فصل: بَابُ: صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


بَابُ‏:‏ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا

وَالتَّطَوُّعُ فِي الْأَصْلِ‏:‏ فِعْلُ الطَّاعَةِ، وَشَرْعًا، وَعُرْفًا‏:‏ طَاعَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَالنَّفَلُ، وَالنَّافِلَةُ‏:‏ الزِّيَادَةُ وَالتَّنَفُّلُ‏:‏ التَّطَوُّعُ ‏(‏صَلَاةُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ جِهَادٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ قِتَالِ كُفَّارٍ ‏(‏فَ‏)‏ بَعْدَ ‏(‏تَوَابِعِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجِهَادِ، كَالنَّفَقَةِ فِيهِ ‏(‏فَ‏)‏ بَعْدَ ‏(‏عِلْمٍ‏:‏ تَعَلُّمِهِ وَتَعْلِيمِهِ‏)‏ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ‏:‏ ‏"‏ الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ‏.‏

وَسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ لَا خَيْرَ فِيهِمْ‏"‏‏.‏

‏(‏مِنْ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَتَفْسِيرٍ ‏(‏أَفْضُلُ تَطَوُّعِ الْبَدَنِ‏)‏ خَبَرُ‏:‏ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فَأَفْضُلُ تَطَوُّعَاتِ الْبَدَنِ‏:‏ الْجِهَادُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً‏}‏، وَحَدِيثِ ‏{‏وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ‏}‏ فَالنَّفَقَةُ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ الْآيَةَ وَحَدِيثِ ‏{‏مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُتِبَتْ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، فَتَعَلُّمُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ لِحَدِيثِ ‏{‏فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ‏}‏ وَغَيْرُهُ وَالْمُرَادُ‏:‏ نَفْلُ الْعِلْمِ، وَيَتَعَيَّنُ مِنْهُ مَا يَقُومُ بِهِ دِينُهُ‏:‏ كَصَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ وَنَحْوِهِمَا، وَمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَنَقَلَ مُهَنَّا ‏{‏طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ لِمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ‏}‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ فَأَيُّ شَيْءٍ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ يَنْوِي يَتَوَاضَعُ فِيهِ‏.‏

وَيَنْفِي عَنْهُ الْجَهْلَ، وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ‏:‏ الِاعْتِنَاءُ بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالتَّحْرِيضُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ‏:‏ لَيْسَ قَوْمٌ خَيْرًا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَعَابَ عَلَى مُحَدِّثٍ لَا يَتَفَقَّهُ‏.‏

وَفِي آدَابِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ‏:‏ الْعِلْمُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، وَأَقْرَبُ الْعُلَمَاءِ إلَى اللَّهِ وَأَوْلَاهُمْ بِهِ أَكْثَرُهُمْ لَهُ خَشْيَةً، فَالصَّلَاةُ، لِلْأَخْبَارِ‏:‏ بِأَنَّهَا أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ وَخَيْرُهَا، وَمُدَاوَمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْلِهَا‏.‏

‏(‏وَنَصَّ‏)‏ أَحْمَدُ ‏(‏أَنَّ الطَّوَافَ لِغَرِيبٍ أَفْضَلُ مِنْهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّلَاةِ ‏(‏بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏)‏ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ يَفُوتُ بِمُفَارَقَتِهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَالِاشْتِغَالُ بِمَفْضُولٍ يَخُصُّ بُقْعَةً، أَوْ زَمَنًا، أَفْضُلُ مِنْ فَاضِلٍ لَا يَخْتَصُّ‏.‏

قَالَ ‏(‏الْمُنَقِّحُ‏)‏ فِي التَّنْقِيحِ ‏(‏وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ أَفْضُلُ مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الطَّوَافِ، لِحَدِيثِ ‏{‏الْحَجُّ عَرَفَةَ‏}‏ ‏(‏خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ‏)‏ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ صَاحِبَ الْفُرُوعِ، حَيْثُ قَالَ‏:‏ فَدَلَّ مَا سَبَقَ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ عِبَادَةٌ بِمُفْرَدِهِ، يُعْتَبَرُ لَهُ مَا يُعْتَبَرُ لِلصَّلَاةِ غَالِبًا‏.‏

‏(‏ثُمَّ‏)‏ أَفْضَلُ تَطَوُّعِ الْبَدَنِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ‏(‏مَا تَعَدَّى نَفْعُهُ‏)‏ مِنْ صَدَقَةٍ وَعِيَادَةِ مَرِيضٍ، وَقَضَاءِ حَاجَةِ مُسْلِمٍ وَنَحْوِهَا ‏(‏وَيَتَفَاوَتُ‏)‏ مَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ فِي الْفَضْلِ ‏(‏فَصَدَقَةٌ عَلَى قَرِيبٍ مُحْتَاجٍ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ‏)‏ أَجْنَبِيٍّ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعِتْقُ أَفْضَلُ ‏(‏مِنْهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ مِنْ صَدَقَةٍ ‏(‏عَلَى أَجْنَبِيٍّ‏)‏ لِعِظَمِ نَفْعِهِ بِتَخْلِيصِهِ مِنْ أَسْرِ الرِّقِّ ‏(‏إلَّا زَمَنَ غَلَاءٍ وَحَاجَةٍ‏)‏‏.‏

فَالصَّدَقَةُ مُطْلَقًا أَفْضَلُ مِنْهُ، لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا إذَنْ ‏(‏ثُمَّ حَجٌّ‏)‏ لِقُصُورِ نَفْعِهِ عَلَيْهِ ‏(‏فَصَوْمٌ‏)‏ وَإِضَافَةُ اللَّهِ تَعَالَى الصَّوْمَ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ أَفْضَلِيَّتَهُ، فَإِنَّ مَنْ نَوَى صِلَةَ رَحِمِهِ، وَأَنَّهُ يُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ وَيَحُجُّ، كَانَتْ نِيَّتُهُ عِبَادَةً، يُثَابُ عَلَيْهَا، وَنُطْقُهُ جَهْرًا بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ‏:‏ أَفْضَلُ إجْمَاعًا، أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْبُدْ بِهِ غَيْرَهُ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَهُوَ أَيْضًا لَا يَقْتَضِي أَفْضَلِيَّتَهُ، وَمَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ إلَى أَنَّ عَمَلَ الْقَلْبِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْجَوَارِحِ‏.‏

وَنَقَلَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ‏:‏ أَفْضَلِيَّةَ الْفِكْرِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ‏(‏وَأَفْضُلُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ ‏(‏مَا سُنَّ‏)‏ أَنْ يُصَلَّى ‏(‏جَمَاعَةً‏)‏ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْفَرَائِضِ، ثُمَّ الرَّوَاتِبِ ‏(‏وَآكُدُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ آكَدُ مَا يُسَنُّ جَمَاعَةً ‏(‏كُسُوفٌ‏)‏ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهَا، وَأَمَرَ بِهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ‏(‏فَاسْتِسْقَاءٌ‏)‏ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَسْقِي، تَارَةً وَيَتْرُكُ أُخْرَى، بِخِلَافِ الْكُسُوفِ‏.‏

فَلَمْ يَتْرُكْ صَلَاتَهُ عِنْدَهُ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ، لَكِنْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِالِاسْتِسْقَاءِ، كَحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ ‏{‏أَمَرَ بِمِنْبَرٍ، فَوُضِعَ وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ‏}‏ ‏(‏فَتَرَاوِيحُ‏)‏ لِأَنَّهَا تُسَنُّ لَهَا الْجَمَاعَةُ ‏(‏فَوِتْرٌ‏)‏ لِأَنَّهُ تُشْرَعُ لَهُ الْجَمَاعَةُ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ، وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ‏:‏ مَنْ تَرَكَ الْوِتْرَ عَمْدًا، فَهُوَ رَجُلُ سَوْءٍ، لَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ لَهُ شَهَادَةٌ ‏(‏وَلَيْسَ‏)‏ الْوِتْرُ ‏(‏بِوَاجِبٍ‏)‏ قَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ‏:‏ الْوِتْرُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْفَرْضِ، فَإِنْ شَاءَ قَضَى الْوِتْرَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْضِهِ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ ‏{‏الْوِتْرُ حَقٌّ‏}‏ وَنَحْوُهُ‏:‏ فَمَحْمُولٌ عَلَى تَأْكِيدِ اسْتِحْبَابِهِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ ‏(‏إلَّا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ فَكَانَ الْوِتْرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْأَفْضَلُ ‏(‏مِنْ‏)‏ سُنَنٍ ‏(‏رَوَاتِبَ‏)‏ تُفْعَلُ مَعَ فَرْضٍ ‏(‏سُنَّةُ فَجْرٍ‏)‏ لِقَوْلِ عَائِشَةَ ‏{‏لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏صَلُّوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد‏.‏

‏(‏وَسُنَّ تَخْفِيفُهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِلْخَبَرِ وَأَنْ يُقْرَأَ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ‏}‏، و‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏، أَوْ فِي الْأُولَى ‏{‏قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ‏}‏ الْآيَةَ، وَفِي الثَّانِيَةِ‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ‏}‏ الْآيَةَ‏"‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏اضْطِجَاعٌ بَعْدَهَا عَلَى الْجَنْبِ الْأَيْمَنِ‏)‏ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَرْضِ، نَصًّا، لِقَوْلِ عَائِشَةَ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ‏}‏‏"‏‏.‏

وَفِي رِوَايَةِ ‏{‏إنْ كُنْت مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏فَ‏)‏ يَلِي سُنَّةَ فَجْرٍ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ‏:‏ سُنَّةُ ‏(‏مَغْرِبٍ‏)‏ لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ سُئِلَ‏:‏ ‏{‏أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِصَلَاةٍ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ سِوَى الْمَكْتُوبَةِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ، بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَيَقْرَأُ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ‏:‏ ‏{‏‏"‏ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ‏}‏، و‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏‏}‏ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ بَاقِي الرَّوَاتِبِ ‏(‏سَوَاءٌ‏)‏ فِي الْفَضِيلَةِ‏.‏

‏(‏وَوَقْتُ وِتْرٍ‏:‏ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَلَوْ مَعَ‏)‏ كَوْنِ الْعِشَاءِ جُمِعَتْ مَعَ مَغْرِبٍ ‏(‏جَمْعَ تَقْدِيمٍ‏)‏ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ ‏(‏وَطُلُوعِ الْفَجْرِ‏)‏ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ‏:‏ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏زَادَنِي رَبِّي صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، وَوَقْتُهَا‏:‏ مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ‏.‏

وَلِمُسْلِمٍ ‏{‏، أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا‏}‏‏"‏‏.‏

وَحَدِيثِ ‏{‏إنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِصَلَاةٍ، وَهِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ‏}‏‏.‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْوِتْرُ ‏(‏آخِرَ اللَّيْلِ لِمَنْ يَثِقُ بِنَفْسِهِ‏)‏ أَنْ يَقُومَ ‏(‏أَفْضَلُ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ أَوَّلِهِ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

‏(‏وَأَقَلُّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوِتْرِ ‏(‏رَكْعَةٌ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ‏{‏الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ‏(‏وَلَا يُكْرَهُ‏)‏ الْوِتْرُ ‏(‏بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ بِرَكْعَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِثُبُوتِهِ أَيْضًا عَنْ عَشَرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَائِشَةُ‏.‏

‏(‏وَأَكْثَرُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوِتْرُ ‏(‏إحْدَى عَشْرَةَ‏)‏ رَكْعَةً ‏(‏يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ ثِنْتَيْنِ وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ‏)‏ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ‏{‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ‏}‏ وَفِي لَفْظٍ ‏{‏يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ‏}‏‏"‏‏.‏

وَلَهُ أَيْضًا‏:‏ أَنْ يَسْرُدَ عَشَرًا، ثُمَّ يَجْلِسَ فَيَتَشَهَّدَ، وَلَا يُسَلِّمُ ثُمَّ يَأْتِي بِالْأَخِيرَةِ، وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَالْأُولَى أَفْضَلُ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ عَمَلًا، لِزِيَادَةِ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ ‏(‏وَإِنْ، أَوْتَرَ بِتِسْعِ‏)‏ رَكَعَاتٍ ‏(‏تَشَهَّدَ بَعْدَ ثَامِنَةٍ‏)‏ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، وَلَا يُسَلِّمُ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ تَشَهَّدَ بَعْدَ ‏(‏تَاسِعَةٍ‏)‏ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ ‏(‏وَسَلَّمَ‏)‏ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَسُئِلَتْ عَنْ وِتْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ ‏{‏كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنْ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ، لَا يَجْلِسُ فِيهَا إلَّا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ، وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعنَاهُ‏}‏‏"‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ، أَوْتَرَ ‏(‏بِسَبْعِ‏)‏ رَكَعَاتٍ سَرَدَهُنَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَوْتَرَ ‏(‏بِخَمْسِ‏)‏ رَكَعَاتٍ ‏(‏سَرَدَهُنَّ‏)‏ فَلَا يَجْلِسُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صِفَةِ وِتْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى سَبْعًا، أَوْ خَمْسًا أَوْتَرَ بِهِنَّ لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ‏{‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِسَبْعٍ، وَبِخَمْسٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ وَلَا كَلَامٍ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ‏.‏

‏(‏وَأَدْنَى الْكَمَالِ‏)‏ فِي الْوِتْرِ ‏(‏ثَلَاثُ‏)‏ رَكَعَاتٍ ‏(‏بِسَلَامَيْنِ‏)‏ بِأَنْ يُصَلِّيَ ثِنْتَيْنِ وَيُسَلِّمَ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ ‏(‏وَيَجُوزُ‏)‏ أَنْ يُصَلِّيَ الثَّلَاثَ ‏(‏ب‏)‏ سَلَامٍ ‏(‏وَاحِدٍ‏)‏ قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ إنْ، أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ لَمْ يُسَلِّمْ فِيهِنَّ، لَمْ يُضَيَّقْ عَلَيْهِ عِنْدِي ‏(‏سَرْدًا‏)‏ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ عَقِبَ الثَّانِيَةِ، لِتُخَالِفَ الْمَغْرِبَ‏.‏

وَاخْتَارَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ‏:‏ أَنْ يُصَلِّيَهَا كَالْمَغْرِبِ وَعَلَى الْأَوَّلِ‏:‏ لَوْ صَلَّاهَا بِتَشَهُّدَيْنِ، فَفِي بُطْلَانِ وِتْرِهِ وَجْهَانِ صَحَّحَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ‏:‏ الْبُطْلَانَ وَقَطَعَ فِي الْإِقْنَاعِ بِالصِّحَّةِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ إمَامِهِ رَكْعَةً‏)‏ مِنْ وِتْرِهِ ‏(‏فَإِنْ كَانَ‏)‏ إمَامُهُ ‏(‏يُسَلِّمُ مِنْ ثِنْتَيْنِ‏)‏ مِنْ الْوِتْرِ كَالشَّافِعِيِّ وَالْحَنْبَلِيِّ وَالْمُرَادُ ‏(‏وَسَلَّمَ أَجْزَأَ‏)‏ الْمَأْمُومَ وِتْرُهُ لِأَنَّ أَقَلَّهُ رَكْعَةٌ وَقَدْ أَتَى بِهَا مُسْتَقِلَّةً ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ ثِنْتَيْنِ، بَلْ أَحْرَمَ بِالثَّلَاثِ، وَأَدْرَكَهُ مَأْمُومٌ فِي الثَّالِثَةِ ‏(‏قَضَى‏)‏ مَأْمُومٌ مَا فَاتَهُ كَصَلَاةِ إمَامِهِ نَصًّا، لِئَلَّا يَخْتَلِفَ عَلَى إمَامِهِ‏.‏

وَإِذَا، أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ فَإِنَّهُ ‏(‏يَقْرَأُ‏)‏ نَدْبًا ‏(‏فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ‏)‏ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏الثَّانِيَة‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ‏}‏‏)‏ ‏"‏ بَعْدَهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏الثَّالِثَةِ‏:‏ ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏‏)‏ بَعْدَهَا لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏كَانَ يَقْرَأُ بِهِنَّ فِي وِتْرِهِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد‏.‏

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى مَرْفُوعًا مِثْلُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ‏.‏

وَقَالَ إِسْحَاقُ‏:‏ ‏"‏ أَصَحُّ شَيْءٍ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْوِتْرِ‏:‏ حَدِيثُ ابْنِ أَبْزَى ‏"‏ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ‏:‏ ‏{‏فِي ضَمِّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مَعَ ‏{‏‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏ فِي الثَّالِثَةِ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ‏:‏ ضَعِيفٌ‏.‏

‏(‏وَيَقْنُتُ‏)‏ فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ وِتْرٍ ‏(‏بَعْدَ الرُّكُوعِ نَدْبًا‏)‏ لِأَنَّهُ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا ‏"‏ كَانَا يَقْنُتَانِ بَعْدَ الرُّكُوعِ ‏"‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَثْرَمُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ‏:‏ الْأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَ فِيهَا الْقُنُوتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ ثُمَّ إنَّ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ عَمِلُوا بِمَا قُلْنَاهُ، وَحَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ نُدِبَ‏.‏

فَلَوْ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ‏"‏ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ ‏(‏ثُمَّ قَنَتَ قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرُّكُوعِ ‏(‏جَازَ‏)‏ لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا ‏{‏كَانَ يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد‏.‏

وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏"‏ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ، وَكَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَنَتَ‏"‏‏.‏

‏(‏فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَى صَدْرِهِ‏)‏ حَالَ قُنُوتِهِ ‏(‏يَبْسُطُهُمَا وَبُطُونُهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ وَلَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏مَأْمُومًا‏)‏ لِحَدِيثِ سَلْمَانَ مَرْفُوعًا ‏{‏إنَّ اللَّهَ يَسْتَحْيِ أَنْ يَبْسُطَ الْعَبْدُ يَدَهُ يَسْأَلُهُ فِيهِمَا خَيْرًا فَيَرُدُّهُمَا خَائِبَتَيْنِ‏}‏ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ‏.‏

وَعَنْ مَالِكِ بْنِ يَسَارٍ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ، وَلَا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ أَحْمَدُ‏:‏ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ إلَى صَدْرِهِ بِبُطُونِهِمَا مِمَّا يَلِي السَّمَاءَ ‏(‏وَيَقُولُ جَهْرًا‏:‏ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَهْدِيكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ نَطْلُبُ مِنْكَ الْعَوْنَ وَالْهِدَايَةَ وَالْمَغْفِرَةَ ‏(‏وَنَتُوبُ‏)‏ أَيْ‏:‏ نَرْجِعُ ‏(‏إلَيْكَ وَنُؤْمِنُ‏)‏ أَيْ‏:‏ نُصَدِّقُ ‏(‏بِكَ، وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ نَعْتَمِدُ وَنُظْهِرُ عَجْزَنَا ‏(‏وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ‏)‏ أَيْ‏:‏ نِصْفُكَ بِهِ ‏(‏كُلَّهُ‏)‏ وَنَمْدَحُك‏.‏

وَالثَّنَاءُ فِي الْخَيْرِ خَاصَّةً، وَبِتَقْدِيمِ النُّونِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ‏(‏وَنَشْكُرُكَ، وَلَا نَكْفُرُكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَا نَجْحَدُ نِعْمَتَك وَنَسْتُرُهَا لِاقْتِرَانِهِ بِالشُّكْرِ ‏(‏اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ‏)‏‏.‏

قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ‏:‏ الْعِبَادَةُ أَقْصَى غَايَةِ الْخُضُوعِ وَالتَّذَلُّلِ، وَلَا يَسْتَحِقُّهَا إلَّا اللَّهُ وَقَالَ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ، وَأَبُو الْبَقَاءِ‏:‏ الْعِبَادَةُ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ اطِّرَادٍ عُرْفِيٍّ، وَلَا اقْتِضَاءٍ عَقْلِيٍّ‏.‏

وَسُمِّيَ الْعَبْدُ عَبْدًا‏:‏ لِذِلَّتِهِ وَانْقِيَادِهِ لِمَوْلَاهُ ‏(‏وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ‏)‏ لَا لِغَيْرِك ‏(‏وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ‏)‏ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ بِالدَّالِّ الْمُهْمَلَةِ، خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِهِ، أَيْ‏:‏ نُسْرِعُ وَنُبَادِرُ ‏(‏نَرْجُو‏)‏ أَيْ‏:‏ نُؤَمِّلُ ‏(‏رَحْمَتَك‏)‏ أَيْ‏:‏ سَعَةَ عَطَائِك ‏(‏وَنَخْشَى عَذَابَك‏)‏ أَيْ‏:‏ نَخَافُهُ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ‏}‏‏.‏

‏(‏إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ‏)‏ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ‏:‏ الْحَقُّ لَا اللَّعِبُ ‏(‏بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ‏)‏ بِكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْ‏:‏ لَاحِقٌ وَبِفَتْحِهَا عَلَى مَعْنَى‏:‏ أَنَّ اللَّهَ يُلْحِقُهُ الْكُفَّارَ‏.‏

قَالَ الْخَلَّالُ‏:‏ سَأَلْت ثَعْلَبًا عَنْ مُلْحَقٍ وَمُلْحِقٍ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ الْعَرَبُ تَقُولُهُمَا جَمِيعًا وَهَذَا الْقُنُوتُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى هُنَا‏:‏ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ، وَفِي أَوَّلِهِ ‏"‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏"‏ وَفِي آخِرِهِ ‏"‏ اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِك ‏"‏ وَهُمَا سُورَتَانِ‏:‏ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ‏.‏

قَالَ ابْنُ سِيرِينَ‏:‏ كَتَبَهُمَا أُبَيٍّ فِي مُصْحَفِهِ، إلَى قَوْلِهِ ‏"‏ مُلْحِقٌ ‏"‏ زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ ‏"‏ وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُك ‏"‏ ‏(‏اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْت‏)‏ أَيْ‏:‏ ثَبِّتْنَا عَلَى الْهِدَايَة، أَوْ زِدْنَا مِنْهَا وَهِيَ الدَّلَالَةِ وَالْبَيَانِ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّك لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏ وَأَمَّا قَوْلُهُ ‏{‏إنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ‏}‏ فَهِيَ مِنْ اللَّهِ التَّوْفِيقُ وَالْإِرْشَادُ ‏(‏وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْت‏)‏ مِنْ الْأَسْقَامِ وَالْبَلَاءِ‏.‏

وَالْمُعَافَاةُ‏:‏ أَنْ يُعَافِيَكَ اللَّهُ مِنْ النَّاسِ، وَيُعَافِيَهُمْ مِنْكَ ‏(‏وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْت‏)‏ الْوَلِيُّ‏:‏ ضِدُّ الْعَدُوِّ مِنْ تَلِيتُ الشَّيْءَ إذَا اعْتَنَيْتُ بِهِ، كَمَا يَنْظُرُ الْوَلِيُّ حَالَ الْيَتِيمِ لِأَنَّ اللَّهَ يَنْظُرُ فِي أَمْرِ وَلِيِّهِ بِالْعِنَايَةِ‏.‏

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلَيْت الشَّيْءَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ وَاسِطَة، بِمَعْنَى أَنَّ الْوَلِيَّ يَقْطَعُ الْوَسَائِطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَصِيرَ فِي مَقَامِ الْمُرَاقَبَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَهُوَ مَقَامُ الْإِحْسَانِ ‏(‏وَبَارِكْ لَنَا‏)‏ الْبَرَكَةُ الزِّيَادَةُ، أَوْ حُلُولُ الْخَيْرِ الْإِلَهِيّ فِي الشَّيْءِ ‏(‏فِيمَا أَعْطَيْت‏)‏ أَيْ‏:‏ أَنْعَمْت بِهِ وَالْعَطِيَّةُ الْهِبَةُ‏.‏

‏(‏وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْت إنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك‏)‏ لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ‏(‏إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْت تَبَارَكْت رَبَّنَا وَتَعَالَيْت‏)‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ لَهُ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ أَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ‏.‏

قَالَ ‏{‏عَلَّمَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ‏:‏ اللَّهُمَّ اهْدِنِي - إلَى - وَتَعَالَيْتَ‏}‏ وَلَيْسَ فِيهِ ‏{‏وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ‏}‏ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَثْبَتَهَا فِيهِ، وَجَمَعَ، وَالرِّوَايَةُ بِالْإِفْرَادِ لِيُشَارِكَ الْإِمَامَ الْمَأْمُومُ فِي الدُّعَاءِ ‏(‏اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَبِعَفْوِك مِنْ عُقُوبَتِك، وَبِك مِنْك‏)‏ أَظْهَرَ الْعَجْزَ وَالِانْقِطَاعَ وَفَزِعَ إلَيْهِ مِنْهُ فَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْهُ‏.‏

‏(‏لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك‏)‏ أَيْ‏:‏ لَا نُطِيقُهُ ‏(‏أَنْتَ كَمَا أَثَنَيْت عَلَى نَفْسِك‏)‏ اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ عَنْ الثَّنَاءِ، وَرَدٌّ إلَى الْمُحِيطِ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، رَوَى الْخَمْسَةُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ ‏{‏اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِك، وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك‏}‏ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ‏.‏

قَالَ التِّرْمِذِيُّ‏:‏ لَا نَعْرِفُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُنُوتِ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ مَا شَاءَ مِمَّا يَجُوزُ بِهِ الدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ‏.‏

قَالَ الْمَجْدُ‏:‏ فَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ ‏"‏ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ بِقَدْرِ مِائَةِ آيَةٍ ‏"‏ ‏(‏ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ لِحَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ السَّابِقِ وَفِي آخِرِهِ ‏"‏ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ‏"‏ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ‏.‏

وَعَنْ عُمَرَ ‏"‏ الدُّعَاءُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّك ‏"‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ‏.‏

‏(‏وَيُؤَمِّنُ مَأْمُومٌ‏)‏ عَلَى قُنُوتِ إمَامِهِ إنْ سَمِعَهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏(‏وَيُفْرِدُ مُنْفَرِدٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ مُصَلٍّ وَحْدَهُ ‏(‏الضَّمِيرَ‏)‏ فَيَقُولُ‏:‏ إنِّي أَسْتَعِيذُك، اللَّهُمَّ اهْدِنِي إلَى آخِرِهِ، وَيَجْهَرُ بِهِ نَصًّا ‏(‏ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ هُنَا‏)‏ أَيْ‏:‏ عَقِبَ الْقُنُوتِ ‏(‏وَخَارِجَ الصَّلَاةِ‏)‏ إذَا دَعَا، لِعُمُومِ حَدِيثِ عُمَرَ ‏{‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ‏.‏

وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏فَإِذَا فَرَغْت فَامْسَحْ بِهِمَا وَجْهَك‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ‏{‏وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا أَرَادَ السُّجُودَ‏}‏ نَصًّا لِأَنَّ الْقُنُوتَ مَقْصُودٌ فِي الْقِيَامِ فَهُوَ كَالْقِرَاءَةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي‏.‏

‏(‏وَكُرِهَ قُنُوتٌ فِي غَيْرِ وِتْرٍ‏)‏ حَتَّى فَجْرٍ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ لِحَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ قُلْت لِأَبِي‏:‏ ‏(‏يَا أَبَتِ إنَّكَ قَدْ صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، هَهُنَا بِالْكُوفَةِ، نَحْوَ خَمْسِ سِنِينَ، أَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَيْ‏:‏ بُنَيَّ مُحْدَثٌ‏)‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ‏.‏

قَالَ التِّرْمِذِيُّ‏:‏ حَسَنٌ صَحِيح وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ‏.‏

وَعَنْ أَنَسٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُهُ مَرْفُوعًا، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ ‏(‏أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْت ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ إنَّ الْقُنُوتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ بِدْعَةٌ‏)‏ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ ‏{‏مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ‏:‏ فَفِيهِ مَقَالٌ، وَيُحْتَمَلُ‏:‏ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ‏:‏ طُولَ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى قُنُوتًا‏.‏

‏(‏إلَّا إنْ تَنْزِلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ شِدَّةٌ مِنْ الشَّدَائِدِ ‏(‏فَيُسَنُّ لِإِمَامِ الْوَقْتِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ‏(‏خَاصَّةً‏)‏ الْقُنُوتُ ‏(‏فِيمَا عَدَا الْجُمُعَةَ‏)‏ مِنْ الصَّلَوَاتِ لِرَفْعِ تِلْكَ النَّازِلَةِ وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَيَكْفِي الدُّعَاءُ فِي الْخُطْبَةِ ‏(‏وَيُجْهَرُ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقُنُوتُ لِلنَّازِلَةِ ‏(‏فِي‏)‏ صَلَاةٍ ‏(‏جَهْرِيَّةٍ‏)‏ كَالْقِرَاءَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ، لَا يَقْنُتُ لِرَفْعِ الْوَبَاءِ فِي الْأَظْهَرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْقُنُوتُ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِلْأَخْيَارِ، وَلَا يُسْأَلُ رَفْعُهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ ائْتَمَّ‏)‏ وَهُوَ لَا يَرَى الْقُنُوتَ فِي فَجْرٍ ‏(‏بِقَانِتٍ فِي فَجْرٍ‏.‏

تَابَعَ‏)‏ إمَامَهُ لِحَدِيثِ ‏{‏إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ‏}‏ ‏(‏وَأَمَّنَ‏)‏ عَلَى دُعَاءِ إمَامِهِ، كَمَا لَوْ قَنَتَ لِنَازِلَةٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَالصُّبْحِ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ، إذَا قَالَ‏:‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ؛ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ‏}‏‏.‏

رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ‏:‏ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَيُسْتَحَبُّ إذَا فَرَغَ مِنْ وِتْرِهِ قَوْلَهُ‏:‏ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثًا، وَيَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ فِي الثَّالِثَةِ، لِلْخَبَرِ ‏(‏وَالرَّوَاتِبُ الْمُؤَكَّدَةُ‏)‏ يُكْرَهُ تَرْكُهَا وَتَسْقُطُ عَدَالَةُ مُدَاوَمَةٍ‏.‏

وَيَجُوزُ لِزَوْجَةٍ وَأَجِيرٍ وَوَلَدٍ وَعَبْدٍ فِعْلُهَا مَعَ الْفَرْضِ وَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُمْ ‏(‏عَشْرُ رَكَعَاتٍ‏:‏ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ‏{‏حَفِظْت عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ‏:‏ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ‏.‏

وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ، وَكَانَتْ سَاعَةً لَا يَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا أَحَدٌ، حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ‏:‏ أَنَّهُ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، وَطَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ،‏}‏‏.‏

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِثْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا وَقَالَ‏:‏ صَحِيحٌ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ آكَدُ الرَّوَاتِبِ ‏(‏فَيُخَيَّرُ فِي‏)‏ فِعْلِ ‏(‏مَا عَدَاهُمَا وَ‏)‏ فِيمَا ‏(‏عَدَا وِتْرٍ سَفَرًا‏)‏ فَإِنْ شَاءَ فَعَلَهُ، أَوْ تَرَكَهُ لِمَشَقَّةِ السَّفَرِ، فَأَمَّا رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَيُحَافِظُ عَلَيْهِمَا حَضَرًا وَسَفَرًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا ‏{‏كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى رَاحِلَتِهِ قِبَلَ أَيِّ وِجْهَةٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَسُنَّ قَضَاءُ كُلٍّ‏)‏ مِنْ الرَّوَاتِبِ، ‏"‏ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مَعَ الْفَجْرِ حِينَ نَامَ عَنْهُمَا، وَقَضَى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ ‏"‏ وَقِيسَ الْبَاقِي‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ أَيْضًا قَضَاءُ ‏(‏وِتْرٍ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ نَامَ عَنْ الْوِتْرِ، أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إذَا أَصْبَحَ، أَوْ ذَكَرَهُ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ‏.‏

‏(‏إلَّا مَا فَاتَ‏)‏ مِنْ رَوَاتِبَ ‏(‏مَعَ فَرْضِهِ وَكَثُرَ فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ‏)‏ لِحُصُولِ الْمَشَقَّةِ بِهِ ‏(‏إلَّا سُنَّةَ فَجْرٍ‏)‏ فَيَقْضِيهَا مُطْلَقًا لِتَأَكُّدِهَا ‏(‏وَسُنَّةُ فَجْرٍ، وَ‏)‏ سُنَّةُ ‏(‏ظُهْرٍ الْأَوْلَى بَعْدَهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ ‏(‏قَضَاءً‏)‏ لِأَنَّ السُّنَّةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَقْتُهَا مِنْ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ إلَى فِعْلِ تِلْكَ الصَّلَاةِ فَإِذَا فُعِلَتْ بَعْدَهَا كَانَتْ قَضَاءً وَأَمَّا السُّنَّةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَوَقْتُهَا‏:‏ مِنْ فِعْلِ تِلْكَ الصَّلَاةِ إلَى خُرُوجِ وَقْتِهَا‏.‏

‏(‏وَالسُّنَنُ غَيْرُ الرَّوَاتِبِ عِشْرُونَ‏)‏ رَكْعَةً ‏(‏أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ‏:‏ وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ‏)‏ لِحَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ‏}‏ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ‏.‏

وَحَدِيثِ عَلِيٍّ فِي صِفَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ فِيهِ ‏{‏أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِنَّ بِسُوءٍ عَدَلْنَ لَهُ بِعِبَادَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سُنَّةً‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ‏:‏ عَمْرُو بْنُ أَبِي خَثْعَمَ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ‏.‏

وَعَنْ عَائِشَةَ ‏{‏مَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ قَطُّ إلَّا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد‏.‏

‏(‏وَيُبَاحُ اثْنَتَانِ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ‏)‏ قَبْلَ صَلَاتِهَا لِحَدِيثِ أَنَسٍ ‏{‏كُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ‏}‏‏"‏‏.‏

قَالَ الْمُخْتَارُ بْنُ فُلْفُلٍ‏:‏ فَقُلْت لَهُ ‏"‏ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهُمَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا ‏"‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏(‏وَ‏)‏ يُبَاحُ أَيْضًا رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْوِتْرِ ‏(‏جَالِسًا‏)‏‏.‏

قَالَ الْأَثْرَمُ‏:‏ سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَرْجُو إنْ فَعَلَهُ إنْسَانٌ أَلَّا يُضَيَّقَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يَكُونُ وَهُوَ جَالِسٌ كَمَا جَاءَ الْحَدِيثُ قُلْت‏:‏ تَفْعَلُهُ أَنْتَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا مَا أَفْعَلُهُ أَيْ‏:‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ أَكْثَرُ الْوَاصِفِينَ لِتَهَجُّدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

‏(‏وَفِعْلُ‏)‏ السُّنَنِ ‏(‏الْكُلِّ‏)‏ الرَّوَاتِبِ وَالْوِتْرِ وَغَيْرِهَا ‏(‏بِبَيْتٍ أَفْضَلُ‏)‏ مِنْ فِعْلِهَا بِالْمَسْجِدِ لِحَدِيثِ ‏{‏عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَكِنْ مَا شُرِعَ لَهُ الْجَمَاعَةُ مُسْتَثْنًى أَيْضًا وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى نَفْلُ الْمُعْتَكِفِ‏.‏

‏(‏وَسُنَّ فَصْلٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَسُنَّتِهِ‏)‏ قَبْلِيَّةُ كَانَتْ، أَوْ بَعْدِيَّةً ‏(‏بِقِيَامٍ، أَوْ كَلَامٍ‏)‏ لِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ ‏{‏إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرْنَا أَنْ لَا نُوصِلَ صَلَاةً، حَتَّى نَتَكَلَّمَ، أَوْ نَخْرُجَ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

‏(‏وَتُجْزِئُ سُنَّةُ‏)‏ صَلَاةٍ ‏(‏عَنْ تَحِيَّةِ مَسْجِدٍ‏)‏ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا أَنْ يَبْدَأَ الدَّاخِلُ بِالصَّلَاةِ، وَقَدْ وُجِدَ ‏(‏وَلَا عَكْسَ‏)‏ فَلَا تُجْزِئُ تَحِيَّةٌ عَنْ سُنَّةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا ‏{‏وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى‏}‏‏"‏‏.‏

‏(‏وَإِنْ نَوَى بِرَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ وَالسُّنَّةَ‏)‏ حَصَلَا لِأَنَّهُ نَوَاهُمَا ‏(‏أَوْ‏)‏ نَوَى بِصَلَاةٍ التَّحِيَّةَ ‏(‏وَالْفَرْضَ، حَصَلَا‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّحِيَّةُ وَمَا نَوَاهُ مَعَهَا أَمَّا التَّحِيَّةُ فَلِبَدْئِهِ بِالصَّلَاةِ مَعَ نِيَّتِهَا وَأَمَّا مَا نَوَاهُ مَعَهَا، فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْدَحُ فِي صِحَّتِهِ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ يَنْوِي الْجَنَابَةَ وَالْجُمُعَةَ وَلَا تَحْصُلُ تَحِيَّةٌ بِرَكْعَةٍ، وَلَا بِصَلَاةِ جَنَازَةٍ، وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ‏.‏

‏(‏وَالتَّرَاوِيحُ‏)‏ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ أَرْبَعًا وَيَتَرَوَّحُونَ سَاعَةً، أَيْ‏:‏ يَسْتَرِيحُونَ وَهِيَ ‏(‏عِشْرُونَ رَكْعَةً بِرَمَضَانَ جَمَاعَةً‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً‏}‏ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي الشَّافِي بِإِسْنَادِهِ‏.‏

وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ‏"‏ كَانَ النَّاسُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَقُومُونَ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً ‏"‏ رَوَاهُ مَالِكٌ وَلَعَلَّ مَنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَهُ زِيَادَةَ تَطَوُّعٍ‏.‏

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا لَيَالِيَ فَصَلَّوْهَا مَعَهُ، ثُمَّ تَأَخَّرَ وَصَلَّاهَا فِي بَيْتِهِ بَاقِيَ الشَّهْرِ وَقَالَ‏:‏ إنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا‏}‏‏"‏‏.‏

وَفِي الْبُخَارِيِّ ‏"‏ أَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَصَلَّى بِهِمْ التَّرَاوِيحَ ‏"‏ ‏(‏يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ اثْنَتَيْنِ، بِنِيَّةِ أَوَّلَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى‏}‏ فَيَنْوِي أَنَّهُمَا مِنْ التَّرَاوِيحِ أَوْ مِنْ قِيَامِ رَمَضَانَ ‏(‏وَيُسْتَرَاحُ بَيْنَ‏)‏ أَيْ‏:‏ بَعْدَ ‏(‏كُلِّ أَرْبَعِ‏)‏ رَكَعَاتٍ، بِلَا دُعَاءٍ إذَنْ‏.‏

وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ أُسْبُوعًا وَيُصَلُّونَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ‏(‏وَلَا بَأْسَ‏)‏ بِدُعَائِهِ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ وَلَا ‏(‏بِزِيَادَةٍ‏)‏ عَلَى الْعِشْرِينَ نَصًّا، وَقَالَ‏:‏ رُوِيَ فِي هَذَا أَلْوَانٌ وَلَمْ يُقْضَ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ‏:‏ رَأَيْت أَبِي يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ مَا لَا أُحْصِي‏.‏

‏(‏وَوَقْتُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّرَاوِيحِ ‏(‏بَيْنَ سُنَّةِ عِشَاءٍ وَوِتْرٍ‏)‏ لِأَنَّ سُنَّةَ الْعِشَاءِ يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْمُخْتَار، فَإِتْبَاعُهَا بِهَا أَوْلَى وَأَشْبَهُ، وَالتَّرَاوِيحُ لَا يُكْرَهُ مَدُّهَا وَتَأْخِيرُهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، فَهِيَ بِالْوِتْرِ أَشْبَهُ فَلَا تَصِحُّ قَبْلَ الْعِشَاءِ فَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالتَّرَاوِيحَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْ الْعِشَاءِ مَا يُبْطِلُهَا أَعَادَ التَّرَاوِيحَ، وَلَهُ فِعْلُهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ سُنَّتِهَا لَكِنَّ الْأَفْضَلَ بَعْدَهَا أَيْضًا، لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ التَّرَاوِيحُ ‏(‏بِمَسْجِدٍ‏)‏ أَفْضَلُ مِنْهَا بِبَيْتٍ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَةً، كَمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ، وَمَرَّةً ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَفَرِّقَةٍ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ‏}‏ وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَفْعَلُونَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْزَاعًا فِي جَمَاعَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي عَهْدِهِ عَنْ عِلْمٍ مِنْهُ بِذَلِكَ، وَإِقْرَارٍ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ، وَقَدْ أُمِنَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ فِعْلُهَا ‏(‏أَوَّلَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ‏)‏ لِظَاهِرِ مَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَ‏)‏ السُّنَّةُ أَنْ ‏(‏يُوتِرَ بَعْدَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّرَاوِيحِ ‏(‏فِي جَمَاعَةٍ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَهْلَهُ وَأَصْحَابَهُ وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يُوتِرَ ‏(‏وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ لَهُ تَهَجُّدٌ، أَنْ يُوتِرَ بَعْدَهُ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَحَبَّ مُتَابَعَةَ إمَامِهِ قَامَ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ مِنْ وِتْرِهِ، فَشَفَعَهَا بِأُخْرَى ثُمَّ يُوتِرُ بَعْدَ تَهَجُّدِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ، أَوْتَرَ‏)‏ وَحْدَهُ، أَوْ مَعَ الْإِمَامِ ‏(‏ثُمَّ أَرَادَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّهَجُّدَ ‏(‏لَمْ يَنْقُضْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَمْ يَشْفَعْ وِتْرَهُ بِوَاحِدَةٍ ‏(‏وَصَلَّى‏)‏ تَهَجُّدَهُ ‏(‏وَلَمْ يُوتِرْ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد‏.‏

وَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْوِتْرِ رَكْعَتَيْنِ‏}‏ ‏"‏ وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ الَّذِي يَنْقُضُ وِتْرَهُ، فَقَالَتْ‏:‏ ذَاكَ الَّذِي يَلْعَبُ بِوِتْرِهِ ‏"‏ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَغَيْرُهُ‏.‏

‏(‏وَالتَّهَجُّدُ‏)‏ الصَّلَاةُ ‏(‏بَعْدَ نَوْمٍ‏)‏ لَيْلًا ‏(‏وَالنَّاشِئَةُ‏:‏ مَا‏)‏ صَلَّى ‏(‏بَعْدَ رَقْدَةٍ‏)‏ قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ النَّاشِئَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ رَقْدَةٍ، وَمَنْ لَمْ يَرْقُدْ فَلَا نَاشِئَةَ لَهُ، وَهِيَ أَشَدُّ وَطْئًا‏:‏ أَيْ‏:‏ تَثَبُّتًا، تَفْهَمُ مَا تَقْرَأُ، وَتَعِي أُذُنُكَ‏.‏

‏(‏وَكُرِهَ تَطَوُّعٌ بَيْنَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّرَاوِيحُ لِأَنَّهَا رَغْبَةٌ عَنْ إمَامِهِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ‏:‏ عُبَادَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَذُكِرَ لِأَحْمَدَ فِيهِ رُخْصَةٌ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏طَوَافٌ‏)‏ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَظَاهِرُهُ‏:‏ وَلَا سُنَّةٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا يُكْرَهُ أَيْضًا ‏(‏تَعْقِيبٌ، وَهُوَ صَلَاتُهُ بَعْدَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّرَاوِيحِ ‏(‏وَبَعْدَ وِتْرٍ جَمَاعَةً‏)‏ نَصًّا وَلَوْ رَجَعُوا إلَيْهِ قَبْلَ النَّوْمِ، أَوْ لَمْ يُؤَخِّرُوهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ لِقَوْلِ أَنَسٍ ‏"‏ لَا تَرْجِعُونَ إلَّا لِخَيْرٍ تَرْجُونَهُ ‏"‏ وَلِأَنَّهُ خَيْرٌ وَطَاعَةٌ‏.‏

وَلَا يُسْتَحَبُّ لِإِمَامٍ زِيَادَةٌ عَلَى خَتْمَةٍ فِي تَرَاوِيحَ إلَّا أَنْ يُوتِرُوهَا وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يُنْقِصُوا عَنْ خَتْمَةٍ لِيَحُوزُوا فَضْلَهَا، وَيَفْتَتِحُهَا أَوَّلَ لَيْلَةٍ بِسُورَةِ الْقَلَمِ‏:‏ فَإِنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ ثُمَّ يَسْجُدُ، ثُمَّ يَقُومُ، فَيَقْرَأُ مِنْ الْبَقَرَةِ نَصًّا وَلَعَلَّهُ بَلَغَهُ فِيهِ أَثَرٌ وَيَجْعَلُ خَاتِمَةَ الْقُرْآنِ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ وَيَدْعُو عَقِبَهَا قَبْلَ رُكُوعِهِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيُطِيلُ نَصًّا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏في صلاة الليل‏]‏

وَصَلَاةُ اللَّيْلِ أَيْ‏:‏ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ فِيهِ ‏(‏أَفْضَلُ‏)‏ مِنْ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ بِالنَّهَارِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ‏:‏ صَلَاةُ اللَّيْلِ‏}‏ وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ الْغَفْلَةِ وَعَمَلُ السِّرِّ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْعَلَانِيَةِ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهَا ‏(‏وَنِصْفُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ اللَّيْلِ ‏(‏الْأَخِيرُ‏:‏ أَفْضَلُ مِنْ‏)‏ نِصْفِهِ ‏(‏الْأَوَّلِ‏)‏ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ ‏{‏يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، إذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ، أَوْ ثُلُثَاهُ إلَخْ‏}‏ قَالَ ابْن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ‏:‏ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النُّزُولُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِيِ هَكَذَا‏.‏

وَفِي بَعْضِهَا هَكَذَا ‏(‏وَ‏)‏ نِصْفُهُ الْأَخِيرُ‏:‏ أَفْضَلُ ‏(‏مِنْ الثُّلُثِ الْأَوْسَطِ‏)‏ لِلْخَبَرِ ‏(‏وَالثُّلُثُ بَعْدَ النِّصْفِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الَّذِي يَلِي النِّصْفَ الْأَوَّلَ ‏(‏أَفْضَلُ مُطْلَقًا‏)‏ نَصًّا لِحَدِيثِ ‏{‏أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ دَاوُد كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ‏}‏‏"‏‏.‏

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صِفَةِ تَهَجُّدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَنَّهُ نَامَ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَوَصَفَ تَهَجُّدَهُ وَقَالَ‏:‏ ثُمَّ، أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ‏}‏‏.‏

‏(‏وَسُنَّ قِيَامُ اللَّيْلِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ لَكُمْ إلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ‏.‏

وَمَنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ‏}‏ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَقَالَ‏:‏ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏افْتِتَاحُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ قِيَامُ اللَّيْلِ ‏(‏بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَمُسْلِمٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏نِيَّتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ قِيَامِ اللَّيْلِ ‏(‏عِنْدَ‏)‏ إرَادَةِ ‏(‏النَّوْمِ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ نَامَ وَنِيَّتُهُ أَنْ يَقُومَ، كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ‏}‏ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ‏.‏

‏(‏وَكَانَ‏)‏ قِيَامُ اللَّيْلِ ‏(‏وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُمْ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا‏}‏ الْآيَةَ ‏"‏ ‏(‏وَلَمْ يُنْسَخْ‏)‏ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ وَقَطَعَ فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ‏:‏ بِنَسْخِهِ‏.‏

وَهَلْ الْوِتْرُ قِيَامُ اللَّيْلِ، أَوْ غَيْرُهُ‏؟‏ احْتِمَالَانِ الْأَظْهَرُ‏:‏ الثَّانِي قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ‏.‏

‏(‏وَوَقْتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَقْتُ قِيَامِ اللَّيْلِ ‏(‏مِنْ الْغُرُوبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ‏)‏ الثَّانِي قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ قِيَامُ اللَّيْلِ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ‏.‏

‏(‏وَتُكْرَهُ مُدَاوَمَتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ قِيَامُ اللَّيْلِ ‏{‏لِقَوْلِهِ‏:‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّك تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ‏؟‏ قُلْت‏:‏ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ‏:‏ فَلَا تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ‏.‏

فَإِنَّ لِجَسَدِك عَلَيْك حَقًّا وَلِزَوْجِك عَلَيْك حَقًّا‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَحَمَلَهُ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ عَلَى مُدَاوَمَةِ قِيَامِهِ كُلِّهِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ كَلَامَهُ فِي الْحَاشِيَةِ‏.‏

‏(‏وَلَا يَقُومُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ اللَّيْلَ ‏(‏كُلَّهُ‏)‏ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ‏"‏ مَا عَلِمْتُ ‏{‏النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ‏}‏ وَظَاهِرُهُ حَتَّى لَيَالِي الْعَشْرِ وَاسْتَحَبَّهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَالَ‏:‏ قِيَامُ بَعْضِ اللَّيَالِي كُلِّهَا مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ ‏(‏إلَّا لَيْلَةَ عِيدِ‏)‏ فِطْرٍ وَأَضْحَى وَفِي مَعْنَاهَا‏:‏ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لِلْخَبَرِ ‏(‏وَصَلَاةُ لَيْلٍ وَنَهَارٍ مَثْنَى‏)‏ أَيْ‏:‏ يُسَلِّمُ فِيهَا مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا ‏{‏صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى‏}‏ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ‏.‏

وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ ‏{‏صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَقَعَ جَوَابًا لِسُؤَالِ سَائِلٍ عَيَّنَهُ فِي سُؤَالِهِ وَلَا النُّصُوصُ بِمُطْلَقِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّهَا لَا تَنْفِي فَضْلَ الْفَصْلِ بِالسَّلَامِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ تَطَوَّعَ نَهَارًا بِأَرْبَعٍ فَلَا بَأْسَ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا ‏{‏كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَوْنُ الْأَرْبَعِ ‏(‏بِتَشَهُّدَيْنِ‏)‏ كَالظُّهْرِ ‏(‏أَوْلَى‏)‏ مِنْ كَوْنِهَا سَرْدًا لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا ‏(‏وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ‏)‏ مِنْ أَرْبَعٍ تَطَوُّعًا نَهَارًا ‏(‏مَعَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً‏)‏ كَسَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ زَادَ عَلَى أَرْبَعِ‏)‏ رَكَعَاتٍ ‏(‏نَهَارًا‏)‏ صَحَّ وَكُرِهَ ‏(‏أَوْ‏)‏ زَادَ عَلَى ‏(‏ثِنْتَيْنِ لَيْلًا، وَلَوْ جَاوَزَ ثَمَانِيًا‏)‏ نَهَارًا، أَوْ لَيْلًا ‏(‏بِسَلَامٍ وَاحِدٍ صَحَّ‏)‏ ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏صَلَّى الْوِتْرَ خَمْسًا، وَسَبْعًا، وَتِسْعًا بِسَلَامٍ وَاحِدٍ‏}‏ وَهُوَ تَطَوُّعٌ فَأُلْحِقَ بِهِ سَائِرُ التَّطَوُّعَاتِ‏.‏

وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ مَرْفُوعًا ‏{‏صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُنَّ‏}‏ وَلَا يُنَافِيهِ مَا رُوِيَ عَنْهَا أَيْضًا ‏{‏أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ‏}‏ لِإِمْكَانِ التَّعَدُّدِ ‏(‏وَكُرِهَ‏)‏ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ قُلْت‏:‏ إلَّا فِي الْوِتْرِ وَالضُّحَى، لِوُرُودِهِ ‏(‏وَيَصِحُّ تَطَوُّعٌ بِرَكْعَةٍ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَثَلَاثٍ وَخَمْسٍ، قِيَاسًا عَلَى الْوِتْرِ وَفِي الْإِقْنَاعِ‏:‏ مَعَ الْكَرَاهَةِ‏.‏

‏(‏وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مُضْطَجِعٍ غَيْرِ مَعْذُورٍ‏)‏ وَلَوْ نَفْلًا لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَدَلَّتْ النُّصُوصُ عَلَى افْتِرَاضِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ عَنْهُمَا مَعَ عَدَمِ الْمُخَصِّصِ‏.‏

‏(‏وَأَجْرُ‏)‏ صَلَاةِ ‏(‏قَاعِدٍ عَلَى نِصْفِ‏)‏ أَجْرِ ‏(‏صَلَاةِ قَائِمٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ‏.‏

وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ أَجْرُ نِصْفِ الْقَائِمِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏(‏إلَّا الْمَعْذُورَ‏)‏ فَأَجْرُهُ قَاعِدًا كَأَجْرِهِ قَائِمًا لِلْعُذْرِ‏.‏

‏(‏وَسُنَّ تَرَبُّعُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُصَلِّي جَالِسًا لِعُذْرٍ، أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏بِمَحَلِّ قِيَامٍ‏)‏ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ‏{‏رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا‏}‏ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ‏:‏ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ لَهُ أَيْضًا ‏(‏ثَنْيُ رِجْلَيْهِ بِرُكُوعٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ حَالَ رُكُوعِهِ ‏(‏وَسُجُودٍ‏)‏‏.‏

رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الرُّكُوعِ، إنْ شَاءَ مِنْ قِيَامٍ، وَإِنْ شَاءَ مِنْ قُعُودٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ ‏(‏وَكَثْرَتُهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ‏(‏أَفْضَلُ مِنْ طُولِ قِيَامٍ‏)‏ فِي غَيْرِ مَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْوِيلُهُ، كَصَلَاةِ كُسُوفٍ لِحَدِيثِ ‏{‏أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ‏}‏ وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاسْتِكْثَارِ مِنْ السُّجُودِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ وَلِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ أَفْضَلُ وَآكَدُ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، وَلَا يُبَاحُ بِحَالٍ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْقِيَامِ، وَالتَّطَوُّعُ سِرًّا أَفْضَلُ وَلَا بَأْسَ بِالْجَمَاعَةِ فِيهِ‏.‏

قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ‏:‏ إلَّا أَنْ يُتَّخَذَ عَادَةً وَسُنَّةً‏.‏

‏(‏وَتُسَنُّ صَلَاةُ الضُّحَى‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَغَيْرِهِمَا ‏(‏غِبًّا‏)‏ بِأَنْ يُصَلِّيَهَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ دُونَ بَعْضٍ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى، حَتَّى نَقُولَ‏:‏ لَا يَدَعُهَا‏.‏

وَيَدَعُهَا حَتَّى نَقُولَ‏:‏ لَا يُصَلِّيهَا‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ‏:‏ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَلِأَنَّهَا دُونَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ، فَلَا تُشَبَّهُ بِهِمَا‏.‏

‏(‏وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا دُونَهُمَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏{‏وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى‏}‏ وَصَلَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَسِتًّا كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ ‏(‏وَأَكْثَرُهَا ثَمَانٍ‏)‏ لِحَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى‏}‏ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ‏.‏

‏(‏وَوَقْتُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ صَلَاةُ الضُّحَى ‏(‏مِنْ خُرُوج وَقْتِ النَّهْيِ، أَيْ‏:‏ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَدْرَ رُمْحٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏قَالَ اللَّهُ‏:‏ ابْنَ آدَمَ ارْكَعْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، أَكْفِك آخِرَهُ‏}‏ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ ‏(‏إلَى قُبَيْلَ الزَّوَالِ‏)‏ أَيْ‏:‏ إلَى دُخُولِ وَقْتِ النَّهْيِ بِقِيَامِ الشَّمْسِ ‏(‏وَأَفْضُلُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَقْتُ صَلَاةِ الضُّحَى ‏(‏إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ‏:‏ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تُسَنُّ ‏(‏صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ، وَلَوْ فِي خَيْرٍ‏)‏ كَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ ‏(‏وَيُبَادِرُ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْخَيْرِ ‏(‏بَعْدَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الِاسْتِخَارَةِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ ‏{‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ‏.‏

يَقُولُ‏:‏ إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ‏.‏

ثُمَّ لِيَقُلْ‏:‏ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِك، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِك، وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَيَسِّرْهُ لِي وَبَارِكْ لِي فِيهِ‏.‏

وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي، وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ‏:‏ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَقَدِّرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثَمَّ أَرْضِنِي بِهِ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ‏}‏‏.‏ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِيهِ‏:‏ ‏(‏ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ‏)‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تُسَنُّ ‏(‏صَلَاةُ الْحَاجَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ‏)‏ إلَى ‏(‏آدَمِيٍّ‏)‏ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ إلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنْ الْوُضُوءَ ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لِيُثْنِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لِيَقُلْ‏:‏ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَسْأَلُك مُوجِبَاتِ رَحْمَتِك، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِك، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ، لَا تَدَعَ لِي ذَنْبًا إلَّا غَفْرَتَهُ‏.‏

وَلَا هَمًّا إلَّا فَرَّجْته، وَلَا حَاجَةً هِيَ لَك رِضًا إلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ‏}‏‏.‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ‏:‏ غَرِيبٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تُسَنُّ ‏(‏صَلَاةُ التَّوْبَةِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا غُفِرَ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ ‏{‏‏"‏ وَاَلَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً، أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ‏}‏ إلَى آخِرِ الْآيَةِ‏}‏‏.‏

رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَفِي إسْنَادِهِ، مَقَالٌ ‏(‏وَ‏)‏ تُسَنُّ الصَّلَاةُ ‏(‏عَقِبَ الْوُضُوءِ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ‏:‏ يَا بِلَالُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي سَمِعْت دُفَّ نَعْلَيْك بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ‏:‏ مَا عَمِلْت عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي‏:‏ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ إلَّا صَلَّيْت بِذَلِكَ الطَّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ فِ ‏(‏لِكُلٍّ‏)‏ مِنْ الِاسْتِخَارَةِ وَالْحَاجَةِ وَالتَّوْبَةِ وَعَقِبِ الْوُضُوءِ ‏(‏رَكْعَتَانِ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ تُسَنُّ ‏(‏صَلَاةُ التَّسْبِيحِ‏)‏ لِقَوْلِ أَحْمَدَ‏:‏ مَا تُعْجِبُنِي قِيلَ‏:‏ لِمَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يَصِحُّ، وَنَفَضَ يَدَهُ كَالْمُنْكِرِ وَقَالَ الْمُوَفَّقُ‏:‏ إنْ فَعَلَهَا إنْسَانٌ فَلَا بَأْسَ فَإِنَّ النَّوَافِلَ وَالْفَضَائِلَ لَا تُشْتَرَطُ صِحَّةُ الْحَدِيثِ فِيهَا وَهِيَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً، ثُمَّ يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ‏:‏ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، خَمْسَةَ عَشْرَ مَرَّةً، ثُمَّ يَقُولُهَا فِي رُكُوعِهِ عَشْرًا‏.‏

ثُمَّ فِي الِاعْتِدَالِ مِنْهُ عَشْرًا ثُمَّ فِي السَّجْدَةِ الْأَوْلَى ثُمَّ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، ثُمَّ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهَا عَشْرًا عَشْرًا وَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ ثُمَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَذَلِكَ‏.‏

وَصَلَاةُ الرَّغَائِبِ وَالْأَلْفِيَّةِ لَيْلَةَ نِصْفِ شَعْبَانَ‏:‏ بِدْعَةٌ لَا أَصْلَ لَهُمَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ أَمَّا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَفِيهَا فَضْلٌ وَكَانَ مِنْ السَّلَفِ مَنْ يُصَلِّي فِيهَا لَكِنَّ الِاجْتِمَاعَ فِي الْمَسَاجِدِ لِإِحْيَائِهَا بِدْعَةٌ‏.‏ اهـ‏.‏

وَفِي اسْتِحْبَابِ قِيَامِهَا مَا فِي لَيْلَةِ الْعِيدِ ذَكَرَهُ فِي اللَّطَائِفِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏في أحكام سجود التلاوة وسجود الشكر ونحوهما‏]‏

وَسُجُودُ تِلَاوَةٍ وَسُجُودُ شُكْرٍ كَنَافِلَةٍ الصَّلَاةُ ذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ‏(‏فِيمَا يُعْتَبَرُ‏)‏ لَهَا مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ ‏(‏وَسُنَّ‏)‏ السُّجُودُ ‏(‏لِتِلَاوَةٍ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا‏}‏ وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ، فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ، حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَوْضِعًا لِجَبْهَتِهِ‏}‏‏"‏‏.‏

وَلِمُسْلِمٍ ‏{‏فِي غَيْرِ صَلَاةٍ‏}‏ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ‏{‏قَرَأْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏وَالنَّجْمِ‏}‏‏.‏

فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا‏}‏ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ‏.‏

وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ ‏{‏فَلَمْ يَسْجُدْ مِنَّا أَحَدٌ‏}‏ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ ‏"‏ أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ النَّحْلِ، حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ فَسَجَدَ النَّاسُ حَتَّى إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا، حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّمَا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ، فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ، فَلَا أَثُمَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ ‏"‏ وَرَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأِ‏.‏

وَقَالَ فِيهِ ‏"‏ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ عَلَيْنَا السُّجُودَ، إلَّا أَنْ نَشَاءَ، وَلَمْ يَسْجُدْ وَمَنَعَهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا‏"‏‏.‏

وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ إجْمَاعًا وَالْأَوَامِرُ بِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ، وقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ‏}‏ الْمُرَادُ بِهِ‏:‏ الْتِزَامُ السُّجُودِ وَاعْتِقَادُهُ فَإِنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْإِيمَانِ إجْمَاعًا، وَلِهَذَا قَرَنَهُ بِالتَّسْبِيحِ‏.‏

‏(‏وَيُكَرِّرُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ سُجُودَ التِّلَاوَةِ ‏(‏بِتَكَرُّرِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ التِّلَاوَةِ، لِأَنَّهَا سَبَبٌ، فَيَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِهَا، كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بِتَكَرُّرِهِ، وَإِنْ سَمِعَ سَجْدَتَيْنِ مَعًا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَكَذَا يَتَوَجَّهُ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، إنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ‏.‏

وَيُسَنُّ السُّجُودُ لَهَا ‏(‏حَتَّى فِي طَوَافٍ‏)‏ كَالصَّلَاةِ ‏(‏مَعَ قَصْرِ فَصْلٍ‏)‏ بَيْنَ التِّلَاوَةِ، أَوْ الِاسْتِمَاعِ، أَوْ السُّجُودِ ‏(‏فَيَتَيَمَّمُ مُحْدِثٌ‏)‏ لِآيَةِ سَجْدَةٍ، أَوْ اسْتِمَاعِهَا ‏(‏بِشَرْطِهِ‏)‏ وَهُوَ تَعَذُّرُ الْمَاءِ لِعَدَمٍ، أَوْ ضَرَرٍ ‏(‏وَيَسْجُدُ مَعَ قَصْرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْفَصْلِ بَيْنَ السُّجُودِ وَسَبَبِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَوَضَّأَ لِطُولِ الْفَصْلِ ‏(‏لِقَارِئٍ وَمُسْتَمِعٍ‏)‏ لِآيَةِ السَّجْدَةِ، لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يُسَنُّ السُّجُودُ ل ‏(‏سَامِعٍ‏)‏ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الِاسْتِمَاعِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ عُثْمَانُ‏:‏ ‏"‏ إنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ اسْتَمَعَ ‏"‏ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانُ ‏"‏ مَا جَلَسْنَا لَهَا ‏"‏ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ‏"‏ إنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا ‏"‏ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يَسْجُدُ ‏(‏مُصَلٍّ إلَّا مُتَابَعَةً لِإِمَامِهِ‏)‏ فَلَا يَسْجُدُ إمَامٌ وَلَا مُنْفَرِدٌ لِتِلَاوَةِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ نَفْسِهِ وَالِاشْتِغَالِ بِصَلَاتِهِ، مَنْهِيٌّ عَنْ اسْتِمَاعِ غَيْرِهِ، وَلَا يَسْجُدُ مَأْمُومٌ إلَّا تَبَعًا لِإِمَامِهِ فَلَا يَسْجُدُ لِتِلَاوَةِ نَفْسِهِ، وَلَا لِاسْتِمَاعِ تِلَاوَةِ غَيْرِ إمَامِهِ إنْ لَمْ يَسْجُدْ إمَامُهُ ‏(‏وَيُعْتَبَرُ‏)‏ لِاسْتِحْبَابِ السُّجُودِ لِمُسْتَمِعٍ ‏(‏كَوْنُ قَارِئٍ يَصْلُحُ إمَامًا لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِمُسْتَمِعٍ‏.‏

وَلَوْ فِي نَفْلٍ ‏(‏فَلَا يَسْجُدُ‏)‏ مُسْتَمِعٌ ‏(‏إنْ لَمْ يَسْجُدْ‏)‏ قَارِئٌ لِحَدِيثِ عَطَاءٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى إلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَرَأَ رَجُلٌ مِنْهُمْ سَجْدَةً، ثُمَّ نَظَرَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّك كُنْت إمَامَنَا، وَلَوْ سَجَدْتَ لَسَجَدْنَا‏}‏ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَغَيْرُهُ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَسْجُدُ مُسْتَمِعٌ ‏(‏قُدَّامَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّالِي ‏(‏أَوْ عَنْ يَسَارِهِ مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّالِي عَنْ سَاجِدٍ مَعَهُ، لِعَدَمِ صِحَّةِ الِائْتِمَام بِهِ إذْن فَإِنْ سَجَدَ عَنْ يَمِينِهِ مَعَهُ جَازَ، وَكَذَا عَنْ يَسَارِهِ مَعَ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ‏.‏

وَلَا يَسْجُدُ ‏(‏رَجُلٌ‏)‏ مُسْتَمِعٌ وَلَا خُنْثَى ‏(‏لِتِلَاوَةِ امْرَأَةٍ، وَ‏)‏ تِلَاوَةِ ‏(‏خُنْثَى‏)‏ لِعَدَمِ صِحَّةِ ائْتِمَامِهِ بِهِمَا ‏(‏وَيَسْجُدُ‏)‏ مُسْتَمِعٌ مِنْ رَجُلٍ وَأُنْثَى وَخُنْثَى ‏(‏لِتِلَاوَةِ‏)‏ رَجُلٍ ‏(‏أُمِّيٍّ، وَ‏)‏ لِتِلَاوَةِ ‏(‏زَمِنٍ‏)‏ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَالْقِيَامِ لَيْسَا رُكْنًا فِي السُّجُودِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تِلَاوَةِ ‏(‏صَبِيٍّ‏)‏ لِصِحَّةِ إمَامَتِهِ فِي النَّفْلِ‏.‏

‏(‏وَالسَّجَدَاتُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً‏)‏‏:‏ فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ، وَفِي الرَّعْدِ عِنْدَ ‏{‏بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ‏}‏ وَفِي النَّمْلِ عِنْدَ ‏{‏وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ‏}‏ وَفِي الْإِسْرَاءِ ‏{‏وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا‏}‏ وَفِي مَرْيَمَ ‏{‏خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا‏}‏ ‏"‏ وَفِي الْحَجِّ ثِنْتَانِ ‏"‏ الْأُولَى‏:‏ عِنْدَ ‏{‏يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ‏}‏ وَالثَّانِيَةُ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏ وَفِي الْفُرْقَانِ ‏{‏وَزَادَهُمْ نُفُورًا‏}‏ وَفِي النَّمْلِ ‏{‏رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ‏}‏ وَفِي الم السَّجْدَةِ ‏"‏ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ‏"‏ وَفِي فُصِّلَتْ ‏{‏وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ‏}‏ وَفِي آخِرِ النَّجْمِ، وَفِي الِانْشِقَاقِ ‏{‏لَا يَسْجُدُونَ‏}‏ وَفِي آخِرِ اقْرَءُوا‏.‏

‏(‏يُكَبِّرُ‏)‏ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ تَكْبِيرَتَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ خَارِجِهَا‏:‏ تَكْبِيرَةٌ ‏(‏إذَا سَجَدَ وَ‏)‏ تَكْبِيرَةً ‏(‏إذَا رَفَعَ‏)‏ كَسُجُودِ صُلْبِ الصَّلَاةِ وَالسَّهْوِ ‏(‏وَيَجْلِسُ‏)‏ خَارِجَ الصَّلَاةِ بَعْدَ رَفْعِهِ، لِيُسَلِّمَ جَالِسًا ‏(‏وَيُسَلِّمَ‏)‏ وُجُوبًا فَيُبْطِلُ بِتَرْكِهِ عَمْدًا وَسَهْوًا لِعُمُومِ حَدِيثِ ‏{‏تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ‏}‏ ‏(‏وَلَا يَتَشَهَّدُ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ ‏(‏وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ‏)‏ نَدْبًا إذَا أَرَادَ السُّجُودَ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏فِي صَلَاةٍ‏)‏ نَصًّا‏.‏

‏(‏وَكُرِهَ جَمْعُ آيَاتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ السُّجُودِ فِي وَقْتٍ لِيَسْجُدَ لَهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ ‏(‏حَذْفُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ آيَاتِ السُّجُودِ بِأَنْ يَتْرُكَهَا حَتَّى لَا يَسْجُدَ لَهَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ، بَلْ نُقِلَتْ كَرَاهَتُهُ وَسَوَاءٌ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ ‏(‏قِرَاءَةُ إمَامٍ‏)‏ آيَةَ ‏(‏سَجْدَةٍ بِصَلَاةٍ سِرٍّ‏)‏ كَظُهْرٍ وَعَصْرٍ لِأَنَّهُ إنْ سَجَدَ لَهَا خَلَطَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، وَإِلَّا تَرَكَ السُّنَّةَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ ‏(‏سُجُودُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْإِمَامِ ‏(‏لَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ التِّلَاوَةِ بِصَلَاةِ سِرٍّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْلِيطِ عَلَى مَنْ مَعَهُ وَرَدَّهُ فِي الْمُغْنِي بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

‏(‏وَيَلْزَمُ الْمَأْمُومَ مُتَابَعَتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْإِمَامِ فِي سُجُودِ تِلَاوَةٍ ‏(‏فِي غَيْرِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ السِّرِّيَّةِ لِحَدِيثِ ‏{‏إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ‏}‏ وَأَمَّا صَلَاةُ السِّرِّ‏:‏ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ فِيهَا لَيْسَ بِتَالٍ وَلَا مُسْتَمِعٍ، بِخِلَافِ الْجَهْرِيَّةِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَانِعٌ، كَبُعْدٍ وَطَرَشٍ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْإِنْصَاتِ فِي الْجُمْلَةِ‏.‏

‏(‏وَسُجُودُ‏)‏ تِلَاوَةٍ ‏(‏عَنْ قِيَامٍ أَفْضُلُ‏)‏ تَشْبِيهًا لَهُ بِصَلَاةِ النَّفْلِ وَرَوَى إِسْحَاقُ عَنْ عَائِشَةَ ‏"‏ أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ فَإِذَا انْتَهَتْ إلَى السَّجْدَةِ قَامَتْ فَسَجَدَتْ ‏"‏ ‏(‏وَالتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى رُكْنٌ‏)‏ فِي سُجُودِ تِلَاوَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَتُجْزِئُ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَكْفِي نَصًّا، لِفِعْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَا نَصَّ فِيهَا وَلَا الْعُمُومَاتُ تَقْتَضِيهَا وَمَبْنَاهَا عَلَى التَّخْفِيفِ أَشْبَهَتْ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ‏.‏

‏(‏وَسُنَّ‏)‏ سُجُودٌ ‏(‏لِشُكْرِ‏)‏ اللَّهِ ‏(‏عِنْدَ تَجَدُّدٍ نِعَمٍ‏)‏ مُطْلَقًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ عِنْدَ ‏(‏انْدِفَاعِ نِقَمٍ مُطْلَقًا‏)‏ أَيْ‏:‏ عَامَّةٍ، أَوْ خَاصَّةٍ بِهِ كَتَجَدُّدِ وَلَدٍ، وَنُصْرَةٍ عَلَى عَدُوٍّ وَلِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يُسَرُّ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ تَجَدُّدِ نِعَمٍ‏:‏ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِدَوَامِهَا لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ فَلَوْ شُرِعَ السُّجُودُ لَهُ لَاسْتَغْرَقَ بِهِ عُمُرَهُ‏.‏

‏(‏وَإِنْ سَجَدَ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشُّكْرَ ‏(‏فِي صَلَاةٍ بَطَلَتْ‏)‏ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَالَمًا عَامِدًا لِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ بِخِلَافِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ و‏(‏لَا‏)‏ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ ‏(‏مِنْ جَاهِلٍ، أَوْ نَاسٍ‏)‏ كَمَا لَوْ زَادَ فِيهَا سُجُودًا كَذَلِكَ‏.‏

‏(‏وَصِفَتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ سُجُودِ الشُّكْرِ ‏(‏وَأَحْكَامُهُ كَسُجُودِهِ تِلَاوَةً‏)‏ فَيُكَبِّرُ إذَا سَجَدَ وَإِذَا رَفَعَ، وَيَقُولُ فِيهِ‏:‏ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَيَجْلِسُ إذَا رَفَعَ وَيُسَلِّمُ وَتُجْزِئُ وَاحِدَةٌ وَيُسْتَحَبُّ سُجُودُ شُكْرٍ أَيْضًا عِنْدَ رُؤْيَةِ مُبْتَلًى فِي بَدَنِهِ، أَوْ دِينِهِ‏.‏

فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ‏.‏

‏(‏تُبَاحُ الْقِرَاءَةُ فِي الطَّرِيقِ‏)‏ لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ‏:‏ ‏"‏ كُنْت أَقْرَأُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ ‏"‏ وَتُبَاحُ أَيْضًا‏:‏ قَائِمًا، وَقَاعِدًا، وَمُضْطَجِعًا، وَرَاكِبًا، وَمَاشِيًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تُبَاحُ ‏(‏مَعَ حَدَثٍ، أَصْغَرَ وَ‏)‏ مَعَ ‏(‏نَجَاسَةِ ثَوْبٍ، وَ‏)‏ نَجَاسَةِ ‏(‏بَدَنٍ، حَتَّى فَمُ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى الْمَنْعِ ‏(‏وَحِفْظُ الْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ‏)‏ إجْمَاعًا‏.‏

وَيَبْدَأ الرَّجُلُ ابْنَهُ بِالْقُرْآنِ لِيَتَعَوَّدَ الْقِرَاءَةَ وَيَلْزَمُهَا وَيُعَلِّمُهُ كُلَّهُ إلَّا أَنْ يَعْسُرَ نَصًّا وَالْمُكَلَّفُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ يَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَدِّمَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ الْعِلْمِ، كَمَا يُقَدِّمُ الْكَبِيرُ نَفْلَ الْعِلْمِ عَلَى نَفْلِ الْقِرَاءَةِ ‏(‏وَيَتَعَيَّنُ‏)‏ حِفْظُ ‏(‏مَا يَجِبُ فِي صَلَاةٍ‏)‏ وَهُوَ الْفَاتِحَةُ فَقَطْ عَلَى الْمَذْهَبِ، ثُمَّ يَتَعَلَّمُ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي أُمُورِ دِينِهِ وُجُوبًا ‏(‏وَتُسَنُّ الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ‏)‏ لِاشْتِغَالِ حَاسَّةِ الْبَصَرِ بِالْعِبَادَةِ‏.‏

وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا يَكَادُ يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعًا ‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏الْخَتْمُ كُلَّ أُسْبُوعٍ مُرَّةً‏)‏ ‏{‏لِقَوْلِهِ‏:‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَمْرٍو اقْرَأْ الْقُرْآنَ كُلَّ أُسْبُوعٍ، لَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ‏}‏ ‏(‏وَلَا بَأْسَ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْخَتْمِ ‏(‏كُلَّ ثَلَاثٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ ‏{‏قُلْت‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ لِي قُوَّةً قَالَ‏:‏ اقْرَأْهُ فِي ثَلَاثٍ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد‏.‏

وَلَا بَأْسَ بِهِ فِيمَا دُونَهَا أَحْيَانًا وَفِي رَمَضَانَ، خُصُوصًا لَيَالِي أَوْتَارِ عُشْرِهِ الْأَخِيرِ وَمَكَّةَ لِمَنْ دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا فَيُسْتَحَبُّ إكْثَارُ الْقِرَاءَةِ إذَنْ، اغْتِنَامًا لِلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يُقَدَّرُ بِالنَّشَاطِ، وَعَدَمِ الْمَشَقَّةِ لِأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يَخْتِمُهُ فِي لَيْلَةٍ وَرُوِيَ عَنْ جَمْعٍ مِنْ السَّلَفِ ‏(‏وَكُرِهَ‏)‏ تَأْخِيرُ خَتْمِهِ ‏(‏فَوْقَ أَرْبَعِينَ‏)‏ يَوْمًا‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ أَكْثَرُ مَا سَمِعْت أَنْ يُخْتَمَ الْقُرْآنُ‏:‏ فِي أَرْبَعِينَ، وَلِأَنَّ تَأْخِيرَهُ أَكْثَرُ يُفْضِي إلَى نِسْيَانِهِ وَالتَّهَاوُنِ بِهِ قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ مَا أَشَدَّ مَا جَاءَ فِيمَنْ حَفِظَهُ ثُمَّ نَسِيَهُ ‏(‏وَيُكَبِّرُ‏)‏ إذَا خَتَمَ نَدْبًا ‏(‏لِآخِرِ‏)‏ كُلِّ ‏(‏سُورَةٍ مِنْ‏)‏ سُورَةِ ‏(‏الضُّحَى‏)‏ إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ فَيَقُولُ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَطْ ‏(‏وَيَجْمَعُ أَهْلَهُ‏)‏ عِنْدَ خَتْمِهِ نَدْبًا، رَجَاءَ عَوْدِ نَفْعِ ذَلِكَ وَثَوَابِهِ إلَيْهِمْ، وَأَنْ يَكُونَ الْخَتْمُ فِي الشِّتَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَفِي الصَّيْفِ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَلَا يُكَرِّرُ سُورَةَ الصَّمَدِ وَلَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، وَخَمْسًا مِنْ الْبَقَرَةِ نَصًّا وَالتَّرْتِيلُ أَفْضَلُ مِنْ السُّرْعَةِ، مَعَ تَبْيِينِ الْحُرُوفِ‏.‏

أَمَّا مَعَ عَدَمِهِ فَتُكْرَه، وَتُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ وَكَرِهَ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ قِرَاءَةَ الْأَلْحَانِ وَقَالَ‏:‏ هِيَ بِدْعَةٌ أَمَّا تَحْسِينُ الصَّوْتِ وَالتَّرَنُّمُ، فَمُسْتَحَبٌّ إذَا لَمْ يُفِضْ إلَى زِيَادَةِ حَرْفٍ وَنَحْوِهِ أَمَّا إنْ أَفْضَى إلَى زِيَادَةِ حَرْفٍ، أَوْ جَعْلِ الْحَرَكَةِ حَرْفًا فَهُوَ حَرَامٌ‏.‏

وَلَا تُكْرَهُ قِرَاءَةُ جَمَاعَةٍ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ، بِحَيْثُ يُغَلِّطُ مُصَلِّيًا وَمَعَ الْجِنَازَةِ وَيُسْتَحَبُّ اسْتِمَاعُ الْقِرَاءَةِ وَيُكْرَهُ الْحَدِيثُ عِنْدَهَا بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْأَسْوَاقِ بِالْقُرْآنِ مَعَ اشْتِغَالِ أَهْلِهَا بِتِجَارَتِهِمْ وَعَدَمِ اسْتِمَاعِهِمْ لِمَا فِيهِ مِنْ الِامْتِهَانِ‏.‏

‏(‏وَيُسَنُّ تَعَلُّمُ التَّأْوِيلِ‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّفْسِيرِ ‏(‏وَيَجُوزُ التَّفْسِيرُ‏)‏ لِلْقُرْآنِ ‏(‏بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ‏)‏ الْعَرَبِيَّةِ، لِأَنَّهُ نَزَلَ بِهَا و‏(‏لَا‏)‏ يَجُوزُ التَّفْسِيرُ ‏(‏بِالرَّأْيِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ وَلِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ، أَوْ بِمَا لَا يَعْلَمُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ‏}‏ وَرَوَى سَعِيدٌ بِسَنَدِهِ عَنْ الصِّدِّيقِ أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، أَوْ أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، أَوْ أَيْنَ أَذْهَبُ، أَوْ كَيْفَ أَصْنَعُ‏؟‏ إذَا أَنَا قُلْت فِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ‏.‏

‏(‏وَيَلْزَمُ الرُّجُوعُ إلَى تَفْسِيرِ صَحَابِيٍّ‏)‏ لِأَنَّهُ شَاهَدَ التَّنْزِيلِ وَحَضَرَ التَّأْوِيلَ فَهُوَ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ حُجَّةٌ و‏(‏لَا‏)‏ يَلْزَمُ الرُّجُوعُ إلَى تَفْسِيرِ ‏(‏تَابِعِيٍّ‏)‏ فِيمَا لَا يَنْقُلُهُ عَنْ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ الصَّحَابِيَّ فِيمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَإِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ مَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ فَهُوَ تَوْقِيفٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ وَنَقَلَ الْبِرْمَاوِيُّ عَنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ أَنَّهُ يَكُونُ مَرْفُوعًا‏.‏

وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ نَصًّا وَلَا كُتُبِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَلَا الْكُتُبِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَلَا رِوَايَتُهَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏في أوقات النهي عن الصلاة‏]‏

أَوْقَاتُ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ ‏(‏خَمْسَةٌ‏)‏ أَحَدُهَا ‏(‏مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ‏}‏ احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ هُوَ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ ‏{‏وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ‏}‏ لِأَنَّهُ دَلِيلُ خِطَابٍ فَالْمَنْطُوقُ أَوْلَى مِنْهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّانِي ‏(‏مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ‏)‏ تَامَّةً ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ ‏(‏مَجْمُوعَةً‏)‏ مَعَ الظُّهْرِ ‏(‏وَقْتَ الظُّهْرِ إلَى‏)‏ الْأَخْذِ فِي ‏(‏وَقْتِ الْغُرُوبِ‏)‏ فَمَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ أُبِيحَ لَهُ التَّنَفُّلَ وَإِنْ صَلَّى غَيْرَهُ‏.‏

وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِهَا، ثُمَّ قَطَعَهَا، أَوْ قَلَبَهَا نَفْلًا وَمَنْ صَلَّاهَا فَلَيْسَ لَهُ التَّنَفُّلُ وَإِنْ صَلَّى وَحْدَهُ‏:‏ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ ‏{‏لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ‏}‏ ‏(‏وَتَفْعَلُ سُنَّةَ ظُهْرٍ بَعْدَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَصْرِ الْمَجْمُوعَةِ ‏(‏وَلَوْ فِي جَمْعِ تَأْخِيرٍ‏)‏ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ جَمْعٌ‏.‏

فَلِذَلِكَ صَحَّحَ الشَّارِحُ أَنَّ الرَّاتِبَةَ تُقْضَى بَعْدَ الْعَصْرِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّالِثُ ‏(‏عِنْدَ طُلُوعهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّمْسِ ‏(‏إلَى ارْتِفَاعِهَا‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ‏{‏لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مُخْتَصَرًا وَأَوَّلُ هَذَا الْوَقْتِ‏:‏ ظُهُورُ شَيْءٍ مِنْ قُرْصِ الشَّمْسِ وَيَسْتَمِرُّ إلَى ارْتِفَاعِهَا ‏(‏قِيدَ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَدْرَ ‏(‏رُمْحٍ‏)‏ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الرَّابِعُ‏:‏ عِنْدَ ‏(‏قِيَامِهَا حَتَّى تَزُولَ وَ‏)‏ الْخَامِسُ‏:‏ عِنْدَ‏:‏ ‏(‏غُرُوبِهَا حَتَّى يُتِمَّ‏)‏ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ‏{‏ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا، حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً، حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ وَحِينَ تَتَضَيَّفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ‏}‏‏.‏

رَوَاهُ ابْنُ مُسْلِمٍ ‏(‏وَيَجُوزُ فِعْلُ‏)‏ صَلَاةٍ ‏(‏مَنْذُورَةٍ‏)‏ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَأَطْلَقَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجُوزُ ‏(‏نَذْرُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّلَاةِ ‏(‏فِيهَا‏)‏ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَقْتَ النَّهْيِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ، أَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ ‏(‏وَ‏)‏ يَجُوزُ فِيهَا ‏(‏قَضَاءُ فَرَائِضَ‏)‏ لِعُمُومِ حَدِيثِ ‏{‏مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ، أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَلِحَدِيثِ ‏{‏إذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجُوزُ فِعْلُ ‏(‏رَكْعَتَيْ طَوَافٍ‏)‏ فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ لِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ مَرْفُوعًا ‏{‏يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى فِيهِ أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ‏}‏ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّهُمَا تَبَعٌ لَهُ، وَهُوَ جَائِزٌ كُلَّ وَقْتٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجُوزُ ‏(‏إعَادَةُ جَمَاعَةٍ أُقِيمَتْ وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا ‏{‏صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أُقِيمَتْ وَأَنْتَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلِّ وَلَا تَقُلْ‏:‏ إنِّي صَلَّيْت فَلَا أُصَلِّي‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَلِتَأَكُّدِهَا لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَسْجِدِ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ الدُّخُولُ وَلَا يُعِيدُهَا فِيهِ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يَجُوزُ ‏(‏صَلَاةُ جِنَازَةٍ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا، إلَّا بَعْدَ فَجْرٍ وَعَصْرٍ‏)‏ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَذِكْرُهُ لِلصَّلَاةِ مَقْرُونًا بِالدَّفْنِ‏:‏ يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلِأَنَّهَا تُشْبِهُ النَّوَافِلَ لِكَوْنِهَا مِنْ غَيْرِ الْخَمْسِ وَأُبِيحَتْ فِي الْوَقْتَيْنِ الطَّوِيلَيْنِ لِطُولِ مُدَّتِهِمَا فَالِانْتِظَار يُخَافُ مِنْهُ عَلَيْهَا‏.‏

وَكَذَا إنْ خِيفَ عَلَيْهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْقَصِيرَةِ لِلْعُذْرِ ‏(‏وَيَحْرُمُ إيقَاعُ تَطَوُّعٍ‏)‏ بِصَلَاةٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ إيقَاعُ ‏(‏بَعْضِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّطَوُّعِ ‏(‏بِغَيْرِ سُنَّةِ فَجْرٍ قَبْلَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَلَا تَجُوزُ بَعْدَهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحٍ ‏(‏فِي وَقْتٍ مِنْ‏)‏ الْأَوْقَاتِ ‏(‏الْخَمْسَةِ حَتَّى صَلَاةٌ عَلَى قَبْرٍ‏)‏ وَلَوْ كَانَ لَهُ دُونَ شَهْرٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ حَتَّى صَلَاةٌ عَلَى مَيِّتٍ ‏(‏غَائِبٍ‏)‏ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ إنَّمَا أُبِيحَتْ وَقْتَ النَّهْيِ خَشْيَةَ الِانْفِجَارِ عَلَيْهَا‏.‏

وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ وَالْغَائِبِ ‏(‏وَلَا يَنْعَقِدُ‏)‏ التَّطَوُّعُ ‏(‏إنْ ابْتَدَأَهُ‏)‏ مُصَلٍّ ‏(‏فِيهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْمُصَلِّي ‏(‏جَاهِلًا‏)‏ بِالتَّحْرِيمِ، أَوْ بِكَوْنِهِ وَقْتَ نَهْيٍ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ‏.‏

وَظَاهِرُهُ‏:‏ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ تَطَوُّعٌ ابْتَدَأَهُ قَبْلَهُ بِدُخُولِهِ، لَكِنْ يَأْثَمُ بِإِتْمَامِهِ ‏(‏حَتَّى مَالَهُ سَبَبٌ‏)‏ مِنْ التَّطَوُّعِ ‏(‏كَسُجُودِ تِلَاوَةٍ‏)‏ فِي غَيْرِ صَلَاةِ شُكْرٍ ‏(‏وَصَلَاةِ كُسُوفٍ وَقَضَاءِ‏)‏ سُنَّةٍ ‏(‏رَاتِبَةٍ وَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ‏)‏ وَعَقِبَ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِخَارَةِ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ ‏(‏إلَّا‏)‏ تَحِيَّةَ مَسْجِدٍ دَخَلَ ‏(‏حَالَ خُطْبَةِ جُمُعَةٍ مُطْلَقًا‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَمَعَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا ‏{‏نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهُ وَقْتُ انْتِظَارِ الْجُمُعَةِ‏.‏