فصل: (شِعْرُ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِي مَرْثِيّتِهِ الرّسُولَ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» (نسخة منقحة)



.[شِعْرُ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِي مَرْثِيّتِهِ الرّسُولَ]:

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا حَدّثَنَا ابْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ:
بِطَيْبَةَ رَسْمٌ لِلرّسُولِ وَمَعْهَدُ ** مُنِيرٌ وَقَدْ تَعْفُو الرّسُومُ وَتَهْمُدُ

وَلَا تَمْتَحِي الْآيَاتُ مِنْ دَارِ حُرْمَةٍ ** بِهَا مِنْبَرُ الْهَادِي الّذِي كَانَ يَصْعَدُ

وَوَاضِحُ آثَارٍ وَبَاقِي مَعَالِمَ ** وَرَبْعٌ لَهُ فِيهِ مُصَلّى وَمَسْجِدُ

بِهَا حُجُرَاتٌ كَانَ يَنْزِلُ وَسْطَهَا ** مِنْ اللّهِ نُورٌ يُسْتَضَاءُ وَيُوقَدُ

مَعَارِفُ لَمْ تُطْمَسْ عَلَى الْعَهْدِآيُهَا ** أَتَاهَا الْبِلَى فَالْآيُ مِنْهَا تَجَدّدُ

عَرَفْتُ بِهَا رَسْمَ الرّسُولِ وَعَهْدَهُ ** وَقَبْرًا بِهَا وَارَاهُ فِي التّرْبِ مُلْحِدُ

ظَلِلْت بِهَا أَبْكِي الرّسُولَ فَأَسْعَدَتْ ** عُيُونٌ وَمِثْلَاهَا مِنْ الْجَفْنِ تُسْعَدُ

يُذَكّرْنَ آلَاءَ الرّسُولِ وَمَا أَرَى ** لَهَا مُحْصِيًا نَفْسِي فَنَفْسِيّ تَبَلّدُ

مُفَجّعَةً قَدْ شَفّهَا فَقْدُ أَحْمَدَ ** فَظَلّتْ لِآلَاءِ الرّسُولِ تُعَدّدُ

وَمَا بَلَغَتْ مِنْ كُلّ أَمْرٍ عَشِيرَهُ ** وَلَكِنْ لِنَفْسِي بَعْدَ مَا قَدْ تَوَجّدُ

أَطَالَتْ وُقُوفًا تَذْرِفُ الْعَيْنَ جُهْدَهَا ** عَلَى طَلَلِ الْقَبْرِ الّذِي فِيهِ أَحْمَدُ

فَبُورِكْتَ يَا قَبْرَ الرّسُولِ وَبُورِكَتْ ** بِلَادٌ ثَوَى فِيهَا الرّشِيدُ الْمُسَدّدُ

وَبُورِكَ لَحْدٌ مِنْكَ ضُمّن طَيّبًا ** عَلَيْهِ بِنَاءٌ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضّدُ

تَهِيلُ عَلَيْهِ التّرَبَ أَيْدٍ وَأَعْيُنٍ ** عَلَيْهِ وَقَدْ غَارَتْ بِذَلِكَ أَسْعَدُ

لَقَدْ غَيّبُوا حُلْمًا وَعِلْمًا وَرَحْمَةً ** عَشِيّةَ عَلّوْهُ الثّرَى لَا يُوَسّدُ

وَرَاحُوا بِحُزْنٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيّهُمْ ** وَقَدْ وَهَنَتْ مِنْهُمْ ظُهُورٌ وَأَعْضُدُ

يُبَكّونَ مَنْ تَبْكِي السّمَوَاتُ يَوْمَهُ ** وَمَنْ قَدْ بَكَتْهُ الْأَرْضُ فَالنّاسُ أَكَمَدُ

وَهَلْ عَدَلَتْ يَوْمًا رَزِيّةُ هَالِكٍ ** رَزِيّةَ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمّدُ؟

تَقَطّعُ فِيهِ مَنْزِلُ الْوَحْيِ عَنْهُمْ ** وَقَدْ كَانَ ذَا نُورٍ يَغُورُ وَيُنَجّدُ

يَدُلّ عَلَى الرّحْمَنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ ** وَيُنْقِذُ مِنْ هَوْلِ الْخَزَايَا وَيُرْشِدُ

إمَامٌ لَهُمْ يَهْدِيهِمْ الْحَقّ جَاهِدًا ** مُعَلّمُ صِدْقٍ إنْ يُطِيعُوهُ يُسْعَدُوا

عَفْوٌ عَنْ الزّلّاتِ يَقْبَلُ عُذْرَهُمْ ** وَإِنّ يُحْسِنُوا فَاَللّهُ بِالْخَيْرِ أَجْوَدُ

وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ لَمْ يَقُومُوا بِحَمْلِهِ ** فَمِنْ عِنْدِهِ تَيْسِيرُ مَا يُتَشَدّدُ

فَبَيْنَا هُمْ فِي نِعْمَةِ اللّهِ بَيْنَهُمْ ** دَلِيلٌ بَهْ نَهْجُ الطّرِيقَةِ يُقْصَدُ

عَزِيزٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجُورُوا عَنْ الْهُدَى ** حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَسْتَقِيمُوا وَيَهْتَدُوا

عَطُوفٌ عَلَيْهِمْ لَا يُثَنّى جُنَاحَهُ ** إلَى كَنَفٍ يَحْنُو عَلَيْهِمْ وَيَمْهَدُ

فَبَيْنَا هُمْ فِي ذَلِكَ النّورِ إذْ غَدَا ** إلَى نُورِهِمْ سَهْمٌ مِنْ الْمَوْتِ مُقْصِدُ

فَأَصْبَحَ مَحْمُودًا إلَى اللّهِ رَاجِعًا ** يُبَكّيهِ حَقّ الْمُرْسَلَاتِ وَيُحْمَدُ

وَأَمْسَتْ بِلَادُ الْحُرْمِ وَحْشًا بِقَاعُهَا ** لِغَيْبَةِ مَا كَانَتْ مِنْ الْوَحْيِ تُعْهَدُ

قِفَارًا سِوَى مَعْمُورَةِ اللّحْدِ ضَافَهَا ** فَقِيدٌ يُبَكّينَهُ بَلَاطٌ وَغَرْقَدُ

وَمَسْجِدُهُ فَالْمُوحِشَاتُ لِفَقْدِهِ ** خَلَاءٌ لَهُ فِيهِ مَقَامٌ وَمَقْعَدُ

وَبِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى لَهُ ثَمّ أَوْحَشَتْ ** دِيَارٌ وَعَرَصَاتٌ وَرَبْعٌ وَمَوْلِدُ

فَبَكّي رَسُولَ اللّهِ يَا عَيْنُ عَبْرَةً ** وَلَا أَعْرِفَنّكِ الدّهْرَ دَمْعُك يُجْمَدُ

وَمَا لَكِ لَا تَبْكِينَ ذَا النّعْمَةِ الّتِي ** عَلَى النّاسِ مِنْهَا سَابِغٌ يُتَغَمّدُ

فَجُودِي عَلَيْهِ بِالدّمُوعِ وَأَعْوِلِي ** لِفَقْدِ الّذِي لَا مِثْلُهُ الدّهْرَ يُوجَدُ

وَمَا فَقَدَ الْمَاضُونَ مِثْلَ مُحَمّدٍ ** وَلَا مِثْلُهُ حَتّى الْقِيَامَةِ يُفْقَدُ

أَعَفّ وَأَوْفَى ذِمّةً بَعْدَ ذِمّةٍ ** وَأَقْرَبَ مِنْهُ نَائِلًا لَا يُنَكّدُ

وَأَبْذَلَ مِنْهُ لِلطّرِيفِ وَتَالِدٍ ** إذَا ضَنّ مِعْطَاءٌ بِمَا كَانَ يُتْلَدُ

وَأَكْرَمَ صِيتًا فِي الْبُيُوتِ إذَا انْتَمَى ** وَأَكْرَمَ جَدّا أَبْطَحِيّا يُسَوّدُ

وَأَمْنَعَ ذِرْوَاتٍ وَأَثْبَتَ فِي الْعُلَا ** دَعَائِمَ عِزّ شَاهِقَاتٍ تُشَيّدُ

وَأَثْبَتَ فَرْعًا فِي الْفُرُوعِ وَمَنْبَتًا ** وَعُودًا غَذّاهُ الْمُزْنُ فَالْعُودُ أَغْيَدُ

رَبّاهُ وَلِيدًا فَاسْتَتَمّ تَمَامُهُ ** عَلَى أَكْرَمِ الْخَيْرَاتِ رَبّ مُمَجّدٌ

تَنَاهَتْ وَصَاةُ الْمُسْلِمِينَ بِكَفّهِ ** فَلَا الْعِلْمُ مَحْبُوسٌ وَلَا الرّأْيُ يُفْنَدُ

أَقُولُ وَلَا يُلْقَى لِقَوْلِي عَائِبٌ ** مِنْ النّاسِ إلّا عَازِبُ الْعَقْلِ مُبْعَدُ

وَلَيْسَ هَوَايَ نَازِعًا عَنْ ثَنَائِهِ ** لَعَلّي بِهِ فِي جَنّةِ الْخُلْدِ أَخْلَدُ

مَعَ الْمُصْطَفَى أَرْجُو بِذَاكَ جِوَارَهُ ** وَفِي نَيْلِ ذَاكَ الْيَوْمِ أَسْعَى وَأَجْهَدُ

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا، يَبْكِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ:
مَا بَالُ عَيْنِكَ لَا تَنَامُ كَأَنّمَا ** كُحِلَتْ مَآقِيهَا بِكُحْلِ الْأَرْمَدِ

جَزَعًا عَلَى الْمَهْدِيّ أَصْبَحَ ثَاوِيًا ** يَا خَيْرَ مَنْ وَطِئَ الْحَصَى لَا تَبْعَدْ

وَجْهِي يَقِيكَ التّرْبَ لَهْفِي لَيْتَنِي ** غُيّبْتُ قَبْلَكَ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ

بِأَبِي وَأُمّي مَنْ شَهِدْتُ وَفَاتَهُ ** فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ النّبِيّ الْمُهْتَدِي

فَظَلِلْتُ بَعْدَ وَفَاتِهِ مُتَبَلّدًا ** مُتَلَدّدًا يَا لَيْتَنِي لَمْ أُولَدْ

أَأُقِيمُ بَعْدَكَ بِالْمَدِينَةِ بَيْنَهُمْ ** يَا لَيْتَنِي صُبّحْت سَمّ الْأَسْوَدِ

أَوْ حَلّ أَمْرُ اللّهِ فِينَا عَاجِلًا ** فِي رَوْحَةٍ مِنْ يَوْمِنَا أَوْ مِنْ غَدٍ

مَحْضًا ضَرَائِبُهُ كَرِيمَ الْمَحْتِدِ

يَا بِكْرَ آمِنَةَ الْمَبَارِكَ بِكْرُهَا ** وَلَدَتْهُ مُحْصَنَةٌ بِسَعْدِ الْأَسْعَدِ

نُورًا أَضَاءَ عَلَى الْبَرِيّةِ كُلّهَا ** منْ يُهْد لِلنّورِ الْمُبَارَكِ يَهْتَدِي

يَا رَبّ فَاجْمَعْنَا مَعًا وَنَبِيّنَا ** فِي جَنّةٍ تَثْنَى عُيُونُ الْحُسّدِ

فِي جَنّةِ الْفِرْدَوْسِ فَاكْتُبْهَا لَنَا ** يَا ذَا الْجَلَالِ وَذَا الْعُلَا وَالسّوْدُدِ

وَاَللّهِ أَسْمَعُ مَا بَقِيتُ بِهَالِكٍ ** إلّا بَكَيْتُ عَلَى النّبِيّ مُحَمّدِ

يَا وَيْحَ أَنْصَارِ النّبِيّ وَرَهْطِهِ ** بَعْدَ الْمُغَيّبِ فِي سَوَاءِ الْمَلْحَدِ

ضَاقَتْ بِالْأَنْصَارِ الْبِلَادُ فَأَصْبَحُوا ** سُودًا وُجُوهُهُمْ كَلَوْنِ الْإِثْمِدِ

وَلَقَدْ وَلَدْنَاهُ وَفِينَا قَبْرُهُ ** وَفُضُولَ نِعْمَتِهِ بِنَا لَمْ نَجْحَدْ

وَاَللّهُ أَكْرَمَنَا بِهِ وَهَدَى بِهِ ** أَنْصَارَهُ فِي كُلّ سَاعَةِ مَشْهَدِ

صَلّى الْإِلَهُ وَمَنْ يَحُفّ بِعَرْشِهِ ** وَالطّيّبُونَ عَلَى الْمُبَارَكِ أَحْمَدْ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:
نَبّ الْمَسَاكِينَ أَنّ الْخَيْرَ فَارَقَهُمْ ** مَعَ النّبِيّ تَوَلّى عَنْهُمْ سَحَرَا

مَنْ ذَا الّذِي عِنْدَهُ رَحْلِي وَرَاحِلَتِي ** وَرِزْقُ أَهْلِي إذَا لَمْ يُؤْنِسُوا الْمَطَرَا

أَمْ مَنْ نُعَاتِبَ لَا نَخْشَى جَنَادِعَهُ ** إذَا اللّسَانُ عَتَا فِي الْقَوْلِ أَوْ عَثَرَا

كَانَ الضّيَاءَ وَكَانَ النّورَ نَتْبَعُهُ ** بَعْدَ الْإِلَهِ وَكَانَ السّمْعَ وَالْبَصَرَا

فَلَيْتَنَا يَوْمَ وَارَوْهُ بِمُلْحِدِهِ ** وَغَيّبُوهُ وَأَلْقَوْا فَوْقَهُ الْمَدَرَا

لَمْ يَتْرُك اللّهُ مِنّا بَعْدَهُ أَحَدًا ** وَلَمْ يَعِشْ بَعْدَهُ أُنْثَى وَلَا ذَكَرَا

ذَلّتْ رِقَابُ بَنِي النّجّارِ كُلّهِمْ ** وَكَانَ أَمْرًا مِنْ امْرِ اللّهِ قَدْ قُدِرَا

وَاقْتُسِمَ الْفَيْءُ دُونَ النّاسِ كُلّهِمْ ** وَبَدّدُوهُ جِهَارًا بَيْنَهُمْ هَدَرًا

وَقَالَ حَسّان بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْضًا:
آلَيْتُ مَا فِي جَمِيعِ النّاسِ مُجْتَهِدًا ** مِنّي أَلْيَةَ بَرّ غَيْرَ إفْنَادِ

تَاللّهِ مَا حَمَلَتْ أُنْثَى وَلَا وَضَعَتْ ** مِثْلَ الرّسُولِ نَبِيّ الْأُمّةِ الْهَادِي

وَلَا بَرَا اللّهُ خَلْقًا مِنْ بَرِيّتِهِ ** أَوْفَى بِذِمّةِ جَارٍ أَوْ بِمِيعَادِ

مِنْ الّذِي كَانَ فِينَا يُسْتَضَاءُ بِهِ ** مُبَارَكَ الْأَمْرِ ذَا عَدْلٍ وَإِرْشَادِ

أَمْسَى نِسَاؤُك عَطّلْنَ الْبُيُوتَ فَمَا ** يَضْرِبْنَ فَوْقَ قَفَا سِتْرٍ بِأَوْتَادِ

مِثْلَ الرواهب يَلْبَسْنَ الْمَبَاذِلَ قَدْ ** أَيْقَنّ بِالْبُؤْسِ بَعْدَ النّعْمَةِ الْبَادِي

يَا أَفْضَلَ النّاسِ إنّي كُنْتُ فِي نَهَرٍ ** أَصْبَحْتُ مِنْهُ كَمِثْلِ الْمُفْرَدِ الصّادِي

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَجُزُ الْبَيْتِ الْأَوّلِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. انْتَهَى الْجُزْءُ الرّابِعُ مِنْ سِيرَةِ سَيّدِنَا مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِهِ تَمّ الْكِتَابُ.