فصل: أخذ الله الميثاق على الرسل الإيمان به صلى الله عليه وسلم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإنجيل

يحنس الحواري يثبت بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم من الإنجيل

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد كان ، فيما بلغني عما كان وضع عيسى بن مريم فيما جاءه من الله في الإنجيل لأهل الإنجيل من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما أثبتت يحُنَّس الحواري لهم ، حين نسخ لهم الإنجيل عن عهد عيسى بن مريم عليه السلام في رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أنه قال ‏‏:‏‏ من أبغضني فقد أبغض الرب ، ولولا أني صنعت بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلي ، ما كانت لهم خطيئة ، ولكن من الآن بطروا وظنوا أنهم يعزونني ، وأيضا للرب ، ولكن لا بد من أن تتم الكلمة التي في الناموس ‏‏:‏‏ أنهم أبغضوني مجَّانا ، أي باطلا ‏‏.‏‏ فلو قد جاء اُلمنْحَمَنَّا هذا الذي يُرسله الله إليكم من عند الرب ، وروح القدس ، هذا الذي من عند الرب خرج ، فهو شهيد علي وأنتم أيضا ، لأنكم قديما كنتم معي في هذا قلت لكم ‏‏:‏‏ لكيما لا تشكوا ‏‏.‏‏

والمنحمنا بالسريانية ‏‏:‏‏ محمد ، وهو بالرومية ‏‏:‏‏ البرَقْلِيطس ، صلى الله عليه و آله و سلم‏‏.‏‏

 مبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما

 أخذ الله الميثاق على الرسل الإيمان به صلى الله عليه وسلم

قال حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام ، قال ‏‏:‏‏ حدثنا زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال ‏‏:‏‏ فلما بلغ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة بعثه الله تعالى رحمة للعالمين ، وكافة للناس بشيرا ، وكان الله تبارك وتعالى قد أخذ الميثاق على كل نبي بعثه قبله بالإيمان به ، والتصديق له ، والنصر له على من خالفه ، وأخذ عليهم أن يؤدوا ذلك إلى كل من آمن بهم وصدقهم ، فأدوا من ذلك ما كان عليهم من الحق فيه ‏‏.‏‏

يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وإذ أخذ الله ميثاق النيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ، ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم ، لتؤمنن به ولتنصرنه ، قال ‏‏:‏‏ أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي ثقل ما حملتكم من عهدي ‏‏(‏‏ قالوا أقررنا ، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ فأخذ الله ميثاق النبيين ‏جميعا بالتصديق له ، والنصر له ممن خالفه ، وأدوا ذلك إلى من آمن بهم وصدقهم من أهل هذين الكتابـين ‏‏.‏‏

 الرؤيا الصادقة أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فذكر الزهري عن عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها أنها حدثته ‏‏:‏‏ أن أول ما بُدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة ، حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به ، الرؤيا الصادقة ، لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في نومه إلا جاءت كفلق الصبح ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ وحبب الله تعالى إليه الخلوة ، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده ‏‏.‏‏

 سلام الحجر والشجر عليه صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عبدالملك بن عبيد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي ، وكان واعية ، عن بعض أهل العلم ‏‏:‏‏

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراده الله بكرامته ، وابتدأه بالنبوة ، كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها ، فلا يمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر ولا شجر إلا قال ‏‏:‏‏ السلام عليك يا رسول الله ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏حوله وعن يمينه وشماله وخلفه ، فلا يرى إلا الشجر والحجارة ‏‏.‏‏ فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك يرى ويسمع ، ما شاء الله أن يمكث ، ثم جاءه جبريل عليه السلام بما جاءه من كرامة الله ، وهو بحراء في شهر رمضان ‏‏.‏‏ ‏

 نزول جبريل عليه صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني وهب بن كيسان ، مولى آل الزبير ، قال ‏‏:‏‏ سمعت عبدالله بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي ‏‏:‏‏ حدثنا يا عبيد ، كيف كان بدء ما ابتدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة ، حين جاءه جبريل عليه السلام ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال ‏‏:‏‏ عبيد - وأنا حاضر يحدث عبدالله بن الزبير ومن عنده من الناس - ‏‏:‏‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء من كل سنة شهرا ، وكان ذلك مما تحنَّث به قريش في الجاهلية ‏‏.‏‏ والتحنث التبرر ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال أبو طالب ‏‏:‏‏

وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه * وراق ليرقى في حراء ونازلِ

 التحنث والتحنف

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ تقول العرب ‏‏:‏‏ التحنث والتحنف ، يريدون الحنيفية فيبدلون الفاء من الثاء ، كما قالوا ‏‏:‏‏ جدف ، وجدث ، يريدون القبر ‏‏.‏‏ قال رؤبة بن العجاج ‏‏:‏‏

لو كان أحجاري مع الأجداف *

يريد ‏‏:‏‏ الأجداث ‏‏.‏‏ وهذا البيت في أرجوزة له ‏‏.‏‏ وبيت أبي طالب في قصيدة له ، سأذكرها إن شاء الله في موضعها ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وحدثني أبو عبيدة أن العرب تقول ‏‏:‏‏ فم ، في موضع ثم ، يبدلون الفاء من الثاء ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ و حدثني وهب بن كيسان قال ‏‏:‏‏ قال عبيد ‏‏:‏‏ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك يجاور الشهر من كل سنة ، يطعم من جاءه من المساكين ، فإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره من شهره ذلك ، كان أول ما يبدأ به ، إذا انصرف من جواره ، الكعبة ، قبل أن يدخل بيته ، فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله من ذلك ، ثم يرجع إلى بيته ، ‏حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به فيه ما أراد من كرامته ، من السنة التي بعثه الله تعالى فيها ؛ وذلك الشهر شهر رمضان ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حراء ، كما كان يخرج لجواره ومعه أهله ، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ، ورحم العباد بها ، جاءه جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى ‏‏.‏‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ فجاءني جبريل ، وأنا نائم ، بنمط من ديباج فيه كتاب ، فقال ‏‏:‏‏ اقرأ ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ ما أقرأ ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فغتَّني به حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني ، فقال ‏‏:‏‏ اقرأ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ ما أقرأ ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فغتني به حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني ، فقال ‏‏:‏‏ اقرأ ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ ماذا أقرأ ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فغتني به حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني ، فقال ‏‏:‏‏ اقرأ ؛ قال ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ ماذا أقرأ ‏‏؟‏‏ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي ؛ فقال ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ اقرأ باسم ربك الذي خلق ‏‏.‏‏ خلق الإنسان من علق ‏‏.‏‏ اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ‏‏.‏‏ علم الإنسان ما لم يعلم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقرأتها ثم انتهى فانصرف عني وهببت من نومي ، فكأنما كتبت في قلبي كتابا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول ‏‏:‏‏ يا محمد ، أنت رسول الله وأنا جبريل ؛ قال ‏‏:‏‏ فرفعت رأسي إلى السماء أنظر ، فإذا جبريل في صورة رجل صافّ قدميه في أفق السماء يقول ‏‏:‏‏ يا محمد ، أنت رسول الله وأنا جبريل ؛ قال ‏‏:‏‏ فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر ، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء ، قال ‏‏:‏‏ فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك ، فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي ، فبلغوا أعلى مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك ؛ ثم انصرف عني ‏‏.‏‏

 الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر خديجة رضي الله عنها بنـزول جبريل عليه

وانصرفت راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا إليها ‏‏:‏‏ فقالت ‏‏:‏‏ يا أبا القاسم ، أين كنت ‏‏؟‏‏ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا لي ، ثم حدثتها بالذي رأيت ، فقالت ‏‏:‏‏ أبشر يا ابن عم واثبت ، فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة ‏‏.‏‏

 خديجة رضي الله عنها تخبر ورقة بن نوفل حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم

ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي ، وهو ابن عمها ، وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب ، وسمع من أهل التوراة والإنجيل ، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه رأى وسمع ؛ فقال ورقة بن نوفل ‏‏:‏‏ قدوس قدوس ، والذي نفس ورقة بيده ، لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى ، وإنه لنبي هذه الأمة ، فقولي له ‏‏:‏‏ فليثبت ‏‏.‏‏

فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة بن نوفل ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف ، صنع كما كان يصنع بدأ بالكعبة فطاف بها ، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة فقال ‏‏:‏‏ يا ابن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال له ورقة ‏‏:‏‏ والذي نفسي بيده ، إنك لنبي هذه الأمة ، وقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتلنه ، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه ، ثم أدنى رأسه منه ، فقبل يافوخه ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منـزله ‏‏.‏‏

 تثبت خديجة رضي الله عنها من الوحي

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير ‏‏:‏‏ أنه حُدث عن خديجة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أي ابن عم ، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ؛ قالت ‏‏:‏‏ فإذا جاءك فأخبرني به ‏‏.‏‏

فجاءه جبريل عليه السلام كما كان يصنع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة ‏‏:‏‏ يا خديجة ، هذا جبريل قد جاءني ؛ قالت ‏‏:‏‏ قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى ؛ قال ‏‏:‏‏ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عليها ؛ قالت ‏‏:‏‏ هل تراه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ؛ قالت ‏‏:‏‏ فتحولْ فاجلس على فخذي اليمنى ؛ قال ‏‏:‏‏ فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس على فخذها اليمنى ؛ فقالت ‏‏:‏‏ هل تراه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فتحول فاجلس في حجري ؛ قالت ‏‏:‏‏ فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس في حجرها ؛ قالت ‏‏:‏‏ هل تراه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ فتحسرت وألقت خمارها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها ، ثم قالت له ‏‏:‏‏ هل تراه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ لا ؛ قالت ‏‏:‏‏ يا ابن عم ، اُُثبت وأبشر ، فوالله إنه لملك وما هذا بشيطان ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد حدثت عبدالله بن حسن هذا الحديث ، فقال ‏‏:‏‏ قد سمعت أمي فاطمة بنت حسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة ، إلا أني سمعتها تقول ‏‏:‏‏ أدخلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وبين درعها ، فذهب عند ذلك جبريل ، فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ إن هذا لملك وما هو بشيطان ‏‏.‏‏ ‏

 ابتداء تنـزيل القرآن

 متى نزل القرآن

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فابتدىء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنـزيل في شهر رمضان ، بقول الله عز وجل ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ وقال الله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إنا أنزلناه في ليلة القدر ‏‏.‏‏وما أدراك ما ليلة القدر ‏‏.‏‏ ليلة القدر خير من ألف شهر ‏‏.‏‏ تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ‏‏.‏‏ سلام هي حتى مطلع الفجر ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ وقال الله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ حم والكتاب المبين ‏‏.‏‏ إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ‏‏.‏‏ فيها يفرق كل أمر حكيم ‏‏.‏‏ أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ وقال تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ وذلك ملتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين ببدر ‏‏.‏‏

 تاريخ وقعة بدر

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني أبو جعفر محمد بن علي بن حسين ‏‏:‏‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون ببدر يوم الجمعة ، صبيحة سبع عشرة من رمضان ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم تتامّ الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏ وهو مؤمن بالله مصدق بما جاءه منه ، قد قبله بقبوله ، وتحمل منه ما حمله على رضا العباد وسخطهم ، والنبوة أثقال ومؤنة ، لا يحملها ولا يستطيع بها إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله تعالى وتوفيقه ، لما يلقون من الناس وما يرد عليهم مما جاءوا به عن الله سبحانه وتعالى ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله ، على ما يلقى من قومه من الخلاف والأذى ‏‏.‏‏

 إسلام خديجة بنت خويلد

 وقوفها بجانبه صلى الله عليه وسلم

وآمنت به خديجة بنت خويلد ، وصدقت بما جاءه من الله ، ووازرته على أمره ، وكانت أول من آمن بالله وبرسوله ، وصدق بما جاء منه ‏‏.‏‏ فخفف الله بذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم ، لا يسمع شيئا مما يكرهه من رد عليه وتكذيب له ، فيحزنه ذلك ، إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها ، تثبته وتخفف عليه ، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس ، رحمها الله تعالى ‏‏.‏‏

 تبشير الرسول لخديجة ببيت من قصب

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير ، عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال ‏‏:‏‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أمرت أن أُبشِّر خديجة ببيت من قصب ، لا صخب فيه ولانصب ‏‏.‏‏ ‏قال ابن هشام ‏‏:‏‏ القصب ههنا ‏‏:‏‏ اللؤلؤ المجوف ‏‏.‏‏

 جبريل يقرىء خديجة السلام من ربها

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وحدثني من أثق به ، أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال ‏‏:‏‏ أقرىء خديجة السلام من ربها ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ يا خديجة ، هذا جبريل يقرئك السلام من ربك ، فقالت خديجة ‏‏:‏‏ الله السلام ، ومنه السلام ، وعلى جبريل السلام ‏‏.‏‏

 فترة الوحي ونزول سورة الضحى

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة من ذلك ، حتى شق ذلك عليه فأحزنه ، فجاءه جبريل بسورة الضحى ، يقسم له ربه ، وهو الذي أكرمه بما أكرمه به ، ما ودعه وما قلاه ، فقال تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ والضحى والليل إذا سجى ‏‏.‏‏ ما ودعك ربك وما قلى ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ يقول ‏‏:‏‏ ما صرمك فتركك ، وما أبغضك منذ أحبك ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ وللآخرة خير لك من الأولى ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي لما عندي من مرجعك إلي ، خير لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ ولسوف يعطيك ربك فترضى ‏‏)‏‏ من الفُلْج في الدنيا ، والثواب في الآخرة ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ ألم يجدك يتيما فآوى ‏‏.‏‏ ووجدك ضالا فهدى ‏‏.‏‏ ووجدك عائلا فأغنى ‏‏)‏‏ يعرفه الله ما ابتدأه به من كرامته في عاجل أمره ، ومنِّه عليه في يتمه وعيلته وضلالته ، واستنقاذه من ذلك كله برحمته ‏‏.‏‏

 تفسير ابن هشام لمفردات سورة الضحى

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ سجى ‏‏:‏‏ سكن ‏‏.‏‏ قال أمية بن أبي الصلت الثقفي ‏‏:‏‏

إذ أتى موهنا وقد نام صحبي * وسجا الليل بالظلام البهيم

وهذا البيت في قصيدة له ، ويقال للعين إذا سكن طرفها ‏‏:‏‏ ساجية ، وسجا طرفها ‏‏.‏‏

قال جرير بن الخطفى ‏‏:‏‏

ولقد رمينك حين رحن بأعين * يقتلن من خلل الستور سواجي

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ والعائل ‏‏:‏‏ الفقير ‏‏.‏‏ قال أبو خراش الهذلي ‏‏:‏‏

إلى بيته يأوي الضريك إذا شتا * ومستنبح بالي الدريسين عائل

وجمعه ‏‏:‏‏ عالة وعيل ‏‏.‏‏ وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله ‏‏.‏‏ والعائل أيضا ‏‏:‏‏ الذي يعول العيال ‏‏.‏‏ والعائل أيضا ‏‏:‏‏ الخائف ‏‏.‏‏ وفي كتاب الله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ذلك أدنى ألا تعولوا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ وقال أبو طالب ‏‏:‏‏

بميزان قسط لا يخس شعيرة * له شاهد من نفسه غيرُ عائل

وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها أن شاء الله في موضعها ‏‏.‏‏ والعائل أيضا ‏‏:‏‏ الشيء المثقل المعيي ‏‏.‏‏ يقول الرجل ‏‏:‏‏ قد عالني هذا الأمر ‏‏:‏‏ أي أثقلني وأعياني ، قال الفرزدق ‏‏:‏‏

ترى الغر الجحاجح من قريش * إذا ما الأمر في الحدثان عالا

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏

‏‏(‏‏ فأما اليتيم فلا تقهر ‏‏.‏‏ وأما السائل فلا تنهر ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي لا تكن جبارا ولا متكبرا ، ولا فحاشا فظا على الضعفاء من عباد الله ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ وأما بنعمة ربك فحدث ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي بما جاءك من الله من نعمته وكرامته ‏من النبوة فحدث ، أي اذكرها وادع إليها ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما أنعم الله به عليه وعلى العباد به من النبوة سرا إلى من يطمئن إليه من أهله ‏‏.‏‏