعد ذلك: {يَمْحُواْ الله مَا يَشَآءُ...}.