فصل: بَابُ: سُجُودِ السَّهْوِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏مكروهات الصلاة‏]‏

يُكْرَهُ فِيهَا أَيْ‏:‏ الصَّلَاةِ ‏(‏الْتِفَاتٌ‏)‏ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏{‏سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ‏:‏ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ‏}‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ‏(‏بِلَا حَاجَةٍ كَخَوْفٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَمَرَضٍ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ‏:‏ ‏{‏ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إلَى الشِّعْبِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ‏:‏ ‏"‏ وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إلَى الشِّعْبِ يَحْرُسُ ‏"‏ وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ‏}‏ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ‏.‏

فَإِنْ كَانَ بِوَجْهِهِ فَقَطْ‏.‏

أَوْ بِهِ صَدْرُهُ لَمْ تَبْطُلْ ‏(‏وَإِنْ اسْتَدَارَ بِجِلْسَتِهِ، أَوْ اسْتَدْبَرَهَا لَا فِي الْكَعْبَةِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقِبْلَةِ مُصَلٍّ ‏(‏أَوْ فِي شِدَّةِ خَوْفٍ، أَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ‏)‏ حَيْثُ كَانَ فَرْضُهُ الِاجْتِهَادَ ‏(‏بَطَلَتْ‏)‏ صَلَاتُهُ، لِتَرْكِهِ الِاسْتِقْبَالَ، وَأَمَّا فِي الصُّوَرِ الْمُسْتَثْنَاةِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْكَعْبَةِ إذَا اسْتَدْبَرَ مِنْهَا شَيْئًا كَانَ مُسْتَقْبِلًا مَا قَابَلَهُ، وَفِي شِدَّةِ الْخَوْفِ يَسْقُطُ الِاسْتِقْبَالُ‏.‏

وَفِي صُورَةِ الِاجْتِهَادِ صَارَتْ قِبْلَتُهُ الَّتِي تَغَيَّرَ إلَيْهَا اجْتِهَادُهُ‏.‏

وَلِذَا وَجْهٌ فِي الْإِنْصَافِ‏:‏ عَدَمُ اسْتِثْنَائِهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَدَارَ إلَى قِبْلَتِهِ ‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ فِي صَلَاةٍ ‏(‏رَفْعُ بَصَرِهِ‏)‏ إلَى السَّمَاءِ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا ‏{‏مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ‏:‏ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ‏}‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ‏.‏

و‏(‏لَا‏)‏ يُكْرَهُ رَفْعُ بَصَرِهِ ‏(‏حَالَ التَّجَشِّي‏)‏ فِي الصَّلَاةِ جَمَاعَةً، فَيَرْفَعُ وَجْهَهُ، لِئَلَّا يُؤْذِيَ مَنْ حَوْلَهُ بِالرَّائِحَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ فِي صَلَاةٍ ‏(‏تَغْمِيضُهُ‏)‏ نَصَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ فِعْلُ الْيَهُودِ، وَمَظِنَّةُ النَّوْمِ، وَنَقَلَ‏:‏ أَبُو دَاوُد إنْ نَظَرَ امْرَأَتَهُ عُرْيَانَةً غَمَّضَ وَمِنْ بَابِ أَوْلَى‏:‏ إذَا رَأَى مَنْ يُحَرَّمُ نَظَرُهُ إلَيْهِ ‏(‏و‏)‏ يُكْرَهُ أَيْضًا فِيهَا ‏(‏حَمْلُ مُشْغِلٍ عَنْهَا‏)‏، لِأَنَّهُ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ فِيهَا ‏(‏افْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ سَاجِدًا‏)‏ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَعْتَدِلْ، وَلَا يَفْتَرِشْ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ الْكَلْبِ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ حَسَنٌ صَحِيحٌ ‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏إقْعَاؤُهُ‏)‏ فِي جُلُوسِهِ ‏(‏بِأَنْ يَفْتَرِشَ قَدَمَيْهِ وَيَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ‏)‏ كَذَا فَسَّرَهُ بِهِ أَحْمَدُ‏.‏

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ‏:‏ هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهَا، ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنْ يَجْلِسَ ‏(‏بَيْنَهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ بَيْنَ عَقِبَيْهِ عَلَى أَلْيَتَيْهِ ‏(‏نَاصِبًا قَدَمَيْهِ‏)‏ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ‏:‏ وَأَمَّا الْإِقْعَاءُ عِنْدَ الْعَرَبِ‏:‏ فَهُوَ جُلُوسُ الرَّجُلِ عَلَى أَلْيَتَيْهِ، نَاصِبًا فَخِذَيْهِ، مِثْلُ إقْعَاءِ الْكَلْبِ، قَالَ فِي شَرْحِهِ‏:‏ وَكُلٌّ مِنْ الْجِلْسَتَيْنِ مَكْرُوهٌ، لِمَا رَوَى الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ عَنْ عَلِيٍّ‏.‏

قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏لَا تُقْعِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ‏}‏ وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا رَفَعْت رَأْسَكَ مِنْ السُّجُودِ فَلَا تُقْعِ كَمَا يُقْعِي الْكَلْبُ‏}‏ رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ فِيهَا ‏(‏عَبَثٌ‏)‏ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏رَأَى رَجُلًا يَعْبَثُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ‏:‏ لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ‏}‏ ‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ فِيهَا ‏(‏تَخَصُّرٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ‏.‏

لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ ‏{‏نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَخَصِّرًا‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ فِيهَا ‏(‏تَمَطٍّ‏)‏ لِأَنَّهُ يُخْرِجُهُ عَنْ هَيْئَةِ الْخُشُوعِ ‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ فِيهَا ‏(‏فَتْحُ فَمِهِ وَوَضْعِهِ فِيهِ شَيْئًا‏)‏ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ، وَيَمْنَعُ كَمَالَ الْحُرُوفِ‏.‏

و‏(‏لَا‏)‏ يُكْرَهُ وَضْعُهُ شَيْئًا ‏(‏فِي يَدِهِ‏)‏ نَصًّا وَلَا فِي كُمِّهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ فِيهَا ‏(‏اسْتِقْبَالُ صُورَةٍ‏)‏ مَنْصُوبَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ‏.‏

وَظَاهِرُهُ وَلَوْ صَغِيرَةً، لَا تَبْدُو لِنَاظِرٍ إلَيْهَا، وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَى غَيْرِ مَنْصُوبَةٍ، وَلَا سُجُودُهُ عَلَى صُورَةٍ، وَلَا صُورَةٌ خَلْفَهُ فِي الْبَيْتِ، وَلَا فَوْقَ رَأْسِهِ فِي سَقْفٍ، وَلَا عَنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ فِيهَا اسْتِقْبَالُ ‏(‏وَجْهِ آدَمِيٍّ‏)‏ نَصًّا‏.‏

وَإِلَى امْرَأَةٍ تُصَلِّي بَيْنَ يَدَيْهِ، لَا حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏كَانَ يَعْرِضُ رَاحِلَتَهُ وَيُصَلِّي إلَيْهَا‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ أَيْضًا اسْتِقْبَالُ ‏(‏مَا يَلِيهِ‏)‏ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ، فَنَظَرَ إلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ‏:‏ اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إلَى أَبِي جَهْمٍ، وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْخَمِيصَةُ‏:‏ كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ، وَالْأَنْبِجَانِيَّة‏:‏ كِسَاءٌ غَلِيظٌ ‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ فِيهَا اسْتِقْبَالُ ‏(‏نَارٍ مُطْلَقًا‏)‏ أَيْ‏:‏ سَوَاءٌ كَانَتْ نَارَ حَطَبٍ، أَوْ سِرَاجٍ، أَوْ فِي قَنَادِيلَ، أَوْ شَمْعَةٍ‏.‏

نَصًّا، لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْمَجُوسِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ فِيهَا اسْتِقْبَالُ ‏(‏مُتَحَدِّثٍ‏)‏ ‏{‏لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ إلَى النَّائِمِ وَالْمُتَحَدِّثِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهُ يَشْغَلُهُ عَنْ حُضُورِ قَلْبِهِ فِيهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ فِيهَا اسْتِقْبَالُ ‏(‏نَائِمٍ‏)‏ لِلْخَبَرِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ فِيهَا اسْتِقْبَالُ ‏(‏كَافِرٍ‏)‏ لِأَنَّهُ نَجَسٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ أَيْضًا ‏(‏تَعْلِيقُ شَيْءٍ فِي قِبْلَتِهِ‏)‏ لَا وَضْعِهِ بِالْأَرْضِ‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَجْعَلُوا فِي الْقِبْلَةِ شَيْئًا حَتَّى الْمُصْحَفَ، وَتُكْرَهُ أَيْضًا الْكِتَابَةُ فِي قِبْلَتِهِ، وَأَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْن يَدَيْهِ نَجَاسَةٌ، أَوْ بَابٌ مَفْتُوحٌ‏.‏

قَالَ فِي الْمُبْدِعِ‏:‏ ‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ أَيْضًا لِمُصَلٍّ ‏(‏حَمْلُ ثَوْبٍ، أَوْ فَصٍّ وَنَحْوِهِ فِيهِ صُورَةٌ‏)‏ وَتَقَدَّمَ‏:‏ يُكْرَهُ صَلِيبٌ فِي ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ أَيْضًا ‏(‏مَسُّ الْحَصَا وَتَقْلِيبُهُ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَمْسَحُ الْحَصَا فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ‏(‏وَتَسْوِيَةُ التُّرَابِ بِلَا عُذْرٍ‏)‏ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَبَثِ، فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ لَمْ يُكْرَهْ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ أَيْضًا ‏(‏تَرَوُّحٌ بِمِرْوَحَةٍ وَنَحْوِهَا بِلَا حَاجَةٍ‏)‏ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَبَثِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ أَيْضًا ‏(‏فَرْقَعَةُ أَصَابِعِهِ وَتَشْبِيكِهَا‏)‏ لِقَوْلِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا ‏{‏لَا تُقَعْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏رَأَى رَجُلًا قَدْ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَفَرَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - فِي الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مُشَبِّكٌ ‏"‏ تِلْكَ صَلَاةُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ‏"‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا ‏(‏مَسُّ لِحْيَتِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَبَثِ ‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا ‏(‏عَقْصُ شَعْرِهِ وَكَفُّ ثَوْبِهِ‏)‏ وَتَشْمِيرُ كُمِّهِ، وَلَوْ لِعَمَلٍ قَبْلَ الصَّلَاةِ‏.‏

لِحَدِيثِ ‏{‏وَلَا أَكُفُّ ثَوْبًا وَلَا شَعَرًا‏.‏

‏}‏ و‏"‏ رَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ فَقَامَ، فَجَعَلَ يَحِلُّهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ‏:‏ مَالَكَ وَلِرَأْسِي‏؟‏ قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ‏{‏إنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ‏}‏ وَنَهَى أَحْمَدُ رَجُلًا كَانَ إذَا سَجَدَ جَمَعَ ثَوْبَهُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى‏.‏

وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ‏:‏ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُشَمِّرَ ثِيَابَهُ، لِقَوْلِهِ‏:‏‏:‏ ‏"‏ تَرِبَ تَرِبَ‏"‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا ‏(‏أَنْ يَخُصَّ جَبْهَتَهُ بِمَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ‏)‏ لِأَنَّهُ مِنْ شِعَارِ الرَّافِضَةِ ‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ لَهُ فِيهَا ‏(‏مَسْحُ أَثَرِ سُجُودِهِ‏)‏‏.‏

وَفِي الْمُغْنِي‏:‏ إكْثَارُهُ مِنْهُ، وَلَوْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ لَهُ ‏(‏تَكْرَارُ الْفَاتِحَةِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَهَا بِهِ، لِأَنَّهَا رُكْنٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ وَالْفِعْلِيِّ‏:‏ أَنَّ تَكْرَارَ الْقَوْلِيِّ لَا يُخِلُّ بِهَيْئَةِ الصَّلَاةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏اسْتِنَادُهُ‏)‏ إلَى نَحْوِ جِدَارٍ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ مَشَقَّةَ الْقِيَامِ ‏(‏بِلَا حَاجَةٍ‏)‏ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏لَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ اتَّخَذَ عَمُودًا فِي مُصَلَّاهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ‏(‏فَإِنْ سَقَطَ‏)‏ مُسْتَنِدٌ ‏(‏لَوْ أُزِيلَ‏)‏ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ ‏(‏لَمْ تَصِحَّ‏)‏ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَائِمٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏ابْتِدَاؤُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّلَاةِ ‏(‏فِيمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ حَالَ ‏(‏يَمْنَعُ كَمَالَهَا كَحَرٍّ‏)‏ مُفْرِطٍ ‏(‏وَبَرْدٍ وَجُوعٍ‏)‏ مُفْرِطٍ ‏(‏وَعَطَشٍ مُفْرِطٍ‏)‏ لِأَنَّهُ يُقْلِقُهُ وَيَشْغَلُهُ عَنْ حُضُورِ قَلْبِهِ فِيهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنْ يَبْتَدِئَهَا ‏(‏حَاقِنًا‏)‏ بِالنُّونِ، أَيْ‏:‏ مُحْتَبِسَ بَوْلٍ، ‏(‏أَوْ حَاقِبًا‏)‏ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ‏:‏ مُحْتَبِسَ غَائِطٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ يَبْتَدِئَهَا ‏(‏مَعَ رِيحٍ مُحْتَبَسَةٍ‏)‏ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُزْعِجُهُ، كَتَعَبٍ شَدِيدٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ يَبْتَدِئَهَا ‏(‏تَائِقًا‏)‏ أَيْ‏:‏ مُشْتَاقًا ‏(‏لِطَعَامٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَجِمَاعٍ وَشَرَابٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

وَظَاهِرُهُ‏:‏ وَلَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ‏.‏

لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ ‏"‏ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ وَتُقَامُ الصَّلَاةُ، فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَأَنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ ‏"‏ ‏(‏مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ‏)‏ عَنْ الْمَكْتُوبَةِ، أَيْ‏:‏ عَنْ فِعْلِ جَمِيعِهَا فِيهِ ‏(‏فَتَجِبُ‏)‏ الْمَكْتُوبَةُ ‏(‏وَيَحْرُمُ اشْتِغَالُهُ بِغَيْرِهَا‏)‏ إذَنْ، لِتَعَيُّنِ الْوَقْتِ لَهَا، وَيُكْرَهُ نَفْخُهُ فِيهَا، وَاعْتِمَادُهُ عَلَى يَدَيْهِ فِي جُلُوسِهِ بِلَا حَاجَةٍ، وَصَلَاتُهُ مَكْتُوفًا ‏(‏وَسُنَّ‏)‏ لِمُصَلٍّ ‏(‏تَفْرِقَتُهُ‏)‏ بَيْنَ قَدَمَيْهِ ‏(‏وَمُرَاوَحَتُهُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ‏)‏ بِأَنْ يَقَرَّ عَلَى أَحَدِهِمَا مَرَّةً، ثُمَّ عَلَى الْأُخْرَى أُخْرَى، إذَا طَالَ قِيَامُهُ‏.‏

قَالَ الْأَثْرَمُ‏:‏ رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُفَرِّجُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ وَرَأَيْته يُرَاوِحُ بَيْنَهُمَا، وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ‏:‏ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي صَافًّا بَيْنَ قَدَمَيْهِ فَقَالَ‏:‏ لَوْ رَاوَحَ هَذَا بَيْنَ قَدَمَيْهِ كَانَ أَفْضَلَ ‏"‏ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَفِيهِ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ أَخْطَأَ السُّنَّةَ، لَوْ رَاوَحَ بَيْنَهُمَا كَانَ أَعْجَبَ إلَيَّ ‏"‏ ‏(‏وَتُكْرَهُ كَثْرَتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ كَثْرَةُ أَنْ يُرَاوِحَ بَيْنَ قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَمَايُلَ الْيَهُودِ‏.‏

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَكِّنْ أَطْرَافَهُ، وَلَا يَمِلْ مَيْلَ الْيَهُودِ‏}‏ ‏(‏و‏)‏ يُكْرَهُ أَيْضًا ‏(‏حَمْدُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُصَلِّي ‏(‏إذَا عَطَسَ، أَوْ‏)‏ إذَا ‏(‏وَجَدَ مَا يَسُرُّهُ و‏)‏ يُكْرَهُ أَيْضًا ‏(‏اسْتِرْجَاعُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ‏(‏إذَا وَجَدَ مَا يَغُمُّهُ‏)‏ وَكَذَا قَوْلُ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ إذَا لُسِعَ، أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ، إذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ وَنَحْوَهُ، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِهِ‏.‏

وَكَذَا لَوْ خَاطَبَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ لِمَنْ دَقَّ عَلَيْهِ ‏{‏اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمَنِينَ‏}‏ وَلِمَنْ اسْمُهُ يَحْيَى ‏{‏يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ‏}‏ وَمَنْ أَتَى بِصَلَاةٍ عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ إعَادَتُهَا فِي الْوَقْتِ، عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ‏.‏

وَ‏(‏سُنَّ‏)‏ لِمُصَلٍّ ‏(‏رَدُّ مَارٍّ بَيْنَ يَدَيْهِ‏)‏ كَبِيرٍ، أَوْ صَغِيرٍ، أَوْ بَهِيمَةٍ بِلَا عُنْفٍ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي حُجْرَةِ أُمِّ سَلَمَةَ فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ، أَوْ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَرَجَعَ، فَمَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْهِ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَمَضَتْ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ هُنَّ أَغْلَبُ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ‏.‏

وَعَنْ عَمْرُو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إلَى جِدَارٍ اتَّخَذَهُ قِبْلَةً، وَنَحْنُ خَلْفَهُ فَجَاءَتْ بَهِيمَةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا زَالَ يُدَارِيهَا، حَتَّى لَصِقَ بَطْنُهُ بِالْجِدَارِ، فَمَرَّتْ مِنْ وَرَائِهِ‏}‏ ‏(‏مَا لَمْ يَغْلِبْهُ‏)‏ الْمَارُّ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ ‏(‏أَوْ يَكُنْ‏)‏ الْمَارُّ ‏(‏مُحْتَاجًا‏)‏ إلَى مُرُورٍ، لِضِيقِ الطَّرِيقِ، وَتُكْرَهُ صَلَاتُهُ بِمَوْضِعٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمُرُورِ ‏(‏أَوْ‏)‏ يَكُنْ ‏(‏بِمَكَّةَ‏)‏ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏صَلَّى بِمَكَّةَ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ‏.‏

وَفِي الْمُغْنِي‏:‏ وَالْحَرَمُ كَهِيَ ‏(‏فَإِنْ أَبَى‏)‏ الْمَارُّ إلَّا الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي وَدَفَعَهُ الْمُصَلِّي ‏(‏فَإِنْ أَصَرَّ‏)‏ عَلَى إرَادَةِ الْمُرُورِ وَلَمْ يَنْدَفِعْ بِالدَّفْعِ ‏(‏فَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُصَلِّي ‏(‏قِتَالُهُ‏)‏ لَا بِنَحْوِ سَيْفٍ، وَلَوْ مَشَى لَهُ قَلِيلًا، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَلِأَبِي دَاوُد ‏{‏إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلْيَدْرَأْ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ‏}‏ أَيْ‏:‏ فِعْلُهُ فِعْلُ شَيْطَانٍ، أَوْ هُوَ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ مَعَهُ شَيْطَانٌ ‏(‏وَلَا يُكَرِّرُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الدَّفْعَ ‏(‏إنْ خَافَ فَسَادَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ صَلَاتِهِ ‏(‏وَيَضْمَنُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ يَضْمَنُ مُصَلٍّ مَارًّا بَيْنَ يَدَيْهِ ‏(‏مَعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَعَ تَكْرَارِ الدَّفْعِ مِنْ خَوْفِ الْفَسَادِ، لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ إذَنْ وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ بِدُونِهِ‏.‏

وَتَنْقُصُ صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَرُدَّ مَارًّا بَيْنَ يَدَيْهِ بِلَا عُذْرٍ ‏(‏وَيَحْرُمُ مُرُورٌ بَيْنَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُصَلِّي ‏(‏وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ‏.‏

وَلَوْ‏)‏ كَانَتْ ‏(‏بَعِيدَةً‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي جَهْمٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ مَرْفُوعًا ‏{‏لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ سَنَةً خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ‏}‏ وَلِمُسْلِمٍ ‏{‏لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ وَهُوَ يُصَلِّي‏}‏‏.‏

وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ‏:‏ إنْ احْتَاجَ إلَى الْمُرُورِ أَلْقَى شَيْئًا ثُمَّ مَرَّ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَلِّي سُتْرَةٌ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الْمُرُورُ ‏(‏فَفِي ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فَأَقَلَّ‏)‏ مِنْ قَدَمِ الْمُصَلِّي ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ يُبَاحُ لِلْمُصَلِّي ‏(‏عَدُّ آيِ‏)‏ جَمْعِ آيَةٍ بِأَصَابِعِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَهُ عَدُّ ‏(‏تَسْبِيحٍ بِأَصَابِعِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى عَدِّ الْآيِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لِمُصَلٍّ ‏(‏قَوْلُ‏:‏ سُبْحَانَكَ، فَبَلَى إذَا قَرَأَ ‏{‏أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى‏}‏ نَصًّا، فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا لِلْخَبَرِ‏.‏

وَأَمَّا ‏{‏أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ‏؟‏‏}‏ فَفِي الْخَبَرِ فِيهَا نَظَرٌ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ ‏(‏وَ‏)‏ لِمُصَلٍّ ‏"‏ قِرَاءَةٌ فِي الْمُصْحَفِ، وَنَظَرٌ فِيهِ ‏"‏ أَيْ‏:‏ الْمُصْحَفِ‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ الْقِيَامَ وَهُوَ يَنْظُرُ فِي الْمُصْحَفِ، قِيلَ لَهُ‏:‏ الْفَرِيضَةُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَمْ أَسْمَعْ فِيهَا شَيْئًا‏.‏

وَسُئِلَ الزُّهْرِيُّ عَنْ رَجُلٍ يَقْرَأُ فِي رَمَضَانَ فِي الْمُصْحَفِ، فَقَالَ‏:‏ كَانَ خِيَارُنَا يَقْرَءُونَ فِي الْمَصَاحِفِ ‏(‏وَ‏)‏ لِمُصَلٍّ أَيْضًا ‏(‏سُؤَالُ‏)‏ اللَّهِ الرَّحْمَةَ ‏(‏عِنْدَ‏)‏ قِرَاءَتِهِ، أَوْ سَمَاعِهِ ‏(‏آيَةَ رَحْمَةٍ وَتَعَوُّذٍ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ ‏(‏عِنْدَ‏)‏ مُرُورِهِ عَلَى ‏(‏آيَةِ عَذَابٍ و‏)‏ لَهُ ‏(‏نَحْوُهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَذْكُورَاتُ، كَالتَّسْبِيحِ عِنْدَ آيَةٍ هُوَ فِيهَا، لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ ‏{‏صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْت‏:‏ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى - إلَى أَنْ قَالَ - إذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ‏}‏ مُخْتَصَرٌ‏.‏

رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِخَيْرٍ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ ‏(‏وَ‏)‏ لِمُصَلٍّ، أَيْضًا ‏(‏رَدُّ السَّلَامِ إشَارَةً‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ‏}‏ حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ‏:‏ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

فَإِنْ رَدَّهُ الْمُصَلِّي لَفْظًا بَطَلَتْ، وَلَا يَرُدُّهُ فِي نَفْسِهِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ بَعْدَهَا، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ‏:‏ لَوْ صَافَحَ إنْسَانًا يُرِيدُ السَّلَامَ لَمْ تَبْطُلْ‏.‏

وَلَا بَأْسَ بِالْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ بِالْيَدِ وَالْعَيْنِ، لِمَا تَقَدَّمَ، وَلَا بِالسَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَهُ أَيْضًا ‏(‏قَتْلُ حَيَّةً وَعَقْرَبٍ وَقَمْلَةٍ‏)‏ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ‏:‏ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ‏:‏ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَابْنُ عُمَرَ‏.‏

وَأَنَسٌ‏:‏ كَانَا يَقْتُلَانِ الْقَمْلَةَ فِيهَا‏.‏

قَالَ الْقَاضِي‏:‏ وَالتَّغَافُلُ عَنْهُ أَوْلَى، وَإِذَا قَتَلَهَا فِي الْمَسْجِدِ دَفَنَهَا، أَوْ أَخْرَجَهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَهُ أَيْضًا ‏(‏لُبْسُ عِمَامَةٍ وَثَوْبٍ‏)‏ لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏الْتَحَفَ بِإِزَارِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ‏}‏ ‏(‏مَا لَمْ يُطِلْ‏)‏ وَلَا يَتَقَيَّدُ الْجَائِزُ مِنْهُ بِثَلَاثٍ وَلَا بِغَيْرِهَا مِنْ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ‏{‏فَتْحِهِ الْبَابَ لِعَائِشَةَ‏}‏ وَغَيْرِهِ، ظَاهِرُهُ زِيَادَتُهُ عَلَى الثَّلَاثِ‏.‏

كَتَأَخُّرِهِ حَتَّى تَأَخَّرَ الرِّجَالُ فَانْتَهَوْا إلَى صَفِّ النِّسَاءِ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَشَى أَبِي بَرْزَةَ مَعَ دَابَّتِهِ، وَلِأَنَّ التَّقْدِيرَ‏:‏ بَابُهُ التَّوْقِيفُ، وَهَذَا لَا تَوْقِيفَ فِيهِ‏.‏

فَإِنْ طَالَ عُرْفًا وَتَوَالَى أَبْطَلَ الصَّلَاةَ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ وَجَهْلُهُ، إلَّا لِضَرُورَةٍ‏.‏

وَيَأْتِي، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ قَطَعَ الصَّلَاةَ، وَفَعَلَهُ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا ‏(‏وَ‏)‏ لِمَأْمُومٍ ‏(‏فَتْحٌ عَلَى إمَامِهِ إذَا أُرْتِجَ‏)‏ بِتَخْفِيفِ الْجِيمِ، أَيْ‏:‏ الْتَبَسَ عَلَيْهِ، ‏(‏أَوْ غَلِطَ‏)‏ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏صَلَّى صَلَاةً فَلَبِسَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِأَبِي‏:‏ أَصَلَّيْت مَعَنَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قَالَ‏:‏ فَمَا مَنَعَك أَنْ تُنَبِّهَ عَلَيْنَا‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد‏.‏

قَالَ الْخَطَّابِيِّ‏:‏ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَكَالتَّنْبِيهِ بِالتَّسْبِيحِ ‏(‏وَيَجِبُ‏)‏ فَتْحُهُ عَلَى إمَامِهِ إذَا أُرْتِجَ عَلَيْهِ، أَوْ غَلِطَ ‏(‏فِي الْفَاتِحَةِ، كَنِسْيَانِ إمَامِهِ سَجْدَةً‏)‏ فَيَلْزَمُهُ تَنْبِيهُهُ عَلَيْهَا لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ فِي الشَّرْحِ‏:‏ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، صَحَّحَهُ الْمُوَفَّقُ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى الصَّلَاةِ بِهَا كَالْأُمِّيِّ يَقْدِرُ عَلَى تَعَلُّمِهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، فَإِنْ كَانَ إمَامًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ، وَكَذَا لَوْ عَجَزَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ رُكْنٍ يَمْنَعُ الِائْتِمَام بِهِ كَالرُّكُوعِ، فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ، وَيُكْرَهُ فَتْحُ مُصَلٍّ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ ‏(‏وَإِذَا نَابَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ عَرَضَ لِمُصَلٍّ ‏(‏شَيْءٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَمْرٌ ‏(‏كَاسْتِئْذَانٍ عَلَيْهِ، وَسَهْوِ إمَامِهِ‏)‏ عَنْ وَاجِبٍ، أَوْ بِفِعْلِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ‏(‏سَبَّحَ‏)‏ بِإِمَامٍ وُجُوبًا، وَبِمُسْتَأْذِنٍ اسْتِحْبَابًا ‏(‏رَجُلٌ، وَلَا تَبْطُلُ‏)‏ صَلَاتُهُ ‏(‏إنْ كَثُرَ‏)‏ تَسْبِيحُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ ‏(‏وَصَفَّقَتْ امْرَأَةٌ بِبَطْنِ كَفِّهَا عَلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى‏)‏ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي صَلَاتِكُمْ، فَلْتُسَبِّحْ الرِّجَالُ، وَلْتُصَفِّقْ النِّسَاءُ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَتَبْطُلُ صَلَاتُهَا إنْ كَثُرَ‏)‏ تَصْفِيقُهَا؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا ‏(‏وَكُرِهَ‏)‏ تَنْبِيهٌ مِنْهُمَا ‏(‏بِنَحْنَحَةٍ‏)‏ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْإِبْطَالِ بِهَا ‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ ‏(‏بِصَفِيرٍ‏)‏‏:‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً‏}‏‏"‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ ‏(‏تَصْفِيقُهُ‏)‏ لِتَنْبِيهٍ، أَوْ غَيْرِهِ، لِلْآيَةِ ‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ ‏(‏تَسْبِيحُهَا‏)‏ لِلتَّنْبِيهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا أُمِرَتْ بِهِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يُكْرَهُ تَنْبِيهٌ مِنْهُمَا ‏(‏بِقِرَاءَةٍ وَتَهْلِيلٍ وَتَكْبِيرٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَتَحْمِيدٍ وَاسْتِغْفَارٍ‏.‏

كَمَا لَوْ أَتَى بِهِ لِغَيْرِ تَنْبِيهٍ‏.‏

وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ‏:‏ لَا تَبْطُلُ بِتَصْفِيقِهَا عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَتَبْطُلُ بِهِ، لِمُنَافَاةِ الصَّلَاةِ‏.‏

ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ ‏(‏وَمَنْ غَلَبَهُ تَثَاؤُبٌ كَظَمَ نَدْبًا، وَإِلَّا‏)‏ أَيْ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يَكْظِمْ، قَالَ فِي شَرْحِهِ‏:‏ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ ‏(‏وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فَاهُ‏}‏‏.‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ ‏{‏فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ‏}‏‏.‏ قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ الْيُسْرَى بِظَهْرِهَا لِيُشْبِهَ الدَّافِعَ لَهُ ‏(‏وَإِنْ بَدَرَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُصَلِّيَ ‏(‏بُصَاقٌ، أَوْ مُخَاطٌ، أَوْ نُخَامَةٌ، أَزَالَهُ فِي ثَوْبِهِ‏)‏ وَعَطَفَ أَحْمَدُ بِوَجْهِهِ - وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ - فَبَصَقَ خَارِجَهُ ‏(‏وَيُبَاحُ‏)‏ أَنْ يَبْصُقَ وَنَحْوَهُ ‏(‏بِغَيْرِ مَسْجِدٍ عَنْ يَسَارِهِ وَتَحْتَ قَدَمِهِ‏)‏ زَادَ بَعْضُهُمْ‏:‏ الْيُسْرَى، لِحَدِيثِ ‏{‏فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ‏}‏‏.‏

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا، وَوَصَفَ الْقَاسِمُ، ‏{‏فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ‏}‏ وَلِحَدِيثِ ‏{‏الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْخَطِيئَةِ الْحُرْمَةُ، أَوْ الْكَرَاهَةُ‏؟‏ قَوْلَانِ، قَالَهُ السُّيُوطِيّ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ بَصْقُهُ وَنَحْوُهُ ‏(‏فِي ثَوْبٍ أَوْلَى‏)‏ مِنْ كَوْنِهِ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، لِئَلَّا يُؤْذِيَ بِهِ ‏(‏وَيُكْرَهُ‏)‏ بَصْقُهُ وَنَحْوُهُ ‏(‏يَمْنَةً وَأَمَامًا‏)‏ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَاحْتِرَامًا لِحَفَظَةِ الْيَمِينِ ‏(‏وَلَزِمَ‏)‏ مَنْ رَأَى نَحْوَ بُصَاقٍ فِي مَسْجِدٍ ‏(‏حَتَّى غَيْرَ بَاصِقٍ‏:‏ إزَالَتُهُ مِنْ مَسْجِدٍ‏)‏ لِخَبَرِ أَبِي ذَرٍّ ‏{‏وَجَدْت فِي مَسَاوِئِ أَعْمَالِنَا النُّخَامَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا تُدْفَنُ‏}‏‏.‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

‏(‏وَسُنَّ تَخْلِيقُ مَحَلِّهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْبُصَاقِ وَنَحْوِهِ، أَيْ‏:‏ طَلْيُ مَحَلِّ الْبُصَاقِ وَنَحْوِهِ بِالْخَلُوقِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ، لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ أَيْضًا ‏(‏فِي نَفْلٍ‏:‏ صَلَاةٌ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ النَّبِيِّ ‏(‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُصَلِّي ‏(‏ذَكَرَهُ‏)‏ نَصًّا، وَأَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ أَنْ تَكُونَ ‏(‏الصَّلَاةُ إلَى سُتْرَةٍ‏)‏ فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ، أَوْ بَيْتٍ‏:‏ صَلَّى إلَى حَائِطٍ، أَوْ سَارِيَةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي فَضَاءٍ، صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ ‏(‏مُرْتَفِعَةٍ‏)‏ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَأَقَلَّ، لِحَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ، فَلْيُصَلِّ وَلَا يُبَالِي مَنْ مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

وَمُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ‏:‏ عُودٌ فِي مُؤَخِّرَتِهِ، ضِدُّ قَادِمَتِهِ، وَتَخْتَلِفُ، فَتَارَةً تَكُونُ ذِرَاعًا وَتَارَةً تَكُونُ دُونَهُ وَالْمُرَادُ‏:‏ رَحْلُ الْبَعِيرِ، وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْ الْقَتَبِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَضَرُ وَالسَّفَرُ، خَشِيَ مَارًّا بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ لَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ تُرْكَزُ لَهُ الْحَرْبَةُ فِي السَّفَرِ فَيُصَلِّي إلَيْهَا، وَيَعْرِضُ لَهُ الْبَعِيرُ فَيُصَلِّي إلَيْهِ ‏"‏ ‏(‏وَعَرْضُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ السُّتْرَةِ ‏(‏أَعْجَبُ إلَى‏)‏ الْإِمَامِ ‏(‏أَحْمَدَ‏)‏ قَالَ‏:‏ مَا كَانَ أَعْرَضَ فَهُوَ أَعْجَبُ إلَيَّ‏.‏ اهـ‏.‏

لِحَدِيثِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏اسْتَتِرُوا فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ بِسَهْمٍ‏}‏ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، فَقَوْلُهُ ‏"‏ وَلَوْ بِسَهْمٍ ‏"‏ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى مِنْهُ ‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏قُرْبُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُصَلِّي ‏(‏مِنْهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ السُّتْرَةِ ‏(‏نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ قَدَمَيْهِ‏)‏ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعْ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد‏.‏

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ‏{‏كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ مَمَرُّ الشَّاةِ‏}‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ‏.‏

‏{‏وَصَلَّى فِي الْكَعْبَةِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ نَحْوُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏انْحِرَافُهُ عَنْهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ السُّتْرَةِ ‏(‏يَسِيرًا‏)‏ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَادِ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ، لَكِنْ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ‏(‏وَإِنْ تَعَذَّرَ‏)‏ عَلَى مُصَلٍّ ‏(‏غَرْزُ عَصًا، وَضَعَهَا‏)‏ بَيْنَ يَدَيْهِ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ ‏(‏وَيَصِحُّ‏)‏ تَسَتُّرٌ ‏(‏وَلَوْ بِخَيْطٍ، أَوْ مَا اعْتَقَدَهُ سُتْرَةً‏)‏ وَسُتْرَةٌ مَغْصُوبَةٌ كَغَيْرِهَا، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ، قَالَ النَّاظِمُ‏:‏ وَعَلَى قِيَاسِهِ‏:‏ سُتْرَةُ الذَّهَبِ‏.‏

وَفِي الْإِنْصَافِ‏:‏ الصَّوَابُ أَنَّ النَّجِسَةَ لَيْسَتْ كَالْمَغْصُوبَةِ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَجِدْ‏)‏ شَيْئًا ‏(‏خَطَّ‏)‏ خَطًّا ‏(‏كَالْهِلَالِ‏)‏ وَصَلَّى إلَيْهِ‏.‏

قَالَ فِي الشَّرْحِ‏:‏ وَكَيْفَمَا خَطَّ أَجْزَأَهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ أَمَامَهُ‏}‏‏.‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

‏(‏فَإِذَا مَرَّ مِنْ وَرَائِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ السُّتْرَةِ ‏(‏شَيْءٌ، لَمْ يُكْرَهْ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏فَإِنْ لَمْ تَكُنْ‏)‏ سُتْرَةٌ ‏(‏فَمَرَّ‏)‏ لَا إنْ وَقَفَ ‏(‏بَيْنَ يَدَيْهِ كَلْبٌ أَسْوَدُ بَهِيمٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَا يُخَالِطُهُ لَوْنٌ آخَرُ ‏(‏بَطَلَتْ صَلَاتُهُ‏)‏ وَكَذَا لَوْ مَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ مِثْلَ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ‏:‏ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ‏}‏، ‏{‏قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ‏:‏ مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ يَا ابْنَ أَخِي سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ‏:‏ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ تَبْطُلُ، إنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ‏(‏امْرَأَةٌ وَحِمَارٌ وَشَيْطَانٌ‏)‏ وَكَلْبٌ غَيْرُ مَا سَبَقَ‏.‏

لِأَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ ‏"‏ مَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَقْطَعْ صَلَاتَهُ ‏"‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ‏.‏

وَعَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي بَادِيَةٍ فَصَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ، لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ، وَحِمَارٌ لَنَا وَكُلَيْبَةٌ يَعْبَثَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا بَالَى بِذَلِكَ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد‏.‏

لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ ‏{‏لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَيَرْوِيهِ مُجَاهِدٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ‏.‏

‏(‏وَسُتْرَةُ الْإِمَامِ‏:‏ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ‏)‏ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ كَانَ يُصَلِّي إلَى سُتْرَةٍ ‏"‏ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِسُتْرَةٍ أُخْرَى فَلَا يَضُرُّهُمْ مُرُورُ شَيْءٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَلَوْ مِمَّا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ مَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ قَطَعَ صَلَاتَهُمْ أَيْضًا‏.‏

وَهَلْ يَرُدُّ الْمَأْمُومُونَ مَنْ مَرَّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ‏؟‏ وَهَلْ يَأْثَمُ‏؟‏ فِيهِ احْتِمَالَانِ مَيْلُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ‏:‏ إلَى أَنَّ لَهُمْ رَدَّهُ، وَأَنَّهُ يَأْثَمُ‏.‏

وَصَوَّبَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، وَالْمُرَادُ بِمَنْ خَلْفَهُ‏:‏ مَنْ اقْتَدَى بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ وَرَاءَهُ أَوْ بِجَانِبِهِ أَوْ قُدَّامَهُ حَيْثُ صَحَّتْ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏أفعال الصلاة وأقوالها‏]‏

تَنْقَسِمُ أَفْعَالُ الصَّلَاةِ وَأَقْوَالُهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ‏:‏ مَا لَا يَسْقُطُ عَمْدًا، وَلَا سَهْوًا وَهِيَ الْأَرْكَانُ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِهَا فَشُبِّهَتْ بِرُكْنِ الْبَيْتِ الَّذِي لَا يَقُومُ إلَّا بِهِ، وَبَعْضُهُمْ سَمَّاهَا فُرُوضًا‏.‏

الثَّانِي‏:‏ مَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ عَمْدًا وَيَسْقُطُ سَهْوًا، وَيَسْجُدُ لَهُ، وَيُسَمَّى الْوَاجِبَ‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ مَا لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ مُطْلَقًا‏.‏

وَهُوَ السُّنَنُ فَ ‏(‏أَرْكَانُهَا‏:‏ مَا كَانَ فِيهَا‏)‏ احْتِرَازًا عَنْ الشُّرُوطِ ‏(‏وَلَا تَسْقُطُ عَمْدًا‏)‏ خَرَّجَ السُّنَنَ، و‏(‏لَا‏)‏ تَسْقُطُ ‏(‏سَهْوًا‏)‏ خَرَّجَ الْوَاجِبَاتِ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رُكْنًا ‏(‏قِيَامُ قَادِرٍ فِي فَرْضٍ‏)‏ وَلَوْ عَلَى الْكِفَايَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ‏}‏ وَحَدِيثِ عِمْرَانَ ‏{‏صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا - إلَى آخِرِهِ‏}‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَخُصَّ بِالْفَرْضِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا‏}‏ الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ‏(‏سِوَى خَائِفٍ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِالْقِيَامِ، كَمَنْ بِمَكَانٍ لَهُ حَائِطٌ يَسْتُرُهُ جَالِسًا فَقَطْ، وَيَخَافُ بِقِيَامِهِ نَحْوَ عَدُوٍّ‏.‏

فَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سِوَى ‏(‏عُرْيَانٍ‏)‏ لَا يَجِدُ سُتْرَةً، فَيُصَلِّي جَالِسًا نَدْبًا وَيَنْضَمُّ وَتَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سِوَى مَرِيضٍ يُمْكِنُهُ قِيَامٌ لَكِنْ لَا تُمْكِنُ مُدَاوَاتُهُ قَائِمًا‏.‏

فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقِيَامُ ‏(‏لِمُدَاوَاةٍ‏)‏ وَيُصَلِّي جَالِسًا، دَفْعًا لِلْحَرَجِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَذَا يُصَلِّي جَالِسًا لِأَجْلِ ‏(‏قِصَرِ سَقْفٍ لِعَاجِزٍ عَنْ خُرُوجٍ‏)‏ كَحَبْسٍ وَنَحْوِهِ بِمَكَانٍ قَصِيرِ السَّقْفِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَذَا قَادِرٌ يُصَلِّي عَلَى قِيَامٍ قَاعِدًا ‏(‏خَلْفَ إمَامِ الْحَيِّ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرَّاتِبِ ‏(‏الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ بِشَرْطِهِ‏)‏ وَهُوَ أَنْ يُرْجَى زَوَالُ عِلَّتِهِ، وَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْجَمَاعَةِ ‏(‏وَحَدُّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقِيَامِ ‏(‏مَا لَمْ يَصِرْ رَاكِعًا‏)‏ أَيْ‏:‏ لَا يَصِير إلَى الرُّكُوعِ الْمُجْزِئِ‏.‏

وَلَا يَضُرُّهُ خَفْضُ رَأْسِهِ عَلَى هَيْئَةِ الْإِطْرَاقِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ‏:‏ يَكْفِي لَوْ قَامَ عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ‏.‏

وَفِي الْمَذْهَبِ‏:‏ لَا يُجْزِئُهُ‏.‏

وَنَقَلَ خَطَّابُ بْنُ بَشِيرٍ‏:‏ لَا أَدْرِي‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّانِي ‏(‏تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاعْدِلُوا صُفُوفَكُمْ، وَسُدُّوا الْفُرَجَ فَإِذَا قَالَ إمَامُكُمْ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقُولُوا‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِغَيْرِهَا، وَقَالَ ‏{‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏}‏‏"‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّالِثُ ‏(‏قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ‏)‏ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَتَقَدَّمَ مُوَضَّحًا، وَيَحْتَمِلُهَا إمَامٌ عَنْ مَأْمُومٍ‏.‏

وَيَأْتِي ‏(‏وَ‏)‏ الرَّابِعُ ‏(‏رُكُوعٌ‏)‏ إجْمَاعًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا‏}‏ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ‏{‏ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا‏}‏‏"‏‏.‏

الْخَامِسُ ‏(‏رَفْعٌ مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرُّكُوعِ، لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ ارْفَعْ‏}‏ ‏(‏إلَّا مَا‏)‏ أَيْ‏:‏ رُكُوعًا وَرَفْعًا مِنْهُ ‏(‏بَعْدَ‏)‏ رُكُوعٍ ‏(‏أَوَّلَ فِي كُسُوفٍ‏)‏ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَالرُّكُوعُ الْأَوَّلُ وَالرَّفْعُ مِنْهُ رُكْنٌ وَمَا بَعْدَهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ السَّادِسُ ‏(‏اعْتِدَالٌ‏)‏ لِقَوْلِهِ‏:‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ‏{‏ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا‏}‏ وَالْمُرَادُ‏:‏ الِاعْتِدَالُ عَمَّا بَعْدَ أَوَّلَ فِي كُسُوفٍ، لِأَنَّ الرَّفْعَ وَالِاعْتِدَالَ تَابِعَانِ لِلرُّكُوعِ‏.‏

وَلَوْ أَخَّرَ‏:‏ إلَّا مَا بَعْدَ أَوَّلَ فِي كُسُوفٍ‏:‏ إلَى هُنَا‏:‏ لَكَانَ وَاضِحًا فِي الْمَقْصُود‏.‏

‏(‏وَلَا تَبْطُلُ‏)‏ الصَّلَاةُ ‏(‏إنْ طَالَ‏)‏ اعْتِدَالُهُ‏.‏

لِأَنَّ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوَّلَهُ قَرِيبَ قِيَامِهِ وَرُكُوعِهِ‏}‏‏"‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ السَّابِعُ ‏(‏سُجُودٌ‏)‏ إجْمَاعًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَرَّتَيْنِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏"‏ وَاسْجُدُوا ‏"‏ وَلِحَدِيثِ الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّامِنُ ‏(‏رَفْعٌ مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ السُّجُودِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ التَّاسِعُ ‏(‏جُلُوسٌ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ‏)‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا‏}‏‏"‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْعَاشِرُ ‏(‏طُمَأْنِينَةٌ فِي كُلِّ فِعْلٍ‏)‏ مِمَّا تَقَدَّمَ، لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ عِنْدَ ذِكْرِ كُلِّ فِعْلٍ مِنْهَا بِالطُّمَأْنِينَةِ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الطُّمَأْنِينَةِ ‏(‏السُّكُونُ، وَإِنْ قَلَّ‏)‏ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ‏:‏ اطْمَأَنَّ الرَّجُلُ اطْمِئْنَانًا وَطُمَأْنِينَةً أَيْ‏:‏ سَكَنَ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ بِقَدْرِ الذِّكْرِ الْوَاجِبِ، لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْحَادِيَ عَشَرَ ‏(‏تَشَهُّدٌ أَخِيرٌ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏{‏كُنَّا نَقُولُ، قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ‏:‏ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ‏:‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُولُوا‏:‏ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ‏}‏ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَاهُ‏.‏

وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ‏}‏، وَالثَّانِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ قُولُوا ‏"‏ وَالْأَمْرُ‏:‏ لِلْوُجُوبِ، وَقَدْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّانِيَ عَشَرَ ‏(‏جُلُوسٌ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّشَهُّدِ الْأَخِير ‏(‏وَ‏)‏ جُلُوسٌ ‏(‏لِلتَّسْلِيمَتَيْنِ‏)‏ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَى الْجُلُوسِ لِذَلِكَ‏.‏

وَقَالَ ‏{‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏}‏ ‏(‏وَالرُّكْنُ مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ ‏(‏اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، بَعْدُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَعَ ‏(‏مَا يُجْزِئُ مِنْ‏)‏ التَّشَهُّدِ ‏(‏الْأَوَّلِ‏)‏ وَيَأْتِي بِهَا مُؤَخَّرَةً عَنْهُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ سُنَّةٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّالِثَ عَشَرَ ‏(‏التَّسْلِيمَتَانِ‏)‏ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي سَبَقَتْ لِحَدِيثِ ‏{‏تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ‏}‏ وَيَكْفِي فِي جِنَازَةٍ وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ‏:‏ تَسْلِيمَةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ‏:‏ أَنَّ النَّفَلَ كَالْفَرْضِ‏.‏

وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَجْدُ يُجْزِئُ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ‏.‏

وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ‏:‏ خِلَافٌ، لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ النَّفْلِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، قَالَ الْقَاضِي‏:‏ فِي رِوَايَةٍ وَاحِدَةٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الرَّابِعَ عَشَرَ ‏(‏التَّرْتِيبُ‏)‏ بَيْنَ الْأَرْكَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ هُنَا، وَفِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ، حَيْثُ عَلَّمَهُ إيَّاهَا مُرَتَّبَةً بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرْتِيبِ، وَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏كَانَ يُصَلِّي كَذَلِكَ‏}‏ وَقَالَ ‏{‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏}‏‏"‏‏.‏

فَصْلٌ وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ وَأَفْعَالِهَا‏.‏

‏(‏وَاجِبَاتُهَا‏)‏ وَهِيَ ‏(‏مَا كَانَ فِيهَا‏)‏ خَرَّجَ الشَّرْطَ ‏(‏وَتَبْطُلُ‏)‏ الصَّلَاةُ ‏(‏بِتَرْكِهِ عَمْدًا‏)‏ خَرَّجَ السُّنَنَ ‏(‏وَ‏)‏ يَسْقُطُ لِلسَّهْوِ ‏(‏وَيَسْجُدُ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِتَرْكِهِ ‏(‏سَهْوًا‏)‏ خَرَّجَ الْأَرْكَانَ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ، الْأَوَّلُ‏:‏ ‏(‏تَكْبِيرَةٌ لِغَيْرِ إحْرَامٍ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا، وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ‏.‏

وَهَذَا أَمْرٌ؛ وَهُوَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ ‏(‏وَ‏)‏ لِغَيْرِ ‏(‏رُكُوعِ مَسْبُوقٍ أَدْرَكَ إمَامَهُ رَاكِعًا‏)‏ فَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ رَكَعَ مَعَهُ ‏(‏فَ‏)‏ إنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ ‏(‏رُكْنٌ‏)‏ مُطْلَقًا لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَكْبِيرَةُ رُكُوعِ مَسْبُوقٍ أَدْرَكَ إمَامَهُ رَاكِعًا ‏(‏سُنَّةٌ‏)‏ لِلِاجْتِزَاءِ عَنْهَا بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ نَوَى بِتَكْبِيرِهِ أَنَّهُ لِلْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّانِي ‏(‏تَسْمِيعٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَوْلُ ‏"‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ‏"‏ ‏(‏لِإِمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ‏)‏ دُونَ مَأْمُومٍ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِي بِهِ‏.‏

وَقَالَ ‏{‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏}‏‏"‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّالِثُ ‏(‏تَحْمِيدٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَوْلُ ‏"‏ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ‏"‏ لِإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ، لِقَوْلِهِ‏:‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏إذَا قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا‏:‏ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ‏}‏ مَعَ مَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الرَّابِعُ ‏(‏تَسْبِيحَةٌ أُولَى فِي رُكُوعٍ، وَ‏)‏ الْخَامِسُ تَسْبِيحَةٌ أُولَى فِي ‏(‏سُجُودٍ‏)‏ وَتَقَدَّمَ دَلِيلُهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ السَّادِسُ ‏(‏رَبِّ اغْفِرْ لِي، إذَا جَلَسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ‏)‏ مَرَّةً ‏(‏لِلْكُلِّ‏)‏ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ، لِثُبُوتِهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِهِ ‏{‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏}‏ ‏(‏وَمَحَلُّ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَكْبِيرِ الِانْتِقَالِ وَالتَّسْمِيعِ، وَكَذَا التَّحْمِيدُ لِمَأْمُومٍ ‏(‏بَيْنَ‏)‏ ابْتِدَاءِ ‏(‏انْتِقَالٍ وَانْتِهَائِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لَهُ، فَاخْتُصَّ بِهِ ‏(‏فَلَوْ‏)‏ كَمَّلَهُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ أَجْزَأَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ عَنْ مَحَلِّهِ‏.‏

وَإِنْ ‏(‏شَرَعَ فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَذْكُورِ ‏(‏قَبْلَ‏)‏ شُرُوعِهِ فِي الِانْتِقَالِ، بِأَنْ كَبَّرَ لِسُجُودٍ قَبْلَ هَوِيِّهِ إلَيْهِ، أَوْ سَمِعَ قَبْلَ رَفْعِهِ مِنْ رُكُوعٍ لَمْ يُجْزِئْهُ ‏(‏أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَ انْتِهَائِهِ‏)‏ كَأَنْ أَتَمَّ تَكْبِيرَ الرُّكُوعِ فِيهِ ‏(‏لَمْ يُجْزِئْهُ‏)‏ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَكَذَا لَوْ شَرَعَ فِي تَسْبِيحِ رُكُوعٍ، أَوْ سُجُودٍ قَبْلَهُ، أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَهُ‏.‏

وَكَذَا سُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ لَوْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ الْجُلُوسِ، أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَهُ، وَكَذَا تَحْمِيدُ إمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ، لَوْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ اعْتِدَالِهِ وَكَمَّلَهُ بَعْدَ هَوِيِّهِ مِنْهُ ‏(‏كَتَكْمِيلِهِ وَاجِبَ قِرَاءَةٍ رَاكِعًا، وَكَتَشَهُّدِهِ قَبْلَ قُعُودٍ‏)‏ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ‏.‏

قَالَ الْمَجْدُ‏:‏ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْهُ يَعْسُرُ، وَالسَّهْوَ بِهِ يَكْثُرُ، فَفِي الْإِبْطَالِ بِهِ وَالسُّجُودِ لَهُ مَشَقَّةٌ ‏(‏وَمِنْهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَاجِبَاتِ ‏(‏تَشَهُّدٌ أَوَّلُ‏)‏ وَهُوَ السَّابِعُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّامِنُ ‏(‏جُلُوسٌ لَهُ‏)‏ لِلْأَمْرِ بِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَعَ مَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ لِتَرْكِهِ ‏(‏عَلَى غَيْرِ مَنْ قَامَ إمَامُهُ‏)‏ إلَى ثَالِثَةٍ ‏(‏سَهْوًا‏)‏ فَيُتَابِعُهُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، وَجُلُوسُهُ لَهُ لِحَدِيثِ ‏{‏إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ‏}‏‏"‏‏.‏

‏(‏وَالْمُجْزِئُ مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ‏(‏التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ‏)‏، أَوْ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَمَنْ تَرَكَ حَرْفًا مِنْ ذَلِكَ عَمْدًا، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ الْأَحَادِيثِ ‏(‏وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ‏)‏ الْمَذْكُورِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ ‏(‏عَمْدًا لِشَكٍّ فِي وُجُوبِهِ‏)‏ بِأَنْ تَرَدَّدَ‏:‏ أَوَاجِبٌ هُوَ أَمْ لَا‏؟‏ ‏(‏لَمْ يَسْقُطْ‏)‏ وُجُوبُهُ وَلَزِمَهُ الْإِعَادَةُ، لِأَنَّهُ تَرَكَ عَمْدًا مَا يَحْرُمُ تَرْكُهُ‏.‏

وَكَمَنْ تَرَدَّدَ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَلَمْ يَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ، وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، بِخِلَافِ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا جَاهِلًا حُكْمَهُ، بِأَنْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ أَنَّ عَالِمًا قَالَ بِوُجُوبِهِ، فَهُوَ كَالسَّاهِي، فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إنْ عَلِمَ قَبْلَ فَوَاتِ مَحَلِّهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ اعْتَقَدَ مُصَلٍّ الْفَرْضَ سُنَّةً، أَوْ عَكْسَهُ، أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا، أَوْ لَمْ يَعْرِفْ الشَّرْطَ مِنْ الرُّكْنِ، وَأَدَّى الصَّلَاةَ عَلَى وَجْهِهَا، فَهِيَ صَحِيحَةٌ، اكْتِفَاءً بِعِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الصَّلَاةِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏سنن الصلاة‏]‏

وَالثَّالِثُ مِنْ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ وَأَفْعَالِهَا ‏(‏سُنَنُهَا‏)‏ وَهِيَ مَا كَانَ فِيهَا ‏(‏وَلَا تَبْطُلُ‏)‏ الصَّلَاةُ ‏(‏بِتَرْكِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُصَلِّي لَهُ ‏(‏وَلَوْ عَمْدًا‏)‏ بِخِلَافِ الْأَرْكَانِ وَالْوَاجِبَاتِ ‏(‏وَيُبَاحُ السُّجُودُ لِسَهْوِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَرْكِهِ سَهْوًا، فَلَا يَجِبُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ ضَرْبَانِ‏:‏ أَقْوَالٌ، وَهِيَ ‏(‏اسْتِفْتَاحٌ وَتَعَوُّذٌ‏)‏ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَوَّلِ فِي الْأُولَى ‏(‏وَقِرَاءَةُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏)‏ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ، وَكُلِّ سُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ‏.‏

‏(‏وَقِرَاءَةُ سُورَةٍ فِي فَجْرٍ، وَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ، وَتَطَوُّعٍ، وَأُولَتَيْ مَغْرِبٍ وَرُبَاعِيَّةٍ، وَقَوْلُ‏:‏ آمِينَ، وَقَوْلُ‏:‏ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ‏)‏ إلَى آخِرِهِ ‏(‏بَعْدَ التَّحْمِيدِ لِغَيْرِ مَأْمُومٍ‏)‏ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا يَزِيدُ عَلَى ‏"‏ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ‏"‏ ‏(‏وَمَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ فِي تَسْبِيحِ‏)‏ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، ‏(‏وَ‏)‏ مَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ ‏(‏فِي سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ‏)‏ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ‏(‏وَدُعَاءٌ فِي تَشَهُّدٍ أَخِيرٍ، وَقُنُوتٌ فِي وِتْرٍ‏)‏ وَمَا زَادَ عَلَى الْمُجْزِئِ فِي تَشَهُّدٍ أَوَّلَ وَأَخِيرٍ ‏(‏وَسُنَنُ الْأَفْعَالِ مَعَ الْهَيْئَاتِ‏:‏ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ وَسُمِّيَتْ‏)‏ أَيْ‏:‏ سَمَّاهَا صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُ ‏(‏هَيْئَةً، لِأَنَّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْهَيْئَةَ ‏(‏صِفَةٌ فِي غَيْرِهَا‏)‏ وَمِنْ ذَلِكَ‏:‏ رَفْعُ الْيَدَيْنِ مَبْسُوطَتَيْنِ مَمْدُودَتَيْ الْأَصَابِعِ، مُسْتَقْبِلًا بِبُطُونِهَا الْقِبْلَةَ إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ، عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ، وَوَضْعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَجَعْلُهُمَا تَحْتَ سُرَّتِهِ، وَنَظَرُهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَتَفْرِقَتُهُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ، وَمُرَاوَحَتُهُ بَيْنَهُمَا يَسِيرًا فِي قِيَامِهِ، وَقَبْضُ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ، وَكَوْنُهُمَا مُفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعِ فِيهِ، وَمَدُّ ظَهْرِهِ مُسْتَوِيًا، وَجَعْلُ رَأْسِهِ حِيَالَهُ، وَمُجَافَاةُ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِيهِ، وَبُدَاءَتُهُ بِوَضْعِ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ فِي سُجُودِهِ، وَتَمْكِينُ جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ وَسَائِرِ أَعْضَاءِ سُجُودِهِ بِالْأَرْضِ، وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ فِي سُجُودِهِ، وَإِقَامَةُ قَدَمَيْهِ، وَجَعْلُ بُطُونِ أَصَابِعِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ، وَوَضْعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ مَبْسُوطَتَيْنِ مَضْمُومَتَيْ الْأَصَابِعِ، مُوَجَّهَتُهُمَا إلَى الْقِبْلَةِ فِيهِ، وَقِيَامُهُ إلَى الثَّانِيَةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، وَكَذَلِكَ إلَى الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ‏.‏

وَاعْتِمَادُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ نُهُوضِهِ، وَافْتِرَاشُهُ إذَا جَلَسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَتَوَرُّكُهُ فِي الْأَخِيرِ، وَوَضْعُ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الـ ‏{‏يُمْنَى، وَالْيُسْرَى عَلَى الْيُسْرَى، مَمْدُودَتَيْ الْأَصَابِعِ إذَا جَلَسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَوَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْفَخِذِ الْيُمْنَى فِي تَشَهُّدِهِ مُحَلِّقًا إبْهَامَ يَدِهِ مَعَ الْوُسْطَى، قَابِضًا الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ، وَالْإِشَارَةُ بِسَبَّابَتِهَا عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏

وَوَضْعُ يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى مَضْمُومَةَ الْأَصَابِعِ مَمْدُودَتَهَا مُوَجَّهَةً نَحْوَ الْقِبْلَةِ، وَالْتِفَاتُهُ يَمِينًا وَشِمَالًا فِي سَلَامِهِ، وَتَفْضِيلُ الشِّمَالِ عَلَى الْيَمِينِ فِي الْتِفَاتٍ ‏(‏فَدَخَلَ‏)‏ فِي سُنَنِ الْهَيْئَاتِ ‏(‏جَهْرُ‏)‏ إمَامٍ بِنَحْوِ تَكْبِيرٍ وَتَسْمِيعٍ وَتَسْلِيمَةٍ أُولَى، وَقِرَاءَةٍ فِي جَهْرِيَّةٍ‏.‏

وَدَخَلَ ‏(‏وَإِخْفَاتٌ‏)‏ بِنَحْوِ تَشَهُّدِ تَسْبِيحِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَسُؤَالِ مَغْفِرَةٍ وَتَحْمِيدٍ، وَقِرَاءَةٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّ جَهْرٍ‏.‏

وَكَذَا بِنَحْوِ تَكْبِيرٍ وَتَسْلِيمٍ، وَتَسْمِيعٍ لِغَيْرِ إمَامٍ، إلَّا الْمَأْمُومَ لِحَاجَةٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ دَخَلَ ‏(‏تَرْتِيلُ‏)‏ قِرَاءَةٍ ‏(‏وَتَخْفِيفُ‏)‏ صَلَاةِ الْإِمَامِ ‏(‏وَإِطَالَةُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى‏)‏ ‏(‏وَتَقْصِيرُ‏)‏ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَاتٌ فِي غَيْرِهَا فَهِيَ مِنْ الْهَيْئَاتِ‏.‏

وَعَدَّهَا بَعْضُهُمْ مِنْ سُنَنِ الْأَقْوَالِ ‏(‏وَيُسَنُّ خُشُوعٌ‏)‏ فِي صَلَاةٍ، وَهُوَ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ‏.‏

قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ، فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ‏}‏ أَيْ‏:‏ الْمُخْبِتِينَ‏.‏

وَالْخُشُوعُ‏:‏ الْإِخْبَاتُ قَالَ‏:‏ وَالْخُضُوعُ اللِّينُ وَالِانْقِيَادُ وَلِذَلِكَ يُقَالُ‏:‏ الْخُشُوعُ بِالْجَوَارِحِ، وَالْخُضُوعُ بِالْقَلْبِ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ‏}‏ أَيْ‏:‏ خَائِفُونَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، مُتَذَلِّلُونَ لَهُ، مُلْزِمُونَ أَبْصَارَهُمْ مَسَاجِدَهُمْ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ‏:‏ الْخُشُوعُ الْخُضُوعُ وَالْإِخْبَاتُ‏.‏

بَابُ‏:‏ سُجُودِ السَّهْوِ

قَالَ فِي النِّهَايَةِ‏:‏ السَّهْوُ فِي الشَّيْءِ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، وَعَنْ الشَّيْءِ‏:‏ تَرْكُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ ‏(‏يُشْرَعُ‏)‏ أَيْ‏:‏ يَجِبُ، أَوْ يُسَنُّ، كَمَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ ‏(‏لِزِيَادَةٍ‏)‏ فِي الصَّلَاةِ ‏(‏وَنَقْصٍ‏)‏ مِنْهَا سَهْوًا، و‏(‏لَا‏)‏ يُشْرَعُ إذَا زَادَ، أَوْ نَقَصَ مِنْهَا ‏(‏عَمْدًا‏)‏ لِأَنَّ السُّجُودَ يُضَافُ إلَى السَّهْوِ فَدَلَّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ‏.‏

وَالشَّرْعُ إنَّمَا وَرَدَ بِهِ فِيهِ، وَيَلْزَمُ مِنْ انْجِبَارِ السَّهْوِ انْجِبَارُ الْعَمْدِ، لِوُجُوبِ الْعُذْرِ فِي السَّهْوِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُشْرَعُ أَيْضًا سُجُودُ السَّهْوِ ‏(‏لِشَكٍّ فِي الْجُمْلَةِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بَعْضِ الْمَسَائِلِ، كَمَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ، فَلَا يُشْرَعُ لِكُلِّ شَكٍّ، بَلْ وَلَا لِكُلِّ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يُشْرَعُ سُجُودُ السَّهْوِ ‏(‏إذَا كَثُرَ‏)‏ الشَّكُّ ‏(‏حَتَّى صَارَ كَوَسْوَاسٍ‏)‏ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ إلَى نَوْعٍ مِنْ الْمُكَابَرَةِ فَيَقْضِي الزِّيَادَةَ فِي الصَّلَاةِ، مَعَ تَيَقُّنِ إتْمَامِهَا فَلَزِمَهُ طَرْحُهُ وَاللَّهْوُ عَنْهُ ‏(‏بِنَفْلٍ‏)‏ مُتَعَلِّقٍ بِشَرْعٍ ‏(‏وَفَرْضٍ‏)‏ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ‏}‏‏"‏‏.‏

وَلِأَنَّ النَّفَلَ صَلَاةٌ ذَاتُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَشْبَهَ الْفَرِيضَةَ ‏(‏سِوَى‏)‏ صَلَاةِ ‏(‏جِنَازَةٍ‏)‏ فَلَا سُجُودَ لِسَهْوٍ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا سُجُودَ فِي صُلْبِهَا فَجَبْرُهَا أَوْلَى‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سِوَى ‏(‏سُجُودِ تِلَاوَةٍ، وَ‏)‏ سُجُودِ ‏(‏شُكْرٍ‏)‏ لِئَلَّا يَلْزَمَ زِيَادَةُ الْجَابِرِ عَلَى الْأَصْلِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سِوَى سُجُودِ ‏(‏سَهْوٍ‏)‏ حَكَاهُ إِسْحَاقُ إجْمَاعًا، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى التَّسَلْسُلِ‏.‏

وَكَذَا لَوْ سَهَا بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ، وَلَمْ يَسْجُدْ لِذَلِكَ ‏(‏فَمَتَى زَادَ‏)‏ سَهْوًا ‏(‏فِعْلًا مِنْ جِنْسِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّلَاةِ ‏(‏قِيَامًا، أَوْ قُعُودًا، وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْقُعُودُ عَقِبَ رَكْعَةٍ، وَكَانَ ‏(‏قَدْرَ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ‏)‏ سَجَدَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ زَادَ جِلْسَةً أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ قَائِمًا فَجَلَسَ ‏(‏أَوْ‏)‏ زَادَ ‏(‏رُكُوعًا، أَوْ سُجُودًا‏)‏ سَهْوًا ‏(‏أَوْ نَوَى الْقَصْرَ‏)‏ حَيْثُ يُبَاحُ ‏(‏قَائِمٌ سَهْوًا، سَجَدَ لَهُ‏)‏ وُجُوبًا إلَّا فِي الْإِتْمَامِ فَاسْتِحْبَابًا لِحَدِيثِ ‏{‏إذَا زَادَ الرَّجُلُ، أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ كَانَ فِعْلُهُ ذَلِكَ ‏(‏عَمْدًا بَطَلَتْ‏)‏ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِهَيْئَتِهَا ‏(‏إلَّا فِي الْإِتْمَامِ‏)‏ أَيْ‏:‏ إذَا نَوَى الْقَصْرَ، فَأَتَمَّ عَمْدًا، فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْأَصْلِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ قَامَ‏)‏ مُصَلٍّ ‏(‏لِرَكْعَةٍ زَائِدَةٍ‏)‏ سَهْوًا، كَثَالِثَةٍ فِي فَجْرٍ، وَرَابِعَةٍ فِي مَغْرِبٍ، وَخَامِسَةٍ فِي رُبَاعِيَّةٍ ‏(‏جَلَسَ‏)‏ بِلَا تَكْبِيرٍ ‏(‏مَتَى ذَكَرَ‏)‏ أَنَّهَا زَائِدَةٌ وُجُوبًا لِئَلَّا يُغَيِّرَ هَيْئَةَ الصَّلَاةِ ‏(‏وَلَا يَتَشَهَّدُ إنْ‏)‏ كَانَ ‏(‏تَشَهَّدَ‏)‏ قَبْلَ قِيَامِهِ، لِوُقُوعِهِ مَوْقِعَهُ‏.‏

وَإِنْ كَانَ تَشَهَّدَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

صَلَّى عَلَيْهِ ‏(‏وَسَجَدَ‏)‏ لِلسَّهْوِ ‏(‏وَسَلَّمَ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ قَبْلَ قِيَامِهِ تَشَهَّدَ وَسَجَدَ وَسَلَّمَ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا، سَجَدَ لَهَا لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ‏{‏صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ‏:‏ مَا شَأْنُكُمْ‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لَا فَقَالُوا‏:‏ فَإِنَّكَ صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَانْفَتَلَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ‏:‏ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى، كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ‏}‏، وَفِي رِوَايَةِ ‏{‏إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَذْكُرُ كَمَا تَذْكُرُونَ، وَأَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ لِلسَّهْوِ‏}‏ وَفِي رِوَايَةِ قَالَ ‏{‏وَإِذَا زَادَ الرَّجُلُ، أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ‏}‏ رَوَاهُ بِطُرُقِهِ مُسْلِمٌ‏.‏

‏(‏وَمَنْ نَوَى‏)‏ صَلَاةَ ‏(‏رَكْعَتَيْنِ‏)‏ نَفْلًا ‏(‏فَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ نَهَارًا فَالْأَفْضَلُ‏)‏ لَهُ ‏(‏أَنْ يُتِمَّهَا أَرْبَعًا وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوٍ‏)‏ لِإِبَاحَةِ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ قَامَ إلَى خَامِسَةٍ فَأَكْثَرَ، رَجَعَ وَسَجَدَ، وَإِلَّا بَطَلَتْ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا فَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ ‏(‏لَيْلًا فَكَقِيَامِهِ إلَى‏)‏ رَكْعَةٍ ‏(‏ثَالِثَةٍ ب‏)‏ صَلَاةِ ‏(‏فَجْرٍ‏)‏ نَصًّا‏.‏

لِحَدِيثِ ‏{‏صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى‏}‏ وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ شُرِعَتْ رَكْعَتَيْنِ أَشْبَهَتْ الْفَرِيضَةَ؛ ‏(‏وَمَنْ‏)‏ سَهَا عَلَيْهِ فَ ‏(‏نَبَّهَهُ ثِقَتَانِ‏)‏ وَظَاهِرُهُ‏:‏ وَلَوْ امْرَأَتَيْنِ ‏(‏فَأَكْثَرَ‏)‏ سَوَاءٌ شَارَكُوهُ فِي الْعِبَادَةِ، بِأَنْ كَانَ إمَامًا لَهُمْ، أَوْ لَا ‏(‏وَيَلْزَمُهُمْ تَنْبِيهُهُ‏.‏

لَزِمَهُ الرُّجُوعُ‏)‏ لِيَرْجِعَ لِلصَّوَابِ إلَى تَنْبِيهُهُمْ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ قَوْلَ الْقَوْمِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ؛ فَإِنْ نَبَّهَهُ وَاحِدٌ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْجِعْ لِذِي الْيَدَيْنِ وَحْدَهُ‏.‏

وَكَذَا حُكْمُ طَوَافٍ، فَإِذَا قَالَ‏:‏ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ‏:‏ طُفْت كَذَا، عَمِلَ بِقَوْلِهِمَا وَإِلَّا عَمِلَ بِالْيَقِينِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ ظَنَّ‏)‏ الْمُصَلِّي ‏(‏خَطَأَهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُنَبِّهَيْنِ لَهُ، كَمَا يَلْزَمُ الْحَاكِمَ الرُّجُوعُ إلَى شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ ‏(‏مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ‏)‏ مُصَلٍّ ‏(‏صَوَابَ نَفْسِهِ‏)‏ فَلَا يَجُوزُ رُجُوعُهُ، كَالْحَاكِمِ إذَا عَلِمَ كَذِبَ الْبَيِّنَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ لَا مَا لَمْ ‏(‏يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مَنْ يُنَبِّهُهُ‏)‏ فَيَسْقُطُ قَوْلُهُمْ، كَبَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا، و‏(‏لَا‏)‏ يَلْزَمُهُ رُجُوعٌ إلَى ‏(‏فِعْلِ مَأْمُومِينَ‏)‏ مِنْ نَحْوِ قِيَامٍ وَقُعُودٍ بِلَا تَنْبِيهٍ، لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِالتَّنْبِيهِ‏:‏ بِتَسْبِيحِ الرِّجَالِ، وَتَصْفِيقِ النِّسَاءِ‏.‏

‏(‏فَإِنْ أَبَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرُّجُوعَ ‏(‏إمَامٌ‏)‏ وَجَبَ عَلَيْهِ ‏(‏قَامَ ل‏)‏ رَكْعَةٍ ‏(‏زَائِدَةٍ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏بَطَلَتْ صَلَاتُهُ‏)‏ لِتَعَمُّدِهِ تَرْكَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ ‏(‏ك‏)‏ صَلَاةِ ‏(‏مُتَّبِعِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَأْمُومٍ تَابَعَهُ فِي الزِّيَادَةِ ‏(‏عَالِمًا‏)‏ بِزِيَادَتِهَا ‏(‏ذَاكِرًا‏)‏ لَهَا لِأَنَّهُ إنْ قِيلَ‏:‏ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَمْ يَجُزْ اتِّبَاعُهُ فِيهَا، وَإِنْ قِيلَ بِصِحَّتِهَا فَهُوَ يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ، وَأَنَّ مَا قَامَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنْ تَبِعَهُ جَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا، أَوْ فَارَقَهُ صَحَّتْ لَهُ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ تَابَعُوا فِي الْخَامِسَةِ لِتَوَهُّمِ النَّسْخِ، وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ، وَيَلْزَمُ مَنْ عَلِمَ الْحَالَ مُفَارَقَتُهُ ‏(‏وَلَا يَعْتَدُّ بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ بِالزَّائِدَةِ ‏(‏مَسْبُوقٌ‏)‏ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِيهَا جَاهِلًا زِيَادَتَهَا؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَا يَعْتَدُّ بِهَا الْإِمَامُ، وَلَا تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ فِيهَا، عَلَى عَالِمٍ بِالْحَالِ، فَلَمْ يَعْتَدَّ بِهَا الْمَسْبُوقُ، وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ انْعِقَادُ صَلَاتِهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ لِلْعُذْرِ ‏(‏وَيُسَلِّمُ‏)‏ الْمَأْمُومُ ‏(‏الْمُفَارِقُ‏)‏ لِإِمَامِهِ بَعْدَ قِيَامِهِ إلَى الزَّائِدَةِ، وَتَنْبِيهِهِ وَإِبَائِهِ الرُّجُوعَ، إذَا أَتَمَّ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ ‏(‏وَلَا تَبْطُلُ‏)‏ صَلَاةُ إمَامٍ ‏(‏إنْ أَبَى أَنْ يَرْجِعَ لِجُبْرَانِ نَقْصٍ‏)‏ كَمَا لَوْ نَهَضَ عَنْ تَشَهُّدٍ أَوَّلَ وَنَحْوِهِ، وَنَبَّهُوهُ بَعْدَ أَنْ قَامَ وَلَمْ يَرْجِعْ لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَيَأْتِي مُوَضَّحًا‏.‏

‏(‏وَعَمَلٌ مُتَوَالٍ مُسْتَكْثَرٍ عَادَةً‏)‏ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِثَلَاثٍ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ الْعَدَدِ، بَلْ مَا عُدَّ فِي الْعَادَةِ كَثِيرًا، بِخِلَافِ مَا يُشْبِهُ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي فَتْحِهِ الْبَابَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا وَتَأَخُّرِهِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَفِعْلِ أَبِي بَرْزَةَ لَمَّا نَازَعَتْهُ دَابَّتُهُ، فَهَذَا لَا يُبْطِلُهَا ‏(‏مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّلَاةِ، كَلَفِّ عِمَامَةٍ وَلُبْسٍ وَمَشْيٍ ‏(‏يُبْطِلُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّلَاةَ ‏(‏عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ وَجَهْلُهُ‏)‏ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ‏(‏إنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورِيَّةً‏:‏ كَخَوْفٍ وَهَرَبٍ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَسَيْلٍ وَحَرِيقٍ وَسَبُعٍ، فَإِنْ كَانَتْ ضَرُورَةً لَمْ تَبْطُلْ‏.‏

وَعَدَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ الضَّرُورَةِ مَنْ بِهِ حَكٌّ لَا يَصْبِرُ عَنْهُ، وَكَذَا إنْ كَانَ يَسِيرًا، أَوْ لَمْ يَتَوَالَ، وَلَوْ كَثُرَ ‏(‏وَإِشَارَةُ أَخْرَسَ كَفِعْلِهِ‏)‏ لَا كَقَوْلِهِ‏:‏ فَلَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ إلَّا إذَا كَثُرَتْ وَتَوَالَتْ‏.‏

‏(‏وَكُرِهَ‏)‏ عَمَلٌ ‏(‏يَسِيرٌ‏)‏ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا ‏(‏بِلَا حَاجَةٍ‏)‏ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ ‏(‏وَلَا يُشْرَعُ لَهُ سُجُودٌ‏)‏ وَلَوْ سَهْوًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ وَلَا لِحَدِيثِ نَفْسٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْسُرُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ ‏(‏وَلَا تَبْطُلُ‏)‏ صَلَاةٌ ‏(‏بِعَمَلِ قَلْبٍ‏)‏ وَلَوْ طَالَ نَصًّا، لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا تَبْطُلُ أَيْضًا ب ‏(‏إطَالَةِ نَظَرٍ إلَى شَيْءٍ‏)‏ وَلَوْ إلَى كِتَابٍ وَقِرَاءَتِهِ مَا فِيهِ بِقَلْبِهِ دُونَ لِسَانِهِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ فَعَلَهُ ‏(‏وَلَا‏)‏ تَبْطُلُ أَيْضًا ‏(‏بِأَكْلٍ وَشُرْبٍ يَسِيرَيْنِ عُرْفًا، سَهْوًا، أَوْ جَهْلًا‏)‏ لِعُمُومِ ‏{‏عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ‏}‏ فَإِنْ كَثُرَ أَحَدُهُمْ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مُسْتَكْثَرٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ تَبْطُلُ أَيْضًا ‏(‏بِبَلْعِ‏)‏ مَصْلِ ‏(‏مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ بِلَا مَضْغٍ‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْلٍ وَيَسِيرٌ ‏(‏وَلَوْ لَمْ يَجْرِ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِمَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ ‏(‏رِيقٌ‏)‏ نَصًّا، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ الْعَسْكَرِيُّ ثُمَّ الشُّوَيْكِيُّ، وَقَالَ فِي الْإِقْنَاعِ، تَبَعًا لِلْمَجْدِ‏:‏ وَمَا لَا يَجْرِي بِهِ رِيقُهُ بَلْ يَجْرِي بِنَفْسِهِ، وَهُوَ مَا لَهُ جُرْمٌ تَبْطُلُ بِهِ، أَيْ‏:‏ لِأَنَّهُ لَا يَعْسُرُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ‏.‏

وَهُوَ مَفْهُومُ الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ وَالْمُبْدِعِ، وَإِنْ تَرَكَ فِي فَمِهِ لُقْمَةً بِلَا مَضْغٍ وَلَا بَلْعٍ كُرِهَ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ لَاكَهَا بِلَا بَلْعٍ، فَكَالْعَمَلِ إنْ كَثُرَ بَطَلَتْ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يَبْطُلُ ‏(‏نَفْلُ‏)‏ صَلَاةٍ ‏(‏بِيَسِيرِ شُرْبٍ عَمْدًا‏)‏ نَصًّا‏.‏

رُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ ‏"‏ أَنَّهُ شَرِبَ فِي التَّطَوُّعِ ‏"‏ لِأَنَّ مَدَّهُ وَإِطَالَتَهُ مُسْتَحَبَّةٌ مَطْلُوبَةٌ، فَيَحْتَاجُ مَعَهُ كَثِيرًا إلَى جُرْعَةِ مَاءٍ لِدَفْعِ عَطَشٍ، كَمَا سُومِحَ فِيهِ فِي الْجُلُوسِ وَعَلَى الرَّاحِلَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ أَنَّهُ يُبْطِلُ الْفَرْضَ، وَأَنْ يَسِيرَ الْأَكْلِ عَمْدًا يُبْطِلُهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي هَيْئَةَ الصَّلَاةِ، وَأَنَّ الْكَثِيرَ يُبْطِلُهُمَا وَلَوْ سَهْوًا، أَوْ جَهْلًا، لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَيَنْدُرُ ذَلِكَ فِيهَا، وَهِيَ أَدْخَلُ فِي الْفَسَادِ بِدَلِيلِ الْحَدَثِ وَالنَّوْمِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَلِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْقِيَاسِ‏.‏

‏(‏وَبَلْعُ ذَوْبِ سُكَّرٍ وَنَحْوَهُ‏)‏ كَحَلْوَى وَتَرْنْجَبِيلٍ ‏(‏بِفَمٍ كَأَكْلٍ‏)‏ فَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا مَعَ الْعَمْدِ فَإِنْ كَثُرَ بَطَلَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ فَتَحَ فَاهُ فَحَصَلَ فِيهِ مَاءٌ فَابْتَلَعَهُ، فَكَشُرْبٍ‏.‏

‏(‏وَسُنَّ سُجُودُ‏)‏ سَهْوٍ لِمُصَلٍّ ‏(‏لِإِتْيَانِهِ بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ سَهْوًا، كَقِرَاءَتِهِ سُورَةً فِي‏)‏ الرَّكْعَتَيْنِ ‏(‏الْأَخِيرَتَيْنِ‏)‏ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، أَوْ فِي ثَالِثَةِ مَغْرِبٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ قِرَاءَتِهِ ‏(‏قَاعِدًا‏)‏، أَوْ رَاكِعًا ‏(‏أَوْ سَاجِدًا، وَكَتَشَهُّدِهِ قَائِمًا‏)‏ لِعُمُومِ ‏{‏إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَكَالسَّلَامِ مِنْ نُقْصَانٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا كَآمِينَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا لَمْ يُشْرَعْ لَهُ سُجُودٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ مَنْ سَمِعَهُ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ ‏"‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى‏"‏‏.‏

‏(‏وَإِنْ سَلَّمَ‏)‏ مُصَلٍّ ‏(‏قَبْلَ إتْمَامِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّلَاةِ ‏(‏عَمْدًا بَطَلَتْ‏)‏ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِيهَا وَالْبَاقِي مِنْهَا إمَّا رُكْنٌ، أَوْ وَاجِبٌ، وَكِلَاهُمَا يُبْطِلُهَا تَرْكُهُ عَمْدًا ‏(‏وَ‏)‏ إنْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهَا ‏(‏سَهْوًا‏)‏ لَمْ تَبْطُلْ بِهِ، وَلَهُ إتْمَامُهَا؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ فَعَلُوهُ، وَبَنَوْا عَلَى صَلَاتِهِمْ لِأَنَّ جِنْسَهُ مَشْرُوعٌ فِيهَا، أَشْبَهَ الزِّيَادَةَ فِيهَا مِنْ جِنْسِهَا‏.‏

‏(‏فَإِنْ ذَكَرَ‏)‏ مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهَا سَهْوًا‏:‏ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّهَا ‏(‏قَرِيبًا عُرْفًا وَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ‏)‏ نَصًّا ‏(‏أَوْ شَرَعَ فِي‏)‏ صَلَاةٍ ‏(‏أُخْرَى، وَتُقْطَعُ‏)‏ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا مَعَ قُرْبِ فَصْلٍ، وَعَادَ إلَى الْأُولَى ‏(‏أَتَمَّهَا وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ‏)‏ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ ‏{‏سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنْ الْعَصْرِ، ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ، فَقَامَ رَجُلٌ بَسِيطُ الْيَدَيْنِ، فَقَالَ‏:‏ أَقُصِرَتْ الصَّلَاةُ، أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ فَخَرَجَ فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الَّتِي كَانَ تَرَكَ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، ثُمَّ سَلَّمَ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَهْوَهُ قَرِيبًا بِأَنْ طَالَ الزَّمَنُ عُرْفًا ‏(‏بَطَلَتْ‏)‏ لِفَوَاتِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ‏(‏أَوْ أَحْدَثَ‏)‏ بَطَلَتْ لِأَنَّ الْحَدَثَ بِنَاءٌ فِيهَا‏.‏

‏(‏أَوْ تَكَلَّمَ مُطْلَقَا‏)‏ أَيْ‏:‏ إمَامًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ، عَمْدًا، أَوْ سَهْوًا، أَوْ جَهْلًا، طَائِعًا، أَوْ مُكْرَهًا، فَرْضًا، أَوْ نَفْلًا، لِمَصْلَحَتِهَا، أَوْ لَا فِي صُلْبِهَا، أَوْ بَعْدَ سَلَامِهِ سَهْوًا وَاجِبًا، كَتَحْذِيرِ نَحْوِ ضَرِيرٍ، أَوْ لَا بَطَلَتْ لِحَدِيثِ ‏{‏إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ‏:‏ لَا تَبْطُلُ بِيَسِيرٍ لِمَصْلَحَتِهَا وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ، لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ ‏(‏أَوْ قَهْقَهَ هُنَا‏)‏ أَيْ‏:‏ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ سَهْوًا بَطَلَتْ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَهْقَهَ ‏(‏فِي صُلْبِهَا بَطَلَتْ‏)‏ كَالْكَلَامِ، وَأَوْلَى‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ تَبْطُلُ ‏(‏إنْ نَامَ‏)‏ مُصَلٍّ يَسِيرًا قَائِمًا، أَوْ جَالِسًا ‏(‏فَتَكَلَّمَ، أَوْ سَبَقَ‏)‏ الْكَلَامُ ‏(‏عَلَى لِسَانِهِ حَالَ قِرَاءَتِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَى الْكَلَامِ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ غَلِطَ فِي الْقُرْآنِ فَأَتَى بِكَلِمَةِ مِنْ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ النَّائِمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ ‏(‏وَكَكَلَامٍ‏)‏ فِي الْحُكْمِ ‏(‏إنْ تَنَحْنَحَ بِلَا حَاجَةٍ‏)‏ فَبَانَ حَرْفًا ‏(‏أَوْ نَفَخَ؛ فَبَانَ حَرْفَانِ‏)‏ فَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏"‏ مَنْ نَفَخَ فِي صَلَاتِهِ فَقَدْ تَكَلَّمَ ‏"‏ رَوَاهُ سَعِيدٌ‏.‏

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ‏:‏ لَا يَثْبُتُ عَنْهُمَا وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي فَإِنْ كَانَ التَّنَحْنُحُ لِحَاجَةٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَوْ بَانَ حَرْفَانِ‏.‏

قَالَ الْمَرْوَزِيِّ‏:‏ كُنْت آتِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَيَتَنَحْنَحُ فِي صَلَاتِهِ لِأَعْلَمَ أَنَّهُ يُصَلِّي‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ تَبْطُلُ ‏(‏إنْ انْتَحَبَ‏)‏ مُصَلٍّ ‏(‏خَشْيَةً‏)‏ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، ‏(‏أَوْ غَلَبَهُ سُعَالٌ، أَوْ عُطَاسٌ، أَوْ تَثَاؤُبٌ وَنَحْوُهُ‏)‏ كَبُكَاءٍ وَلَوْ بَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ وَقَالَ مُهَنَّا‏:‏ صَلَّيْت إلَى جَنْبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَتَثَاءَبَ خَمْسَ مُرَّاتٍ، وَسُمِعَتْ لِتَثَاؤُبِهِ هَاه هَاه وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْكَلَامِ تَقُولُ‏:‏ تَثَاءَبْتُ، عَلَى وَزْنِ تَفَاعَلْتُ‏:‏ وَلَا تَقُلْ تَثَاوَبْتُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ‏:‏ وَيُكْرَهُ اسْتِدْعَاءُ اُلْبُكَا كَضَحِكٍ، وَيُجِيبُ وَالِدَيْهِ فِي نَفْلٍ وَتَبْطُلُ بِهِ، وَيَجُوزُ إخْرَاجُ زَوْجَةٍ مِنْ نَفْلٍ لِحَقِّ زَوْجِهَا‏.‏

فَصْلٌ وَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ سَهْوًا كَرُكُوعٍ، أَوْ سُجُودٍ، أَوْ رَفَعَ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ طُمَأْنِينَةٍ ‏(‏فَذَكَرَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرُّكْنَ الْمَتْرُوكَ ‏(‏بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى‏)‏ غَيْرِ الَّتِي تَرَكَهُ مِنْهَا ‏(‏بَطَلَتْ‏)‏ الرَّكْعَةُ ‏(‏الَّتِي تَرَكَهُ مِنْهَا‏)‏ وَقَامَتْ الَّتِي تَلِيهَا مَقَامَهَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدْرَاكُ الْمَتْرُوكِ، لِتَلَبُّسِهِ بِفَرْضِ قِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى فَلَغَتْ رَكْعَتُهُ‏.‏

قَالَ الْأَثْرَمُ‏:‏ سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ قَامَ إلَى أُخْرَى، فَذَكَرَ أَنَّهُ إنَّمَا سَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةٍ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، فَقَالَ‏:‏ إنْ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا قَامَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ عَمَلًا لِلثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يَنْحَطُّ، وَيَسْجُدُ، وَيَعْتَدُّ بِهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ أَحْدَثَ عَمَلًا لَهَا، جَعَلَ هَذِهِ الْأُولَى، وَأَلْغَى مَا قَبْلَهَا قُلْت‏:‏ فَيَسْتَفْتِحُ، أَوْ يَجْتَزِئُ بِالِاسْتِفْتَاحِ الْأَوَّلِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ يُجْزِئُهُ الْأَوَّلُ قُلْت‏:‏ فَنَسِيَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَتَيْنِ وَأَمَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ فَلَا تَنْعَقِدُ بِتَرْكِهَا، وَكَذَا النِّيَّةُ إنْ قِيلَ‏:‏ هِيَ رُكْنٌ ‏(‏فَلَوْ رَجَعَ‏)‏ مَنْ تَرَكَ رُكْنًا إلَيْهِ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي مَقْصُودِ الْقِيَامِ، وَهُوَ الْقِرَاءَةُ‏:‏ إلْغَاءً لِعَمَلٍ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ‏.‏

وَإِنْ رَجَعَ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَا يَعْتَدُّ بِمَا فَعَلَهُ فِي الرَّكْعَةِ لِأَنَّهَا فَسَدَتْ بِشُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِهَا فَلَمْ تَعُدْ إلَى الصِّحَّةِ بِحَالٍ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ ذَكَرَ مَا تَرَكَهُ ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الرُّكْنِ الْمَتْرُوكِ لِيَأْتِيَ بِهِ ‏(‏رُكْنٌ لَا يَسْقُطُ بِسَهْوٍ‏)‏ وَلَا غَيْرِهِ‏.‏

وَيَأْتِي بِمَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَ الرُّكْنِ الْمَنْسِيِّ فَلَوْ ذَكَرَ الرُّكُوعَ، وَقَدْ جَلَسَ عَادَةً فَأَتَى بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ سَجَدَ سَجْدَةً ثُمَّ قَامَ، فَإِنْ جَلَسَ لِلْفَصْلِ سَجَدَ الثَّانِيَةَ، وَلَمْ يَجْلِسْ وَإِلَّا جَلَسَ وَإِنْ كَانَ جَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ جِلْسَةِ الْفَصْلِ ‏(‏إنْ لَمْ يَعُدْ‏)‏ إلَى ذَلِكَ عَالِمًا ‏(‏عَمْدًا بَطَلَتْ‏)‏ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي مَحَلِّهِ عَالِمًا عَمْدًا أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ أَخِيرَةٍ وَسَلَّمَ - ثُمَّ ذَكَرَ، وَلَمْ يَسْجُدْهَا فِي الْحَالِ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ لَمْ يَعُدْ ‏(‏سَهْوًا‏)‏ أَوْ جَهْلًا ‏(‏بَطَلَتْ الرَّكْعَةُ‏)‏ الْمَتْرُوكُ رُكْنُهَا بِشُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ مَا بَعْدَهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ لَمْ يَذْكُرْ مَا تَرَكَهُ إلَّا ‏(‏بَعْدَ السَّلَامِ فَ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏كَتَرْكِ رَكْعَةٍ‏)‏ كَامِلَةٍ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ نَصَّ عَلَيْهِ‏.‏

وَفِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، إنْ لَمْ يَطُلْ فَصْلٌ، أَوْ يُحْدِثْ، أَوْ يَتَكَلَّمْ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ بِتَرْكِ رُكْنِهَا لَغَتْ فَصَارَ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا فَكَأَنَّهُ سَلَّمَ عَنْ تَرْكِ رَكْعَةٍ ‏(‏مَا لَمْ يَكُنْ‏)‏ مَا ذَكَرَ بَعْدَ السَّلَامِ أَنَّهُ كَانَ تَرَكَهُ ‏(‏تَشَهُّدًا أَخِيرًا، أَوْ‏)‏ يَكُنْ ‏(‏سَلَامًا فَيَأْتِيَ بِهِ‏)‏ فَقَطْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ‏.‏

‏(‏وَيَسْجُدُ‏)‏ لِلسَّهْوِ ‏(‏وَيُسَلِّمُ‏)‏ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لِسُجُودِ السَّهْوِ كَمَا يَأْتِي، وَمَتَى مَضَى مُصَلٍّ فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ، أَوْ رَجَعَ فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ، عَالِمًا تَحْرِيمَهُ بَطَلَتْ لِأَنَّهُ كَتَرْكِ الْوَاجِبِ عَمْدًا وَإِنْ فَعَلَهُ يَعْتَقِدُ جَوَازَهُ لَمْ تَبْطُلُ، كَتَرْكِ الْوَاجِبِ سَهْوًا‏.‏

‏(‏وَإِنْ نَسِيَ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ‏:‏ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ‏)‏ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةٌ ‏(‏وَذَكَرَ وَقَدْ قَرَأَ فِي‏)‏ رَكْعَةٍ ‏(‏خَامِسَةٍ‏.‏

فَهِيَ أُولَاهُ‏)‏ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَارَتْ أُولَاهُ بِشُرُوعِهِ فِي قِرَاءَتِهَا قَبْلَ تَمَامِ الْأُولَى، ثُمَّ صَارَتْ الثَّالِثَةُ أُولَاهُ أَيْضًا كَذَلِكَ، ثُمَّ الرَّابِعَةُ ثُمَّ الْخَامِسَةُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ غَيْرِ تَامَّةٍ تَبْطُلُ بِشُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ الَّتِي بَعْدَهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ ذَكَرَ الْمَنْسِيَّ مِنْ السَّجَدَاتِ ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشُّرُوعِ فِي قِرَاءَةِ الْخَامِسَةِ فَإِنَّهُ يَعُودُ فَ ‏(‏يَسْجُدُ سَجْدَةً، فَتَصِحُّ لَهُ رَكْعَةٌ‏)‏ وَهِيَ الرَّابِعَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي قِرَاءَةِ مَا بَعْدَهَا، وَتَصِيرُ أُولَاهُ ‏(‏وَيَأْتِي بِثَلَاثِ‏)‏ رَكَعَاتٍ لِأَنَّ الثَّلَاثَ قَبْلَ الرَّابِعَةِ لَغَتْ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ ‏(‏بَعْدَ السَّلَامِ، بَطَلَتْ‏)‏ صَلَاتُهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ حَتَّى سَلَّمَ‏:‏ كَتَارِكِ رَكْعَةٍ فَيَكُونُ هَذَا كَتَارِكِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ يَبْنِي عَلَيْهِ فَتَبْطُلُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ نَسِيَ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ ‏(‏سَجْدَتَيْنِ، أَوْ‏)‏ نَسِيَ ‏(‏ثَلَاثًا‏)‏ مِنْ السَّجَدَاتِ ‏(‏مِنْ رَكْعَتَيْنِ جَهِلَهُمَا‏)‏ فَلَمْ يَدْرِ‏:‏ أَهُمَا مِنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، أَوْ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ، أَوْ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ، أَوْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، أَوْ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ‏؟‏ ‏(‏أَتَى بِرَكْعَتَيْنِ‏)‏ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الرَّابِعَةِ فَيَصِحُّ لَهُ رَكْعَتَانِ، يَبْنِي عَلَيْهِمَا وَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ نَسِيَ ‏(‏ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا‏)‏ مِنْ السَّجَدَاتِ ‏(‏مِنْ ثَلَاثِ‏)‏ رَكَعَاتٍ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ وَجَهِلَهَا ‏(‏أَتَى بِثَلَاثِ‏)‏ رَكَعَاتٍ وُجُوبًا، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ فَتَلْغُوَ بِشُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ الرَّابِعَة وَتَصِيرَ أُولَاهُ فَيَبْنِيَ عَلَيْهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ نَسِيَ ‏(‏خَمْسًا‏)‏ مِنْ السَّجَدَاتِ ‏(‏مِنْ أَرْبَعِ‏)‏ رَكَعَاتٍ، ‏(‏أَوْ‏)‏ نَسِيَ خَمْسَ سَجَدَاتٍ مِنْ ‏(‏ثَلَاثِ‏)‏ رَكَعَاتٍ مِنْ أَرْبَعَ وَجَهِلَهَا ‏(‏أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ‏)‏ فَتَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يَأْتِي ‏(‏بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ‏)‏ إنْ كَانَ التَّرْكُ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ يَأْتِي ‏(‏بِرَكْعَتَيْنِ‏)‏ إنْ كَانَ التَّرْكُ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ نَسِيَ ‏(‏مِنْ‏)‏ الرَّكْعَةِ ‏(‏الْأُولَى سَجْدَةً‏.‏

وَ‏)‏ نَسِيَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سَجْدَتَيْنِ ‏(‏وَ‏)‏ نَسِيَ ‏(‏مِنْ رَابِعَةٍ سَجْدَةً‏)‏ وَأَتَى بِالثَّالِثَةِ تَامَّةً فَهِيَ أُولَاهُ و‏(‏أَتَى بِسَجْدَةٍ‏)‏ فَتَتِمُّ لَهُ الرَّابِعَةُ، وَتَكُونُ ثَانِيَةً ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يَأْتِي ‏(‏بِرَكْعَتَيْنِ‏)‏ فَتَتِمُّ لَهُ الْأَرْبَعُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ ذَكَرَ‏)‏ فِي صَلَاتِهِ ‏(‏تَرْكَ رُكْنٍ جَهِلَهُ‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ‏:‏ أَهُوَ رُكُوعٌ، أَوْ رَفْعٌ مِنْهُ‏؟‏ ‏(‏أَوْ‏)‏ جَهِلَ ‏(‏مَحَلَّهُ‏)‏ بِأَنْ ذَكَرَ تَرْكَ سَجْدَةٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ‏:‏ أَهِيَ مِنْ الْأَخِيرَةِ، أَوْ مِمَّا قَبْلَهَا‏؟‏ ‏(‏عَمِلَ‏)‏ وُجُوبًا ‏(‏بِاسْتِوَاءِ التَّقْدِيرَيْنِ‏)‏ فَيَجْعَلُهُ فِي الْأُولَى رُكُوعًا وَفِي الثَّانِيَةِ مِمَّا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ، فَيَقُومُ فِي الْأُولَى، وَيَرْكَعُ وَيَرْفَعُ وَيَعْتَدِلُ وَيَسْجُدُ لِتَحْصُلَ لَهُ تَأْدِيَةُ فَرْضِهِ يَقِينًا وَيَأْتِي فِي الثَّانِيَةِ بِرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ كَذَلِكَ، وَكَذَا كُلُّ مَا تَيَقَّنَ بِهِ إتْمَامَ صَلَاتِهِ لِئَلَّا يَخْرُجَ مِنْهَا وَهُوَ شَاكٌّ فِيهَا، فَيَكُونَ مُغَرِّرًا بِهَا وَفِي الْحَدِيثِ ‏{‏لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ وَلَا تَسْلِيمَ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ أَحْمَدُ‏:‏ أَيْ‏:‏ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا عَلَى يَقِينِ أَنَّهَا تَمَّتْ‏.‏

وَإِنْ نَسِيَ آيَتَيْنِ مِنْ الْفَاتِحَةِ مُتَوَالِيَتَيْنِ جَعَلَهُمَا مِنْ رَكْعَةٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَوَالِيَهُمَا جَعَلَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ‏.‏

‏(‏وَتَشَهُّدُ‏)‏ مَنْ نَسِيَ، فَجَلَسَ وَتَشَهَّدَ ‏(‏قَبْلَ سَجْدَتَيْ‏)‏ رَكْعَةٍ ‏(‏أَخِيرَةٍ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏زِيَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ‏)‏ يَجِبُ السُّجُودُ لَهَا لِأَنَّهُ جَلَسَ لَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَتَشَهَّدَ بَعْدَ سَجْدَةٍ أُولَى ‏(‏وَقِيلَ سَجْدَةٌ ثَانِيَةٌ‏)‏ زِيَادَةٌ ‏(‏قَوْلِيَّةٌ‏)‏ يُسَنُّ السُّجُودُ لَهَا لِأَنَّ مَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مَحَلُّ جُلُوسٍ، فَلَمْ يَزِدْ سِوَى الْقَوْلِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ نَهَضَ‏)‏ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ ‏(‏عَنْ تَرْكِ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ‏)‏ مَعَ ‏(‏تَرْكِ‏)‏ جُلُوسٍ لَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ عَنْ تَرْكِ التَّشَهُّدِ ‏(‏دُونَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجُلُوسِ لَهُ، بِأَنْ جَلَسَ وَنَهَضَ، وَلَمْ يَتَشَهَّدْ ‏(‏نَاسِيًا‏)‏ لِمَا تَرَكَهُ ‏(‏لَزِمَ رُجُوعُهُ‏)‏ إنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا، لِيَتَدَارَكَ الْوَاجِبَ وَيُتَابِعَهُ مَأْمُومٌ، وَلَوْ اعْتَدَلَ ‏(‏وَكُرِهَ‏)‏ رُجُوعُهُ ‏(‏إنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا‏)‏ لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا، فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا فَلَا يَجْلِسْ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَأَقَلُّ أَحْوَالِ النَّهْيِ‏:‏ الْكَرَاهَةُ‏.‏

وَلَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِأَنَّ الْقِيَامَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ لِتَرْكِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ لَا إلَى بَدَلٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ‏(‏وَحَرُمَ‏)‏ رُجُوعٌ ‏(‏إنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ‏)‏ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي رُكْنٍ مَقْصُودٍ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ، كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الرُّكُوعِ ‏(‏وَبَطَلَتْ‏)‏ صَلَاتُهُ بِرُجُوعِهِ إذَنْ، عَالِمًا عَمْدًا لِزِيَادَتِهِ فِعْلًا مِنْ جِنْسِهَا عَمْدًا أَشْبَهَ مَا لَوْ زَادَ رُكُوعًا‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ تَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ ‏(‏إذَا نَسِيَ، أَوْ جَهِلَ‏)‏ تَحْرِيمَ رُجُوعِهِ‏.‏

لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ‏}‏ وَمَتَى عَلِمَ تَحْرِيمَ ذَلِكَ، وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ‏:‏ نَهَضَ وَلَمْ يُتِمَّهُ ‏(‏وَيَلْزَمُ الْمَأْمُومَ مُتَابَعَتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْإِمَامِ فِي قِيَامِهِ نَاسِيًا لِحَدِيثِ ‏{‏إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ‏}‏ وَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التَّشَهُّدِ قَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَفَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ‏.‏

وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إنْ سَبَّحُوا بِهِ بَعْدَ قِيَامِهِ وَإِنْ سَبَّحُوا بِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ تَشَهَّدُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يُتَابِعُوهُ، لِتَرْكِهِ وَاجِبًا وَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ لَزِمَهُمْ مُتَابَعَتُهُ وَلَوْ شَرَعُوا فِيهَا، لَا إنْ رَجَعَ بَعْدَهَا لِخِطَابِهِ وَيَنْوُونَ مُفَارَقَتَهُ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ أَيْ‏:‏ كَتَرْكِ تَشَهُّدٍ أَوَّلَ نَاسِيًا ‏(‏كُلُّ وَاجِبٍ‏)‏ تَرَكَهُ مُصَلٍّ نَاسِيًا ‏(‏فَيَرْجِعُ إلَى تَسْبِيحِ رُكُوعٍ، وَ‏)‏ تَسْبِيحِ ‏(‏سُجُودٍ قَبْلَ اعْتِدَالٍ‏)‏ عَنْ رُكُوعٍ، أَوْ سُجُودٍ‏.‏

وَمَتَى رَجَعَ إلَى الرُّكُوعِ حَيْثُ جَازَ - وَهُوَ إمَامٌ، فَأَدْرَكَهُ فِيهِ مَسْبُوقٌ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَكَعَ ثَانِيًا نَاسِيًا و‏(‏لَا‏)‏ يَرْجِعُ إلَى تَسْبِيحٍ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الِاعْتِدَالِ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّسْبِيحِ رُكْنٌ وَقَعَ مُجْزِئًا صَحِيحًا وَلَوْ رَجَعَ إلَيْهِ كَانَ زِيَادَةً فِي الصَّلَاةِ تَكْرَارًا لِلرُّكْنِ فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ اعْتِدَالٍ عَالِمًا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، لَا نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا ‏(‏وَعَلَيْهِ السُّجُودُ‏)‏ لِلسَّهْوِ ‏(‏لِلْكُلِّ‏)‏ مِنْ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

لَوْ أَحْرَمَ بِالْعِشَاءِ، ثُمَّ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، ظَنًّا أَنَّهُمَا مِنْ التَّرَاوِيحِ، أَوْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ ظُهْرٍ، ظَنًّا أَنَّهَا جُمُعَةٌ، أَوْ فَجْرٌ فَائِتَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ أَعَادَ فَرْضَهُ، وَلَمْ يَبْنِ نَصًّا لِأَنَّهُ قَدْ قَطَعَ نِيَّةَ الْأُولَى بِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ فِي أُخْرَى وَعَمَلِهِ لَهَا مَا يُنَافِي الْأُولَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ مَا يُنَافِيهَا‏.‏

وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ إمَامٍ صَلَّى بِقَوْمٍ الْعَصْرَ، فَظَنَّ أَنَّهَا الظُّهْرُ، فَطَوَّلَ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ ذَكَرَ فَقَالَ‏:‏ يُعِيدُ وَيُعِيدُونَ‏.‏

فَصْلٌ وَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ مَنْ شَكَّ فِي تَرْكِ ‏(‏رُكْنٍ‏)‏ بِأَنْ تَرَدَّدَ فِي فِعْلِهِ فَيُجْعَلُ كَمَنْ تَيَقَّنَ تَرْكَهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَكَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ شَكَّ فِي ‏(‏عَدَدِ رَكَعَاتٍ‏)‏ فَإِذَا شَكَّ‏:‏ صَلَّى رَكْعَةً، أَوْ رَكْعَتَيْنِ، بَنَى عَلَى رَكْعَةٍ؛، أَوْ اثْنَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا بَنَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَهَكَذَا إمَامًا كَانَ، أَوْ مُنْفَرِدًا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ‏:‏ أَثْلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا‏؟‏ فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى أَرْبَعًا كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ‏.‏

وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ لِيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ‏}‏ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ فَتَحَرِّي الصَّوَابِ فِيهِ‏:‏ هُوَ اسْتِعْمَالُ الْيَقِينِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَجَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ ‏(‏وَلَا يَرْجِعُ‏)‏ مَأْمُومٌ ‏(‏وَاحِدٌ‏)‏ لَيْسَ مَعَهُ مَأْمُومٌ غَيْرُهُ ‏(‏إلَى فِعْلِ إمَامِهِ‏)‏ لِأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ لَا يَكْفِي فِي مِثْلِ ذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ شَكَّ إمَامٌ فَسَبَّحَ بِهِ وَاحِدٌ بَلْ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ كَالْمُنْفَرِدِ وَلَا يُفَارِقُهُ قَبْلَ سَلَامِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ خَطَأَهُ ‏(‏فَإِذَا سَلَّمَ‏)‏ إمَامُهُ ‏(‏أَتَى‏)‏ مَأْمُومٌ ‏(‏بِمَا شَكَّ فِيهِ‏)‏ مَعَ إمَامِهِ، لِيَخْرُجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِيَقِينٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمَأْمُومِينَ كَمَنْ نَبَّهَهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ‏.‏

‏(‏وَلَوْ شَكَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا، بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ مَعَهُ‏:‏ هَلْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ رَاكِعًا أَمْ لَا‏؟‏ لَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ‏)‏ لِأَنَّهُ شَاكٌّ فِي إدْرَاكِهَا، فَيَأْتِي بِبَدَلِهَا ‏(‏وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ شَكَّ‏)‏ مَأْمُومٌ ‏(‏هَلْ دَخَلَ مَعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْإِمَامِ ‏(‏فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، أَوْ‏)‏ فِي الرَّكْعَةِ ‏(‏فِي الثَّانِيَةِ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏جَعَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الدُّخُولَ مَعَهُ ‏(‏فِي‏)‏ الرَّكْعَةِ ‏(‏الثَّانِيَةِ‏)‏ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقِّنُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يُشْرَعُ ‏(‏سُجُودُ‏)‏ سَهْوٍ ‏(‏لِشَكٍّ فِي‏)‏ تَرْكِ ‏(‏وَاجِبٍ‏)‏ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي سَبَبِ وُجُوبِ السُّجُودِ‏.‏

وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَلَا يُشْرَعُ سُجُودٌ لِشَكٍّ فِي ‏(‏زِيَادَةٍ‏)‏ بِأَنْ شَكَّ‏:‏ هَلْ زَادَ رُكُوعًا، أَوْ سُجُودًا، أَوْ شَكَّ فِي تَشَهُّدِهِ الْأَخِيرِ‏:‏ هَلْ صَلَّى أَرْبَعًا، أَوْ خَمْسًا وَنَحْوَهُ‏؟‏ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ فَلَحِقَ بِالْمَعْدُومِ يَقِينًا‏.‏

‏(‏إلَّا إذَا شَكَّ‏)‏ فِي الزِّيَادَةِ ‏(‏وَقْتَ فِعْلِهَا‏)‏ بِأَنْ شَكَّ فِي سَجْدَةٍ وَهُوَ فِيهَا‏:‏ هَلْ هِيَ زَائِدَةٌ، أَوْ لَا‏؟‏، أَوْ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ كَذَلِكَ، فَيَسْجُدُ لِأَنَّهُ أَدَّى جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِ مُتَرَدِّدًا فِي كَوْنِهِ مِنْهَا، أَوْ زَائِدًا عَلَيْهَا فَضَعُفَتْ النِّيَّةُ وَاحْتَاجَتْ لِلْجَبْرِ بِالسُّجُودِ‏.‏

وَمَنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، أَوْ غَيْرِهِ، فَبَنَى عَلَى يَقِينِهِ ثُمَّ زَالَ شَكُّهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ مُصِيبٌ فِيمَا فَعَلَهُ لَمْ يَسْجُدْ مُطْلَقًا أَيْ‏:‏ سَوَاءٌ عَمِلَ مَعَ الشَّكِّ عَمَلًا، أَوْ لَا، عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَخَالَفَ فِي شَرْحِهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ سَجَدَ لِشَكٍّ‏)‏ ظَنًّا أَنَّهُ يَسْجُدُ لَهُ ‏(‏ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سُجُودٌ‏)‏ لِذَلِكَ الشَّكِّ ‏(‏سَجَدَ‏)‏ وُجُوبًا ‏(‏لِذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِكَوْنِهِ زَادَ فِي صَلَاتِهِ سَجْدَتَيْنِ غَيْرِ مَشْرُوعَتَيْنِ‏.‏

وَمَنْ عَلِمَ سَهْوًا وَلَمْ يَعْلَمْ‏:‏ أَيَسْجُدُ لَهُ أَمْ لَا‏؟‏ لَمْ يَسْجُدْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ سَبَبَهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ شَكَّ‏:‏ هَلْ سَجَدَ لِسَهْوِهِ‏)‏ الْمُتَيَقَّنِ، ‏(‏أَوْ لَا‏)‏ أَيْ‏:‏ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ ‏(‏سَجَدَ مَرَّةً‏)‏ أَيْ‏:‏ سَجْدَتَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يَكْفِي لِجَمِيعِ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ‏.‏

‏(‏وَلَيْسَ عَلَى مَأْمُومٍ‏)‏ سَهَا دُونَ إمَامِهِ ‏(‏سُجُودُ سَهْوٍ إلَّا أَنْ يَسْهُوَ إمَامُهُ فَيَسْجُدَ مَعَهُ‏)‏ وَلَوْ لَمْ يَسْهُ، أَوْ يَسْجُدَ بَعْدَ سَلَامِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا ‏{‏لَيْسَ عَلَى مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ سَهْوٌ فَإِنْ سَهَا إمَامُهُ فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ‏}‏ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا سَجَدَ لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالسَّلَامِ مِنْ نُقْصَانٍ سَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ‏.‏

وَلِعُمُومِ ‏{‏وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا‏}‏ فَيَسْجُدُ مَأْمُومٌ مُتَابَعَةً لِإِمَامِهِ ‏(‏وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ‏)‏ الْمَأْمُومُ ‏(‏مَا عَلَيْهِ‏)‏ مِنْ ‏(‏وَاجِبِ‏)‏ تَشَهُّدٍ ثُمَّ ‏(‏يُتِمُّهُ‏)‏ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ لِحَدِيثِ ‏{‏وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا‏}‏ وَلَا يُعِيدُ السُّجُودَ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ عَنْ إمَامِهِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْمَأْمُومُ ‏(‏مَسْبُوقًا‏)‏ وَسَهَا الْإِمَامُ ‏(‏فِيمَا لَمْ يُدْرِكْهُ‏)‏ الْمَسْبُوقُ فِيهِ، بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ سَهَا فِي الْأُولَى وَأَدْرَكَهُ فِي الثَّانِيَةِ مَثَلًا فَيَسْجُدُ مَعَهُ مُتَابَعَةً لَهُ لِأَنَّ صَلَاتَهُ نَقَصَتْ، حَيْثُ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةٍ نَاقِصَةٍ وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِيمَا لَا يُعْتَدُّ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْمُتَابَعَةِ فِي السُّجُودِ كَمَا لَمْ يَمْنَعْهُ فِي بَقِيَّةِ الرَّكْعَةِ‏.‏

‏(‏فَلَوْ قَامَ‏)‏ مَسْبُوقٌ ‏(‏بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ‏)‏ ظَانًّا عَدَمَ سَهْوِ إمَامِهِ، فَسَجَدَ إمَامُهُ ‏(‏رَجَعَ‏)‏ الْمَسْبُوقُ ‏(‏فَسَجَدَ مَعَهُ‏)‏ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَشْبَهَ السُّجُودَ قَبْلَ السَّلَامِ، فَيَرْجِعُ وُجُوبًا قَبْلَ أَنْ يَسْتَتِمَّ، فَإِنْ اسْتَتَمَّ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ، كَمَنْ قَامَ عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ و‏(‏لَا‏)‏ يَرْجِعُ ‏(‏إنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ‏)‏ لِأَنَّهُ تَلَبَّسَ بِرُكْنٍ مَقْصُودٍ، فَلَا يَرْجِعُ إلَى وَاجِبٍ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَدْرَكَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَدْرَكَ مَسْبُوقٌ إمَامَهُ ‏(‏فِي آخِرِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ سَجَدَهَا‏)‏ مَسْبُوقٌ ‏(‏مَعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَعَ إمَامِهِ ‏(‏فَإِذَا سَلَّمَ‏)‏ الْإِمَامُ ‏(‏أَتَى‏)‏ الْمَسْبُوقُ ‏(‏ب‏)‏ السَّجْدَةِ ‏(‏الثَّانِيَةِ‏)‏ لِيُوَالِيَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ‏(‏ثُمَّ قَضَى صَلَاتَهُ‏)‏ نَصًّا‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَدْرَكَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَدْرَكَ مَسْبُوقٌ الْإِمَامَ ‏(‏بَعْدَهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ‏(‏وَقَبْلَ السَّلَامِ لَمْ يَسْجُدْ‏)‏ مَسْبُوقٌ لِسَهْوِ إمَامِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ بَعْضًا مِنْهُ، فَيَقْضِيَ الْفَائِتَ، وَبَعْدَ السَّلَامِ لَا يَدْخُلُ مَعَهُ، لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ ‏(‏وَيَسْجُدُ‏)‏ مَسْبُوقٌ ‏(‏إنْ سَلَّمَ مَعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَعَ إمَامِهِ ‏(‏سَهْوًا‏)‏ بَعْدَ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ لِأَنَّهُ صَارَ مُنْفَرِدًا ‏(‏أَوْ‏)‏ يَسْجُدُ أَيْضًا ‏(‏لِسَهْوِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَسْبُوقِ دُونَ إمَامِهِ ‏(‏مَعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَعَ إمَامِهِ فِيمَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ‏.‏

وَلَوْ فَارَقَهُ لِعُذْرٍ ‏(‏وَ‏)‏ يَسْجُدُ مَسْبُوقٌ أَيْضًا إذَا سَهَا ‏(‏فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ‏)‏ وَهُوَ مَا يَقْضِيهِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ‏.‏

وَلَوْ كَانَ سَجَدَ مَعَهُ لِسَهْوِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُنْفَرِدًا فَلَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ سُجُودَهُ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ‏)‏ الْإِمَامُ وَقَدْ سَهَا عَلَيْهِ سَهْوًا يَجِبُ السُّجُودُ لَهُ ‏(‏سَجَدَ مَسْبُوقٌ إذَا فَرَغَ‏)‏ مِنْ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ ‏(‏وَ‏)‏ سَجَدَ ‏(‏غَيْرُهُ‏)‏ وَهُوَ الَّذِي دَخَلَ مَعَ إمَامِهِ مِنْ أَوَّلِ صَلَاتِهِ ‏(‏بَعْدَ إيَاسِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَأْمُومِ ‏(‏مِنْ سُجُودِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ذَكَرَ قَرِيبًا فَسَجَدَ، أَوْ رُبَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ يَرَى السُّجُودَ بَعْدَ السَّلَامِ‏.‏

وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ السُّجُودُ عَنْ الْمَأْمُومِ بِتَرْكِ إمَامِهِ لَهُ، لِأَنَّ صَلَاتَهُ نَقَصَتْ بِنُقْصَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ فَلَزِمَهُ جَبْرُهَا هَذَا إنْ كَانَ الْإِمَامُ لَا يَرَى وُجُوبَهُ، أَوْ تَرَكَهُ سَهْوًا، أَوْ كَانَ مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ وإلَّا فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَتَقَدَّمَ‏:‏ تَبْطُلُ صَلَاةُ مَأْمُومٍ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامٍ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ فِي حُكْمِ سُجُودِ السَّهْوِ نَفْسِهِ، وَمَحَلِّهِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَحُكْمِ تَرْكِهِ

‏(‏وَسُجُودُ السَّهْوِ‏:‏ لِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ لِفِعْلِ شَيْءٍ، أَوْ تَرْكِهِ ‏(‏يُبْطِلُ عَمْدُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَعَمُّدُهُ الصَّلَاةَ، وَاجِبٌ كَسَلَامٍ عَنْ نَقْصٍ، وَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ، أَوْ رُكُوعٍ، أَوْ سُجُودٍ وَنَحْوِهِ، وَتَرْكِ تَسْبِيحٍ وَنَحْوِهِ، وَإِتْيَانِهِ بِبَدَلِ رَكْعَةٍ، أَوْ رُكْنٍ شَكَّ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ وَأَمَرَ بِهِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَقَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ‏{‏فَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ السَّهْوُ‏}‏ وَلَفْظَةُ ‏"‏ عَلَى ‏"‏ لِلْوُجُوبِ، وَلِأَنَّهُ جُبْرَانٌ يَقُومُ مَقَامَ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ، أَوْ تَرْكُهُ فَكَانَ وَاجِبًا، كَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ تَامَّةً كَانَتْ الرَّكْعَةُ وَالسَّجْدَتَانِ نَافِلَةً لَهُ‏}‏ فَمَعْنَاهُ‏:‏ أَنَّهُ يَقَعُ مَوْقِعَ النَّفْلِ فِي زِيَادَةِ الثَّوَابِ لَا أَنَّهُ نَافِلَةٌ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَوْضِعَ التَّنَفُّلِ بِالرَّكْعَةِ كَحَدِيثِ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا ‏{‏تَوَضَّأَ وَقَالَ‏:‏ مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَمَشْيُهُ إلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَإِنْ لَمْ يُبْطِلْ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ، كَتَرْكِ سُنَّةٍ، أَوْ إتْيَانٍ بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ لَمْ يَجِبْ السُّجُودُ لَهُ‏.‏

وَيُسَنُّ لِإِتْيَانِهِ بِقَوْلِهِ مَشْرُوعٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَيُبَاحُ لِتَرْكِ سُنَّةِ ‏(‏وَ‏)‏ سُجُودِ السَّهْوِ ‏(‏لِلَحْنٍ يُحِيلُ الْمَعْنَى،‏)‏ فِي الصُّورَةِ ‏(‏سَهْوًا، أَوْ جَهْلًا‏:‏ وَاجِبٌ‏)‏ لِأَنَّ عَمْدَهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَوَجَبَ السُّجُودُ لِسَهْوِهِ وَفِي مَعْنَاهُ‏:‏ سَبَقَ لِسَانُهُ بِتَغْيِيرِ نَظْمِ الْقُرْآنِ بِمَا هُوَ مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُحِيلُ مَعْنَاهُ، نَحْوُ ‏{‏إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}‏ ثُمَّ ‏{‏أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏‏"‏‏.‏

وَهَذَا مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ رَدًّا لِخِلَافِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِيهِ ‏(‏إلَّا إذَا تَرَكَ مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ الْوَاجِبِ ‏(‏مَا مَحَلُّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَا نُدِبَ كَوْنُهُ ‏(‏قَبْلَ السَّلَامِ‏)‏ وَيَأْتِي ‏(‏فَتَبْطُلُ‏)‏ الصَّلَاةُ ‏(‏بِتَعَمُّدِ تَرْكِهِ‏)‏ كَتَعَمُّدِهِ تَرْكَ وَاجِبٍ مِنْ الصَّلَاةِ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يُشْرَعُ ‏(‏سُجُودٌ لِسَهْوِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِتَرْكِهِ سَهْوًا، لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ فَإِنْ ذَكَرَهُ قَرِيبًا أَتَى بِهِ نَفْسَهُ، وَإِلَّا فَاتَ ‏(‏وَلَا تَبْطُلُ‏)‏ الصَّلَاةُ ‏(‏بِتَعَمُّدِ تَرْكِ‏)‏ سُجُودِ سَهْوٍ ‏(‏مَشْرُوعٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَسْنُونٍ مُطْلَقًا، كَسَائِرِ الْمَسْنُونَاتِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ يَتَنَاوَلُ الْوَاجِبَ أَيْضًا، وَلَكِنَّ الْعَطْفَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا ‏(‏وَلَا‏)‏ تَبْطُلُ أَيْضًا بِتَعَمُّدِ تَرْكِ سُجُودِ سَهْوٍ ‏(‏وَاجِبٍ مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ‏)‏ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْهَا‏.‏

فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي إبْطَالِهَا وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا لَهَا كَالْأَذَانِ، لَكَن يَأْثَمُ بِتَعَمُّدِ تَرْكِهِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ السُّجُودُ الَّذِي مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ ‏(‏مَا إذَا سَلَّمَ‏)‏ مِنْ صَلَاةٍ ‏(‏قَبْلَ إتْمَامِهَا‏)‏ لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ ‏(‏وَكَوْنُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ السُّجُودِ ‏(‏قَبْلَ السَّلَامِ، أَوْ بَعْدَهُ نُدِبَ‏)‏ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ وَرَدَتْ بِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، فَلَوْ سَجَدَ لِلْكُلِّ قَبْلَ السَّلَامِ، أَوْ بَعْدَهُ جَازَ لَكِنْ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ‏:‏ أَنَا أَقُولُ‏:‏ كُلُّ سَهْوٍ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَسْجُدُ فِيهِ بَعْدَ السَّلَامِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ فِيهِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَسَائِرُ السَّهْوِ يَسْجُدُ فِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ وَوَجْهُهُ‏:‏ أَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ فَيَقْضِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ، كَسُجُودِ صُلْبِهَا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ ‏(‏وَإِنْ نَسِيَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ السُّجُودَ وَقَدْ نُدِبَ ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّلَامُ ‏(‏قَضَاهُ‏)‏ وُجُوبًا إنْ وَجَبَ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏شُرِعَ فِي‏)‏ صَلَاةٍ ‏(‏أُخْرَى فَ‏)‏ يَقْضِيهِ ‏(‏إذَا سَلَّمَ‏)‏ مِنْهَا إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ، وَلَمْ يُحْدِثْ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ ‏(‏وَإِنْ طَالَ فَصْلٌ عُرْفًا، أَوْ أَحْدَثَ، أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَقْضِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ السُّجُودَ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ ‏(‏وَصَحَّتْ‏)‏ صَلَاتُهُ، كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ إذَا تَرَكَهَا سَهْوًا‏.‏

وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ وَقَضَاهُ لَمْ يَصِرْ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ، لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهَا حَصَلَ بِالسَّلَامِ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْعَوْدِ لِلصَّلَاةِ فَلَا تَبْطُلُ بِمُفْسِدٍ، مِنْ نَحْوِ حَدَثٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا يَجِبُ الْإِتْمَامُ عَلَى مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ إذَا نَوَاهُ فِيهِ وَلَا يَصِحُّ دُخُولُ مَسْبُوقٍ مَعَهُ فِيهِ ‏(‏وَيَكْفِي لِجَمِيعِ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ مَحَلُّهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّهْوَيْنِ، بِأَنْ كَانَ مَحَلُّ أَحَدِهِمَا قَبْلَ السَّلَامِ، كَتَرْكِ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ وَالْآخَرِ‏:‏ بَعْدَهُ كَمَا لَوْ سَلَّمَ أَيْضًا قَبْلَ تَمَامِ صَلَاتِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ قَرِيبًا وَأَتَمَّهَا‏.‏

وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا جَمَاعَةً وَالْآخَرُ مُنْفَرِدًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ‏}‏ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ السَّهْوَ فِي مَوْضِعَيْنِ فَأَكْثَرَ وَكَمَا لَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَأَمَّا حَدِيثُ ‏{‏لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، فَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ‏.‏

ثُمَّ الْمُرَادُ‏:‏ لِكُلِّ سَهْوٍ فِي صَلَاةٍ، وَالسَّهْوُ وَإِنْ كَثُرَ دَاخِلٌ فِي لَفْظِ‏:‏ السَّهْوِ، لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ، فَالتَّقْدِيرُ‏:‏ لِكُلِّ صَلَاةٍ فِيهَا سَهْوٌ سَجْدَتَانِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إذَا اجْتَمَعَ مَا مَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَمَا مَحَلُّهُ بَعْدَهُ ‏(‏يَغْلِبُ مَا قَبْلَ السَّلَامِ‏)‏ فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوَيْنِ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ وَآكَدُ، وَقَدْ وُجِدَ سَبَبُهُ وَلَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَإِذَا سَجَدَ لَهُ سَقَطَ الثَّانِي، وَإِنْ شَكَّ فِي مَحَلِّ سُجُودِهِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ ‏(‏وَمَتَى سَجَدَ بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ بَعْدَ السَّلَامِ ‏(‏جَلَسَ‏)‏ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ ‏(‏ تَشَهَّدَ وُجُوبًا التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ، ثُمَّ سَلَّمَ‏)‏ سَوَاءٌ كَانَ مَحَلُّ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ، أَوْ بَعْدَهُ، لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ، فَسَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ تَشَهَّدَ، ثُمَّ سَلَّمَ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَلِأَنَّ السُّجُودَ بَعْدَ السَّلَامِ فِي حُكْمِ الْمُسْتَقِلِّ بِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَاحْتَاجَ إلَى التَّشَهُّدِ كَمَا احْتَاجَ إلَى السَّلَامِ، إلْحَاقًا لَهُ بِمَا قَبْلَهُ، بِخِلَافِ سُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ فَلَيْسَ قَبْلَهُمَا مَا يُلْحَقَانِ بِهِ، وَبِخِلَافِ مَا قَبْلَ السَّلَامِ، فَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ بِكُلِّ وَجْهٍ وَتَابِعٌ، فَلَمْ يُفْرَدْ لَهُ تَشَهُّدٌ، كَمَا لَا يُفْرَدُ بِسَلَامٍ ‏(‏وَلَا يَتَوَرَّكُ‏)‏ إذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ بَعْدَ السُّجُودِ ‏(‏فِي‏)‏ صَلَاةٍ ‏(‏ثُنَائِيَّةٍ‏)‏ بَلْ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا، كَتَشَهُّدِ نَفْسِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَتْ ثُلَاثِيَّةً، أَوْ رُبَاعِيَّةً تَوَرَّكَ لِمَا ذُكِرَ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ سُجُودُ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ، ‏(‏وَمَا يُقَالُ فِيهِ‏)‏ مِنْ تَكْبِيرٍ، وَتَسْبِيحٍ ‏(‏وَ‏)‏ مَا يُقَالُ ‏(‏بَعْدَ رَفْعٍ‏)‏ مِنْهُ، كَرَبِّ اغْفِرْ لِي، بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ‏(‏كَسُجُودِ صُلْبٍ‏)‏ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الْأَخْبَارِ فَلَوْ كَانَ غَيْرَ الْمَعْرُوفِ لَبَيَّنَهُ‏.‏