فصل: (نَهْيُ الرّسُولِ عَنْ قَتْلِ الضّعَفَاءِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» (نسخة منقحة)



.[الْغُلَامُ النّصْرَانِيّ الْأَغْرَلُ وَمَا كَادَ يَلْحَقُ ثَقِيفًا بِسَبَبِهِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ أَنّهُ قُتِلَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ غُلَامٌ لَهُ نَصْرَانِيّ أَغْرَلُ قَالَ فَبَيْنَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَسْلُبُ قَتْلَى ثَقِيفٍ، إذْ كَشَفَ الْعَبْدَ يَسْلُبُهُ فَوَجَدَهُ أَغْرَلَ. قَالَ فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ يَعْلَمُ اللّهُ أَنّ ثَقِيفًا غُرْلٌ. قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَخَشِيت أَنْ تَذْهَبَ عَنّا فِي الْعَرَبِ، فَقُلْتُ لَا تَقُلْ ذَاكَ فَدَاك أَبِي وَأُمّي، إنّمَا هُوَ غُلَامٌ لَنَا نَصْرَانِيّ. قَالَ ثُمّ جَعَلْت أَكْشِفُ لَهُ عَنْ الْقَتْلَى، وَأَقُولُ لَهُ أَلَا تَرَاهُمْ مُخْتَتَنِينَ كَمَا تَرَى.

.[فِرَارُ قَارِبٍ وَقَوْمِهِ وَشِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي هِجَائِهِمْ]:

قَالَ ابْنُ أَبِي إسْحَاقَ وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَحْلَافِ مَعَ قَارِبِ بْنِ الْأَسْوَدِ، فَلَمّا انْهَزَمَ النّاسُ أَسْنَدَ رَايَتَهُ إلَى شَجَرَةٍ وَهَرَبَ هُوَ وَبَنُو عَمّهِ وَقَوْمُهُ مِنْ الْأَحْلَافِ، فَلَمْ يُقْتَلْ مِنْ الْأَحْلَافِ غَيْرُ رَجُلَيْنِ رَجُلٍ مِنْ غِيَرَةَ يُقَالُ لَهُ وَهْبٌ وَآخَرُ مِنْ بَنِي كُبّةَ يُقَال لَهُ الْجُلَاحُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ بَلَغَهُ قَتْلُ الْجُلَاحِ قُتِلَ الْيَوْمَ سَيّدُ شَبَابِ ثَقِيفٍ إلّا مَا كَانَ مِنْ ابْنِ هُنَيْدَةَ يَعْنِي بِابْنِ هُنَيْدَةَ الْحَارِثَ بْنَ أُوَيْسٍ.

.[قَصِيدَةٌ أُخْرَى لِابْنِ مِرْدَاسٍ]:

فَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السّلَمِيّ يَذْكُرُ قَارِبَ بْنَ الْأَسْوَدِ وَفِرَارَهُ مِنْ بَنِي أَبِيهِ وَذَا الْخِمَارِ وَحَبْسَهُ قَوْمَهُ لِلْمَوْتِ:
أَلَا مِنْ مُبَلّغٍ غَيْلَانَ عَنّي ** وَسَوْفَ إخَالُ يَأْتِيهِ الْخَبِيرُ

وَعُرْوَةَ إنّمَا أُهْدِي جَوَابًا ** وَقَوْلًا غَيْرَ قَوْلِكُمَا يَسِيرُ

بِأَنّ مُحَمّدًا عَبْدٌ رَسُولٌ ** لِرَبّ لَا يَضِلّ وَلَا يَجُورُ

وَجَدْنَاهُ نَبِيّا مِثْلَ مُوسَى ** فَكُلّ فَتَى يُخَايِرُهُ مَخِيرُ

وَبِئْسَ الْأَمْرُ أَمْرُ بَنِي قَسِيّ ** بِوَجّ إذْ تُقُسّمَتْ الْأُمُورُ

أَضَاعُوا أَمْرَهُمْ وَلِكُلّ قَوْمٍ ** أَمِيرٌ وَالدّوَائِرُ قَدْ تَدُورُ

فَجِئْنَا أُسْدَ غَابَاتٍ إلَيْهِمْ ** جُنُودُ اللّهِ ضَاحِيَةً تَسِيرُ

يَؤُمّ الْجَمْعَ جَمْعَ بَنِي قَسِيّ ** عَلَى حَنَقٍ نَكَادُ لَهُ نَطِيرُ

وَأُقْسِمُ لَوْ هُمْ مَكَثُوا لَسِرْنَا ** إلَيْهِمْ بِالْجُنُودِ وَلَمْ يَغُورُوا

فَكُنّا أُسْدَ لِيّةَ ثَمّ حَتّى ** أَبَحْنَاهَا وَأُسْلِمَتْ النّصُورُ

وَيَوْمٌ كَانَ قَبْلُ لَدَى حُنَيْنٍ ** فَأَقْلَعَ وَالدّمَاءُ بِهِ تَمُورُ

مِنْ الْأَيّامِ لَمْ تَسْمَعْ كَيَوْمٍ ** وَلَمْ يَسْمَعْ بِهِ قَوْمٌ ذُكُورُ

قَتَلْنَا فِي الْغُبَارِ بَنِي حُطَيْطٍ ** عَلَى رَايَاتِهَا وَالْخَيْلُ زُورُ

وَلَمْ يَكُ ذُو الْخِمَارِ رَئِيسَ قَوْمٍ ** لَهُمْ عَقْلٌ يُعَاقِبُ أَوْ مَكِيرُ

أَقَامَ بِهِمْ عَلَى سَنَنِ الْمَنَايَا ** وَقَدْ بَانَتْ لِمُبْصِرِهَا الْأُمُورُ

فَأَفْلَتَ مَنْ نَجَا مِنْهُمْ جَرِيضًا ** وَقُتّلَ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرُ

وَلَا يُغْنِي الْأُمُورَ أَخُو الْتَوَانِي ** وَلَا الْغَلِقُ الصّرَيّرَةُ الْحَصُورُ

أَحَانَهُمُ وَحَانَ وَمَلّكُوهُ ** أُمُورَهُمْ وَأَفْلَتَتْ الصّقُورُ

بَنُو عَوْفٍ تَمِيحُ بِهِمْ جِيَادٌ ** أُهِينَ لَهَا الْفَصَافِصُ وَالشّعِيرُ

فَلَوْلَا قَارِبٌ وَبَنُو أَبِيهِ ** تُقُسّمتَ الْمَزَارِعُ وَالْقُصُورُ

وَلَكِنّ الرّيَاسَةَ عُمّمُوهَا ** عَلَى يُمْنٍ أَشَارَ بِهِ الْمُشِيرُ

أَطَاعُوا قَارِبًا وَلَهُمْ جُدُودٌ ** وَأَحْلَامٌ إلَى عِزّ تَصِيرُ

فَإِنْ يُهْدَوْا إلَى الْإِسْلَامِ يُلْفَوْا ** أُنُوفَ النّاسِ مَا سَمَرَ السّمِيرُ

وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا فَهُمْ أَذَانٌ ** بِحَرْبِ اللّهِ لَيْسَ لَهُمْ نَصِيرُ

كَمَا حَكّتْ بَنِي سَعْدٍ وَحَرْبٌ ** بِرَهْطِ بَنِي غَزِيّةَ عَنْقَفِيرُ

كَأَنّ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ ** إلَى الْإِسْلَامِ ضَائِنَةٌ تَخُورُ

فَقُلْنَا أَسْلِمُوا إنّا أَخُوكُمْ ** وَقَدْ بَرَأَتْ مِنْ الْإِحَنِ الصّدُورُ

كَأَنّ الْقَوْمَ إذْ جَاءُوا إلَيْنَا ** مِنْ الْبَغْضَاءِ بَعْد السّلْمِ عُورُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: غَيْلَانُ غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ الثّقَفِيّ، وَعُرْوَةُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثّقَفِيّ.

.[مَقْتَلُ دُرَيْدِ بْنِ الصّمّةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَلَمّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ أَتَوْا الطّائِفَ وَمَعَهُمْ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، وَعَسْكَرَ بَعْضُهُمْ بِأَوْطَاسٍ، وَتَوَجّهَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ نَخْلَةَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيمَنْ تَوَجّهَ نَحْوَ نَخْلَةَ إلّا بَنُو غِيَرَةَ مِنْ ثَقِيفٍ، وَتَبِعَتْ خَيْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ سَلَكَ فِي نَخْلَةَ مِنْ النّاسِ وَلَمْ تَتْبَعْ مَنْ سَلَكَ الثّنَايَا. فَأَدْرَكَ رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعِ بْنِ أُهْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ سَمّالِ بْنِ عَوْفِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الدّغُنّةِ وَهِيَ أُمّهُ فَغَلَبَتْ عَلَى اسْمِهِ وَيُقَالُ ابْنُ لَذْعَةَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ دُرَيْدَ بْنَ الصّمّةِ فَأَخَذَ بِخِطَامِ جَمَلِهِ وَهُوَ يَظُنّ أَنّهُ امْرَأَةٌ وَذَلِكَ أَنّهُ فِي شِجَارٍ لَهُ فَإِذَا بِرَجُلِ فَأَنَاخَ بِهِ فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ وَإِذَا هُوَ دُرَيْدُ بْنُ الصّمّةِ وَلَا يَعْرِفُهُ الْغُلَامُ فَقَالَ لَهُ دُرَيْدٌ مَاذَا تُرِيدُ بِي قَالَ أَقْتُلُك. قَالَ وَمَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعٍ السّلَمِيّ ثُمّ ضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ فَلَمْ يُغْنِ شَيْئًا، فَقَالَ بِئْسَ مَا سَلّحَتْك أُمّك خُذْ سَيْفِي هَذَا مِنْ مُؤَخّرِ الرّحْلِ وَكَانَ الرّحْلُ فِي الشّجَارِ ثُمّ اضْرِبْ بِهِ وَارْفَعْ عَنْ الْعِظَامِ وَاخْفِضْ عَنْ الدّمَاغِ فَإِنّي كُنْت كَذَلِكَ أَضْرِبُ الرّجَالَ ثُمّ إذَا أَتَيْتَ أُمّك فَأَخْبِرْهَا أَنّك قَتَلْت دُرَيْدَ بْنَ الصّمّةِ، فَرُبّ وَاَللّهِ يَوْمٍ قَدْ مَنَعْتُ فِيهِ نِسَاءَك فَزَعَمَ بَنُو سُلَيْمٍ أَنّ رَبِيعَةَ لَمّا ضَرَبَهُ فَوَقَعَ تَكَشّفَ فَإِذَا عِجَانُهُ وَبُطُونُ فَخِذَيْهِ مِثْلُ الْقِرْطَاسِ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ أَعْرَاءً فَلَمّا رَجَعَ رَبِيعَةُ إلَى أُمّهِ أَخْبَرَهَا بِقَتْلِهِ إيّاهُ فَقَالَتْ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ أَعْتَقَ أُمّهَاتٍ لَك ثَلَاثًا. فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ دُرَيْدٍ فِي قَتْلِ رَبِيعَةَ دُرَيْدًا:
لَعَمْرُكَ مَا خَشِيت عَلَى دُرَيْدٍ ** بِبَطْنِ سُمَيْرَة ٍ جَيْشَ الْعَنَاقِ

جَزَى عَنْهُ الْإِلَهُ بَنِي سُلَيْمٍ ** وَعَقّتْهُمْ بِمَا فَعَلُوا عَقَاقِ

وَأَسْقَانَا إذَا قُدْنَا إلَيْهِمْ ** دِمَاءَ خِيَارِهِمْ عِنْدَ التّلَاقِي

فَرُبّ عَظِيمَةٍ دَافَعْتَ عَنْهُمْ ** وَقَدْ بَلَغَتْ نَفُوسُهُمْ التّرَاقِي

وَرُبّ كَرِيمَةٍ أَعْتَقْتَ مِنْهُمْ ** وَأُخْرَى قَدْ فَكَكْتَ مِنْ الْوَثَاقِ

وَرُبّ مُنَوّهٍ بِكَ مِنْ سُلَيْمٍ ** أَجَبْتَ وَقَدْ دَعَاكَ بِلَا رَمَاقِ

فَكَانَ جَزَاؤُنَا مِنْهُمْ عُقُوقًا ** وَهَمّا مَاعَ مِنْهُ مُخّ سَاقِي

عَفَتْ آثَارُ خَيْلِك بَعْدَ أَيْنٍ ** بِذِي بَقَرٍ إلَى فَيْفِ النّهَاقِ

وَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ دُرَيْدٍ أَيْضًا:
قَالُوا قَتَلْنَا دُرَيْدًا قُلْتُ قَدْ صَدَقُوا ** فَظَلّ دَمْعِي عَلَى السّرْبَالِ يَنْحَدِرُ

لَوْلَا الّذِي قَهَرَ الْأَقْوَامَ كُلّهُمْ ** رَأَتْ سُلَيْمٌ وَكَعْبٌ كَيْفَ تَأْتَمِرُ

إذَنْ لَصَبّحَهُمْ غِبّا وَظَاهِرَةً ** حَيْثُ اسْتَقَرّتْ نَوَاهُمْ جَحْفَلٌ ذَفِرُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ اسْمُ الّذِي قَتَلَ دُرَيْدًا: عَبْدُ اللّهِ بْنُ قُنَيْعِ بْنِ أُهْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ.

.[مَقْتَلُ أَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيّ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي آثَارِ مَنْ تَوَجّهَ قِبَلَ أَوْطَاسٍ أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيّ فَأَدْرَكَ مِنْ النّاسِ بَعْضَ مَنْ انْهَزَمَ فَنَاوَشُوهُ الْقِتَالَ فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ بِسَهْمِ فَقُتِلَ فَأَخَذَ الرّايَةَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَهُوَ ابْنُ عَمّهِ وَهَزَمَهُمْ. فَيَزْعُمُونَ أَنّ سَلَمَةَ بْنَ دُرَيْدٍ هُوَ الّذِي رَمَى أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيّ بِسَهْمِ فَأَصَابَ رُكْبَتَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ:
إنْ تَسْأَلُوا عَنّي فَإِنّي سَلَمَهْ ** ابْنُ سَمَادِيرَ لِمَنْ تَوَسّمَهْ

أضْرِبُ بِالسّيْفِ رُءُوسَ الْمُسْلِمَهْ.

.[دُعَاءُ الرّسُولِ لِبَنِي رِئَابٍ]:

وَسَمَادِيرُ أُمّهُ. وَاسْتَحَرّ الْقَتْلُ مِنْ بَنِي نَصْر ٍ فِي بَنِي رِئَابٍ فَزَعَمُوا أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ قَيْسٍ وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَوْرَاءِ وَهُوَ أَحَدُ بَنِي وَهْبِ بْنِ رِئَاب ٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَلَكَتْ بَنُو رِئَابٍ فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ اللّهُمّ اُجْبُرْ مُصِيبَتَهُمْ.

.[وَصِيّةُ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ لِقَوْمِهِ وَلِقَاءُ الزّبَيْرِ لَهُمْ]:

وَخَرَجَ مَالِكُ بْنُ عَوْف ٍ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ فَوَقَفَ فِي فَوَارِسَ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى؟ ثَنِيّةٍ مِنْ الطّرِيقِ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ قِفُوا حَتّى تَمْضِيَ ضُعَفَاؤُكُمْ وَتَلْحَقَ أُخْرَاكُمْ. فَوَقَفَ هُنَاكَ حَتّى مَضَى مَنْ كَانَ لَحِقَ بِهِمْ مِنْ مُنْهَزِمَةِ النّاسِ فَقَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْف ٍ فِي ذَلِكَ:
وَلَوْلَا كَرّتَانِ عَلَى مُحَاجٍ ** لَضَاقَ عَلَى الْعَضَارِيطِ الطّرِيقُ

وَلَوْلَا كَرّ دُهْمَانَ بْنِ نَصْرٍ ** لَدَى النّخَلَاتِ مُنْدَفَعَ الشّدِيقِ

لَآبَتْ جَعْفَرٌ وَبَنُو هِلَالٍ ** خَزَايَا مُحْقِبِينَ عَلَى شُقُوقِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذِهِ الْأَبْيَاتُ لِمَالِكِ بْنِ عَوْفٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ. وَمِمّا يَدُلّك دُرَيْدِ بْنِ الصّمّةِ فِي صَدْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ؟ فَقَالُوا لَهُ لَمْ يَشْهَدْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَجَعْفَرٌ بْنُ كِلَابٍ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْف ٍ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ لَآبَتْ جَعْفَرٌ وَبَنُو هِلَالٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي أَنّ خَيْلًا طَلَعَتْ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى الثّنِيّةِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ مَاذَا تَرَوْنَ؟ فَقَالُوا: نَرَى قَوْمًا وَاضِعِي رِمَاحِهِمْ بَيْنَ آذَانِ خَيْلِهِمْ طَوِيلَةً بَوَادّهُمْ فَقَالَ هَؤُلَاءِ بَنُو سُلَيْمٍ، وَلَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ فَلَمّا أَقْبَلُوا سَلَكُوا بَطْنَ الْوَادِي. ثُمّ طَلَعَتْ خَيْلٌ أُخْرَى تَتْبَعُهَا، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ مَاذَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: نَرَى قَوْمًا عَارِضِي رِمَاحِهِمْ أَغْفَالًا عَلَى خَيْلِهِمْ فَقَالَ هَؤُلَاءِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، وَلَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ. فَلَمّا انْتَهَوْا إلَى أَصْلِ الثّنِيّةِ سَلَكُوا طَرِيقَ بَنِي سُلَيْمٍ. ثُمّ طَلَعَ فَارِسٌ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ مَاذَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: نَرَى فَارِسًا طَوِيلَ الْبَادّ وَاضِعًا رُمْحَهُ عَلَى عَاتِقِهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِمُلَاءَةِ حَمْرَاءَ فَقَالَ هَذَا الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ وَأَحْلِفُ بِاللّاتِ لَيُخَالِطَنّكُمْ فَاثْبُتُوا لَهُ. فَلَمّا انْتَهَى الزّبَيْرُ إلَى أَصْلِ الثّنِيّةِ أَبْصَرَ الْقَوْمَ فَصَمَدَ لَهُمْ فَلَمْ يَزَلْ يُطَاعِنُهُمْ حَتّى أَزَاحَهُمْ عَنْهَا.

.[شِعْرُ سَلَمَةَ فِي فِرَارِهِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ دُرَيْدٍ وَهُوَ يَسُوقُ بِامْرَأَتِهِ حَتّى أَعْجَزَهُمْ:
نَسّيْتِنِي مَا كُنْتِ غَيْرَ مُصَابَةٍ ** وَلَقَدْ عَرَفْتِ غَدَاةَ نَعْفِ الْأَظْرُبِ

أَنّي مَنَعْتُكِ وَالرّكُوبُ مُحَبّبٌ ** وَمَشَيْتُ خَلْفَكِ مِثْلَ مَشْيِ الْأَنْكَبِ

إذْ فَرّ كُلّ مُهَذّبٍ ذِي لِمّةٍ ** عَنْ أُمّهِ وَخَلِيلِهِ لَمْ يَعْقِبِ

.[بَقِيّةُ حَدِيثِ مَقْتَلِ أَبِي عَامِرٍ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ وَحَدِيثُهُ أَنّ أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيّ لَقِيَ يَوْمَ أَوْطَاسٍ عَشَرَةَ إخْوَةٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمْ فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَامِرٍ وَهُوَ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَقُولُ اللّهُمّ اشْهَدْ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ أَبُو عَامِرٍ ثُمّ حَمَلَ عَلَيْهِ آخَرُ فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَامِرٍ وَهُوَ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَقُولُ اللّهُمّ اشْهَدْ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ أَبُو عَامِرٍ ثُمّ جَعَلُوا يَحْمِلُونَ عَلَيْهِ رَجُلًا رَجُلًا، وَيَحْمِلُ أَبُو عَامِرٍ وَيَقُولُ ذَلِكَ حَتّى قَتَلَ تِسْعَةً وَبَقِيَ الْعَاشِرُ فَحَمَلَ عَلَى أَبِي عَامِرٍ وَحَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَامِرٍ وَهُوَ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَقُولُ اللّهُمّ اشْهَدْ عَلَيْهِ فَقَالَ الرّجُلُ اللّهُمّ لَا تَشْهَدْ عَلَيّ فَكَفّ عَنْهُ أَبُو عَامِرٍ فَأَفْلَتْ ثُمّ أَسْلَمَ بَعْدُ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ. فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا رَآهُ قَالَ هَذَا شَرِيدُ أَبِي عَامِرٍ. وَرَمَى أَبَا عَامِرٍ أَخَوَانِ الْعَلَاءُ وَأَوْفَى ابْنَا الْحَارِثِ مِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا قَلْبَهُ وَالْآخَرُ رُكْبَتَهُ فَقَتَلَاهُ. وَوَلِيَ النّاسَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَحَمَلَ عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ يَرْثِيهِمَا:
إنّ الرّزِيّةَ قَتْلُ الْعَلَاءِ ** وَأَوْفَى جَمِيعًا وَلَمْ يُسْنَدَا

هُمَا الْقَاتِلَانِ أَبَا عَامِرٍ ** وَقَدْ كَانَ ذَا هَبّةٍ أَرْبَدَا

هُمَا تَرَكَاهُ لَدَى مَعْرَكٍ ** كَأَنّ عَلَى عِطْفِهِ مُجْسَدَا

فَلَمْ تَرَ فِي النّاسِ مِثْلَيْهِمَا ** أَقَلّ عِثَارًا وَأَرْمَى يَدَا

.[نَهْيُ الرّسُولِ عَنْ قَتْلِ الضّعَفَاءِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرّ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَالنّاسُ. مُتَقَصّفُونَ عَلَيْهَا فَقَالَ مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: امْرَأَةٌ قَتَلَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِبَعْضِ مَنْ مَعَهُ أَدْرِكْ خَالِدًا، فَقُلْ لَهُ: إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْهَاك أَنْ تَقْتُلَ وَلِيدًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ عَسِيفًا.

.[شَأْنُ بِجَادٍ وَالشّيْمَاءِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَحَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمَئِذٍ إنْ قَدَرْتُمْ عَلَى بِجَادٍ، رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَلَا يُفْلِتَنّكُم، وَكَانَ قَدْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَلَمّا ظَفِرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ سَاقُوهُ وَأَهْلَهُ وَسَاقُوا مَعَهُ الشّيْمَاءَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى أُخْتَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الرّضَاعَةِ فَعَنُفُوا عَلَيْهَا فِي السّيَاقِ فَقَالَتْ لِلْمُسْلِمِينَ تَعَلَمُوا وَاَللّهِ أَنّي لَأُخْتُ صَاحِبِكُمْ مِنْ الرّضَاعَةِ فَلَمْ يُصَدّقُوهَا حَتّى أَتَوْا بِهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ السّعْدِيّ، قَالَ فَلَمّا اُنْتُهِيَ بِهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أُخْتُك مِنْ الرّضَاعَةِ قَالَ وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ قَالَتْ عَضّةٌ عَضَضْتَنِيهَا فِي ظَهْرِي وَأَنَا مُتَوَرّكَتُك؛ قَالَ فَعَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَلَامَةَ فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ فَأَجْلَسَهَا عَلَيْهِ وَخَيّرَهَا، وَقَالَ إنْ أَحْبَبْتِ فَعِنْدِي مُحَبّةٌ مُكْرَمَةٌ وَإِنْ أَحْبَبْتِ أَنْ أُمَتّعَك وَتَرْجِعِي إلَى قَوْمِك فَعَلْتُ فَقَالَتْ بَلْ تُمَتّعُنِي وَتَرُدّنِي إلَى قَوْمِي.فَمَتّعَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَدّهَا إلَى قَوْمِهَا. فَزَعَمَتْ بَنُو سَعْدٍ أَنّهُ أَعْطَاهَا غُلَامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ مَكْحُولٌ، وَجَارِيَةً فَزَوّجَتْ أَحَدَهُمَا الْأُخْرَى، فَلَمْ يَزَلْ فِيهِمْ مِنْ نَسْلِهِمَا بَقِيّةٌ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} إلَى قَوْلِهِ {وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ}.

.[تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. مِنْ قُرَيْشٍ ثُمّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ. وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: يَزِيدُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، جَمَحَ بِهِ فَرَسٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ الْجَنَاحُ فَقُتِلَ. وَمِنْ الْأَنْصَارِ: سُرَاقَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ. وَمِنْ الْأَشْعَرِيّينَ أَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيّ.

.[جَمْعُ سَبَايَا حُنَيْنٍ]:

ثُمّ جُمِعَتْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَبَايَا حُنَيْنٍ وَأَمْوَالُهَا، وَكَانَ عَلَى الْمَغَانِمِ مَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيّ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالسّبَايَا وَالْأَمْوَالِ إلَى الْجِعْرَانَةِ، فَحُبِسَتْ بِهَا.

.[شِعْرُ بُجَيْرٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ]:

وَقَالُ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ:
لَوْلَا الْإِلَهُ وَعَبْدُهُ وَلّيْتُمْ ** حِينَ اسْتَخَفّ الرّعْبُ كُلّ جَبَانِ

بِالْجِزْعِ يَوْمَ حَبَا لَنَا أَقْرَانُنَا ** وَسَوَابِحٌ يَكْبُونَ لِلْأَذْقَانِ

مِنْ بَيْنِ سَاعٍ ثَوْبُهُ فِي كَفّهِ ** وَمُقَطّرٍ بِسَنَابِكِ وَلَبَانِ

وَاَللّهُ أَكْرَمَنَا وَأَظْهَرَ دِينَنَا ** وَأَعَزّنَا بِعِبَادَةِ الرّحْمَنِ

وَاَللّهُ أَهْلَكَهُمْ وَفَرّقَ جَمْعَهُمْ ** وَأَذَلّهُمْ بِعِبَادَةِ الشّيْطَانِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيَرْوِي فِيهَا بَعْضُ الرّوَاةِ:
إذْ قَامَ عَمّ نَبِيّكُمْ وَوَلِيّهُ ** يَدْعُونَ يَا لَكَتِيبَةِ الْإِيمَانِ

أَيْنَ الّذِينَ هُمْ أَجَابُوا رَبّهُمْ ** يَوْمَ الْعُرَيْضِ وَبَيْعَةِ الرّضْوَانِ

.[شِعْرٌ لِعَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ:
إنّي وَالسّوَابِحَ يَوْمَ جَمْعٍ ** وَمَا يَتْلُو الرّسُولُ مِنْ الْكِتَابِ

لَقَدْ أَحْبَبْتُ مَا لَقِيَتْ ثَقِيفٌ ** بِجَنْبِ الشّعْبِ أَمْسِ مِنْ الْعَذَابِ

هُمْ رَأْسُ الْعَدُوّ مِنْ اهْلِ نَجْدٍ ** فَقَتْلُهُمْ أَلَذّ مْنَ الشّرَابِ

هَزَمْنَا الْجَمْعَ جَمْعَ بَنِي قَسِيّ ** وَحَكّتْ بَرْكَهَا بِبَنِي رِئَابِ

وَصِرْمًا مِنْ هِلَالٍ غَادَرَتْهُمْ ** بِأَوْطَاسٍ تُعَفّرُ بِالتّرَابِ

وَلَوْ لَاقَيْنَ جَمْعَ بَنِي كِلَابٍ ** لَقَامَ نِسَاؤُهُمْ وَالنّقْعُ كَابِي

رَكَضْنَا الْخَيْلَ فِيهِمْ بَيْنَ بُسّ ** إلَى الْأَوْرَالِ تَنْحِطُ بِالنّهَابِ

بِذِي لَجَبٍ رَسُولُ اللّهِ فِيهِمْ ** كَتِيبَتُهُ تَعَرّضُ لِلضّرَابِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قوله: تُعَفّرُ بِالتّرَابِ: عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.

.[شِعْرُ ابْنِ عُفَيّفٍ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ مِرْدَاسٍ]:

فَأَجَابَهُ عَطِيّةُ بْنُ عُفَيّفٍ النّصْرِيّ فِيمَا حَدّثَنَا ابْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ:
أَفَاخِرَةٌ رِفَاعَةُ فِي حُنَيْنٍ ** وَعَبّاسُ بْنُ رَاضِعَةِ اللّجَابِ

فَانّكَ وَالْفِجَارَ كَذَاتِ مِرْطٍ ** لِرَبّتِهَا وَتَرْفُلُ فِي الْإِهَابِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ عَطِيّةُ بْنُ عُفَيّفٍ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ لَمّا أَكْثَرَ عَبّاسٌ عَلَى هَوَازِنَ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ. وَرِفَاعَةُ مِنْ جُهَيْنَةَ.

.[شِعْرٌ آخَرُ لِعَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا:
يَا خَاتَمُ النّبَآءِ إنّكَ مُرْسَلٌ ** بِالْحَقّ كُلّ، هُدَى السّبِيلِ هُدَاكَا

إنّ الْإِلَهَ بَنَى عَلَيْك مَحَبّةً ** فِي خَلْقِهِ وَمُحَمّدًا سَمّاكَا

ثُمّ الّذِينَ وَفَوْا بِمَا عَاهَدْتَهُمْ ** جُنْدٌ بَعَثْتَ عَلَيْهِمْ الضّحّاكَا

رَجُلًا بِهِ ذَرَبُ السّلَاحِ كَأَنّهُ ** لَمّا تَكَنّفَهُ الْعَدُوّ يَرَاكَا

يَغْشَى ذَوِي النّسَبِ الْقَرِيبِ وَإِنّمَا ** يَبْغِي رِضَا الرّحْمَنِ ثُمّ رِضَاكَا

أُنْبِيكَ أَنّي قَدْ رَأَيْتُ مَكَرّهُ ** تَحْتَ الْعَجَاجَةِ يَدْمَغُ الْإِشْرَاكَا

طَوْرًا يُعَانِقُ بِالْيَدَيْنِ وَتَارَةً ** يَفْرِي الْجَمَاجِمَ صَارِمًا بَتّاكَا

يَغْشَى بِهِ هَامَ الْكُمَاةِ وَلَوْ تَرَى ** مِنْهُ الّذِي عَايَنْتُ كَانَ شِفَاكَا

وَبَنُو سُلَيْمٍ مُعْنِقُونَ أَمَامَهُ ** ضَرْبًا وَطَعْنًا فِي الْعَدُوّ دِرَاكًا

يَمْشُونَ تَحْتَ لِوَائِهِ وَكَأَنّهُمْ ** أُسْدُ الْعَرِينِ أَرَدْنَ ثَمّ عِرَاكَا

مَا يَرْتَجُونَ مِنْ الْقَرِيبِ قَرَابَةً ** إلّا لِطَاعَةِ رَبّهِمْ وَهَوَاكَا

هَذِي مَشَاهِدُنَا الّتِي كَانَتْ لَنَا ** مَعْرُوفَةً وَوَلِيّنَا مَوْلَاكَا

وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا:
إمّا تَرَيْ يَا أُمّ فَرْوَةَ خَيْلَنَا ** مِنْهَا مُعَطّلَةٌ تُقَادُ وظُلّعُ

أَوْهَى مُقَارَعَةُ الْأَعَادِي دَمّهَا ** فِيهَا نَوَافِذُ مِنْ جِرَاحٍ تَنْبَعُ

فَلَرُبّ قَائِلَةٍ كَفَاهَا وَقْعُنَا ** أَزْمَ الْحُرُوبِ فَسِرْبُهَا لَا يُفْزَعُ

لَا وَفْدَ كَالْوَفْدِ الْأُلَى عَقَدُوا لَنَا ** سَبَبًا بِحَبْلِ مُحَمّدٍ لَا يُقْطَعُ

وَفْدٌ أَبُو قَطَنٍ حُزَابَةُ مِنْهُمْ ** وَأَبُو الْغُيُوثِ وَوَاسِعٌ وَالْمِقْنَعُ

وَالْقَائِدُ الْمِئَةُ الّتِي وَفّى بِهَا ** تِسْعَ الْمِئِينَ فَتَمّ أَلْفٌ أَقْرَعُ

جَمَعَتْ بَنُو عَوْفٍ وَرَهْطُ مُخَاشِنٍ ** سِتّا وَأَحْلُبُ مِنْ خُفَافٍ أَرْبَعُ

فَهُنَاكَ إذْ نُصِرَ النّبِيّ بِأَلْفِنَا ** عَقَدَ النّبِيّ لَنَا لِوَاءً يَلْمَعُ

ر فُزْنَا بِرَايَتِهِ وَأَوْرَثَ عَقْدُهُ ** مَجْدَ الْحَيَاةِ وسُودَدًا لَا يُنْزَعُ

وَغَدَاةَ نَحْنُ مَعَ النّبِيّ جَنَاحُهُ ** بِبِطَاحِ مَكّةَ وَالْقَنَا يَتَهَزّعُ

كَانَتْ إجَابَتُنَا لِدَاعِي رَبّنَا ** بِالْحَقّ مِنّا حَاسِرٌ وَمُقَنّعُ

فِي كُلّ سَابِغَةٍ تَخَيّرَ سَرْدَهَا ** دَاوُدُ إذْ نَسَجَ الْحَدِيدَ وَتُبّعُ

وَلَنَا عَلَى بِئْرَيْ حُنَيْنٍ مَوْكِبٌ ** دَمَغَ النّفَاقَ وَهَضْبَةٌ مَا تُقْلَعُ

نُصِرَ النّبِيّ بِنَا وَكُنّا ** مَعْشَرًا فِي كُلّ نَائِبَةٍ نَضُرّ وَنَنْفَعُ

ذُدْنَا غَدَاتَئِذٍ هَوَازِنَ بِالْقَنَا ** وَالْخَيْلُ يَغْمُرُهَا عَجَاجٌ يَسْطَعُ

إذْ خَافَ حَدّهُمْ النّبِيّ وَأَسْنَدُوا ** جَمْعًا تَكَادُ الشّمْسُ مِنْهُ تَخْشَعُ

تُدْعَى بَنُو جُشَمٍ وَتُدْعَى وَسْطَهُ ** أَفْنَاءُ نَصْرٍ وَالْأَسِنّةُ شُرّعُ

حَتّى إذَا قَالَ الرّسُولُ مُحَمّدٌ ** أَبَنِي سُلَيْمٍ قَدْ وَفَيْتُمْ فَارْفَعُوا

رُحْنَا وَلَوْلَا نَحْنُ أَجْحَفَ بَأْسُهُمْ ** بِالْمُؤْمِنِينَ وَأَحْرَزُوا ماَ جَمّعُوا

وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ:
عَفَا مِجْدَلٌ مِنْ أَهْلِهِ فَمُتَالِعُ ** فَمِطْلَا أَرِيكٍ قَدْ خَلَا فَالْمَصَانِعُ

دِيَارٌ لَنَا يَا جُمْلُ إذْ جُلّ عَيْشِنَا ** رَخِيّ وَصَرْفُ الدّارِ لِلْحَيّ جَامِعُ

حُبَيّبَةٌ أَلْوَتْ بِهَا غُرْبَةُ النّوَى ** لِبَيْنِ فَهَلْ مَاضٍ مِنْ الْعَيْشِ رَاجِعُ

فَإِنْ تَبْتَغِي الْكُفّارَ غَيْرَ مَلُومَةٍ ** فَإِنّي وَزِيرٌ لِلنّبِيّ وَتَابِعُ

دَعَانَا إلَيْهِمْ خَيْرُ وَفْدٍ عَلِمْتُهُمْ ** خُزَيمَةُ وَالْمَرّارُ مِنْهُمْ وَوَاسِعُ

فَجِئْنَا بِأَلْفِ مِنْ سُلَيْمٍ عَلَيْهِمْ ** لَبُوسٌ لَهُمْ مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ رَائِعُ

نُبَايِعُهُ بِالْأَخْشَبَيْنِ وَإِنّمَا ** يَدَ اللّهِ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ نُبَايِعُ

فَجُسْنَا مَعَ الْمَهْدِيّ مَكّةَ عَنْوَةً ** بِأَسْيَافِنَا وَالنّقْعُ كَابٍ وَسَاطِعُ

عَدَنِيّةً وَالْخَيْلُ يَغْشَى مُتُونَهَا ** حَمِيمٌ وَآنٍ مِنْ دَمِ الْجَوْفِ نَاقِعُ

وَيَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ سَارَتْ هَوَازِنُ ** إلَيْنَا وَضَاقَتْ بِالنّفُوسِ الْأَضَالِعُ

صَبَرْنَا مَعَ الضّحّاكِ لَا يَسْتَفِزّنَا ** قِرَاعُ الْأَعَادِي مِنْهُمْ وَالْوَقَائِعُ

أَمَامَ رَسُولِ اللّهِ يَخْفِقُ فَوْقَنَا ** لِوَاءٌ كَخُذْرُوفِ السّحَابَةِ لَامِعُ

عَشِيّةَ ضَحّاكُ بْنُ سُفْيَانَ مُعْتَصٍ ** بِسَيْفِ رَسُولِ اللّهِ وَالْمَوْتُ كَانِعُ

نَذُودُ أَخَانَا عَنْ أَخِينَا وَلَوْ نَرَى ** مَصَالًا لَكُنّا الْأَقْرَبِينَ نُتَابِعُ

وَلَكِنّ دِينَ اللّهِ دِينُ مُحَمّدٍ ** رَضِينَا بِهِ فِيهِ الْهُدَى وَالشّرَائِعُ

أَقَامَ بِهِ بَعْدَ الضّلَالَةِ أَمْرَنَا ** وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمّهُ اللّهُ دَافِعُ

وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ:
تَقَطّعَ بَاقِي وَصْلِ أُمّ مُؤَمّلٍ ** بِعَاقِبَةِ وَاسْتَبْدَلَتْ نِيّةً خُلْفَا

وَقَدْ حَلَفَتْ بِاَللّهِ لَا تَقْطَعُ الْقُوَى ** فَمَا صَدَقَتْ فِيهِ وَلَا بَرّتْ الْحَلْفَا

خُفَافِيّةٌ بَطْنُ الْعَقِيقِ مَصِيفُهَا ** وَتَحْتَلّ فِي الْبَادِينَ وَجْرَةَ فَالْعُرْفَا

فَإِنْ تَتْبَعْ الْكُفّارَ أُمّ مُؤَمّلٍ ** فَقَدْ زَوّدَتْ قَلْبِي عَلَى نَأْيِهَا شَغْفَا

وَسَوْفَ يُنَبّيهَا الْخَبِيرُ بِأَنّنَا ** أَبَيْنَا وَلَمْ نَطْلُبْ سِوَى رَبّنَا حِلْفَا

وَأَنّا مَعَ الْهَادِي النّبِيّ مُحَمّدٍ ** وَفَيْنَا وَلَمْ يَسْتَوْفِهَا مَعْشَرٌ أَلْفَا

بِفِتْيَانِ صِدْقٍ مِنْ سُلَيْمٍ أَعِزّةٍ ** أَطَاعُوا فَمَا يَعْصُونَ مِنْ أَمْرِهِ حَرْفَا

خُفَافٌ وذَكْوَانٌ وَعَوْفٌ تَخَالُهُمْ ** مَصَاعِبَ زَافَتْ فِي طَرُوقَتِهَا كُلْفَا

كَأَنّ النّسِيجَ الشُهْبَ وَالْبِيضَ مُلْبَسٌ ** أُسُودًا تَلَاقَتْ فِي مَرَاصِدِهَا غُضْفَا

بِنَا عَزّ دِينُ اللّهِ غَيْرَ تَنَحّلٍ ** وَزِدْنَا عَلَى الْحَيّ الّذِي مَعَهُ ضِعْفَا

بِمَكّةَ إذْ جِئْنَا كَأَنّ لِوَاءَنَا ** عُقَابٌ أَرَادَتْ بَعْدَ تَحْلِيقِهَا خَطْفَا

عَلَى شُخّصِ الْأَبْصَارِ تَحْسِبُ بَيْنَهَا ** إذَا هِيَ جَالَتْ فِي مَرَاوِدِهَا عَزْفَا

غَدَاةَ وَطِئْنَا الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ نَجِدْ ** لِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ عَدْلًا وَلَا صَرْفَا

بِمُعْتَرَكٍ لَا يَسْمَعُ الْقَوْمُ وَسْطَهُ ** لَنَا زَجْمَةٌ إلّا التّذَامُرَ وَالنّقْفَا

بِبِيضٍ نُطِيرُ الْهَامَ عَنْ مُسْتَقَرّهَا ** وَنَقْطِفُ أَعْنَاقَ الْكُمَاةِ بِهَا قَطْفَا

فَكَائِنْ تَرَكْنَا مِنْ قَتِيلٍ مُلَحّبٍ ** وَأَرْمَلَةٍ تَدْعُو عَلَى بَعْلِهَا لَهْفَا

رِضَا اللّهِ نَنْوِي لَا رِضَا النّاسِ نَبْتَغِي ** وَلِلّهِ مَا يَبْدُو جَمِيعًا وَمَا يَخْفَى

وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاس ٍ أَيْضًا:
مَا بَالُ عَيْنِكَ فِيهَا عَائِرٌ سَهِرٌ ** مِثْلُ الْحَمَاطَةِ أَغْضَى فَوْقَهَا الشّفُرُ

عَيْنٌ تَأَوّبَهَا مِنْ شَجْوِهَا أَرَقٌ ** فَالْمَاءُ يَغْمُرُهَا طَوْرًا وَيَنْحَدِرُ

كَأَنّهُ نَظْمُ دُرّ عِنْدَ نَاظِمَةٍ ** تَقَطّعُ السّلْكُ مِنْهُ فَهُوَ مُئْتَثِرُ

يَا بُعْدَ مَنْزِلِ مَنْ تَرْجُو مَوَدّتَهُ ** وَمَنْ أَتَى دُونَهُ الصّمّانُ فَالْحَفَرُ

دَعْ مَا تَقَدّمَ مِنْ عَهْدِ الشّبَابِ فَقَدْ ** وَلّى الشّبَابُ وَزَارَ الشّيْبُ وَالزّعَرُ

وَاذْكُرْ بَلَاءَ سُلَيْمٍ فِي مَوَاطِنِهَا ** وَفِي سُلَيْمٍ لِأَهْلِ الْفَخْرِ مُفْتَخَرُ

قَوْمٌ هُمْ نَصَرُوا الرّحْمَنَ وَاتّبَعُوا ** دِينَ الرّسُولِ وَأَمْرُ النّاسِ مُشْتَجِرُ

لَا يَغْرِسُونَ فَسِيلَ النّخْلِ وَسْطَهُمْ ** وَلَا تَخَاوَرُ فِي مَشْتَاهُمْ الْبَقَرُ

إلّا سَوَابِحَ كَالْعِقْبَانِ مَقْرَبَةً ** فِي دَارَةٍ حَوْلَهَا الْأَخْطَارُ وَالْعَكَرُ

تُدْعَى خُفَافٌ وَعَوْفٌ فِي جَوَانِبِهَا ** وَحَيّ ذَكْوَانَ لَا مِيلٌ وَلَا ضُجُرُ

الضّارِبُونَ جُنُودَ الشّرْكِ ضَاحِيَةً ** بِبَطْنِ مَكّةَ وَالْأَرْوَاحُ تَبْتَدِرُ

حَتّى دَفَعْنَا وَقَتْلَاهُمْ كَأَنّهُمْ ** نَخْلٌ بِظَاهِرَةِ الْبَطْحَاءِ مُنْقَعِرُ

وَنَحْنُ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَ مَشْهَدُنَا ** لِلدّينِ عِزّا وَعِنْدَ اللّهِ مُدّخَرُ

إذْ نَرْكَبُ الْمَوْتَ مُخْضَرّا بَطَائِنُهُ ** وَالْخَيْلُ يَنْجَابُ عَنْهَا سَاطِعٌ كَدِرُ

تَحْتَ اللّوَاءِ مَعَ الضّحّاكِ يَقْدُمُنَا ** كَمَا مَشَى اللّيْثُ فِي غَابَاتِهِ الْخَدِرُ

فِي مَأْزِقٍ مِنْ مَجَرّ الْحَرْبِ كَلْكَلُهَا ** تَكَادُ تَأْفِلُ مِنْهُ الشّمْسُ وَالْقَمَرُ

وَقَدْ صَبَرْنَا بِأَوْطَاسٍ أَسِنّتَنَا ** لِلّهِ نَنْصُرُ مَنْ شِئْنَا وَنَنْتَصِرُ

حَتّى تَأَوّبَ أَقْوَامٌ مَنَازِلَهُمْ ** لَوْلَا الْمَلِيكُ وَلَوْلَا نَحْنُ مَا صَدَرُوا

فَمَا تَرَى مَعْشَرًا قَلّوا وَلَا كَثُرُوا ** إلّا قَدَ اصْبَحَ مِنّا فِيهِمْ أَثَرُ

وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا:
يَأَيّهَا الرّجُلُ الّذِي تَهْوِي بِهِ ** وَجْنَاءُ مُجْمَرَةُ الْمَنَاسِمِ عِرْمِسُ

إمّا أَتَيْتَ عَلَى النّبِيّ فَقُلْ لَهُ ** حَقّا عَلْيَكَ إذَا اطْمَأَنّ الْمَجْلِسُ

يَا خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطِيّ وَمَنْ مَشَى ** فَوْقَ التّرَابِ إذَا تُعَدّ الْأَنْفُسُ

إنّا وَفَيْنَا بِاَلّذِي عَاهَدْتَنَا ** وَالْخَيْلُ تُقْدَعُ بِالْكُمَاةِ وَتُضْرَسُ

إذَا سَالَ مِنْ أَفْنَاءِ بُهْثَةَ كُلّهَا ** جَمْعٌ تَظَلّ بِهِ الْمَخَارِمُ تَرْجُسُ

حَتّى صَبَحْنَا أَهْلَ مَكّةَ فَيْلَقًا ** شَهْبَاءَ يَقْدُمُهَا الْهُمَامُ الْأَشْوَسُ

مِنْ كُلّ أَغْلَبَ مِنْ سُلَيْمٍ فَوْقَهُ ** بَيْضَاءُ مُحْكَمَةُ الدّخَالِ وَقَوْنَسُ

يُرْوِي الْقَنَاةَ إذَا تَجَاسَرَ فِي الْوَغَى ** وَتَخَالُهُ أَسَدًا إذَا مَا يَعْبِسُ

يَغْشَى الْكَتِيبَةَ مُعْلِمًا وَبِكَفّهِ ** عَضْبٌ يَقُدّ بِهِ وَلَدْنٌ مِدْعَسُ

وَعَلَى حُنَيْنٍ قَدْ وَفَى مِنْ جَمْعِنَا ** أَلْفٌ أُمِدّ بِهِ الرّسُولُ عَرَنْدَسُ

كَانُوا أَمَامَ الْمُؤْمِنِينَ دَرِيئَةً ** وَالشّمْسُ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهِمْ أَشْمُسُ

نَمْضِي وَيَحْرُسُنَا الْإِلَهُ بِحِفْظِهِ ** وَاَللّهُ لَيْسَ بِضَائِعِ مَنْ يَحْرُسُ

وَلَقَدْ حُبِسْنَا بِالْمَنَاقِبِ مَحْبِسًا ** رَضِىَ الْإِلَهُ بِهِ فَنِعْمَ الْمَحْبِسُ

وَغَدَاةَ أَوْطَاسٍ شَدَدْنَا شَدّةً ** كَفَتْ الْعَدُوّ وَقِيلَ مِنْهَا: يَا احْبِسُوا

تَدْعُو هَوَازِنُ بِالْإِخَاوَةِ بَيْنَنَا ** ثَدْيٌ تَمُدّ بِهِ هَوَازِنُ أَيْبَسُ

حَتّى تَرَكْنَا جَمْعَهُمْ وَكَأَنّهُ ** عَيْرٌ تَعَاقَبَهُ السّبَاعُ مُفَرّسُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي خَلَفٌ الْأَحْمَرُ قوله: وَقِيلَ مِنْهَا يَا احْبِسُوا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا:
نَصَرْنَا رَسُولَ اللّهِ مِنْ غَضَبٍ لَهُ ** بِأَلْفِ كَمِيّ لَا تُعَدّ حَوَاسِرُهْ

حَمَلْنَا لَهُ فِي عَامِلِ الرّمْحِ رَايَةً ** يَذُودُ بِهَا فِي حَوْمَةِ الْمَوْتِ نَاصِرُهْ

وَنَحْنُ خَضَبْنَاهَا دَمًا فَهْوَ لَوْنُهَا ** غَدَاةَ حُنَيْنٍ يَوْمَ صَفْوَانُ شَاجِرُهْ

وَكُنّا عَلَى الْإِسْلَامِ مَيْمَنَةً لَهُ ** وَكَانَ لَنَا عَقْدُ اللّوَاءِ وَشَاهِرُهْ

وَكُنّا لَهُ دُونَ الْجُنُودِ بِطَانَةً ** يُشَاوِرُنَا فِي أَمْرِهِ وَنُشَاوِرُهْ

دَعَانَا فَسَمّانَا الشّعَارَ مُقَدّمًا ** وَكُنّا لَهُ عَوْنًا عَلَى مَنْ يُنَاكِرُهْ

جَزَى اللّهُ خَيْرًا مِنْ نَبِيّ مُحَمّدًا ** وَأَيّدَهُ بِالنّصْرِ وَاَللّهُ نَاصِرُهْ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي مِنْ قوله: وَكُنّا عَلَى الْإِسْلَامِ إلَى آخِرِهَا، بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ وَلَمْ يَعْرِفْ الْبَيْتَ الّذِي أَوّلُهُ:
حَمَلْنَا لَهُ فِي عَامِلِ الرّمْحِ رَايَةً

وَأَنْشَدَنِي بَعْدَ قوله:
وَكَانَ لَنَا عَقْدُ اللّوَاءِ وَشَاهِرُهْ

وَنَحْنُ خَضَبْنَاهُ دَمًا فَهُوَ لَوْنُهُ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا:
مَنْ مُبْلِغُ الْأَقْوَامِ أَنّ مُحَمّدًا ** رَسُولَ الْإِلَهِ رَاشِدٌ حَيْثُ يَمّمَا

دَعَا رَبّهُ وَاسْتَنْصَرَ اللّهَ وَحْدَهُ ** فَأَصْبَحَ قَدْ وَفّى إلَيْهِ وَأَنْعَمَا

سَرَيْنَا وَوَاعَدْنَا قُدَيْدًا مُحَمّدًا ** يَؤُمّ بِنَا أَمْرًا مِنْ اللّهِ مُحْكَمَا

تَمَارَوْا بِنَا فِي الْفَجْرِ حَتّى تَبَيّنُوا ** مَعَ الْفَجْرِ فِتْيَانًا وَغَابًا مُقَوّمًا

عَلَى الْخَيْلِ مَشْدُودًا عَلَيْنَا دُرُوعُنَا ** وَرَجْلًا كَدُفّاعِ الْأَتِيّ عَرَمْرَمَا

فَإِنّ سَرَاةَ الْحَيّ إنْ كُنْتَ سَائِلًا ** سُلَيْمٌ وَفِيهِمْ مِنْهُمْ مَنْ تَسَلّمَا

وَجُنْدٌ مِنْ الْأَنْصَارِ لَا يَخْذُلُونَهُ ** أَطَاعُوا فَمَا يَعْصُونَهُ مَا تَكَلّمَا

فَإِنْ تَكُ قَدْ أَمّرْتَ فِي الْقَوْمِ خَالِدًا ** وَقَدّمْتَهُ فَإِنّهُ قَدْ تَقَدّمَا

بِجُنْدٍ هَدَاهُ اللّهُ أَنْتَ أَمِيرُهُ ** تُصِيبُ بِهِ فِي الْحَقّ مَنْ كَانَ أَظْلَمَا

حَلَفْتُ يَمِينًا بَرّةً لِمُحَمّدٍ ** فَأَكْمَلْتُهَا أَلْفًا مِنْ الْخَيْلِ مُلْجَمَا

وَقَالَ نَبِيّ الْمُؤْمِنِينَ تَقَدّمُوا ** وَحُبّ إلَيْنَا أَنْ نَكُونَ الْمُقَدّمَا

وَبِتْنَا بِنَهْيِ الْمُسْتَدِيرِ وَلَمْ يَكُنْ ** بِنَا الْخَوْفُ إلّا رَغْبَةً وَتَحَزّمَا

أَطَعْنَاكَ حَتّى أَسْلَمَ النّاسُ كُلّهُمْ ** وَحَتّى صَبَحْنَا الْجَمْعَ أَهْلَ يَلَمْلَمَا

يَضِلّ الْحِصَانُ الْأَبْلَقُ الْوَرْدُ وَسْطَهُ ** وَلَا يَطْمَئِنّ الشّيْخُ حَتّى يُسَوّمَا

سَمَوْنَا لَهُمْ وِرْدَ الْقَطَا زَفّهُ ** ضُحَى وَكُلّ تَرَاهُ عَنْ أَخِيهِ قَدَ احْجَمَا

لَدُنْ غُدْوَةً حَتّى تَرَكْنَا عَشِيّةً ** حُنَيْنًا وَقَدْ سَالَتْ دَوَافِعُهُ دَمَا

إذَا شِئْتَ مِنْ كُلّ رَأَيْتَ طِمِرّةً ** وَفَارِسَهَا يَهْوِى وَرُمْحًا مُحَطّمَا

وَقَدْ أَحْرَزَتْ مِنّا هَوَازِنُ سَرْبَهَا ** وَحُبّ إلَيْهَا أَنْ نَخِيبَ وَنُحْرَمَا