فصل: الجزء الثاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


شرح منتهى الإرادات

الجزء الثاني

كِتَابُ‏:‏ الْجَنَائِزِ

بِفَتْحِ الْجِيمِ جَمْعُ جِنَازَةٍ وَبِكَسْرِهَا، وَالْفَتْحُ لُغَةً‏:‏ اسْمٌ لِلْمَيِّتِ أَوْ لِلسَّرِيرِ عَلَيْهِ مَيِّتٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَيِّتٌ، فَلَا يُقَالُ نَعْشٌ، وَلَا جِنَازَةٌ، بَلْ سَرِيرٌ مُشْتَقَّةٌ مِنْ جَنِزَ، مِنْ بَابِ خَرِبَ إذَا سَتَرَ ‏(‏يُسَنُّ الِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ‏)‏ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ ‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِهِ‏)‏ أَيْ الْمَوْتِ لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَادِمِ اللَّذَّاتِ‏}‏ أَيْ الْمَوْتِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تُسَنُّ ‏(‏عِيَادَةُ‏)‏ مَرِيضٍ ‏(‏مُسْلِمٍ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ‏:‏ رَدُّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتَحْرُمُ عِيَادَةُ ذِمِّيٍّ ‏(‏غَيْرِ مُبْتَدِعٍ يَجِبُ هَجْرُهُ كَرَافِضِيٍّ‏)‏ دَاعِيَةً أَوْ لَا‏.‏

قَالَ فِي النَّوَادِرِ‏:‏ يَحْرُمُ عِيَادَتُهُ ‏(‏وَيُسَنُّ‏)‏ هَجْرُهُ ‏(‏كَمُتَجَاهِرٍ بِمَعْصِيَةٍ‏)‏ فَلَا تُسَنُّ عِيَادَتُهُ إذَا مَرِضَ لِيَرْتَدِعَ وَيَتُوبَ، وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ أَنَّ غَيْرَ الْمُتَجَاهِرِ بِمَعْصِيَةٍ يُعَادُ، وَالْمَرْأَةُ كَرَجُلٍ مَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَتُشْرَعُ الْعِيَادَةُ فِي كُلِّ مَرَضٍ حَتَّى الرَّمَدُ وَنَحْوُهُ، وَحَدِيثِ ‏"‏ ثَلَاثَةٌ لَا يُعَادُونَ ‏"‏ غَيْرُ ثَابِتٍ ‏(‏غِبًّا‏)‏ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَيَتَوَجَّهُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَالْعَمَلُ بِالْقَرَائِنِ وَظَاهِرِ الْحَالِ‏.‏

وَتَكُونُ الْعِيَادَةُ ‏(‏مِنْ أَوَّلِ الْمَرَضِ‏)‏ لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ‏}‏ وَتَكُونُ ‏(‏بُكْرَةً وَعَشِيًّا‏)‏ لِخَبَرِ أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ عَنْ قُرْبِ وَسَطِ النَّهَارِ‏:‏ لَيْسَ هَذَا وَقْتَ عِيَادَةٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَكُونُ ‏(‏فِي رَمَضَانَ لَيْلًا‏)‏ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالْعَائِدِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ لِعَائِدٍ ‏(‏تَذْكِيرُهُ‏)‏ أَيْ الْمَرِيضِ مَخُوفًا كَانَ مَرَضُهُ أَوْ لَا ‏(‏التَّوْبَةَ‏)‏ لِأَنَّهُ أَحْوَجُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِ‏.‏

وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ ‏(‏وَ‏)‏ تَذْكِيرُهُ ‏(‏الْوَصِيَّةَ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي بِهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَيَدْعُو‏)‏ عَائِدٌ لِمَرِيضٍ ‏(‏بِالْعَافِيَةِ وَالصَّلَاحِ‏)‏ وَمِمَّا وَرَدَ ‏"‏ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ - سَبْعًا ‏"‏ وَأَنْ يَقْرَأَ عِنْدَهُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَيَقُولُ‏:‏ ‏"‏ اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَك يَنْكَأْ لَكَ عَدُوًّا أَوْ يَمْشِ لَكَ إلَى الصَّلَاةِ ‏"‏ و‏"‏ لَا بَأْسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ‏"‏ وَصَحَّ أَنَّ جِبْرِيلَ عَادَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏‏:‏ ‏{‏بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيك مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنٍ حَاسِدَةٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِهِ أَرْقِيكَ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏أَنْ لَا يُطِيلَ‏)‏ الْعَائِدُ ‏(‏الْجُلُوسَ‏)‏ عِنْدَهُ لِإِضْجَارِهِ، وَمَنْعِ بَعْضِ تَصَرُّفَاتِهِ ‏(‏وَلَا بَأْسَ بِوَضْعِ يَدِهِ‏)‏ أَيْ الْعَائِدِ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْمَرِيضِ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ‏:‏ ‏{‏كَانَ يَعُودُ بَعْضَ أَهْلِهِ وَيَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ‏:‏ اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبْ الْبَأْسَ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُك شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا‏}‏‏"‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا بَأْسَ ب ‏(‏إخْبَارِ مَرِيضٍ بِمَا يَجِدُ، بِلَا شَكْوَى‏)‏ لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏إذَا كَانَ الشُّكْرُ قَبْلَ الشَّكْوَى فَلَيْسَ بِشَاكٍ‏}‏ وقَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا‏}‏ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ‏:‏‏:‏ ‏{‏أَجِدُنِي مَغْمُومًا، أَجِدُنِي مَكْرُوبًا‏}‏ وَلَا بَأْسَ بِشَكْوَاهُ لِخَالِقِهِ ‏(‏وَيَنْبَغِي لِلْمَرِيضِ أَنْ يُحْسِنَ ظَنَّهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى‏)‏ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي‏}‏ زَادَ أَحْمَدُ ‏{‏إنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ بِي شَرًّا فَلَهُ‏}‏‏"‏‏.‏

وَعَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ‏}‏ وَيُغَلِّبُ رَجَاءَهُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَفِي الصِّحَّةِ يُغَلِّبُ الْخَوْفَ لِحَمْلِهِ عَلَى الْعَمَلِ، وَنَصُّهُ‏:‏ وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ رَجَاؤُهُ وَخَوْفُهُ وَاحِدًا زَادَ فِي رِوَايَةٍ‏:‏ فَأَيُّهُمَا غَلَّبَ صَاحِبَهُ هَلَكَ ‏(‏وَيُكْرَهُ الْأَنِينُ‏)‏ مَا لَمْ يَغْلِبْهُ لِأَنَّهُ يُتَرْجِمُ عَنْ الشَّكْوَى‏.‏

وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الصَّبْرُ وَالرِّضَا ‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏تَمَنِّي الْمَوْتِ‏)‏ نَزَلَ بِهِ ضُرٌّ أَمْ لَا، وَحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ‏:‏ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏:‏ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَلَا يُكْرَهُ ‏"‏ إذَا أَرَدْت بِعِبَادِك فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إلَيْك غَيْرَ مَفْتُونٍ و‏"‏ لَا ‏"‏ تَمَنِّي الشَّهَادَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏قَطْعُ الْبَاسُورِ‏)‏ دَاءٌ مَعْرُوفٌ ‏(‏وَمَعَ خَوْفِ تَلَفٍ‏)‏ بِقَطْعِهِ ‏(‏يَحْرُمُ‏)‏ قَطْعُهُ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِنَفْسِهِ لِلْهَلَكَةِ ‏(‏وَ‏)‏ مَعَ خَوْفِ تَلَفٍ ‏(‏بِتَرْكِهِ‏)‏ بِلَا قَطْعٍ ‏(‏يُبَاحُ‏)‏ قَطْعُهُ لِأَنَّهُ تَدَاوٍ ‏(‏وَلَا يَجِبُ التَّدَاوِي‏)‏ فِي مَرَضٍ‏.‏

‏(‏وَلَوْ ظَنَّ نَفْعَهُ‏)‏ إذْ النَّافِعُ فِي الْحَقِيقَةِ وَالضَّارُّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَالدَّوَاءُ لَا يَنْجَحُ بِذَاتِهِ ‏(‏وَتَرْكُهُ‏)‏ أَيْ التَّدَاوِي ‏(‏أَفْضَلُ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ وَلِخَبَرِ الصِّدِّيقِ وَحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً‏.‏

فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِالْحَرَامِ‏}‏ الْأَمْرُ فِيهِ لِلْإِرْشَادِ‏.‏

وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَطِبَّ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا بِلَا ضَرُورَةٍ وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ دَوَاءً لَمْ يُبَيِّنْ مُفْرَدَاتِهِ الْمُبَاحَةَ‏.‏

‏(‏وَيَحْرُمُ‏)‏ تَدَاوٍ ‏(‏بِمُحَرَّمٍ‏)‏ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ بِصَوْتِ مَلْهَاةٍ لِعُمُومِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ‏}‏ وَيَدْخُلُ فِيهِ تِرْيَاقٌ فِيهِ لُحُومُ حَيَّاتٍ أَوْ خَمْرٍ وَيَجُوزُ بِبَوْلِ إبِلٍ نَصًّا لِلْخَبَرِ، وَنَبَاتٍ فِيهِ سُمِّيَّةٌ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ مَعَ اسْتِعْمَالِهِ‏.‏

‏(‏وَيُبَاحُ كَتْبُ قُرْآنٍ‏)‏ بِإِنَاءٍ ‏(‏وَ‏)‏ كَتْبُ ‏(‏ذِكْرٍ بِإِنَاءٍ لِحَامِلٍ لِعُسْرِ الْوِلَادَةِ وَلِمَرِيضٍ وَيُسْقَيَانِهِ‏)‏ أَيْ الْحَامِلُ وَالْمَرِيضُ نَصًّا لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا بَأْسَ بِالْجُمُعَةِ وَتَحْرُمُ التَّمِيمَةُ وَهِيَ عُودٌ أَوْ خَرَزَةٌ تُعَلَّقُ‏.‏

‏(‏وَإِذَا نُزِلَ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ الْمَرِيضِ لِقَبْضِ رُوحِهِ ‏(‏سُنَّ تَعَاهُدُ‏)‏ أَرْفَقِ أَهْلِ الْمَرِيضِ بِهِ وَأَتْقَاهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى ‏(‏بَلُّ حَلْقِهِ‏)‏ أَيْ الْمَرِيضِ ‏(‏بِمَاءٍ أَوْ شَرَابٍ، وَ‏)‏ تَعَاهُدُ ‏(‏تَنْدِيَةِ شَفَتَيْهِ بِقُطْنَةٍ‏)‏ لِإِطْفَاءِ مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ الشِّدَّةِ، وَتَسْهِيلِ النُّطْقِ عَلَيْهِ بِالشَّهَادَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏تَلْقِينُهُ‏)‏ أَيْ الْمَنْزُولِ بِهِ قَوْلَ ‏(‏لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ‏}‏ وَأُطْلِقَ عَلَى الْمُحْتَضَرِ مَيِّتٌ، لِأَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِ لَا مَحَالَةَ‏.‏

وَعَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا إقْرَارٌ بِالْأُخْرَى ‏(‏مَرَّةً‏)‏ نَصًّا وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ ثَلَاثًا ‏(‏وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثٍ، إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ‏)‏ بَعْدَ الثَّلَاثِ ‏(‏فَيُعِيدَهُ‏)‏ أَيْ التَّلْقِينَ لِيَكُونَ آخِرُ كَلَامِهِ ‏"‏ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ‏"‏ وَيَكُونُ ‏(‏بِرِفْقٍ‏)‏ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَهَذَا أَوْلَى بِهِ وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي‏:‏ يُكْرَهُ التَّلْقِينُ مِنْ الْوَرَثَةِ بِلَا عُذْرٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَ‏)‏ قِرَاءَةُ ‏(‏يس عِنْدَهُ‏)‏ أَيْ الْمُحْتَضَرِ لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَلِأَنَّهُ يُسَهِّلُ خُرُوجَ الرُّوحِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏تَوْجِيهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ‏.‏

وَرُوِيَ أَنَّ حُذَيْفَةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُوَجِّهُوهُ إلَى الْقِبْلَةِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ فَاطِمَةَ ‏(‏مَعَ سَعَةِ الْمَكَانِ‏)‏ لِتَوْجِيهِهِ عَلَى جَنْبِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَتَّسِعْ الْمَكَانُ لِذَلِكَ، بَلْ ضَاقَ عَنْهُ ‏(‏ف‏)‏ يُلْقَى ‏(‏عَلَى ظَهْرِهِ‏)‏ وَأَخْمَصَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ، كَوَضْعِهِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ زَادَ جَمَاعَةٌ‏:‏ وَيُرْفَعُ رَأْسُهُ قَلِيلًا لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ ‏"‏ دُونَ السَّمَاءِ‏.‏

‏(‏وَيَنْبَغِي‏)‏ لِلْمَرِيضِ ‏(‏أَنْ يَشْتَغِلَ بِنَفْسِهِ‏)‏ بِأَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ حَقِيرٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ عِبَادَاتِهِ وَطَاعَاتِهِ وَأَنْ لَا يَطْلُبَ الْعَفْوَ وَالْإِحْسَانَ إلَّا مِنْهُ، وَأَنْ يُكْثِرَ مَا دَامَ حَاضِرَ الذِّهْنِ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ، وَأَنْ يُبَادِرَ إلَى أَدَاءِ الْحُقُوقِ، بِرَدِّ الْمَظَالِمِ، وَالْوَدَائِعِ، وَالْعَوَارِيّ، وَاسْتِحْلَالِ نَحْوِ زَوْجَةٍ، وَوَلَدٍ، وَقَرِيبٍ، وَجَارٍ، وَصَاحِبٍ، وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُعَامَلَةٌ، وَيُحَافِظُ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ وَيَصْبِرُ عَلَى مَشَقَّةِ ذَلِكَ وَيَجْتَهِدُ فِي خَتْمِ عُمْرِهِ بِأَكْمَلِ الْأَحْوَالِ، وَتَعَاهُدِ نَفْسِهِ بِنَحْوِ تَقْلِيمِ ظُفُرٍ، وَأَخْذِ عَانَةٍ، وَشَارِبٍ وَإِبِطٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏يَعْتَمِدَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيمَنْ يُحِبُّ‏)‏ مِنْ بَنِيهِ وَغَيْرِهِمْ ‏(‏وَيُوصِي‏)‏ بِقَضَاءِ دُيُونِهِ، وَتَفْرِقَةِ وَصِيَّتِهِ، وَنَحْوِ غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَعَلَى غَيْرِ بَالِغٍ رَشِيدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ ‏(‏لِلْأَرْجَحِ فِي نَظَرِهِ‏)‏ مِنْ قَرِيبٍ وَأَجْنَبِيٍّ لِأَنَّهُ الْمَصْلَحَةُ‏.‏

‏(‏فَإِذَا مَاتَ سُنَّ تَغْمِيضُهُ‏)‏ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَغْمَضَ أَبَا سَلَمَةَ، وَقَالَ‏:‏ إنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِئَلَّا يَقْبُحَ مَنْظَرُهُ وَيُسَاءُ بِهِ الظَّنُّ ‏(‏وَيُبَاحُ‏)‏ تَغْمِيضُهُ ‏(‏مِنْ مَحْرَمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى‏)‏ وَظَاهِرُهُ‏:‏ لَا يُبَاحُ مِنْ مَحْرَمٍ‏:‏ وَلَعَلَّهُ إنْ أَدَّى إلَى الْمَسِّ أَوْ نَظَرِ مَا لَا يَجُوزُ مِمَّنْ لِعَوْرَتِهِ حُكْمٌ، بِخِلَافِ نَحْوِ طِفْلٍ وَطِفْلَةٍ وَتَغْمِيضِ ذَكَرٍ لِذَكَرٍ، وَأُنْثَى لِأُنْثَى‏.‏

‏(‏وَيُكْرَهُ‏)‏ تَغْمِيضُهُ ‏(‏مِنْ حَائِضٍ وَجُنُبٍ، وَأَنْ يَقْرَبَاهُ‏)‏ أَيْ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جُنُبٌ‏}‏ ‏(‏وَيُسَنُّ‏)‏ عِنْدَ تَغْمِيضِهِ ‏(‏قَوْلُ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ نَصًّا لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ وَلَفْظُهُ ‏"‏ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ‏.‏

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ ‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏شَدُّ لَحْيَيْهِ‏)‏ بِعِصَابَةٍ أَوْ نَحْوِهَا تَجْمَعُ لَحْيَيْهِ، وَيَرْبِطُهَا فَوْقَ رَأْسِهِ، لِئَلَّا يَبْقَى فَمُهُ مَفْتُوحًا فَتَدْخُلَهُ الْهَوَامُّ، وَيَتَشَوَّهَ خَلْقُهُ ‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏تَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ‏)‏ بِرَدِّ ذِرَاعَيْهِ إلَى عَضُدَيْهِ ثُمَّ رَدِّهِمَا، وَرَدِّ أَصَابِعِ يَدَيْهِ إلَى كَفَّيْهِ ثُمَّ يَبْسُطُهُمَا وَرَدِّ فَخْذَيْهِ إلَى بَطْنِهِ وَسَاقَيْهِ إلَى فَخْذَيْهِ، ثُمَّ يَمُدُّهُمَا لِسُهُولَةِ الْغُسْلِ لِبَقَاءِ الْحَرَارَةِ فِي الْبَدَنِ عَقِبَ الْمَوْتِ وَلَا يُمْكِنُ تَلْيِينُهَا بَعْدَ بُرُودَتِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏خَلْعُ ثِيَابِهِ‏)‏ لِئَلَّا يَحْمِيَ جَسَدَهُ فَيُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَرُبَّمَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَوَّثَهَا ‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏سَتْرُهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏بِثَوْبٍ‏)‏ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ‏:‏ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِثَوْبٍ حِبَرَةٍ‏}‏ احْتِرَامًا لَهُ وَصَوْنًا عَنْ الْهَوَامِّ وَيَنْبَغِي جَعْلُ أَحَدِ طَرَفَيْهِ تَحْتَ رَأْسِهِ وَالْآخَرِ تَحْتَ رِجْلَيْهِ لِئَلَّا يَنْكَشِفَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏وَضْعُ حَدِيدَةٍ‏)‏ كَمِرْآةٍ وَسَيْفٍ وَسِكِّينٍ ‏(‏أَوْ نَحْوِهَا‏)‏ كَقِطْعَةِ طِينٍ ‏(‏عَلَى بَطْنِهِ‏)‏ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ ‏"‏ أَنَّهُ مَاتَ مَوْلًى لِأَنَسٍ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ، فَقَالَ أَنَسٌ‏:‏ ضَعُوا عَلَى بَطْنِهِ حَدِيدًا ‏"‏ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ بَطْنُهُ، وَقَدَّرَ بَعْضُهُمْ وَزْنَهُ بِنَحْوِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَيُصَانُ عَنْهُ مُصْحَفٌ وَكُتُبُ فِقْهٍ وَحَدِيثٍ وَعِلْمٍ نَافِعٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏وَضْعُهُ عَلَى سَرِيرِ غُسْلِهِ‏)‏ بُعْدًا لَهُ عَنْ الْهَوَامِّ، وَنَدَاوَةِ الْأَرْضِ ‏(‏مُتَوَجِّهًا‏)‏ إلَى الْقِبْلَةِ ‏(‏مُنْحَدِرًا نَحْوِ رِجْلَيْهِ‏)‏ فَتَكُونُ رَأْسُهُ أَعْلَى، لِيَنْصَبَّ عَنْهُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَمَاءُ غُسْلِهِ ‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏إسْرَاعُ تَجْهِيزِهِ‏)‏ لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانِي أَهْلِهِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَوْنًا لَهُ عَنْ التَّغَيُّرِ ‏(‏إنْ مَاتَ غَيْرَ فَجْأَةٍ‏)‏ أَيْ بَغْتَةٍ‏.‏

‏(‏وَيُسَنُّ‏)‏ إسْرَاعُ ‏(‏تَفْرِيقِ وَصِيَّتِهِ‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْجِيلِ أَجْرِهِ ‏(‏وَيَجِبُ‏)‏ الْإِسْرَاعُ ‏(‏فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ، وَلَوْ لِلَّهِ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ ظُلْمٌ لِرَبِّهِ، فَيُقَدَّمُ حَتَّى عَلَى الْوَصِيَّةِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ ‏{‏قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ‏}‏‏"‏‏.‏

‏(‏وَلَا بَأْسَ أَنْ يُنْتَظَرَ بِهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏مَنْ يَحْضُرُهُ مِنْ وَلِيِّهِ أَوْ غَيْرِهِ، إنْ قَرُبَ‏)‏ الْمُنْتَظَرُ ‏(‏وَلَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏أَوْ يَشُقَّ‏)‏ الِانْتِظَارُ ‏(‏عَلَى الْحَاضِرِينَ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ تَكْثِيرٌ لِلْأَجْرِ بِكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ بِلَا مَضَرَّةٍ فَإِنْ بَعُدَ أَوْ خُشِيَ عَلَيْهِ، أَوْ شَقَّ عَلَى الْحَاضِرِينَ جُهِّزَ فَوْرًا‏.‏

‏(‏وَيُنْتَظَرُ بِمَنْ مَاتَ فَجْأَةً، أَوْ شُكَّ فِي مَوْتِهِ‏)‏ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَرَضَ لَهُ سَكْتَةٌ ‏(‏حَتَّى يُعْلَمَ‏)‏ مَوْتُهُ يَقِينًا‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ مِنْ غَدْوَةٍ إلَى اللَّيْلِ وَقَالَ الْقَاضِي‏:‏ يُتْرَكُ يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً مَا لَمْ يُخَفْ فَسَادُهُ وَيُتَيَقَّنُ مَوْتُهُ ‏(‏بِانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ، أَوْ مَيْلِ أَنْفِهِ، وَيُعْلَمُ مَوْتُ غَيْرِهِمَا‏)‏ أَيْ مَنْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ شُكَّ فِي مَوْتِهِ ‏(‏بِذَلِكَ‏)‏ أَيْ بِانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ وَمَيْلِ أَنْفِهِ ‏(‏وَبِغَيْرِهِ كَانْفِصَالِ كَفَّيْهِ‏)‏ أَيْ انْخِلَاعِهِمَا مِنْ ذِرَاعَيْهِ، بِأَنْ تَسْتَرْخِيَ عَصَبَةُ الْيَدِ، فَتَبْقَى كَأَنَّهَا مُنْفَصِلَةٌ فِي جِلْدِهَا عَنْ عَظْمَةِ الزَّنْدِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ ك ‏(‏اسْتِرْخَاءِ رِجْلَيْهِ‏)‏ كَذَلِكَ، وَكَذَا امْتِدَادُ جِلْدِ وَجْهِهِ، وَتَقَلُّصُ خُصْيَتَيْهِ إلَى فَوْقُ، مَعَ تَدَلِّي الْجِلْدَةِ وَيُكْرَهُ تَرْكُ الْمَيِّتِ وَحْدَهُ بَلْ يَبِيتُ مَعَهُ أَهْلُهُ قَالَهُ الْآجُرِّيُّ وَيُكْرَهُ النَّعْيُ نَصًّا، وَهُوَ النِّدَاءُ بِمَوْتِهِ وَلَا بَأْسَ بِالْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ بِلَا نَعْيٍ‏.‏

‏(‏وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏وَالنَّظَرِ إلَيْهِ‏)‏ مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْحَيَاةِ ‏(‏وَلَوْ بَعْدَ تَكْفِينِهِ‏)‏ نَصًّا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ‏:‏ ‏{‏رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ، حَتَّى رَأَيْت الدُّمُوعَ تَسِيلُ‏}‏ صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ

‏(‏وَ غُسْلُهُ مَرَّةً، أَوْ يُمِّمَ لِعُذْرٍ‏)‏ مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ أَوْ عَجْزٍ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ لِخَوْفِ نَحْوِ تَقَطُّعٍ أَوْ تَهَرٍّ ‏(‏فَرْضُ كِفَايَةٍ‏)‏ إجْمَاعًا عَلَى مَنْ أَمْكَنَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ‏:‏ ‏{‏اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَوْ أَوْصَى بِإِسْقَاطِهِ لَمْ يَسْقُطْ‏.‏

وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ‏(‏وَيَنْتَقِلُ‏)‏ ثَوَابُ غُسْلِهِ ‏(‏إلَى ثَوَابِ فَرْضِ عَيْنٍ، مَعَ جَنَابَةِ‏)‏ مَيِّتٍ ‏(‏أَوْ حَيْضٍ‏)‏ أَوْ نِفَاسٍ وَنَحْوِهِ كَانَ بِهِ، لِأَنَّ الْغُسْلَ تَعَيَّنَ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَاَلَّذِي يَتَوَلَّى غُسْلَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِ فَيَكُونُ ثَوَابُهُ كَثَوَابِهِ، هَكَذَا حَمَلَ الْمُصَنَّفُ قَوْلَ التَّنْقِيحِ‏:‏ وَيُعَيَّنُ مَعَ جَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ‏:‏ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى تَعْيِينِ غُسْلِهِ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ، بِهِ، لِسُقُوطِهِ بِوَاحِدٍ ‏(‏وَيَسْقُطَانِ‏)‏ أَيْ غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ ‏(‏سِوَى شَهِيدِ مَعْرَكَةٍ‏)‏ وَهُوَ مَنْ مَاتَ بِسَبَبِ قِتَالِ كُفَّارٍ وَقْتَ قِيَامِ قِتَالٍ، فَلَا يُغَسَّلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏‏:‏ ‏{‏وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ‏}‏ وَالْحَيُّ لَا يُغَسَّلُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ‏:‏ ‏{‏لَا تُغَسِّلُوهُمْ فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ، أَوْ كُلَّ دَمٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تُوجَدُ فِي غَيْرِهِمْ فَلَا يُقَالُ‏:‏ إنَّهُ خَاصٌّ بِهِمْ، وَسُمِّيَ شَهِيدًا لِأَنَّهُ حَيٌّ، أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ، أَوْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِشَهَادَةِ الْحَقِّ حَتَّى قُتِلَ وَنَحْوِهِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سِوَى ‏(‏مَقْتُولٍ ظُلْمًا‏)‏ كَمَنْ قَتَلَهُ نَحْوُ لِصٍّ أَوْ أُرِيدَ مِنْهُ الْكُفْرُ، فَقُتِلَ دُونَهُ، أَوْ أُرِيدَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ فَقَاتَلَ دُونَ ذَلِكَ فَقُتِلَ لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ‏.‏

وَلِأَنَّهُمْ مَقْتُولُونَ بِغَيْرِ حَقٍّ أَشْبَهُوا قَتْلَى الْكُفَّارِ فَلَا يُغَسَّلُونَ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَبْطُونِ وَالْمَطْعُونِ وَالْغَرِيقِ وَنَحْوِهِمْ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ شَهِيدُ مَعْرَكَةٍ وَمَقْتُولٌ ظُلْمًا ‏(‏أُنْثَيَيْنِ أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفَيْنِ‏)‏ كَصَغِيرَيْنِ، لِلْعُمُومَاتِ ‏(‏فَيُكْرَهُ‏)‏ تَغْسِيلُ شَهِيدِ مَعْرَكَةٍ وَمَقْتُولٍ ظُلْمًا‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ يَحْرُمُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَلَا يُوَضَّآنِ، حَيْثُ لَا يُغَسَّلَانِ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْوُضُوءُ قَبْلُ ‏(‏وَيُغَسَّلَانِ‏)‏ أَيْ شَهِيدُ الْمَعْرَكَةِ وَالْمَقْتُولُ ظُلْمًا وُجُوبًا ‏(‏مَعَ وُجُوبِ غُسْلٍ عَلَيْهِمَا قَبْلَ مَوْتٍ بِجَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ إسْلَامٍ‏)‏ لِأَنَّ الْغُسْلَ وَجَبَ لِغَيْرِ الْمَوْتِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِهِ كَغُسْلِ النَّجَاسَةِ ‏(‏كَغَيْرِهِمَا‏)‏ مِمَّنْ لَمْ يَمُتْ شَهِيدًا‏.‏

‏(‏وَشُرِطَ‏)‏ لِصِحَّةِ غُسْلِهِ ‏(‏طَهُورِيَّةُ مَاءٍ وَإِبَاحَتُهُ‏)‏ كَبَاقِي الْأَغْسَالِ ‏(‏وَإِسْلَامُ غَاسِلٍ‏)‏ لِاعْتِبَارِ نِيَّتِهِ، وَلَا تَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ ‏(‏غَيْرِ نَائِبٍ عَنْ مُسْلِمٍ نَوَاهُ‏)‏ أَيْ الْمُسْلِمُ فَيَصِحُّ لِوُجُودِ النِّيَّةِ مِنْ أَهْلِهَا كَمَنْ نَوَى رَفْعَ حَدَثِهِ وَأَمَرَ كَافِرًا أَنْ يُغَسِّلَ أَعْضَاءَهُ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ ‏(‏جُنُبًا أَوْ حَائِضًا‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْغَاسِلِ الطَّهَارَةُ ‏(‏وَعَقْلُهُ‏)‏ أَيْ الْغَاسِلِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏مُمَيِّزًا‏)‏ فَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ، لِصِحَّةِ غُسْلِهِ لِنَفْسِهِ ‏(‏وَالْأَفْضَلُ‏)‏ أَنْ يُخْتَارَ لِتَغْسِيلِهِ ‏(‏ثِقَةٌ عَارِفٌ بِأَحْكَامِ الْغُسْلِ‏)‏ احْتِيَاطًا لَهُ ‏(‏وَالْأَوْلَى بِهِ‏)‏ أَيْ غُسْلِهِ ‏(‏وَصِيَّةُ الْعَدْلِ‏)‏ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏"‏ أَوْصَى أَنْ تُغَسِّلَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ ‏"‏ وَأَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْصَى أَنْ يُغَسِّلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ ‏(‏فَ‏)‏ يُقَدَّمُ فِيهِ وَصِيُّهُ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ ‏(‏أَبُوهُ‏)‏ إنْ لَمْ يَكُنْ وَصَّى لِاخْتِصَاصِهِ بِالْحُنُوِّ وَالشَّفَقَةِ، ثُمَّ الْجَدُّ ‏(‏وَإِنْ عَلَا‏)‏ لِمُشَارَكَةِ الْجَدِّ الْأَبَ فِي الْمَعْنَى ‏(‏ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ عَصَبَتِهِ نَسَبًا‏)‏ فَيُقَدَّمُ ابْنٌ فَابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ ثُمَّ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ لِأَبٍ، وَهَكَذَا عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ مِنْ عَصَبَتِهِ ‏(‏نِعْمَةً‏)‏ فَيُقَدَّمُ مِنْهُمْ مُعْتِقُهُ، ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ، ثُمَّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا، وَهَكَذَا ‏(‏ثُمَّ ذَوُوا أَرْحَامِهِ‏)‏ أَيْ لِمَيِّتٍ ‏(‏كَمِيرَاثِ الْأَحْرَارِ فِي الْجَمِيعِ‏)‏ أَيْ جَمِيعِ مَنْ تَقَدَّمَ، فَلَا تَقْدِيمَ لِرَقِيقٍ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ ‏(‏ثُمَّ الْأَجَانِبُ‏)‏ مِنْ الرِّجَالِ ‏(‏وَ‏)‏ الْأَوْلَى ‏(‏ب‏)‏ غُسْلِ ‏(‏أُنْثَى وَصِيَّتُهَا‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الرَّجُلِ ‏(‏فَأُمُّهَا وَإِنْ عَلَتْ‏)‏ أَيْ ثُمَّ أُمُّ أُمِّهَا ثُمَّ أُمُّ أُمِّ أُمِّهَا وَهَكَذَا ‏(‏فَبِنْتُهَا وَإِنْ نَزَلَتْ‏)‏ أَيْ فَبِنْتُ بِنْتِهَا فَبِنْتُ بِنْتِهَا وَهَكَذَا ‏(‏ثُمَّ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى كَمِيرَاثٍ‏)‏ فَتُقَدَّمُ أُخْتُ شَقِيقَةٍ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ لِأُمٍّ وَهَكَذَا ‏(‏وَعَمَّةٌ وَخَالَةٌ‏)‏ سَوَاءٌ ‏(‏وَبِنْتُ أَخٍ وَأُخْتٍ سَوَاءٌ‏)‏ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ‏.‏

أَشْبَهَتَا الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ ‏(‏وَحُكْمُ تَقْدِيمِهِنَّ كَرِجَالٍ‏)‏ أَيْ يُقَدَّمُ مِنْهُنَّ مَنْ يُقَدَّمُ مِنْ رِجَالٍ لَوْ كُنَّ رِجَالًا ‏(‏وَأَجْنَبِيٌّ وَأَجْنَبِيَّةٌ أَوْلَى مِنْ زَوْجٍ وَزَوْجَةٍ‏)‏ أَيْ إذَا مَاتَ رَجُلٌ فَالْأَجْنَبِيُّ أَوْلَى بِغُسْلِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ مَاتَتْ امْرَأَتُهُ فَالْأَجْنَبِيَّةُ أَوْلَى بِغُسْلِهَا مِنْ زَوْجِهَا، لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ ‏(‏وَزَوْجٌ وَزَوْجَةٌ أَوْلَى مِنْ سَيِّدٍ وَأُمِّ وَلَدٍ‏)‏ أَيْ إذَا مَاتَتْ رَقِيقَةٌ مُزَوَّجَةٌ فَزَوْجُهَا أَوْلَى بِغُسْلِهَا مِنْ سَيِّدِهَا لِإِبَاحَةِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا إلَى حِينِ مَوْتِهَا بِخِلَافِ سَيِّدِهَا، أَوْ مَاتَ رَجُلٌ لَهُ زَوْجَةٌ وَأُمُّ وَلَدٍ، فَزَوْجَتُهُ أَوْلَى بِغُسْلِهِ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ، لِبَقَاءِ عُلْقَةِ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ الِاعْتِدَادِ وَالْإِحْدَادِ‏.‏

وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ جَوَازُ تَغْسِيلِ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ الْآخِرَ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا ‏"‏ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا نِسَاؤُهُ ‏"‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏"‏ أَنْ تُغَسِّلَهُ زَوْجَتُهُ أَسْمَاءُ فَغَسَّلَتْهُ ‏"‏ وَغَسَّلَ أَبُو مُوسَى زَوْجَتَهُ أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ ذَكَرَهُمَا أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ‏.‏

وَأَوْصَى جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ أَنْ تُغَسِّلَهُ امْرَأَتُهُ وَأَوْصَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ امْرَأَتَهُ أَنْ تُغَسِّلَهُ رَوَاهُمَا سَعِيدٌ فَلَهَا تَغْسِيلُهُ وَلَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا أَوْ مُطَلَّقَةً رَجْعِيًّا أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعٍ عَقِبَ مَوْتِهِ، مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، وَحَيْثُ جَازَ أَنْ يُغَسِّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ جَازَ النَّظَرُ إلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ‏.‏

‏(‏وَلِسَيِّدٍ غُسْلُ أَمَتِهِ‏)‏ وَلَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُزَوَّجَةً ‏(‏وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُكَاتَبَتِهِ مُطْلَقًا‏)‏ أَيْ سَوَاءٌ شَرَطَ وَطْأَهَا فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ، أَوْ لَا لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَنُهَا وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهَا ‏(‏وَلَهَا‏)‏ أَيْ الْمُكَاتَبَةُ ‏(‏تَغْسِيلُهُ إنْ شَرَطَ وَطْأَهَا‏)‏ لِإِبَاحَتِهَا لَهُ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَمْ تُغَسِّلْهُ، لِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ‏.‏

‏(‏وَلَيْسَ لِآثِمٍ بِقَتْلٍ حَقٌّ فِي غُسْلِ مَقْتُولٍ‏)‏ وَلَوْ كَانَ أَبًا أَوْ ابْنًا، لَهُ كَمَا لَا يَرِثُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ آثِمًا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ، وَإِنْ لَمْ يَرِثْ‏.‏

‏(‏وَلَا لِرَجُلٍ غُسْلُ ابْنَةِ سَبْعِ‏)‏ سِنِينَ فَأَكْثَرَ، إنْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ لِأَنَّ لِعَوْرَتِهَا حُكْمًا ‏(‏وَلَا‏)‏ ل ‏(‏امْرَأَةٍ غُسْلُ ابْنِ سَبْعِ‏)‏ سِنِينَ فَأَكْثَرَ غَيْرِ زَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَلَهُمَا‏)‏ أَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ‏(‏غُسْلُ مَنْ دُونَ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ السَّبْعِ سِنِينَ مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِعَوْرَتِهِ‏.‏

وَابْنُهُ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ غَسَّلَهُ النِّسَاءُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ‏:‏ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُغَسِّلُ الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ مِنْ غَيْرِ سُتْرَةٍ، وَتَمَسُّ عَوْرَتَهُ وَتَنْظُرُ إلَيْهَا‏.‏

‏(‏وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسَاءٍ لَا يُبَاحُ لَهُنَّ غُسْلُهُ‏)‏ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ زَوْجَةٌ وَلَا أَمَةٌ لَهُ يُمِّمَ ‏(‏أَوْ عَكْسُهُ‏)‏ بِأَنْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ بَيْنَ رِجَالٍ لَيْسَ فِيهِمْ زَوْجُهَا وَلَا سَيِّدُهَا يُمِّمَتْ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَاتَ ‏(‏خُنْثَى مُشْكِلٌ‏)‏ لَيْسَ فِيهِمْ زَوْجُهَا وَلَا سَيِّدُهَا يُمِّمَتْ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ مَاتَ ‏(‏خُنْثَى مُشْكِلٌ‏)‏ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ ‏(‏لَمْ تَحْضُرُهُ أُمُّهُ لَهُ‏)‏ أَيْ لِلْخُنْثَى ‏(‏يُمِّمَ‏)‏ لِمَا رَوَى تَمَّامٌ فِي فَوَائِدِهِ عَنْ وَاثِلَةَ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ الرِّجَالِ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ مَحْرَمٌ تُيَمَّمُ كَمَا يُيَمَّمُ الرِّجَالُ‏}‏ وَلِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِالْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ تَنْظِيفٌ وَلَا إزَالَةُ نَجَاسَةٍ، بَلْ رُبَّمَا كَثُرَتْ قُلْتُ‏:‏ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا بِالْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِمْ مَحْرَمٌ لَمْ يُغَسِّلْهَا‏.‏

وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ‏:‏ خِلَافُهُ، وَيَأْتِي‏:‏ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ مَنْ يَصْلُحُ لِغُسْلِ الْمَيِّتِ وَنَوَى وَتَرَكَ تَحْتَ مِيزَابٍ وَنَحْوِهِ‏:‏ أَجْزَأَ حَيْثُ عَمَّهُ ‏(‏وَحَرُمَ‏)‏ إنْ تَيَمَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ ‏(‏بِغَيْرِ حَائِلٍ عَلَى غَيْرِ مَحْرَمٍ‏)‏ فَيَلُفُّ عَلَى يَدَيْهِ خِرْقَةً فِيهَا تُرَابٌ فَيُيَمِّمُهُ فَإِنْ كَانَ مَحْرَمًا فَلَهُ أَنْ يُيَمِّمَهُ بِلَا حَائِلٍ ‏(‏وَرَجُلٌ أَوْلَى بِخُنْثَى‏)‏ فَيُيَمِّمُهُ إنْ كَانَ ثَمَّ رَجُلٌ وَنِسَاءٌ لِفَضْلِهِ بِالذُّكُورِيَّةِ‏.‏

لَكِنْ إنْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ مَعَ رِجَالٍ فِيهِمْ صَبِيٌّ لَا شَهْوَةَ لَهُ‏:‏ عَلَّمُوهُ الْغُسْلَ وَبَاشَرَهُ نَصًّا وَكَذَا رَجُلٌ يَمُوتُ مَعَ نِسْوَةٍ فِيهِنَّ صَغِيرَةٌ تُطِيقُ الْغُسْلَ‏.‏

قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ‏:‏ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا‏.‏ اهـ‏.‏ فَعَلَيْهِ‏:‏ إنْ كَانَ مَعَ الْخُنْثَى صَغِيرٌ أَوْ صَغِيرَةٌ فَكَذَلِكَ‏.‏

‏(‏وَتُسَنُّ بُدَاءَةُ‏)‏ الْغَاسِلِ ‏(‏ب‏)‏ غُسْلِ ‏(‏مَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ‏)‏ بِتَأْخِيرِهِ، إذَا مَاتَ جَمَاعَةٌ بِنَحْوِ هَدْمٍ أَوْ حَرِيقٍ ‏(‏ثُمَّ بِأَبٍ ثُمَّ بِأَقْرَبَ، ثُمَّ أَفْضَلَ؛ ثُمَّ أَسَنَّ، ثُمَّ قُرْعَةٌ‏)‏ إنْ تَسَاوَوْا لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ إذَنْ غَيْرُهَا‏.‏

‏(‏وَلَا يُغَسِّلُ مُسْلِمٌ كَافِرًا‏)‏ لِلنَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمًا وَتَطْهِيرًا لَهُ فَلَمْ يَجُزْ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْغُسْلِ فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ لَمْ يَثْبُتْ‏.‏

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ‏:‏ لَيْسَ فِي غُسْلِ الْمُشْرِكِ سُنَّةٌ تُتَّبَعُ‏.‏

وَذَكَرَ حَدِيثَ عَلِيٍّ‏:‏ الْمُوَارَاةَ فَقَطْ ‏(‏وَلَا يُكَفِّنُهُ وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ وَلَا يَتْبَعُ جِنَازَتَهُ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏‏:‏ ‏{‏لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏(‏بَلْ يُوَارَى‏)‏ لِعَدَمِ مَنْ يُوَارِيهِ مِنْ الْكُفَّارِ، كَمَا فُعِلَ بِكُفَّارِ بَدْرٍ، وَارُوهُمْ بِالْقَلِيبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُرْتَدِّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَهَا مُثْلَةٌ بِهِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا ‏(‏وَكَذَا كُلُّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ مُكَفِّرَةٍ‏)‏ أَيْ يُوَارَى وَلَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُكَفَّنُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا تُتَّبَعُ جِنَازَتُهُ‏.‏

‏(‏وَإِذَا أَخَذَ‏)‏ أَيْ شَرَعَ ‏(‏فِي غُسْلِهِ سَتَرَ عَوْرَتَهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏وُجُوبًا‏)‏ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ ‏{‏لَا تُبْرِزْ فَخِذَكَ وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا فِيمَنْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ، كَمَا تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ وَعَوْرَةُ ابْنِ سَبْعٍ إلَى عَشْرٍ الْفَرْجَانِ وَمَنْ فَوْقَهُ وَبِنْتُ سَبْعٍ فَأَكْثَرَ‏:‏ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ وَتَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَسُنَّ لَهُ تَجْرِيدُهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ لِلْغُسْلِ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لَهُ فِي تَغْسِيلِهِ وَأَصْوَنُ لَهُ مِنْ تَنْجِيسٍ، وَلِفِعْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ أَنُجَرِّدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا أَمْ لَا‏؟‏ ‏(‏إلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ فَغَسَّلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَيُدَلِّكُونَ بِالْقَمِيصِ دُونَ أَيْدِيهِمْ، لِمُكَلِّمٍ كَلَّمَهُمْ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ، بَعْدَ أَنْ أَوْقَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ النَّوْمَ‏.‏

رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، لِطَهَارَةِ فَضَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏سَتْرُهُ عَنْ الْعُيُونِ تَحْتَ سِتْرٍ‏)‏ فِي خَيْمَةٍ أَوْ بَيْتٍ إنْ أَمْكَنَ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ وَلِئَلَّا يَسْتَقْبِلَ بِعَوْرَتِهِ السَّمَاءَ ‏(‏وَكُرِهَ حُضُورُ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فِي غُسْلِهِ،‏)‏ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ بِالْمَيِّتِ مَا يُكْرَهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ وَالْحَاجَةُ غَيْرُ دَاعِيَةٍ إلَى حُضُورِهِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ وَلِيَّهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ ‏(‏تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ‏)‏ نَصًّا وِفَاقًا ‏(‏ثُمَّ يَرْفَعُ‏)‏ غَاسِلٌ ‏(‏رَأْسَ غَيْرِ حَامِلٍ إلَى قُرْبِ جُلُوسِهِ‏)‏ بِحَيْثُ يَكُونُ كَالْمُحْتَضَنِ فِي صَدْرِ غَيْرِهِ ‏(‏وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ بِرِفْقٍ‏)‏ لِيَخْرُجَ الْمُسْتَعِدُّ لِلْخُرُوجِ، لِئَلَّا يَخْرُجَ بَعْدَ الْأَخْذِ فِي الْغُسْلِ فَتَكْثُرَ النَّجَاسَةُ ‏(‏وَيَكُونُ ثَمَّ‏)‏ أَيْ هُنَاكَ ‏(‏بَخُورٌ‏)‏ بِوَزْنِ رَسُولٍ دَفْعًا لِلتَّأَذِّي بِرَائِحَةِ الْخَارِجِ ‏(‏وَيُكْثِرُ صَبَّ الْمَاءِ حِينَئِذٍ‏)‏ لِيَدْفَعَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْعَصْرِ وَالْحَامِلُ لَا يُعْصَرُ بَطْنُهَا، لِئَلَّا يَتَأَذَّى الْوَلَدُ‏.‏

وَلِحَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏إذَا تُوُفِّيَتْ الْمَرْأَةُ فَأَرَادُوا غُسْلَهَا فَلْيُبْدَأْ بِبَطْنِهَا فَلْتُمْسَحْ مَسْحًا رَفِيقًا إنْ لَمْ تَكُنْ حُبْلَى فَإِنْ كَانَتْ حُبْلَى فَلَا تُحَرِّكْهَا‏}‏ رَوَاهُ الْخَلَّالُ ‏(‏ثُمَّ يَلُفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً فَيُنَجِّيهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتَ ‏(‏بِهَا‏)‏ أَيْ الْخِرْقَةِ، كَمَا تُسَنُّ بُدَاءَةُ حَيٍّ بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ ‏(‏وَيَجِبُ غَسْلُ نَجَاسَةٍ بِهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِغُسْلِهِ تَطْهِيرُهُ حَسَبَ الْإِمْكَانِ وَظَاهِرُهُ‏:‏ وَلَوْ بِالْمَخْرَجِ فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا الِاسْتِجْمَارُ‏.‏

وَفِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ‏:‏ إنْ لَمْ يَتَعَدَّ الْخَارِجُ مَوْضِعَ الْعَادَةِ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ‏:‏ يُجْزِئُ فِيهِ الِاسْتِجْمَارُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ ‏(‏أَنْ لَا يَمَسَّ عَوْرَةَ مَنْ بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ‏)‏ لِأَنَّ الْمَسَّ أَعْظَمُ مِنْ النَّظَرِ وَكَحَالِ الْحَيَاةِ‏.‏

وَرُوِيَ ‏"‏ أَنَّ عَلِيًّا حِينَ غَسَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفَّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً حِينَ غَسَّلَ فَرْجَهُ ‏"‏ ذَكَرَهُ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَحْمَدَ ‏(‏وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَمَسَّ‏)‏ الْغَاسِلُ ‏(‏سَائِرَهُ‏)‏ أَيْ بَاقِيَ بَدَنِ الْمَيِّتِ ‏(‏إلَّا بِخِرْقَةٍ‏)‏ قَالَ فِي شَرْحِهِ‏:‏ لِفِعْلِ عَلِيٍّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحِينَئِذٍ يُعِدُّ الْغَاسِلُ خِرْقَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا‏:‏ لِلسَّبِيلَيْنِ وَالْأُخْرَى‏:‏ لِبَقِيَّةِ بَدَنِهِ‏.‏

‏(‏ثُمَّ يَنْوِي‏)‏ الْغَاسِلُ ‏(‏غُسْلَهُ‏)‏ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ تَعَبُّدِيَّةٌ، أَشْبَهَ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ‏(‏وَيُسَمِّي‏)‏ وُجُوبًا وَتَسْقُطُ سَهْوًا كَغُسْلِ الْحَيِّ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏أَنْ يُدْخِلَ‏)‏ الْغَاسِلُ بَعْدَ غُسْلِ كَفَّيْ الْمَيِّتِ نَصًّا ثَلَاثًا ‏(‏إبْهَامَهُ وَسَبَّابَتَهُ عَلَيْهِمَا خِرْقَةٌ مَبْلُولَةٌ بِمَاءٍ بَيْنَ شَفَتَيْهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏فَيَمْسَحُ‏)‏ بِهَا ‏(‏أَسْنَانَهُ، وَ‏)‏ يُدْخِلَهُمَا ‏(‏فِي مَنْخِرَيْهِ فَيُنَظِّفَهُمَا‏)‏ نَصًّا، فَيَقُومَ مَقَامَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ‏(‏ثُمَّ يُوَضِّئَهُ‏)‏ اسْتِحْبَابًا كَامِلًا لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ مَرْفُوعًا فِي غُسْلِ ابْنَتِهَا‏:‏ ‏{‏ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا‏}‏ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَكَغُسْلِ الْجَنَابَةِ ‏(‏وَلَا يُدْخِلُ‏)‏ غَاسِلٌ ‏(‏مَاءً فِي فَمِهِ، وَلَا‏)‏ فِي ‏(‏أَنْفِهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ خَشْيَةَ تَحْرِيكِ النَّجَاسَةِ بِدُخُولِ الْمَاءِ إلَى جَوْفِهِ ‏(‏ثُمَّ يَضْرِبُ سِدْرًا وَنَحْوَهُ‏)‏ كَخِطْمِيٍّ ‏(‏فَيُغَسِّلُ بِرَغْوَتِهِ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ فَقَطْ‏)‏ لِأَنَّ الرَّأْسَ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ، وَلِهَذَا جُعِلَ كَشْفُهُ شِعَارَ الْإِحْرَامِ وَهُوَ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ الشَّرِيفَةِ، وَالرَّغْوَةُ تُزِيلُ الدَّرَنَ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِالشَّعْرِ فَنَاسَبَ أَنْ تُغَسَّلَ بِهَا اللِّحْيَةُ ‏(‏ثُمَّ يُغَسَّلَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ ثُمَّ‏)‏ شِقُّهُ ‏(‏ الْأَيْسَرُ‏)‏ لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا‏}‏ وَكَغُسْلِ الْحَيِّ يَبْدَأُ بِصَفْحَةِ عُنُقُهُ ثُمَّ إلَى الْكَتِفِ ثُمَّ إلَى الرِّجْلِ، وَيَقْلِبُهُ عَلَى جَنْبِهِ مَعَ غُسْلِ شِقِّهِ فَيَرْفَعُ جَانِبَهُ الْأَيْمَنَ وَيُغَسِّلُ ظَهْرَهُ وَوَرِكَهُ‏.‏

وَيُغَسِّلُ جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ وَلَا يَكُبُّهُ عَلَى وَجْهِهِ ‏(‏ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ‏)‏ لِيَعُمَّهُ الْغُسْلُ ‏(‏وَيُثَلِّثُ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ يُكَرِّرُهُ ثَلَاثًا كَغُسْلِ الْحَيِّ ‏(‏إلَّا الْوُضُوءَ‏)‏ فَفِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَقَطْ ‏(‏يُمِرُّ‏)‏ الْغَاسِلُ ‏(‏فِي كُلِّ مَرَّةٍ‏)‏ مِنْ الثَّلَاثِ غَسَلَاتٍ ‏(‏يَدَهُ عَلَى بَطْنِهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ بِرِفْقٍ لِيَخْرُجَ مَا تَخَلَّفَ فَلَا يَفْسُدَ الْغُسْلُ بَعْدُ بِهِ‏.‏

‏(‏فَإِنْ لَمْ يَنْقَ‏)‏ الْمَيِّتُ ‏(‏بِثَلَاثِ‏)‏ غَسَلَاتٍ ‏(‏زَادَ‏)‏ فِي غُسْلِهِ ‏(‏حَتَّى يَنْقَى، وَلَوْ جَاوَزَ السَّبْعَ‏)‏ مَرَّاتٍ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ ‏(‏وَكُرِهَ اقْتِصَارٌ فِي غُسْلِ‏)‏ مَيِّتٍ ‏(‏عَلَى مَرَّةٍ‏)‏ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهَا كَمَالُ النَّظَافَةِ بِخِلَافِ الْحَيِّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْغُسْلِ ‏(‏إنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ‏)‏ مِنْ الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَرَّةِ، فَإِنْ خَرَجَ حَرُمَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا بَلْ مَا دَامَ يَخْرُجُ إلَى السَّبْعِ ‏(‏وَلَا يَجِبُ الْفِعْلُ‏)‏ أَيْ مُبَاشَرَةُ الْغُسْلِ، كَالْحَيِّ ‏(‏فَلَوْ تُرِكَ‏)‏ مَيِّتٌ ‏(‏تَحْتَ مِيزَابٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ مِمَّا يَنْصَبُّ مِنْهُ الْمَاءُ ‏(‏وَحَضَرَ مَنْ يَصْلُحُ لِغُسْلِهِ‏)‏ وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْمُمَيِّزُ ‏(‏وَنَوَى‏)‏ غُسْلَهُ وَسَمَّى ‏(‏وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ غُسْلُهُ فِيهِ‏)‏ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمَاءَ عَمَّهُ ‏(‏كَفَى‏)‏ فِي أَدَاءِ فَرْضِ الْغُسْلِ‏.‏

‏(‏وَسُنَّ قَطْعُ‏)‏ عَدَدِ غَسَلَاتِهِ ‏(‏عَلَى وِتْرٍ‏)‏ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي غُسْلِ ابْنَتِهِ ‏{‏اغْسِلْنَهَا وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إنْ رَأَيْتُنَّ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏جَعْلُ كَافُورٍ وَسِدْرٍ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّ الْكَافُورَ يُصَلِّبُ الْجَسَدَ وَيُبَرِّدُهُ، وَيَطْرُدُ عِتَّةَ الْهَوَامِّ بِرَائِحَتِهِ‏.‏

وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُحْرِمًا جُنِّبَ الْكَافُورَ لِأَنَّهُ مِنْ الطِّيبِ ‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏خِضَابُ شَعْرِهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ يَعْنِي رَأْسَ الْمَرْأَةِ وَلِحْيَةِ الرَّجُلِ ‏(‏بِحِنَّاءٍ وَقَصِّ شَارِبِ غَيْرِ مُحْرِمٍ وَتَقْلِيمِ أَظَافِرَ إنْ طَالَا‏)‏ أَيْ الشَّارِبُ وَالْأَظَافِرُ ‏(‏وَأَخْذُ شَعْرِ إبِطَيْهِ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ تَنْظِيفٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ عُضْوٍ أَشْبَهَ إزَالَةَ الْوَسَخِ وَالدَّرَنِ‏.‏

وَيُعَضِّدُهُ عُمُومَاتُ سُنَنِ الْفِطْرَةِ ‏(‏وَجَعْلُهُ‏)‏ أَيْ الْمَأْخُوذِ مِنْ شَعْرٍ وَظُفُرٍ ‏(‏مَعَهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ فِي كَفَنِهِ بَعْدَ إعَادَةِ غُسْلِهِ نَدْبًا ‏(‏كَعُضْوٍ سَاقِطٍ‏)‏ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ فِي مَسَائِلَ صَالِحٍ‏:‏ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ‏:‏ ‏"‏ تُغَسَّلُ رَأْسُ الْمَيِّتَةِ فَمَا سَقَطَ مِنْ شَعْرِهَا فِي أَيْدِيهِمْ غَسَّلُوهُ، ثُمَّ رَدُّوهُ فِي رَأْسِهَا ‏"‏ وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ دَفْنُ ذَلِكَ مِنْ الْحَيِّ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى وَتُلَفَّقُ أَعْضَاؤُهُ إنْ قُطِعَتْ‏:‏ بِالتَّقْمِيطِ وَالطِّينِ الْحُرِّ، حَتَّى لَا يَتَبَيَّنَ تَشْوِيهُهُ وَمَا فُقِدَ مِنْهَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ شَكْلٌ مِنْ طِينٍ وَلَا غَيْرِهِ‏.‏

‏(‏وَحَرُمَ حَلْقُ رَأْسِ‏)‏ مَيِّتٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ النُّسُكَ أَوْ زِينَةً وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مَحَلًّا لَهُمَا ‏(‏وَ‏)‏ حَرُمَ ‏(‏أَخْذُ‏)‏ شَعْرِ ‏(‏عَانَةٍ‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ مَسِّ الْعَوْرَةِ وَنَظَرِهَا وَهُوَ مُحَرَّمٌ فَلَا يُرْتَكَبُ الْمَنْدُوبُ‏.‏

‏(‏ك‏)‏ مَا يَحْرُمُ ‏(‏خَتْنٌ‏)‏ لِمَيِّتٍ أَقْلَفَ لِأَنَّهُ قَطْعُ بَعْضِ عُضْوٍ مِنْهُ وَقَدْ زَالَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ‏.‏

‏(‏وَكُرِهَ مَاءٌ حَارٌّ‏)‏ إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ لِشِدَّةِ بَرْدٍ لِأَنَّهُ يُرْخِي الْجَسَدَ فَيُسْرِعُ الْفَسَادُ إلَيْهِ، وَالْبَارِدُ يُصَلِّبُهُ وَيُبْعِدُهُ عَنْ الْفَسَادِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ ‏(‏خِلَالٌ‏)‏ إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ لِشَيْءٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ لِأَنَّهُ عَبَثٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ ‏(‏أُشْنَانٌ إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ‏)‏ لِوَسَخٍ كَثِيرٍ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا لَمْ يُكْرَهْ وَيَكُونُ الْخِلَالُ حِينَئِذٍ مِنْ شَجَرَةٍ لَيِّنَةٍ كَالصَّفْصَافِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ ‏(‏تَسْرِيحُ شَعْرِهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ رَأْسًا كَانَ أَوْ لِحْيَةً لِأَنَّهُ يَقْطَعُهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ وَعَنْ عَائِشَةَ ‏"‏ أَنَّهَا مَرَّتْ بِقَوْمٍ يُسَرِّحُونَ شَعْرَ مَيِّتٍ فَنَهَتْهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَتْ‏:‏ عَلَامَ تَنُصُّونَ مَيِّتَكُمْ ‏"‏‏؟‏ ‏(‏وَيُسَنُّ أَنْ يُضَفَّرَ شَعْرُ أُنْثَى ثَلَاثَ قُرُونٍ وَسَدْلُهُ‏)‏ أَيْ إلْقَاؤُهُ ‏(‏وَرَاءَهَا‏)‏ نَصًّا لِقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ ‏"‏ ضَفَّرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وَأَلْقَيْنَاهُ خَلْفَهَا ‏"‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏تَنْشِيفُ‏)‏ مَيِّتٍ بِثَوْبٍ، كَمَا فُعِلَ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلِئَلَّا يَبْتَلَّ كَفَنُهُ فَيَفْسُدَ بِهِ، وَلَا يَنْجَسُ مَا نُشِّفَ بِهِ‏.‏

‏(‏ثُمَّ إنْ خَرَجَ‏)‏ مِنْ الْمَيِّتِ ‏(‏شَيْءٌ‏)‏ مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا ‏(‏بَعْدَ سَبْعِ‏)‏ غَسَلَاتٍ ‏(‏حَشَا‏)‏ مَخْرَجَهُ ‏(‏بِقُطْنٍ‏)‏ يَمْنَعُ الْخَارِجَ كَمُسْتَحَاضَةٍ وَقَالَ جَمْعٌ يُلْجَمُ الْمَحَلُّ بِقُطْنٍ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ حَشَاهُ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ‏)‏ خَارِجٌ مَعَ حَشْوٍ بِقُطْنٍ ‏(‏فَ‏)‏ إنَّهُ يَحْشُو ‏(‏بِطِينٍ حُرٍّ‏)‏ أَيْ خَالِصٍ لِأَنَّ فِيهِ قُوَّةً تَمْنَعُ الْخَارِجَ ‏(‏ثُمَّ يَغْسِلُ الْمَحَلَّ‏)‏ الْمُتَنَجِّسَ بِالْخَارِجِ وُجُوبًا ‏(‏وَيُوَضَّأُ‏)‏ مَيِّتٌ ‏(‏وُجُوبًا‏)‏ كَجُنُبٍ أَحْدَثَ بَعْدَ غُسْلِهِ، لِتَكُونَ طَهَارَتُهُ كَامِلَةً‏.‏

‏(‏وَإِنْ خَرَجَ‏)‏ مِنْهُ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ ‏(‏بَعْدَ تَكْفِينِهِ لَمْ يُعَدْ الْغُسْلُ‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ، ثُمَّ لَا يُؤْمَنُ خُرُوجُ شَيْءٍ بَعْدَهُ ‏(‏وَلَا بَأْسَ بِغُسْلِهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏فِي حَمَّامٍ‏)‏ نَصًّا ‏(‏لَا‏)‏ بَأْسَ ‏(‏بِمُخَاطَبَةِ غَاسِلٍ لَهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏حَالَ غُسْلِهِ‏:‏ بِانْقَلِبْ يَرْحَمْكَ اللَّهُ وَنَحْوِهِ‏)‏ لِقَوْلِ عَلِيٍّ لَمَّا لَمْ يَجِدْ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَجِدُهُ مِنْ سَائِرِ الْمَوْتَى ‏"‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا ‏"‏ وَقَوْلِ الْفَضْلِ وَهُوَ مُحْتَضِنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ أَرِحْنِي أَرِحْنِي فَقَدْ قَطَعْت وَتِينِي إنِّي أَجِدُ شَيْئًا يَنْزِلُ عَلَيَّ‏"‏‏.‏

‏(‏وَمُحْرِمٌ‏)‏ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ‏(‏مَيِّتٌ ك‏)‏ مُحْرِمٍ ‏(‏حَيٍّ‏)‏ فِيمَا يُمْنَعُ مِنْهُ ‏(‏يُغَسَّلُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ‏)‏ لَا كَافُورٍ ‏(‏وَلَا يَقْرَبُ طِيبًا‏)‏ مُطْلَقًا وَلَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ طَيَّبَهُ وَنَحْوَهُ ‏(‏وَلَا يَلْبَسُ ذَكَرٌ الْمَخِيطَ‏)‏ نَحْوَ قَمِيصٍ ‏(‏وَلَا يُغَطَّى رَأْسُهُ‏)‏ أَيْ الْمُحْرِمِ الذَّكَرِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يُغَطَّى ‏(‏وَجْهُ أُنْثَى‏)‏ مُحْرِمَةٍ وَلَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا ظُفُرِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا فِي مُحْرِمٍ مَاتَ‏:‏ ‏{‏اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَلَا تُمْنَعُ مُعْتَدَّةٌ‏)‏ مَيِّتَةٌ ‏(‏مِنْ طِيبٍ‏)‏ لِسُقُوطِ الْإِحْدَادِ بِمَوْتِهَا ‏(‏وَتُزَالُ اللَّصُوقُ‏)‏ بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ مَا يُلْصَقُ عَلَى الْبَدَنِ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ ‏(‏لِلْغُسْلِ الْوَاجِبِ‏)‏ لِيَصِلَ لِلْبَشَرَةِ كَالْحَيِّ ‏(‏وَإِنْ سَقَطَ مِنْهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏شَيْءٌ‏)‏ بِإِزَالَةِ لَصُوقٍ ‏(‏بَقِيَتْ وَمُسِحَ عَلَيْهَا‏)‏ كَجَبِيرَةِ حَيٍّ ‏(‏وَيُزَالُ خَاتَمٌ وَنَحْوُهُ‏)‏ كَسِوَارٍ وَحَلْقَةٍ ‏(‏لَوْ بِبُرْدَةٍ‏)‏ لِأَنَّ تَرْكَهُ مَعَهُ إضَاعَةُ مَالٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يُزَالُ ‏(‏أَنْفٌ مِنْ ذَهَبٍ‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُثْلَةِ ‏(‏وَيُحَطُّ ثَمَنُهُ إنْ لَمْ يُؤْخَذْ‏)‏ أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ بَائِعُهُ أَخَذَهُ مِنْ الْمَيِّتِ ‏(‏مِنْ تَرِكَةِ‏)‏ مَيِّتٍ كَسَائِرِ دُيُونِهِ ‏(‏فَإِنْ عُدِمَتْ‏)‏ تَرِكَةُ الْمَيِّتِ ‏(‏أُخِذَ‏)‏ الْأَنْفُ ‏(‏إذَا بَلِيَ الْمَيِّتُ‏)‏ لِعَدَمِ الْمَانِعِ إذَنْ‏.‏

‏(‏وَيَجِبُ بَقَاءُ دَمِ شَهِيدٍ عَلَيْهِ‏)‏ لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏"‏ بِدَفْنِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ بِدِمَائِهِمْ ‏"‏ ‏(‏إلَّا أَنْ يُخَالِطَهُ نَجَاسَةٌ فَيُغْسَلَ‏)‏ لِأَنَّ دَفْعَ الْمَفْسَدَةِ وَهُوَ غَسْلُ النَّجَاسَةِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ وَهُوَ إبْقَاءُ أَثَرِ الْعِبَادَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ ‏(‏دَفْنُهُ‏)‏ أَيْ الشَّهِيدِ ‏(‏فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا‏)‏ فَلَا يُزَادُ وَلَا يُنْقَصُ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ، الْمَسْنُونُ ‏(‏بَعْدَ نَزْعٍ لِأَمَةِ حَرْبٍ وَنَحْوِ فَرْوٍ وَخُفٍّ‏)‏ نَصًّا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ، وَأَنْ يُدْفَنُوا فِي ثِيَابِهِمْ بِدِمَائِهِمْ ‏"‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ فَإِنْ سُلِبَ ثِيَابَهُ كُفِّنَ فِي غَيْرِهَا‏.‏

‏(‏وَإِنْ سَقَطَ‏)‏ حَاضِرُ صَفِّ الْقِتَالِ ‏(‏مِنْ شَاهِقٍ أَوْ دَابَّةٍ لَا بِفِعْلِ الْعَدُوِّ، أَوْ مَاتَ بِرَفْسَةٍ أَوْ حَتْفَ أَنْفِهِ‏)‏ أَيْ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ ‏(‏أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ‏)‏ قَتْلٍ ‏(‏بِهِ‏)‏ فَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرٌ لَمْ يُغَسَّلْ ‏(‏أَوْ عَادَ سَهْمُهُ‏)‏ أَوْ سَيْفُهُ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ فَقَتَلَهُ فَكَغَيْرِهِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ نَصًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ بِفِعْلِ الْعَدُوِّ وَلَا مُبَاشَرَةٍ وَلَا بِسَبَبٍ أَشْبَهَ مَنْ مَاتَ مَرِيضًا، وَالْأَصْلُ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ فَلَا تَسْقُطُ بِالشَّكِّ فِي مُسْقِطِهِ ‏(‏أَوْ حُمِلَ‏)‏ مَنْ جَرَحَهُ الْعَدُوُّ وَنَحْوُهُ ‏(‏فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ بَالَ أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ عَطَسَ أَوْ طَالَ بَقَاؤُهُ عُرْفًا فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏كَغَيْرِهِ‏)‏ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ ذِي حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ وَالْأَصْلُ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ‏.‏

‏(‏وَسِقْطٌ‏)‏ بِتَثْلِيثِ السِّينِ ‏(‏لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ‏)‏ فَأَكْثَرَ ‏(‏كَمَوْلُودٍ حَيًّا‏)‏ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ نَصًّا لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ‏.‏

وَفِي رِوَايَةٍ‏:‏ ‏{‏وَالطِّفْلُ يُصَلَّى عَلَيْهِ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَذَكَرَهُ أَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ بِهِ وَتُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهُ فَإِنْ جُهِلَ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى سُمِّيَ بِصَالِحٍ لَهُمَا كَهِبَةِ اللَّهِ‏.‏

‏(‏وَيَحْرُمُ سُوءُ الظَّنِّ بِمُسْلِمٍ ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏‏:‏ ‏{‏اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ‏}‏ الْآيَةَ ‏(‏وَيُسْتَحَبُّ ظَنُّ الْخَيْرِ بِمُسْلِمٍ‏)‏ وَلَا يَنْبَغِي تَحْقِيقُ ظَنِّهِ فِي رِيبَةٍ وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ أَنَّهُ لَا حَرَجَ بِظَنِّ السَّوْءِ لِمَنْ ظَاهِرُهُ الشَّرُّ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ‏}‏ مَحْمُولٌ عَلَى ظَنٍّ لَا قَرِينَةَ عَلَى صِدْقِهِ‏.‏

‏(‏وَيَجِبُ عَلَى طَبِيبٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَجَرَائِحِيِّ ‏(‏أَنْ لَا يُحَدِّثَ بِعَيْبٍ‏)‏ بِبَدَنٍ مِنْ طِبِّهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِيهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ ‏(‏عَلَى غَاسِلٍ سَتْرُ شَرٍّ‏)‏ لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏لِيُغَسِّلْ مَوْتَاكُمْ الْمَأْمُونُونَ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ‏.‏

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا وَأَدَّى فِيهِ الْأَمَانَةَ، وَلَمْ يُفْشِ عَيْبَهُ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يَجِبُ عَلَيْهِ ‏(‏إظْهَارُ خَيْرِ‏)‏ مَيِّتٍ لِلتَّرْحِيمِ عَلَيْهِ وَنَرْجُو لِلْمُحْسِنِ وَنَخَافُ عَلَى الْمُسِيءِ وَلَا نَشْهَدُ إلَّا لِمَنْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ أَوْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْأَكْثَرُ دِيَانَةً وَمَنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ وَوُجِدَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَقَلْفَ بِدَارِنَا لَا بِدَارِ حَرْبٍ، بِلَا عَلَامَةٍ نَصًّا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ فِي التَّكْفِينِ

‏(‏وَتَكْفِينُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ‏)‏ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ ‏{‏وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ‏}‏ ‏(‏وَيَجِبُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَ‏)‏ ل ‏(‏حَقِّهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏ثَوْبٌ‏)‏ وَاحِدٌ ‏(‏لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ يَسْتُرُ جَمِيعَهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ ‏(‏مِنْ مَلْبُوسِ مِثْلِهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا إجْحَافَ فِيهِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَلَا عَلَى وَرَثَتِهِ ‏(‏مَا لَمْ يُوصِ‏)‏ مَيِّتٌ ‏(‏بِدُونِهِ‏)‏ أَيْ مَلْبُوسِ مِثْلِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَقَدْ تَرَكَهُ‏.‏

‏(‏وَيُكْرَهُ‏)‏ أَنْ يُكَفَّنَ فِي ‏(‏أَعْلَى‏)‏ مِنْ مَلْبُوسِ مِثْلِهِ وَلَوْ أَوْصَى بِهِ لِأَنَّهُ إضَاعَةٌ وَلِلنَّهْيِ عَنْ التَّغَالِي فِي الْكَفَنِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ ‏(‏مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ‏)‏ مِنْ أُجْرَةِ مُغَسِّلٍ وَحَمَّالٍ وَحَفَّارٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏بِمَعْرُوفٍ‏)‏ لِمِثْلِهِ فَمَنْ أَخْرَجَ فَوْقَ، الْعَادَةِ فِي طِيبٍ وَإِعْطَاءِ مُقْرِئِينَ وَإِعْطَاءِ حَمَّالِينَ وَنَحْوِهِمْ زِيَادَةً عَلَى الْعَادَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمُرُوءَةِ فَمُتَبَرِّعٌ، فَإِنْ كَانَ مِنْ تَرِكَةٍ فَمِنْ نَصِيبِهِ ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ ‏(‏وَلَا بَأْسَ بِمِسْكٍ فِيهِ‏)‏ أَيْ الْكَفَنِ نَصًّا ‏(‏مِنْ رَأْسِ مَالِهِ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ ب يَجِبُ أَيْ يَجِبُ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ مَيِّتٍ، وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ بِمَعْرُوفٍ مِنْ رَأْسِ مَالِ مَيِّتٍ‏.‏

فَيُخْرَجُ مِنْ مَالِهِ ‏(‏مُقَدَّمًا حَتَّى عَلَى دَيْنٍ بِرَهْنٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ لِأَنَّ سُتْرَتَهُ وَاجِبَةٌ فِي الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلِأَنَّ حَمْزَةَ وَمُصْعَبًا لَمْ يُوجَدْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا ثَوْبٌ، فَكُفِّنَا فِيهِ وَلِأَنَّ لِبَاسَ الْمُفْلِسِ يُقَدَّمُ عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ، فَكَذَا كَفَنُ الْمَيِّتِ، وَلَا يَنْتَقِلُ لِوَرَثَةٍ شَيْءٌ مِنْ مَالِ مَيِّتٍ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ ‏(‏فَإِنْ عُدِمَ‏)‏ مَالُ الْمَيِّتِ، فَلَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً أَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ تَجْهِيزِهِ ‏(‏فَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ حَالَ حَيَاتِهِ يُؤْخَذُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حَالَ الْحَيَاةِ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ ‏(‏إلَّا الزَّوْجَ‏)‏ فَلَا يَلْزَمُهُ كَفَنُ زَوْجَتِهِ، وَلَا مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهَا وَلَوْ مُوسِرًا لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ فِي النِّكَاحِ وَجَبَتْ لِلتَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ وَالْبَيْنُونَةِ وَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ فَأَشْبَهَتْ الْأَجْنَبِيَّةَ، وَفَارَقَتْ الْعَبْدَ، لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ بِالْمِلْكِ لَا الِانْتِفَاعِ وَلِذَلِكَ تَجِبُ نَفَقَةُ الْآبِقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَعَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا مِنْ أَقَارِبِهَا أَوْ مُعْتِقِيهَا، لَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً ‏(‏ثُمَّ‏)‏ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَجَبَ كَفَنُهُ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ ‏(‏مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا‏)‏ لِأَنَّهُ لِلْمَصَالِحِ وَهَذَا مِنْ أَهَمِّهَا فَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ ذِمِّيًّا فَلَا لِأَنَّ الذِّمَّةَ إنَّمَا أَوْجَبَتْ عِصْمَتَهُمْ فَلَا نُؤْذِيهِمْ، لَا الْإِرْفَاقَ بِهِمْ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ، أَوْ تَعَذَّرَ الْأَخْذُ مِنْهُ، فَكَفَنُهُ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ ‏(‏عَلَى مُسْلِمٍ عَالِمٍ بِهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ كَكِسْوَةِ الْحَيِّ‏.‏

‏(‏وَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِ بَعْضُ الْوَرَثَةِ لَمْ يَلْزَمْ بَقِيَّتَهُمْ قَبُولُهُ‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمَيِّتِ وَكَذَا لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ، فَأَبَى الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ ‏(‏لَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ‏)‏ أَيْ الْوَرَثَةِ ‏(‏سَلْبُهُ‏)‏ أَيْ الْكَفَنِ الَّذِي تَبَرَّعَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَوْ غَيْرُهُمْ ‏(‏مِنْهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏بَعْدَ دَفْنِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا إسْقَاطَ لِحَقِّ أَحَدٍ فِي تَبْقِيَتِهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ نُبِشَ وَسُرِقَ كَفَنُهُ، كُفِّنَ مِنْ تَرِكَتِهِ‏)‏ نَصًّا ‏(‏ثَانِيًا وَثَالِثًا وَلَوْ قُسِمَتْ قَبْلَ تَكْفِينِهِ الْأَوَّلِ‏)‏، وَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَارِثٍ لِلْكَفَنِ بِنِسْبَةِ حِصَّتِهِ مِنْ التَّرِكَةِ ‏(‏مَا لَمْ تُصْرَفْ فِي دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ‏)‏ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ صُرِفَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُمْ تَكْفِينُهُ ثُمَّ إنْ تَبَرَّعَ بِهِ أَحَدُ الْوَرَثَةِ أَوْ غَيْرُهُمْ، وَإِلَّا تُرِكَ بِحَالِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَكَلَهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتَ ‏(‏سَبُعٌ وَنَحْوَهُ وَبَقِيَ كَفَنُهُ فَمَا‏)‏ أَيْ الْكَفَنُ الَّذِي ‏(‏مِنْ مَالِهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏فَتَرِكَةٌ‏)‏ يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ ‏(‏وَمَا تُبُرِّعَ بِهِ‏)‏ مِنْ وَارِثٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏لِلْمُتَبَرِّعِ‏)‏ لِأَنَّ تَكْفِينَهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ بَلْ إبَاحَةٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَهُ لِلْوَرَثَةِ فَكَفَّنُوهُ بِهِ فَيَكُونُ لَهُمْ‏.‏

وَكَذَا لَوْ بَلِيَ وَبَقِيَ كَفَنُهُ ‏(‏وَمَا فَضَلَ مِمَّا جُبِيَ‏)‏ مِنْ مَالِ تَكْفِينٍ بَعْدَ صَرْفِ مَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏لِرَبِّهِ‏)‏ إنْ عُلِمَ لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ لِظَنِّهِ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ فَيُرَدُّ إلَيْهِ ‏(‏فَإِنْ جَهِلَ‏)‏ رَبَّهُ أَوْ اخْتَلَطَ مَالٌ جُبِيَ وَلَمْ يُمَيِّزْ مَا لِكُلِّ إنْسَانٍ ‏(‏فَفِي كَفَنٍ آخَرَ‏)‏ يُصْرَفُ إنْ أَمْكَنَ لِأَنَّهُ مِثْلُ مَا بُذِلَ لَهُ ‏(‏فَإِنْ تَعَذَّرَ‏)‏ صَرْفُهُ فِي كَفَنٍ آخَرَ ‏(‏تَصَدَّقَ بِهِ‏)‏ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا بُذِلَ فِيهِ ‏(‏وَلَا يُجْبَى كَفَنٌ لِعَدَمٍ‏)‏ مَا يُكْفَنُ بِهِ مَيِّتٌ ‏(‏إنْ سُتِرَ‏)‏ أَيْ أَمْكَنَ سَتْرُهُ ‏(‏بِحَشِيشٍ‏)‏ أَوْ وَرَقِ شَجَرٍ وَنَحْوِهِ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِلَا إهَانَةٍ‏.‏

‏(‏وَيُسَنُّ تَكْفِينُ رَجُلٍ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ بِيضٍ مِنْ قُطْنٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ كُفِّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ جُدُدٍ يَمَانِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ أُدْرِجَ فِيهَا إدْرَاجًا‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ ‏{‏وَأَمَّا الْحُلَّةُ فَاشْتَبَهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا أَنَّهَا اُشْتُرِيَتْ لِيُكَفَّنَ بِهَا، فَتُرِكَتْ الْحُلَّةُ، وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ‏}‏ ‏(‏وَكُرِهَ‏)‏ تَكْفِينُ رَجُلٍ ‏(‏فِي أَكْثَرَ‏)‏ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لِأَنَّهُ وَضْعٌ لِلْمَالِ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ ‏(‏تَعْمِيمُهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ‏(‏تُبْسَطُ‏)‏ أَيْ الثَّلَاثُ لَفَائِفَ ‏(‏عَلَى بَعْضِهَا وَاحِدَةً فَوْقَ أُخْرَى‏)‏ لِيُوضَعَ الْمَيِّتُ عَلَيْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً ‏(‏بَعْدَ تَبْخِيرِهَا‏)‏ بِعُودٍ وَنَحْوِهِ ثَلَاثًا‏.‏

قَالَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ بَعْدَ رَشِّهَا بِنَحْوِ مَاءِ وَرْدٍ لِتَعَلُّقِ رَائِحَةِ الْبَخُورِ بِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مُحْرِمًا ‏(‏وَتُجْعَلُ‏)‏ اللِّفَافَةُ ‏(‏الظَّاهِرَةُ‏)‏ وَهِيَ السُّفْلَى مِنْ الثَّلَاثِ ‏(‏أَحْسَنَهَا‏)‏ لِأَنَّ عَادَةَ الْحَيِّ جَعْلُ الظَّاهِرِ مِنْ ثِيَابِهِ أَفْخَرَهَا، فَكَذَا الْمَيِّتُ ‏(‏وَ‏)‏ يُجْعَلُ ‏(‏الْحَنُوطُ، وَهُوَ أَخْلَاطٌ مِنْ طِيبٍ‏)‏ وَلَا يُقَالُ فِي غَيْرِ طِيبِ الْمَيِّتِ ‏(‏فِيمَا بَيْنَهَا‏)‏ أَيْ يُذَرُّ بَيْنَ اللَّفَائِفِ ‏(‏ثُمَّ يُوضَعُ‏)‏ الْمَيِّتُ ‏(‏عَلَيْهَا‏)‏ أَيْ اللَّفَائِفِ مَبْسُوطَةً ‏(‏مُسْتَلْقِيًا‏)‏ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِإِدْرَاجِهِ فِيهَا‏.‏

وَيَجِبُ سَتْرُهُ حَالَ حَمْلِهِ بِثَوْبٍ، وَيُوضَعُ مُتَوَجِّهًا نَدْبًا ‏(‏وَيُحَطُّ مِنْ قُطْنٍ مُحَنَّطٍ‏)‏ أَيْ فِيهِ حُنُوطٌ ‏(‏بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏وَتُشَدُّ فَوْقَهُ‏)‏ أَيْ الْقُطْنِ ‏(‏خِرْقَةٌ مَشْقُوقَةُ الطَّرَفِ، كَالتُّبَّانِ‏)‏ وَهُوَ السَّرَاوِيلُ بِلَا أَكْمَامٍ ‏(‏تَجْمَعُ‏)‏ الْخِرْقَةُ ‏(‏أَلْيَتَيْهِ وَمَثَانَتَهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ، لِرَدِّ الْخَارِجِ وَإِخْفَاءِ مَا ظَهَرَ مِنْ الرَّوَائِحِ ‏(‏وَيُجْعَلُ الْبَاقِي‏)‏ مِنْ قُطْنٍ مُحَنَّطٍ ‏(‏عَلَى مَنَافِذِ وَجْهِهِ‏)‏ كَعَيْنَيْهِ وَفَمِهِ وَأَنْفِهِ وَعَلَى أُذُنَيْهِ ‏(‏وَ‏)‏ يُجْعَلُ مِنْهُ عَلَى ‏(‏مَوَاضِعِ سُجُودِهِ‏)‏ جَبْهَتِهِ وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافِ قَدَمَيْهِ تَشْرِيفًا لَهَا، وَكَذَا مَغَابِنُهُ كَطَيِّ رُكْبَتَيْهِ وَتَحْتَ إبِطَيْهِ وَسُرَّتِهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَتَبَّعُ مَغَابِنَ الْمَيِّتِ وَمَرَافِقَهُ بِالْمِسْكِ ‏(‏وَإِنْ طُيِّبَ‏)‏ الْمَيِّتُ ‏(‏كُلُّهُ فَحَسَنٌ‏)‏ لِأَنَّ أَنَسًا طَلَى بِالْمِسْكِ، وَطَلَى ابْنُ عُمَرَ مَيِّتًا بِالْمِسْكِ‏.‏

وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ‏:‏ يُسْتَحَبُّ تَطْيِيبُ جَمِيعِ بَدَنِهِ بِالصَّنْدَلِ وَالْكَافُورِ، وَلِدَفْعِ الْهَوَامِّ ‏(‏وَكُرِهَ‏)‏ تَطَيُّبٌ ‏(‏دَاخِلُ عَيْنَيْهِ‏)‏ أَيْضًا، لِأَنَّهُ يُفْسِدُهُمَا ‏(‏ك‏)‏ مَا ‏(‏يُكْرَهُ‏)‏ تَطْيِيبُهُ ‏(‏بِوَرْسٍ وَزَعْفَرَانٍ‏)‏ لِأَنَّ الْعَادَةَ غَيْرُ جَارِيَةٍ بِالتَّطْيِيبِ بِهِ، وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ لِغِذَاءٍ أَوْ زِينَةٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ ‏(‏طَلْيُهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏بِمَا يُمْسِكُهُ، كَصَبِرٍ‏)‏ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَتُسَكَّنُ فِي ضَرُورَةِ الشَّعْرِ ‏(‏مَا لَمْ يُنْقَلْ‏)‏ الْمَيِّتُ لِحَاجَّةٍ دَعَتْ إلَيْهِ فَيُبَاحُ لِلْحَاجَةِ‏.‏

‏(‏ثُمَّ يُرَدُّ طَرَفُ‏)‏ اللِّفَافَةِ ‏(‏الْعُلْيَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ‏)‏ لِلْمَيِّتِ ‏(‏عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ‏)‏ يُرَدُّ ‏(‏طَرَفُهَا‏)‏ أَيْ اللِّفَافَةِ الْعُلْيَا ‏(‏الْأَيْمَنُ عَلَى‏)‏ شِقِّ الْمَيِّتِ ‏(‏الْأَيْسَرِ‏)‏ كَعَادَةِ الْحَيِّ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يُرَدُّ طَرَفُ اللِّفَافَةِ ‏(‏الثَّانِيَةِ‏)‏ كَذَلِكَ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يَرُدُّ ‏(‏الثَّالِثَةَ كَذَلِكَ‏)‏ فَيُدْرِجُهُ فِيهِ إدْرَاجًا ‏(‏وَيَجْعَلُ أَكْثَرَ الْفَاضِلِ‏)‏ مِنْ اللَّفَائِفِ عَنْ الْمَيِّتِ ‏(‏مِمَّا عِنْدَ رَأْسِهِ‏)‏ لِشَرَفِهِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ ‏(‏ثُمَّ يَعْقِدُهَا‏)‏ لِئَلَّا تَنْتَشِرَ‏.‏

‏(‏وَتُحَلُّ‏)‏ الْعُقَدُ ‏(‏فِي الْقَبْرِ‏)‏ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ ‏"‏ إذَا أَدْخَلْتُمْ الْمَيِّتَ لِلَّحْدِ فَحُلُّوا الْعُقَدَ ‏"‏ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ لِأَمْنِ انْتِشَارِهَا فَإِنْ نَسِيَ الْمُلْحِدُ أَنْ يَحُلَّهَا نُبِشَ وَلَوْ بَعْدَ تَسْوِيَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ قَرِيبًا، وَحُلَّتْ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ‏.‏

ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ ‏(‏وَكُرِهَ تَخْرِيقُهَا‏)‏ أَيْ اللَّفَائِفِ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ وَتَقْبِيحٌ لِلْكَفَنِ مَعَ الْأَمْرِ بِتَحْسِينِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ‏:‏ وَلَوْ خِيفَ نَبْشُهُ وَجَوَّزَهُ أَبُو الْمَعَالِي مَعَ خَوْفِ نَبْشِهِ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏تَكْفِينُهُ‏)‏ أَيْ الرَّجُلِ ‏(‏فِي قَمِيصٍ وَمِئْزَرٍ وَلِفَافَةٍ‏)‏ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ قَمِيصَهُ لَمَّا مَاتَ‏}‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ‏.‏

وَعَنَّ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ‏"‏ إنَّ الْمَيِّتَ يُؤَزَّرُ بِقَمِيصٍ وَيُلَفُّ فِي الثَّالِثِ ‏"‏ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُجْعَلَ الْمِئْزَرُ مِمَّا يَلِي جَسَدَهُ، ثُمَّ يُلْبَسُ الْقَمِيصَ، ثُمَّ يُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الْحَيُّ، وَأَنْ يَكُونَ الْقَمِيصُ بِكُمَّيْنِ وَدَخَارِيصَ كَقَمِيصِ الْحَيِّ نَصًّا وَلَا يُحَلُّ الْأَزْرَارُ فِي الْقَبْرِ، وَلَا يُكْرَهُ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِي ثَوْبَيْنِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُحْرِمِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْكَفَنُ ‏(‏الْجَدِيدُ أَفْضَلُ‏)‏ مِنْ الْعَتِيقِ، إنْ لَمْ يُوصِ كَمَا فُعِلَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ أَحْسَنُ وَلَيْسَ مِنْ الْمُغَالَاةِ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ لِلْحَيِّ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ حَدِيثِ ‏{‏إذَا وَلِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلِيُحْسِنْ كَفَنَهُ‏}‏ ‏(‏وَكُرِهَ‏)‏ تَكْفِينٌ ‏(‏بِرَقِيقٍ يَحْكِي الْهَيْئَةَ‏)‏ لِرِقَّتِهِ نَصًّا‏.‏

وَلَا يُجْزِئُ مَا وَصَفَ الْبَشَرَةَ ‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ كَفَنٌ ‏(‏مِنْ شَعْرٍ وَ‏)‏ مِنْ ‏(‏صُوفٍ‏)‏ لِأَنَّهُ خِلَافُ فِعْلِ السَّلَفِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ كَفَنٌ ‏(‏مُزَعْفَرٌ وَمُعَصْفَرٌ‏)‏ وَلَوْ امْرَأَةً لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالْحَالِ‏.‏

‏(‏وَحَرُمَ‏)‏ التَّكْفِينُ ‏(‏بِجِلْدٍ‏)‏ ‏{‏لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَزْعِ الْجُلُودِ عَنْ الشُّهَدَاءِ‏}‏ ‏(‏وَجَازَ‏)‏ تَكْفِينُ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ‏(‏فِي حَرِيرٍ وَمُذَهَّبٍ‏)‏ وَمُفَضَّضٍ ‏(‏لِضَرُورَةٍ‏)‏ بِأَنْ عُدِمَ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَهُ غَيْرُهُ فَيَتَعَيَّنُ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَدْفَعُ بِهِ وَيَحْرُمُ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، ذَكَرًا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْ أُنْثَى، لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهَا حَالَ الْحَيَاةِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ زِينَةٍ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا‏.‏

‏(‏وَمَتَى لَمْ يُوجَدْ مَا يَسْتُرُ‏)‏ الْمَيِّتَ ‏(‏جَمِيعَهُ سُتِرَ عَوْرَتُهُ‏)‏ كَالْحَيِّ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ عَنْ عَوْرَتِهِ سُتِرَ بِهِ ‏(‏رَأْسُهُ‏)‏ لِشَرَفِهِ ‏(‏وَجُعِلَ عَلَى بَاقِيهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏حَشِيشٌ أَوْ وَرَقٌ‏)‏ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ ‏{‏إنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إلَّا نَمِرَةٌ فَكَانَتْ إذَا وُضِعَتْ عَلَى رَأْسِهِ بَدَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا وُضِعَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ رَأْسُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُغَطَّى رَأْسُهُ وَيُجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ الْإِذْخِرُ‏}‏ ‏(‏وَيُسَنُّ تَغْطِيَةُ نَعْشٍ‏)‏ مُبَالَغَةً فِي سَتْرِ الْمَيِّتِ ‏(‏وَكُرِهَ‏)‏ أَنْ يُغَطَّى ‏(‏بِغَيْرِ أَبْيَضَ‏)‏ كَأَسْوَدَ وَأَحْمَرَ، وَيَحْرُمُ بِمُذَهَّبٍ وَنَحْوِهِ وَحَرِيرٍ‏.‏

‏(‏وَيُسَنُّ لِأُنْثَى وَخُنْثَى‏)‏ بَالِغَيْنِ ‏(‏خَمْسَةُ أَثْوَابٍ بِيضٍ مِنْ قُطْنٍ‏)‏ تُكَفَّنُ فِيهَا ‏(‏إزَارٌ وَخِمَارٌ وَقَمِيصٌ وَلِفَافَتَانِ‏)‏ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ‏:‏ أَكْثَرُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى أَنْ تُكَفَّنَ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ مِنْ الْقُطْنِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏لِصَبِيٍّ ثَوْبٌ‏)‏ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ دُونَ الرَّجُلِ ‏(‏وَيُبَاحُ‏)‏ أَنْ يُكَفَّنَ صَبِيٌّ ‏(‏فِي ثَلَاثَةٍ مَا لَمْ يَرِثْهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ‏)‏ رَشِيدٍ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ، فَلَا ‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏لِصَغِيرَةٍ قَمِيصٌ وَلِفَافَتَانِ‏)‏ بِلَا خِمَارٍ نَصًّا‏.‏

وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْدَادِ الْكَفَنِ لِحِلٍّ أَوْ عِبَادَةٍ فِيهِ، قِيلَ لِأَحْمَدَ‏:‏ يُصَلِّي أَوْ يُحْرِمُ فِيهِ، ثُمَّ يَغْسِلُهُ وَيَضَعُهُ لِكَفَنِهِ‏؟‏ فَرَآهُ حَسَنًا‏.‏

وَيَحْرُمُ دَفْنُ حُلِيٍّ وَثِيَابٍ مَعَ مَيِّتٍ غَيْرِ كَفَنِهِ، وَتَكْسِيرِ أَوَانٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ، وَيُجْمَعُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مَا أَمْكَنَ مِنْ مَوْتَى لِخَبَرِ أَنَسٍ فِي قَتْلَى أُحُدٍ‏.‏

وَيَأْتِي‏:‏ إذَا مَاتَ مُسَافِرٌ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ

‏(‏وَالصَّلَاةُ عَلَى مَنْ قُلْنَا بِغُسْلِهِ‏)‏ مِنْ الْمَوْتَى ‏(‏فَرْضُ كِفَايَةٍ‏)‏ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا فِي غَيْرِ حَدِيثٍ كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏صَلُّوا عَلَى أَطْفَالِكُمْ فَإِنَّهُمْ أَفْرَاطُكُمْ‏}‏ وَقَوْلِهِ فِي الْغَالِّ‏:‏ ‏{‏صَلُّوا عَلَى أَصْحَابِكُمْ‏}‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إنَّ صَاحِبَكُمْ النَّجَاشِيَّ قَدْ مَاتَ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ‏}‏ وَقَوْلِهِ ‏{‏صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ‏}‏ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا وَاحِدٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَعْذُورٌ‏.‏

وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى شَهِيدِ مَعْرَكَةٍ وَمَقْتُولٍ ظُلْمًا فِي حَالٍ لَا يُغَسَّلَانِ فِيهَا ‏(‏وَتَسْقُطُ‏)‏ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ، أَيْ وُجُوبُهَا ‏(‏ب‏)‏ صَلَاةِ ‏(‏مُكَلَّفٍ‏)‏ ذَكَرًا أَوْ خُنْثَى أَوْ أُنْثَى، حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُبَعَّضًا، كَغُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ‏.‏

وَظَاهِرُهُ‏:‏ لَا تَسْقُطُ بِالْمُمَيِّزِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ وَقُدِّمَ فِي الْمُحَرَّرِ‏:‏ تَسْقُطُ كَمَا لَوْ غَسَّلَهُ‏.‏

‏(‏وَتُسَنُّ‏)‏ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ جَمَاعَةً لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَاسْتَمَرَّ النَّاسُ عَلَيْهِ ‏(‏إلَّا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ فَلَمْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ بِإِمَامٍ احْتِرَامًا لَهُ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ دَخَلَ النَّاسُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَالًا، يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، حَتَّى إذَا فَرَغُوا أَدْخَلُوا النِّسَاءَ، حَتَّى إذَا فَرَغُوا أَدْخَلُوا الصِّبْيَانَ، وَلَمْ يَؤُمَّ النَّاسَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ ‏"‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ‏.‏

وَفِي الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ‏:‏ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِوَصِيَّةٍ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏أَنْ لَا تَنْقُصَ الصُّفُوفُ عَنْ ثَلَاثَةٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ كَانَ إذَا صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ جَزَّأَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ مِنْ النَّاسِ، فَقَدْ أَوْجَبَ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ‏:‏ وَقَالَ‏:‏ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فَإِنْ كَانُوا سِتَّةً فَأَكْثَرَ جَعَلَ كُلَّ اثْنَيْنِ صَفًّا وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً جَعَلَهُمْ صَفَّيْنِ وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْفَذِّ فِيهَا خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ‏.‏

‏(‏وَالْأَوْلَى بِهَا‏)‏ أَيْ بِالصَّلَاةِ عَلَى مَيِّتٍ إمَامًا ‏(‏وَصِيَّةُ الْعَدْلِ‏)‏ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَا زَالُوا يُوصُونَ بِهَا وَيُقَدِّمُونَ الْوَصِيَّ‏.‏

وَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَأَوْصَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ صُهَيْبٌ، وَأَوْصَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا ابْنُ زَيْدٍ، وَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَبُو بَرْزَةَ‏.‏

ذَكَرَهُ كُلَّهُ أَحْمَدُ وَكَالْمَالِ وَتَفْرِقَتِهِ فَإِنْ أَوْصَى بِهَا لِفَاسِقٍ لَمْ تَصِحَّ‏.‏

‏(‏وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا‏)‏ أَيْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ‏(‏لَاثْنَيْنِ‏)‏ قُلْتُ‏:‏ وَيُقَدَّمُ أَوْلَاهُمَا بِإِمَامَةٍ لِمَا يَأْتِي ‏(‏فَسَيِّدٌ بِرَقِيقِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ مَالُهُ ‏(‏فَالسُّلْطَانُ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏لَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ‏}‏ خَرَجَ مِنْهُ الْوَصِيُّ وَالسَّيِّدُ لِمَا تَقَدَّمَ، فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُمَا عَلَى الْعُمُومِ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ‏:‏ كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى الْمَوْتَى، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ اسْتِئْذَانُ الْعَصَبَةِ‏.‏

وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏ شَهِدْت حُسَيْنًا حِينَ مَاتَ الْحَسَنُ، وَهُوَ يَدْفَعُ فِي قَفَا سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، أَمِيرِ الْمَدِينَةِ، وَيَقُولُ‏:‏ لَوْلَا السُّنَّةُ مَا قَدَّمْتُكَ ‏"‏ ‏(‏فَنَائِبُهُ الْأَمِيرُ‏)‏ عَلَى بَلَدِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ ‏(‏ف‏)‏ نَائِبُهُ ‏(‏الْحَاكِمُ‏)‏ أَيْ الْقَاضِي‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ ‏(‏فَالْأَوْلَى‏)‏ بِالْإِمَامَةِ الْأَوْلَى ‏(‏بِغُسْلِ رَجُلٍ‏)‏ وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ أُنْثَى فَيُقَدَّمُ أَبٌ فَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ ابْنُ ابْنِهِ وَإِنْ نَزَلَ ثُمَّ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ ‏(‏فَزَوْجٌ بَعْدَ ذَوِي الْأَرْحَامِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى بَاقِي الْأَجَانِبِ‏.‏

وَيُقَدَّمُ حُرٌّ بَعِيدٌ عَلَى عَبْدٍ قَرِيبٍ، وَعَبْدٌ مُكَلَّفٌ عَلَى صَبِيٍّ حُرٍّ وَامْرَأَةٍ ‏(‏ثُمَّ مَعَ تَسَاوٍ‏)‏ فِي الْقُرْبِ كَابْنَيْنِ شَقِيقَيْنِ يُقَدَّمُ ‏(‏الْأَوْلَى بِإِمَامَةٍ‏)‏ لِمَزِيَّةِ فَضِيلَتِهِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي كُلِّ شَيْءٍ ‏(‏يُقْرَعُ‏)‏ بَيْنَهُمَا، لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ غَيْرِهَا ‏(‏وَمَنْ قَدَّمَهُ وَلِيٌّ‏)‏ بِمَنْزِلَتِهِ مَعَ أَهْلِيَّتِهِ، كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يَكُونُ مَنْ قَدَّمَهُ ‏(‏وَصِيٌّ بِمَنْزِلَتِهِ‏)‏ أَيْ الْوَصِيِّ، لِتَفْوِيتِهِ عَلَى الْمُوصِي مَا أَمَلَهُ فِي الْوَصِيِّ مِنْ الْخَيْرِ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْمُوصَى لَهُ انْتَقَلَتْ إلَى مَنْ بَعْدَهُ‏.‏

‏(‏وَتُبَاحُ‏)‏ صَلَاةٌ عَلَى مَيِّتٍ ‏(‏فِي مَسْجِدٍ إنْ أُمِنَ تَلَوُّثُهُ‏)‏ ‏{‏لِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَهْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِيهِ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا‏.‏

وَجَاءَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا صُلِّيَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسَاجِدِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَإِنْ خِيفَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ بِنَحْوِ انْفِجَارٍ حَرُمَ دُخُولُهُ إيَّاهُ صِيَانَةً لَهُ عَنْ النَّجَاسَةِ‏.‏

‏(‏وَيُسَنُّ قِيَامُ إمَامٍ، وَ‏)‏ قِيَامُ ‏(‏مُنْفَرِدٍ عِنْدَ صَدْرِ رَجُلٍ‏)‏ أَيْ ذَكَرٍ ‏(‏وَوَسَطِ امْرَأَةٍ‏)‏ أَيْ أُنْثَى نَصًّا ‏(‏وَ‏)‏ قِيَامُهُمَا ‏(‏بَيْنَ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ الصَّدْرِ وَالْوَسَطِ ‏(‏مِنْ خُنْثَى‏)‏ مُشْكِلٍ لِتَسَاوِي الِاحْتِمَالَيْنِ فِيهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏أَنْ يَلِيَ إمَامٌ‏)‏ إذَا اجْتَمَعَ مَوْتَى ‏(‏مِنْ كُلِّ نَوْعٍ أَفْضَلَ‏)‏ أَفْرَادِ ذَلِكَ النَّوْعِ لِفَضِيلَتِهِ‏.‏

‏{‏وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَدِّمُ فِي الْقَبْرِ مَنْ كَانَ أَكْثَرَ قُرْآنًا‏}‏ فَيُقَدَّمُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ، الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ، فَعَبْدٌ كَذَلِكَ، فَصَبِيٌّ كَذَلِكَ، ثُمَّ خُنْثَى ثُمَّ امْرَأَةٌ كَذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ ‏(‏فَأَسَنَّ فَأَسْبَقَ‏)‏ إنْ اسْتَوَوْا ‏(‏ثُمَّ يُقْرَعْ‏)‏ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْكُلِّ‏.‏

وَإِذَا سَقَطَ فَرْضُهَا سَقَطَ التَّقْدِيمُ ‏(‏وَجَمْعُهُمْ‏)‏ أَيْ الْمَوْتَى مَعَ التَّعَدُّدِ ‏(‏بِصَلَاةٍ‏)‏ وَاحِدَةٍ ‏(‏أَفَضْلُ‏)‏ مِنْ إفْرَادِ كُلٍّ بِصَلَاةٍ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ وَأَبْلَغُ فِي تَوَفُّرِ الْجَمْعِ ‏(‏فَيُقَدَّمُ مِنْ أَوْلِيَائِهِمْ‏)‏ لِلْإِمَامَةِ عَلَيْهِمْ ‏(‏أَوْلَاهُمْ بِإِمَامَةٍ‏)‏ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَكَمَا لَوْ اسْتَوَى وَلِيَّانِ لِوَاحِدٍ ‏(‏ثُمَّ يُقْرَعُ‏)‏ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْخِصَالِ ‏(‏وَلِوَلِيِّ كُلٍّ‏)‏ مِنْهُمْ ‏(‏أَنْ يَنْفَرِدَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ مَيِّتِهِ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي تَوَلِّيهِ‏.‏

‏(‏وَيُجْعَلُ وَسَطُ أُنْثَى حِذَاءَ صَدْرِ رَجُلٍ وَ‏)‏ يُجْعَلُ ‏(‏خُنْثَى بَيْنَهُمَا‏)‏ لِيَقِفَ الْإِمَامُ أَوْ الْمُنْفَرِدُ مَوْقِفَهُ، مَعَ كُلِّ وَاحَدٍّ مِنْهُمْ ‏(‏وَيُسَوَّى بَيْنَ رُءُوسِ كُلِّ نَوْعٍ‏)‏ لِأَنَّ مَوْقِفَ النَّوْعِ وَاحِدٌ‏.‏

‏(‏ثُمَّ يُكَبِّرُ‏)‏ مُصَلٍّ ‏(‏أَرْبَعًا‏)‏ رَافِعًا يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ ‏(‏يُحْرِمُ ب‏)‏ التَّكْبِيرَةِ ‏(‏الْأُولَى‏)‏ بَعْدَ النِّيَّةِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهَا لِلْعِلْمِ بِهَا مِمَّا سَبَقَ فَيَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ، أَوْ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمَوْتَى، عَرَفَ عَدَدَهُمْ أَوْ لَا‏.‏

وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ رِجَالًا أَوْ نِسَاءً‏.‏

وَإِنْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَبَانَ امْرَأَةً أَوْ بِالْعَكْسِ، فَالْقِيَاسُ الْإِجْزَاءُ لِقُوَّةِ التَّعْيِينِ، وَالْأَوْلَى مَعْرِفَةُ ذُكُورِيَّتِهِ أَوْ أُنُوثَتِهِ وَاسْمِهِ، وَتَسْمِيَتُهُ فِي الدُّعَاءِ‏.‏

وَإِنْ نَوَى أَحَدَ الْمَوْتَى اُعْتُبِرَ تَعَيُّنُهُ ‏(‏وَيَتَعَوَّذُ وَيُسَمِّي وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ‏)‏ فِيهَا ‏(‏وَلَا يَسْتَفْتِحُ‏)‏ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّخْفِيفِ وَلِذَلِكَ لَمْ تُشْرَعْ فِيهَا السُّورَةُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ‏(‏وَفِي‏)‏ التَّكْبِيرَةِ ‏(‏الثَّانِيَةِ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ك‏)‏ مَا يُصَلِّي عَلَيْهِ ‏(‏فِي تَشَهُّدٍ‏)‏ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك‏؟‏ عَلَّمَهُمْ ذَلِكَ ‏(‏وَيَدْعُو فِي‏)‏ التَّكْبِيرَةِ ‏(‏الثَّالِثَةِ‏)‏ مُخْلِصًا لِحَدِيثِ ‏{‏إذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ‏.‏

وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ ‏(‏بِأَحْسَنَ مَا يَحْضُرُهُ‏)‏ مِنْ الدُّعَاءِ وَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ نَصًّا ‏(‏وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ بِمَا وَرَدَ وَمِنْهُ‏)‏ أَيْ الْوَارِدِ ‏(‏اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا‏)‏ أَيْ حَاضِرِنَا ‏(‏وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا إنَّك تَعْلَمُ مُنْقَلَبَنَا‏)‏ أَيْ مُنْصَرَفَنَا ‏(‏وَمَثْوَانَا‏)‏ أَيْ مَأْوَانَا ‏(‏وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَيْهِمَا‏)‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ زَادَ ابْنُ مَاجَهْ ‏{‏اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ‏}‏ وَفِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ‏.‏

قَالَ الْحَاكِمُ‏:‏ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ لَكِنْ زَادَ فِيهِ الْمُوَفَّقُ ‏"‏ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏"‏ وَلَفْظُ ‏"‏ السُّنَّةِ ‏"‏ ‏(‏اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ‏)‏ أَيْ بِضَمِّ الزَّايِ‏.‏

وَقَدْ تُسَكَّنُ قِرَاءَةً ‏(‏وَأَوْسِعْ مَدْخَلَهُ‏)‏ بِفَتْحِ الْمِيمِ‏:‏ مَوْضِعَ الدُّخُولِ وَبِضَمِّهَا الْإِدْخَالُ ‏(‏وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ‏)‏ بِالتَّحْرِيكِ‏:‏ الْمَطَرُ الْمُنْعَقِدُ ‏(‏وَنَقِّهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ‏.‏

وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ‏)‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ‏{‏مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ عَلَى جِنَازَةٍ، حَتَّى تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَيِّتَ‏}‏ وَفِيهِ ‏"‏ وَأَبْدِلْهُ أَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ‏"‏ زَادَ الْمُوَفَّقُ لَفْظَ ‏"‏ مِنْ الذُّنُوبِ ‏"‏ ‏(‏وَأَفْسِحْ لَهُ قَبْرَهُ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْحَالِ‏.‏

زَادَ الْخِرَقِيِّ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ ‏"‏ اللَّهُمَّ إنَّهُ عَبْدُك ابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ ‏"‏ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً قَالَ‏:‏ ‏"‏ اللَّهُمَّ إنَّهَا أَمَتُك بِنْتُ أَمَتِك نَزَلَتْ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ ‏"‏ زَادَ بَعْضُهُمْ ‏"‏ وَلَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا‏"‏‏.‏

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ‏:‏ وَلَا يَقُولُ إلَّا إنْ عَلِمَ خَيْرًا وَإِلَّا أَمْسَكَ عَنْهُ حَذَرًا مِنْ الْكَذِبِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ كَانَ‏)‏ الْمَيِّتُ ‏(‏صَغِيرًا أَوْ بَلَغَ مَجْنُونًا وَاسْتَمَرَّ‏)‏ عَلَى جُنُونِهِ حَتَّى مَاتَ ‏(‏قَالَ‏)‏ بَعْدُ ‏"‏ وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى‏.‏

الْإِيمَانِ ‏"‏ ‏(‏اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ ذُخْرًا لِوَالِدَيْهِ وَفَرَطًا‏)‏ أَيْ سَابِقًا مُهَيِّئًا لِصَلَاحِ أَبَوَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، سَوَاءٌ مَاتَ فِي حَيَاتِهِمَا أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِمَا ‏(‏وَأَجْرًا وَشَفِيعًا مُجَابًا، اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا وَأَلْحِقْهُ بِصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ وَاجْعَلْهُ فِي كَفَالَةِ إبْرَاهِيمَ وَقِه بِرَحْمَتِكَ عَذَابَ الْجَحِيمَ‏)‏ لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏السِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ‏}‏‏.‏

وَفِي لَفْظٍ‏:‏ ‏{‏بِالْعَافِيَةِ وَالرَّحْمَةِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ الدُّعَاءِ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ إلَى الدُّعَاءِ لِوَالِدَيْهِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ شَافِعٌ غَيْرُ مَشْفُوعٍ فِيهِ‏.‏

وَلَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ قَلَمٌ ‏(‏وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ‏)‏ مُصَلٍّ ‏(‏إسْلَامَ وَالِدَيْهِ‏)‏ أَيْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ ‏(‏دَعَا لِمَوَالِيهِ‏)‏ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُمَا فِي الْمُصَابِ بِهِ، وَلَا بَأْسَ بِإِشَارَةٍ بِنَحْوِ أُصْبُعٍ لِمَيِّتٍ حَالَ دُعَائِهِ لَهُ نَصًّا ‏(‏وَيُؤَنَّثُ الضَّمِيرُ‏)‏ فِي صَلَاةٍ ‏(‏عَلَى أُنْثَى‏)‏ فَيَقُولُ‏:‏ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهَا وَارْحَمْهَا، أَيْ وَلَا يَقُولُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ‏:‏ وَأَبْدِلْهَا زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهَا ‏(‏وَيُشِيرُ‏)‏ مُصَلٍّ ‏(‏بِمَا يَصْلُحُ لَهُمَا‏)‏ أَيْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي صَلَاةٍ ‏(‏عَلَى خُنْثَى‏)‏ فَيَقُولُ‏:‏ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِهَذَا الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَيَقِفُ بَعْدَ‏)‏ تَكْبِيرَةٍ ‏(‏رَابِعَةٍ قَلِيلًا‏)‏ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ مَرْفُوعًا ‏{‏كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا ثُمَّ يَقِفُ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَكُنْتُ أَحْسَبُ أَنْ هَذِهِ الْوَقْفَةَ لِيُكَبِّرَ آخِرُ الصُّفُوفِ‏}‏ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ‏.‏

‏(‏وَلَا يَدْعُو‏)‏ بَعْدَ الرَّابِعَةِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ‏(‏وَيُسَلِّمُ‏)‏ تَسْلِيمَةً ‏(‏وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْحَالِ وَأَكْثَرُ مَا رُوِيَ فِي التَّسْلِيمِ ‏(‏وَيَجُوزُ‏)‏ أَنْ يُسَلِّمَهَا ‏(‏تِلْقَاءَ وَجْهِهِ‏)‏ نَصًّا ‏(‏وَ‏)‏ يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ ‏(‏ثَانِيَةً‏)‏ وَيُجْزِئُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ‏:‏ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ وَحَرْبٌ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏"‏ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى زَيْدِ بْنِ الْمُلَقِّفِ فَسَلَّمَ وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ‏:‏ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ‏"‏ لَكِنَّ ذِكْرَ الرَّحْمَةِ أَلْيَقُ بِالْحَالِ، فَكَانَ أَوْلَى‏.‏

‏(‏وَسُنَّ وُقُوفُهُ‏)‏ أَيْ الْمُصَلِّي عَلَيْهَا ‏(‏حَتَّى تُرْفَعَ‏)‏ نَصًّا قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ رَأَيْت عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ لَا يَبْرَحُ مِنْ مُصَلَّاهُ حَتَّى يَرَاهَا عَلَى أَيْدِي الرِّجَالِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى وَلَمْ يَقِفُ‏.‏

‏(‏وَوَاجِبُهَا‏)‏ أَيْ أَرْكَانُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ سِتَّةٌ ‏(‏قِيَامُ‏)‏ قَادِرٍ ‏(‏فِي فَرْضِهَا‏)‏ فَلَا تَصِحُّ مِنْ قَاعِدٍ وَلَا رَاكِبِ رَاحِلَةٍ، بِلَا عُذْرٍ كَمَكْتُوبَةٍ‏.‏

لِعُمُومِ ‏{‏صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا‏}‏ فَإِنْ تَكَرَّرَتْ صَحَّتْ مِنْ قَاعِدٍ بَعْدَ مَنْ يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُهَا، كَبَقِيَّةِ النَّوَافِلِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّانِي ‏(‏تَكْبِيرَاتٌ‏)‏ أَرْبَعٌ، لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ عَلَى الْجِنَازَةِ أَرْبَعًا‏}‏‏"‏‏.‏

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَخَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ‏}‏‏.‏

وَفِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ‏{‏صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَمَا دُفِنَ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا‏}‏ وَقَدْ قَالَ‏:‏ ‏{‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏}‏ ‏(‏فَإِنْ تَرَكَ غَيْرُ مَسْبُوقِ تَكْبِيرَةً‏)‏ مِنْ الْأَرْبَعِ ‏(‏عَمْدًا بَطَلَتْ‏)‏ صَلَاتُهُ‏.‏

لِأَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا عَمْدًا فَأَبْطَلَهَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ تَرَكَهَا ‏(‏سَهْوًا يُكَبِّرُهَا‏)‏ كَمَا لَوْ سَلَّمَ فِي الْمَكْتُوبَةِ قَبْلَ إتْمَامِهَا سَهْوًا ‏(‏مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ‏)‏ وَتَصِحُّ، لِأَنَّ هَذَا التَّكْبِيرَ يُقْضَى مُفْرَدًا أَشْبَهَ الرَّكَعَاتِ، وَعَكْسُهُ تَكْبِيرُ الِانْتِقَالِ، فَلَا يُشْرَعُ قَضَاؤُهُ مُفْرَدًا فَسَقَطَ بِتَرْكِهِ سَهْوًا ‏(‏فَإِنْ طَالَ‏)‏ الْفَصْلُ عُرْفًا اسْتَأْنَفَهَا ‏(‏أَوْ وُجِدَ مُنَافٍ‏)‏ لِلصَّلَاةِ مِنْ كَلَامٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏اسْتَأْنَفَ‏)‏ الصَّلَاةَ لِمَا رَوَى حَرْبٌ فِي مَسَائِلِهِ وَالْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا ‏"‏ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهَا ثَلَاثًا، وَتَكَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ إنَّمَا كَبَّرَتْ ثَلَاثًا، فَرَجَعَ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا‏"‏‏.‏

وَعَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ‏:‏ ‏"‏ صَلَّى بِنَا أَنَسٌ فَكَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ سَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ‏:‏ إنَّمَا كَبَّرْت ثَلَاثًا فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَكَبَّرَ الرَّابِعَةَ ‏"‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ وُجُودِ الْمُنَافِي‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّالِثُ‏:‏ ‏(‏قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ‏)‏ لِعُمُومِ حَدِيثِ ‏{‏لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ‏}‏ وَعَنْ أُمِّ شَرِيكٍ قَالَتْ ‏{‏أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقْرَأَ عَلَى الْجِنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ‏.‏

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏"‏ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَقَالَ‏:‏ لِتَعْلَمُوا أَنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ ‏"‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ‏(‏وَسُنَّ إسْرَارُهَا‏)‏ أَيْ الْفَاتِحَةِ ‏(‏وَلَوْ صَلَّى لَيْلًا‏)‏ لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏السُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ مُخَافَتَةً، ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَالسَّلَامُ‏}‏ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَلِأَنَّهُ فِعْلُ السَّلَفِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الرَّابِعُ ‏(‏الصَّلَاةُ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ ‏"‏ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ السُّنَّةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ‏:‏ يُكَبِّرُ الْإِمَامُ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى سِرًّا فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخْلِصُ الدُّعَاءَ لِلْجِنَازَةِ فِي التَّكْبِيرَاتِ، لَا يَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ، ثُمَّ يُسَلِّمُ سِرًّا فِي نَفْسِهِ‏}‏ زَادَ الْأَثْرَمُ‏.‏

وَالسُّنَّةُ أَنْ يَفْعَلَ مَنْ وَرَاءَ الْإِمَامِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ إمَامُهُمْ ‏"‏ قَالَ فِي الْكَافِي‏:‏ وَلَا تَتَعَيَّنُ صَلَاةٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْخَامِسُ ‏(‏أَدْنَى دُعَاءٍ لِلْمَيِّتِ‏)‏ لِمَا سَبَقَ وَلِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَأَقَلُّهُ ‏"‏ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ ‏"‏ وَاعْلَمْ مِنْهُ‏:‏ أَنَّهُ لَا يَكْفِي ‏"‏ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا‏.‏

وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْكَافِي ‏:‏ اعْتِبَارُ كَوْنِ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ الْأُولَى، وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ، وَالدُّعَاءُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ‏.‏

وَفِي الْإِقْنَاعِ‏:‏ أَوْ الرَّابِعَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ السَّادِسُ ‏(‏السَّلَامُ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِعُمُومِ حَدِيثِ ‏{‏وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ‏}‏‏.‏

‏(‏وَشُرِطَ لَهَا‏)‏ أَيْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، ‏(‏مَعَ مَا‏)‏ شُرِطَ ‏(‏لِمَكْتُوبَةٍ، إلَّا الْوَقْتَ‏)‏ فَيُشْتَرَطُ لِلْجِنَازَةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ ‏(‏حُضُورُ الْمَيِّتِ بَيْنَ يَدَيْهِ‏)‏ أَيْ الْمُصَلِّي فَلَا تَصِحُّ عَلَى جِنَازَةٍ مَحْمُولَةٍ لِأَنَّهَا كَالْإِمَامِ وَلِهَذَا لَا صَلَاةَ بِدُونِ مَيِّتٍ وَلَوْ صَلَّى وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ لَمْ تَصِحَّ‏.‏

وَيُسَنُّ دُنُوُّهُ مِنْهَا وَلَا يَجِبُ أَنْ يُسَامِتَهَا الْإِمَامُ لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهَا ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَلَا تُحْمَلُ إلَى مَكَان أَوْ مَحَلٍّ لِيُصَلَّى عَلَيْهَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ‏(‏لَا‏)‏ إذَا صَلَّى ‏(‏عَلَى غَائِبٍ مِنْ الْبَلَدِ، وَلَوْ أَنَّهُ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ أَوْ فِي غَيْرِ قِبْلَتِهِ‏)‏ أَيْ الْمُصَلِّي وَلَوْ صَارَ وَرَاءَهُ حَالَ الصَّلَاةِ فَتَصِحُّ مِنْ الْإِمَامِ وَالْآحَادِ بِالنِّيَّةِ نَصًّا، لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي ‏{‏صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّجَاشِيِّ، وَأَمَرَهُ أَصْحَابُهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏(‏وَ‏)‏ إلَّا إذَا صَلَّى ‏(‏عَلَى غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَأَسِيرٍ، فَيَسْقُطُ شَرْطُ الْحُضُورِ لِلْحَاجَةِ، وَكَذَا غُسْلُهُمَا لِتَعَذُّرِهِ ‏(‏فَيُصَلَّى عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ مَنْ ذُكِرَ ‏(‏إلَى شَهْرٍ‏)‏ مِنْ مَوْتِهِ ‏(‏بِالنِّيَّةِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بَقَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ تَلَاشٍ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي جَانِبٍ مِنْ الْبَلَدِ وَالْمُصَلِّي فِي الْآخِرِ؛ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْحُضُورُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى قَبْرِهِ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَا فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّانِي ‏(‏إسْلَامُهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ شَفَاعَةٌ وَدُعَاءٌ لَهُ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّالِثُ ‏(‏تَطْهِيرُهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏وَلَوْ بِتُرَابٍ لِعُذْرٍ‏)‏ كَفَقْدِ الْمَاءِ، أَوْ تَفَرُّقِ أَجْزَائِهِ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَتَفَسُّخِهِ فَيُيَمَّمُ ‏(‏فَإِنْ تَعَذَّرَ‏)‏ التَّيَمُّمُ أَيْضًا لِفَقْدِ التُّرَابِ أَوْ غَيْرِهِ سَقَطَ ‏(‏وَصُلِّيَ عَلَيْهِ‏)‏ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الطَّهَارَةِ لَا يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ، كَالْحَيِّ وَكَبَاقِي الشُّرُوطِ، وَيُشْتَرَطُ لَهَا أَيْضًا‏:‏ تَكْفِينُهُ، وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ لِمُلَازَمَتِهِ لِلْغُسْلِ عَادَةً‏.‏

‏(‏وَيُتَابَعُ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ‏(‏إمَامٌ زَادَ عَلَى‏)‏ تَكْبِيرَةٍ ‏(‏رَابِعَةٍ‏)‏ لِعُمُومِ ‏{‏إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ‏}‏ ‏(‏إلَى سَبْعِ‏)‏ تَكْبِيرَاتٍ‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ هُوَ أَكْثَرُ مَا جَاءَ وَرَوَى ابْنُ شَاهِينِ أَنَّهُ ‏{‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ عَلَى حَمْزَةَ سَبْعًا‏}‏ ‏(‏مَا لَمْ تُظَنَّ بِدْعَتُهُ‏)‏ أَيْ الْإِمَامِ ‏(‏أَوْ‏)‏ يُظَنَّ ‏(‏رَفْضُهُ‏)‏ فَلَا يُتَابَعُ فِيمَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ، لِأَنَّهُ إظْهَارٌ لِشِعَارِهِمْ ‏(‏وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَبِّحَ بِهِ‏)‏ أَيْ الْإِمَامُ إذَا جَاوَزَ السَّبْعَ ‏(‏بَعْدَهَا‏)‏ لِاحْتِمَالِ سَهْوِهِ، وَقَبْلَهَا لَا يُسَبِّحُ بِهِ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ ‏(‏وَلَا يَدْعُو‏)‏ مَأْمُومٌ ‏(‏فِي مُتَابَعَةٍ‏)‏ لِإِمَامِهِ ‏(‏بَعْدَ‏)‏ التَّكْبِيرَةِ ‏(‏الرَّابِعَةِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لَهُ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ ‏(‏وَلَا تَبْطُلُ‏)‏ صَلَاةُ جِنَازَةٍ ‏(‏بِمُجَاوَزَةِ سَبْعِ‏)‏ تَكْبِيرَاتٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَشْرُوعٌ فِي أَصْلِهِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ أَشْبَهَ تَكْرَارَ الْفَاتِحَةِ، وَعَكْسُهُ زِيَادَةُ الرَّكْعَةِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ أَفْعَالٍ‏.‏

قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ‏:‏ وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ‏.‏

‏(‏وَحَرُمَ‏)‏ عَلَى مَأْمُومٍ ‏(‏سَلَامٌ قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ الْإِمَامِ الْمُجَاوِزِ سَبْعًا نَصًّا؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، فَلَا يُقْطَعُ مِنْ أَجْلِهِ الْمُتَابَعَةُ، كَإِطَالَةِ الدُّعَاءِ ‏(‏وَيُخَيَّرُ مَسْبُوقٌ‏)‏ سَلَّمَ إمَامُهُ ‏(‏فِي قَضَاءِ‏)‏ مَا فَاتَهُ ‏(‏وَسَلَامٍ مَعَهُ‏)‏ أَيْ الْإِمَامِ، لِحَدِيثِ ‏{‏عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُ التَّكْبِيرِ، قَالَ‏:‏ مَا سَمِعْتِ فَكَبِّرِي، وَمَا فَاتَكِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْك‏}‏ وَيُسْتَحَبُّ إحْرَامُ مَسْبُوقٍ مَعَهُ فِي أَيْ حَالٍ صَادَفَهُ، وَلَا يُنْتَظَرُ تَكْبِيرُهُ كَبَاقِي الصَّلَوَاتِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ كَبَّرَ‏)‏ إمَامٌ مُنْفَرِدٌ عَلَى جِنَازَةٍ ‏(‏فَجِيءَ‏)‏ بِجِنَازَةٍ ‏(‏أُخْرَى فَكَبَّرَ‏)‏ الثَّانِيَةَ ‏(‏وَنَوَاهَا‏)‏ أَيْ التَّكْبِيرَ ‏(‏لَهُمَا‏)‏ أَيْ الْجِنَازَتَيْنِ ‏(‏وَقَدْ بَقِيَ مِنْ تَكْبِيرِهِ‏)‏ السَّبْعِ ‏(‏أَرْبَعٌ‏)‏ بِاَلَّتِي نَوَاهَا لَهَا، بِأَنْ كَانَتْ رَابِعَةً فَمَا دُونُ ‏(‏جَازَ‏)‏ نَصًّا‏.‏

فَإِنْ جِيءَ بِأُخْرَى بَعْدَ الرَّابِعَةِ لَمْ يَجُزْ إدْخَالُهَا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَنْقِيصِهَا عَنْ أَرْبَعٍ أَوْ زِيَادَةِ مَا قَبْلَهَا عَلَى سَبْعٍ، وَمَتَى نَوَى التَّكْبِيرَةَ لَهُمَا حَيْثُ يَصِحُّ ‏(‏فَ‏)‏ إنَّهُ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي تَكْبِيرَةٍ ‏(‏خَامِسَةٍ وَيُصَلِّي‏)‏ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَكْبِيرَةٍ ‏(‏سَادِسَةٍ وَيَدْعُو‏)‏ لِلْمَوْتَى ‏(‏فِي سَابِعَةٍ‏)‏ لِتَكْمُلَ الْأَرْكَانُ فِي جَمِيعِ الْجَنَائِزِ‏.‏

‏(‏وَيَقْضِي مَسْبُوقٌ‏)‏ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ مَا فَاتَهُ ‏(‏عَلَى صِفَتِهَا‏)‏ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، كَبَاقِي الصَّلَوَاتِ، فَيُتَابِعُ إمَامَهُ فِيمَا أَدْرَكَهُ فِيهِ، ثُمَّ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ كَبَّرَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَ آخِرَ صَلَاتِهِ وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُهَا ‏(‏فَإِنْ خَشِي رَفْعَهَا‏)‏ أَيْ الْجِنَازَةِ ‏(‏تَابَعَ‏)‏ التَّكْبِيرَ رُفِعَتْ أَوْ لَمْ يُرْفَعْ‏.‏

‏(‏وَإِنْ سَلَّمَ‏)‏ مَسْبُوقٌ عَقِبَ إمَامِهِ ‏(‏وَلَمْ يَقْضِ‏)‏ شَيْئًا ‏(‏صَحَّتْ‏)‏ صَلَاتُهُ، لِخَبَرِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْقَضَاءُ ‏(‏وَيَجُوزُ دُخُولُهُ‏)‏ أَيْ الْمَسْبُوقِ ‏(‏بَعْدَ‏)‏ التَّكْبِيرَةِ ‏(‏الرَّابِعَةِ، وَيَقْضِي الثَّلَاثَ‏)‏ تَكْبِيرَاتٍ اسْتِحْبَابًا لِيَنَالَ أَجْرَهَا‏.‏

‏(‏وَيُصَلِّي عَلَى مَنْ قُبِرَ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ دُفِنَ ‏(‏مَنْ فَاتَتْهُ‏)‏ أَيْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ الدَّفْنِ ‏(‏إلَى شَهْرٍ مِنْ دَفْنِهِ‏)‏ قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ وَمَنْ يَشُكُّ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ‏؟‏ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سِتَّةِ وُجُوهٍ كُلُّهَا حِسَانٌ، وَقَالَ‏:‏ أَكْثَرُ مَا سَمِعْت ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أُمِّ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ بَعْدَ شَهْرٍ‏}‏ ‏(‏وَلَا تَضُرُّ زِيَادَةٌ يَسِيرَةٌ‏)‏ عَلَى شَهْرٍ‏.‏

قَالَ الْقَاضِي‏:‏ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ انْتَهَى وَإِنْ شَكَّ فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ صَلَّى حَتَّى يَعْلَمَ انْتِهَاءَهَا ‏(‏وَتَحْرُمُ‏)‏ صَلَاةٌ عَلَى قَبْرٍ ‏(‏بَعْدَهَا‏)‏ أَيْ الزِّيَادَةِ الْيَسِيرَةِ نَصًّا لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ بَقَاؤُهُ عَلَى حَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَى قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا، وَقَدْ نَهَى عَنْهُ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ‏:‏ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ لَا يُصَلِّي عَلَى قَبْرِهِ ‏(‏وَيَكُونُ الْمَيِّتُ‏)‏ إذَا صَلَّى عَلَى قَبْرِهِ ‏(‏كَإِمَامٍ‏)‏ فَيَجْعَلُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، كَمَا قَبْلَ الدَّفْنِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ وُجِدَ بَعْضُ مَيِّتٍ تَحْقِيقًا‏)‏ بِأَنْ تَحَقَّقَ الْمَوْتُ وَكَانَ الْمَيِّتُ ‏(‏لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ‏)‏ وَهُوَ ‏(‏غَيْرُ شَعْرٍ وَسِنٍّ وَظُفُرٍ فَ‏)‏ حُكْمُهُ ‏(‏كَكُلِّهِ‏)‏ أَيْ كُلِّ الْمَيِّتِ لَوْ وُجِدَ، فَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وُجُوبًا؛ لِأَنَّ أَبَا أَيُّوبَ صَلَّى عَلَى رِجْلِ إنْسَانٍ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَصَلَّى عُمَرُ عَلَى عِظَامٍ بِالشَّامِ‏.‏

وَصَلَّى أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى رُءُوسٍ‏.‏

رَوَاهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ‏"‏ أَلْقَى طَائِرٌ يَدًا بِمَكَّةَ مِنْ وَقْعَةِ الْجَمَلِ عُرِفَتْ بِالْخَاتَمِ وَكَانَتْ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ، فَصَلَّى عَلَيْهَا أَهْلُ مَكَّةَ ‏"‏ وَلِأَنَّهُ بَعْضٌ مِنْ مَيِّتٍ فَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْجُمْلَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ صُلِّيَ عَلَيْهِ، غُسِّلَ مَا وُجِدَ وَكُفِّنَ وُجُوبًا، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ نَدْبًا، كَمَا يَأْتِي‏.‏

وَإِنْ كَانَ مَا وُجِدَ شَعْرًا أَوْ ظُفُرًا أَوْ سِنًّا، فَلَا لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ حَالَ الْحَيَاةِ ‏(‏وَيَنْوِي بِهَا‏)‏ أَيْ الصَّلَاةِ عَلَى مَا وُجِدَ ‏(‏ذَلِكَ الْبَعْضُ‏)‏ الْمَوْجُودُ ‏(‏فَقَطْ‏)‏ لِأَنَّهُ الْحَاضِرُ ‏(‏وَكَذَا إنْ وُجِدَ الْبَاقِي‏)‏ مِنْ الْمَيِّتِ، فَيُغْسَلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ‏(‏وَيُدْفَنُ بِجَنْبِهِ‏)‏ أَيْ الْقَبْرِ قَالَ فِي الْمُغْنِي‏:‏ أَوْ نُبِشَ بَعْضُ الْقَبْرِ وَدُفِنَ فِيهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى كَشْفِ مَيِّتٍ‏.‏

‏(‏وَتُكْرَهُ‏)‏ لِمَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ ‏(‏إعَادَةُ الصَّلَاةِ‏)‏ عَلَيْهَا مَرَّةً ثَانِيَةً، قَالَ فِي الْفُصُولِ‏:‏ لَا يُصَلِّيهَا مُرَّتَيْنِ كَالْعِيدِ ‏(‏إلَّا إذَا وُجِدَ بَعْضُ مَيِّتٍ بِشَرْطِهِ‏)‏ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ شَعْرٍ وَسِنٍّ وَظُفُرٍ ‏(‏صَلَّى عَلَى جُمْلَتِهِ‏)‏ سِوَى مَا وُجِدَ ‏(‏فَتُسَنُّ‏)‏ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بَعْدَ تَغْسِيلِهِ وَتَكْفِينِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ ‏(‏ك‏)‏ اسْتِحْبَابِ ‏(‏صَلَاةِ مَنْ فَاتَتْهُ‏)‏ صَلَاةُ جِنَازَةٍ مَعَ مَنْ صَلَّى عَلَيْهَا أَوَّلًا، فَعَلَهُ أَنَسٌ وَعَلِيٌّ وَغَيْرُهُمَا ‏(‏وَلَوْ‏)‏ صَلَّى مَنْ فَاتَتْهُمْ ‏(‏جَمَاعَةً‏)‏ كَمَا لَوْ صَلَّوْا فُرَادَى‏؟‏ ‏(‏أَوْ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ‏)‏ غَائِبًا ‏(‏بِالنِّيَّةِ إذَا حَضَرَ‏)‏ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ ثَانِيًا ‏(‏أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ بِلَا إذْنٍ الْأَوْلَى بِهَا‏)‏ أَيْ الْإِمَامَةِ عَلَيْهِ ‏(‏مَعَ حُضُورِهِ‏)‏ أَيْ الْأَوْلَى ‏(‏فَتُعَادُ‏)‏ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ مَعَ الْأَوْلَى ‏(‏تَبَعًا‏)‏ لِأَنَّهَا حَقُّهُ وَظَاهِرُهُ لَا يُعِيدُ غَيْرُ الْوَلِيِّ فَإِنْ صَلَّى وَلِيٌّ خَلْفَهُ صَارَ إذْنًا‏.‏

‏(‏وَلَا تُوضَعُ‏)‏ جِنَازَةٌ ‏(‏لِصَلَاةٍ‏)‏ عَلَيْهَا ‏(‏بَعْدَ حَمْلِهَا‏)‏ تَخْفِيفًا لِلْمُبَادَرَةِ لِلْمُوَارَاةِ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ‏:‏ فَظَاهِرُهُ يُكْرَهُ‏.‏

‏(‏وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَأْكُولٍ بِبَطْنِ آكِلٍ‏)‏ مِنْ سَبُعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ مَعَ مُشَاهَدَةِ الْأَكْلِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا عَلَى ‏(‏مُسْتَحِيلٍ بِإِحْرَاقٍ‏)‏ بِأَنْ صَارَ رَمَادًا ‏(‏وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَوَاقِعٍ بِمَلَّاحَةٍ صَارَ مِلْحًا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يُصَلَّى عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يُصَلَّى ‏(‏عَلَى بَعْضِ حَيٍّ‏)‏ كَيَدٍ قُطِعَتْ فِي سَرِقَةٍ أَوْ أَكْلَةٍ ‏(‏فِي وَقْتٍ لَوْ وُجِدَتْ فِيهِ الْجُمْلَةُ‏)‏ أَيْ الْبَقِيَّةُ ‏(‏لَمْ تُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهَا‏)‏ لِبَقَاءِ حَيَاتِهَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ دُعَاءٌ لَهُ وَشَفَاعَةٌ لِيُخَفَّفَ عَنْهُ، وَهَذَا عُضْوٌ لَا حُكْمَ لَهُ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَكَذَا إنْ شُكَّ فِي مَوْتِ الْبَقِيَّةِ‏.‏

‏(‏وَلَا يُسَنُّ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَلَا لِإِمَامِ كُلِّ قَرْيَةٍ وَهُوَ وَالِيهَا‏)‏ أَيْ الْقَرْيَةِ ‏(‏فِي الْقَضَاءِ‏:‏ الصَّلَاةُ عَلَى غَالٍّ‏)‏ نَصًّا، وَهُوَ مَنْ كَتَمَ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا لِيَخْتَصَّ بِهِ لِأَنَّهُ ‏{‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ غَلَّ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَقَالَ‏:‏ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ‏}‏ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ ‏(‏وَ‏)‏ لَا عَلَى ‏(‏قَاتِلٍ نَفْسَهُ عَمْدًا‏)‏ نَصًّا‏.‏

لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءُوهُ بِرَجُلٍ قَدْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ‏.‏

وَالْمِشْقَصُ‏:‏ كَمِنْبَرٍ نَصْلٌ عَرِيضٌ أَوْ طَوِيلٌ، أَوْ سَهْمٌ فِيهِ ذَلِكَ يُرْمَى بِهِ الْوُحُوشُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ بِخِلَافِ مَنْ مَاتَ عَنْ دَيْنٍ وَلَا وَفَاءٍ لَهُ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْعُصَاةِ كَسَارِقٍ وَشَارِبِ خَمْرٍ، وَمَقْتُولٍ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا أَوْ نَحْوَهُ‏.‏

‏(‏وَإِنْ اخْتَلَطَ‏)‏ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ ‏(‏أَوْ اشْتَبَهَ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ‏)‏ كَأَنْ اخْتَلَطَ مَوْتَى مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ وَلَمْ يَتَمَيَّزُوا بِانْهِدَامِ سَقْفٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏صَلَّى عَلَى الْجَمِيعِ، يَنْوِي بِالصَّلَاةِ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ‏)‏ مِنْهُمْ، وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَلَا طَرِيقَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ ‏(‏وَغُسِّلُوا وَكُفِّنُوا‏)‏ كُلُّهُمْ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ لَا تُمْكِنُ إلَّا بِذَلِكَ، إذْ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ لَا تَصِحُّ حَتَّى يُغَسَّلَ وَيُكَفَّنَ مَعَ الْقُدْرَةِ‏.‏

وَسَوَاءٌ كَانُوا بِدَارِ حَرْبٍ أَوْ إسْلَامٍ، قَلَّ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ أَوْ كَثُرُوا ‏(‏وَإِنْ أَمْكَنَ عَزْلُهُمْ‏)‏ عَنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ دُفِنُوا مُنْفَرِدِينَ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ عَزْلُهُمْ ‏(‏دُفِنُوا مَعًا‏)‏ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ‏.‏

وَإِنْ مَاتَ مَنْ يُعْهَدُ ذِمِّيًّا فَشَهِدَ عَدْلٌ‏:‏ أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا حُكِمَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، دُونَ تَوْرِيثِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ مِنْهُ‏.‏

‏(‏وَلِلْمُصَلِّي‏)‏ عَلَى جِنَازَةٍ ‏(‏قِيرَاطٌ‏)‏ مِنْ الْأَجْرِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْقِيرَاطُ ‏(‏أَمْرٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَهُ‏)‏ أَيْ الْمُصَلِّي عَلَيْهَا ‏(‏بِتَمَامِ دَفْنِهَا‏)‏ قِيرَاطٌ ‏(‏آخَرُ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ‏.‏

قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطَانِ‏؟‏ قَالَ مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ وَلِمُسْلِمٍ أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ‏}‏‏.‏

‏(‏بِشَرْطِ أَنْ لَا يُفَارِقَهَا مِنْ الصَّلَاةِ‏)‏ عَلَيْهَا ‏(‏حَتَّى تُدْفَنَ‏)‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ ‏{‏وَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا‏}‏ وَسُئِلَ أَحْمَدُ‏:‏ عَمَّنْ يَحْضُرُ لِمُصَلَّى الْجَنَائِزِ يَتَصَدَّى لِلصَّلَاةِ عَلَى مَنْ يَحْضُرُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لَا بَأْسَ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَكَأَنَّهُ رَأَى إذَا تَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا فَهُوَ أَفْضَلُ قَالَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ‏:‏ ‏"‏ وَتَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا ‏"‏ يَعْنِي مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَتَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ‏.‏