فصل: تفسير الآية رقم (88):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الشعراوي



.تفسير الآية رقم (82):

{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)}
كلمة {وَقَعَ القول عَلَيْهِم} [النمل: 82] أي: سقط: كأنه وبطبيعته يسقط لا يحتاج لمَنْ يُجبره على السقوط. والسقوط {عَلَيْهِم} [النمل: 82] كما في قوله تعالى: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ} [النحل: 26].
والوقوع هنا يدل على أنهم سيتعرّضون لشدائد ومتاعب، وبتتبع هذه المادة(وقع) في القرآن نجد أنها جاءت كلها في الشدائد إلا في موضع واحد هو قوله تعالى: {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الموت فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ الله} [النساء: 100].
وما داموا لم يسمعوا للآيات، ولم يقبلوها، ولم يلتفتوا إلى منهج الله وصمُّوا عنه آذانهم، فلم يسمعوا كلام أمثالهم من البشر فسوف نُخرج لهم دابة تكلمهم.
{أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ} [النمل: 82] وانظر إلى هذه الإهانة وهذا التوبيخ: أنتم لم تسمعوا كلام أمثالكم من البشر، ولم تفهموا مَنْ يخاطبكم بلغتكم، فاسمعوا الآن من الأدنى، وافهموا عنها، وفسِّروا قولها.
لكن ماذا ستقول الدابة لهم؟ وما نوع كلامها؟: {أَنَّ الناس كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ} [النمل: 82] أي: بآياتنا السابقة لا يؤمنون، وها أنا ذا أُكلِّمهم، وعلى الماهر فيهم أن يقول لي: كيف أكلمه.
وقد اختلف الناس في هذه الدابة، وفي شكلها وأوصافها، وكيف يأتي القول من غير مألوف القول وهو الدابة؟ لكن ما دام أن الله تعالى أخبر بها فهي حقٌّ، لا ينبغي معارضته، وعلينا أن نأخذ وقوع ما حدَّث به القرآن قبل أن يكون دليلاً على صِدْقه فيما يحدِّث به فيما يكون.

.تفسير الآية رقم (83):

{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)}
الفوج: هم الجماعة والزمرة من الناس. وأول مَنْ يُجمع في هذا الموقف هم العتاة والجبابرة الذين تولَّوْا تكذيب آيات الله، يحشرهم الله أولاً أمام العامة يتقدمونهم ويسبقونهم إلى النار، كما قال سبحانه عن فرعون: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار} [هود: 98].
فكما تقدَّمهم من الضلال في الدنيا يتقدمهم إلى النار في الآخرة، وحين يرى الضالون إمامهم في الضلال يقدمهم ينقطع أملهم في النجاة، فربما تعلَّقوا به في هذا الموقف ينتظرونه أنْ يُخلٍّصهم، لكن كيف وهو يسبقهم إلى هذا المصير.
ومعنى {فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: 83] قلنا في معنى {يُوزَعُونَ} [النمل: 83] أي: يُمنعون، والمراد يمنعون أن يسبق أولهم آخرهم بحيث يدخلون جميعاً، فالحق تبارك وتعالى يجمع أولهم على آخرهم(ليشرفوا) سوياً في النار: التابع والمتبوع كلهم سواء في الذلة والمهانة، فربما حاول أحد العتاة أو الجبابرة أن يسبق حتى لايراه تابعوه، فيفتضح أمره، فيؤخره الله ليفضحه على رؤوس الأشهاد.

.تفسير الآية رقم (84):

{حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84)}
في سورة الأعراف يُورِد الحق تبارك وتعالى مذكرة تفصيلية لهذا الموقف، ولهذا الحوار الذي يدور في عَرَصات القيامة، فيقول تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أولئك يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الكتاب حتى إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ على أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ قَالَ ادخلوا في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن الجن والإنس فِي النار كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حتى إِذَا اداركوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هؤلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النار قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} [الأعراف: 37- 39].

.تفسير الآية رقم (85):

{وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85)}
قوله {وَوَقَعَ} [النمل: 85] أي: وجب لهم العذاب {بِمَا ظَلَمُواْ} [النمل: 85] وكأنه شيء محسوس يسقط على رؤوسهم {فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ} [النمل: 85] فقد خرستْ ألسنتهم من هَوْل ما رأوْا، فلا يجدون كلاماً ينطقون به.
ثم يقول الحق سبحانه: {أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا}

.تفسير الآية رقم (86):

{أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)}
ينتقل السياق من الكلام عن الآخرة إلى آية كونية، وهذه سِمَة من سمات أسلوب القرآن الكريم، حيث يراوح بين الدعوة إلى الإيمان وبين بيان الآيات الكونية، فبعد أن حدثنا عن الآخرة ذكر هذه الآية الكونية، وكأنه يقول: لا عُذْر لمن يُكذِّب بآيات الله؛ لأن الآيات موجودة مشاهدة.
لذلك قال: {أَلَمْ يَرَوْاْ} [النمل: 86] أي: ألم يعلموا ويشاهدوا {أَنَّا جَعَلْنَا الليل لِيَسْكُنُواْ فِيهِ} [النمل: 86] أي: للنوم وللراحة {والنهار مُبْصِراً} [النمل: 86] أي: بما فيه من الأشعة والضوء الذي يُسبب الرؤيا.
وسبق أنْ بيَّنا دور العالم المسلم ابن الهيثم في تصحيح نظرية رؤية الأشياء، وكانوا يعتقدون أن الشيء يُرى إذا خرج الشعاع من العين إليه، والصحيح أن الشعاع يخرج من الشيء المرئي إلى العين، فكأن الشعاع هو الذي يُبصر، فهو سبب الرؤيا، ولولاه لا نرى الأشياء.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النمل: 86] فربك عزّ وجلّ نظَّم لك حركة حياتك بليل تسكن فيه، وتخلد للراحة ونهار تسعى فيه وتبتغي من فضل الله كما قال تعالى: {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليل والنهار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص: 73].
ولن تستقيم لنا حركة الحياة إلا إذا سِرْنا على هذا النظام الذي ارتضاه الله لنا، فإنْ قلبَ الناس هذه الطبيعة فسهروا حتى الفجر، فلابد أنْ يلاقوا عاقبة هذه المخالفة في حركة حياتهم: تكاسلاً وتراخياً وقِلة في الإنتاج.. إلخ.
والحق تبارك وتعالى يشرح لنا هذه القضية في موضع آخر: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ الليل سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النهار سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ} [القصص: 71- 72].
ففي الكلام عن الليل قال: {أَفَلاَ تَسْمَعُونَ} [القصص: 71] وعن النهار قال: {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} [القصص: 72] لماذا؟ قالوا: لأن حاسة الإدراك في الليل هي السمع، وفي النهار البصر. وفي هذا إشارة إلى طبيعة كل منهما حتى لا نُغيِّرها نحن، فنسهر الليل، وننام النهار.
وفي قوله تعالى: {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليل والنهار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} [القصص: 73] ما يسميه العلماء باللف والنشر، اي: لفّ المحكوم عليه وهو الليل والنهار معاً، ثم نشر حكم كل منهم على وجه الترتيب: لتسكنوا فيه وهي تقابل الليل، ولتبتغوا من فضله، وهي تقابل النهار.
إذن: بعد أنْ استدل الحق تبارك وتعالى بالموجود فعلاً من آيتي الليل والنهار أراد أنْ يستدل بعدمهما في {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ الليل سَرْمَداً} [القصص: 71] و{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النهار سَرْمَداً} [القصص: 72].
ثم يعود السياق مرة أخرى إلى الحديث عن القيامة: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور}

.تفسير الآية رقم (87):

{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)}
وكأن الله تعالى يقول لي: التفتْ إلى العبرة في الآيات الكونية، حيث ستنفعك في يوم آت هو يوم القيامة {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور} [النمل: 87] وهو البوق {فَفَزِعَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَآءَ الله} [النمل: 87] والفزع: الخوف الشديد الذي يأخذ كلَّ مَنْ في السموات، وكل مَنْ في الأرض {إِلاَّ مَن شَآءَ الله} [النمل: 87] قالوا: هم الملائكة: إسرافيل الذي ينفخ في الصور، وجبريل، وميكائيل، وعزرائيل.
لذلك لما تكلم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسألة الصعق هذه قال: (فأفيق من الصعقة فأجد أخي موسى ماسكاً بالعرش) ذلك لأن موسى عليه السلام صعق في الدنيا مرة حين تجلَّى ربه للجبل، كما حكى القرآن: {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسى صَعِقاً} [الأعراف: 143].
وما كان الله تعالى ليجمع على نبيه موسى عليه السلام صعقتين، لذلك لم يُصعَق صعقة الآخرة.
وقوله سبحانه: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: 87] أي: صاغرين أذلاء، لا يتأبى على الله منهم أحد، حيث لا قدرةَ له على ذلك؛ لأن القيامة أنهتْ الاختيار الذي كان لهم في الدنيا، وبه ملّكهم الله شيئاً من المِلْك: {قُلِ اللهم مَالِكَ الملك تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ} [آل عمران: 26].
فأعطى الله تعالى طرفاً من الملْك، ووهبه لبعض عباده في دنيا الأسباب والاختيار، أمَّا في الآخرة فالملْك لله تعالى وحده، لا ينازعه فيه أحد: {لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} [غافر: 16].
في القيامة يُنزع منك كلّ شيء تملكه وكلّ قدرة لك على ما تملك حتى جوارحك لا قدرةَ لك عليها، ولا إرادةَ لتنفعل لك، هي تبع إرادتك في الدنيا، وبها ترى وتسمع وتمشي وتبطش، أمَّا في الآخرة فقد سُلِبت منك هذه الإرادة، بدليل أنها ستشهد عليك، وتُحاجّك يوم القيامة.
ثم ينتقل السياق بنا مرة أخرى إلى آية كونية: {وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا}

.تفسير الآية رقم (88):

{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)}
قوله تعالى: {تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} [النمل: 88] اي: تظنها ثابتة، وتحكم عليها بعدم الحركة؛ لذلك نسميها الرواسي والأوتاد {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب} [النمل: 88] أي: ليس الأمر كما تظن؛ لأنها تتحرك وتمر كما يمرّ السحاب، لكنك لا تشعر بهذه الحركة ولا تلاحظها لأنك تتحرك معها بنفس حركتها.
وهَبْ أننا في هذا المجلس، أنتم أمامي وأنا أمامكم، وكان هذا المسجد على رحاية أو عجلة تدور بنا، أيتغير وضعنا وموقعنا بالنسبة لبعضنا؟
إذن: لا تستطيع أن تلاحظ هذه الحركة إلا إذا كنتَ أنت خارج الشيء المتحرك، ألاَ ترى أنك تركب القطار مثلاً ترى أن أعمدة التليفون هي التي تجري وأنت ثابت.
ولأن هذه الظاهرة عجيبة سيقف عندها الخَلْق يزيل الله عنهم هذا العجب، فيقول {صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] يعني: لا تتعجب، فالمسألة من صُنع الله وهندسته وبديع خَلْقه، واختار هنا من صفاته تعالى: {الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] يعني: كل خَلْق عنده بحساب دقيق مُتقَن.
البعض فهم الآية على أن مرَّ السحاب سيكون في الآخرة، واستدل بقوله تعالى: {وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش} [القارعة: 5].
وقد جانبه الصواب لأن معنى {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] أنها ستتفتت وتتناثر، لا أنها تمر، وتسير هذه واحدة، والأخرى أن الكلام هنا مبنيٌّ على الظن {تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} [النمل: 88] وليس في القيامة ظن؛ لأنها إذا قامتْ أحداثها مُتيقنةٌ.
ثم إن السحاب لا يتحرك بذاته، وليس له موتور يُحركِّه، إنما يُحرِّكه الهواء، كذلك الجبال حركتها ليست ذاتيةٌ فيها، فلم نَرَ جبلاَ تحرَّك من مكانه، فحركة الجبال تابعة لحركة الأرض؛ لأنها أوتاد عليها، فحركة الوتد تابعة للموتود فيه.
لذلك لما تكلم الحق سبحانه وتعالى عن الجبال قال: {وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15].
ولو خُلِقتْ الأرض على هيئة السُّكون ما احتاجتْ لما يُثبِّتها، فلابد أنها مخلوقة على هيئة الحركة.
في الماضي وقبل تطور العلم كانوا يعتقدون في المنجِّمين وعلماء الفلك الكفرة أنهم يعلمون الغيب، أما الآن وقد توصَّل العلماء إلى قوانين حركة الأرض وحركة الكواكب الأخرى في المجموعة الشمسية واستطاعوا حساب ذلك كله بدقة مكّنتهم من معرفة ظاهرة الخسوف والكسوف مثلاً ونوع كل منهما ووقته وفعلاً تحدث الظاهرة في نفس الوقت الذي حددوه لا تتخلف.
واستطاعوا بحساب هذه الحركة أنْ يصعدوا إلى سطح القمر، وأن يُطلِقوا مركبات الفضاء ويُسيِّروها بدقة حتى إنَّ إحداها تلتحم بالأخرى في الفضاء الخارجي.
كل هذه الظواهر لو لم تكن مبنية على حقائق مُتيقَّنة لأدتْ إلى نتائج خاطئة وتخلفتْ.
ومن الأدلة التي تثبت صحة ما نميل إليه في معنى حركة الجبال، أن قوله تعالى: {صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] امتنان من الله تعالى بصنعته، والله لا يمتنُّ بصنعته يوم القيامة، إنما الامتنان علينا الآن ونحن في الدنيا.