فصل: (غُوْرَثُ وَمَا هَمّ بِهِ مِنْ قَتْلِ الرّسُولِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» (نسخة منقحة)



.[شِعْرُ كَعْبٍ فِي إجْلَاءِ بَنِي النّضِير ِ وَقَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَذْكُرُ إجْلَاءَ بَنِي النّضِيرِ وَقَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ:
لَقَدْ خَزِيَتْ بِغَدْرَتِهَا الْحُبُورُ ** كَذَاكَ الدّهْرُ ذُو صَرْفٍ يَدُورُ

وَذَلِكَ أَنّهُمْ كَفَرُوا بِرَبّ ** عَزِيزٍ أَمْرُهُ أَمْرٌ كَبِيرُ

وَقَدْ أُوتُوا مَعًا فَهْمًا وَعِلْمًا ** وَجَاءَهُمْ مِنْ اللّهِ النّذِيرُ

نَذِيرٌ صَادِقٌ أَدّى كِتَابًا ** وَآيَاتٍ مُبَيّنَةً تُنِيرُ

فَقَالُوا مَا أَتَيْتَ بِأَمْرِ صِدْقٍ ** وَأَنْتَ بِمُنْكَرٍ مِنّا جَدِيرُ

فَقَالَ بَلَى لَقَدْ أَدّيْتُ حَقّا ** يُصَدّقُنِي بِهِ الْفَهِمُ الْخَبِيرُ

فَمَنْ يَتْبَعْهُ يُهْدَ لِكُلّ رُشْدٍ ** وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ يُجْزَ الْكَفُورَ

فَلَمّا أُشْرِبُوا غَدِرًا وَكُفْرًا ** وَحَادَ بِهِمْ عَنْ الْحَقّ النّفُورِ

أَرَى اللّهُ النّبِيّ بِرَأْيِ صَدْقٍ ** وَكَانَ اللّهُ يَحْكُمُ لَا يَجُورُ

فَأَيّدَهُ وَسَلّطَهُ عَلَيْهِمْ ** وَكَانَ نَصِيرُهُ نِعْمَ النّصِيرِ

فَغُودِرَ مِنْهُمْ كَعْبٌ صَرِيعًا ** فَذَلّتْ بَعْدَ مَصْرَعِهِ النّضِيرُ

عَلَى الْكَفّيْنِ ثَمّ وَقَدْ عَلَتْهُ ** بِأَيْدِينَا مُشَهّرَةٌ ذُكُورُ

بِأَمْرِ مُحَمّدٍ إذْ دَسّ لَيْلًا ** إلَى كَعْبٍ أَخَا كَعْبٍ يَسِيرُ

فَمَا كَرِهَ فَأَنْزَلَهُ بِمَكْرٍ ** وَمَحْمُودٌ أَخُو ثِقَةٍ جَسُورُ

فَتِلْكَ بَنُو النّضِيرِ بِدَارِ سَوْءٍ ** أَبَارَهُمْ بِمَا اجْتَرَمُوا الْمُبِيرُ

غَدَاةَ أَتَاهُمْ فِي الزّحْفِ رَهْوًا ** رَسُولُ اللّهِ وَهْوَ بِهِمْ بَصِيرُ

وَغَسّانَ الْحُمَاةَ مُوَازِرُوهُ ** عَلَى الْأَعْدَاءِ وَهْوَ لَهُمْ وَزِيرُ

فَقَالَ السّلَمُ وَيْحَكُمْ فَصَدّوا ** وَحَالَفَ أَمْرَهُمْ كَذِبٌ وَزُورُ

فَذَاقُوا غِبّ أَمْرِهِمْ وَبَالًا ** لِكُلّ ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ بَعِيرُ

وَأَجْلَوْا عَامِدِينَ لِقَيْنُقَاعَ ** وَغُودِرَ مِنْهُمْ نَخْلٌ وَدُورُ

.[شِعْرُ سَمّاكٍ فِي الرّدّ عَلَى كَعْبٍ]:

فَأَجَابَهُ سَمّاكٌ الْيَهُودِيّ، فَقَالَ:
أَرِقْتُ وَضَافَنِي هَمّ كَبِيرُ ** بِلَيْلٍ غَيْرُهُ لَيْلٌ قَصِيرُ

أَرَى الْأَحْبَارَ تُنْكِرُهُ جَمِيعًا ** وَكُلّهُمْ لَهُ عِلْمٌ خَبِيرُ

وَكَانُوا الدّارِسِينَ لِكُلّ عِلْمٍ ** بِهِ التّوْرَاةُ تَنْطِقُ وَالزّبُورُ

قَتَلْتُمْ سَيّدَ الْأَحْبَارِ كَعْبًا ** وَقِدْمًا كَانَ يَأْمَنُ مَنْ يُجِيرُ

تَدَلّى نَحْوَ مَحْمُودٍ أَخِيهِ ** وَمَحْمُودٌ سَرِيرَتُهُ الْفُجُورُ

فَغَادَرَهُ كَأَنّ دَمًا نَجِيعًا ** يَسِيلُ عَلَى مَدَارِعِهِ عَبِيرُ

فُقِدَ وَأَبِيكُمْ وَأَبِي جَمِيعًا ** أُصِيبَتْ إذْ أُصِيبَ بِهِ النّضِيرُ

فَإِنْ نَسْلَمُ لَكُمْ نَتْرُكُ رِجَالًا ** بِكَعْبٍ حَوْلَهُمْ طَيْرٌ تَدُورُ

كَأَنّهُمْ عَتَائِرُ يَوْمَ عِيدٍ ** تُذَبّحُ وَهْيَ لَيْسَ لَهَا نَكِيرُ

بِبِيضٍ لَا تُلِيقُ لَهُنّ عَظْمًا ** صَوَافِي الْحَدّ أَكْثَرُهَا ذُكُورُ

كَمَا لَاقَيْتُمْ مِنْ بَأْسِ صَخْرٍ ** بِأُحْدٍ حَيْثُ لَيْسَ لَكُمْ نَصِيرُ

.[شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي امْتِدَاحِ رِجَالِ بَنِي النّضِيرِ]:

وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَخُو بَنِي سُلَيْمٍ يَمْتَدِحُ رِجَالَ بَنِي النّضِير ِ:
لَوْ أَنّ أَهْلَ الدّارِ لَمْ يَتَصَدّعُوا ** رَأَيْتَ خِلَالَ الدّارِ مَلْهًى وَمَلْعَبَا

فَإِنّك عَمْرِي هَلْ أُرِيك ظَعَائِنَا ** سَلَكْنَ عَلَى رُكْنِ الشّطاة فَتَيْأَبَا

عَلَيْهِنّ عِينٌ مِنْ ظِبَاءٍ تَبّالَةٍ ** أَوَانِسُ يُصْبِيَن الْحَلِيمَ الْمُجَرّبَا

إذَا جَاءَ بَاغِي الْخَيْرِ قُلْنَ فُجَاءَةً ** لَهُ بِوُجُوهٍ كَالدّنَانِيرِ مَرْحَبَا

وَأَهْلًا فَلَا مَمْنُوعَ خَيْرٍ طَلَبْتَهُ ** وَلَا أَنْتَ تَخْشَى عِنْدَنَا أَنْ تُؤَنّبَا

فَلَا تَحْسَبَنّي كُنْت مَوْلَى ابْنِ مِشْكَمٍ ** سَلَامٍ وَلَا مَوْلَى حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَا

.[شِعْرُ خَوّاتٍ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ مِرْدَاسٍ]:

فَأَجَابَهُ خَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ:
تُبَكّي عَلَى قَتْلَى يَهُودَ وَقَدْ تَرَى ** مِنْ الشّجْوِ لَوْ تَبْكِي أَحَبّ وَأَقْرَبَا

فَهَلّا عَلَى قَتْلَى بِبَطْنِ أُرَيْنِق ** بَكَيْتَ وَلَمْ تُعْوِل مِنْ الشّجْوِ مُسْهِبَا

إذَا السّلْمُ دَارَتْ فِي صَدِيقٍ رَدَدْتَهَا ** وَفِي الدّينِ صَدّادًا وَفِي الْحَرْبِ ثَعْلَبَا

عَمَدْتَ إلَى قَدْرٍ لِقَوْمِك تَبْتَغِي ** لَهُمْ شَبَهًا كَيْمَا تَعِزّ وَتَغْلِبَا

فَإِنّك لَمّا أَنْ كَلِفْتَ تَمَدّحًا ** لِمَنْ كَانَ عَيْبًا مَدْحُهُ وَتَكَذّبَا

رَحَلْتَ بِأَمْرٍ كُنْتَ أَهْلًا لِمِثْلِهِ ** وَلَمْ تُلْفِ فِيهِمْ قَائِلًا لَك مَرْحَبَا

فَهَلّا إلَى قَوْمٍ مُلُوكٍ مَدَحْتَهُمْ ** تَبَنّوْا مِنْ الْعَزّ الْمُؤَثّلِ مَنْصِبَا

إلَى مَعْشَرٍ صَارُوا مُلُوكًا وَكُرّمُوا ** وَلَمْ يُلْفَ فِيهِمْ طَالِبُ الْعُرْفِ مُجْدِبَا

أُولَئِكَ أَحْرَى مِنْ يَهُودَ بِمِدْحَةٍ ** تَرَاهُمْ وَفِيهِمْ عِزّةُ الْمَجْدِ تُرْتُبَا

.[شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي الرّدّ عَلَى خَوّاتٍ]:

فَأَجَابَهُ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السّلَمِيّ، فَقَالَ:
هَجَوْتَ صَرِيحَ الْكَاهِنَيْنِ وَفِيكُمْ ** لَهُمْ نِعَمٌ كَانَتْ مِنْ الدّهْرِ تُرْتُبَا

أُولَئِكَ أَحْرَى لَوْ بَكَيْتَ عَلَيْهِمْ ** وَقَوْمُك لَوْ أَدّوْا مِنْ الْحَقّ مُوجَبَا

مِنْ الشّكْرِ إنّ الشّكْرَ خَيْرٌ مَغَبّةً ** وَأَوْفَقُ فِعْلًا لِلّذِي كَانَ أَصْوَبَا

فَكُنْتَ كَمَنْ أَمْسَى يُقَطّعُ رَأْسَهُ ** لِيَبْلُغَ عِزّا كَانَ فِيهِ مُرَكّبَا

فَبَكّ بَنِي هَارُونَ وَاذْكُرْ فِعَالَهُمْ ** وَقَتْلَهُمْ لِلْجُوعِ إذْ كُنْتَ مُجْدِبَا

أَخَوّاتُ أَذِرْ الدّمْعَ بِالدّمْعِ وَابْكِهِمْ ** وَأَعْرِضْ عَنْ الْمَكْرُوهِ مِنْهُمْ وَنَكّبَا

فَإِنّك لَوْ لَاقَيْتَهُمْ فِي دِيَارِهِمْ ** لَأُلْفِيتَ عَمّا قَدْ تَقُولُ مُنَكّبَا

سِرَاعٌ إلَى الْعَلْيَا كِرَامٌ لَدَى الْوَغَى ** يُقَالُ لِبَاغِي الْخَيْرِ أَهْلًا وَمَرْحَبَا

.[شِعْرٌ لِكَعْبِ أَوْ ابْنِ رَوَاحَةَ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ مِرْدَاسٍ]:

فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، أَوْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ:
لَعَمْرِي لَقَدْ حَكّتْ رَحَى الْحَرْبِ بَعْدَمَا ** أَطَارَتْ لُؤَيّا قَبْلُ شَرْقًا وَمَغْرِبَا

بَقِيّةَ آلِ الْكَاهِنَيْنِ وَعِزّهَا ** فَعَادَ ذَلِيلًا بَعْدَ مَا كَانَ أَغْلَبَا

فَطَاحَ سَلَامٌ وَابْنُ سَعْيَةَ عَنْوَةً ** وَقِيدَ ذَلِيلًا لِلْمَنَايَا ابْنُ أَخْطَبَا

وَأَجْلَبَ يَبْغِي الْعِزّ وَالذّلّ يَبْتَغِي ** خِلَافَ يَدَيْهِ مَا جَنَى حِينَ أَجْلَبَا

كَتَارِكِ سَهْلِ الْأَرْضِ وَالْحَزَنُ هَمّهُ ** وَقَدْ كَانَ ذَا فِي النّاسِ أَكْدَى وَأَصْعَبَا

وَشَأْسٌ وعَزّال وَقَدْ صَلَيَا بِهَا ** وَمَا غُيّبَا عَنْ ذَاكَ فِيمَنْ تَغَيّبَا

وَعَوْفُ بْنُ سَلْمَى وَابْنُ عَوْفٍ كِلَاهُمَا ** وَكَعْبٌ رَئِيسُ الْقَوْمِ حَانَ وَخُيّبَا

فَبُعْدًا وَسُحْقًا لِلنّضِيرِ وَمِثْلِهَا ** إنْ أَعْقَبَ فَتْحٌ أَوْ إنْ اللّهُ أَعْقَبَا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيّ: ثُمّ غَزَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ بَنِي النّضِير ِ بَنِي الْمُصْطَلِق ِ. وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهُمْ إنْ شَاءَ اللّهُ فِي الْمَوْضِعِ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِيهِ.

.غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ فِي سَنَةِ أَرْبَع:

.[الْأُهْبَةُ لَهَا]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِي النّضِيرِ شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَبَعْضَ جُمَادَى، ثُمّ غَزَا نَجْدًا يُرِيدُ بَنِي مُحَارِب ٍ وَبَنِيّ ثَعْلَبَة َ مِنْ غَطَفَانَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا ذَرّ الْغِفَارِيّ وَيُقَالُ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:

.[سَبَبُ تَسْمِيَتِهَا بِذَاتِ الرّقَاعِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: نَزَلَ نَخْلًا، وَهِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنّمَا قِيلَ لَهَا غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ، لِأَنّهُمْ رَقّعُوا فِيهَا رَايَاتِهِمْ وَيُقَالُ ذَاتُ الرّقَاعِ: شَجَرَةٌ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ الرّقَاعِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ غَطَفَانَ، فَتَقَارَبَ النّاسُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ وَقَدْ خَافَ النّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا،- حَتّى صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّاسِ صَلَاةَ الْخَوْفِ، ثُمّ انْصَرَفَ بِالنّاسِ.

.[صَلَاةُ الْخَوْفِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التّنّورِيّ- وَكَانَ يُكَنّى: أَبَا عُبَيْدَةَ- قَالَ حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِطَائِفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمّ سَلّمَ وَطَائِفَةٌ مُقْبِلُونَ عَلَى الْعَدُوّ. قَالَ فَجَاءُوا فَصَلّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمّ سَلّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ صَفّنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفّيْنِ فَرَكَعَ بِنَا جَمِيعًا، ثُمّ سَجَدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَجَدَ الصّفّ الْأَوّلُ فَلَمّا رَفَعُوا سَجَدَ الّذِينَ يَلُونَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ ثُمّ تَأَخّرَ الصّفّ الْأَوّلُ وَتَقَدّمَ الصّفّ الْآخَرُ حَتّى قَامُوا مَقَامَهُمْ ثُمّ رَكَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهِمْ جَمِيعًا، ثُمّ سَجَدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَجَدَ الّذِينَ يَلُونَهُ مَعَهُ فَلَمّا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ سَجَدَ الْآخَرُونَ بِأَنْفُسِهِمْ فَرَكَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهِمْ جَمِيعًا، وَسَجَدَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْفُسِهِمْ سَجْدَتَيْنِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التّنّورِيّ، قَالَ حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ يَقُومُ الْإِمَامُ وَتَقُومُ مَعَهُ طَائِفَةٌ، وَطَائِفَةٌ مِمّا يَلِي عَدُوّهُمْ فَيَرْكَعُ بِهِمْ الْإِمَامُ وَيَسْجُدُ بِهِمْ ثُمّ يَتَأَخّرُونَ فَيَكُونُونَ مِمّا يَلِي الْعَدُوّ يَتَقَدّمُ الْآخَرُونَ فَيَرْكَعُ بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَيَسْجُدُ بِهِمْ ثُمّ تُصَلّي كُلّ طَائِفَةٍ بِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً فَكَانَتْ لَهُمْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً رَكْعَةً وَصَلّوْا بِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً رَكْعَةً.

.[غُوْرَثُ وَمَا هَمّ بِهِ مِنْ قَتْلِ الرّسُولِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ: أَنّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُحَارِب ٍ يُقَالُ لَهُ غُوْرَثُ قَالَ لِقَوْمِهِ مِنْ غَطَفَانَ وَمُحَارِبٍ أَلَا أَقْتُلُ لَكُمْ مُحَمّدًا؟ قَالُوا: بَلَى، وَكَيْفَ تَقْتُلُهُ؟ قَالَ أَفْتِكُ بِهِ. قَالَ فَأَقْبَلَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ جَالِسٌ وَسَيْفُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حِجْرِهِ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَنْظُرُ إلَى سَيْفِك هَذَا؟ قَالَ نَعَمْ- وَكَانَ مُحَلّى بِفِضّةِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- قَالَ فَأَخَذَهُ فَاسْتَلّهُ ثُمّ جَعَلَ يَهُزّهُ وَيَهُمّ فَيَكْبِتُهُ اللّهُ ثُمّ قَالَ يَا مُحَمّدُ أَمَا تَخَافَنِي؟ قَالَ لَا، وَمَا أَخَافُ مِنْك؟ قَالَ أَمَا تَخَافَنِي وَفِي يَدِي السّيْفُ؟ قَالَ لَا، يَمْنَعُنِي اللّهُ مِنْك. ثُمّ عَمَدَ إلَى سَيْفِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَدّهُ عَلَيْهِ قَالَ فَأَنْزَلَ اللّهُ {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتّقُوا اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ} قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ: أَنّهَا إنّمَا أُنْزِلَتْ فِي عَمْرِو بْنِ جِحَاشٍ، أَخِي بَنِي النّضِير ِ وَمَا هَمّ بِهِ فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ.

.[جَابِرٌ وَقِصّتُهُ هُوَ وَجَمَلُهُ مَعَ الرّسُولِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى غَزْوَةِ ذَاتِ الرّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ، عَلَى جَمَلٍ لِي ضَعِيفٍ فَلَمّا قَفَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ جَعَلَتْ الرّفَاقُ تَمْضِي، وَجَعَلْت أَتَخَلّفُ حَتّى أَدْرَكَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَا لَك يَا جَابِرُ؟ قَالَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أَبْطَأَ بِي جَمَلِي هَذَا، قَالَ أَنِخْهُ قَالَ فَأَنَخْته، وَأَنَاخَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ أَعْطِنِي هَذِهِ الْعَصَا مِنْ يَدِك، أَوْ اقْطَعْ لِي عَصًا مِنْ شَجَرَةٍ قَالَ فَفَعَلْت. قَالَ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَخَسَهُ بِهَا نَخَسَاتٍ ثُمّ قَالَ ارْكَبْ فَرَكِبْتُ فَخَرَجَ وَاَلّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقّ يُوَاهِقُ نَاقَتَهُ مُوَاهَقَةً. قَالَ وَتَحَدّثْت مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لِي: أَتَبِيعُنِي جَمَلَك هَذَا يَا جَابِرُ؟ قَالَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ أَهَبُهُ لَك، قَالَ لَا، وَلَكِنْ بِعْنِيهِ قَالَ قُلْت: فَسُمْنِيهِ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ قَدْ أَخَذْته بِدِرْهَمِ قَالَ قُلْت: لَا. إذَنْ تَغْبِنُنِي يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ فَبِدِرْهَمَيْنِ قَالَ قُلْت: لَا. قَالَ فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ثَمَنِهِ حَتّى بَلَغَ الْأُوقِيّةَ. قَالَ فَقُلْت: أَفَقَدْ رَضِيتَ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت: فَهُوَ لَك؛ قَالَ قَدْ أَخَذْته. قَالَ ثُمّ قَالَ يَا جَابِرُ هَلْ تَزَوّجْتَ بَعْدُ؟ قَالَ قُلْت: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ أَثَيّبًا أَمْ بِكْرًا؟ قَالَ قُلْت: لَا، بَلْ ثَيّبًا؛ قَالَ أَفَلَا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُك قَالَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبِي أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ بَنَاتٍ لَهُ سَبْعًا، فَنَكَحْت امْرَأَةً جَامِعَةً تَجْمَعُ رُءُوسَهُنّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنّ قَالَ أَصَبْتَ إنْ شَاءَ اللّهُ أَمَا إنّا لَوْ قَدْ جِئْنَا صِرَارًا أَمَرْنَا بِجَزُورٍ فَنُحِرَتْ وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا يَوْمَنَا ذَاكَ وَسَمِعَتْ بِنَا، فَنَفَضَتْ نَمَارِقَهَا. قَالَ قُلْت: وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا لَنَا مِنْ نَمَارِقَ قَالَ إنّهَا سَتَكُونُ فَإِذَا أَنْتَ قَدِمْت فَاعْمَلْ عَمَلًا كَيّسًا. قَالَ فَلَمّا جِئْنَا صِرَارًا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجَزُورٍ فَنُحِرَتْ وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَخَلَ وَدَخَلْنَا، قَالَ فَحَدّثْتُ الْمَرْأَةَ الْحَدِيثَ وَمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ فَدُونَك، فَسَمْعٌ وَطَاعَةٌ. قَالَ فَلَمّا أَصْبَحْتُ أَخَذْتُ بِرَأْسِ الْجَمَلِ فَأَقْبَلْتُ بِهِ حَتّى أَنَخْته عَلَى بَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ ثُمّ جَلَسْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَرِيبًا مِنْهُ قَالَ وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَأَى الْجَمَلَ فَقَالَ مَا هَذَا؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا جَمَلٌ جَاءَ بِهِ جَابِرٌ قَالَ فَأَيْنَ جَابِرٌ؟ قَالَ فَدُعِيتُ لَهُ قَالَ فَقَالَ «يَا ابْنَ أَخِي خُذْ بِرَأْسِ جَمَلِك، فَهُوَ لَك»، وَدَعَا بِلَالًا، فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ بِجَابِرِ فَأَعْطِهِ أُوقِيّةً. قَالَ فَذَهَبْت مَعَهُ فَأَعْطَانِي أُوقِيّةً وَزَادَنِي شَيْئًا يَسِيرًا. قَالَ فَوَاَللّهِ مَا زَالَ يَنْمِى عِنْدِي، وَيَرَى مَكَانَهُ مِنْ بَيْتِنَا، حَتّى أُصِيبَ أَمْسِ فِيمَا أُصِيبَ لَنَا يَعْنِي يَوْمَ الْحَرّةِ.

.[ابْنُ يَاسِرٍ وَابْنُ بِشْرٍ وَقِيَامُهُمَا عَلَى حِرَاسَةِ جَيْشِ الرّسُولِ وَمَا أُصِيبَا بِهِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ عَمّي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ عَقِيلِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْأَنْصَارِيّ، قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ، فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَافِلًا، أَتَى زَوْجُهَا وَكَانَ غَائِبًا؛ فَلَمّا أُخْبِرَ الْخَبَرَ حَلَفَ لَا يَنْتَهِي حَتّى يُهْرِيقَ فِي أَصْحَابِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَمًا، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْزِلًا، فَقَالَ مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ؟ قَالَ فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَا: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ فَكُونَا بِفَمِ الشّعْبِ. قَالَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ قَدْ نَزَلُوا إلَى شِعْبٍ مِنْ الْوَادِي، وَهُمَا عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا خَرَجَ الرّجُلَانِ إلَى فَمِ الشّعْبِ، قَالَ الْأَنْصَارِيّ لِلْمُهَاجِرِيّ أَيّ اللّيْلِ تُحِبّ أَنْ أَكْفِيكَهُ: أَوّلَهُ أَمْ آخِرَهُ؟ قَالَ بَلْ اكْفِنِي أَوّلَهُ قَالَ فَاضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيّ فَنَامَ وَقَامَ الْأَنْصَارِيّ يُصَلّي؛ قَالَ وَأَتَى الرّجُلُ فَلَمّا رَأَى شَخْصَ الرّجُلِ عَرَفَ أَنّهُ رَبِيئَةُ الْقَوْمِ. قَالَ فَرَمَى بِسَهْمِ فَوَضَعَهُ فِيهِ قَالَ فَنَزَعَهُ وَوَضَعَهُ فَثَبَتَ قَائِمًا؛ قَالَ ثُمّ رَمَاهُ بِسَهْمِ آخَرَ فَوَضَعَهُ فِيهِ. قَالَ فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ وَثَبَتَ قَائِمًا؛ ثُمّ عَادَ لَهُ بِالثّالِثِ فَوَضَعَهُ فِيهِ قَالَ فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ ثُمّ رَكَعَ وَسَجَدَ ثُمّ أَهَبّ صَاحِبَهُ فَقَالَ اجْلِسْ فَقَدْ أَثْبَتّ، قَالَ فَوَثَبَ رَآهُمَا الرّجُلُ عَرَفَ أَنْ قَدْ نَذِرَا بِهِ فَهَرَبَ. قَالَ وَلَمّا رَأَى الْمُهَاجِرِيّ مَا بِالْأَنْصَارِيّ مِنْ الدّمَاءِ قَالَ سُبْحَانَ اللّهِ أَفَلَا أَهْبَبْتَنِي أَوّلَ مَا رَمَاك؟ قَالَ كُنْت فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبّ أَنْ أَقْطَعَهَا حَتّى أُنْفِدَهَا، فَلَمّا تَابَعَ عَلَيّ الرّمْيَ رَكَعْتُ فَأَذِنْتُك، وَأَيْمُ اللّهِ لَوْلَا أَنْ أُضَيّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِحِفْظِهِ لَقَطَعَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَقْطَعَهَا أَوْ أُنْفِدَها.

.[رُجُوعُ الرّسُولِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ أَنْفَذَهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ مِنْ غَزْوَةِ الرّقَاعِ أَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ جُمَادَى الْأُولَى وَجُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا.

.غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ:

.[خُرُوجُ الرّسُولِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ فِي شَعْبَانَ إلَى بَدْرٍ، لِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ حَتّى نَزَلَهُ.

.[اسْتِعْمَالُهُ ابْنِ أُبَيّ عَلَى الْمَدِينَةِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ بْنِ سَلُولَ الْأَنْصَارِيّ.

.[رُجُوعُ أَبِي سُفْيَانَ فِي رِجَالِه]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَمَانِي لَيَالٍ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ فِي أَهْلِ مَكّةَ حَتّى نَزَلَ مَجِنّةَ، مِنْ نَاحِيَةِ الظّهْرَانِ؛ وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ قَدْ بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمّ بَدَا لَهُ فِي الرّجُوعِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّهُ لَا يُصْلِحُكُمْ إلّا عَامٌ خَصِيبٌ تَرْعَوْنَ فِيهِ الشّجَرَ وَتَشْرَبُونَ فِيهِ اللّبَنَ وَإِنّ عَامَكُمْ هَذَا عَامُ جَدْبٍ فَسَمّاهُمْ أَهْلُ مَكّةَ جَيْشَ السّوِيقِ، يَقُولُونَ إنّمَا خَرَجْتُمْ تَشْرَبُونَ السّوِيقَ.

.[الرّسُولُ وَمَخْشِيّ الضّمْرِيّ]:

وَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَدْرٍ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ لِمِيعَادِهِ فَأَتَاهُ مَخْشِيّ بْنُ عَمْرٍو الضّمْرِيّ، وَهُوَ الّذِي كَانَ وَادَعَهُ عَلَى بَنِي ضَمْرَةَ فِي غَزْوَةِ وَدّانَ، فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَجِئْتَ لِلِقَاءِ قُرَيْشٍ عَلَى هَذَا الْمَاءِ؟ قَالَ نَعَمْ يَا أَخَا بَنِي ضَمْرَةَ، وَإِنْ شِئْتَ مَعَ ذَلِكَ رَدَدْنَا إلَيْك مَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَك، ثُمّ جَالَدْنَاك حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَك، قَالَ لَا وَاَللّهِ يَا مُحَمّدُ مَا لَنَا بِذَلِكَ مِنْك مِنْ حَاجَةٍ.

.[مَعْبَدٌ وَشِعْرُهُ فِي نَاقَةٍ لِلرّسُولِ هَوَتْ]:

فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ فَمَرّ بِهِ مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ، فَقَالَ وَقَدْ رَأَى مَكَانَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَاقَتُهُ تَهْوَى بِهِ:
قَدْ نَفَرَتْ مِنْ رُفْقَتَيْ مُحَمّدِ ** وَعَجْوَةٍ مِنْ يَثْرِبَ كالعَنْجَدِ

تَهْوَى عَلَى دِينِ أَبِيهَا الْأَتْلَدِ ** قَدْ جَعَلَتْ مَاءَ قُدَيْدٍ مَوْعِدِي

وَمَاءَ ضَجْنان لَهَا ضُحَى الْغَدِ.

.[شِعْرٌ لِابْنِ رَوَاحَةَ أَوْ كَعْبٍ فِي بَدْرٍ]:

وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي ذَلِكَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِيهَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ:
وَعَدْنَا أَبَا سُفْيَانَ بَدْرًا فَلَمْ نَجِدْ ** لِمِيعَادِهِ صِدْقًا وَمَا كَانَ وَافِيَا

فَأُقْسِمُ لَوْ وَافَيْتَنَا فَلَقِيتنَا ** لَأُبْتَ ذَمِيمًا وَافْتَقَدْتَ الْمَوَالِيَا

تَرَكْنَا بِهِ أَوْصَالَ عُتْبَةَ وَابْنَهُ ** وَعَمْرًا أَبَا جَهْلٍ تَرَكْنَاهُ ثَاوِيَا

عَصَيْتُمْ رَسُولَ اللّهِ أُفّ لِدِينِكُمْ ** وَأَمْرِكُمْ السّيْءِ الّذِي كَانَ غَاوِيَا

فَإِنّي وَإِنْ عَنّفْتُمُونِي لَقَائِلٌ ** فِدًى لِرَسُولِ اللّهِ أَهْلِي وَمَالِيَا

أَطَعْنَاهُ لَمْ نَعْدِلْهُ فِينَا بِغَيْرِهِ ** شِهَابًا لَنَا فِي ظُلْمَةِ اللّيْلِ هَادِيَا

.[شِعْرُ حَسّانٍ فِي بَدْرٍ]:

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ:
دَعُوا فَلَجَاتِ الشّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا ** جَلّادٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ

بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ رَبّهِمْ ** وَأَنْصَارِهِ حَقّا وَأَيْدِي الْمَلَائِكِ

إذَا سَلَكْتَ لِلْغَوْرِ مِنْ بَطْنِ عَالِجٍ ** فَقُولَا لَهَا لَيْسَ الطّرِيقُ هُنَالِكِ

أَقَمْنَا عَلَى الرّسّ النّزُوعِ ثَمَانِيَا ** بِأَرْعَنَ جَرّارٍ عَرِيضِ الْمَبَارِكِ

بِكُلّ كُمَيْتٍ جَوْزُهُ نِصْفُ خَلْقِهِ ** وَقُبّ طُوّالٍ مُشْرِفَاتِ الْحَوَارِكِ

تَرَى الْعَرْفَجَ الْعَامِيّ تَذْرِي أُصُولَهُ ** مَنَاسِمُ أَخْفَافِ الْمَطِيّ الرّوَاتِك

فَإِنْ نَلْقَ فِي تَطْوَافِنَا وَالْتِمَاسِنَا ** فُرَاتَ بْنَ حَيّانٍ يَكُنْ رَهْنَ هَالِكِ

وَإِنْ تَلْقَ قَيْسَ بْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ بَعْدَهُ ** يُزَدْ فِي سَوَادٍ لَوْنُهُ لَوْنُ حَالِكِ

فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنّي رِسَالَةً ** فَإِنّك مِنْ غُرّ الرّجَالِ الصّعَالِكِ

.[شِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ فِي الرّدّ عَلَى حَسّانٍ]:

فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَقَالَ:
أَحَسّانُ إنّا يَا ابْنَ آكِلَةِ الْفَغَا ** وَجَدّك نَغْتَالُ الْخُرُوقَ كَذَلِكِ

خَرَجْنَا وَمَا تَنْجُو الْيَعَافِيرُ بَيْنَنَا ** وَلَوْ وَأَلَتْ مِنّا بِشَدّ مُدَارِكِ

إذَا مَا انْبَعَثْنَا مِنْ مُنَاخٍ حَسِبْتَهُ ** مُدَمّنَ أَهْلِ الْمَوْسِمِ الْمُتَعَارِكِ

أَقَمْتَ عَلَى الرّسّ النّزُوعِ تُرِيدُنَا ** وَتَتْرُكُنَا فِي النّخْلِ عِنْدَ الْمَدَارِكِ

عَلَى الزّرْعِ تَمْشِي خَيْلُنَا وَرِكَابُنَا ** فَمَا وَطِئَتْ أَلْصَقْنَهُ بِالدّكَادِكِ

أَقَمْنَا ثَلَاثًا بَيْنَ سَلْعٍ وَفَارِعٍ ** بِجُرْدِ الْجِيَادِ وَالْمَطِيّ الرّوَاتِكِ

حَسِبْتُمْ جِلَادَ الْقَوْمِ عِنْدَ قِبَابِهِمْ ** كَمَأْخَذِكُمْ بِالْعَيْنِ أَرْطَالَ آنُكِ

فَلَا تَبْعَثْ الْخَيْلَ الْجِيَادَ وَقُلْ لَهَا ** عَلَى نَحْوِ قَوْلِ الْمُعْصِمِ الْمُتَمَاسِكِ

سَعِدْتُمْ بِهَا وَغَيْرُكُمْ كَانَ أَهْلَهَا ** فَوَارِسُ مِنْ أَبْنَاءِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ

فَإِنّك لَا فِي هِجْرَةٍ إنْ ذَكَرْتَهَا ** وَلَا حُرُمَاتِ الدّينِ أَنْتَ بِنَاسِكِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَقِيَتْ مِنْهَا أَبْيَاتٌ تَرَكْنَاهَا، لِقُبْحِ اخْتِلَافِ قَوَافِيهَا. وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ هَذَا الْبَيْتَ:
خَرَجْنَا وَمَا تَنْجُو الْيَعَافِيرُ بَيْنَنَا

وَالْبَيْتَ الّذِي بَعْدَهُ لِحَسّانِ بْنِ ثَابِتٍ فِي قَوْلِهِ:
دَعُوا فَلَجَاتِ الشّأْمِ قَدْ حَالَ دُونَهَا

وَأَنْشَدَنِي لَهُ فِيهَا بَيْتَهُ فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ.