فصل: تفسير الآية رقم (37)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المسير في علم التفسير ***


تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

‏{‏وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ‏(‏35‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما كان صلاتُهم عند البيت‏}‏ سبب نزولها‏:‏ أنهم كانوا يطوفون بالبيت ويصفِّقون ويَصْفِرُون ويضعون خدودهم بالأرض، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عمر‏.‏ فأما المكاء ففيه قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ أنه الصَّفير، قاله ابن عمر، وابن عباس، وابن جبير، وقتادة، وأبو عبيدة، والزجاج، وابن قتيبة‏.‏ قال ابن فارس‏:‏ يقال‏:‏ مكا الطائر ‏[‏يمكو‏]‏ مُكاءً‏:‏ إذا صَفَر، ويقال‏:‏ مَكِيَتْ يده ‏[‏تَمكى‏]‏ مَكىً، مقصور، أي‏:‏ غلُظت وخشُنت، ويقال‏:‏ تمكّى‏:‏ إذا توضأ‏.‏ وأنشدوا‏:‏

‏[‏إنَّكَ والجَوْرَ على سبيل‏]‏ *** كالمُتَمَكِّي بدمِ القتيلِ

وسئل أبو سلمة بن عبد الرحمن عن المكاء، فجمع كفَّيِه وجعل يَصْفِر فيهما‏.‏

والثاني‏:‏ أنه إدخال أصابعهم في أفواههم يخلطون به وبالتصدية على محمد صلى الله عليه وسلم صلاتَه، قاله مجاهد‏:‏ قال ابن الأنباري‏:‏ أهل اللغة ينكرون أن يكون المكاء إدخالَ الأصابع في الأفواه، وقالوا‏:‏ لا يكون إلا الصفير‏.‏ وفي التصدية قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ أنها التَّصفيق، قاله ‏[‏ابن‏]‏ عمر، وابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والجمهور‏.‏ قال ابن قتيبة‏:‏ يقال‏:‏ صدَّى‏:‏ إذا صفَّق بيديه‏.‏ قال الراجز‏:‏

ضنَّت بخَدٍّ وجَلَت ْعَن خَدِّ *** وأنا مِنْ غَرْوِ الهوى أُصَدِّي

الغرو‏:‏ العجب، يقال‏:‏ لا غرو من كذا، أي‏:‏ لا عجب‏.‏

والثاني‏:‏ أن التصدية‏:‏ صدُّهم الناس عن البيت الحرام، قاله سعيد بن جبير‏.‏ وقال ابن زيد‏:‏ هو صدُّهم عن سبيل الله ودينه‏.‏ وزعم مقاتل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى في المسجد الحرام، قام رجلان من المشركين من بني عبد الدار عن يمينه فيصفِران، ورجلان عن يساره فيصفِّقان، فتختلط على النبي صلى الله عليه وسلم صلاته وقراءته، فقتلهم الله ببدر، فذلك قوله‏:‏ ‏{‏فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون‏}‏ بتوحيد الله‏.‏

فان قيل‏:‏ كيف سمى المكاءَ والتصديةَ صلاةً‏؟‏‏.‏

فعنه جوابان ذكرهما ابن الأنباري‏.‏

أحدهما‏:‏ أنهم جعلوا ذلك مكان الصلاة، ومشهور في كلام العرب أن يقول الرجل‏:‏ زرت عبد الله، فجعل جفائي صِلَتي، أي‏:‏ أقام الجفاء مقام الصلة، قال الشاعر‏:‏

قُلْتُ له اطْعِمِني عَمِيْمُ تَمْرَا *** فَكَانَ تَمْريْ كَهْرَةً وَزَبْرا

أي‏:‏ أقام الصياح عليَّ مقام التمر‏.‏

والثاني‏:‏ أن من كان المكاءُ والتصديةُ صلاتَه، فلا صلاة له، كما تقول العرب‏:‏ ما لفلان عيب إلا السخاء، يريدون‏:‏ مِنَ السخاء عيبه، فلا عيب له، قال الشاعر‏:‏

فتىً كَمُلَتْ خيراتُهُ غير أنَّه *** جوادٌ فلا يُبقي من المال باقيا

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ‏(‏36‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله‏}‏ اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال‏.‏

أحدها‏:‏ أنها نزلت في المطعِمين ببدر، وكانوا اثني عشر رجلاً يطعمون الناس الطعام، كل رجل يطعم يوماً، وهم عتبة، وشيبة، ومُنبّه، ونُبَيه ابنا الحجاج، وأبو البَخْتَري، والنضر بن الحارث، وأبو جهل، وأخوه الحارث، وحكيم بن حزام، وأُبَيُّ بن خلف، وزمعة بن الأسود، والحارث بن عامر ابن نوفل، هذا قول أبي صالح عن ابن عباس‏.‏

والثاني‏:‏ أنها نزلت في أبي سفيان بن حرب، استأجر يوم أُحُد ألفين من الأحابيش لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، سوى من استجاش من العرب، قاله سعيد بن جبير‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ نزلت في نفقة أبي سفيان على الكفار يوم أُحُد‏.‏

والثالث‏:‏ أنها نزلت في أهل بدر، وبه قال الضحاك‏.‏ فأما سبيل الله، فهو دين الله‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم تكون عليهم حسرة‏}‏ أي‏:‏ تكون عاقبة نفقتهم ندامة، لأنهم لم يظفروا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

‏{‏لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ‏(‏37‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليميز الله الخبيث من الطيب‏}‏ قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر‏:‏ «ليميز» خفيفة‏.‏ وقرأ حمزة، والكسائي‏:‏ «ليميّز» بالتشديد وهما لغتان‏:‏ مِزْتُه وميَّزتُه‏.‏ وفي لام «ليميز» قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ أنها متعلقة بقوله‏:‏ «فسيُنفقونها» قاله ابن الأنباري‏.‏

والثاني‏:‏ أنها متعقلة بقوله‏:‏ ‏{‏إلى جهنم يحشرون‏}‏ قاله ابن جرير الطبري‏.‏ وفي معنى الآية ثلاثة أقوال‏.‏

أحدها‏:‏ ليميز أهل السعادة من أهل الشقاء، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس‏.‏ وقال السدي، ومقاتل‏:‏ يميز المؤمن من الكافر‏.‏

والثاني‏:‏ ليميِّز العمل الطيب من العمل الخبيث، قاله أبو صالح عن ابن عباس‏.‏

والثالث‏:‏ ليميز الإنفاق الطيب في سبيله، من الانفاق الخبيث في سبيل الشيطان، قاله ابن زيد، والزجاج‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويجعل الخبيث بعضه على بعض‏}‏ أي‏:‏ يجمع بعضه فوق بعض، وهو قوله‏:‏ ‏{‏فيركمه‏}‏‏.‏ قال الزجاج‏:‏ الركم‏:‏ أن يُجعَل بعضُ الشيء على بعض، يقال‏:‏ ركمت الشيء أركُمه رَكماً، والركام‏:‏ الاسم؛ فمن قال‏:‏ المراد بالخبيث‏:‏ الكفار، فانهم في النار بعضهم على بعض؛ ومن قال‏:‏ أموالهم، فله في ذلك قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ أنها أُلقيت في النار ليعذَّب بها أربُابها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فتكوى بها جباهُهُم‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 35‏]‏‏.‏

والثاني‏:‏ أنهم لمَّا عظَّموها في الدنيا، أراهم هوانها بالقائها في النار كما تُلقى الشمس والقمر في النار، لَيرى مَن عبدهما ذُلَّهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ‏(‏38‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل للذين كفروا‏}‏ نزلت في أبي سفيان وأصحابه، قاله أبو صالح عن ابن عباس‏.‏ وفي معنى الآية قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ إن ينتهوا عن المحاربة، يُغْفَرْ لهم ما قد سلف من حربهم، فلا يُؤاخَذون به، وإن يعودوا إلى المحاربة، فقد مضت سنة الأولين في نصر الله أولياءه، وقيل‏:‏ في قتل من قُتِل يوم بدر وأُسر‏.‏

والثاني‏:‏ إن ينتهوا عن الكفر، يُغْفَر لهم ما قد سلف من الإثم؛ وإن يعودوا إليه، فقد مضت سُنَّةُ الأولين من الأمم السالفة حين أُخذوا بالعذاب المستأصِل‏.‏ قال يحيى بن معاذ‏.‏ في هذه الآية‏:‏ إنَّ توحيداً لم يعجِزْ عن هدم ما قبله من كفر، لا يعجِزُ عن هدم ما بعده من ذنب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

‏{‏وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏(‏39‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة‏}‏ أي‏:‏ شرك‏.‏ وقال الزجاج‏:‏ حتى لا يفتن الناس فتنة كفر؛ ويدل عليه قوله‏:‏ ‏{‏ويكون الدين كله لله‏}‏‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فان انتهوا‏}‏ أي‏:‏ عن الكفر والقتال ‏{‏فان الله بما يعملون بصير‏}‏‏.‏ وقرأ يعقوب إلا روحاً «بما تعملون» بالتاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ‏(‏40‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن تولَّوا‏}‏ أي‏:‏ أعرضوا عن الإيمان وعادوا إلى القتال ‏{‏فاعلموا أن الله مولاكم‏}‏ أي‏:‏ وليكم وناصركم‏.‏ قال ابن قتيبة‏:‏ ‏{‏نعم المولى‏}‏ أي‏:‏ نعم الولي ‏{‏ونعم النصير‏}‏ أي‏:‏ الناصر، مثل قدير وقادر، وسميع وسامع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏41‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واعلموا أنما غنمتم من شيء‏}‏ اختلفوا، هل الغنيمة والفيء بمعنى واحد، أم يختلفان‏؟‏ على قولين‏.‏

أحدهما‏:‏ أنهما يختلفان‏.‏ ثم في ذلك قولان‏.‏ أحدهما‏:‏ أن الغنيمة‏:‏ ما ظُهر عليه من أموال المشركين، والفيء، ما ظُهر عليه من الأرضين، قاله عطاء بن السائب‏.‏ والثاني‏:‏ أن الغنيمة‏:‏ ما أُخذ عنوةً، والفيء‏:‏ ما أُخذ عن صلح، قاله سفيان الثوري‏.‏ وقيل‏:‏ بل الفيء‏:‏ ما لم يوجَفْ عليه بخيل ولا ركاب، كالعشور، والجزية، وأموال المهادنة، والصلح، وما هربوا عنه‏.‏

والثاني‏:‏ أنهما واحد، وهما‏:‏ كل ما نيل من المشركين، ذكره الماوردي‏.‏ وقال الزجاج‏:‏ الأموال‏:‏ ثلاثة أصناف؛ فما صار إلى المسلمين من المشركين في حال الحرب، فقد سماه الله تعالى‏:‏ أنفالاً وغنائم، وما صار من المشركين من خراج أو جزية مما لم يؤخذ في الحرب، فقد سماه‏:‏ فيئاً؛ وما خرج من أموال المسلمين كالزكاة، والنذر والقرب سماه‏:‏ صدقة‏.‏ وأما قوله‏:‏ ‏{‏من شيء‏}‏ فالمراد به‏:‏ كل ما وقع عليه اسم شيء‏.‏ قال مجاهد‏:‏ المِخْيَط من الشيء‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَنَّ لله خُمُسَهُ‏}‏ وروى عبد الوارث‏:‏ «خُمْسَهُ» بسكون الميم‏.‏ وفي المراد بالكلام قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ أن نصيب الله مستَحَقٌ يُصرف إلى بيته‏.‏ قال أبو العالية‏:‏ كان يجاء بالغنيمة فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة أسهم، فيقسم أربعة بين الناس، ثم يجعل من السهم الخامس للكعبة؛ وهذا مما انفرد به أبو العالية فيما يقال‏.‏

والثاني‏:‏ أن ذِكر الله هاهنا لأحد وجهين‏.‏ أحدهما‏:‏ لأنه المتحكِّم فيه، والمالك له، والمعنى‏:‏ فان للرسول خمسة ولذي القربى، كقوله‏:‏ ‏{‏يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 1‏]‏‏.‏ والثاني‏:‏ أن يكون المعنى‏:‏ إن الخمس مصروف في وجوه القُرَب إلى الله تعالى، وهذ قول الجمهور‏.‏ فعلى هذا، تكون الواو زائدة، كقوله‏:‏ ‏{‏فلما أسلما وتلَّه للجبين وناديناه‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 103‏]‏ المعنى‏:‏ ناديناه، ومثله كثير‏.‏

فصل

أجمع العلماء على أن أربعة أخماس الغنيمة لأهل الحرب خاصة، فأما الخمس الخامس، فكيف يقسم‏؟‏ فيه ثلاثة أقوال‏:‏

أحدها‏:‏ يقسم منه لله وللرسول ولمن ذكر في الآية‏.‏ وقد ذكرنا أن هذا مما انفرد به أبو العالية، وهو يقتضي أن يقسم على ستة أسهم‏.‏

والثاني‏:‏ أنه مقسوم على خمسة أسهم‏:‏ سهم للرسول، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، على ظاهر الآية، وبه قال الجمهور‏.‏

والثالث‏:‏ أنه يقسم على أربعة أسهم‏.‏ فسهم الله عز وجل وسهم رسوله عائد على ذوي القربى، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يأخذ منه شيئاً، وهذا المعنى رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس‏.‏

فصل

فأما سهم الرسول الله صلى الله عليه وسلم، فانه كان يصنع فيه ما بيَّنَّا‏.‏

وهل سقط بموته، أم لا‏؟‏ فيه قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ لم يسقط بموته، وبه قال أحمد، والشافعي في آخرين‏.‏ وفيما يُصنَع به قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ أنه للخليفة بعده، قاله قتادة‏.‏

والثاني‏:‏ أنه يُصْرَفُ في المصالح، وبه قال أحمد، والشافعي‏.‏

والثاني‏:‏ أنه يسقط بموته كما يسقط الصفيُّ، فيرجع إلى جملة الغنيمة، وبه قال أبو حنيفة‏.‏ وأما ذوو القربى، ففيهم ثلاثة أقوال‏.‏

أحدها‏:‏ أنهم جميع قريش‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ كنا نقول‏:‏ نحن هم؛ فأبى علينا قومنا، وقالوا‏:‏ قريش كلها ذوو قربى‏.‏

والثاني‏:‏ بنو هاشم، وبنو المطلب، وبه قال أحمد، والشافعي‏.‏

والثالث‏:‏ أنهم بنو هاشم فقط، قاله أبو حنفية‏.‏ وبماذا يستحقون‏؟‏ فيه قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ بالقرابة، وإن كانوا أغنياء، وبه قال أحمد، والشافعي‏.‏

والثاني‏:‏ بالفقر، لا بالاسم، وبه قال أبو حنيفة‏.‏ وقد سبق في ‏[‏البقرة‏:‏ 177‏]‏ معنى اليتامى والمساكين، وابن السبيل‏.‏ وينبغي أن تُعتبر في اليتيم أربعة أوصاف‏:‏ موت الأب، وإن كانت الأم باقية، والصِّغَر لقوله عليه السلام‏:‏ «لا يُتْمَ بعد حُلُم» والإِسلام، لأنه مال للمسلمين‏.‏ والحاجة، لأنه مُعَدٌّ للمصالح‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان‏}‏ هو يوم بدر، فُرق فيه بين الحق والباطل بنصر المؤمنين‏.‏ والذي أُنزل عليه يومئذ قوله‏:‏ ‏{‏يسألونك عن الأنفال‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 1‏]‏ نزلت حين اختلفوا فيها، فالمعنى‏:‏ إن كنتم آمنتم بذلك، فاصدروا عن أمر الرسول في هذا أيضاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏42‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذ أنتم بالعِدوة الدنيا‏}‏ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو‏:‏ «بالعِدوة» و«العِدوة» العين فيهما مكسورة‏.‏ وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي‏:‏ بضم العين فيهما‏.‏ قال الأخفش‏:‏ لم يُسمع من العرب إلا الكسر‏.‏ وقال ثعلب‏:‏ بل الضم أكثر اللغتين‏.‏ قال ابن السِّكّيت‏:‏ عُدوة الوادي وعِدوته‏:‏ جانبه؛ والجمع‏:‏ عُدىً وعِدىً‏.‏ والدنيا‏:‏ تأنيث الأدنى؛ وضدها‏:‏ القصوى، وهي تأنيث الأقصى؛ وما كان من النعوت على «فُعلى» من ذوات الواو، فان العرب تحوِّلُه إلى الياء، نحو الدنيا، من‏:‏ دنوت؛ والعليا، من علوت؛ لأنهم يستثقلون الواو مع ضم الأول، وليس في هذا اختلاف، إلا أن أهل الحجاز قالوا‏:‏ القُصوى، فأظهروا الواو، وهو نادر؛ وغيرهم يقول‏:‏ القصيا‏.‏ قال المفسرون‏:‏ إذ أنتم بشفير الوادي الأدنى من المدينة، وعدوُّكم بشفيره الأقصى من مكة، وكان الجمعان قد نزلا وادي بدر على هذه الصفة، والركب‏:‏ أبو سفيان وأصحابه‏.‏ قال الزجاج‏:‏ من نصب «أسفلَ» اراد‏:‏ والركب مكاناً أسفلَ منكم، ويجوز الرفع على المعنى‏:‏ والركب أشدُ تسفُّلاً منكم‏.‏ قال قتادة‏:‏ وكان المسلمون أعلى الوادي، والمشركون أسفله‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد‏}‏ قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ لو تواعدتم، ثم بلغكم كثرتهم، لتأخَّرتم عن الميعاد، قاله ابن اسحاق‏.‏

والثاني‏:‏ لو تواعدتم على الاجتماع في المكان الذي اجتمعتم فيه من عِدوتي وادي بدر لاختلفتم في الميعاد، قاله أبو سليمان‏.‏ وقال الماوردي‏:‏ كانت تقع الزيادة والنقصان، أو التقدم والتأخر من غير قصد لذلك‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولكنْ ليقضيَ الله أَمراً كان مفعولاً‏}‏ وهو إعزاز الإسلام، وإذلال الشرك‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليَهلِكَ من هلك عن بينة‏}‏ وروى خلف عن يحيى‏:‏ ‏{‏ليُهلَك‏}‏ بضم الياء وفتح اللام‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويحيى من حيَّ عن بينة‏}‏ قرأ أبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي‏:‏ «من حيَّ» بياء واحدة مشددة، وهذه رواية حفص عن عاصم، وقنبل عن ابن كثير‏.‏ وروى شِبْلٌ عن ابن كثير، وابو بكر عن عاصم‏:‏ «حيِي» بياءين الأولى مكسورة، والثانية مفتوحة، وهي قراءة نافع‏.‏ فمن قرأ بياءين، بيَّن ولم يُدغم، ومن أدغم ياء «حيي» فلاجتماع حرفين من جنس واحد‏.‏ وفي معنى الكلام قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ ليُقتَل من قُتل من المشركين عن حُجة، ويبقى من بقي منهم عن حُجة‏.‏

والثاني‏:‏ ليكفر من كفر بعد حُجة، ويؤمن من آمن عن حُجة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

‏{‏إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ‏(‏43‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذ يريكهم الله في منامك قليلاً‏}‏ فيه قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم رأى عسكر المشركين في المنام قبل لقائهم في قلَّة، قاله أبو صالح عن ابن عباس‏.‏ قال مجاهد‏:‏ لما أخبر أصحابه بأنه رآهم في المنام قليلاً، كان ذلك تثبيتاً لهم‏.‏ قال أبو سليمان الدمشقي‏:‏ والكلام متعلق بما قبله، فالمعنى‏:‏ وإن الله لسميع لما يقوله أصحابك، عليم بما يضمرونه، إذ حدثتَهم بما رأيت في منامك‏.‏

والثاني‏:‏ إذ يريكهم الله بعينك التي تنام بها، قاله الحسن‏.‏ قال الزجاج‏:‏ وكثير من النحويين يذهبون إلى هذا المذهب‏.‏ ومعناه عندهم‏:‏ إذ يريكهم الله في موضع منامك، أي‏:‏ بعينك؛ ثم حذف الموضع، واقام المنام مقامه‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لفشلتم‏}‏ أي‏:‏ لجبنتم وتأخَّرتم عن حربهم‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ لفشل أصحابك، ولرأوا ذلك في وجهك‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولتنازعتم في الأمر‏}‏ أي‏:‏ لاختلفتم في حربهم، فكان ذلك من دواعي هزيمتكم، ‏{‏ولكنَّ الله سلم‏}‏ من المخالفة والفشل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

‏{‏وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ‏(‏44‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً‏}‏ قال مقاتل‏:‏ صدَّق الله رؤيا رسوله التي أخبر بها المؤمنين عن قلة عدوهم قبل لقائهم، بأن قلَّلهم وقت اللقاء في أعينهم‏.‏ وقال ابن مسعود‏:‏ لقد قلُّوا في أعيننا، حتى قلت لرجل إلى جانبي‏:‏ أتُراهم سبعين‏؟‏ قال‏:‏ أُراهم مائة؛ حتى أخذنا رجلاً منهم، فسألناه، فقال‏:‏ كنَّا ألفاً‏.‏ قال أبو صالح عن ابن عباس‏:‏ استقلَّ المسلمون المشركين، والمشركون المسلمين، فاجترأ بعضهم على بعض‏.‏

فان قيل‏:‏ ما فائدة تكرير الرؤية هاهنا، وقد ذكرت في قوله‏:‏ ‏{‏إذ يريكهم الله‏}‏‏؟‏ فعنه جوابان‏.‏

أحدهما‏:‏ أن الأولى كانت في المنام، والثانية في اليقظة‏.‏

والثاني‏:‏ أن الأولى للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة‏.‏ والثانية‏:‏ له ولأصحابه‏.‏ فان قيل‏:‏ تكثير المؤمنين في أعين الكافرين أولى، لمكان إعزازهم فعنه ثلاثة أجوبة‏.‏

أحدها‏:‏ أنهم لو كثروا في أعينهم، لم يقدموا عليهم، فلم يكن قتال؛ والقتال سبب النصر، فقلَّلهم لذلك‏.‏

والثاني‏:‏ أنه قلَّلهم لئلا يتأهَّب المشركون كل التأهُّب، فاذا تحقق القتال، وجدهم المسلمون غير مستعدين، فظفروا بهم‏.‏

والثالث‏:‏ أنه قلَّلهم ليحمل الأعداء عليهم في كثرتهم، فيغلبهم المسلمون، فيكون ذلك آية للمشركين ومنبِّهاً على نصرة الحق‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏45- 46‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ‏(‏45‏)‏ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ‏(‏46‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذا لقيتم فئة فاثبتوا‏}‏ الفئة‏:‏ الجماعة ‏{‏واذكروا الله كثيراً‏}‏ فيه قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ أنه الدعاء والنصر‏.‏ والثاني‏:‏ ذكر الله على الإِطلاق‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تنازعوا فتفشلوا‏}‏ قد سبق ذكر التنازع والفشل آنفا‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وتذهب ريحكم‏}‏ وروى أبان‏:‏ «ويذهبْ» بالياء والجزم‏.‏ وفيه أربعة أقوال‏.‏

أحدها‏:‏ تذهب شدَّتكم، قاله أبو صالح عن ابن عباس‏.‏ وقال السدي‏:‏ حِدَّتكم وجدُّكم‏.‏ وقال الزجاج‏:‏ صولتكم وقوتكم‏.‏

والثاني‏:‏ يذهب نصركم، قاله مجاهد، وقتادة‏.‏

والثالث‏:‏ تتقطَّع دولتكم، قاله أبو عبيدة‏.‏ وقال ابن قتيبة‏:‏ يقال‏:‏ هبَّت له ريح النصر إذا كانت له الدولة‏.‏ ويقال‏:‏ له الريح اليوم، أي‏:‏ الدولة‏.‏

والرابع‏:‏ أنها ريح حقيقة، ولم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله فتضرب وجوه العدو؛ ومنه قوله عليه السلام ‏"‏ نُصِرتُ بالصَّبا، وأُهْلِكتْ عادٌ بالدَّبور ‏"‏ وهذا قول ابن زيد، ومقاتل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

‏{‏وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ‏(‏47‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً‏}‏ قال المفسرون‏:‏ هم أبو جهل ومن خرج معه من مكة، خرجوا ليدفعوا عن عيرهم التي كانت مع أبي سفيان، ومعهم القيان والمعازف، وهم يشربون الخمور‏.‏ فلما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز ما معه، كتب إليهم‏:‏ إني قد أحرزت أموالكم فارجعوا‏.‏ فقال أبو جهل‏:‏ والله لا نفعل حتى نَرِدَ بدراً فنقيم ثلاثاً، وننحر الجزر، ونطعم الطعام، ونسقي الخمور، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابونا‏.‏ فساروا إلى بدر، فكانت الوقعة؛ فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمر، وناحت عليهم النوائح مكان القيان‏.‏ فأما البطر، فهو الطغيان في النعم، وترك شكرها‏.‏ والرياء‏:‏ العمل من أجل رؤية الناس، وسبيل الله هاهنا‏:‏ دينه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ‏(‏48‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإذْ زَيَّنَ لهم الشيطانُ أعمالَهم‏}‏ قال عروة بن الزبير‏:‏ لما أجمعت قريش المسير إلى بدر، ذكروا ما بينهم وبين كنانة من الحرب، فتبدَّى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك المدلجيّ، وكان من اشراف بني كنانة، فقال لهم‏:‏ ‏{‏لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جارٌ لكم‏}‏ من أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه، فخرجوا سراعاً‏.‏ وفي المراد بأعمالهم هاهنا ثلاثة أقوال‏.‏

أحدها‏:‏ شركهم‏.‏ والثاني‏:‏ مسيرهم إلى بدر‏.‏ والثالث‏:‏ قتالهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلما تراءت الفئتان‏}‏ أي‏:‏ صارتا بحيث رأت إحداهما الأخرى‏.‏

وفي المراد بالفئتين قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ فئة المسلمين، وفئة المشركين، وهو قول الجمهور‏.‏

والثاني‏:‏ فئة المسلمين، وفئة الملائكة، ذكره الماوردي‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏نكص على عقبيه‏}‏ قال أبو عبيدة‏:‏ رجع من حيث جاء‏.‏ وقال ابن قتيبة‏:‏ رجع القهقري‏.‏ قال ابن السائب‏:‏ كان إبليس في صف المشركين على صورة سراقة، آخذاً بيد الحارث بن هشام، فرأى الملائكة فنكص على عقبيه، فقال له الحارث‏:‏ أفراراً من غير قتال‏؟‏ فقال‏:‏ ‏{‏إني أرى مالا ترون‏}‏؛ فلما هُزم المشركون، قالوا‏:‏ هَزَمَ الناسَ سراقةُ، فبلغه ذلك، فقال‏:‏ والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم‏.‏ قال قتادة‏:‏ صدق عدو الله في قوله‏:‏ ‏{‏إني أرى مالا ترون‏}‏، ذُكر لنا أنه رأى جبريل ومعه الملائكة، فعلم أنه لا يد له بالملائكة، وكذب عدو الله في قوله‏:‏ ‏{‏إني أخاف الله‏}‏، والله ما به مخافة الله، ولكن علم أنه لا قوَّة له بهم‏.‏ وقال عطاء‏:‏ معناه‏:‏ إني أخاف الله أن يهلكني‏.‏ وقال ابن الانباري‏:‏ لما رأى نزول الملائكة، خاف أن تكون القيامة، فيكون انتهاء إنظاره، فيقع به العذاب‏.‏ ومعنى ‏{‏نكص‏}‏‏:‏ رجع هارباً بخزي وذلّ‏.‏ واختلفوا في قوله‏:‏ ‏{‏والله شديد العقاب‏}‏ هل هو ابتداء كلام، أو تمام الحكاية عن إبليس، على قولين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

‏{‏إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ‏(‏49‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذ يقول المنافقون‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ هم قوم من أهل المدينة من الأوس والخزرج‏.‏ فأما الذين في قلوبهم، مرض ففيهم ثلاثة أقوال‏.‏

أحدها‏:‏ أنهم قوم كانوا قد تكلَّموا بالإِسلام بمكة، فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر كُرهاً؛ فلما رأوا قلَّة المسلمين وكثرة المشركين، ارتابوا ونافقوا، وقالوا‏:‏ ‏{‏غرَّ هؤلاءِ دينُهم‏}‏، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وإليه ذهب الشعبي في آخرين‏.‏ وعدَّهم مقاتل، فقال‏:‏ كانوا سبعة‏:‏ قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة، وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منية بن الحجاج، والوليد بن الوليد بن المغيرة، والوليد ابن عتبة ابن ربيعة‏.‏

والثاني‏:‏ أنهم المشركون، لما رأوا قلة المسلمين، قالوا‏:‏ ‏{‏غرَّ هؤلاءِ دينُهم‏}‏ رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن‏.‏

والثالث‏:‏ أنهم قوم مرتابون، لم يظهروا عداوة النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره الماوردي‏.‏ والمرض هاهنا‏:‏ الشك، والإشارة بقوله‏:‏ ‏{‏هؤلاء‏}‏ إلى المسلمين؛ وإنما قالوا هذا، لأنهم رأوا قلَّة المسلمين، فلم يشكّوا في أن قريشاً تغلبهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

‏{‏وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ‏(‏50‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولو ترى إذْ يتوفى الذين كفروا الملائكةُ‏}‏ قرأ الجمهور «يتوفى» بالياء‏.‏ وقرأ ابن عامر‏:‏ «تتوفى» بتاءين‏.‏ قال المفسرون‏:‏ نزلت في الرهط الذين قالوا‏:‏ ‏{‏غرَّ هؤلاءِ دينهُم‏}‏ وفي المراد بالملائكة ثلاثة أقوال‏.‏

أحدها‏:‏ ملك الموت وحده، قاله مقاتل‏.‏

والثاني‏:‏ ملائكة العذاب، قاله أبو سليمان الدمشقي‏.‏

والثالث‏:‏ الملائكة الذين قاتلوا يوم بدر، ذكره الماوردي‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏يضربون وجوهَهم وأدبارَهم‏}‏ أربعة أقوال‏.‏

أحدها‏:‏ يضربون وجوههم ببدر لما قاتلوا، وأدبارهم لما انهزموا‏.‏

والثاني‏:‏ أنهم جاؤوهم من بين أيديهم ومن خلفهم، فالذين أمامهم ضربوا وجوههم، والذين وراءهم ضربوا أدبارهم‏.‏

والثالث‏:‏ يضربون وجوههم يوم القيامة إذا لقوهم، وأدبارهم إذا ساقوهم إلى النار‏.‏

والرابع‏:‏ أنهم يضربون وجوههم وأدبارهم عند الموت بسياط من نار‏.‏ وهل المراد نفس الوجوه والأدبار، أم المراد ما أقبل من أبدانهم وأدبر‏؟‏ فيه قولان‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏وذوقوا عذاب الحريق‏}‏ قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ أنه في الدنيا، وفيه إضمار «يقولون»، فالمعنى‏:‏ يضربون ويقولون، كقوله‏:‏ ‏{‏وإذْ يرفعُ إبراهيمُ القواعدَ من البيتِ وإسماعيلُ ربَّنا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 127‏]‏ أي‏:‏ ويقولان‏.‏ قال النابغة‏:‏

كأنكَ من جِمالِ بني أُقَيش *** يُقَعْقَعُ خَلْفَ رجلَيْه بِشَنِّ

والمعنى‏:‏ كأنك جمل من جمال لبني أقيش، هذا قول الفراء، وأبي عبيدة‏.‏

والثاني‏:‏ أن الضرب لهم في الدنيا، فاذا وردوا يوم القيامة إلى النار، قال خزنتها‏:‏ ذوقوا عذاب الحريق، هذا قول مقاتل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

‏{‏ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ‏(‏51‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك بما قدَّمت أيديكم‏}‏ أي‏:‏ بما كسبتم من قبائح أعمالكم‏.‏ ‏{‏وأنَّ الله ليس بظلام للعبيد‏}‏ لا يظلم عباده بعقوبتهم على الكفر، وإن كان كفرهم بقضائه، لأنه مالكٌ، فله التصرف في ملكه كما يشاء، فيستحيل نسبة الظلم إليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

‏{‏كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ‏(‏52‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كدأب آل فرعون‏}‏ أي‏:‏ كعادتهم‏.‏ والمعنى‏:‏ كذَّب هؤلاء كما كذَّب أولئك، فنزل بهم العذاب كما نزل بأولئك، قال ابن عباس‏:‏ أيقن آل فرعون أن موسى نبيُّ الله فكذَّبوه، فكذلك هؤلاء في حق محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏53‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك بأَنَّ الله‏}‏ أي‏:‏ ذلك الأخذ والعقاب بأن الله ‏{‏لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيّروا‏}‏ بالكفران وترك الشكر‏.‏ قال مقاتل‏:‏ والمراد بالقوم هاهنا أهل مكة، أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، ثم بعث فيهم محمداً صلى الله عليه وسلم، فلم يعرفوا المنعم عليهم، فغيَّر الله ما بهم‏.‏ وقال السدي‏:‏ كذَّبوا بمحمد، فنقله الله إلى الأنصار‏.‏ قال أبو سليمان الخطابي‏:‏ والقوي يكون بمعنى القادر، فمن قوي على شيء فقد قدر عليه، وقد يكون معناه‏:‏ التّامُّ القُوَّة الذي لا يستولي عليه العجز في حال، والمخلوق وإن وُصف بالقُوَّة، فقوَّته متناهية، وعن بعض الأمور قاصرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

‏{‏كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ ‏(‏54‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كدأب آل فرعون والذين من قبلهم‏}‏ أي‏:‏ كذَّب أهل مكة بمحمد والقرآن، كما كذب آل فرعون بموسى والتوراة، وكذَّب مَنْ قبلهم بأنبيائهم‏.‏ قال مكي بن أبي طالب‏:‏ الكاف من ‏{‏كدأب‏}‏ في موضع نصب، نعت لمحذوف تقديره‏:‏ غيَّرنا بهم لما غيروا تغييراً مثل عادتنا في آل فرعون، ومثلها الآية الأولى، إلا أن الأولى للعادة في العذاب؛ تقديره‏:‏ فعلنا بهم ذلك فعلاً مثل عادتنا في آل فرعون‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فأهلكناهم‏}‏ يعني‏:‏ الأمم المتقدمة، بعضهم بالرجفة، وبعضهم بالريح، فكذلك أهلكنا كفار مكة ببدر‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ يعني بقوله ‏{‏فأهلكناهم‏}‏ الذين أُهلكوا ببدر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

‏{‏إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ‏(‏55‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن شر الدواب عند الله الذين كفروا‏}‏ قال أبو صالح عن ابن عباس‏:‏ نزلت في بني قريظة من اليهود، منهم كعب بن الأشرف وأصحابه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

‏{‏الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ ‏(‏56‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الذين عاهدت منهم‏}‏ في «مِنْ» أربعة أقوال‏.‏

أحدها‏:‏ أنها صلة، والمعنى‏:‏ الذين عاهدتم‏.‏

الثاني‏:‏ أنها للتبعيض، فالمعنى‏:‏ إن شر الدواب الكفار، وشرُّهم الذين عاهدت ونقضوا‏.‏

والثالث‏:‏ أنها بمعنى «مع» والمعنى‏:‏ عاهدت معهم‏.‏

والرابع‏:‏ أنها دخلت، لأن العهد أُخذ منهم‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم ينقضون عهدهم في كل مرة‏}‏ أي‏:‏ كلما عاهدتهم نقضوا‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏وهم لا يتقون‏}‏ قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ لا يتَّقون نقض العهد‏.‏ والثاني‏:‏ لا يتَّقون الله في نقض العهد‏.‏

قال المفسرون‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عاهد يهود قريظة أن لا يحاربوه ولا يعاونوا عليه، فنقضوا العهد وأعانوا عليه مشركي مكة بالسلاح، ثم قالوا‏:‏ نسينا وأخطأنا؛ ثم عاهدوه الثانية، فنقضوا ومالؤوا الكفار يوم الخندق، وكتب كعب ابن الأشرف إلى مكة يوافقهم على مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

‏{‏فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ‏(‏57‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاما تثقفَنَّهم‏}‏ قال أبو عبيدة مجازه‏:‏ فان تثقفنَّهم‏.‏ فعلى قوله، تكون ‏{‏ما‏}‏ زائدة‏.‏ وقد سبق بيان ‏{‏فاما‏}‏ في ‏[‏البقرة‏:‏ 38‏]‏‏.‏ قال ابن قتيبة‏:‏ فمعنى «تثقفنهم» تظفر بهم ‏{‏فشرِدّ بهم مَنْ خلفهم‏}‏ أي‏:‏ افعل بهم فعلاً من العقوبة والتنكيل يتفرَّق به من وراءهم من أعدائك‏.‏ قال‏:‏ ويقال شرد بهم أي‏:‏ سمِّع بهم، بلغة قريش‏.‏ قال الشاعر‏:‏

أُطوِّف في الأباطح كُلَّ يوم *** مَخَافَةَ أن يُشرِّد بي حَكيمُ

وقال ابن عباس‏:‏ نَكِّل بهم تنكيلاً يشرد غيرهم من ناقضي العهد، لعلهم يذكرون النكال فلا ينقضون العهد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

‏{‏وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ‏(‏58‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإمَّا تَخَافنَّ من قوم خيانةً‏}‏ قال المفسرون‏.‏ الخوف هاهنا بمعنى العلم، والمعنى‏:‏ إن علمت من قوم قد عاهدتهم خيانة، وهي نقض عهد‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ نزلت في بني قريظة‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏فانبذ إليهم على سواء‏}‏ أربعة أقوال‏.‏

أحدها‏:‏ فألقِ إليهم نقضك العهد لتكون وإياهم في العلم بالنقض سواءً، هذا قول الأكثرين، واختاره الفراء، وابن قتيبة، وأبو عبيدة‏.‏

والثاني‏:‏ فانبذ إليهم جهراً غير سرٍّ، ذكره الفراء أيضاً في آخرين‏.‏

والثالث‏:‏ فانبذ إليهم على مهل، قاله الوليد بن مُسلم‏.‏

والرابع‏:‏ فانبذ إليهم على عدل من غير حيف، وأنشدوا‏:‏

فاضْرِبْ وُجُوهَ الغُدُرِ الأعدَاءِ *** حتَّى يُجيبُوك إلى السَّواءِ

ذكره أبو سليمان الدمشقي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

‏{‏وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ ‏(‏59‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تحسبنَّ الذين كفروا سبقوا‏}‏ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم‏:‏ «ولا تحسِبن» بالتاء وكسر السين؛ إلا أن عاصماً فتح السين‏.‏ وقرأ ابن عامر، وحمزة، وحفص عن عاصم‏:‏ بالياء وفتح السين‏.‏ وفي الكافرين هاهنا قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ جميع الكفار، قاله أبو صالح عن ابن عباس‏.‏

والثاني‏:‏ أنهم الذين انهزموا يوم بدر، ذكره محمد بن القاسم النحوي وغيره‏.‏ و«سبقوا» بمعنى‏:‏ فاتوا‏.‏ قال ابن الأنباري‏:‏ وذلك أنهم أشفقوا من هلكة تنزل بهم في بعض الأوقات؛ فلما سلموا منها، قيل‏:‏ لا تحسبنَّ أنهم فاتوا بسلامتهم الآن، فانهم لا يعجزونا، أي‏:‏ لا يفوتونا فيما يستقبلون من الأوقات‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنهم لا يُعجزون‏}‏ قرأ الجمهور‏:‏ بكسر الألف‏.‏ وقرأ ابن عامر‏:‏ بفتحها؛ وعلى قراءته اعتراض‏.‏ لقائل أن يقول‏:‏ إذا كان قد قرأ «يحسبن» بالياء، وقرأ «أنهم» بالفتح، فقد أقرَّهم على أنهم لا يُعجزون؛ ومتى علموا أنهم لا يعجزون، لم يلاموا‏.‏ فقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال‏:‏ المعنى‏:‏ «لا يحسبن الذين كفروا سبقوا» لا يَحسِبُنَّ أنهم يعجزون؛ و«لا» زائدة مؤكدة‏.‏ وقال أبو علي‏:‏ المعنى‏:‏ لا يحسبنَّ الذين كفروا أنفسَهم سبقوا وآباءَهم سبقوا، لأنهم لا يفوتون، فهم يُجزَون على كفرهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

‏{‏وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ‏(‏60‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأعدُّوا لهم ما استطعتم من قُوَّةٍ‏}‏ في المراد بالقوة أربعة اقوال‏.‏

أحدها‏:‏ أنها الرمي، رواه عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقال الحكم بن أبان‏:‏ هي النبل‏.‏

والثاني‏:‏ ذكور الخيل، قاله عكرمة‏.‏

والثالث‏:‏ السلاح، قاله السدي، وابن قتيبة‏.‏

والرابع‏:‏ أنه كل ما يُتقوَّى به على حرب العدو من آلة الجهاد‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن رباط الخيل‏}‏ يعني ربطها واقتناءها للغزو؛ وهو عام في الذكور والإناث في قول الجمهور‏.‏ وكان عكرمة يقول‏:‏ المراد بقوله‏:‏ «ومن رباط الخيل»‏:‏ إناثها‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ترهبون به‏}‏ روى رويس، وعبد الوارث‏:‏ «تُرَهِّبُون» بفتح الراء وتشديد الهاء، أي‏:‏ تخيفون وترعبون به عدو الله وعدوكم، وهم مشركو مكة وكفار العرب‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وآخرين من دونهم‏}‏ أي‏:‏ من دون كفار العرب‏.‏ واختلفوا فيهم على خمسة أقوال‏.‏

أحدها‏:‏ أنهم الجن، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ هم الجن، وإن الشيطان لا يخبِّل أحداً في داره فرس عتيق ‏"‏ والثاني‏:‏ أنهم بنو قريظة، قاله مجاهد‏.‏

والثالث‏:‏ أهل فارس، قاله السدي‏.‏

والرابع‏:‏ المنافقون، قاله ابن زيد‏.‏

والخامس‏:‏ اليهود، قاله مقاتل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

‏{‏وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ‏(‏61‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن جنحوا للسَّلْم‏}‏ قرأ أبو بكر عن عاصم‏:‏ «للسِّلم» بكسر السين‏.‏ قال الزجاج‏:‏ السَّلْم‏:‏ الصلح والمسالمة‏.‏ يقال‏:‏ سَلْم وسِلْم وسَلَم في معنى واحد، أي‏:‏ إن مالوا إلى الصلح فمِل إليه‏.‏ قال الفراء‏:‏ إن شئت جعلت «لها» كناية عن السَّلم لأنها تؤنث، وإن شئت جعلتها للفَعْلَةِ، كقوله‏:‏ ‏{‏إن ربك من بعدها لغفور رحيم‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 153‏]‏‏.‏

فان قيل‏:‏ لم قال «لها» ولم يقل «إليها»‏؟‏‏.‏

فالجواب‏:‏ أن «اللام» و«إلى» تنوب كل واحدة منهما عن الأخرى‏.‏ وفيمن أريد بهذه الآية قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ المشركون، وأنها نسخت بآية السيف‏.‏

والثاني‏:‏ أهل الكتاب‏.‏

فان قيل‏:‏ إنها نزلت في ترك حربهم إذ بذلوا الجزية وقاموا بشرط الذمة، فهي محكمة‏.‏

وإن قيل‏:‏ نزلت في موادعتهم على غير جزية، توجَّه النسخ لها بآية الجزية‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏62- 63‏]‏

‏{‏وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ‏(‏62‏)‏ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ‏(‏63‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن يريدوا‏}‏ قال مقاتل‏:‏ يعني‏:‏ يهود قريظة ‏{‏أن يخدعوك‏}‏ بالصلح لتكف عنهم، حتى إذا جاء مشركو العرب، أعانوهم عليك ‏{‏فان حسبَك الله‏}‏‏.‏ قال الزجاج‏:‏ فان الذي يتولىَّ كفايتك الله ‏{‏هو الذي أيَّدك‏}‏ أي‏:‏ قوَّاك‏.‏ وقال مقاتل‏:‏ قوَّاك بنصره وبالمؤمنين من الأنصار يوم بدر‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وألَّف بين قلوبهم‏}‏ يعني‏:‏ الأوس والخزرج، وهم الأنصار، كانت بينهم عداوة في الجاهلية، فألَّف الله بينهم بالإسلام‏.‏ وهذا من أعجب الآيات، لأنهم كانوا ذوي أنفة شديدة؛ فلو أن رجلاً لطم رجلاً، لقاتلت عنه قبيلته حتى تدرك ثأره، فآل بهم الإِسلام إلى أن يقتل الرجل ابنه وأباه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏64‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حسبك الله ومن اتَّبَعَكَ‏}‏ فيه قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ حسبُك اللهُ، وحسبُ من اتَّبَعَكَ، هذا قول أبي صالح عن ابن عباس، وبه قال ابن زيد، ومقاتل، والأكثرون‏.‏

والثاني‏:‏ حسبُك اللهُ ومتَّبِعُوكَ، قاله مجاهد‏.‏ وعن الشعبي كالقولين‏.‏

وأجاز الفراء، والزجاج الوجهين‏.‏ وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون، ثم أسلم عمر فصاروا أربعين، فنزلت هذه الآية‏.‏ قال أبو سليمان الدمشقي‏:‏ هذا لا يحفظ، والسورة مدنية باجماع، والقول الأول أصح‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏65- 66‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ‏(‏65‏)‏ الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ‏(‏66‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حرِّض المؤمنين على القتال‏}‏ قال الزجاج‏:‏ تأويله‏:‏ حُثَّهم‏.‏ وتأويل التحريض في اللغة‏:‏ أن يحث الإنسان على الشيء حثاً يعلم معه أنه حارض إن تخلف عنه‏.‏ والحارض‏:‏ الذي قد قارب الهلاك‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين‏}‏ لفظُ هذا الكلام لفظ الخبر، ومعناه الأمر، والمراد‏:‏ يقاتلوا مائتين، وكان هذا فرضاً في أول الأمر، ثم نسخ بقوله‏:‏ ‏{‏الآن خفف الله عنكم‏}‏ ففُرض على الرجل أن يثبت لرجلين، فان زادوا جاز له الفرار‏.‏ قال مجاهد‏:‏ وهذا التشديد كان في يوم بدر‏.‏ واتفق القراء على قوله ‏{‏إن يكن منكم‏}‏ فقرؤوا «يكن» بالياء، واختلفوا في قوله‏:‏ ‏{‏وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفاً‏}‏، وفي قوله‏:‏ ‏{‏فان تكن منكم مائةٌ صابرةٌ‏}‏ فقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر‏:‏ بالتاء فيهما‏.‏ وقرأهما‏:‏ عاصم، وحمزة، والكسائي، بالياء‏.‏ وقرأ أبو عمرو‏:‏ «يكن منكم مائة يغلبوا» بالياء، «فان تكن منكم مائة صابرة» بالتاء‏.‏ قال الزجاج‏:‏ من أنَّث، فللفظ المائة؛ ومن ذكَّر، فلأن المائة وقعت على عدد مذكر‏.‏ وقال أبو علي‏:‏ من قرأ بالياء، فلأنه أريد منه المذكر، بدليل قوله‏:‏ ‏{‏يغلبوا‏}‏، وكذلك المائة الصابرة هم رجال، فقرؤوها بالياء، لموضع التذكير‏.‏ فأما أبو عمرو، فانه لما رأى صفة المائة مؤنثة بقوله‏:‏ ‏{‏صابرة‏}‏ أنث الفعل، ولما رأى ‏{‏يغلبوا‏}‏ مذكراً، ذكّر‏.‏ ومعنى الكلام‏:‏ إن يكن منكم عشرون صابرون يثبتون عند اللقاء، يغلبوا مائتين، لأن المؤمنين يحتسبون أفعالهم، وأهل الشرك يقاتلون على غير احتساب ولا طلب ثواب، فاذا صَدَقهم المؤمنون القتال لم يثبتوا؛ وذلك معنى قوله‏:‏ ‏{‏لا يفقهون‏}‏‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وعلم‏}‏ وروى المفضل «وعُلم» بضم العين ‏{‏أن فيكم ضُعفاً‏}‏ بضم الضاد‏.‏ وقرأ عاصم، وحمزة‏:‏ بفتح الضاد‏.‏ وكذلك خلافهم في ‏[‏الروم‏:‏ 55‏]‏، قال الفراء‏:‏ الضم لغة قريش، والفتح لغة تميم‏.‏ قال الزجاج‏:‏ والمعنى‏:‏ في القراءتين واحد، يقال‏:‏ هو الضَّعف والضُّعف، والمَكث والمُكث، والفَقر والفُقر، وفي اللغة كثير من باب فَعْل وفُعْل، والمعنى واحد‏.‏ وقرأ أبو جعفر‏:‏ «وعلمَ أن فيكم ضُعَفَاءَ» على فُعَلاءَ‏.‏ فأما قوله‏:‏ ‏{‏باذن الله‏}‏ فهو إعلام بأن الغلبة لا تقع إلا بارادته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

‏{‏مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ‏(‏67‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما كان لنبيٍّ أن تكون له أسرى حتى يُثْخِنَ في الأرض‏}‏ روى مسلم في أفراده من حديث عمر بن الخطاب قال‏:‏ ‏"‏ لما هزم الله المشركين يوم بدر، وقُتل منهم سبعون وأُسِرَ منهم سبعون، استشار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعلياً، فقال أبو بكر‏:‏ يا نبي الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والاخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوَّةً لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضداً‏.‏ فقال رسول الله‏:‏ «ما ترى يا ابن الخطاب»‏؟‏ قلت‏:‏ والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنني من فلان، قريبٌ لعمر، فأضرب عنقه، وتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من أخيه فلان فيضرِبَ عنقه، حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم‏.‏ فَهِويَ رسول الله ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلت، فأخذ منهم الفداء‏.‏ فلما كان من الغد، غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاذا هو قاعد وأبو بكر الصديق وهما يبكيان‏.‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله أخبرني، ماذا يبكيك أنت وصاحبك‏؟‏ فان وجدت بكاءً بكَيت، وإن لم أجد بكاءً تباكيت‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أبكي للذي عرض عليَّ أصحابُك من الفداء‏.‏ لقد عُرض عليَّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة»لشجرة قريبة، فأنزل الله ‏{‏ما كان لنبي أن يكون له أسرى‏}‏ إلى قوله ‏{‏عظيم‏}‏‏.‏

وروي عن ابن عمر قال‏:‏ لما أشار عمر بقتلهم، وفاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنزل الله تعالى ‏{‏ما كان لنبي‏}‏ إلى قوله ‏{‏حلالاً طيباً‏}‏ فلقي النبي صلى الله عليه وسلم عمر، فقال‏:‏ «كاد يصيبنا في خلافك بلاء» ‏"‏ فأما الأسرى، فهو جمع أسير، وقد ذكرناه في ‏[‏البقرة‏:‏ 85‏]‏‏.‏ والجمهور قرؤوا «أن يكون» بالياء، لأن الاسراء مذكَّرون‏.‏ وقرأ أبو عمرو‏:‏ «أن تكون»، قال أبو علي‏:‏ أنَّثَ على لفظ الأسرى، لأن الأسرى وإن كان المراد به التذكير والرجال فهو مؤنَّث اللفظ‏.‏ والأكثرون قرؤوا‏:‏ «أسرى» وكذلك ‏{‏لمن في أيديكم من الأسرى‏}‏‏.‏ قرأ أبو جعفر، والمفضل‏:‏ «أُسارى» في الموضعين، ووافقهما أبو عمرو، وأبان في الثاني‏.‏ قال الزجاج‏:‏ والإثخان في كل شيء‏:‏ قُوَّة الشيء وشِدَّته‏.‏ يقال‏:‏ قد أثخنه المرض‏:‏ إذا اشتدت قُوَّته عليه‏.‏ والمعنى‏:‏ حتى يبالغ في قتل أعدائه‏.‏ ويجوز أن يكون المعنى‏:‏ حتى يتمكن في الأرض‏.‏ قال المفسرون‏:‏ معنى الآية‏:‏ ما كان لنبي أن يحبس كافراً قدر عليه للفداء أو المن قبل الإثخان في الارض‏.‏ وكانت غزاة بدر أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن قد أثخن في الأرض بعد‏.‏

‏{‏تريدون عرض الدنيا‏}‏ وهو المال، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد فادوا يومئذ بأربعة آلاف أربعة آلاف‏.‏ وفي قوله‏:‏ ‏{‏والله يريد الآخرة‏}‏ قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ يريد لكم الجنة، قاله ابن عباس‏.‏

والثاني‏:‏ يريد العمل بما يوجب ثواب الآخرة، ذكره الماوردي‏.‏

فصل

وقد روي عن ابن عباس، ومجاهد في آخرين‏:‏ أن هذه الآية منسوخة بقوله‏:‏ ‏{‏فاما منَّاً بعدُ وإِمَّا فداءً‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 4‏]‏، وليس للنسخ وجه، لأن غزاة بدر كانت وفي المسلمين قِلَّةٌ، فلما كثروا واشتدَّ سلطانُهم، نزلت الآية الأخرى، ويبيِّن هذا قولُه‏:‏ ‏{‏حتى يثخن في الأرض‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

‏{‏لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ‏(‏68‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لولا كتاب من الله سبق‏}‏ في معناه خمسة أقوال‏.‏

أحدها‏:‏ لولا أن الله كتب في أُم الكتاب أنه سيُحِلُّ لكم الغنائم لمسَّكم فيما تعجَّلتم من المغانم والفداء يوم بدر قبل أن تؤمروا بذلك عذابٌ عظيم، روى هذا المعنى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال مقاتل‏.‏ وقال أبو هريرة‏:‏ تعجَّل ناس من المسلمين فأصابوا الغنائم، فنزلت الآية‏.‏

والثاني‏:‏ لولا كتاب من الله سبق أنَّه لا يعذِّب من أتى ذنباً على جهالةٍ لعوقبتم، روى هذا المعنى عطاء عن ابن عباس، وابن جريج عن مجاهد‏.‏ وقال ابن اسحاق‏:‏ سبق أن لا أعذِّب إلا بعدَ النهي، ولم يكن نهاهم‏.‏

والثالث‏:‏ لولا ما سبق لأهل بدر أن الله لا يعذِّبهم، لعُذِّبتم، قاله الحسن، وابن جبير، وابن أبي نجيح عن مجاهد‏.‏

والرابع‏:‏ لولا كتاب من الله سبق من أنه يغفر لمن عمل الخطايا ثم علم ما عليه فتاب، ذكره الزجاج‏.‏

والخامس‏:‏ لولا القرآن الذي اقتضى غفران الصغائر لعُذِّبتم، ذكره الماوردي‏.‏ فيخرج في الكتاب قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ أنه كتاب مكتوب حقيقة‏.‏ ثم فيه قولان‏.‏ أحدهما‏:‏ أنه ما كتبه الله في اللوح والمحفوظ‏.‏ والثاني‏:‏ أنه القرآن‏.‏

والثاني‏:‏ أنه بمعنى القضاء‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏69- 70‏]‏

‏{‏فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏69‏)‏ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏70‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فكلوا مما غَنِمتم‏}‏ قال الزجاج‏:‏ الفاء للجزاء‏.‏ والمعنى‏:‏ قد أحللت لكم الفداء فكلوا‏.‏ والحلال منصوب على الحال‏.‏ قال مقاتل‏:‏ إن الله غفور لما أخذتم من الغنيمة قبل حِلِّها، رحيم بكم إذْ أحَلَّها لكم‏.‏ ‏"‏ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب، وخبَّاب بنَ الأرتِّ، يوم بدر على القَبَض، وقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وانطلق بالأسارى، فيهم العباس، وعقيل، ونوفل بن الحارث ابن عبد المطلب‏.‏ وكان مع العباس يومئذ عشرون أوقية من ذهب، فلم تحسب له من فدائه، وكلِّف أن يفدي ابني أخيه، فأدَّى عنهما ثمانين أوقية من ذهب‏.‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم «أضعفوا على العباس الفداء» فأخذوا منه ثمانين أوقية، وكان فداء كل أسير أربعين أوقية‏:‏ فقال العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لقد تركتني ما حييت أسأل قريشاً بكفَّيَّ‏.‏ فقال له‏:‏ «أين الذهب الذي تركته عند أم الفضل»‏؟‏ فقال‏:‏ أي الذهب‏؟‏ فقال‏:‏ «إنك قلت لها‏:‏ إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا، فان حدث بي حدث، فهو لك ولولدك» فقال‏:‏ ابن أخي، مَن أخبرك‏؟‏ فقال‏:‏ «الله أخبرني» فقال العباس‏:‏ أشهد أنك صادق، وما علمت أنك رسول الله قبل اليوم؛ وأمر ابني أخيه فأسلما ‏"‏ وفيهم نزلت‏:‏ ‏{‏قل لمن في أيديكم من الأُسارى‏}‏ الآية‏.‏ وروى العوفي عن ابن عباس أنها نزلت في جميع من أُسر يوم بدر‏.‏ وقال ابن زيد‏:‏ لما بُعِثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجالٌ، فقالوا‏:‏ لولا أنَّا نخاف هؤلاء القوم لأسلمنا، ولكنَّا نشهد أن لا إله إلا الله وأنَّك رسولُ الله‏.‏ فلما كان يوم بدر، قال المشركون‏:‏ لا يتخلف عنا أحد إلا هدمنا داره واستحللنا ماله، فخرج أولئك القوم، فقُتلت طائفة منهم وأُسرت طائفة‏.‏ فأما الذين قُتلوا، فهم الذين قال الله فيهم‏:‏ ‏{‏الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 28‏]‏‏.‏ وأما الذين أُسروا، فقالوا‏:‏ يا رسول الله، أنت تعلم أنا كنا نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وإنما خرجنا مع هؤلاء خوفاً منهم‏.‏ فذلك قوله ‏{‏قل لمن في أيديكم من الأسارى‏}‏ إلى قوله ‏{‏عليم حكيم‏}‏‏.‏ فأما قوله‏:‏ ‏{‏إن يعلم الله في قلوبكم خيراً‏}‏ فمعناه‏:‏ إسلاماً وصدقاً ‏{‏يؤتكم خيراً مما أُخذ منكم‏}‏ من الفداء وفيه قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ أكثر مما أُخذ منكم‏.‏

والثاني‏:‏ أحلُّ وأطيب‏.‏ وقرأ الحسن، ومجاهد، وقتادة، وابن أبي عبلة‏:‏ «مما أخَذ منكم» بفتح الخاء، يشيرون إلى الله تعالى وفي قوله‏:‏ ‏{‏ويَغْفِرْ لكم‏}‏ قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ يغفر لكم كفركم وقتالكم رسول الله، قاله الزجاج‏.‏

والثاني‏:‏ يغفر لكم خروجكم مع المشركين، قاله ابن زيد في تمام كلامه الأول‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

‏{‏وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏(‏71‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن يريدوا خيانتك‏}‏ يعني‏:‏ إن أراد الأُسراء خيانتك بالكفر بعد الإسلام ‏{‏فقد خانوا الله من قبل‏}‏ إذ كفروا به قبل أسرهم‏.‏ وقال ابن زيد‏:‏ فقد خانوا بخروجهم مع المشركين؛ وقد ذكرنا عنه أنها نزلت في قوم تكلَّموا بالإسلام‏.‏ وقال مقاتل‏:‏ المعنى‏:‏ إن خانوك أمكنتك منهم فقتلتهم وأسرتهم كما أمكنتُك ببدر‏.‏ قال الزجاج‏:‏ ‏{‏والله عليم‏}‏ بخيانة إن خانوها ‏{‏حكيم‏}‏ في تدبيره عليهم ومجازاته إياهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏72‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏(‏72‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله‏}‏ يعني‏:‏ المهاجرين الذين هجروا ديارهم وأموالهم وقومهم في نصرة الدين‏.‏

‏{‏والذين آووا ونصروا‏}‏ يعني‏:‏ الأنصار آووا رسولَ الله، وأسكنوا المهاجرين ديارهم، ونصروهم على أعدائهم‏.‏ ‏{‏أولئك بعضهم أولياء بعض‏}‏ فيه قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ في النصرة‏.‏ والثاني‏:‏ في الميراث‏.‏

قال المفسرون‏:‏ كانوا يتوارثون بالهجرة، وكان المؤمن الذي لم يهاجر لا يرث قريبه المهاجر، وهو معنى قوله‏:‏ ‏{‏مالكم من وَلاَيتهم من شيء‏}‏ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وابن عامر، وعاصم، والكسائي‏:‏ «وَلايتهم» بفتح الواو‏.‏ وقرأ حمزة‏:‏ بكسر الواو‏.‏ قال الزجاج‏:‏ المعنى‏:‏ ليس بينكم وبينهم ميراث حتى يهاجروا‏.‏ ومن كسر واو الولاية، فهي بمنزلة الإمارة؛ وإذا فتحت، فهي من النصرة‏.‏ وقال يونس النحوي‏:‏ الوَلاية بالفتح، لله عز وجل، والوِلاية بالكسر، من وُليِّت الأمر‏.‏ وقال أبو عبيدة‏:‏ الوَلاية بالفتح، للخالق؛ والوِلاية، للمخلوق‏.‏ قال ابن الأنباري‏:‏ الوَلاية بالفتح مصدر الوليِّ، والوِلاية‏:‏ مصدر الوالي، يقال‏:‏ وليّ بين الوَلاية، ووالٍ بيِّن الولاية؛ فهذا هو الاختيار؛ ثم يصلح في ذا ما يصلح في ذا‏.‏ وقال ابن فارس‏:‏ الوَلاية بالفتح‏:‏ النصرة، وقد تكسر‏.‏ والوِلاية، بالكسر‏:‏ السلطان‏.‏

فصل

وذهب قوم إلى أن المراد بهذه الولاية موالاة النصر والمودَّة‏.‏ قالوا‏:‏ ونسخ هذا الحكم بقوله‏:‏ ‏{‏والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 71‏]‏‏.‏ فأما القائلون بأنها ولاية الميراث، فقالوا‏:‏ نسخت بقوله‏:‏ ‏{‏وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 75‏]‏‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن استنصروكم في الدين‏}‏ أي‏:‏ إن استنصركم المؤمنون الذين لم يهاجروا فانصروهم، إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم عهد، فلا تغدروا بأرباب العهد‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ لم يكن على المهاجر أن ينصرَ من لم يهاجر إلا أن يستنصره‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏73- 74‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ‏(‏73‏)‏ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ‏(‏74‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين كفروا بعضهم أولياء بعض‏}‏ فيه قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ في الميراث، قاله ابن عباس‏.‏

والثاني‏:‏ في النصرة، قاله قتادة‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏إلا تفعلوه‏}‏ قولان‏.‏

أحدهما‏:‏ أنه يرجع إلى الميراث، فالمعنى‏:‏ إلاَّ تأخذوا في الميراث بما أمرتكم، قاله ابن عباس‏.‏

والثاني‏:‏ أنه يرجع إلى التناصر، فالمعنى‏:‏ إلا تتعانوا وتتناصروا في الدين، قاله ابن جريج‏.‏ وبيانه‏:‏ أنه إذا لم يتولَّ المؤمنُ المؤمنَ تولِّياً حقاً، ويتبرأ من الكافر جداً، أدَّى ذلك إلى الضلال والفساد في الدين‏.‏ فاذا هجر المسلم أقاربه الكفار، ونصر المسلمين، كان ذلك أدعى لأقاربه الكفار إلى الإسلام وترك الشرك‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وفساد كبير‏}‏ قرأ أبو هريرة، وابن سيرين، وابن السميفع‏:‏ «كثير» بالثاء‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أولئك هم المؤمنون حقاً‏}‏ أي‏:‏ هم الذين حقَّقوا إيمانهم بما يقتضيه من الهجرة والنصرة، بخلاف من أقام بدار الشرك‏.‏ والرزق الكريم‏:‏ هو الحسن، وذلك في الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏75‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين آمنوا من بعدُ‏}‏ أي‏:‏ من بعد المهاجرين الأولين‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ هم الذين هاجروا بعد الحديبية‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض‏}‏ أي‏:‏ في المواريث بالهجرة‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، وكانوا يتوارثون بذلك الإخاء حتى نزلت هذه الآية، فتوارثوا بالنسب‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏في كتاب الله‏}‏ فيه ثلاثة أقوال‏.‏

أحدها‏:‏ أنه اللوح المحفوظ‏.‏

والثاني‏:‏ أنه القرآن وقد بيَّن لهم قسمة الميراث في سورة ‏[‏النساء‏:‏ 11، 12‏]‏‏.‏

والثالث‏:‏ أنه حكم الله، ذكره الزجاج‏.‏