فصل: (رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ بَعْثِ الرّسُولِ رُسُلَهُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» (نسخة منقحة)



.بَعْثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَفَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ ذِي الْحَجّةِ وَالْمُحَرّمِ وَصَفَرَ وَضَرَبَ عَلَى النّاسِ بَعْثًا إلَى الشّامِ، وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَاهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُوطِئَ الْخَيْلَ تُخُومَ الْبَلْقَاءِ والداروم مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ، فَتَجَهّزَ النّاسُ وَأَوْعَبَ مَعَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوّلُونَ.

.خُرُوجُ رُسُلِ رَسُولِ اللّهِ إلَى الْمُلُوكِ:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ إلَى الْمُلُوكِ رُسُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَتَبَ مَعَهُمْ إلَيْهِمْ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيّ قَالَ بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَ عُمْرَتِهِ الّتِي صُدّ عَنْهَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَكَافّةً فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيّ كَمَا اخْتَلَفَ الْحَوَارِيّونَ عَلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ؛ فَقَالَ أَصْحَابُهُ وَكَيْفَ اخْتَلَفَ الْحَوَارِيّونَ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ دَعَاهُمْ إلَى الّذِي دَعَوْتُكُمْ إلَيْهِ فَأَمّا مِنْ بَعَثَهُ مَبْعَثًا قَرِيبًا فَرَضِيَ وَسَلِمَ وَأَمّا مَنْ بَعَثَهُ مَبْعَثًا بَعِيدًا فَكَرِهَ وَجْهُهُ وَتَثَاقَلَ فَشَكَا ذَلِكَ عِيسَى إلَى اللّهِ فَأَصْبَحَ الْمُتَثَاقِلُونَ وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَتَكَلّمُ بِلُغَةِ الْأُمّةِ الّتِي بُعِثَ إلَيْهَا.

.[أَسَمَاءُ الرّسُلِ وَمَنْ أُرْسِلُوا إلَيْهِمْ]:

فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رُسُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَتَبَ مَعَهُمْ كُتُبًا إلَى الْمُلُوكِ يَدْعُوهُمْ فِيهَا إلَى الْإِسْلَامِ. فَبَعَثَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ إلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرّومِ؛ وَبَعَثَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ حُذَافَةَ السّهْمِيّ إلَى كِسْرَى، مَلِكِ فَارِسَ؛ وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ إلَى النّجَاشِيّ، مَلِكِ الْحَبَشَةِ، وَبَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى الْمُقَوْقَسِ، مَلِكِ الإسكندرية؛ وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ السّهْمِيّ إلَى جَيْفَرٍ وَعَيّادٍ ابْنَيْ الْجُلُنْدَى الْأَزْدِيّيْنِ مَلِكَيْ عُمَانَ؛ وَبَعَثَ سَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو أَحَدَ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، إلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ وَهَوْذَةُ بْنُ عَلِيّ الْحَنَفِيّينَ مَلِكَيْ الْيَمَامَةِ؛ وَبَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيّ مَلِكَ الْبَحْرَيْنِ؛ وَبَعَثَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ الْأَسْدِيّ إلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسّانِيّ، مَلِكِ تُخُومِ الشّامِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَعَثَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ إلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ الْغَسّانِيّ وَبَعَثَ الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيّةَ الْمَخْزُومِيّ إلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ الْحِمْيَرِيّ، مَلِكِ الْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنَا نَسِيت سَلِيطًا وَثُمَامَةَ وَهَوْذَةَ وَالْمُنْذِرَ.

.[رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ بَعْثِ الرّسُولِ رُسُلَهُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيّ: أَنّهُ وَجَدَ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُ مَنْ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْبُلْدَانِ وَمُلُوكِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَمَا قَالَ لِأَصْحَابِهِ حِينَ بَعَثَهُمْ. قَالَ فَبَعَثْت بِهِ إلَى مُحَمّدِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ فَعَرَفَهُ وَفِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُمْ إنّ اللّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَكَافّةً فَأَدّوْا عَنّي يَرْحَمُكُمْ اللّهُ وَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيّ كَمَا اخْتَلَفَ الْحَوَارِيّونَ عَلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ؛ قَالُوا: وَكَيْفَ يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ؟ قَالَ دَعَاهُمْ لِمِثْلِ مَا دَعَوْتُكُمْ لَهُ فَأَمّا مَنْ قَرّبَ بِهِ فَأَحَبّ وَسَلّمَ وَأَمّا مَنْ بَعُدَ بِهِ فِكْرُهُ وَأَبَى، فَشَكَا ذَلِكَ عِيسَى مِنْهُمْ إلَى اللّهِ فَأَصْبَحُوا وَكُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَتَكَلّمُ بِلُغَةِ الْقَوْمِ الّذِينَ وُجّهَ إلَيْهِمْ.

.[أَسَمَاءُ رُسُلِ عِيسَى]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مَنْ بَعَثَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ الْحَوَارِيّينَ وَالْأَتْبَاعِ الّذِينَ كَانُوا بَعْدَهُمْ فِي الْأَرْضِ بُطْرُس الْحَوَارِيّ، وَمَعَهُ بُولُسُ وَكَانَ بُولُسُ مِنْ الْأَتْبَاعِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَوَارِيّينَ إلَى رُومِيّةَ وَأَنْدَرَائِسُ وَمَنْتَا إلَى الْأَرْضِ الّتِي يَأْكُلُ أَهْلُهَا النّاسَ وَتُومَاسُ إلَى أَرْضِ بَابِلَ، مِنْ أَرْضِ الْمَشْرِقِ وَفِيلِبس إلَى أَرْضِ قَرْطَاجَنّةَ، وَهِيَ إفْرِيقِيّةُ وَيُحَنّسُ إلَى أَفْسُوسَ، قَرْيَةُ الْفِتْيَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ؛ وَيَعْقُوبُسُ إلَى أَوْرْاشَلِمَ وَهِيَ إيلِيَاءُ، قَرْيَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَابْنُ ثَلْمَاءَ إلَى الْأَعْرَابِيّةِ وَهِيَ أَرْضُ الْحِجَازِ، وَسِيمُن إلَى أَرْضِ الْبَرْبَرِ؛ وَيَهُوذَا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَوَارِيّينَ جُعِلَ مَكَانَ يُودِسَ.

.ذِكْرُ جُمْلَةِ الْغَزَوَاتِ:

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ وَكَانَ جَمِيعُ مَا غَزَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَفْسِهِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً. مِنْهَا غَزْوَةُ وَدّانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ، ثُمّ غَزْوَةُ بُوَاط، مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى، ثُمّ غَزْوَةُ الْعَشِيرَةِ، مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ، ثُمّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى، يَطْلُبُ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ، ثُمّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى، الّتِي قَتَلَ اللّهُ فِيهَا صَنَادِيدَ قُرَيْشٍ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْمٍ، حَتّى بَلَغَ الْكُدْرَ، ثُمّ غَزْوَةُ السّوِيقِ، يَطْلُبُ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ ثُمّ غَزْوَةُ غَطَفَانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمِر َ، ثُمّ غَزْوَةُ بَحْرَانَ مَعْدِنٌ بِالْحِجَازِ ثُمّ غَزْوَةُ أُحُدٍ، ثُمّ غَزْوَةُ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي النّضِيرِ، ثُمّ غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ، ثُمّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ، ثُمّ غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، ثُمّ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ، مِنْ هُذَيْلٍ، ثُمّ غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، ثُمّ غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ، فَصَدّهُ الْمُشْرِكُونَ ثُمّ غَزْوَةُ خَيْبَرَ، ثُمّ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ ثُمّ غَزْوَةُ الْفَتْحِ، ثُمّ غَزْوَةُ حُنَيْنٍ، ثُمّ غَزْوَةُ الطّائِفِ، ثُمّ غَزْوَةُ تَبُوكَ. قَاتَلَ مِنْهَا فِي تِسْعِ غَزَوَاتٍ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ، وَقُرَيْظَةَ وَالْمُصْطَلِقِ وَخَيْبَرَ، وَالْفَتْحِ وَحُنَيْنٍ، وَالطّائِفِ.

.ذِكْرُ جُمْلَةِ السّرَايَا وَالْبُعُوثِ:

وَكَانَتْ بُعُوثُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَرَايَاهُ ثَمَانِيّا وَثَلَاثِينَ، مِنْ بَيْنَ بَعْثٍ وَسَرِيّةٍ غَزْوَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَسْفَلَ مِنْ ثَنِيّةِ ذِي الْمَرْوَةِ، ثُمّ غَزْوَةُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِب ِ سَاحِلَ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ؛ وَبَعْضُ النّاسِ يُقَدّمُ غَزْوَةَ حَمْزَةَ قَبْلَ غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ وَغَزْوَةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ الْخَرّارَ، وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ نَخْلَةَ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْقَرَدَةَ وَغَزْوَةُ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ وَغَزْوَةُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ الرّجِيعَ، وَغَزْوَةُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو بِئْرَ مَعُونَةَ، وَغَزْوَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ ذَا الْقَصّةِ مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ، وَغَزْوَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ تُرْبَةَ مِنْ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ، وَغَزْوَةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْيَمَنَ، وَغَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْكَلْبِيّ، كَلْبِ لَيْثٍ الْكَدِيدَ، فَأَصَابَ بَنِي الْمُلَوّحِ.

.خَبَرُ غَزْوَةِ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ اللّيْثِيّ بَنِي الْمُلَوّحِ:

وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا أَنّ يَعْقُوبَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، حَدّثَنِي عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ خُبَيْبٍ الْجُهَنِيّ عَنْ الْمُنْذِرِ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ مَكِيثٍ الْجُهَنِيّ، قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَالِبَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ الْكَلْبِيّ، كَلْبَ بْنِ عَوْفِ بْنِ لَيْثٍ فِي سَرِيّةٍ كُنْت فِيهَا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشُنّ الْغَارَةَ عَلَى بَنِي الْمُلَوّحِ، وَهُمْ بِالْكَدِيدِ فَخَرَجْنَا، حَتّى إذَا كُنّا بِقُدَيَدٍ لَقِيَنَا الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ ابْنُ الْبَرْصَاءِ اللّيْثِيّ فَأَخَذْنَاهُ فَقَالَ إنّي جِئْت أُرِيدُ الْإِسْلَامَ مَا خَرَجْت إلّا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْنَا لَهُ إنْ تَكُ مُسْلِمًا فَلَنْ يَضِيرُك رِبَاطُ لَيْلَةٍ وَإِنْ تَكُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كُنّا قَدْ اسْتَوْثَقْنَا مِنْك، فَشَدَدْنَاهُ رِبَاطًا، ثُمّ خَلّفْنَا عَلَيْهِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِنَا أَسْوَدَ وَقُلْنَا لَهُ إنْ عَازّك فَاحْتَزّ رَأْسَهُ.

.[بَلَاءُ ابْنِ مَكِيثٍ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ]:

قَالَ ثُمّ سِرْنَا حَتّى أَتَيْنَا الْكَدِيدَ عِنْدَ غُرُوبِ الشّمْسِ فَكُنّا فِي نَاحِيَةِ الْوَادِي، وَبَعَثَنِي أَصْحَابِي رَبِيئَةً لَهُمْ فَخَرَجْت حَتّى آتِيَ تَلّا مُشْرَفًا عَلَى الْحَاضِرِ فَأَسْنَدْت فِيهِ فَعَلَوْتُ عَلَى رَأْسِهِ فَنَظَرْت إلَى الْحَاضِرِ فَوَاَللّهِ إنّي لَمُنْبَطِحٌ عَلَى التّلّ إذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ خِبَائِهِ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ إنّي لَأَرَى عَلَى التّلّ سَوَادًا مَا رَأَيْته فِي أَوّلِ يَوْمِي، فَانْظُرِي إلَى أَوْعِيَتِك هَلْ تَفْقِدِينَ مِنْهَا شَيْئًا، لَا تَكُونُ الْكِلَابُ جَرّتْ بَعْضَهَا؛ قَالَ فَنَظَرَتْ فَقَالَتْ لَا، وَاَللّهِ مَا أَفْقِدُ شَيْئًا؛ قَالَ فَنَاوِلِينِي قَوْسِي وَسَهْمَيْنِ فَنَاوَلَتْهُ قَالَ فَأَرْسَلَ سَهْمًا، فَوَاَللّهِ مَا أَخَطَأ جَنْبِي، فَأَنْزِعُهُ فَأَضَعُهُ وَثَبّتّ مَكَانِي، قَالَ ثُمّ أَرْسَلَ الْآخَرَ فَوَضَعَهُ فِي مَنْكِبِي، فَأَنْزِعُهُ فَأَضَعُهُ وَثَبّتّ مَكَانِي، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ لَوْ كَانَ رَبِيئَةً لِقَوْمِ لَقَدْ تَحَرّكَ لَقَدْ خَالَطَهُ سَهْمَايَ لَا أَبَا لَك، إذَا أَصْبَحْتِ فَابْتَغِيهِمَا، فَخُذِيهِمَا، لَا يَمْضُغُهُمَا عَلَيّ الْكِلَابُ. قَالَ ثُمّ دَخَلَ. قَالَ وَأَمْهَلْنَاهُمْ حَتّى إذَا اطْمَأَنّوا وَنَامُوا، وَكَانَ فِي وَجْهِ السّحَرِ شَنَنّا قَالَ فَقَتَلْنَا، وَاسْتَقْنَا النّعَمَ وَخَرَجَ صَرِيخُ الْقَوْمِ فَجَاءَنَا دَهْمٌ لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ وَمَضَيْنَا بِالنّعَمِ وَمَرَرْنَا بِابْنِ الْبَرْصَاءِ وَصَاحِبِهِ فاحتملناهما مَعَنَا؛ قَالَ وَأَدْرَكْنَا الْقَوْمَ حَتّى قَرِبُوا مِنّا، قَالَ فَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ إلّا وَادِي قُدَيْدٍ، فَأَرْسَلَ اللّهُ الْوَادِيَ بِالسّيْلِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، مِنْ غَيْرِ سَحَابَةٍ نَرَاهَا، وَلَا مَطَرٍ فَجَاءَ بِشَيْءِ لَيْسَ لِأَحَدِ بِهِ قُوّةٌ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُجَاوِزَهُ فَوَقَفُوا يَنْظُرُونَ إلَيْنَا، وَإِنّا لَنَسُوقُ نَعَمَهُمْ مَا يَسْتَطِيعُ مِنْهُمْ رَجُلٌ أَنْ يُجِيزَ إلَيْنَا، وَنَحْنُ نَحْدُوهَا سِرَاعًا، حَتّى فُتْنَاهُمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى طَلَبِنَا قَالَ فَقَدِمْنَا بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنّ شِعَارَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ تِلْكَ اللّيْلَةَ أَمِتْ أَمِتْ. فَقَالَ رَاجِزٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَحْدُوهَا.
أَبَى أَبُو الْقَاسِمِ أَنْ تَعَزّبِي ** فِي خَضِلٍ نَبَاتُهُ مُغْلَوْلِبِ

صُفْرٍ أَعَالِيهِ كَلَوْنِ الْمُدْهَبِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: كَلَوْنِ الذّهَبِ. تَمّ خَبَرُ الْغُزَاةِ وَعُدْت إلَى ذِكْرِ تَفْصِيلِ السّرَايَا وَالْبُعُوثِ.

.[تَعْرِيفٌ بِعِدّةِ غَزَوَاتٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهِ عَنْهُ بَنِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَعْدٍ فَدَكَ؛ وَغَزْوَةُ أَبِي الْعَوْجَاءِ السّلَمِيّ أَرْضَ بَنِي سُلَيْمٍ، أُصِيبَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا؛ وَغَزْوَةُ عُكَاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْغَمْرَةَ؛ وَغَزْوَةُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ قَطَنًا، مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِي أَسَدٍ، مِنْ نَاحِيَةِ نَجْدٍ، قُتِلَ بِهَا مَسْعُودُ بْنُ عُرْوَةَ؛ وَغَزْوَةُ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَخِي بَنِي حَارِثَةَ الْقُرَطَاءَ مِنْ هَوَازِنَ؛ وَغَزْوَةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ بَنِي مُرّةَ بِفَدَكَ وَغَزْوَةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ نَاحِيَةَ خَيْبَرَ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْجَمُومَ مِنْ أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ جُذَامَ، مِنْ أَرْضِ خُشَيْنٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَنْ نَفْسِهِ وَالشّافِعِيّ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ: مِنْ أَرْضِ حِسْمَى.

.غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى جُذَامَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا كَمَا حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ جُذَامَ كَانُوا عُلَمَاءَ بِهَا، أَنّ رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ، لَمّا قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِكِتَابِهِ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَاسْتَجَابُوا لَهُ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ قَدِمَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ صَاحِبِ الرّومِ، حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِ وَمَعَهُ تِجَارَةٌ لَهُ حَتّى إذَا كَانُوا بِوَادٍ مِنْ أَوْدِيَتِهِمْ يُقَالُ لَهُ شَنَار، أَغَارَ عَلَى دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْهُنَيْدُ بْنُ عُوصٍ وَابْنُهُ عُوصُ بْنُ الْهُنَيْدِ الضّلَعِيّانِ. وَالضّلَيْعُ: بَطْنٌ مِنْ جُذَامَ، فَأَصَابَا كُلّ شَيْءٍ كَانَ مَعَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ قَوْمًا مِنْ الضّبَيْبِ رَهْطُ رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ مِمّنْ كَانَ أَسْلَمَ وَأَجَابَ فَنَفَرُوا إلَى الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ فِيهِمْ مِنْ بَنِي الضّبَيْبِ النّعْمَانُ بْنُ أَبِي جِعَالٍ، حَتّى لَقُوهُمْ فَاقْتَتَلُوا، وَانْتَمَى يَوْمئِذٍ قُرّةُ بْنُ أَشْقَرَ الضّفَاوِيّ ثُمّ الضّلَعِيّ فَقَالَ أَنَا ابْنُ لُبْنَى، وَرَمَى النّعْمَانَ بْنَ أَبِي جِعَالٍ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ رُكْبَتِهِ فَقَالَ حِينَ أَصَابَهُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ لُبْنَى، وَكَانَتْ لَهُ أُمّ تُدْعَى لُبْنَى، وَقَدْ كَانَ حَسّانُ بْنُ مِلّة الضّبَيْبِيّ قَدْ صَحِبَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ فَعَلّمَهُ أُمّ الْكِتَابِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ قُرّةُ بْنُ أَشْقَرَ الضّفَارِيّ وَحَيّانُ بْنُ مِلّة. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ جُذَامَ، قَالَ فَاسْتَنْقَذُوا مَا كَانَ فِي يَدِ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ فَرَدّوهُ عَلَى دِحْيَةَ فَخَرَجَ دِحْيَةُ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ وَاسْتَسْقَاهُ دَمَ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَذَلِكَ الّذِي هَاجَ غَزْوَةَ زَيْدٍ جُذَامَ، وَبَعَثَ مَعَهُ جَيْشًا، وَقَدْ وَجّهَتْ غَطَفَانُ مِنْ جُذَامَ وَوَائِلٌ وَمَنْ كَانَ مِنْ سَلَامَانَ وَسَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ حِين جَاءَهُمْ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِكِتَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلُوا الْحَرّةَ؛ حَرّةَ الرّجْلَاءِ، وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِكُرَاعِ رِبَةَ لَمْ يَعْلَمْ وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي الضّبَيْبِ وَسَائِرُ بَنِي الضّبَيْبِ بِوَادِي مَدَانٍ مِنْ نَاحِيَةِ الْحَرّةِ، مِمّا يَسِيلُ مُشَرّقًا، وَأَقْبَلَ جَيْشُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مِنْ نَاحِيَةِ الْأَوْلَاجِ، فَأَغَارَ بِالْمَاقِصِ مِنْ قِبَلِ الْحَرّةِ، فَجَمَعُوا مَا وَجَدُوا مِنْ مَالٍ أَوْ نَاسٍ وَقَتَلُوا الْهُنَيْدَ وَابْنَهُ وَرَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي الْأَجْنَفِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِنْ بَنِي الْأَحْنَفِ.

.[شَأْنُ حَسّانَ وَأُنَيْفٍ ابْنِي مِلّة]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ وَرَجُلًا مِنْ بَنِي الْخَصِيبِ. فَلَمّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ بَنُو الضّبَيْبِ وَالْجَيْشُ بِفَيْفَاءِ مَدَانٍ رَكِبَ نَفَرٌ مِنْهُمْ وَكَانَ فِيمَنْ رَكِبَ مَعَهُمْ حَسّانُ بْنُ مِلّة، عَلَى فَرَسٍ لِسُوَيْدِ بْنِ زَيْدٍ يُقَالُ لَهَا الْعَجَاجَةُ وَأُنَيْفُ بْنُ مِلّة عَلَى فَرَسٍ لِمَلّةَ يُقَالُ لَهَا: رِغَالٌ وَأَبُو زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى فَرَسٍ يُقَال لَهَا شَمِرٌ، فَانْطَلَقُوا حَتّى إذَا دَنَوْا مِنْ الْجَيْشِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ وَحَسّانُ لِأُنَيْفِ بْنِ مِلّة: كُفّ عَنّا وَانْصَرِفْ فَإِنّا نَخْشَى لِسَانَك، فَوَقَفَ عَنْهُمَا، فَلَمْ يَبْعُدَا مِنْهُ حَتّى جَعَلَتْ فَرَسُهُ تَبْحَثُ بِيَدَيْهَا وَتَوَثّبَ فَقَالَ لَأَنَا أَضَنّ بِالرّجُلَيْنِ مِنْك بِالْفَرَسَيْنِ فَأَرْخَى لَهَا، حَتّى أَدْرَكَهُمَا، فَقَالَا لَهُ أَمّا إذَا فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ فَكُفّ عَنّا لِسَانَك، وَلَا تَشْأَمْنَا الْيَوْمَ فَتَوَاصَوْا أَنْ لَا يَتَكَلّمَ مِنْهُمْ إلّا حَسّانُ بْنُ مِلّة، وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ كَلِمَةٌ فِي الْجَاهِلِيّةِ قَدْ عَرَفَهَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ قَالَ بُورَى أَوْ ثُورَى؛ فَلَمّا بَرَزُوا عَلَى الْجَيْشِ أَقْبَلَ الْقَوْم يَبْتَدِرُونَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ حَسّانُ إنّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ وَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ أَدْهَمَ فَأَقْبَلَ يَسُوقُهُمْ فَقَالَ أُنَيْفٌ بُورَى، فَقَالَ حَسّانُ مَهْلًا؛ فَلَمّا وَقَفُوا عَلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ حَسّانُ إنّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ فَاقْرَءُوا أُمّ الْكِتَابِ فَقَرَأَهَا حَسّانُ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ: نَادُوا فِي الْجَيْشِ أَنّ اللّهَ قَدْ حَرّمَ عَلَيْنَا ثُغْرَةَ الْقَوْمِ الّتِي جَاءُوا مِنْهَا إلّا مَنْ خَتَرَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِذَا أُخْتُ حَسّانَ بْنِ مِلّةَ، وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي وَبْرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ الضّبَيْبِ فِي الْأُسَارَى، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ خُذْهَا، وَأَخَذَتْ بِحَقْوَيْهِ فَقَالَتْ أُمّ الْفِزْرِ الضّلَعِيّة: أَتَنْطَلِقُونَ بِبَنَاتِكُمْ وَتَذَرُونَ أُمّهَاتِكُمْ؟ فَقَالَ أَحَدُ بَنِي الْخَصِيبِ إنّهَا بَنُو الضّبَيْبِ وَسِحْرُ أَلْسِنَتِهِمْ سَائِرَ الْيَوْمِ فَسَمِعَهَا بَعْضُ الْجَيْشِ فَأَخْبَرَ بِهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَأَمَرَ بِأُخْتِ حَسّانَ فَفُكّتْ يَدَاهَا مِنْ حِقْوَيْهِ وَقَالَ لَهَا: اجْلِسِي مَعَ بَنَاتِ عَمّك حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ فِيكُنّ حُكْمَهُ فَرَجَعُوا، وَنَهَى الْجَيْشَ أَنْ يَهْبِطُوا إلَى وَادِيهِمْ الّذِي جَاءُوا مِنْهُ فَأَمْسَوْا فِي أَهْلِيهِمْ وَاسْتَعْتَمُوا ذَوْدًا لِسُوَيْدِ بْنِ زَيْدٍ فَلَمّا شَرِبُوا عَتَمَتَهُمْ رَكِبُوا إلَى رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ وَكَانَ مِمّنْ رَكِبَ إلَى رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ تِلْكَ اللّيْلَةَ أَبُو زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، وَأَبُو شِمَاسِ بْنِ عَمْرٍو، وَسُوَيْد بْنُ زَيْدٍ، وَبَعْجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبَرْذَع بْنُ زَيْدٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ زَيْدٍ وَمُخَرّبَةُ بْنُ عَدِيّ وَأُنَيْفُ بْنُ مِلّةَ، وَحَسّانُ، حَتّى صَبّحُوا رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ بِكُرَاعِ رِبَةَ بِظَهْرِ الْحَرّةِ، عَلَى بِئْرٍ هُنَالِكَ مِنْ حَرّةِ لَيْلَى، فَقَالَ لَهُ حَسّانُ بْنُ مِلّةَ: إنّك لَجَالِسٌ تَحْلُب الْمِعْزَى وَنِسَاءُ جُذَامَ أُسَارَى قَدْ غَرّهَا كِتَابُك الّذِي جِئْت بِهِ فَدَعَا رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِجَمَلِ لَهُ فَجَعَلَ يَشُدّ عَلَيْهِ رَحْلَهُ وَهُوَ يَقُولُ هَلْ أَنْتَ حَيّ أَوْ تُنَادِي حَيّا.
ثُمّ غَدَا وَهُمْ مَعَهُ بِأُمَيّةِ بْنِ ضَفَارَةَ أَخِي الْخَصِيبِيّ الْمَقْتُولِ مُبَكّرِينَ مِنْ ظَهْرِ الْحَرّةِ، فَسَارُوا إلَى جَوْفِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَلَمّا دَخَلُوا الْمَدِينَةَ، وَانْتَهَوْا إلَى الْمَسْجِدِ نَظَرَ إلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ النّاسِ فَقَالَ لَا تُنِيخُوا إبِلَكُمْ فَتُقَطّعَ أَيْدِيَهُنّ، فَنَزَلُوا عَنْهُنّ وَهُنّ قِيَامٌ فَلَمّا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَآهُمْ أَلَاحَ إلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنْ تُعَالُوا مِنْ وَرَاءِ النّاسِ فَلَمّا اسْتَفْتَحَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْمَنْطِقَ قَامَ رَجُلٌ مِنْ النّاسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ سَحَرَةٌ فَرَدّدَهَا مَرّتَيْنِ فَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ رَحِمَ اللّهُ مَنْ لَمْ يَحْذُنَا فِي يَوْمِهِ هَذَا إلّا خَيْرًا. ثُمّ دَفَعَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ كِتَابَهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي كَانَ كَتَبَهُ لَهُ. فَقَالَ دُونَك يَا رَسُولَ اللّهِ قَدِيمًا كِتَابُهُ حَدِيثًا غَدْرُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اقْرَأْهُ يَا غُلَامُ وَأَعْلِنْ؛ فَلَمّا قَرَأَ كِتَابَهُ اسْتَخْبَرَهُ فَأَخْبَرُوهُمْ الْخَبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْقَتْلَى؟ ثَلَاثَ مَرّاتٍ. فَقَالَ رِفَاعَةُ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَعْلَمُ لَا نُحَرّمُ عَلَيْك حَلَالًا، وَلَا نُحَلّلُ لَك حَرَامًا، فَقَالَ أَبُو زَيْدِ بْنُ عَمْرٍو: أَطْلِقْ لَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ كَانَ حَيّا، وَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمِي هَذِهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَدَقَ أَبُو زَيْدٍ، ارْكَبْ مَعَهُمْ يَا عَلِيّ. فَقَالَ لَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إنّ زَيْدًا لَنْ يُطِيعَنِي يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ فَخُذْ سَيْفِي هَذَا، فَأَعْطَاهُ سَيْفَهُ فَقَالَ عَلِيّ: لَيْسَ لِي يَا رَسُولَ اللّهِ رَاحِلَةٌ أَرْكَبُهَا، فَحَمَلُوهُ عَلَى بَعِيرٍ لِثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرٍو، يُقَالُ لَهُ مِكْحَالٌ فَخَرَجُوا، فَإِذَا رَسُولٌ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةٍ أَبِي وَبْرٍ يُقَالُ لَهَا: الشّمْر، فَأَنْزَلُوهُ عَنْهَا. فَقَالَ يَا عَلِيّ مَا شَأْنِي؟ فَقَالَ مَا لَهُمْ عَرَفُوهُ فَأَخَذُوهُ ثُمّ سَارُوا فَلَقَوْا الْجَيْشَ بِفَيْفَاءِ الْفَحْلَتَيْنِ فَأَخَذُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ حَتّى كَانُوا يَنْزِعُونَ لَبِيدَ الْمَرْأَةِ مِنْ تَحْتِ الرّحْلِ فَقَالَ أَبُو جِعَالٍ حِينَ فَرَغُوا مِنْ شَأْنِهِمْ:
وَعَاذِلَةٍ وَلَمْ تَعْذُلْ بِطِبّ ** وَلَوْلَا نَحْنُ حُشّ بِهَا السّعِيرَ

تُدَافِعُ فِي الْأُسَارَى بِابْنَتَيْهَا ** وَلَا يُرْجَى لَهَا عِتْقٌ يَسِيرُ

وَلَوْ وُكِلَتْ إلَى عُوصٍ وَأَوْسٍ ** لَحَارَ بِهَا عَنْ الْعِتْقِ الْأُمُورُ

وَلَوْ شَهِدَتْ رَكَائِبَنَا بِمِصْرٍ ** تُحَاذِرُ أَنْ يُعَلّ بِهَا الْمَسِيرُ

وَرَدْنَا مَاءَ يَثْرِبَ عَنْ حِفَاظٍ ** لِرَبْعٍ إنّهُ قَرَبَ ضَرِيرُ

بِكُلّ مُجَرّبٍ كَالسّيدِ نَهْدٍ ** عَلَى أَقْتَادِ نَاجِيَةٍ صَبُورُ

فِدًى لِأَبِي سُلَيْمَى كُلّ جَيْشٍ ** بِيَثْرِبَ إذْ تَنَاطَحَتْ النّحُورُ

غَدَاةَ تَرَى الْمُجَرّبَ مُسْتَكِينًا ** خِلَافَ الْقَوْمِ هَامَتُهُ تَدُورُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قوله: وَلَا يُرْجَى لَهَا عِتْقٌ يَسِيرُ: وَقوله: عَنْ الْعِتْقِ الْأُمُورُ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. تَمّتْ الْغَزَاةُ وَعُدْنَا إلَى تَفْصِيلِ ذِكْرِ السّرَايَا وَالْبُعُوثِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا الطّرَفَ مِنْ نَاحِيَةِ نَخْلٍ. مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ.

.غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بَنِي فَزَارَةَ وَمُصَابُ أُمّ قِرْفَةَ:

زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا وَادِيَ الْقُرَى، لَقِيَ بِهِ بَنِي فَزَارَةَ فَأُصِيبَ بِهَا نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَارْتُثّ زَيْدٌ مِنْ بَيْنَ الْقَتْلَى، وَفِيهَا أُصِيبَ وَرْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مَدَاشٍ وَكَانَ أَحَدَ بَنِي سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ، أَصَابَهُ أَحَدُ بَنِي بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ آلَى أَنْ لَا يَمَسّ رَأْسَهُ غُسْلٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتّى يَغْزُوَ بَنِي فَزَارَةَ، فَلَمّا اسْتَبَلّ مِنْ جِرَاحَتِهِ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَنِي فَزَارَة َ فِي جَيْشٍ فَقَتَلَهُمْ بِوَادِي الْقُرَى، وَأَصَابَ فِيهِمْ وَقَتَلَ قَيْسَ بْنَ الْمُسَحّرِ الْيَعْمُرِيّ مَسْعَدَةَ بْنَ حَكَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأُسِرَتْ أُمّ قِرْفَةَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ بَدْرٍ كَانَتْ عَجُوزًا كَبِيرَةٌ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَبِنْتٌ لَهَا، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعَدَةَ، فَأَمَرَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ قَيْسَ بْنَ الْمُسَحّرِ أَنْ يَقْتُلَ أُمّ قِرْفَةَ فَقَتَلَهَا قَتْلًا عَنِيفًا؛ ثُمّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِابْنَةِ أُمّ قِرْفَةَ وَبِابْنِ مَسْعَدَةَ.

.[شَأْنُ أُمّ قِرْفَةَ]:

وَكَانَتْ بِنْتُ أُمّ قِرْفَةَ لِسَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ كَانَ هُوَ الّذِي أَصَابَهَا، وَكَانَتْ فِي بَيْتِ شَرَفٍ مِنْ قَوْمِهَا؛ كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ لَوْ كُنْتَ أَعَزّ مِنْ أُمّ قِرْفَةَ مَا زِدْت. فَسَأَلَهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَلَمَةُ فَوَهَبَهَا لَهُ فَأَهْدَاهَا لِخَالِهِ حَزْنَ بْنَ أَبِي وَهْبٍ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ حَزْنٍ.

.[شِعْرُ ابْن الْمُسَحّرِ فِي قَتْلِ مَسْعَدَةَ]:

فَقَالَ قَيْسُ بْنُ الْمُسَحّرِ فِي قَتْلِ مَسْعَدَةَ:
سَعَيْتُ بِوَرْدٍ مِثْلَ سَعْيِ ابْنِ أُمّهِ ** وَإِنّي بِوَرْدٍ فِي الْحَيَاةِ لَثَائِرُ

كَرَرْتُ عَلَيْهِ الْمُهْرَ لَمّا رَأَيْتُهُ ** عَلَى بَطَلٍ مِنْ آلِ بَدْرٍ مُغَاوِرِ

فَرَكّبْتُ فِيهِ قَعْضَبِيّا كَأَنّهُ ** شِهَابٌ بِمَعْرَاةَ يُذَكّى لِنَاظِرِ

.غَزْوَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ لِقَتْلِ الْيَسِيرِ بْنِ رِزَامٍ:

وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ خَيْبَرَ مَرّتَيْنِ إحْدَاهُمَا الّتِي أَصَابَ فِيهَا الْيَسِيرَ بْنَ رِزَامٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ ابْنُ رَازِمٍ.

.[مَقْتَلُ الْيَسِيرِ]:

وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ الْيَسِيرِ بْنِ رِزَامٍ أَنّهُ كَانَ بِخَيْبَرِ يَجْمَعُ غَطَفَانَ لِغَزْوِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، حَلِيفُ بَنِي سَلِمَةَ فَلَمّا قَدِمُوا عَلَيْهِ كَلّمُوهُ وَقَرّبُوا لَهُ وَقَالُوا لَهُ إنّك إنْ قَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَعْمَلَك وَأَكْرَمَك، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتّى خَرَجَ مَعَهُمْ فِي نَفَرٍ مِنْ يَهُودَ فَحَمَلَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَلَى بَعِيرِهِ حَتّى إذَا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ مِنْ خَيْبَرَ، عَلَى سِتّةِ أَمْيَالٍ نَدِمَ الْيَسِيرُ بْنُ رِزَامٍ عَلَى مَسِيرِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَفَطَنَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَهُوَ يُرِيدُ السّيْفَ فَاقْتَحَمَ بِهِ ثُمّ ضَرَبَهُ بِالسّيْفِ فَقَطَعَ رِجْلَهُ وَضَرَبَهُ الْيَسِيرُ بِمِخْرَشٍ فِي يَدِهِ مِنْ شَوْحَطٍ فَأَمّهُ وَمَالَ كُلّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ يَهُودَ فَقَتَلَهُ إلّا رَجُلًا وَاحِدًا أَفْلَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ فَلَمّا قَدِمَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَفَلَ عَلَى شَجّتِهِ فَلَمْ تَقِحْ وَلَمْ تُؤْذِهِ.

.[غَزْوَةُ ابْنِ عَتِيكٍ خَيْبَرَ]:

وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَتِيكٍ خَيْبَرَ، فَأَصَابَ بِهَا أَبَا رَافِعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ.

.غَزْوَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ لِقَتْلِ خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيّ:

وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ خَالِدَ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِ وَهُوَ بِنَخْلَةَ أَوْ بِعُرَنَةَ يَجْمَعُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ لِيَغْزُوهُ فَقَتَلَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنّ ابْنَ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيّ يَجْمَعُ لِي النّاسَ لِيَغْزُونِي، وَهُوَ بِنَخْلَةَ أَوْ بِعُرَنَةَ فَأْتِهِ فَاقْتُلْهُ. قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ انْعَتْهُ لِي حَتّى أَعْرِفَهُ. قَالَ إنّك إذَا رَأَيْته أَذْكَرَك الشّيْطَانَ وَآيَةُ مَا بَيْنَك وَبَيْنَهُ أَنّك إذَا رَأَيْته وَجَدْت لَهُ قُشَعْرِيرَةً. قَالَ فَخَرَجْت مُتَوَشّحًا سَيْفِي، حَتّى دُفِعْت إلَيْهِ وَهُوَ فِي ظُعُنٍ يَرْتَادُ لَهُنّ مَنْزِلًا، وَحَيْثُ كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَلَمّا رَأَيْته وَجَدْت مَا قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْقُشَعْرِيرَةِ فَأَقْبَلْت نَحْوَهُ وَخَشِيت أَنْ تَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُجَاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنْ الصّلَاةِ فَصَلّيْت وَأَنَا أَمْشِي نَحْوَهُ أُومِئُ بِرَأْسِي، فَلَمّا انْتَهَيْت إلَيْهِ قَالَ مَنْ الرّجُلُ؟ قُلْت: رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ سَمِعَ بِك وَبِجَمْعِك لِهَذَا الرّجُلِ فَجَاءَك لِذَلِكَ. قَالَ أَجَلْ إنّي لَفِي ذَلِكَ. قَالَ فَمَشَيْت مَعَهُ شَيْئًا، حَتّى إذَا أَمْكَنَنِي حَمَلْت عَلَيْهِ بِالسّيْفِ فَقَتَلْته، ثُمّ خَرَجْت، وَتَرَكْت ظَعَائِنَهُ مُنْكَبّاتٌ عَلَيْهِ فَلَمّا قَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَآنِي، قَالَ أَفْلَحَ الْوَجْهُ قُلْت: قَدْ قَتَلْته يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ صَدَقْت.

.[إهْدَاءُ الرّسُولِ عَصًا لَابْن أُنَيْسٍ]:

ثُمّ قَامَ بِي، فَأَدْخَلَنِي بَيْتَهُ فَأَعْطَانِي عَصًا، فَقَالَ أَمْسِكْ هَذِهِ الْعَصَا عِنْدَك يَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُنَيْسٍ. قَالَ فَخَرَجْت بِهَا عَلَى النّاسِ فَقَالُوا: مَا هَذِهِ الْعَصَا؟ قُلْت: أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَهَا عِنْدِي. قَالُوا: أَفَلَا تَرْجِعُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتَسْأَلَهُ لِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ فَرَجَعْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَ أَعْطَيْتنِي هَذِهِ الْعَصَا؟ قَالَ آيَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَك يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إنّ أَقَلّ النّاسِ الْمُتَخَصّرُونَ يَوْمئِذٍ قَالَ فَقَرَنَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ فَلَمْ تَزَلْ مَعَهُ حَتّى مَاتَ ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَضُمّتْ فِي كَفَنِهِ ثُمّ دُفِنَا جَمِيعًا.

.[شِعْرُ بْنِ أُنَيْسٍ فِي قَتْلِهِ ابْنَ نُبَيْحٍ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ فِي ذَلِكَ:
تَرَكْتُ ابْنَ ثَوْرٍ كَالْحُوَارِ وَحَوْلَهُ ** نَوَائِحُ تَفْرِي كُلّ جَيْبٍ مُقَدّدِ

تَنَاوَلْتُهُ وَالظّعْنُ خَلْفِي وَخَلْفَهُ ** بِأَبْيَضَ مِنْ مَاءِ الْحَدِيدِ مُهَنّدِ

عَجُومٍ لِهَامِ الدّارِعِينَ كَأَنّهُ ** شِهَابٌ غَضًى مِنْ مُلْهَبٍ مُتَوَقّدِ

أَقُولُ لَهُ وَالسّيْفُ يَعْجُمُ رَأْسَهُ ** أَنَا ابْنُ أُنَيْسٍ فَارِسًا غَيْرَ قُعْدُدِ

أَنَا ابْنُ الّذِي لَمْ يُنْزِلْ الدّهَرُ قِدْرَهُ ** رَحِيبُ فِنَاءِ الدّارِ غَيْرُ مُزَنّدِ

وَقُلْتُ لَهُ خُذْهَا بِضَرْبَةِ مَاجِدٍ ** حَنِيفٍ عَلَى دِينِ النّبِيّ مُحَمّدِ

وَكُنْتُ إذَا هَمّ النّبِيّ بِكَافِرٍ ** سَبَقْتُ إلَيْهِ بِاللّسَانِ وَبِالْيَدِ

تَمّتْ الْغَزَاةُ وَعُدْنَا إلَى خَبَرِ الْبُعُوثِ.

.[غَزَوَاتٌ أُخَرُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ، فَأُصِيبُوا بِهَا جَمِيعًا، وَغَزْوَةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْغِفَارِيّ ذَاتَ أَطْلَاحٍ، مِنْ أَرْضِ الشّامِ، أُصِيبَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا. وَغَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ.