فصل: (تَدْبِيرُ عَامِرٍ لِلْغَدْرِ بِالرّسُولِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» (نسخة منقحة)



.[كَلِمَةُ ثَابِتٍ فِي الرّدّ عَلَى عُطَارِدٍ]:

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: قُمْ فَأَجِبْ الرّجُلَ فِي خُطْبَتِهِ. فَقَامَ ثَابِتٌ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ خَلْقُهُ قَضَى فِيهِنّ أَمْرَهُ وَوَسِعَ كُرْسِيّهُ عِلْمُهُ وَلَمْ يَكُ شَيْءٌ قَطّ إلّا مِنْ فَضْلِهِ ثُمّ كَانَ مِنْ قُدْرَتِهِ أَنْ جَعَلَنَا مُلُوكًا، وَاصْطَفَى مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ رَسُولًا، أَكْرَمَهُ نَسَبًا، وَأَصْدَقَهُ حَدِيثًا، وَأَفْضَلَهُ حَسَبًا، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ وَأْتَمَنَهُ عَلَى خَلْقِهِ فَكَانَ خِيرَةَ اللّهِ مِنْ الْعَالَمِينَ ثُمّ دَعَا النّاسَ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ فَآمَنَ بِرَسُولِ اللّهِ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قَوْمِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ أَكْرَمُ النّاسِ حَسَبًا، وَأَحْسَنُ النّاسِ وُجُوهًا، وَخَيْرُ النّاسِ فِعَالًا. ثُمّ كَانَ أَوّلُ الْخَلْقِ إجَابَةً وَاسْتَجَابَ لِلّهِ حِينَ دَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْنُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ وَوُزَرَاءُ رَسُولِهِ نُقَاتِلُ النّاسِ حَتّى يُؤْمِنُوا بِاَللّهِ فَمَنْ آمَنْ بِاَللّهِ وَرَسُولِهِ مَنَعَ مِنّا مَالَهُ وَدَمَهُ وَمَنْ كَفَرَ جَاهَدْنَاهُ فِي اللّهِ أَبَدًا، وَكَانَ قَتْلُهُ عَلَيْنَا يَسِيرًا. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللّهَ لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ.

.[شِعْرُ الزّبْرِقَانِ فِي الْفَخْرِ بِقَوْمِهِ]:

فَقَامَ الزّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، فَقَالَ:
نَحْنُ الْكِرَامُ فَلَا حَيّ يُعَادِلُنَا ** مِنّا الْمُلُوكُ وَفِينَا تُنْصَبُ الْبِيَعُ

وَكَمْ قَسَرْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ كُلّهِمْ ** عِنْدَ النّهَابِ وَفَضْلُ الْعِزّ يُتّبَعُ

وَنَحْنُ يُطْعِمُ عِنْدَ الْقَحْطِ مُطْعِمُنَا ** مِنْ الشّوَاءِ إذَا لَمْ يُؤْنَسْ الْقَزَعُ

بِمَا تَرَى النّاسَ تَأْتِينَا سُرَاتُهُمْ ** مِنْ كُلّ أَرْضٍ هُوِيّا ثُمّ تَصْطَنِعُ

فَنَنْحَرُ الْكُوَمَ عُبْطًا فِي أَرُومَتِنَا ** لِلنّازِلِينَ إذَا مَا أُنْزِلُوا شَبِعُوا

فَلَا تَرَانَا إلَى حَيّ نُفَاخِرُهُمْ ** إلّا اسْتَفَادُوا فَكَانُوا الرّأْسَ يُقْتَطَعُ

فَمَنْ يُفَاخِرُنَا فِي ذَاكَ نَعْرِفُهُ ** فَيَرْجِعُ الْقَوْمُ وَالْأَخْبَارُ تُسْتَمَعُ

إنّا أَبَيْنًا وَلَا يَأْبَى لَنَا أَحَدٌ ** إنّا كَذَلِكَ عِنْدَ الْفَخْرِ نُرْتَفَعُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: مِنّا الْمُلُوكُ وَفِينَا تُقْسَمُ الرّبَعُ وَيُرْوَى: مِنْ كُلّ أَرْضٍ هَوَانَا ثُمّ نُتّبَعُ رَوَاهُ لِي بَعْضُ بَنِي تَمِيمٍ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِلزّبْرِقَانِ.

.[شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى الزّبْرِقَانِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ حَسّانُ غَائِبًا، فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ حَسّانُ جَاءَنِي رَسُولُهُ فَأَخْبَرَنِي أَنّهُ إنّمَا دَعَانِي لِأُجِيبَ شَاعِرَ بَنِي تَمِيمٍ، فَخَرَجْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا أَقُولُ:
مَنَعْنَا رَسُولَ اللّهِ إذْ حَلّ وَسْطَنَا ** عَلَى أَنْفٍ رَاضٍ مِنْ مَعَدّ وَرَاغِمِ

مَنَعْنَاهُ لَمَا حَلّ بَيْنَ بُيُوتِنَا ** بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلّ بَاغٍ وَظَالِمِ

بِبَيْتٍ حَرِيدٍ عِزّهُ وَثَرَاؤُهُ ** بِجَابِيَةِ الْجَوْلَانِ وَسْطَ الْأَعَاجِمِ

هَلْ الْمَجْدُ إلّا السّودَدُ الْعَوْدُ وَالنّدَى ** وِجَاهُ الْمُلُوكِ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ

قَالَ فَلَمّا انْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَامَ شَاعِرُ الْقَوْمِ فَقَالَ مَا قَالَ عَرَضْت فِي قَوْلِهِ وَقُلْت عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ. قَالَ فَلَمّا فَرَغَ الزّبْرِقَانُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ قُمْ يَا حَسّانُ فَأَجِبْ الرّجُلَ فِيمَا قَال فَقَامَ حَسّانٌ فَقَالَ:
إنّ الذّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتِهِمْ ** قَدْ بَيّنُوا سُنّةً لِلنّاسِ تُتّبَعُ

يَرْضَى بِهِمْ كُلّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ ** تَقْوَى الْإِلَهِ وَكُلّ الْخَيْرِ يَصْطَنِعُ

قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا ضَرّوا عَدُوّهُمْ ** أَوْ حَاوَلُوا النّفْعَ فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا

سَجِيّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ ** إنّ الْخَلَائِقَ فَاعْلَمْ شَرّهَا الْبِدَعُ

إنْ كَانَ فِي النّاسِ سَبّاقُونَ بَعْدَهُمْ ** فَكُلّ سَبْقٍ لِأَدْنَى سَبْقِهِمْ تَبَعُ

لَا يَرْقَعُ النّاسَ مَا أَوْهَتَ أَكَفّهُمْ ** عِنْدَ الدّفّاعِ وَلَا يُوهُونَ مَا رَقَعُوا

إنْ سَابَقُوا النّاسَ يَوْمًا فَازَ سَبْقُهُمْ ** أَوْ وَازَنُوا أَهْلَ مَجْدٍ بِالنّدَى مَتَعُوا

أَعِفّةٌ ذُكِرَتْ فِي الْوَحْي عِفّتُهُمْ ** لَا يَنْطَبَعُونَ وَلَا يُرْدِيهِمْ طَمَعُ

لَا يَبْخَلُونَ عَلَى جَارٍ بِفَضْلِهِمْ ** وَلَا يَمَسّهُمْ مِنْ مَطْمَعٍ طَبَعُ

إذَا نَصَبْنَا لِحَيّ لَمْ نَدِبّ لَهُمْ ** كَمَا يَدُبّ إلَى الْوَحْشِيّةِ الذّرِعُ

نَسْمُو إذَا الْحَرْبُ نَالَتْنَا مَخَالِبُهَا ** إذَا الزّعَانُفُ مِنْ أَظْفَارهَا خَشَعُوا

لَا يَفْخَرُونَ إذَا نَالُوا عَدُوّهُمْ ** وَإِنْ أُصِيبُوا فَلَا خُورٌ وَلَا هُلُعُ

كَأَنّهُمْ فِي الْوَغَى وَالْمَوْتُ مُكْتَنِعٌ ** أُسْدٌ بِحِلْيَةِ فِي أَرْسَاغِهَا فَدَعُ

خُذْ مِنْهُمْ مَا أَتَى عَفْوًا إذَا غَضِبُوا ** وَلَا يَكُنْ هَمّكَ الْأَمْرَ الّذِي مَنَعُوا

فَإِنّ فِي حَرْبِهِمْ فَاتْرُكْ عَدَاوَتَهُمْ ** شَرّا يُخَاضُ عَلَيْهِ السّمّ وَالسّلَعُ

أَكْرِمْ بِقَوْمٍ رَسُولُ اللّهِ شِيعَتُهُمْ ** إذَا تَفَاوَتَتْ الْأَهْوَاءُ وَالشّيَعُ

أَهْدِي لَهُمْ مِدْحَتِي قَلْبٌ يُؤَازِرُهُ ** فِيمَا أُحِبّ لِسَانٌ حَائِكٌ صَنَعُ

فَإِنّهُمْ أَفْضَلُ الْأَحْيَاءِ كُلّهِمْ ** إنْ جَدّ بِالنّاسِ جِدّ الْقَوْلِ أَوْ شَمَعُوا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ:
يَرْضَى بِهَا كُلّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ ** تَقْوَى الْإِلَهِ وَبِالْأَمْرِ الّذِي شَرَعُوا

.[شِعْرٌ آخَرُ لِلزّبْرِقَانِ]:

وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ: أَنّ الزّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ لَمّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ قَامَ فَقَالَ:
أَتَيْنَاكَ كَيْمَا يَعْلَمَ النّاسُ فَضْلَنَا ** إذَا احْتَفَلُوا عِنْدَ احْتِضَارِ الْمَوَاسِمِ

بِأَنّا فُرُوعُ النّاسِ فِي كُلّ مَوْطِنٍ ** وَأَنْ لَيْسَ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ كَدَارِمِ

وَأَنّا نَذُودُ الْمُعْلِمِينَ إذَا انْتَخَوْا ** وَنَضْرِبُ رَأْسَ الْأَصْيَدِ الْمُتَفَاقِمِ

وَأَنّ لَنَا الْمِرْبَاعَ فِي كُلّ غَارَةٍ ** نُغِيرُ بِنَجْدٍ أَوْ بِأَرْضِ الْأَعَاجِمِ

.[شعر آخر لحسان في الرد على الزبرقان]:

فقام حسان بن ثابت فأجابه، فقال:
هَلْ الْمَجْدُ إلّا السّودَدُ الْعَوْدُ وَالنّدَى ** وِجَاهُ الْمُلُوكِ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ

نَصَرْنَا وَآوَيْنَا النّبِيّ مُحَمّدًا ** عَلَى أَنْفِ رَاضٍ مِنْ مَعَدّ وَرَاغِمِ

بِحَيّ حَرِيدٍ أَصْلُهُ وَثَرَاؤُهُ ** بِجَابِيَةِ الْجَوْلَانِ وَسْطَ الْأَعَاجِمِ

نَصَرْنَاهُ لَمّا حَلّ وَسْطَ دِيَارِنَا ** بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلّ بَاغٍ وَظَالِمِ

جَعَلْنَا بَنِينَا دُونَهُ وَبَنَاتَنَا ** وَطِبْنَا لَهُ نَفْسًا بِفَيْءِ الْمَغَانِمِ

وَنَحْنُ ضَرَبْنَا النّاسَ حَتّى تَتَابَعُوا ** عَلَى دِينهِ بِالْمُرْهَفَاتِ الصّوَارِمِ

وَنَحْنُ وَلَدْنَا مِنْ قُرَيْشٍ عَظِيمَهَا ** وَلَدْنَا نَبِيّ الْخَيْرِ مِنْ آلِ هَاشِمِ

بَنِي دَارِمٍ لَا تَفْخَرُوا إنّ فَخْرَكُمْ ** يَعُودُ وَبَالًا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَكَارِمِ

هَبِلْتُمْ عَلَيْنَا تَفْخَرُونَ وَأَنْتُمْ ** لَنَا خَوَلٌ مَا بَيْنَ ظِئْرٍ وَخَادِمِ؟

فَإِنْ كُنْتُمْ جِئْتُمْ لِحَقْنِ دِمَائِكُمْ ** وَأَمْوَالِكُمْ أَنْ تُقْسَمُوا فِي الْمَقَاسِمِ

فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ نِدّا وَأَسْلِمُوا ** وَلَا تَلْبَسُوا زِيّا كَزِيّ الْأَعَاجِمِ

.[إسْلَامُهُمْ وَتَجْوِيزُ الرّسُولِ إيّاهُمْ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا فَرَغَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَأَبِي، إنّ هَذَا الرّجُلَ لَمُؤَتّى لَهُ لَخَطِيبُهُ أَخْطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا، وَلَشَاعِرُهُ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا، وَلِأَصْوَاتِهِمْ أَحْلَى مِنْ أَصْوَاتِنَا. فَلَمّا فَرَغَ الْقَوْمُ أَسْلَمُوا، وَجَوّزَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَحْسَنَ جَوَائِزَهُمْ.

.[شِعْرُ ابْنِ الْأَهْتَمِ فِي هِجَاءِ قِيسٍ لِتَحْقِيرِهِ إيّاهُ]:

وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ قَدْ خَلّفَهُ الْقَوْمُ فِي ظَهْرِهِمْ وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ سِنّا، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَكَانَ يُبْغِضُ عَمْرَو بْنَ الْأَهْتَمِ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ قَدْ كَانَ رَجُلٌ مِنّا فِي رِحَالِنَا، وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثٌ وَأُزْرَى بِهِ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِثْلَ مَا أَعْطَى الْقَوْمَ فَقَالَ أَنّ قَيْسًا قَالَ ذَلِكَ يَهْجُوهُ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ حِينَ بَلَغَهُ:
ظَلِلْتُ مَفْتَرِشَ الْهَلْبَاءِ تَشْتُمُنِي ** عِنْدَ الرّسُولِ فَلَمْ تَصْدُقْ وَلَمْ تُصِبْ

سُدْنَاكُمْ سُوْدُدًا رَهْوًا وَسُوْدُدُكُمْ ** بَادٍ نَوَاجِذُهُ مُقْعٍ عَلَى الذّنَبِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَقِيَ بَيْتٌ وَاحِدٌ تَرَكْنَاهُ لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَفِيهِمْ نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ {إِنّ الّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}

.قِصّةُ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ وَأَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ فِي الْوِفَادَةِ عَنْ بَنِي عَامِرٍ:

وَقَدَمِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ بَنِي عَامِرٍ فِيهِمْ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ وَأَرْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَزْءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَجَبّارُ بْنُ سَلْمَى بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةُ رُؤَسَاءَ الْقَوْمِ وَشَيَاطِينَهُمْ.

.[تَدْبِيرُ عَامِرٍ لِلْغَدْرِ بِالرّسُولِ]:

فَقَدِمَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ عَدُوّ اللّهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يُرِيدُ الْغَدْرَ بِهِ وَقَدْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ يَا عَامِرُ إنّ النّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا فَأَسْلِمْ. قَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْتُ آلَيْتُ أَنْ لَا أَنْتَهِيَ حَتّى تَتْبَعَ الْعَرَبُ عَقِبِي، أَفَأَنَا أَتْبَعُ عَقِبَ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ ثُمّ قَالَ لِأَرْبَدَ إذَا قَدِمْنَا عَلَى الرّجُلِ فَإِنّي سَأَشْغَلُ عَنْك وَجْهَهُ فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَاعْلُهُ بِالسّيْفِ فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ: يَا مُحَمّدُ خَالِنِي، قَالَ لَا وَاَللّهِ حَتّى تُؤْمِنَ بِاَللّهِ وَحْدَهُ. قَالَ يَا مُحَمّدُ خَالِنِي. وَجَعَلَ يُكَلّمُهُ وَيَنْتَظِرُ مِنْ أَرْبَدَ مَا كَانَ أَمَرَهُ بِهِ فَجَعَلَ أَرْبَدُ لَا يُحِيرُ شَيْئًا؛ قَالَ فَلَمّا رَأَى عَامِرُ مَا يَصْنَعُ أَرْبَدُ قَالَ يَا مُحَمّدُ خَالِنِي قَالَ لَا، حَتّى تُؤْمِنَ بِاَللّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. فَلَمّا أَبَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَأَمْلَأَنّهَا عَلَيْك خَيْلًا وَرِجَالًا؛ فَلَمّا وَلّى قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ اكْفِنِي عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ. فَلَمّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ عَامِرٌ لِأَرْبَدَ وَيْلَك يَا أَرْبَدُ أَيْنَ مَا كُنْت أَمَرْتُك بِهِ؟ وَاَللّهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ رَجُلٌ هُوَ أَخْوَفَ عِنْدِي عَلَى نَفْسِي مِنْك. وَاَيْمُ اللّهِ لَا أَخَافُك بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا. قَالَ لَا أَبَا لَك لَا تَعْجَلْ عَلَيّ وَاَللّهِ مَا هَمَمْت بِاَلّذِي أَمَرْتنِي بِهِ مِنْ أَمْرِهِ إلّا دَخَلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ الرّجُلِ حَتّى مَا أَرَى غَيْرَك، أَفَأَضْرِبك بِالسّيْفِ؟

.[مَوْتُ عَامِرٍ بِدُعَاءِ الرّسُولِ عَلَيْهِ]:

وَخَرَجُوا رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ حَتّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطّرِيقِ بَعَثَ اللّهُ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ الطّاعُونَ فِي عُنُقِهِ فَقَتَلَهُ اللّهُ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولَ فَجَعَلَ بَنِي عَامِرٍ أَغُدّةٌ كَغُدّةِ الْبَكْرِ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ أَغُدّةٌ كَغُدّةِ الْإِبِلِ وَمَوْتًا فِي بَيْتِ سَلُولِيّةٍ.

.[مَوْتُ أَرْبَدَ بِصَاعِقَةِ وَمَا نَزَلَ فِيهِ وَفِي عَامِرٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ أَصْحَابُهُ حِينَ وَارَوْهُ حِينَ قَدِمُوا أَرْضَ بَنِي عَامِرٍ شَاتِينَ فَلَمّا قَدِمُوا أَتَاهُمْ قَوْمُهُمْ فَقَالُوا: مَا وَرَاءَك يَا أَرْبَدُ؟ قَالَ لَا شَيْءَ وَاَللّهِ لَقَدْ دَعَانَا إلَى عِبَادَةِ شَيْءٍ لَوَدِدْتُ أَنّهُ عِنْدِي الْآنَ فَأَرْمِيَهُ بِالنّبْلِ حَتّى أَقْتُلَهُ فَخَرَجَ بَعْدَ مَقَالَتِهِ بِيَوْمِ أَوْ يَوْمَيْنِ مَعَهُ جَمْلٌ لَهُ يَتْبَعُهُ فَأَرْسَلَ اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى جَمَلِهِ صَاعِقَةً فَأَحْرَقَتْهُمَا. وَكَانَ أَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ أَخَا لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ لِأُمّهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ وَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي عَامِرٍ وَأَرْبَدَ {اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} إلَى قَوْلِهِ وَمَا {لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} قَالَ الْمُعَقّبَاتُ هِيَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ يَحْفَظُونَ مُحَمّدًا. ثُمّ ذَكَرَ أَرْبَدَ وَمَا قَتَلَهُ اللّهُ بِهِ فَقَالَ {وَيُرْسِلُ الصّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} إلَى قَوْلِهِ {شَدِيدُ الْمِحَالِ}

.[شِعْرُ لَبِيَدٍ فِي بُكَاءِ أَرْبَدَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ لَبِيدٌ يَبْكِي أَرْبَدَ:
مَا إنْ تُعَدّي الْمَنُونُ مِنْ أَحَدٍ ** لَا وَالِدٍ مُشْفِقٍ وَلَا وَلَدِ

أَخْشَى عَلَى أَرْبَدَ الْحُتُوفَ وَلَا ** أَرْهَبُ نَوْءَ السّمَاكِ وَالْأَسَدِ

فَعَيْنٍ هَلّا بَكَيْت أَرْبَدَ إذْ ** قُمْنَا وَقَامَ النّسَاءُ فِي كَبَدِ

إنْ يَشْغَبُوا لَا يُبَالِ شَغْبَهُمْ ** أَوْ يَقْصِدُوا فِي الحكوم يَقْتَصِدْ

حُلْوٌ أَرِيَبٌ وَفِي حَلَاوَتِهِ ** مُرّ لَطِيفُ الْأَحْشَاءِ وَالْكَبِدِ

وَعَيْنِ هَلّا بَكَيْت أَرْبَدَ إذْ ** أَلْوَتْ رِيَاحُ الشّتَاءِ بِالْعَضَدِ

وَأَصْبَحَتْ لَاقِحًا مُصَرّمَةً ** حَتّى تَجَلّتْ غَوَابِرُ الْمُدَدِ

أَشْجَعُ مِنْ لَيْثِ غَابَةٍ لَحِمٍ ** ذُو نَهْمَةٍ فِي الْعُلَا وَمُنْتَقَدِ

لَا تَبْلُغُ الْعَيْنُ كُلّ نَهْمَتِهَا ** لَيْلَةَ تُمْسَى الْجِيَادُ كَالْقِدَدِ

الْبَاعِثُ النّوْحَ فِي مَآتِمِهِ ** مِثْلَ الظّبَاءِ الْأَبْكَارِ بِالْجَرَدِ

فَجَعَنِي الْبَرْقُ وَالصّوَاعِقُ ** بِالْفَارِسِ يَوْمَ الْكَرِيهَةِ النّجُدِ

وَالْحَارِبِ الْجَابِرِ الْحَرِيبِ إذَا ** جَاءَ نَكِيبًا وَإِنْ يَعُدْ يَعُدْ

يَعْفُو عَلَى الْجَهْدِ وَالسّؤَالِ كَمَا ** يُنْبِتُ غَيْثُ الرّبِيعِ ذُو الرّصَدِ

كُلّ بَنِي حُرّةٍ مَصِيرُهُمْ ** قُلّ وَإِنْ أَكْثَرَتْ مِنْ الْعَدَدِ

إنْ يُغْبَطُوا يَهْبِطُوا وَإِنْ أُمِرُوا ** يَوْمًا فَهُمْ لِلْهَلَاكِ وَالنّفَدِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَيْتُهُ:
وَالْحَارِبِ الْجَابِرِ الْحَرِيبِ

عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَبَيْتُهُ: يَعْفُو عَلَى الْجَهْدِ: عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا يَبْكِي أَرْبَدَ:
أَلَا ذَهَبَ الْمُحَافِظُ وَالْمُحَامِي ** وَمَانِعُ ضَيْمِهَا يَوْمَ الْخِصَامِ

وَأَيْقَنْتُ التّفَرّقَ يَوْمَ قَالُوا ** تُقُسّمَ مَالُ أَرْبَد بِالسّهَامِ

تُطِيرُ عَدَائِدَ الْأَشْرَاكِ شَفْعًا ** وَوِتْرًا وَالزّعَامَة لِلْغُلَامِ

فَوَدّعَ بِالسّلَامِ أَبَا حُرَيْزٍ ** وَقَلّ وَدَاعُ أَرْبَدَ بِالسّلَامِ

وَكُنْتَ إمَامَنَا وَلَنَا نِظَامًا ** وَكَانَ الْجَزْعُ يُحْفَظُ بِالنّظَامِ

وَأَرْبَدُ فَارِسُ الْهَيْجَا إذَا مَا ** تَقَعّرَتْ الْمَشَاجِرُ بِالْفِئَامِ

إذَا بَكَرَ النّسَاءُ مُرَدّفَاتٍ ** حَوَاسِرَ لَا يُجِئْنَ عَلَى الْخِدَامِ

فَوَاءَلَ يَوْمَ ذَلِكَ مَنْ أَتَاهُ ** كَمَا وَأَلَ الْمُحِلّ إلَى الْحَرَامِ

وَيَحْمَدُ قِدْرَ أَرْبَد مَنْ عَرَاهَا ** إذَا مَا ذُمّ أَرْبَابُ اللّحَامِ

وَجَارَتُهُ إذَا حَلّتْ لَدَيْهِ ** لَهَا نَفَلٌ وَحَظّ مِنْ سَنَامِ

فَإِنْ تَقْعُدْ فَمُكْرَمَةٌ حَصَانٌ ** وَإِنْ تَظْعَنْ فَمُحْسِنَةُ الْكَلَامِ

وَهَلْ حُدّثْتَ عَنْ أَخَوَيْنِ دَامَا ** عَلَى الْأَيّامِ إلّا ابْنَيْ شَمَامِ

وَإِلّا الْفَرْقَدَيْنِ وَآلَ نَعْشٍ ** خَوَالِدَ مَا تُحَدّثُ بِانْهِدَامِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا يَبْكِي أَرْبَدَ:
انْعَ الْكَرِيمَ لِلْكَرِيمِ أَرْبَدَا ** انْعَ الرّئِيسَ وَاللّطِيفَ كَبَدَا

يُحْذِي وَيُعْطِي مَالَهُ لِيُحْمَدَا ** أُدْمًا يُشَبّهْنَ صُوَارًا أَبَدَا

السّابِلَ الْفَضْلَ إذَا مَا عُدّدَا ** وَيَمْلَأُ الْجَفْنَةَ مَلْئًا مَدَدَا

رِفْهَا إذَا يَأْتِي ضَرِيكٌ وَرَدَا ** مِثْلُ الّذِي فِي الْغِيلِ يَقْرُو جُمُدَا

يَزْدَادُ قُرْبًا مِنْهُمْ أَنْ يُوعَدَا ** أَوْرَثْتَنَا تُرَاثَ غَيْرِ أَنْكَدَا

غِبّا وَمَالًا طَارِفًا وَوَلَدَا ** شَرْخًا صُقُورًا يَافِعًا وَأَمْرَدَا

وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا:
لَنْ تُفْنِيَا خَيْرَاتِ أَرْ ** بَدَ فَابْكِيَا حَتّى يَعُودَا

قُولَا هُوَ الْبَطَلُ الْمُحَا ** مِي حِينَ يَكْسُونَ الْحَدِيدَا

وَيَصُدّ عَنّا الظّالِمِي ** نَ إذَا لَقِينَا الْقَوْمَ صِيدَا

فَاعْتَاقَهُ رَبّ الْبَرِيّ ** ةِ إذْ رَأَى أَنْ لَا خُلُودًا

فَثَوَى وَلَمْ يُوجَعْ وَلَمْ ** يُوصَبْ وَكَانَ هُوَ الْفَقِيدَا

وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا:
يُذَكّرُنِي بِأَرْبَدَ كُلّ خَصْمٍ ** أَلَدّ تَخَالُ خُطّتَهُ ضِرَارَا

إذَا اقْتَصَدُوا فَمُقْتَصِدٌ كَرِيمٌ ** وَإِنْ جَارُوا سَوَاءُ الْحَقّ جَارَا

وَيَهْدِي الْقَوْمَ مُطّلِعًا إذَا مَا ** دَلِيلُ الْقَوْمِ بِالْمَوْمَاةِ حَارَا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: آخِرُهَا بَيْتًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا:
أَصْبَحْتُ أَمْشِي بَعْدَ سَلْمَى بْنِ مَالِكٍ ** وَبَعْدَ أَبِي قَيْسٍ وَعُرْوَةَ كَالْأَجَبْ

إذَا مَا رَأَى ظِلّ الْغُرَابِ أَضَجّهُ ** حِذَارًا عَلَى بَاقِي السّنَاسِنِ وَالْعَصَبْ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.

.[قُدُومُ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا عَنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ.

.[سُؤَالُهُ الرّسُولَ أَسْئِلَةً ثُمّ إسْلَامُهُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ عَنْ كُرَيْبٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ وَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمّ عَقَلَهُ ثُمّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ وَكَانَ ضِمَامٌ رَجُلًا جَلْدًا أَشْعَرَ ذَا غَدِيرَتَيْنِ فَأَقْبَلَ حَتّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيّكُمْ ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ؟ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. قَالَ أَمُحَمّدٌ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ يَا بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، إنّي سَائِلُك وَمُغَلّظٌ عَلَيْك فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَا تَجِدَنّ فِي نَفْسِك، قَالَ لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي، فَسَلْ عَمّا بَدَا لَك. قَالَ أَنْشُدُك اللّهَ إلَهَك وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَك، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَك، آللّهُ بَعَثَك إلَيْنَا رَسُولًا؟ قَالَ اللّهُمّ نَعَمْ قَالَ فَأَنْشُدُك اللّهَ إلَهَك وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَك، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَك، آللّهُ أَمَرَك أَنْ تَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَهُ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ نَخْلَعَ هَذِهِ الْأَنْدَادَ الّتِي كَانَ آبَاؤُنَا يَعْبُدُونَ مَعَهُ؟ قَالَ اللّهُمّ نَعَمْ قَالَ فَأَنْشُدُك اللّهَ إلَهَك وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَك، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَك، آللّهُ أَمَرَك أَنْ نُصَلّيَ هَذِهِ الصّلَوَاتِ الْخَمْسَ؟ قَالَ اللّهُمّ نَعَمْ قَالَ ثُمّ جَعَلَ يَذْكُرُ فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ فَرِيضَةً فَرِيضَةً. الزّكَاةَ وَالصّيَامَ وَالْحَجّ وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ كُلّهَا، يَنْشُدُهُ عِنْدَ كُلّ فَرِيضَةٍ مِنْهَا كَمَا يَنْشُدُهُ فِي الّتِي قَبْلَهَا، حَتّى إذَا فَرَغَ قَالَ فَإِنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ، وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولَ اللّهِ وَسَأُؤَدّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ وَأَجْتَنِبُ مَا نَهَيْتنِي عَنْهُ ثُمّ لَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ. ثُمّ انْصَرَفَ إلَى بَعِيرِهِ رَاجِعًا. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنْ صَدَقَ ذُو الْعَقِيصَتَيْنِ دَخَلَ الْجَنّةَ.

.[دَعْوَتُهُ قَوْمَهُ لِلْإِسْلَامِ]:

قَالَ فَأَتَى بَعِيرَهُ فَأَطْلَقَ عِقَالَهُ ثُمّ خَرَجَ حَتّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ فَكَانَ أَوّلُ مَا تَكَلّمَ بِهِ أَنْ قَالَ بِئْسَ اللّاتُ وَالْعُزّى قَالُوا: مَهْ يَا ضِمَامُ اتّقِ الْبَرَصَ اتّقِ الْجُذَامَ اتّقِ الْجُنُونَ قَالَ وَيْلَكُمْ إنّهُمَا وَاَللّهِ لَا يَضُرّانِ وَلَا يَنْفَعَانِ إنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا أَسْتَنْقِذُكُمْ بِهِ مِمّا كُنْتُمْ فِيهِ وَإِنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ قَالَ فَوَاَللّهِ مَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي حَاضِرِهِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إلّا مُسْلِمًا. قَالَ يَقُولُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ: فَمَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ.

.[قُدُومُ الْجَارُودِ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقِيسِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْجَارُودُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَنْشٍ أَخُو عَبْدِ الْقَيْسِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْجَارُودُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْمُعَلّى فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَكَانَ نَصْرَانِيّا.

.[ضَمَانُ الرّسُولِ دِينَهُ وَإِسْلَامُهُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ لَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَلّمَهُ فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْإِسْلَامَ وَدَعَاهُ إلَيْهِ وَرَغّبَهُ فِيهِ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ إنّي قَدْ كُنْت عَلَى دِينٍ وَإِنّي تَارِكٌ دِينِي لِدِينِك، أَفَتَضْمَنُ لِي دَيْنِي؟ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ أَنَا ضَامِنٌ أَنْ قَدْ هَدَاك اللّهُ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ. قَالَ فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمَ أَصْحَابُهُ ثُمّ سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحُمْلَانَ فَقَالَ وَاَللّهِ مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بِلَادِنَا ضَوَالّ مِنْ ضَوَالّ النّاسِ أَفَنَتَبَلّغُ عَلَيْهَا إلَى بِلَادِنَا؟ قَالَ لَا، إيّاكَ وَإِيّاهَا، فَإِنّمَا تِلْكَ حَرَقُ النّارِ.

.[مَوْقِفُهُ مِنْ قَوْمِهِ فِي الرّدّةِ]:

فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ الْجَارُودُ رَاجِعًا إلَى قَوْمِهِ وَكَانَ حَسَنَ الْإِسْلَامِ صُلْبًا عَلَى دِينِهِ حَتّى هَلَكَ وَقَدْ أَدْرَكَ الرّدّةَ فَلَمّا رَجَعَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ كَانَ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَى دِينِهِمْ الْأَوّلِ مَعَ الْغَرُورِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، قَامَ الْجَارُودُ فَتَكَلّمَ فَتَشَهّدَ وَدَعَا إلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأُكَفّرُ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: وَأَكْفِي مَنْ لَمْ يَشْهَدْ.