فصل: فَصْلٌ: فِي الصُّلْحِ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


بَابُ‏:‏ الصُّلْحِ وَأَحْكَامِ الْجِوَارِ

وَهُوَ لُغَةً ‏(‏التَّوْفِيقُ وَالسَّلْمُ‏)‏ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَالصُّلْحُ خَيْرٌ‏}‏ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الصُّلْحُ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ‏:‏ أَحَدُهَا ‏(‏يَكُونُ بَيْنَ مُسْلِمِينَ وَأَهْلِ حَرْبٍ‏)‏ وَتَقَدَّمَتْ أَقْسَامُهُ فِي الْجِهَادِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّانِي ‏(‏بَيْنَ أَهْلِ عَدْلٍ وَ‏)‏ أَهْلِ ‏(‏بَغْيٍ‏)‏ وَيَأْتِي فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّالِث ‏(‏بَيْنَ زَوْجَيْنِ خِيفَ شِقَاقُ بَيْنِهِمَا أَوْ خَافَتْ‏)‏ الزَّوْجَةُ ‏(‏إعْرَاضُهُ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ عَنْهَا وَيَأْتِي فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الرَّابِعُ ‏(‏بَيْنَ مُتَخَاصِمَيْنِ فِي غَيْرِ مَالٍ‏)‏‏.‏

وَالْخَامِسُ بَيْنَ مُتَخَاصِمَيْنِ فِيهِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الصُّلْحُ ‏(‏فِيهِ‏)‏ أَيْ الْمَالِ ‏(‏مُعَاقَدَةٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مُوَافَقَةٍ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْنِ‏)‏ فِيهِ وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الْمُبَوَّبُ لَهُ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الصُّلْحُ فِي مَالٍ ‏(‏قِسْمَانِ‏)‏ صُلْحٌ ‏(‏عَلَى إقْرَارٍ‏)‏ وَصُلْحٌ عَلَى إنْكَارٍ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الصُّلْحُ عَلَى إقْرَارٍ ‏(‏نَوْعَانِ نَوْعٌ‏)‏ يَقَعُ ‏(‏عَلَى جِنْسِ الْحَقِّ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ‏)‏ جَائِزُ التَّصَرُّفِ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ لِمَنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ ‏(‏بِدَيْنٍ‏)‏ مَعْلُومٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ يُقِرَّ لَهُ ‏(‏بِعَيْنٍ‏)‏ بِيَدِهِ ‏(‏فَيَضَعَ‏)‏ الْمُقَرُّ لَهُ عَنْ الْمُقِرِّ بَعْضَ الدَّيْنِ كَنِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبْعِهِ ‏(‏أَوْ يَهَبُ‏)‏ لَهُ ‏(‏الْبَعْضَ‏)‏ مِنْ الْعَيْنِ الْمُقَرِّ بِهَا ‏(‏وَيَأْخُذُ‏)‏ الْمُقَرُّ لَهُ ‏(‏الْبَاقِيَ‏)‏ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ ‏(‏فَيَصِحُّ‏)‏ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ جَائِزَ التَّصَرُّفِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّهِ أَوْ هِبَتِهِ كَمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ وَقَدْ كَلَّمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ غُرَمَاءُ جَابِرٍ لِيَضَعُوا عَنْهُ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏بِلَفْظِ الصُّلْحِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ هَضْمٌ لِلْحَقِّ ‏(‏أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْبَاقِي‏)‏ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الشَّرْطِ كَعَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا مِنْهُ أَوْ تُعَوِّضَنِي مِنْهُ كَذَا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ فَكَأَنَّهُ عَاوَضَ عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ بِبَعْضٍ وَهَذَا الْمَعْنَى مَلْحُوظٌ فِي لَفْظِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ لَفْظٍ يَتَعَدَّى بِهِ كَالْبَاءِ وَعَلَى، وَهَذَا يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ ‏(‏أَوْ يَمْنَعَهُ‏)‏ أَيْ يَمْنَعُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ رَبَّهُ ‏(‏حَقَّهُ بِدُونِهِ‏)‏ أَيْ الْإِعْطَاءِ مِنْهُ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ أَكْلٌ لِمَالِ الْغَيْرِ بِالْبَاطِلِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَصِحُّ الصُّلْحُ بِأَنْوَاعِهِ ‏(‏مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ كَمُكَاتَبٍ وَ‏)‏ قِنٍّ ‏(‏مَأْذُونٍ لَهُ‏)‏ فِي تِجَارَةٍ ‏(‏وَوَلِيِّ‏)‏ نَحْوِ صَغِيرٍ وَسَفِيهٍ وَنَاظِرِ وَقْفٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ ‏(‏إلَّا إنْ أَنْكَرَ‏)‏ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ ‏(‏وَلَا بَيِّنَةَ‏)‏ لِمُدَّعِيهِ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْبَعْضِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ أَوْلَى مِنْ التَّرْكِ ‏(‏وَيَصِحُّ‏)‏ مِنْ وَلِيِّ الصُّلْحِ وَيَجُوزُ لَهُ ‏(‏عَمَّا ادَّعَى بِهِ عَلَى مُوَلِّيهِ‏)‏ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ ‏(‏وَبِهِ بَيِّنَةٌ‏)‏ فَيَدْفَعُ الْبَعْضَ وَيَقَعُ الْإِبْرَاءُ أَوْ الْهِبَةُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لَمْ يُصَالِحْ عَنْهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَلِمَهُ الْوَلِيُّ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ‏)‏ الصُّلْحُ ‏(‏عَنْ‏)‏ دَيْنٍ ‏(‏مُؤَجَّلٍ بِبَعْضِهِ‏)‏ أَيْ الْمُؤَجَّلِ ‏(‏حَالًّا‏)‏ نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمَحْطُوطَ عِوَضٌ عَنْ التَّعْجِيلِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحُلُولِ وَالْأَجَلِ ‏(‏إلَّا فِي‏)‏ مَالِ ‏(‏كِتَابَةٍ‏)‏ إذَا عَجَّلَ مُكَاتَبٌ لِسَيِّدِهِ بَعْضَ كِتَابَتِهِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الرِّبَا لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ ‏(‏وَإِنْ وَضَعَ‏)‏ رَبُّ الدَّيْنِ ‏(‏بَعْضَ‏)‏ دَيْنٍ ‏(‏حَالٍّ وَأَجَّلَ بَاقِيَهُ صَحَّ الْوَضْعُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ تَأْجِيلٍ كَمَا لَوْ وَضَعَهُ كُلَّهُ و‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏التَّأْجِيلُ‏)‏؛ لِأَنَّ الْحَالَّ لَا يَتَأَجَّلُ؛ وَلِأَنَّهُ وَعْدٌ، وَالْوَعْدُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا يَأْتِي، وَكَذَا لَوْ صَالَحَ عَنْ مِائَةٍ صِحَاحٍ بِخَمْسِينَ مُكَسَّرَةٍ فَهُوَ إبْرَاءٌ مِنْ الْخَمْسِينَ وَوَعْدٌ فِي الْأُخْرَى ‏(‏وَلَا يَصِحُّ‏)‏ الصُّلْحُ ‏(‏عَنْ حَقٍّ كَدِيَةٍ خَطَأٍ‏)‏ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ أَوْ عَمْدٍ لَا قَوَدَ فِيهِ كَجَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ ‏(‏أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ غَيْرِ مِثْلِيٍّ‏)‏ كَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ ‏(‏بِأَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ‏)‏ الْمُصَالَحِ عَنْهُ ‏(‏مِنْ جِنْسِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ وَالْقِيمَةَ ثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ بِقَدْرِهِ فَالزَّائِدُ لَا مُقَابِلَ لَهُ فَيَكُونُ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ كَالثَّابِتِ عَنْ قَرْضٍ ‏(‏وَيَصِحُّ‏)‏ الصُّلْحُ ‏(‏عَنْ مُتْلَفٍ مِثْلِيٍّ‏)‏ كَبُرٍّ ‏(‏بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ‏)‏ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ‏.‏

وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ حَقٍّ كَدِيَةٍ خَطَأٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ ‏(‏وَ‏)‏ عَنْ مِثْلِيٍّ ‏(‏بِعَرْضِ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ‏)‏ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ قِيمَةُ الْمُتْلَفِ وَالْمِثْلِيِّ ‏(‏فِيهِمَا‏)‏ أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا رِبَا بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ فَصَحَّ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِدِرْهَمٍ ‏(‏وَلَوْ صَالَحَهُ عَنْ بَيْتٍ‏)‏ ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ و‏(‏أَقَرَّ‏)‏ لَهُ ‏(‏بِهِ عَلَى بَعْضِهِ‏)‏ أَيْ الْبَيْتِ ‏(‏أَوْ‏)‏ عَلَى ‏(‏سُكْنَاهُ‏)‏ أَيْ سُكْنَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيْتَ ‏(‏مُدَّة‏)‏ مَعْلُومَةً كَسَنَةِ كَذَا أَوْ مَجْهُولَةً كَمَا عَاشَ ‏(‏أَوْ‏)‏ عَلَى ‏(‏بِنَاءِ غُرْفَةٍ لَهُ‏)‏ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ‏(‏فَوْقَهُ‏)‏ أَيْ الْبَيْتِ، لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ صَالَحَهُ عَنْ مِلْكِهِ عَلَى مِلْكِهِ أَوْ عَلَى مَنْفَعَةِ مِلْكِهِ فَإِنْ فَعَلَ عَلَى سَبِيلِ الْمُصَالَحَةِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ وَجَبَ بِالصُّلْحِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ مَا سَكَنَ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَإِنْ بَنَى فَوْقَ الْبَيْتِ غُرْفَةً أُجْبِرَ عَلَى نَقْضِهِ وَإِذَا أَجَّرَ السَّطْحَ مُدَّة مَقَامِهِ بِيَدِهِ وَلَهُ أَخْذُ آلَتِهِ، فَإِنْ صَالَحَهُ عَنْهَا رَبُّ الْبَيْتِ بِرِضَاهُمَا جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ آلَةُ الْبِنَاءِ وَالتُّرَابِ مِنْ الْبَيْتِ فَالْغُرْفَةُ لِرَبِّهِ وَعَلَى الْبَانِي أُجْرَتُهَا مَبْنِيَّةً وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهَا إنْ أَبْرَاهُ رَبُّ الْبَيْتِ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا وَإِنْ أَسْكَنَهُ أَوْ أَعْطَاهُ الْبَعْضَ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ وُجُوبَهُ وَكَانَ مُتَّبِعًا وَمَتَى شَاءَ انْتَزَعَهُ مِنْهُ ‏(‏أَوْ ادَّعَى‏)‏ مُكَلَّفٌ ‏(‏رِقَّ مُكَلَّفٍ أَوْ‏)‏ ادَّعَى ‏(‏زَوْجِيَّةَ مُكَلَّفَةٍ فَأَقَرَّا‏)‏ أَيْ الْمُدَّعِي رِقَّهُ وَالْمُدَّعِي زَوْجِيَّتَهَا ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ الْمُدَّعِي الرِّقَّ أَوْ الزَّوْجِيَّةَ ‏(‏بِعِوَضٍ مِنْهُ‏)‏ أَيْ الْمُدَّعِي ‏(‏لَمْ يَصِحَّ‏)‏ الصُّلْحُ وَلَا الْإِقْرَارُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا‏}‏ وَهَذَا صُلْحٌ أَحَلَّ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الرِّقَّ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِرَقِيقٍ وَالزَّوْجِيَّةَ عَلَى مَنْ لَمْ يَنْكِحْهَا وَلَوْ أَرَادَ الْحُرُّ بَيْعَ نَفْسِهِ أَوْ الْمَرْأَةُ بَذْلَ نَفْسِهَا بِعِوَضٍ لَمْ يَجُزْ‏.‏

‏(‏وَإِنْ بَذَلَا‏)‏ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعُبُودِيَّةَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهَا الزَّوْجِيَّةُ ‏(‏مَالًا‏)‏ لِلْمُدَّعِي ‏(‏صُلْحًا عَنْ دَعْوَاهُ‏)‏ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهُ عَنْ دَعْوَاهُ الرِّقَّ أَوْ النِّكَاحَ، وَالدَّافِعُ يَقْطَعُ بِهِ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ فَجَازَ كَعِوَضِ الْخُلْعِ، لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَى الْآخِذِ إنْ عَلِمَ كَذِبَ نَفْسِهِ لِأَخْذِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَوْ ثَبَتَتْ زَوْجِيَّتُهَا بَعْدُ لَمْ تَبِنْ بِأَخْذِهِ الْعِوَضَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ طَلَاقٌ وَلَا خُلْعٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ بَذَلَتْ امْرَأَةٌ مَالًا ‏(‏لِمُبِينِهَا لِيُقِرَّ‏)‏ لَهَا ‏(‏بِبَيْنُونَتِهَا صَحَّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا بَذْلُ الْمَالِ لِيُبِينَهَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهُ ‏(‏وَ‏)‏ مَنْ قَالَ لِغَرِيمِهِ ‏(‏أَقِرَّ لِي بِدَيْنِي وَأُعْطِيكَ‏)‏ مِنْهُ مِائَةً ‏(‏أَوْ‏)‏ أَقِرَّ لِي بِدَيْنِي ‏(‏وَخُذْ مِنْهُ مِائَةً‏)‏ مَثَلًا ‏(‏فَفَعَلَ‏)‏ أَيْ أَقَرَّ ‏(‏لَزِمَهُ‏)‏ أَيْ الْمُقِرُّ مَا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لِمَنْ أَقَرَّ ‏(‏وَلَمْ يَصِحَّ‏)‏ الصُّلْحُ لِوُجُوبِ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ، فَلَمْ يَبُحْ لَهُ الْعِوَضُ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ ‏(‏النَّوْعُ الثَّانِي‏)‏ مِنْ قِسْمَيْ الصُّلْحِ عَلَى إقْرَارٍ أَنْ يُصَالِحَ ‏(‏عَلَى غَيْرِ جِنْسِهِ‏)‏ بِأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ ثُمَّ صَالَحَهُ عَنْهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ ‏(‏وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ‏)‏ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَنْ الشَّيْءِ بِبَعْضِهِ مَحْظُورَةٌ ‏(‏فَ‏)‏ الصُّلْحُ ‏(‏بِنَقْدٍ عَنْ نَقْدٍ‏)‏ بِأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِدِينَارٍ فَصَالَحَهُ عَنْهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا أَوْ عَكْسُهُ فَهُوَ ‏(‏صَرْفٌ‏)‏ يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الصُّلْحُ عَنْ نَقْدٍ بِأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِدِينَارٍ فَصَالَحَهُ عَنْهُ ‏(‏بِعَرْضٍ‏)‏ كَثَوْبِ بَيْعٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ صَالَحَهُ ‏(‏عَنْهُ‏)‏ أَيْ عَنْ عَرْضٍ أَقَرَّ لَهُ بِهِ كَفَرَسٍ ‏(‏بِنَقْدٍ‏)‏ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بَيْعٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ صَالَحَهُ عَنْ عَرْضٍ كَثَوْبٍ ب ‏(‏عَرْضٍ بَيْعٌ‏)‏ يُشْتَرَطُ لَهُ شُرُوطُهُ كَالْعِلْمِ بِهِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّقَابُضِ بِالْمَجْلِسِ إنْ جَرَى بَيْنَهُمَا رِبَا نَسِيئَةٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الصُّلْحُ عَنْ نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ مُقَرٍّ بِهِ ‏(‏بِمَنْفَعَةٍ كَسُكْنَى‏)‏ دَارٍ ‏(‏وَخِدْمَةِ‏)‏ قِنٍّ ‏(‏مُعَيَّنَيْنِ إجَارَةً‏)‏ فَيُعْتَبَرُ لَهُ شُرُوطُهَا وَتَبْطُلُ بِتَلَفِ الدَّارِ وَمَوْتِ الْقِنِّ كَبَاقِي الْإِجَارَاتِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُمَا أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَلِلْمُصَالِحِ نَفْعُهُ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّة وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنْ تَلِفَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ رَجَعَ بِمَا صُولِحَ عَنْهُ وَانْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَفِي أَثْنَائِهَا تَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ فَيَرْجِعُ بِقِسْطِهِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ الدَّارُ مُسْتَحَقَّةً أَوْ الْقِنُّ حُرًّا أَوْ مُسْتَحَقًّا فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ لِفَسَادِ الْعِوَضِ وَرَجَعَ مُدَّعٍ فِيمَا أُقِرَّ لَهُ بِهِ وَإِنْ ظَهَرَا مَعِيبَيْنِ بِمَا تَنْقُصُ بِهِ الْمَنْفَعَةُ فَلَهُ الرَّدُّ وَفَسْخُ الصُّلْحِ وَإِنْ صَالَحَهُ بِتَزْوِيجِ أَمَتِهِ صَحَّ بِشَرْطِهِ وَالْمُصَالَحُ بِهِ صَدَاقُهَا فَإِنْ فُسِخَ نِكَاحٌ قَبْلَ دُخُولٍ بِمَا يُسْقِطُهُ رَجَعَ زَوْجٌ بِمَا صَالَحَ عَنْهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا وَنَحْوَهُ قَبْلَ دُخُولٍ رَجَعَ بِنِصْفِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الصُّلْحُ ‏(‏عَنْ دَيْنٍ‏)‏ وَنَحْوَهُ غَيْرَ دَيْنِ سَلَمٍ ‏(‏يَصِحُّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُطْلَقًا‏)‏ أَيْ بِأَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيهِ و‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ صُلْحٌ عَنْ حَقٍّ ‏(‏بِجِنْسِهِ‏)‏ كَعَنْ بُرٍّ بِبُرٍّ ‏(‏أَقَلَّ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏أَوْ أَكْثَرَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ‏)‏ لِإِفْضَائِهِ إلَى رِبَا الْفَضْلِ فَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ عَلَى وَجْهِ الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ صَحَّ لَا بِلَفْظِ الصُّلْحِ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الصُّلْحُ عَنْ دَيْنٍ ‏(‏بِشَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ‏)‏ بِأَنْ صَالَحَهُ عَنْ دِينَارٍ فِي ذِمَّتِهِ بِإِرْدَبِّ قَمْحٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي الذِّمَّةِ يَصِحُّ و‏(‏وَيَحْرُمُ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ ‏(‏وَلَوْ صَالَحَ الْوَرَثَةُ مَنْ وُصِيَّ لَهُ‏)‏ مِنْ قِبَلِ مُوَرِّثِهِمْ ‏(‏بِخِدْمَةِ‏)‏ رَقِيقٍ مِنْ التَّرِكَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ ب ‏(‏سُكْنَى‏)‏ دَارٍ مُعَيَّنَةٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ ب ‏(‏حَمْلِ أَمَةٍ‏)‏ مُعَيَّنَةٍ ‏(‏بِدَرَاهِمَ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏مُسَمَّاةٍ جَازَ‏)‏ ذَلِكَ صُلْحًا؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ، فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ لِلْحَاجَةِ ‏(‏لَا بَيْعًا‏)‏ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ ‏(‏وَمَنْ صَالَحَ عَنْ عَيْبٍ فِي مَبِيعِهِ بِشَيْءٍ‏)‏ مِنْ عَيْنٍ كَدِينَارٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ كَسُكْنَى دَارِهِ شَهْرًا صَحَّ، وَلَيْسَ مِنْ الْأَرْشِ فِي شَيْءٍ و‏(‏رَجَعَ‏)‏ بِالْمُصَالَحِ ‏(‏بِهِ إنْ بَانَ عَدَمُهُ‏)‏ أَيْ الْعَيْبِ كَنَفَاخِ بَطْنِ أَمَةٍ ظَنَّهُ حَمْلًا ثُمَّ ظَهَرَ الْحَالُ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ ‏(‏أَوْ زَالَ‏)‏ الْعَيْبُ ‏(‏سَرِيعًا‏)‏ بِلَا كُلْفَةٍ وَلَا تَعْطِيلِ نَفْعٍ عَلَى مُشْتَرٍ كَمُزَوَّجَةٍ بَانَتْ وَمَرِيضٍ عُوفِيَ لِحُصُولِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ مِنْ الْمَبِيعِ بِلَا ضَرَرٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ‏(‏وَتَرْجِعُ امْرَأَةٌ صَالَحَتْ عَنْهُ‏)‏ أَيْ عَنْ عَيْبِ مَبِيعِهَا ‏(‏بِتَزْوِيجِهَا‏)‏ وَبَانَ عَدَمُهُ أَوْ زَالَ سَرِيعًا ‏(‏بِأَرْشِهِ‏)‏ أَيْ الْعَيْبِ لَوْ كَانَ أَوْ لَمْ يَزُلْ سَرِيعًا؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْأَرْشِ مَهْرًا لَهَا وَكَذَا إنْ بَانَ فَسَادُ الْبَيْعِ، كَقِنٍّ خَرَجَ حُرًّا أَوْ مُسْتَحَقًّا وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِزَرْعٍ فَصَالَحَهُ عَنْهُ صَحَّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَصِحُّ بَيْعُهُ وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ ‏(‏وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَمَّا‏)‏ أَيْ مَجْهُولٍ لَهُمَا أَوْ لِلْمَدِينِ ‏(‏تَعَذَّرَ عِلْمُهُ مِنْ دَيْنٍ‏)‏ كَمَنْ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةٌ أَوْ حِسَابٌ مَضَى عَلَيْهِ زَمَنٌ طَوِيلٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ تَعَذَّرَ عِلْمُهُ مِنْ ‏(‏عَيْنٍ‏)‏ كَقَفِيزِ حِنْطَةٍ وَقَفِيزِ شَعِيرٍ اخْتَلَطَا وَطُحِنَا ‏(‏بِ‏)‏ مَالٍ ‏(‏مَعْلُومِ نَقْدٍ‏)‏ أَيْ حَالٍّ ‏(‏وَنَسِيئَةٍ‏)‏ ‏{‏لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِرَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي مَوَارِيثَ دَرَسَتْ بَيْنَهُمَا اسْتَهِمَا وَتَوَاخَيَا الْحَقَّ وَلْيَحْلِلْ أَحَدُكُمَا صَاحِبَهُ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ لِلْحَاجَةِ وَلِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى ضَيَاعِ الْمَالِ أَوْ بَقَاءِ شَغْلِ الذِّمَّةِ، إذْ لَا طَرِيقَ إلَى التَّخَلُّصِ إلَّا بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَهْلُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ أَوْ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ بِمَجْهُولٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ وَاجِبٌ وَالْجَهْلُ بِهِ يَمْنَعُهُ وَإِذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ‏)‏ عِلْمُ الْمَجْهُولِ كَتَرِكَةٍ بَاقِيَةٍ صَالَحَ الْوَرَثَةُ الزَّوْجَةَ عَنْ حِصَّتِهَا مِنْهَا مَعَ الْجَهْلِ بِهَا ‏(‏فَكَبَرَاءَةٍ مِنْ مَجْهُولٍ‏)‏ جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ‏.‏

قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ نَزَّلَ أَصْحَابُنَا الصُّلْحَ عَنْ الْمَجْهُولِ الْمُقَرِّ بِهِ بِمَعْلُومٍ مَنْزِلَةَ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ فَيَصِحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَطْعِ النِّزَاعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْإِنْصَافُ أَنَّ الصَّحِيحَ الْمَنْعُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُ الْإِبْرَاءَ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ‏.‏

‏(‏الْقِسْمُ الثَّانِي‏)‏ مِنْ قِسْمَيْ الصُّلْحِ فِي الْمَالِ، الصُّلْحُ ‏(‏عَلَى إنْكَارٍ بِأَنْ يَدَّعِيَ‏)‏ شَخْصٌ عَلَى آخَرَ ‏(‏عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فَيُنْكِرَ‏)‏ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ يَسْكُتَ وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ‏(‏يَجْهَلُهُ‏)‏ أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ ‏(‏ثُمَّ يُصَالِحَهُ عَلَى نَقْدٍ أَوْ نَسِيئَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مُلْجَأٌ إلَى التَّأْخِيرِ بِتَأْخِيرِ خَصْمِهِ ‏(‏فَيَصِحُّ‏)‏ الصُّلْحُ لِلْخَيْرِ‏.‏

لَا يُقَالُ‏:‏ هَذَا يُحِلُّ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَحَلَّ بِالصُّلْحِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُوجَدُ فِي الصُّلْحِ بِمَعْنَى الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ قَبْلَهُ وَكَذَا الصُّلْحُ بِمَعْنَى الْهِبَةِ أَوْ الْإِبْرَاءِ، بَلْ مَعْنَى يُحِلُّ حَرَامًا مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَنَاوُلِ الْمُحَرَّمِ مَعَ بَقَاءِ تَحْرِيمِهِ، كَاسْتِرْقَاقِ حُرٍّ، أَوْ إحْلَالِ بُضْعٍ مُحَرَّمٍ، أَوْ الصُّلْحِ بِخَمْرٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَيَكُونُ‏)‏ الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارِ ‏(‏إبْرَاءِ حَقِّهِ‏)‏ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَذْلُ الْعِوَضِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي مُقَابَلَةِ حَقٍّ ثَبَتَ عَلَيْهِ فَ ‏(‏لَا شُفْعَةَ فِيهِ‏)‏ أَيْ الْمُصَالَحِ عَنْهُ إنْ كَانَ شِقْصًا مِنْ عَقَارٍ‏.‏

‏(‏وَلَا يَسْتَحِقُّ‏)‏ مُدَّعًى عَلَيْهِ ‏(‏لِعَيْبٍ‏)‏ وَجَدَهُ فِي مُصَالَحٍ عَنْهُ ‏(‏شَيْئًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَتِهِ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الصُّلْحِ فَلَا مُعَاوَضَةَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَكُونُ الصُّلْحُ ‏(‏بَيْعًا فِي حَقِّ مُدَّعٍ فَلَهُ رَدُّهُ‏)‏ أَيْ الْمُصَالَحِ بِهِ عَمَّا ادَّعَاهُ ‏(‏بِعَيْبٍ‏)‏ يَجِدُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى أَنَّهُ عِوَضُ مَا ادَّعَاهُ ‏(‏وَفُسِخَ الصُّلْحُ‏)‏ إنْ وَقَعَ عَلَى عَيْنِهِ وَإِلَّا طَالَبَ بِبَدَلِهِ ‏(‏وَيَثْبُتُ فِي‏)‏ شِقْصٍ ‏(‏مَشْفُوعٍ‏)‏ صُولِحَ بِهِ ‏(‏الشُّفْعَةُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا عَمَّا ادَّعَاهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِهِ ‏(‏إلَّا إذَا صَالَحَ‏)‏ الْمُدَّعِي مُدَّعًى عَلَيْهِ ‏(‏بِبَعْضِ عَيْنٍ مُدَّعًى بِهَا‏)‏‏.‏

كَمَنْ ادَّعَى نِصْفَ دَارٍ بِيَدِ آخَرَ فَأَنْكَرَهُ وَصَالَحَهُ عَلَى رُبْعِهَا ‏(‏فَهُوَ‏)‏ أَيْ الْمُدَّعِي ‏(‏فِيهِ‏)‏ أَيْ الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ ‏(‏كَالْمُنْكِرِ‏)‏ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَا يُؤْخَذُ مَعَهُ بِشُفْعَةٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ لِعَيْبٍ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَخَذَ بَعْضَ عَيْنِ مَالِهِ مُسْتَرْجِعًا لَهُ مِمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ ‏(‏وَمَنْ عَلِمَ بِكَذِبِ نَفْسِهِ‏)‏ مِنْ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ ‏(‏فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فِي حَقِّهِ‏)‏ أَمَّا الْمُدَّعِي؛ فَلِأَنَّ الصُّلْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَاهُ الْبَاطِلَةِ، وَأَمَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ فَلِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَحْدِهِ حَقَّ الْمُدَّعِي لِيَأْكُلَ مَا يَنْتَقِصُهُ بِالْبَاطِلِ ‏(‏وَمَا أَخَذَ‏)‏ مُدَّعٍ عَالِمٌ كَذِبَ نَفْسِهِ مِمَّا صُولِحَ بِهِ أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ مِمَّا انْتَقَصَهُ مِنْ الْحَقِّ بِجَحْدِهِ ‏(‏فَهُوَ حَرَامٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَكْلُ مَالِ الْغَيْرِ بِالْبَاطِلِ، وَلَا يَشْهَدُ لَهُ إنْ عُلِمَ ظُلْمُهُ نَصًّا وَإِنْ صَالَحَ الْمُنْكِرُ بِشَيْءٍ ثُمَّ أَقَامَ مُدَّعٍ بَيِّنَةَ أَنَّ الْمُنْكِرَ قَبِلَ الصُّلْحَ بِالْمِلْكِ لَمْ تُسْمَعْ وَلَوْ شَهِدَتْ بِأَصْلِ الْمِلْكِ وَلَمْ يَنْقُصْ الصُّلْحُ ‏(‏وَمَنْ قَالَ‏)‏ لَآخِرَ ‏(‏صَالِحْنِي عَنْ الْمِلْكِ الَّذِي تَدَّعِيهِ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِهِ‏)‏ أَيْ بِالْمِلْكِ لِلْمَقُولِ لَهُ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ صِيَانَةِ نَفْسِهِ عَنْ التَّبَذُّلِ وَحُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ ‏(‏وَإِنْ صَالَحَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مُنْكِرٍ لِدَيْنٍ‏)‏ بِإِذْنِهِ أَوْ بِدُونِهِ صَحَّ لِجَوَازِ قَضَائِهِ عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ لِفِعْلِ عَلِيٍّ وَأَبِي قَتَادَةَ وَأَقَرَّهُمَا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَدَّمَ فِي الضَّمَانِ ‏(‏أَوْ‏)‏ صَالَحَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مُنْكِرٍ ل ‏(‏عَيْنٍ بِإِذْنِهِ‏)‏ أَيْ الْمُنْكِرِ ‏(‏أَوْ‏)‏ ب ‏(‏دُونِهِ‏)‏ أَيْ إذْنِهِ ‏(‏صَحَّ‏)‏ الصُّلْحُ ‏(‏وَلَوْ لَمْ يَقُلْ‏)‏ الْأَجْنَبِيُّ ‏(‏إنَّهُ‏)‏ أَيْ الْمُنْكِرَ ‏(‏وَكَّلَهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ افْتِدَاءٌ لِلْمُنْكِرِ مِنْ الْخُصُومَةِ وَإِبْرَاءٌ لَهُ مِنْ الدَّعْوَى ‏(‏وَلَا يَرْجِعُ‏)‏ الْأَجْنَبِيُّ بِشَيْءٍ مِمَّا صَالَحَ بِهِ عَنْ الْمُنْكِرِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إنْ دَفَعَ ‏(‏بِدُونِ إذْنِهِ‏)‏ فِي الصُّلْحِ أَوْ الدَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُ مَا لَا يَلْزَمُهُ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ عَنْهُ فَإِنْ أَذِنَ الْمُنْكِرُ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي الصُّلْحِ أَوْ الْأَدَاءِ عَنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ إنْ نَوَاهُ ‏(‏وَإِنْ صَالَحَ‏)‏ الْأَجْنَبِيُّ الْمُدَّعِي ‏(‏لِنَفْسِهِ لِيَكُونَ الطَّلَبُ لَهُ‏)‏ أَيْ الْأَجْنَبِيِّ ‏(‏وَقَدْ أَنْكَرَ‏)‏ الْأَجْنَبِيَّ ‏(‏الْمُدَّعَى‏)‏ أَيْ صِحَّةَ الدَّعْوَى لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ الْمُدَّعِي مَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ وَلَمْ تَتَوَجَّهْ إلَيْهِ خُصُومَةٌ يَفْتَدِي مِنْهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ مِلْكَ غَيْرِهِ ‏(‏أَوْ أَقَرَّ‏)‏ الْأَجْنَبِيُّ‏.‏

‏(‏وَالْمُدَّعَى‏)‏ بِهِ ‏(‏دَيْنٌ‏)‏ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ هُوَ‏)‏ أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ ‏(‏عَيْنٌ‏)‏ وَأَقَرَّ بِهَا ‏(‏وَعَلِمَ‏)‏ الْأَجْنَبِيُّ ‏(‏عَجْزَهُ عَنْ اسْتِنْقَاذِهَا‏)‏ مِنْ مُدَّعًى عَلَيْهِ ‏(‏لَمْ يَصِحَّ‏)‏ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَغْصُوبٍ لِغَيْرِ قَادِرٍ عَلَى أَخْذِهِ ‏(‏وَإِنْ ظَنَّ‏)‏ الْأَجْنَبِيُّ ‏(‏الْقُدْرَةَ‏)‏ عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ مَالِكٍ مِلْكَهُ الْقَادِرَ عَلَى أَخْذِهِ فِي اعْتِقَادِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ ظَنَّ ‏(‏عَدَمَهَا‏)‏ أَيْ الْقُدْرَةِ ‏(‏ثُمَّ تَبَيَّنَتْ‏)‏ قُدْرَتُهُ عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا ‏(‏صَحَّ‏)‏ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَنَاوَلَ مَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ ظَنُّ عَدَمِهِ‏.‏

‏(‏ثُمَّ إنْ عَجَزَ‏)‏ الْأَجْنَبِيُّ بَعْدَ الصُّلْحِ ظَانًّا الْقُدْرَةَ عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا ‏(‏خُيِّرَ‏)‏ الْأَجْنَبِيُّ ‏(‏بَيْنَ فَسْخِ‏)‏ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى بَلَدِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ بَيْنَ ‏(‏إمْضَاءِ‏)‏ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَإِنْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي أَنَا وَكِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مُصَالَحَتِك عَنْ الْعَيْنِ وَهُوَ مُقِرٌّ لَك بِهَا وَإِنَّمَا يَجْحَدُك فِي الظَّاهِرِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ وَقَالَ الْقَاضِي يَصِحُّ ثُمَّ إنْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَلَكَ الْعَيْنَ وَرَجَعَ الْأَجْنَبِيُّ بِمَا أَدَّى عَنْهُ إنْ أَذِنَهُ فِي دَفْعِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ مُدَّعًى عَلَيْهِ الْإِذْنَ فِيهِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْإِذْنَ فِيهِ أَيْ الدَّفْعِ فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَحُكْمُهُ كَمَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ دَيْنًا بِلَا إذْنِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ فَقَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا رُجُوعَ لِلْأَجْنَبِيِّ وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِمِلْكِهَا ثُمَّ إنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ قَدْ وَكَّلَ فِي الشِّرَاءِ فَقَدْ مَلَكَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَاطِنًا وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي‏:‏ قَدْ عَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صِحَّةَ دَعْوَاكَ وَيَسْأَلُكَ الصُّلْحَ عَنْهُ وَوَكَّلَنِي فِيهِ فَصَالَحَهُ صَحَّ، وَكَانَ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ أَدَائِهِ قَالَ فِي الْمُغْنِي مُلَخَّصًا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ فِي الصُّلْحِ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ

‏(‏وَيَصِحُّ صُلْحٌ مَعَ إقْرَارٍ وَ‏)‏ مَعَ ‏(‏إنْكَارٍ عَنْ قَوَدٍ‏)‏ فِي نَفْسٍ وَدُونِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ عَنْ ‏(‏سُكْنَى‏)‏ دَارٍ وَنَحْوِهَا ‏(‏وَ‏)‏ عَنْ ‏(‏عَيْبٍ‏)‏ فِي عِوَضٍ أَوْ مُعَوَّضٍ، قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ، فَيَصِحُّ عَنْ قَوَدٍ ‏(‏يَفُوقُ دِيَةً‏)‏ وَلَوْ بَلَغَ دِيَاتٍ أَوْ قِيلَ الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ بَذَلُوا لِلَّذِي وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى هُدْبَةَ بْنِ خَشْرَمٍ سَبْعَ دِيَاتٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فَلَمْ يَقَعْ الْعِوَضُ فِي مُقَابَلَتِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَمَّا تَقَدَّمَ ‏(‏بِمَا يَثْبُتُ مَهْرًا‏)‏ فِي نِكَاحٍ مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ ‏(‏حَالًّا وَمُؤَجَّلًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ إسْقَاطُهُ و‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ صُلْحٌ ‏(‏بِعِوَضٍ عَنْ خِيَارٍ‏)‏ فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ عَنْ ‏(‏شُفْعَةٍ أَوْ‏)‏ عَنْ ‏(‏حَدِّ قَذْفٍ‏)‏؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ لِاسْتِفَادَةِ مَالٍ بَلْ الْخِيَارُ لِلنَّظَرِ فِي الْأَحَظِّ وَالشُّفْعَةُ لِإِزَالَةِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَحَدُّ الْقَذْفِ لِلزَّجْرِ عَنْ الْوُقُوعِ فِي أَعْرَاضِ النَّاس ‏(‏وَيَسْقُطُ جَمِيعُهَا‏)‏ أَيْ الْخِيَارُ وَالشُّفْعَةُ وَحَدُّ الْقَذْفِ بِالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِتَرْكِهَا ‏(‏وَلَا‏)‏ يَصِحُّ أَنْ يُصَالِحَ ‏(‏سَارِقًا أَوْ شَارِبًا لِيُطْلِقَهُ‏)‏ وَلَا يَرْفَعَهُ لِلسُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَتِهِ، ‏(‏أَوْ‏)‏ يُصَالِحَ ‏(‏شَاهِدًا لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ‏)‏ لِتَحْرِيمِ كِتْمَانِهَا إنْ صَالَحَهُ عَلَى أَلَّا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ، وَكَذَا عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالزُّورِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ ‏(‏وَمَنْ صَالَحَ‏)‏ آخَرَ ‏(‏عَنْ دَارٍ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَكِتَابٍ وَحَيَوَانٍ بِعِوَضٍ ‏(‏فَبَانَ الْعِوَضُ مُسْتَحَقًّا‏)‏ لِغَيْرِ الْمُصَالِحِ أَوْ بَانَ الْقِنُّ حُرًّا ‏(‏رَجَعَ بِهَا‏)‏ أَيْ الدَّارِ وَنَحْوِهَا الْمُصَالَحِ عَنْهَا إنْ بَقِيَتْ وَبِبَدَلِهَا إنْ تَلِفَتْ إنْ كَانَ الصُّلْحُ ‏(‏مَعَ إقْرَارِ‏)‏ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حَقِيقَةً وَقَدْ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ لِفَسَادِ عِوَضِهِ فَرَجَعَ فِيمَا كَانَ لَهُ ‏(‏وَ‏)‏ رَجَعَ ‏(‏بِالدَّعْوَى‏)‏ أَيْ إلَى دَعْوَاهُ قَبْلَ الصُّلْحِ‏.‏

‏(‏وَفِي الرِّعَايَةِ‏:‏ أَوْ قِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ‏)‏ الْمُصَالَحِ بِهِ ‏(‏مَعَ إنْكَارٍ‏)‏ لِتَبَيُّنِ فَسَادِ الصُّلْحِ بِخُرُوجِ الْمُصَالَحِ بِهِ غَيْرَ مَالٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ صَالَحَ بِعَصِيرٍ فَبَانَ خَمْرًا فَيَعُودُ الْأَمْرُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ‏.‏

وَوَجْهُ مَا فِي الرِّعَايَةِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ رَضِيَ بِالْعِوَضِ وَانْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ فَكَانَ لَهُ قِيمَتُهُ، وَرُدَّ بِأَنَّ الصُّلْحَ لَا أَثَرَ لَهُ لِتَبَيُّنِ فَسَادِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ رَجَعَ الْمُصَالِحُ ‏(‏عَنْ قَوَدٍ‏)‏ مِنْ نَفْسٍ أَوْ دُونِهَا بِعِوَضٍ وَبَانَ مُسْتَحَقًّا ‏(‏بِقِيمَةِ عِوَضٍ‏)‏ مُصَالَحٍ بِهِ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ مَا جُعِلَ عِوَضًا عَنْهُ وَكَذَا لَوْ صَالَحَ عَنْهُ بِقِنٍّ فَخَرَجَ حُرًّا ‏(‏وَإِنْ عَلِمَاهُ‏)‏ أَيْ عَلِمَ الْمُتَصَالِحَانِ أَنَّ الْعِوَضَ مُسْتَحَقٌّ أَوْ حُرٌّ حَالَ الصُّلْحِ ‏(‏فَبِالدِّيَةِ‏)‏ يَرْجِعُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ لِحُصُولِ الرِّضَا عَلَى تَرْكِ الْقِصَاصِ، فَيَسْقُطُ إلَى الدِّيَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَجْهُولًا كَدَارٍ وَشَجَرَةٍ فَتَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَإِنْ صَالَحَ عَلَى عَبْدٍ أَوْ بَعِيرٍ وَنَحْوِهِ مُطْلَقٍ صَحَّ وَلَهُ الْوَسَطُ ‏(‏وَيَحْرُمُ أَنْ يُجْرِيَ‏)‏ شَخْصٌ ‏(‏فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏سَطْحِهِ‏)‏ أَيْ الْغَيْرِ ‏(‏مَاءً‏)‏ وَلَوْ تَضَرَّرَ بِتَرْكِهِ ‏(‏بِلَا إذْنِهِ‏)‏ أَيْ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ السَّطْحِ لِتَضَرُّرِهِ أَوْ تَضَرُّرِ أَرْضِهِ وَكَزَرْعِهَا ‏(‏وَيَصِحُّ صُلْحُهُ عَلَى ذَلِكَ‏)‏ أَيْ إجْرَاءِ مَائِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ سَطْحِهِ ‏(‏بِعِوَضٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إمَّا بَيْعٌ أَوْ إجَارَةٌ ‏(‏فَ‏)‏ إنْ صَالَحَهُ عَلَى إجْرَاءِ مَائِهِ فِي أَرْضِهِ أَوْ سَطْحِهِ ‏(‏مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ‏)‏ أَيْ رَبِّ الْمَحَلِّ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ بِأَنْ تَصَالَحَا عَلَى إجْرَائِهِ فِيهِ وَمِلْكُهُ بِحَالِهِ فَهُوَ ‏(‏إجَارَةٌ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ‏.‏

‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَتَصَالَحَا عَلَى إجْرَائِهِ فِيهِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏بَيْعٌ‏)‏؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَحَلِّ ‏(‏وَيُعْتَبَرُ‏)‏ لِصِحَّةِ ذَلِكَ إذَا وَقَعَ إجَارَةً ‏(‏عِلْمُ قَدْرِ الْمَاءِ‏)‏ الَّذِي يُجْرِيهِ لِاخْتِلَافِ ضَرَرِهِ بِكَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ ‏(‏بِسَاقِيَتِهِ‏)‏ أَيْ الْمَاءِ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهَا إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ مَائِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ عِلْمُ قَدْرِ ‏(‏مَاءِ مَطَرٍ بِرُؤْيَةِ مَا‏)‏ أَيْ مَحِلٍّ ‏(‏يَزُولُ عَنْهُ‏)‏ مِنْ سَطْحٍ أَوْ أَرْضٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ ب ‏(‏مِسَاحَتِهِ‏)‏ أَيْ ذِكْرِ قَدْرِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ لِيُعْلَمَ مَبْلَغُهُ ‏(‏وَتَقْدِيرُ مَا يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ‏)‏ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ و‏(‏لَا‏)‏ يُعْتَبَرُ عِلْمُ قَدْرِ ‏(‏عُمْقِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ عَيْنَ الْأَرْضِ أَوْ نَفْعَهَا كَانَ لَهُ إلَى التُّخُومِ فَلَهُ النُّزُولُ فِيهِ مَا شَاءَ‏.‏

وَفِي الْإِقْنَاعِ يُعْتَبَرُ إنْ وَقَعَ إجَارَةً ‏(‏وَلَا‏)‏ عِلْمُ ‏(‏مُدَّتِهِ‏)‏ أَيْ الْإِجْرَاءِ ‏(‏لِلْحَاجَةِ‏)‏ إذْ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ ‏(‏كَنِكَاحٍ‏)‏‏.‏

وَفِي الْقَوَاعِدِ‏:‏ لَيْسَ بِإِجَارَةٍ مَحْضَةٍ بَلْ هُوَ شَبِيهٌ بِالْبَيْعِ ‏(‏وَلِمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ الصُّلْحُ عَلَى سَاقِيَةٍ مَحْفُورَةٍ‏)‏ فِي أَرْضٍ اسْتَأْجَرَهَا أَوْ اسْتَعَارَهَا لِيُجْرِيَ الْغَيْرُ مَاءَهُ فِيهَا لِدَلَالَتِهَا عَلَى رَسْمٍ قَدِيمٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَحْفُورَةً لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُهَا فِيهَا و‏(‏لَا‏)‏ يَجُوزُ لِمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ الصُّلْحُ ‏(‏عَلَى إجْرَاءِ مَاءِ مَطَرٍ عَلَى سَطْحٍ أَوْ‏)‏ عَلَى ‏(‏أَرْضٍ‏)‏؛ لِأَنَّ السَّطْحَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ، وَالْأَرْضَ يَجْعَلُ لِغَيْرِ صَاحِبِهَا رَسْمًا فَرُبَّمَا ادَّعَى رَبُّ الْمَاءِ الْمِلْكَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ أَرْضٍ ‏(‏مَوْقُوفَةٍ كَمُؤَجَّرَةٍ‏)‏ فِي الصُّلْحِ عَنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ عَلَى سَاقِيَةٍ مَحْفُورَةٍ لَا عَلَى إحْدَاثِ سَاقِيَةٍ أَوْ إجْرَاءِ مَاءِ مَطَرٍ عَلَيْهَا‏:‏ وَفِي الْمُغْنِي الْأَوْلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ حَفْرُ السَّاقِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَهُ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ مَا لَمْ يَنْقُلْ الْمِلْكُ فِيهَا إلَى غَيْرِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ أَنَّ الْبَابَ وَالْخَوْخَةَ وَالْكُوَّةَ وَنَحْوَهَا لَا يَجُوزُ فِي مُؤَجَّرَةٍ، وَفِي مَوْقُوفَةٍ الْخِلَافُ، أَوْ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ‏:‏ وَهُوَ أَوْلَى قَالَ‏:‏ وَظَاهِرُهُ لَا تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ وَإِذْنُ الْحَاكِمِ بَلْ عَدَمُ الضَّرَرِ ‏(‏وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى سَقْيِ أَرْضِهِ‏)‏ أَيْ زَيْدٍ مَثَلًا ‏(‏مِنْ نَهْرِهِ‏)‏ أَيْ عَمْرٍو مَثَلًا ‏(‏أَوْ‏)‏ مِنْ ‏(‏عَيْنِهِ‏)‏ أَوْ بِئْرِهِ الْمُعَيَّنِ ‏(‏مُدَّةً وَلَوْ‏)‏ كَانَتْ مُدَّةَ السَّقْيِ ‏(‏مُعَيَّنَةً لَمْ يَصِحَّ‏)‏ الصُّلْحُ بِعِوَضٍ لِعَدَمِ مِلْكِ الْمَاءِ وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى ثُلُثِ النَّهْرِ أَوْ الْعَيْنِ وَنَحْوِهِ صَحَّ وَالْمَاءُ تَبَعٌ لِلْقَرَارِ ‏(‏وَيَصِحُّ شِرَاءُ مَمَرٍّ فِي دَارٍ‏)‏ وَنَحْوِهَا مِنْ مَالِكِهِ ‏(‏وَ‏)‏ شِرَاءُ ‏(‏مَوْضِعٍ بِحَائِطٍ يُفْتَحُ بَابًا‏)‏ وَشِرَاءُ ‏(‏بُقْعَةٍ تُحْفَرُ بِئْرًا‏)‏؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ فَجَازَ بَيْعُهَا كَالْأَعْيَانِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ شِرَاءُ ‏(‏عُلُوِّ بَيْتٍ وَلَوْ لَمْ يُبْنَ‏)‏ الْبَيْتُ ‏(‏إذَا وُصِفَ‏)‏ الْبَيْتُ لِيُعْلَمَ ‏(‏لِيَبْنِيَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ ل ‏(‏يَضَعَ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْعُلُوِّ ‏(‏بُنْيَانًا أَوْ‏)‏ يَضَعَ عَلَيْهِ ‏(‏خَشَبًا مَوْصُوفَيْنِ‏)‏ أَيْ الْبُنْيَانَ وَالْخَشَبُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ فَجَازَ لَهُ بَيْعُهُ كَالْقَرَارِ ‏(‏وَمَعَ زَوَالِهِ‏)‏ أَيْ مَا عَلَى الْعُلُوِّ مِنْ بُنْيَانٍ أَوْ خَشَبٍ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ لِرَبِّ الْبِنَاءِ أَوْ الْخَشَبِ ‏(‏الرُّجُوعُ‏)‏ عَلَى رَبِّ سُفْلٍ ‏(‏بِ‏)‏ أُجْرَةِ ‏(‏مُدَّتِهِ‏)‏ أَيْ مُدَّة زَوَالٍ عَنْهُ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمُغْنِي بِمَا إذَا كَانَ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَكَانَ سُقُوطُهَا لَا يَعُودُ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ وَالصُّلْحِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَا فِيمَا إذَا كَانَ سُقُوطًا يُمْكِنُ عَوْدُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏إعَادَتُهُ مُطْلَقًا‏)‏ أَيْ سَوَاءٌ زَالَ لِسُقُوطِهِ أَوْ سُقُوطِ مَا تَحْتَهُ أَوْ لِهَدْمِهِ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بَقَاءَهُ بِعِوَضٍ ‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏الصُّلْحُ عَلَى عَدَمِهَا‏)‏ أَيْ الْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بَيْعُهُ مِنْهُ جَازَ صُلْحُهُ عَنْهُ ‏(‏كَ‏)‏ مَا لَهُ الصُّلْحُ ‏(‏عَلَى زَوَالِهِ‏)‏ أَيْ رَفْعِ مَا عَلَى الْعُلُوِّ مِنْ بُنْيَانٍ أَوْ خَشَبٍ سَوَاءٌ صَالَحَهُ عَنْهُ بِمِثْلِ الْعِوَضِ الْمُصَالَحِ بِهِ عَلَى وَضْعِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لَهُ فَصَحَّ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ مَسِيلُ مَاءٍ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ مِيزَابٍ وَنَحْوِهِ فَصَالَحَ رَبُّ الْأَرْضِ مُسْتَحِقَّهُ لِيُزِيلَهُ عَنْهُ بِعِوَضٍ جَازَ ‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏فِعْلُهُ‏)‏ أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَمَرِّ وَفَتْحِ الْبَابِ بِالْحَائِطِ وَحَفْرِ الْبُقْعَةِ بِالْأَرْضِ بِئْرًا وَوَضْعِ الْبِنَاءِ وَالْخَشَبِ عَلَى عُلُوِّ غَيْرِهِ ‏(‏صُلْحًا أَبَدًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ فَجَازَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِالصُّلْحِ ‏(‏أَوْ‏)‏ فَعَلَهُ ‏(‏إجَارَةً مُدَّة مُعِينَةً‏)‏؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ مَقْصُودٌ ‏(‏وَإِذَا مَضَتْ بَقِيَ وَلَهُ‏)‏ أَيْ مَالِكِ الْعُلُوِّ ‏(‏أُجْرَةُ الْمِثْلِ‏)‏ وَلَا يُطَالِبُ بِإِزَالَةِ بِنَائِهِ وَخَشَبِهِ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُسْتَأْجَرُ كَذَلِكَ إلَّا لِلتَّأْبِيدِ، وَمَعَ التَّسَاكُتِ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، ذَكَرَ مَعْنَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ قُلْتُ‏:‏ وَعَلَى قِيَاسِهِ الْحُكُورَةُ الْمَعْرُوفَةُ‏.‏

‏[‏فصل‏:‏ في حكم الجوار‏]‏

بِكَسْرِ الْجِيمِ مَصْدَرُ جَاوَرَ وَأَصْلُهُ الْمُلَازَمَةُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمُعْتَكِفِ مُجَاوِرٌ لِمُلَازَمَةِ الْجَارِ جَارَهُ فِي الْمَسْكَنِ‏.‏

وَفِي الْحَدِيثِ ‏{‏مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ‏}‏ ‏(‏إذَا حَصَلَ فِي هَوَائِهِ‏)‏ أَيْ الْإِنْسَانِ أَوْ عَلَى جِدَارِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏أَرْضِهِ‏)‏ الَّتِي يَمْلِكُهَا أَوْ بَعْضِهَا أَوْ يَمْلِكُ نَفْعَهَا أَوْ بَعْضَهُ ‏(‏غُصْنُ شَجَرِ غَيْرِهِ أَوْ عِرْقُهُ‏)‏ أَيْ حَصَلَ فِي هَوَائِهِ غُصْنُ شَجَرِ غَيْرِهِ أَوْ حَصَلَ فِي أَرْضِهِ عِرْقُ شَجَرِ غَيْرِهِ ‏(‏لَزِمَهُ‏)‏ أَيْ رَبَّ الْغُصْنِ وَالْعِرْقِ ‏(‏إزَالَتُهُ‏)‏ بِرَدِّهِ إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى أَوْ قَطْعُهُ سَوَاءٌ أَثَّرَ ضَرَرًا أَوْ لَا لِيُخَلِّيَ مِلْكَهُ الْوَاجِبَ إخْلَاؤُهُ وَالْهَوَاءُ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ‏.‏

‏(‏وَضَمِنَ‏)‏ رَبُّ غُصْنٍ أَوْ عِرْقٍ ‏(‏مَا تَلِفَ بِهِ بَعْدَ طَلَبٍ‏)‏ بِإِزَالَتِهِ لِصَيْرُورَتِهِ مُعْتَدِيًا بِإِبْقَائِهِ وَبَنَاهُ فِي الْمُغْنِي عَلَى مَسْأَلَةِ مَا إذَا مَالَ حَائِطُهُ فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا فَعَلَيْهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَإِذَا أَبَى‏)‏ رَبُّ غُصْنٍ أَوْ عِرْقٍ إزَالَتَهُ ‏(‏فَلَهُ‏)‏ أَيْ رَبِّ الْهَوَاءِ أَوْ الْأَرْضِ ‏(‏قَطْعُهُ‏)‏ أَيْ الْغُصْنِ أَوْ الْعِرْقِ إنْ لَمْ يَزُلْ إلَّا بِهِ بِلَا حَاكِمٍ وَلَا غُرْمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إقْرَارُ مَالِ غَيْرِهِ فِي مِلْكِهِ بِلَا رِضَاهُ وَلَا يُجْبَرُ رَبُّهُ عَلَى إزَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ و‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏صُلْحُهُ‏)‏ أَيْ رَبِّ الْغُصْنِ أَوْ الْعِرْقِ عَلَى ذَلِكَ بِعِوَضٍ ‏(‏وَلَا‏)‏ صُلْحُ ‏(‏مَنْ مَالَ حَائِطُهُ أَوْ زَلَقَ خَشَبُهُ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ عَنْ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ إبْقَائُهُ كَذَلِكَ ‏(‏بِعِوَضٍ‏)‏؛ لِأَنَّ شَغْلَهُ لِمِلْكِ الْآخَرِ لَا يَنْضَبِطُ وَإِذَا اتَّفَقَا‏)‏ أَيْ رَبُّ الْغُصْنِ وَالْهَوَاءِ أَوْ الْأَرْضِ وَالْعِرْقِ عَلَى ‏(‏أَنَّ الثَّمَرَةَ لَهُ أَوْ‏)‏ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ ‏(‏بَيْنَهُمَا جَازَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَصْلَحُ مِنْ الْقَطْعِ ‏(‏وَلَمْ يَلْزَمْ‏)‏ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى ضَرَرِ رَبِّ الشَّجَرِ لِتَأْبِيدِ اسْتِحْقَاقِ الثَّمَرَةِ عَلَيْهِ أَوْ مَالِكِ الْهَوَاءِ، أَوْ الْأَرْضِ لِتَأْبِيدِ بَقَاءِ الْغُصْنِ أَوْ الْعِرْقِ فِي مِلْكِهِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ ثُمَّ امْتَنَعَ رَبُّ الشَّجَرَةِ مِنْ دَفْعِ مَا صَالَحَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ‏(‏وَحَرُمَ إخْرَاجُ دُكَّانٍ‏)‏ بِضَمِّ الدَّالِ ‏(‏وَ‏)‏ إخْرَاجُ ‏(‏دَكَّةٍ‏)‏ بِفَتْحِهَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَالدَّكَّةُ بِالْفَتْحِ وَالدُّكَّانُ بِالضَّمِّ بِنَاءٌ يُسَطَّحُ أَعْلَاهُ لِلْمَقْعَدِ‏.‏

وَفِي مَوْضِعٌ آخَرَ الدُّكَّانُ كَرُّمَّانٍ الْحَانُوتُ ‏(‏بِ‏)‏ طَرِيقٍ ‏(‏نَافِذٍ‏)‏ سَوَاءٌ أَضَرَّ بِالْمَارَّةِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ حَالًا فَقَدْ يَضُرُّ مَآلًا وَسَوَاءٌ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَا سِيَّمَا مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَضُرَّ ‏(‏فَيَضْمَنُ‏)‏ مَخْرَجَ دُكَّانٍ أَوْ دَكَّةٍ ‏(‏مَا تَلِفَ بِهِ‏)‏ لِتَعَدِّيهِ ‏(‏وَكَذَا جَنَاحٌ وَ‏)‏ هُوَ الرَّوْشَنُ عَلَى أَطْرَافِ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ مَدْفُونَةٍ فِي الْحَائِطِ و‏(‏سَابَاطٌ‏)‏ وَهُوَ الْمُسْتَوْفِي لِلطَّرِيقِ عَلَى جِدَارَيْنِ ‏(‏وَمِيزَابٌ‏)‏ فَيَحْرُمُ إخْرَاجُهَا بِنَافِذٍ ‏(‏إلَّا بِإِذْنِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ فَإِذْنُهُ كَإِذْنِهِمْ، وَلِحَدِيثِ أَحْمَدَ ‏"‏ أَنَّ عُمَرَ اجْتَازَ عَلَى دَارِ الْعَبَّاسِ وَقَدْ نَصَبَ مِيزَابًا إلَى الطَّرِيقِ فَقَلَعَهُ فَقَالَ تَقْلَعُهُ وَقَدْ نَصَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا تَنْصِبَهُ إلَّا عَلَى ظَهْرِي فَانْحَنَى حَتَّى صَعَدَ عَلَى ظَهْرِهِ فَنَصَبَهُ ‏"‏ وَلِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ ‏(‏بِلَا ضَرَرٍ بِأَنْ يُمْكِنَ عُبُورُ مَحْمَلٍ‏)‏ مِنْ تَحْتِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ وَضْعُهُ وَلَا إذْنُهُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ مُنْخَفِضًا وَقْتَ وَضْعِهِ ثُمَّ ارْتَفَعَ لِطُولِ الزَّمَنِ فَحَصَلَ بِهِ ضَرَرٌ وَجَبَتْ إزَالَتُهُ ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ‏(‏وَيَحْرُمُ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ إخْرَاجُ دُكَّانٍ وَدَكَّةٍ وَجَنَاحٍ وَسَابَاطٍ وَمِيزَابٍ ‏(‏فِي مِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ هَوَائِهِ‏)‏ أَيْ الْغَيْرِ ‏(‏أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ‏)‏ أَ ‏(‏و فَتْحِ بَابٍ فِي ظَهْرِ دَارٍ فِيهِ‏)‏ أَيْ الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ ‏(‏لِاسْتِطْرَاقٍ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ‏)‏ إنْ كَانَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ إلَّا بِإِذْنِ ‏(‏أَهْلِهِ‏)‏ أَيْ الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ إنْ فَعَلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الدَّرْبَ مِلْكُهُمْ فَلَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ ‏(‏وَيَجُوزُ‏)‏ فَتْحُ بَابٍ فِي ظَهْرِ دَارٍ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ بِلَا إذْنِ أَهْلِهِ ‏(‏لِغَيْرِ اسْتِطْرَاقٍ‏)‏ كَلِضَوْءٍ وَهَوَاءٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِأَهْلِهِ فِي الِاسْتِطْرَاقِ وَلَمْ يُزَاحِمْهُمْ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ غَايَتَهُ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِرَفْعِ بَعْضِ حَائِطِهِ ‏(‏وَ‏)‏ يَجُوزُ فَتْحُ ذَلِكَ وَلَوْ لِاسْتِطْرَاقٍ ‏(‏فِي‏)‏ زُقَاقٍ ‏(‏نَافِذٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ بِمَا لَا يَتَعَيَّنُ لَهُ مَالِكٌ وَلَا إضْرَارَ فِيهِ عَلَى الْمَارِّينَ ‏(‏وَ‏)‏ يَجُوزُ ‏(‏صُلْحٌ عَنْ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ عَنْ إخْرَاجِ دُكَّانٍ وَدَكَّةٍ بِمِلْكِ غَيْرِهِ وَجَنَاحٍ وَسَابَاطٍ وَمِيزَابٍ بِهَوَاءِ غَيْرِهِ وَالِاسْتِطْرَاقُ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ ‏(‏بِعِوَضٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِمَالِكِهِ الْخَاصِّ وَلِأَهْلِ الدَّرْبِ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَمَحَلُّهُ فِي الْجَنَاحِ وَنَحْوِهِ إنْ عُلِمَ مِقْدَارُ خُرُوجِهِ وَعُلُوِّهِ ‏(‏وَ‏)‏ يَجُوزُ ‏(‏نَقْلُ بَابٍ فِي‏)‏ دَرْبٍ ‏(‏غَيْرِ نَافِذٍ‏)‏ مِنْ آخِرِهِ ‏(‏إلَى أَوَّلِهِ‏)‏ لِتَرْكِهِ بَعْضَ حَقِّهِ فِي الِاسْتِطْرَاقِ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ ‏(‏بِلَا ضَرَرٍ‏)‏ فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ مُنِعَ مِنْهُ ‏(‏كَ‏)‏ أَنْ فَتَحَهُ فِي ‏(‏مُقَابَلَةِ بَابِ غَيْرِهِ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَفَتْحِهِ عَالِيًا يَصْعَدُ إلَيْهِ بِسُلَّمٍ يُشْرِفُ مِنْهُ عَلَى دَارِ جَارِهِ و‏(‏لَا‏)‏ يَجُوزُ نَقْلُ الْبَابِ بِدَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ مِنْ أَوَّلِهِ ‏(‏إلَى دَاخِلٍ‏)‏ مِنْهُ نَصًّا ‏(‏إنْ لَمْ يَأْذَنْ مَنْ فَوْقَهُ‏)‏ أَيْ الدَّاخِلُ عَنْهُ لِتَعَدِّيهِ إلَى مَوْضِعٍ لَا اسْتِطْرَاقَ لَهُ فِيهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ أَذِنَ مَنْ فَوْقَهُ جَازَ، و‏(‏يَكُونُ إعَارَةً‏)‏ لَازِمَةً فَلَا رُجُوعَ لِلْآذِنِ بَعْدَ فَتْحِ الدَّاخِلِ وَسَدُّ الْأَوَّلِ كَإِذْنِهِ فِي نَحْوِ بِنَاءٍ عَلَى جِدَارِهِ؛ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِالْمُسْتَعِيرِ ذَكَرَ مَعْنَاهُ فِي شَرْحِهِ فَإِنْ سَدَّ الْمَالِكُ بَابَهُ الدَّخِلَ، ثُمَّ أَرَادَ فَتْحَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ إلَّا بِإِذْنٍ ثَانٍ ‏(‏وَمَنْ خَرَقَ بَيْنَ دَارَيْنِ لَهُ‏)‏ أَيْ الْخَارِقِ ‏(‏مُتَلَاصِقَيْنِ‏)‏ مِنْ ظَهْرِهِمَا ‏(‏بَابَاهُمَا فِي دَرْبَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ‏)‏ أَيْ بَابُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ ‏(‏وَاسْتَطْرَقَ‏)‏ بِالْخَرْقِ ‏(‏إلَى كُلٍّ‏)‏ مِنْ الدَّارَيْنِ ‏(‏مِنْ الْأُخْرَى جَازَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَطْرَقَ مِنْ كُلِّ دَرْبٍ إلَى دَارِهِ الَّتِي فِيهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ مِنْهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، كَدَارٍ وَاحِدَةٍ لَهَا بَابَانِ يَدْخُلُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَخْرُجُ مِنْ الْآخَرِ ‏(‏وَحَرُمَ‏)‏ عَلَى مَالِكٍ ‏(‏أَنْ يُحْدِثَ بِمِلْكِهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ كَحَمَّامٍ‏)‏ يَتَأَذَّى جَارُهُ بِدُخَانِهِ أَوْ يَتَضَرَّرُ حَائِطُهُ بِمَائِهِ وَمِثْلُهُ مَطْبَخُ سُكَّرٍ ‏(‏وَكَنِيفٍ‏)‏ يَتَأَذَّى جَارُهُ بِرِيحِهِ أَوْ يَصِلُ إلَى بِئْرِهِ ‏(‏وَرَحًى‏)‏ يَهْتَزُّ بِهَا حِيطَانُهُ ‏(‏وَتَنُّورٍ‏)‏ يَتَعَدَّى دُخَانُهُ إلَيْهِ وَدُكَّانِ حِدَادَةٍ وَقِصَارَةٍ يَتَأَذَّى بِدَقِّهِ بِهَزِّ الْحِيطَانِ لِحَدِيثِ ‏{‏لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ‏}‏ بِجَارِهِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الْجَارِ ‏(‏مَنْعُهُ إنْ فَعَلَ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏كَابْتِدَاءِ إحْيَائِهِ‏)‏ أَيْ كَمَا لَهُ مَنْعُهُ مِنْ ابْتِدَاءِ إحْيَاءِ مَا بِجِوَارِهِ لِتَعَلُّقِ مَصَالِحِهِ بِهِ ‏(‏وَ ك‏)‏ مَا لَهُ مَنْعُهُ مِنْ ‏(‏دَقٍّ وَسَقْيٍ يَتَعَدَّى‏)‏ إلَيْهِ لِلْخَبَرِ وَلَهُ تَعْلِيَةُ دَارِهِ وَلَوْ أَفْضَى إلَى سَدِّ الْفَضَاءِ عَنْ جَارِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ‏(‏بِخِلَافِ طَبْخٍ وَخَبْزٍ فِيهِ‏)‏ أَيْ مِلْكِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَضَرَرُهُ يَسِيرٌ لَا سِيَّمَا بِالْقُرَى‏.‏

وَإِنْ ادَّعَى فَسَادَ بِئْرِهِ بِكَنِيفِ جَارِهِ أَوْ بَالُوعَتِهِ اُخْتُبِرَ بِالنِّفْطِ يُلْقَى فِيهِمَا فَإِنْ ظَهَرَ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ بِالْمَاءِ نُقِلَتَا إنْ لَمْ يُمْكِنُ إصْلَاحُهُمَا ‏(‏وَمَنْ لَهُ حَقُّ مَاءٍ يَجْرِي عَلَى سَطْحِ جَارِهِ لَمْ يَجُزْ لِجَارِهِ تَعْلِيَةُ سَطْحِهِ لِيَمْنَعَ الْمَاءَ‏)‏ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى سَطْحِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ جَارِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنْ يُعَلِّيَهُ ‏(‏ل‏)‏ كَيْ ‏(‏يَكْثُرَ ضَرَرُهُ‏)‏ أَيْ صَاحِبِ الْحَقِّ بِإِجْرَائِهِ عَلَى مَا عَلَاهُ لِلْمُضَارَّةِ بِهِ ‏(‏وَيَحْرُمُ تَصَرُّفٌ فِي جِدَارِ جَارٍ أَوْ‏)‏ فِي جِدَارٍ ‏(‏مُشْتَرَكٍ‏)‏ بَيْنَ الْمُتَصَرِّفِ وَغَيْرِهِ ‏(‏بِفَتْحِ رَوْزَنَةٍ‏)‏ وَهِيَ الْكَوَّةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا أَيْ الْخَرْقُ فِي الْحَائِطِ ‏(‏أَوْ‏)‏ بِفَتْحِ ‏(‏طَاقٍ أَوْ‏)‏ ب ‏(‏ضَرْبِ وَتَدٍ‏)‏ وَلَوْ لِسُتْرَةٍ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ كَجَعْلِ رَفٍّ فِيهِ ‏(‏إلَّا بِإِذْنِ‏)‏ مَالِكِهِ أَوْ شَرِيكِهِ كَالْبِنَاءِ عَلَيْهِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَحْرُمُ ‏(‏وَضْعُ خَشَبٍ‏)‏ عَلَى جِدَارِ دَارٍ أَوْ مُشْتَرَكٍ ‏(‏إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنُ تَسْقِيفٌ إلَّا بِهِ‏)‏ فَيَجُوزُ ‏(‏بِلَا ضَرَرٍ‏)‏ نَصًّا ‏(‏وَيُجْبَرُ‏)‏ رَبُّ الْجِدَارِ أَوْ الشَّرِيكِ فِيهِ عَلَى تَمْكِينِهِ مِنْهُ ‏(‏إنْ أَبَى‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِهِ، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ‏؟‏ وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَلِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِحَائِطِ جَارِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّهُ أَشْبَهَ الِاسْتِنَادَ إلَيْهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَالِغِ وَالْيَتِيمِ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَاقِلِ وَلَمْ يَجُزْ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَخْذُ عِوَضٍ عَنْهُ إذَنْ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عِوَضَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ ‏(‏وَجِدَارُ مَسْجِدٍ ك‏)‏ جِدَارِ ‏(‏دَارٍ‏)‏ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ فِي مِلْكِ الْآدَمِيِّ مَعَ شُحِّهِ وَضِيقِهِ فَحَقُّ اللَّهِ أَوْلَى وَالْفَرْقُ بَيْنَ فَتْحِ الْبَابِ وَالطَّاقِ وَبَيْنَ وَضْعِ الْخَشَبِ‏:‏ أَنَّ الْخَشَبَ يُمْسِكُ الْحَائِطَ وَالطَّاقَ وَالْبَابَ يُضْعِفُهُ، وَوَضْعُ الْخَشَبِ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلِرَبِّ الْحَائِطِ هَدْمُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَمَتَى زَالَ الْخَشَب بِسُقُوطِهِ أَوْ سُقُوطِ الْحَائِطِ ثُمَّ أُعِيدَ فَلَهُ إعَادَتُهُ إنْ بَقِيَ الْمُجَوِّزُ لِوَضْعِهِ وَإِنْ خِيفَ سُقُوطُ الْحَائِطِ بِاسْتِمْرَارِهِ عَلَيْهِ لَزِمَهُ إزَالَتُهُ وَإِنْ اسْتَغْنَى رَبُّ الْخَشَبِ عَنْ إبْقَائِهِ عَلَيْهِ لَمْ تَلْزَمْهُ إزَالَتُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِصَاحِبِهِ وَلَا ضَرَرَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ وَلَيْسَ لِرَبِّهِ هَدْمُهُ بِلَا حَاجَةٍ، وَلَا إجَارَتُهُ أَوْ إعَارَتُهُ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ وَضْعِ خَشَبِهِ‏.‏

وَمَنْ وَجَدَ بِنَاءَهُ أَوْ خَشَبَهُ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ أَوْ مُشْتَرَكًا وَلَمْ يَعْلَمْ سَبَبَهُ وَزَالَ فَلَهُ إعَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَضْعُهُ بِحَقٍّ، وَكَذَا مَسِيلُ مَائِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ مَجْرَى مَاءٍ بِسَطْحِهِ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ وَنَحْوِهِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ بِحَقٍّ أَوْ عُدْوَانٍ فَقَوْلُ صَاحِبِهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الْإِنْسَانِ ‏(‏أَنْ يَسْتَنِدَ‏)‏ إلَى حَائِطِ غَيْرِهِ ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏يُسْنِدَ قُمَاشَهُ وَجُلُوسَهُ فِي ظِلِّهِ‏)‏ بِلَا إذْنِهِ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ وَعَدَمِ الضَّرَرِ فِيهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجُوزُ ‏(‏نَظَرُهُ‏)‏ أَيْ الْإِنْسَانِ ‏(‏فِي ضَوْءِ سِرَاجِ غَيْرِهِ‏)‏ بِلَا إذْنِهِ نَصًّا لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَإِنْ طَلَبَ شَرِيكٌ فِي حَائِطٍ‏)‏ انْهَدَمَ طِلْقًا أَوْ وَقْفًا ‏(‏أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏سَقْفٍ انْهَدَمَ‏)‏ مُشَاعًا بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَ سُفْلِ أَحَدِهِمَا وَعُلُوِّ الْآخَرِ ‏(‏شَرِيكَهُ‏)‏ فِيهِ بِبِنَاءٍ مَعَهُ أَيْ الطَّالِبِ ‏(‏أُجْبِرَ‏)‏ الْمَطْلُوبُ عَلَى الْبِنَاءِ مَعَهُ نَصًّا ‏(‏كَ‏)‏ مَا يُجْبَرُ عَلَى ‏(‏نَقْضِهِ‏)‏ مَعَهُ ‏(‏عِنْدَ خَوْفِ سُقُوطِ‏)‏ الْحَائِطِ أَوْ السَّقْفِ دَفْعًا لِضَرَرِهِ لِحَدِيثِ ‏{‏لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ‏}‏ وَكَوْنُ الْمِلْكِ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ تُوجِبُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ مُسَلَّمًا لَكِنَّ حُرْمَةَ الشَّرِيكِ الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ الْبِنَاءِ تُوجِبُ ذَلِكَ‏.‏

وَإِذَا أَبَى‏)‏ شَرِيكٌ الْبِنَاءَ مَعَ شَرِيكِهِ وَأَجْبَرَهُ عَلَيْهِ حَاكِمٌ وَأَصَرَّ ‏(‏أَخَذَ حَاكِمٌ‏)‏ تَرَافَعَا إلَيْهِ ‏(‏مِنْ مَالِهِ‏)‏ أَيْ الْمُمْتَنِعِ النَّقْدَ وَأَنْفَقَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ ‏(‏أَوْ بَاعَ‏)‏ الْحَاكِمُ ‏(‏عَرْضَهُ‏)‏ أَيْ الْمُمْتَنِعِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْدٌ ‏(‏وَأَنْفَقَ‏)‏ مِنْ ثَمَنِهِ مَعَ شَرِيكِهِ بِالْمُحَاصَّةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ وَإِذَا تَعَذَّرَ‏)‏ ذَلِكَ عَلَى الْحَاكِمِ لِنَحْوِ تَغْيِيبِ مَالِهِ ‏(‏اقْتَرَضَ عَلَيْهِ‏)‏ الْحَاكِمُ لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ كَنَفَقَةِ نَحْوِ زَوْجَتِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ بَنَاهُ‏)‏ شَرِيكٌ ‏(‏بِإِذْنِ شَرِيكِهِ‏)‏ أَوْ بِإِذْنِ ‏(‏حَاكِمٍ أَوْ‏)‏ بِدُونِ إذْنِهِمَا ‏(‏لِيَرْجِعَ‏)‏ عَلَى شَرِيكِهِ وَبَنَاهُ ‏(‏شَرِكَةً رَجَعَ‏)‏ لِرُجُوعِهِ عَلَى الْمُنْفِقِ عَنْهُ فَقَدْ قَامَ عَنْهُ بِوَاجِبٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ بَنَاهُ شَرِيكُهُ ‏(‏لِنَفْسِهِ بِآلَتِهِ‏)‏ أَيْ الْمُنْهَدِمِ ‏(‏فَ‏)‏ الْمَبْنِيُّ ‏(‏شَرِكَةٌ‏)‏ بَيْنَهُمَا كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْبَانِيَ إنَّمَا أَنْفَقَ عَلَى التَّأْلِيفِ وَهُوَ أَثَرٌ لَا عَيْنٌ يَمْلِكُهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ شَرِيكَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ أَخْذِ نِصْفِ نَفَقَةِ تَأْلِيفِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ بَنَاهُ لِنَفْسِهِ ‏(‏بِغَيْرِهَا‏)‏ أَيْ غَيْرِ آلَةِ الْمُنْهَدِمِ ‏(‏فَ‏)‏ الْبِنَاءُ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ الْبَانِي خَاصَّةً ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الْبَانِي ‏(‏نَقْضُهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ‏(‏لَا إنْ دَفَعَ‏)‏ لَهُ ‏(‏شَرِيكُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ ‏)‏ فَلَا يَمْلِكُ نَقْضَهُ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ فَأُجْبِرَ عَلَى الْإِبْقَاءِ وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْبَانِي نَقْضُهُ وَلَا إجْبَارُ الْبَانِي عَلَى نَقْضِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ مِنْ بِنَائِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ إجْبَارَهُ عَلَى نَقْضِهِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَطَالَبَهُ الْبَانِي بِالْغَرَامَةِ أَوْ الْقِيمَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا إنْ أَذِنَ وَإِنْ كَانَ لَهُ رَسْمُ الِانْتِفَاعِ وَوَضْعُ خَشَبٍ وَقَالَ‏:‏ إمَّا أَنْ تَأْخُذْ مِنِّي نِصْفَ قِيمَتِهِ لِأَنْتَفِعَ بِهِ، أَوْ تَقْلَعَهُ لِنُعِيدَ الْبِنَاءَ بَيْنَنَا، لَزِمَهُ إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ رُسُومِهِ وَانْتِفَاعِهِ ‏(‏وَكَذَا إنْ احْتَاجَ لِعِمَارَةِ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ دُولَابٍ أَوْ نَاعُورَةٍ أَوْ قَنَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ‏)‏ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فَيُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى الْعِمَارَةِ إنْ امْتَنَعَ وَفِي النَّفَقَةِ مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ ‏(‏وَلَا يُمْنَعُ شَرِيكٌ مِنْ عِمَارَةِ‏)‏ تِلْكَ الْحَائِطِ وَإِذَا فَعَلَ‏)‏ أَيْ عَمَّرَ فِيهَا ‏(‏فَالْمَاءُ‏)‏ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ ‏(‏عَلَى الشَّرِكَةِ‏)‏ كَمَا كَانَ، وَلَيْسَ لِلْمُعَمِّرِ مَنْعُهُ مِمَّنْ لَمْ يُعَمِّرْ؛ لِأَنَّ الْقَرَارَ لَهُمْ وَالْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا أَثَّرَ أَحَدُهُمَا فِي نَقْلِ الطِّينِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ، وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ عَيْنُ مَالٍ، أَشْبَهَ الْحَائِطَ إذَا عَمَّرَهُ بِآلَتِهِ، وَفِي الرُّجُوعِ بِالنَّفَقَةِ مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ ‏(‏وَإِنْ بَنَيَا مَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ‏)‏ مِنْ حَائِطِ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏وَالنَّفَقَةُ‏)‏ بَيْنَهُمَا ‏(‏كَذَلِكَ‏)‏ أَيْ نِصْفَيْنِ ‏(‏عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ‏)‏ مِمَّا لِلْآخَرِ بِأَنْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَيْنِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَ مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ صَالَحَ عَلَى بَعْضِ مِلْكِهِ بِبَعْضِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَارٍ فَصَالَحَهُ بِسُكْنَاهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ بَنَيَاهُ عَلَى ‏(‏أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحْمِلُهُ مَا احْتَاجَ‏)‏ إلَيْهِ ‏(‏لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ وَصَفَا الْحَمْلَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ ‏(‏وَإِنْ عَجَزَ قَوْمٌ عَنْ عِمَارَةِ قَنَاتِهِمْ أَوْ نَحْوِهَا‏)‏ كَنَهْرِهِمْ ‏(‏فَأَعْطَوْهَا لِمَنْ يُعَمِّرُهَا وَيَكُونُ مِنْهَا جُزْءٌ مَعْلُومٌ‏)‏ كَنِصْفٍ أَوْ رُبْعٍ ‏(‏صَحَّ‏)‏ وَكَذَا إنْ لَمْ يَعْجِزُوا عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ كَدَفْعِ رَقِيقٍ لِمَنْ يُرَبِّيهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ وَغَزْلٍ لِمَنْ يَنْسُجُهُ كَذَلِكَ ‏(‏وَمَنْ لَهُ عُلُوٌّ‏)‏ مِنْ طَبَقَتَيْنِ وَالسُّفْلُ لِآخَرَ ‏(‏أَوْ‏)‏ لَهُ ‏(‏طَبَقَةٌ ثَالِثَةٌ‏)‏ وَمَا تَحْتَهَا لِغَيْرِهِ فَانْهَدَمَ السُّفْلُ فِي الْأُولَى أَوْ السُّفْلُ أَوْ الْوَسَطُ أَوْ هُمَا فِي الثَّانِيَةِ ‏(‏لَمْ يُشَارِكْ‏)‏ رَبُّ الْعُلُوِّ ‏(‏فِي‏)‏ النَّفَقَةِ عَلَى ‏(‏بِنَاءِ مَا انْهَدَمَ تَحْتَهُ‏)‏ مِنْ سُفْلٍ أَوْ وَسَطٍ؛ لِأَنَّ الْحِيطَانَ إنَّمَا تُبْنَى لِمَنْعِ النَّظَرِ وَالْوُصُولِ إلَى السَّاكِنِ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ تَحْتَهُ دُونَ رَبِّ الْعُلُوِّ ‏(‏وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ عَلَى بِنَائِهِ ‏(‏مَالِكُهُ‏)‏ أَيْ الْمُنْهَدِمِ تَحْتَ لِيَتَمَكَّنَ رَبُّ الْعُلُوِّ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِهِ‏.‏

‏(‏وَيَلْزَمُ الْأَعْلَى‏)‏ جَعْلُ ‏(‏سُتْرَةٍ تَمْنَعُ مُشَارَفَةَ الْأَسْفَلِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ‏}‏ إذْ الْإِشْرَافُ عَلَى الْجَارِ إضْرَارٌ بِهِ لِكَشْفِهِ جَارَهُ وَاطِّلَاعِهِ عَلَى حَرَمِهِ وَإِذَا اسْتَوَيَا‏)‏ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْجَارَيْنِ أَعْلَى مِنْ الْآخَرِ ‏(‏اشْتَرَكَا‏)‏ فِي السُّتْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَإِنْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ ذَلِكَ أُجْبِرَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ فَأُجْبِرَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَلَيْسَ لَهُ الصُّعُودُ عَلَى سَطْحِهِ قَبْلَ بِنَاءِ سُتْرَةٍ حَيْثُ كَانَ يُشْرِفُ عَلَى جَارِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ سَدُّ طَاقَةٍ إذَا لَمْ يُشْرِفْ مِنْهُ عَلَى جَارِهِ وَلَا يُجْبَرُ مُمْتَنِعٌ مِنْ بِنَاءِ حَائِطٍ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا، وَيَبْنِي الطَّالِبُ فِي مِلْكِهِ إنْ شَاءَ ‏(‏وَمَنْ هَدَمَ بِنَاءً لَهُ‏)‏ أَيْ الْهَادِمِ ‏(‏فِيهِ جُزْءٌ‏)‏ وَإِنْ قَلَّ ‏(‏إنْ خِيفَ سُقُوطُهُ‏)‏ حَالَ هَدْمِهِ ‏(‏فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ‏)‏ لِشَرِيكِهِ لِوُجُوبِ هَدْمِهِ إذَنْ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَخَفْ سُقُوطَهُ ‏(‏لَزِمَهُ إعَادَتُهُ‏)‏ كَمَا كَانَ، لِتَعَدِّيهِ عَلَى حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَلَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ إلَّا بِإِعَادَةِ جَمِيعِهِ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَلْزَمُهُ أَرْشُ نَقْصِهِ بِالنَّقْصِ‏.‏

كِتَابُ‏:‏ الْحَجْرِ

لِلْفَلَسِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَةً التَّضْيِيقُ وَالْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَرَمُ حِجْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا‏}‏؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَسُمِّيَ الْعَقْلُ حِجْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ‏}‏؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ تَعَاطِي مَا يَقْبُحُ وَتَضُرُّ عَاقِبَتُهُ وَشَرْعًا ‏(‏مَنْعُ مَالِكٍ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ‏)‏ سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ، كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ، أَوْ الْحَاكِمِ كَمَنْعِهِ الْمُشْتَرِيَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ حَتَّى يَقْضِيَ الثَّمَنَ الْحَالَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَ‏)‏ الْحَجْرُ ‏(‏لِفَلَسٍ‏:‏ مَنْعُ حَاكِمٍ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ يَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ الْمَوْجُودِ‏)‏ حَالَ الْحَجْرِ وَالْمُتَجَدِّدِ بَعْدَهُ بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ‏(‏مُدَّةَ الْحَجْرِ‏)‏ أَيْ إلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ أَوْ حُكْمِهِ بِفَكِّهِ فَلَا حَجْرَ عَلَى مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَنْ دَيْنُهُ مُؤَجَّلٌ وَيَأْتِي، وَلَا عَلَى قَادِرٍ عَلَى الْوَفَاءِ وَلَا مَنْ التَّصَرُّفُ فِي ذِمَّتِهِ‏.‏

‏(‏وَالْمُفْلِسُ‏)‏ لُغَةً ‏(‏مَنْ لَا مَالَ‏)‏ أَيْ نَقْدَ ‏(‏لَهُ وَلَا مَا يَدْفَعُ بِهِ حَاجَتَهُ‏)‏ فَهُوَ الْمُعْدِمُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ إلَّا الْفُلُوسُ وَهِيَ أَدْنَى أَنْوَاعِ الْمَالِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْمُفْلِسُ ‏(‏عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، مَنْ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ‏)‏ سُمِّيَ مُفْلِسًا وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ لِاسْتِحْقَاقِ مَالِهِ الصَّرْفَ فِي جِهَةِ دَيْنِهِ، فَكَأَنَّهُ مَعْدُومٌ، أَوْ لِمَا يَئُولَ إلَيْهِ مِنْ عَدَمِ مَالِهِ بَعْدَ وَفَاءِ دَيْنِهِ، أَوْ؛ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ إلَّا الشَّيْءَ التَّافِهَ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ كَالْفُلُوسِ‏.‏

‏(‏وَالْحَجْرُ‏)‏ الَّذِي هُوَ مَنْعُ الْإِنْسَانِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ ‏(‏عَلَى ضَرْبَيْنِ‏)‏ أَحَدُهُمَا الْحَجْرُ ‏(‏لِحَقِّ الْغَيْرِ‏)‏ أَيْ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَالْحَجْرِ ‏(‏عَلَى مُفْلِسٍ‏)‏ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ‏(‏ وَ‏)‏ عَلَى ‏(‏رَاهِنٍ‏)‏ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالرَّهْنِ بَعْدَ لُزُومِهِ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى ‏(‏مَرِيضٍ‏)‏ مَرَضَ مَوْتٍ مَخُوفًا فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى ‏(‏قِنٍّ وَمُكَاتَبٍ‏)‏ لِحَقِّ سَيِّدِهِ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى ‏(‏مُرْتَدٍّ‏)‏ لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ تَرِكَتَهُ فَيْءٌ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لِئَلَّا يُفَوِّتَهُ عَلَيْهِمْ ‏(‏وَ‏)‏ ‏(‏مُشْتَرٍ‏)‏ فِي شِقْصٍ مَشْفُوعٍ اشْتَرَاهُ ‏(‏بَعْدَ طَلَبِ شَفِيعٍ‏)‏ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالطَّلَبِ لِحَقِّ الشَّفِيعِ ‏(‏أَوْ‏)‏ بَعْدَ ‏(‏تَسْلِيمِهِ‏)‏ أَيْ تَسْلِيمِ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِيَ ‏(‏الْمَبِيعَ‏)‏ بِثَمَنٍ حَالٍّ إذَا امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ ‏(‏وَمَالُهُ بِالْبَلَدِ أَوْ‏)‏ بِمَكَانٍ ‏(‏قَرِيبٍ مِنْهُ‏)‏ فَيُحْجَرُ عَلَى مُشْتَرٍ فِي كُلِّ مَالِهِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ لِحَقِّ الْبَائِعِ وَتَقَدَّمَ الضَّرْبُ ‏(‏الثَّانِي‏)‏ الْحَجْرُ عَلَى الشَّخْصِ ‏(‏لِحَظِّ نَفْسِهِ ك‏)‏ الْحَجْرِ ‏(‏عَلَى صَغِيرٍ وَسَفِيهٍ وَمَجْنُونٍ‏)‏؛ لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ عَائِدَةٌ إلَيْهِمْ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِمْ عَامٌّ فِي أَمْوَالِهِمْ وَذِمَمِهِمْ ‏(‏وَلَا يُطَالَبُ‏)‏ مَدِينٌ بِدَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ ‏(‏وَلَا يُحْجَرُ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏بِدَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ حُلُولِهِ ‏(‏وَلِغَرِيمٍ مِنْ‏)‏ أَيْ مَدِينٍ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ضَامِنًا ‏(‏أَرَادَ سَفَرًا‏)‏ أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُ وَقَيَّدَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَجَمَاعَةٌ بِالطَّوِيلِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ‏:‏ وَلَعَلَّهُ أَوْلَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ ‏(‏سِوَى‏)‏ سَفَرِ ‏(‏جِهَادٍ مُتَعَيَّنٍ‏)‏ لِاسْتِنْفَارِ الْإِمَامِ لَهُ وَنَحْوُهُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ لَهُ‏.‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ السَّفَرُ ‏(‏غَيْرَ مَخُوفٍ أَوْ‏)‏ كَانَ الدَّيْنُ ‏(‏لَا يَحِلُّ‏)‏ أَجَلُهُ ‏(‏قَبْلَ مُدَّتِهِ‏)‏ أَيْ السَّفَرِ ‏(‏وَلَيْسَ بِدَيْنِهِ‏)‏ أَيْ الْغَرِيمِ الَّذِي يُرِيدُ مَدِينُهُ السَّفَرَ ‏(‏رَهْنٌ يُحْرَزُ‏)‏ الدَّيْنَ أَيْ يَفِي بِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ لَيْسَ بِهِ ‏(‏كَفِيلٌ مَلِيءٌ‏)‏ قَادِرٌ بِالدَّيْنِ ‏(‏مَنْعُهُ‏)‏ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ‏:‏ وَلِغَرِيمٍ الْمُتَقَدِّمُ، أَيْ لِرَبِّ الدَّيْنِ مَنْعُ مَدِينِهِ مِنْ السَّفَرِ ‏(‏حَتَّى يُوثِقَهُ بِأَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ بِرَهْنٍ يُحْرَزُ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ بِسَفَرِهِ وَقُدُومِهِ عِنْدَ مَحَلِّهِ غَيْرَ مُتَيَقَّنٍ وَلَا ظَاهِرٍ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ رَهْنٌ لَا يُحْرِزُهُ أَوْ كَفِيلٌ غَيْرَ مَلِيءٍ لَهُ مَنْعُهُ أَيْضًا حَتَّى يَتَوَثَّقَ بِالْبَاقِي وَإِنْ أَرَادَ غَرِيمُ مَدِينٍ وَضَامِنُهُ السَّفَرَ مَعًا فَلَهُ مَنْعُهُمَا وَمَنْعُ أَيِّهِمَا شَاءَ حَتَّى يُوَثِّقَ كَمَا سَبَقَ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يَمْلِكُ رَبُّ دَيْنٍ ‏(‏تَحْلِيلَهُ‏)‏ أَيْ الْمَدِينِ ‏(‏إنْ أَحْرَمَ‏)‏ وَلَوْ بِنَفْلٍ لِوُجُوبِ إتْمَامِهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ لَهُ مَنْعُ عَاجِزٍ حَتَّى يُقِيمَ كَفِيلًا بِبَدَنِهِ، أَيْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَحْصُلُ لَهُ مَيْسَرَةٌ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ لِغَيْبَتِهِ عَنْ بَلَدِهِ فَيَطْلُبُهُ مِنْ الْكَفِيلِ ‏(‏وَيَجِبُ وَفَاءُ‏)‏ دَيْنٍ ‏(‏حَالٍّ فَوْرًا عَلَى‏)‏ مَدِينٍ ‏(‏قَادِرٍ بِطَلَبِ رَبِّهِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ‏}‏ وَبِالطَّلَبِ يَتَحَقَّقُ الْمَطْلُ ‏(‏فَلَا يَتَرَخَّصُ مَنْ سَافَرَ قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ الْوَفَاءِ بَعْدَ الطَّلَبِ؛ لِأَنَّهُ عَاصٍ بِسَفَرِهِ ‏(‏وَيُمْهَلُ‏)‏ مَدِينٌ ‏(‏بِقَدْرِ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْوَفَاءِ بِأَنْ طُولِبَ بِمَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ وَمَالٌ بِدَارِهِ أَوْ حَانُوتِهِ أَوْ بَلَدٍ آخَرَ فَيُمْهَلُ بِقَدْرِ مَا يُحْضِرُهُ فِيهِ ‏(‏وَيَحْتَاطُ‏)‏ رَبُّ دَيْنٍ ‏(‏إنْ خِيفَ هُرُوبُهُ‏)‏ أَيْ الْمَدِينِ ‏(‏بِمُلَازَمَتِهِ‏)‏ إلَى وَفَائِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ يَحْتَاطُ ‏(‏بِكَفِيلٍ‏)‏ مَلِيءٍ ‏(‏أَوْ تَرَسَّمَ‏)‏ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ ‏(‏وَكَذَا لَوْ طَلَبَ تَمْكِينَهُ مِنْهُ‏)‏ أَيْ مِنْ الْإِيفَاءِ ‏(‏مَحْبُوسٌ‏)‏ فَيُمَكَّنُ مِنْهُ وَيَحْتَاطُ إنْ خِيفَ هُرُوبُهُ كَمَا تَقَدَّمَ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَكَذَا لَوْ ‏(‏تَوَكَّلَ‏)‏ إنْسَانٌ ‏(‏فِيهِ‏)‏ أَيْ فِي وَفَاءِ حَقٍّ وَطَلَبَ الْإِمْهَالَ لِإِحْضَارِ الْحَقِّ فَيُمَكَّنُ مِنْهُ كَالْمُوَكَّلِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ مَطَلَهُ‏)‏ أَيْ مَطَلَ الْمَدِينِ رَبَّ الدَّيْنِ ‏(‏حَتَّى شَكَاهُ‏)‏ رَبُّ الدَّيْنِ ‏(‏وَجَبَ عَلَى حَاكِمٍ‏)‏ ثَبَتَ لَدَيْهِ ‏(‏أَمْرُهُ بِوَفَائِهِ بِطَلَبِ غَرِيمِهِ‏)‏ إنْ عَلِمَ قُدْرَتَهُ عَلَيْهِ أَوْ جَهِلَ لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ ‏(‏وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ‏)‏ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَيَقْضِي دَيْنَهُ بِمَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا تُتَّقَى شُبْهَةٌ بِتَرْكِ وَاجِبٍ ‏(‏وَمَا غَرِمَ‏)‏ رَبُّ دَيْنٍ ‏(‏بِسَبَبِهِ‏)‏ أَيْ سَبَبِ مَطْلِ مَدِينٍ أَحْوَجَ رَبَّ الدَّيْنِ إلَى شَكْوَاهُ ‏(‏فَعَلَى مُمَاطِلٍ‏)‏ لِتَسَبُّبِهِ فِي غُرْمِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَعَدَّى عَلَى مَالٍ لِحَمْلِهِ أُجْرَةٌ وَحَمَلَهُ لِبَلَدٍ أُخْرَى وَغَابَ ثُمَّ غَرِمَ مَالِكُهُ أُجْرَةَ حَمْلِهِ لِعَوْدِهِ إلَى مَحَلِّهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ تَعَدَّى بِنَقْلِهِ ‏(‏وَإِنْ تَغَيَّبَ مَضْمُونٌ‏)‏ أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ، وَقَيَّدَهُ فِي آخَرَ بِقَادِرٍ عَلَى الْوَفَاءِ ‏(‏فَغَرِمَ ضَامِنٌ بِسَبَبِهِ أَوْ‏)‏ غَرِمَ ‏(‏ شَخْصٌ لِكَذِبٍ عَلَيْهِ عِنْدَ وَلِيِّ الْأَمْرِ رَجَعَ‏)‏ الْغَارِمُ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ بِمَا غَرِمَهُ ‏(‏عَلَى مَضْمُونٍ وَكَاذِبٍ‏)‏ لِتَسَبُّبِهِ قَالَ فِي شَرْحِهِ‏:‏ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إنْ ضَمِنَهُ بِإِذْنِهِ وَإِلَّا فَلَا فِعْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا تَسَبُّبَ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَهْمَلَ شَرِيكٌ بِنَاءَ حَائِطِ بُسْتَانٍ‏)‏ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَأَكْثَرَ‏.‏

وَقَدْ ‏(‏اتَّفَقَا‏)‏ أَيْ الشَّرِيكَانِ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْبِنَاءِ وَبَنَى شَرِيكُهُ ‏(‏فَمَا تَلِفَ مِنْ ثَمَرَتِهِ‏)‏ أَيْ الْبُسْتَانِ ‏(‏بِسَبَبِ ذَلِكَ‏)‏ الْإِهْمَالِ ‏(‏ضَمِنَ‏)‏ مُهْمِلٌ ‏(‏حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنْهُ‏)‏ أَيْ التَّالِفِ لِحُصُولِ تَلَفِهِ بِسَبَبِ تَفْرِيطِهِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ أَحْضَرَ مُدَّعًى‏)‏ عَلَيْهِ مُدَّعًى ‏(‏بِهِ‏)‏ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةً لِتَقَعَ الدَّعْوَى عَلَى عَيْنِهِ ‏(‏وَلَمْ يَثْبُتْ لِمُدَّعٍ لَزِمَهُ‏)‏ أَيْ الْمُدَّعِيَ ‏(‏مُؤْنَةُ إحْضَارِهِ وَرَدُّهُ‏)‏ إلَى مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الرُّجُوعُ بِالْغُرْمِ عَلَى مَنْ تَسَبَّبَ فِيهِ ظُلْمًا وَإِذَا أَبَى‏)‏ مَدِينٌ وَفَاءَ مَا عَلَيْهِ بَعْدَ أَمْرِ الْحَاكِمِ لَهُ يَطْلُبُ رَبُّهُ ‏(‏حَبْسَهُ‏)‏ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا ‏{‏لَيُّ الْوَاجِدِ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ قَالَ وَكِيعٌ عِرْضُهُ شَكْوَاهُ وَعُقُوبَتُهُ حَبْسُهُ‏.‏

وَفِي الْمُغْنِي‏:‏ إذَا امْتَنَعَ الْمُوسِرُ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَلِغَرِيمِهِ مُلَازَمَتُهُ وَمُطَالَبَتُهُ وَالْإِغْلَاظُ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ، فَيَقُولُ‏:‏ يَا ظَالِمُ يَا مُعْتَدِي وَنَحْوُهُ لِلْخَبَرِ وَحَدِيثِ ‏"‏ إنْ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا ‏"‏ انْتَهَى وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَيْثُ تَوَجَّهَ حَبْسُهُ، وَلَوْ أَجِيرًا خَاصًّا أَوْ امْرَأَةً مُتَزَوِّجَةً‏.‏

‏(‏وَلَيْسَ لَهُ‏)‏ أَيْ الْحَاكِمِ ‏(‏إخْرَاجُهُ‏)‏ أَيْ الْمَدِينِ مِنْ الْحَبْسِ ‏(‏حَتَّى يَتَبَيَّنَ‏)‏ لَهُ ‏(‏أَمْرُهُ‏)‏؛ لِأَنَّ حَبْسَهُ حُكْمٌ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ رَفْعُهُ بِغَيْرِ رِضَا الْمَحْكُومِ لَهُ وَأَوَّلُ مَنْ حَبَسَ عَلَى الدَّيْنِ شُرَيْحٌ وَكَانَ الْخَصْمَانِ يَتَلَازَمَانِ ‏(‏وَتَجِبُ تَخْلِيَتُهُ‏)‏ أَيْ الْمَحْبُوسِ ‏(‏إنْ بَانَ‏)‏ الْمَدِينُ ‏(‏مُعْسِرًا‏)‏ رَضِيَ غَرِيمُهُ أَوْ لَا، فَيُخْرِجُهُ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ‏}‏ وَفِي إنْظَارِ الْمُعْسِرِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ - أَيْ الدَّيْنِ - صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدِّينُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ حَتَّى ‏(‏يُبْرِئَهُ‏)‏ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْحَبْسِ بِأَنْ يَقُولَ لِلْحَاكِمِ‏:‏ خَلِّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ حَتَّى ‏(‏يُوَفِّيَهُ‏)‏ الْمَدِينُ مَا حُبِسَ عَلَيْهِ لِانْتِهَاءِ غَايَةِ الْحَقِّ بِأَدَائِهِ وَإِذَا أَبَى‏)‏ مَحْبُوسٌ مُوسِرٌ دَفْعَ مَا عَلَيْهِ ‏(‏عَزَّرَهُ‏)‏ حَاكِمٌ ‏(‏وَيُكَرِّرُ‏)‏ حَبْسَهُ وَتَعْزِيرَهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ كَالْقَوْلِ فِيمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ ‏(‏وَلَا يُزَادُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى أَكْثَرِ التَّعْزِيرِ‏)‏ أَيْ الْعَشْرِ ضَرَبَاتٍ وَإِذَا أَصَرَّ‏)‏ عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ مَعَ مَا سَبَقَ ‏(‏بَاعَ‏)‏ حَاكِمٌ ‏(‏مَالَهُ وَقَضَاهُ‏)‏ نَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا تَقَاعَدَ بِحُقُوقِ النَّاس يُبَاعُ عَلَيْهِ وَيُقْضَى، أَيْ لِقِيَامِ الْحَاكِمِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ ‏(‏وَتَحْرُمُ مُطَالَبَةُ ذِي عُسْرَةٍ بِمَا عَجَزَ عَنْهُ وَمُلَازَمَتُهُ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ‏}‏ ‏{‏وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغُرَمَاءِ الَّذِي كَثُرَ دَيْنُهُ‏:‏ خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ‏}‏ وَإِذَا ادَّعَاهَا‏)‏ الْمَدِينُ أَيْ الْعُسْرَةَ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ رَبُّ الدَّيْنِ ‏(‏وَدَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ كَثَمَنِ‏)‏ مَبِيعٍ ‏(‏وَ‏)‏ بَدَلِ ‏(‏قَرْضٍ‏)‏ حُبِسَ ‏(‏أَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ وَالْغَالِبُ بَقَاؤُهُ‏)‏ حُبِسَ‏.‏

وَلَوْ كَانَ دَيْنُهُ عَنْ غَيْرِ عِوَضٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ دَيْنُهُ ‏(‏عَنْ غَيْرِ عِوَضٍ‏)‏ مَالِيٍّ كَعِوَضِ خُلْعٍ وَصَدَاقٍ وَضَمَانٍ ‏(‏وَ‏)‏ كَانَ الْمَدِينُ ‏(‏أَقَرَّ أَنَّهُ مَلِيءٌ حُبِسَ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَالِ وَمُؤَاخَذَةٌ لَهُ بِإِقْرَارِهِ ‏(‏إلَّا أَنْ يُقِيمَ‏)‏ مَدِينٌ ‏(‏بَيِّنَةً بِهِ‏)‏ أَيْ بِإِعْسَارِهِ‏.‏

‏(‏وَيُعْتَبَرُ فِيهَا‏)‏ أَيْ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِإِعْسَارِهِ ‏(‏أَنْ تُخْبِرَ بَاطِنَ حَالِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْإِعْسَارَ مِنْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا فِي الْغَالِبِ إلَّا الْمُخَالِطُ لَهُ وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ وَإِنْ كَانَتْ تَتَضَمَّنُ النَّفْيَ فَهِيَ تَثْبُتُ حَالَةَ تَظْهَرُ وَتَقِفُ عَلَيْهَا الْمُشَاهَدَةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فَإِنَّهُ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَلَا يَحْلِفُ‏)‏ الْمَدِينُ ‏(‏مَعَهَا‏)‏ أَيْ مَعَ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِإِعْسَارِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ الْبَيِّنَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ إلَّا أَنْ ‏(‏يَدَّعِيَ تَلَفًا‏)‏ لِمَالِهِ ‏(‏وَنَحْوَهُ‏)‏ أَيْ التَّلَفِ كَنَفَادِ مَالِهِ فِي نَفَقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ‏(‏وَيُقِيمُ بَيِّنَةً بِهِ‏)‏ أَيْ بِالتَّلَفِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا أَنْ تُخْبِرَ بَاطِنَ حَالِهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ وَالنَّفَادَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مَنْ خَبَرَ بَاطِنَ حَالِهِ وَغَيْرُهُ‏.‏

‏(‏وَيَحْلِفُ‏)‏ الْمَدِينُ ‏(‏مَعَهَا‏)‏ أَيْ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِتَلَفِ مَالِهِ وَنَحْوِهِ إنْ طَلَبَ رَبُّ الْحَقِّ يَمِينَهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى أَمْرٍ مُحْتَمَلٍ غَيْرِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ ‏(‏وَيَكْفِي فِي الْحَالَيْنِ أَنْ تَشْهَدَ بِالتَّلَفِ أَوْ الْإِعْسَارِ‏)‏ يَعْنِي يَكْفِي فِي الْإِعْسَارِ أَنْ تَشْهَدَ بِهِ وَفِي التَّلَفِ أَنْ تَشْهَدَ بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ‏(‏وَتُسْمَعُ‏)‏ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ أَوْ التَّلَفِ وَنَحْوِهِ ‏(‏قَبْلَ حَبْسٍ ك‏)‏ مَا تُسْمَعُ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الْحَبْسِ وَلَوْ بِيَوْمٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ جَازَ سَمَاعُهَا بَعْدَ مُدَّةٍ جَازَ سَمَاعُهَا فِي الْحَالِ وَإِنْ سَأَلَ مُدَّعٍ حَاكِمًا تَفْتِيشَ مَدِينٍ مُدَّعِيًا أَنَّ الْمَالَ مَعَهُ لَزِمَهُ إجَابَتُهُ ذُكِرَ فِي الْإِقْنَاعِ ‏(‏أَوْ‏)‏ إلَّا أَنْ ‏(‏يَسْأَلَ‏)‏ مَدِينٌ ‏(‏سُؤَالَ مُدَّعٍ‏)‏ عَنْ حَالِهِ ‏(‏وَيُصَدِّقُهُ‏)‏ مُدَّعٍ عَلَى عُسْرَتِهِ ‏(‏فَلَا‏)‏ يُحْبَسُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً بِعُسْرَتِهِ أَوْ تَلَفِ مَالِهِ وَنَحْوِهِ أَوْ صَدَّقَهُ مُدَّعٍ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَنْكَرَ‏)‏ مُدَّعٍ عُسْرَتَهُ ‏(‏وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِقُدْرَتِهِ‏)‏ أَيْ الْمَدِينِ عَلَى الْوَفَاءِ لِيُسْقِطَ عَنْهُ الْيَمِينَ حُبِسَ ‏(‏أَوْ حَلَفَ‏)‏ مُدَّعٍ ‏(‏بِحَسَبِ جَوَابِهِ‏)‏ لِلْمَدِينِ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى ‏(‏حُبِسَ‏)‏ الْمَدِينُ حَتَّى يَبْرَأَ أَوْ تَظْهَرَ عُسْرَتُهُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ كَصَدَاقٍ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَلَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ مَلِيءٌ وَلَمْ يَحْلِفْ مُدَّعٍ طُلِبَ يَمِينُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ ‏(‏حَلَفَ مَدِينٌ‏)‏ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ‏.‏

‏(‏وَخَلَّى‏)‏ سَبِيلَهُ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ عُقُوبَةٌ وَلَا يُعْلَمُ لَهُ ذَنْبٌ يُعَاقَبُ بِهِ وَلَا يَجِبُ الْحَبْسُ بِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ بَلْ الْمَقْصُودُ تَعْوِيقُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ وَلَوْ فِي دَارِ نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْخُرُوجِ وَفِي الِاخْتِيَارَاتِ‏:‏ لَيْسَ لَهُ إثْبَاتُ إعْسَارِهِ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ حَبَسَهُ بِلَا إذْنِهِ‏.‏

‏(‏وَلَيْسَ عَلَى مَحْبُوسٍ قَبُولُهُ مَا يَبْذُلُهُ غَرِيمُهُ‏)‏ لَهُ ‏(‏مِمَّا عَلَيْهِ مِنَّةٌ فِيهِ‏)‏ كَغَيْرِ الْمَحْبُوسِ وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِمُعَيَّنٍ لِمَدِينٍ فَأَنْكَرَ وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ لِأَحَدٍ أَوْ أَقَرَّ بِهِ لِزَيْدٍ مَثَلًا فَكَذَّبَهُ قَضَى مِنْهُ دَيْنَهُ وَإِنْ صَدَّقَهُ زَيْدٌ أَخَذَهُ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَدِينِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ هُنَا لَا يُعْتَبَرُ لَهَا تَقَدُّمُ دَعْوًى وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ قُدِّمَتْ لِإِقْرَارِ رَبِّ الدَّيْنِ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْغَائِبُ، فَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ‏:‏ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقْضِي مِنْهُ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْبَيِّنَةِ بِهِ لَهُ فَكَذَّبَهُ فِي إقْرَارِهِ مَعَ أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ ‏(‏وَحَرُمَ إنْكَارُ مُعْسِرٍ وَحَلِفُهُ‏)‏ لَا حَقَّ عَلَيْهِ ‏(‏وَلَوْ تَأَوَّلَ‏)‏ نَصًّا لِظُلْمِهِ رَبَّ الدَّيْنِ فَلَا يَنْفَعُهُ التَّأْوِيلُ‏.‏

وَفِي الْإِنْصَافِ‏:‏ لَوْ قِيلَ بِجَوَازِهِ إذَا تَحَقَّقَ ظُلْمُ رَبِّ الْحَقِّ لَهُ وَحَبَسَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ الْقِيَامِ عَلَى عِيَالِهِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ انْتَهَى‏.‏

وَفِي الرِّعَايَةِ‏:‏ وَالْغَرِيبُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ إعْسَارِهِ يَأْمُرُ الْحَاكِمُ مَنْ يَسْأَلُ عَنْهُ فَإِذَا ظَنَّ السَّائِلُ إعْسَارَهُ شَهِدَ بِهِ عِنْدَهُ ‏(‏وَإِنْ سَأَلَ الْحَاكِمَ غُرَمَاءُ مَنْ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِدَيْنِهِ‏)‏ الْحَالِّ لِلْحَاكِمِ الْحَجْرُ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ سَأَلَ ‏(‏بَعْضُهُمْ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْمَدِينِ ‏(‏لَزِمَهُ‏)‏ أَيْ الْحَاكِمَ ‏(‏إجَابَتُهُمْ‏)‏ أَيْ السَّائِلِينَ وَحَجَرَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ وَبَاعَ مَالَهُ ‏"‏ رَوَاهُ الْخَلَّالُ فَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ وَلَوْ سَأَلَهُ الْمُفْلِسُ ‏(‏وَيُسَنُّ إظْهَارُ حَجْرِ سَفَهٍ وَفَلَسٍ‏)‏ لِيَعْلَمَ النَّاس حَالَهُمَا فَلَا يُعَامَلَانِ إلَّا عَلَى بَصِيرَةٍ ‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْحَجْرِ لِذَلِكَ لِيَثْبُتَ عِنْدَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْحَاكِمِ لَوْ عُزِلَ أَوْ مَاتَ فَيُمْضِيهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ابْتِدَاء حَجْرٍ ثَانٍ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏أحكام الحجر على المفلس‏]‏

وَيَتَعَلَّقُ بِحَجْرِهِ أَيْ الْمُفْلِسِ ‏(‏أَحْكَامٌ‏)‏ أَرْبَعَةٌ ‏(‏أَحَدُهَا تَعَلُّقُ حَقِّ غُرَمَائِهِ‏)‏ مَنْ سَأَلَ الْحَجْرَ وَغَيْرُهُ ‏(‏بِمَالِهِ‏)‏ الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ بِنَحْوِ إرْثٍ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ فِي دُيُونِهِمْ، فَتَعَلَّقَتْ حُقُوقُهُمْ بِهِ كَالرَّهْنِ ‏(‏فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقِرَّ بِهِ‏)‏ الْمُفْلِسُ ‏(‏عَلَيْهِمْ‏)‏ أَيْ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ كَانَ الْمُفْلِسُ صَانِعًا كَقَصَّارٍ وَحَائِكٍ وَأَقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَتَاعِ لِأَرْبَابِهِ لَمْ يُقْبَلْ وَيُبَاعُ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَلَا يَصِحُّ أَنْ ‏(‏يَتَصَرَّفَ فِيهِ‏)‏ الْمُفْلِسُ ‏(‏بِغَيْرِ تَدْبِيرٍ‏)‏ وَوَصِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَخُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ‏:‏ وَصَدَقَةٍ بِيَسِيرٍ‏.‏

وَالْمُرَادُ تَصَرُّفًا مُسْتَأْنَفًا كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَوَقْفٍ وَعِتْقٍ وَإِصْدَاقٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ أَشْبَهَ الرَّاهِنَ يَتَصَرَّفُ فِي الرَّهْنِ؛ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ غَيْرَ مُسْتَأْنَفٍ كَالْفَسْخِ لِعَيْبٍ فِيمَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ الْإِمْضَاءِ أَوْ الْفَسْخِ فِيمَا اشْتَرَاهُ قَبْلَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ إتْمَامٌ لِتَصَرُّفِ سَابِقِ حَجْرِهِ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَاسْتِرْدَادِ وَدِيعَةٍ أَوْدَعَهَا قَبْلَ حَجْرِهِ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْأَحَظِّ، وَتَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ نَصًّا، وَلَوْ اسْتَغْرَقَ دَيْنُهُ جَمِيعَ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ رَشِيدٌ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ الْحَجْرُ فَلَا يَتَقَدَّمُ سَبَبُهُ وَيَحْرُمُ إنْ أَضَرَّ بِغَرِيمِهِ، ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ الْبَغْدَادِيُّ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏أَنْ يَبِيعَهُ‏)‏ الْمُفْلِسُ أَيْ مَالَهُ ‏(‏لِغُرَمَائِهِ‏)‏ كُلِّهِمْ ‏(‏أَوْ لِبَعْضِهِمْ بِكُلِّ الدَّيْنِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ؛ وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ إلَّا لِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَالْقَوْلُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ يُبْطِلُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ بَيْعِ الرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لِلْحَاكِمِ فِيهِ بِخِلَافِ مَالِ الْمُفْلِسِ لِاحْتِمَالِ غَرِيمٍ غَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَصَرَّفَ فِي اسْتِيفَاءِ دَيْنٍ أَوْ الْمُسَامَحَةِ فِيهِ وَنَحْوِهِ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَصِحَّ وَنَقَلَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ أَنَّ كَلَامَ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ وَنُفُوذِهِ ‏(‏وَيُكَفِّرُ هُوَ‏)‏ أَيْ الْمُفْلِسُ بِصَوْمٍ لِئَلَّا يَضُرَّ بِغُرَمَائِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُكَفِّرُ ‏(‏سَفِيهٌ بِصَوْمٍ‏)‏؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا مِنْ مَالِهِ يَضُرُّ بِهِ وَلِلْمَالِ الْمُكَفَّرِ بِهِ بَدَلٌ وَهُوَ الصَّوْمُ فَرَجَعَ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ لَا مَالَ لَهُ ‏(‏إلَّا إنْ فُكَّ حَجْرُهُ وَقَدَرَ‏)‏ عَلَى مَالٍ يُكَفِّرُ بِهِ ‏(‏قَبْلَ تَكْفِيرِهِ‏)‏ فَكَمُوسِرٍ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ قَبْلُ لَكِنْ يَأْتِي فِي الظِّهَارِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ ‏(‏وَإِنْ تَصَرَّفَ‏)‏ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ ‏(‏فِي ذِمَّتِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ إقْرَارٍ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَإِصْدَاقٍ وَضَمَانٍ ‏(‏صَحَّ‏)‏ لِأَهْلِيَّتِهِ لِلتَّصَرُّفِ، وَالْحَجْرُ يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ لَا بِذِمَّتِهِ ‏(‏وَيُتْبَعُ‏)‏ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ بِمَا لَزِمَهُ فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ‏(‏بَعْدَ فَكِّهِ‏)‏ أَيْ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ مَنَعَ تَعَلُّقَهُ بِمَالِهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءَ السَّابِقِ عَلَيْهِ، فَإِذَا اسْتَوْفَى فَقَدْ زَالَ الْمُعَارِضُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُ الْغُرَمَاءَ‏.‏

‏(‏وَإِنْ جَنَى‏)‏ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ جِنَايَةً تُوجِبُ مَالًا وَقِصَاصًا، وَاخْتِيرَ الْمَالُ ‏(‏شَارَكَ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءَ‏)‏ لِثُبُوتِ حَقِّهِ عَلَى الْجَانِي بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِهِ، كَالْجِنَايَةِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ‏(‏وَقُدِّمَ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ‏(‏مَنْ جَنَى عَلَيْهِ قِنُّهُ‏)‏ أَيْ الْمُفْلِسِ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ بِالْقِنِّ الْجَانِي لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ كَمَا يُقَدَّمُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَغَيْرِهِ‏.‏

الْحُكْمُ ‏(‏الثَّانِي إنْ وَجَدَ عَيْنَ مَا بَاعَهُ‏)‏ لِلْمُفْلِسِ ‏(‏أَوْ‏)‏ عَيْنَ مَا ‏(‏أَقْرَضَهُ أَوْ‏)‏ عَيْنَ مَا ‏(‏أَعْطَاهُ‏)‏ لَهُ ‏(‏رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ‏)‏ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ وَجَدَ شَيْئًا ‏(‏أَجَّرَهُ‏)‏ لِلْمُفْلِسِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْمُؤَجِّرُ لِلْمُفْلِسِ ‏(‏نَفْسَهُ‏)‏ أَيْ غَرِيمَ الْمُفْلِسِ ‏(‏وَلَمْ يَمْضِ مِنْ مُدَّتِهَا‏)‏ أَيْ الْإِجَارَةِ ‏(‏شَيْءٌ‏)‏ أَيْ زَمَنٌ لَهُ أُجْرَةٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، فَإِنْ مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ فَلَا فَسْخَ، تَنْزِيلًا لِلْمُدَّةِ مَنْزِلَةَ الْبَيْعِ وَمُضِيُّ بَعْضِهَا كَتَلَفِ بَعْضِهِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ مِنْهُ شَيْئًا فَلَهُ الْفَسْخُ وَإِلَّا فَلَا ‏(‏أَوْ‏)‏ وَجَدَ ‏(‏نَحْوَ ذَلِكَ‏)‏ كَشِقْصٍ أَخَذَهُ الْمُفْلِسُ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ بَيْعُهُ أَوْ قَرْضُهُ وَنَحْوُهُ ‏(‏بَعْدَ حَجْرِهِ جَاهِلًا بِهِ‏)‏ أَيْ الْحَجْرِ الْبَائِعُ أَوْ الْمُقْرِضُ وَنَحْوُهُمَا ‏(‏فَهُوَ‏)‏ أَيْ وَاجِدُ عَيْنِ مَالِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ‏(‏أَحَقُّ بِهَا‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ عِنْدَ إنْسَانٍ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَبِهِ قَالَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ‏:‏ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَهُمَا وَأَمَّا مَنْ عَامَلَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ جَاهِلًا؛ فَلِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلَيْسَ مُقَصِّرًا بِعَدَمِ السُّؤَالِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ عَدَمُ الْحَجْرِ فَإِنْ عَلِمَ بِالْحَجْرِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهَا لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ وَيَتْبَعُ بِبَدَلِهَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ وَحَيْثُ كَانَ رَبُّهَا أَحَقَّ بِهَا، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ بِهَا‏.‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ الْمُفْلِسُ أَنَا أَبِيعُهَا وَأُعْطِيكَ ثَمَنَهَا‏)‏ نَصًّا لِعُمُومِ الْخَبَرِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَلَوْ ‏(‏بَذَلَهُ‏)‏ أَيْ الثَّمَنَ ‏(‏غَرِيمٌ‏)‏ لِرَبِّ السِّلْعَةِ فَإِنْ بَذَلَهُ الْمُفْلِسُ ثُمَّ بَذَلَهُ هُوَ لِرَبِّهَا فَلَا فَسْخَ لَهُ ‏(‏أَوْ خَرَجَتْ‏)‏ أَيْ السِّلْعَةُ عَنْ مِلْكِ الْمُفْلِسِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏وَعَادَتْ لِمِلْكِهِ ‏)‏ بِفَسْخٍ أَوْ عَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَمَا لَوْ وَهَبَهَا لِوَلَدِهِ ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ ‏(‏وَقَرَعَ إنْ بَاعَهَا‏)‏ الْمُفْلِسُ أَيْ السِّلْعَةَ ‏(‏ثُمَّ اشْتَرَاهَا‏)‏ مُشْتَرِيهَا مِنْهُ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏بَيْنَ الْبَائِعَيْنِ‏)‏ فَمَنْ قَرَعَ الْآخَرَ كَانَ أَحَقَّ بِهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ عِنْدَ مَنْ أَفْلَسَ وَلَا مُرَجِّحَ، فَاحْتِيجَ إلَى تَمْيِيزِهِ بِالْقُرْعَةِ، وَلَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى سُقُوطِ حَقِّهِمَا مِنْ الرُّجُوعِ فِيهَا فَلَا يُقَالُ‏:‏ كُلٌّ مِنْ الْبَائِعَيْنِ تَعَلَّقَ اسْتِحْقَاقُهُ بِهَا بَلْ يُقَالُ أَحَدُهُمَا أَحَقُّ بِأَخْذِهَا لَا بِعَيْنِهِ، فَيُمَيَّزُ بِقُرْعَةٍ وَالْمَقْرُوعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَمَنْ قُلْنَا إنَّهُ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ الَّذِي أَدْرَكَهُ لَهُ تَرْكُهُ وَالضَّرْبُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَإِذَا تُرِكَ أَحَدُ الْبَائِعَيْنِ فِيمَا سَبَقَ تَمْثِيلُهُ تَعَيَّنَ الْآخَرُ، وَلَا يُحْتَاجُ لِقُرْعَةٍ ‏(‏وَشُرِطَ‏)‏ لِرُجُوعِ مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَهُ سِتَّةُ شُرُوطٍ ‏(‏كَوْنُ الْمُفْلِسِ حَيًّا إلَى أَخْذِهَا‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏{‏أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعَهُ فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ‏}‏ رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد مُرْسَلًا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُسْنَدًا وَقَالَ حَدِيثُ مَالِكٍ أَصَحُّ؛ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ عَنْ الْمُفْلِسِ إلَى الْوَرَثَةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الشَّرْطُ الثَّانِي ‏(‏بَقَاءُ كُلِّ عِوَضِهَا‏)‏ أَيْ الْعَيْنِ ‏(‏فِي ذِمَّتِهِ‏)‏ أَيْ الْمُفْلِسِ لِلْخَبَرِ، وَلِمَا فِي الرُّجُوعِ فِي قِسْطِ بَاقِي الْعِوَضِ مِنْ التَّشْقِيصِ وَإِضْرَارِ الْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ، لِكَوْنِهِ لَا يَرْغَبُ فِيهِ كَالرَّغْبَةِ فِي الْكَامِلِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّالِثُ ‏(‏كَوْنُ كُلِّهَا‏)‏ أَيْ السِّلْعَةِ ‏(‏فِي مِلْكِهِ‏)‏ أَيْ الْمُفْلِسِ، فَلَا رُجُوعَ إنْ تَلِفَ بَعْضُهَا، أَوْ بِيعَ، أَوْ وَقَفَ وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ وَنَحْوَهُ إذَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَتَاعَهُ وَإِنَّمَا أَدْرَكَ بَعْضَهُ، وَلَا يَحْصُلُ لَهُ بِأَخْذِ الْبَعْضِ فَصْلُ الْخُصُومَةِ وَانْقِطَاعُ مَا بَيْنَهُمَا، وَسَوَاءٌ رَضِيَ بِأَخْذِ الْبَاقِي بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ بِقِسْطِهِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ ‏(‏إلَّا إذَا جَمَعَ الْعَقْدُ عَدَدًا‏)‏ كَثَوْبَيْنِ فَأَكْثَرَ ‏(‏فَيَأْخُذُ‏)‏ بَائِعٌ وَنَحْوُهُ ‏(‏مَعَ تَعَذُّرِ بَعْضِهِ‏)‏ أَيْ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ بِتَلَفِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ أَوْ بَعْضِهِ ‏(‏مَا بَقِيَ‏)‏ أَيْ الْعَيْنُ السَّالِمَةُ نَصًّا؛ لِأَنَّ السَّالِمَ مِنْ الْعَيْنَيْنِ وَجَدَهُ رَبُّهُ بِعَيْنِهِ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الرَّابِعُ‏:‏ كَوْنُ ‏(‏السِّلْعَةِ بِحَالِهَا‏)‏ بِأَنْ لَمْ تَنْقُصْ مَالِيَّتُهَا لِذَهَابِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا بِأَنْ ‏(‏لَمْ تُوطَأْ بِكْرٌ وَلَمْ يُجْرَحْ قِنٌّ‏)‏ جُرْحًا تَنْقُصُ بِهِ قِيمَتُهُ فَإِنْ وُطِئَتْ أَوْ جُرِحَ فَلَا رُجُوعَ لِذَهَابِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ لَهُ بَدَلٌ، وَهُوَ الْمَهْرُ وَالْأَرْشُ، فَمَنْعُ الرُّجُوعِ كَقَطْعِ الْيَدِ بِخِلَافِ وَطْءِ ثَيِّبٍ بِلَا حَمْلٍ وَهُزَالٍ وَنِسْيَانِ صَنْعَةٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ بِأَنْ ‏(‏لَمْ تَخْتَلِطْ بِغَيْرِ مُتَمَيِّزٍ‏)‏ فَإِنْ خُلِطَ زَيْتٌ بِزَيْتٍ وَنَحْوِهِ فَلَا رُجُوعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَيْنَ مَالِهِ، بِخِلَافِ خَلْطِ بُرٍّ بِحِمَّصٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ بِأَنْ ‏(‏لَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَاتُهَا بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا كَنَسْجِ غَزْلٍ وَخَبْزِ دَقِيقٍ‏)‏ أَيْ جَعْلِهِ خُبْزًا ‏(‏وَجَعْلِ دُهْنٍ‏)‏ كَزَيْتٍ ‏(‏صَابُونًا‏)‏ وَشَرِيطٍ إبَرًا وَنَحْوَهُ، أَوْ قَطْعِ ثَوْبٍ قَمِيصًا وَنَحْوَهُ، فَإِنْ جُعِلَ كَذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْخَامِسُ كَوْنُ السِّلْعَةِ ‏(‏لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ كَشُفْعَةٍ‏)‏ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ شُفْعَةٍ فَلَا رُجُوعَ لِسَبْقِ حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْبَيْعِ، وَحَقُّ الْبَائِعِ ثَبَتَ بِالْحَجْرِ وَالسَّابِقُ أَوْلَى‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ ك ‏(‏جِنَايَةٍ‏)‏ فَإِنْ كَانَ قِنًّا فَجَنَى عَلَى الْمُفْلِسِ أَوْ غَيْرِهِ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ، فَلَا رُجُوعَ لِرَبِّهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَمْنَعُهُ، وَحَقُّ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ، فَأَوْلَى أَنْ يُمْنَعَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ ك ‏(‏رَهْنٍ‏)‏ فَإِنْ رَهَنَهُ فَلَا يَصِحُّ لِرَبِّهِ رُجُوعٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُفْلِسَ عَقَدَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَقْدًا مَنَعَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَمَنَعَ بَاذِلَهُ الرُّجُوعَ فِيهِ كَالْهِبَةِ؛ وَلِأَنَّ رُجُوعَهُ إضْرَارٌ بِالْمُرْتَهِنِ، وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ فَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ دُونَ قِيمَةِ الرَّهْنِ بِيعَ كُلُّهُ وَرُدَّ بَاقِي ثَمَنِهِ فِي الْمَقْسَمِ، وَإِنْ بِيعَ بَعْضُهُ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ فَبَاقِيهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ ‏(‏وَإِنْ أَسْقَطَهُ‏)‏ أَيْ الْحَقَّ ‏(‏رَبُّهُ‏)‏ كَإِسْقَاطِ الشَّفِيعِ شُفْعَتَهُ وَوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَرْشَهَا وَرَدِّ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ ‏(‏فَكَمَا لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ‏)‏ بِالْعَيْنِ حَقٌّ فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا لَوَجَدَ أَنَّهَا بِعَيْنِهَا خَالِيَةٌ مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ السَّادِسُ كَوْنُ السِّلْعَةِ ‏(‏لَمْ تَزِدْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ‏)‏ كَكِتَابَةٍ وَتِجَارَةٍ وَنَحْوِهِمَا ‏(‏وَتَجَدُّدِ حَمْلٍ‏)‏ فِي بَهِيمَةٍ، فَإِنْ زَادَتْ كَذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُفْلِسِ لِحُدُوثِهَا فِي مِلْكِهِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ رَبُّ الْعَيْنِ أَخْذَهَا مِنْهُ كَالْحَاصِلَةِ بِفِعْلِهِ؛ وَلِأَنَّهَا لَمْ تَصِلْ إلَيْهِ مِنْ الْبَائِعِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ أَخْذَهَا مِنْهُ كَغَيْرِهَا مِنْ أَمْوَالِهِ، وَيُفَارِقُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الزِّيَادَةِ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عَلَى صِفَتِهِ لَيْسَ بِزَائِدٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِالزِّيَادَةِ، و‏(‏لَا‏)‏ يَمْنَعُ الْحَمْلُ الرُّجُوعَ ‏(‏إنْ وَلَدَتْ‏)‏ الْبَهِيمَةُ عِنْدَ الْمُفْلِسِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ كَكَسْبِ الْعَبْدِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَيَاةُ رَبِّ السِّلْعَةِ إلَى أَخْذِهَا فَتَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي الرُّجُوعِ، وَخَالَفَ فِيهِ جَمَعَ وَتَبِعَهُمْ فِي الْإِقْنَاعِ ‏(‏وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ‏)‏ أَيْ الْمُدْرِكِ لِمَتَاعِهِ عِنْدَ الْمُفْلِسِ بِشَرْطِهِ ‏(‏بِقَوْلِ‏)‏ ك رَجَعْتُ فِي مَتَاعِي، أَوْ أَخَذْتُهُ، أَوْ اسْتَرْجَعْتُهُ، أَوْ فَسَخْتُ الْبَيْعَ إنْ كَانَ مَبِيعًا ‏(‏وَلَوْ مُتَرَاخِيًا‏)‏ كَرُجُوعِ أَبٍ فِي هِبَةٍ، فَلَا يَحْصُلُ رُجُوعُهُ بِفِعْلٍ كَأَخْذِهِ الْعَيْنَ وَلَوْ نَوَى بِهِ الرُّجُوعَ ‏(‏بِلَا حَاكِمٍ‏)‏ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ كَفَسْخِ الْمُعْتَقَةِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ رُجُوعُ مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ عِنْدَ الْمُفْلِسِ ‏(‏فَسْخٌ‏)‏ أَيْ كَالْفَسْخِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ ثَمَّ عَقْدٌ يُفْسَخُ كَاسْتِرْجَاعِ زَوْجٍ الصَّدَاقَ إذَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُهُ قَبْلَ فَلَسِ الْمَرْأَةِ وَكَانَتْ بَاعَتْهُ وَنَحْوَهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا، وَإِلَّا فَسَيَرْجِعُ إلَى مِلْكِهِ قَهْرًا حَيْثُ اسْتَمَرَّ فِي مِلْكِهَا بِصِفَتِهِ و‏(‏لَا يَحْتَاجُ‏)‏ الْفَسْخُ ‏(‏إلَى مَعْرِفَةِ‏)‏ مَرْجُوعٍ فِيهِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَحْتَاجُ إلَى ‏(‏قُدْرَةِ‏)‏ مُفْلِسٍ ‏(‏عَلَى تَسْلِيمٍ‏)‏ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ ‏(‏فَلَوْ رَجَعَ فِيمَنْ أَبَقَ صَحَّ‏)‏ رُجُوعُهُ ‏(‏وَصَارَ‏)‏ الْآبِقُ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ الرَّاجِعِ وَإِذَا قَدَرَ‏)‏ الرَّاجِعُ عَلَى الْآبِقِ ‏(‏أَخَذَهُ وَإِنْ‏)‏ عَجَزَ عَنْهُ أَوْ ‏(‏تَلِفَ‏)‏ بِمَوْتٍ، أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏مِنْ مَالِهِ‏)‏ أَيْ الرَّاجِعِ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ بِالرُّجُوعِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ بَانَ تَلَفُهُ حِينَ رَجَعَ‏)‏ بِأَنْ تَبَيَّنَ مَوْتُهُ قَبْلَ رُجُوعِهِ ‏(‏بَطَلَ اسْتِرْجَاعُهُ‏)‏ أَيْ ظَهَرَ بُطْلَانُهُ لِفَوَاتِ مَحِلِّ الْفَسْخِ وَيَضْرِبُ لَهُ بِالثَّمَنِ مَعَ الْغُرَمَاءِ ‏(‏وَإِنْ رَجَعَ فِي شَيْءٍ اشْتَبَهَ بِغَيْرِهِ‏)‏ بِأَنْ رَجَعَ فِي عَبْدٍ مَثَلًا وَلَهُ عَبِيدٌ وَاخْتَلَفَ الْمُفْلِسُ وَرَبُّهُ فِيهِ‏.‏

‏(‏قُدِّمَ تَعْيِينُ مُفْلِسٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ دَعْوَى اسْتِحْقَاقِ الرَّاجِعِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ‏(‏وَمَنْ رَجَعَ‏)‏ أَيْ أَرَادَ الرُّجُوعَ ‏(‏فِيمَا‏)‏ أَيْ مَبِيعٍ ‏(‏ثَمَنُهُ مُؤَجَّلٌ أَوْ فِي صَيْدٍ وَهُوَ‏)‏ أَيْ الرَّاجِعُ ‏(‏مُحْرِمٌ لَمْ يَأْخُذْهُ‏)‏ أَيْ مَا ثَمَنُهُ مُؤَجَّلٌ ‏(‏قَبْلَ حُلُولِهِ‏)‏ قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ يَكُونُ مَالُهُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَحِلَّ دَيْنُهُ فَيَخْتَارَ الْفَسْخَ أَوْ التَّرْكَ، فَلَا يُبَاعُ فِي الدُّيُونِ الْحَالَّةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْبَائِعِ بِعَيْنِهِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَأْخُذُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ ‏(‏حَالَ إحْرَامِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِيهِ تَمْلِيكٌ لَهُ وَلَا يَجُوزُ مَعَ الْإِحْرَامِ كَشِرَائِهِ لَهُ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَالًا وَالْمُفْلِسُ مُحْرِمًا لَمْ يُمْنَعْ بَائِعُهُ أَخْذَهُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ‏.‏

‏(‏وَلَا يَمْنَعُهُ‏)‏ أَيْ الرُّجُوعَ ‏(‏نَقْصُ‏)‏ سِلْعَةٍ ‏(‏كَهُزَالٍ وَنِسْيَانِ صَنْعَةٍ‏)‏ وَمَرَضٍ وَجُنُونٍ وَتَزْوِيجِ أَمَةٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عَيْنَ مَالِهِ، وَمَتَى أَخَذَهُ نَاقِصًا فَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَهُ وَإِلَّا ضَرَبَ بِثَمَنِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا يَمْنَعُهُ ‏(‏صَبْغُ ثَوْبٍ أَوْ قَصْرُهُ‏)‏ أَوَّلْتُ سَوِيقٍ بِدُهْنٍ لِبَقَاءِ الْعَيْنِ قَائِمَةً مُشَاهَدَةً لَمْ يَتَغَيَّرْ اسْمُهَا وَيَكُونُ الْمُفْلِسُ شَرِيكًا لِصَاحِبِ الثَّوْبِ وَالسَّوِيقِ بِمَا زَادَ عَنْ قِيمَتِهَا ‏(‏مَا لَمْ يَنْقُصْ‏)‏ الثَّوْبُ ‏(‏بِهِمَا‏)‏ أَيْ بِالصَّبْغِ أَوْ الْقِصَارَةِ فَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ بِفِعْلِهِ فَأَشْبَهَ إتْلَافَ الْبَعْضِ، وَرُدَّ هَذَا التَّعْلِيلُ فِي الْمُغْنِي بِأَنَّهُ نَقْصُ صِفَةٍ فَلَا يُمْنَعُ الرُّجُوعُ كَنِسْيَانِ صَنْعَةٍ وَهُزَالٍ، وَلَا رُجُوعَ فِي صَبْغٍ بِهِ وَلَا صَبْغِ زَيْتٍ لُتَّ بِهِ وَلَا مَسَامِيرَ سَمَّرَ بِهَا بَابًا وَلَا حَجَرَ بَنَى عَلَيْهِ وَلَا خَشَبٍ سَقَّفَ بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّبْغُ مِنْ رَبِّ الثَّوْبِ وَحْدَهُ فَيَرْجِعُ بِالثَّوْبِ وَحْدَهُ وَيَضْرِبُ بِثَمَنِ الصَّبْغَ مَعَ الْغُرَمَاءِ، وَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِزِيَادَةِ الصَّبْغِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَمْنَعُهُ ‏(‏زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ‏)‏ كَثَمَرَةٍ وَكَسْبٍ وَوَلَدٍ نَقَصَ بِهَا الْمَبِيعُ أَوْ لَمْ يَنْقُصْ إذَا كَانَ نَقْصَ صِفَةٍ لِوُجْدَانِهِ عَيْنَ مَالِهِ لَمْ تَنْقُصْ عَيْنُهَا وَلَمْ يَتَغَيَّرْ اسْمُهَا‏.‏

‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ الزِّيَادَةُ ‏(‏لِبَائِعٍ‏)‏ نَصًّا فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ وَنِتَاجِ الدَّابَّةِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ ‏(‏وَظَهَرَ فِي التَّنْقِيحِ رِوَايَةُ كَوْنِهَا‏)‏ أَيْ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ ‏(‏لِمُفْلِسٍ‏)‏ قَالَ‏:‏ وَعَنْهُ لِمُفْلِسٍ وَهُوَ أَظْهَرُ، انْتَهَى‏.‏

وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ قَالَ فِي الْمُغْنِي‏:‏ يُحْمَلُ كَلَامُ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ بَاعَهُمَا فِي حَالِ حَمْلِهِمَا فَيَكُونَانِ مَبِيعَيْنِ وَلِهَذَا خَصَّ هَذَيْنِ بِالذِّكْرِ قَالَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ لِظُهُورِهِ قُلْتُ‏:‏ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ ‏{‏الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ‏}‏‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يَمْنَعُ رُجُوعَهُ ‏(‏غَرْسُ أَرْضٍ أَوْ بِنَاءٌ فِيهَا‏)‏ لِإِدْرَاكِهِ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ كَالثَّوْبِ إذَا صُبِغَ وَكَذَا زَرْعُ أَرْضٍ وَيَبْقَى إلَى حَصَادِهِ بِلَا أُجْرَةٍ وَإِذَا رَجَعَ‏)‏ رَبُّ أَرْضٍ فِيهَا ‏(‏قَبْلَ قَلْعِ‏)‏ غِرَاسٍ وَبِنَاءٍ ‏(‏وَاخْتَارَهُ‏)‏ أَيْ الْقَلْعَ ‏(‏وَيُسَوِّي حُفَرًا‏)‏‏.‏

وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى غَرْسًا وَغَرَسَهُ فِي أَرْضِهِ أَوْ أَرْضٍ اشْتَرَاهَا مِنْ آخَرَ ثُمَّ أَفْلَسَ، بِخِلَافِ مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ نَاقِصَةً فَرَجَعَ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي النَّقْصِ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ كَانَ فِي مِلْكِ الْمُفْلِسِ، وَهُنَا حَدَثَ بَعْدَ الرُّجُوعِ فِي الْعَيْنِ فَلِهَذَا ضَمِنُوهُ وَيَضْرِبُ بِالنَّقْصِ مَعَ الْغُرَمَاءِ ‏(‏وَلِمُفْلِسٍ مَعَ الْغُرَمَاءِ الْقَلْعُ‏)‏ لِغَرْسٍ وَبِنَاءٍ ‏(‏وَيُشَارِكَهُمْ آخِذٌ‏)‏ لِأَرْضِهِ ‏(‏بِالنَّقْصِ‏)‏ أَيْ بِأَرْشِ نَقْصِهَا بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ لِتَخْلِيصِ مِلْكِ الْمُفْلِسِ فَكَانَ عَلَيْهِ وَإِذَا أَبَوْهُ‏)‏ أَيْ أَبَى الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ الْقَلْعَ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَيْهِ لِوَضْعِهِ بِحَقٍّ‏.‏

وَحِينَئِذٍ ‏(‏فَلِآخِذِ‏)‏ أَرْضِهِ ‏(‏الْقَلْعُ‏)‏ لِلْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ ‏(‏وَضَمَانُ نَقْصِهِ أَوْ أَخْذُ غَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ بِقِيمَتِهِ‏)‏ لِحُصُولِهِ فِي مِلْكِهِ بِحَقٍّ كَالْمُعَارِ وَالْمُؤَجَّرِ وَإِذَا أَبَاهُمَا‏)‏ أَيْ أَبَى مَنْ يُرِيدُ الرُّجُوعَ فِي الْأَرْضِ الْقَلْعَ مَعَ ضَمَانِ النَّقْصِ وَأَخْذِ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ ‏(‏أَيْضًا‏)‏ أَيْ مَعَ إبَاءِ الْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ الْقَلْعَ ‏(‏سَقَطَ‏)‏ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَى الْمُفْلِسِ وَعَلَى الْغُرَمَاءِ وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ وَفُرِّقَ بَيْنَ الثَّوْبِ إذَا صُبِغَ حَيْثُ يَرْجِعُ رَبُّ الدِّينِ بِهِ وَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْمُفْلِسِ بِزِيَادَةِ الصَّبْغِ وَبَيْنَ الْأَرْضِ إذَا غُرِسَتْ أَوْ بُنِيَتْ، حَيْثُ سَقَطَ رُجُوعُهُ بِإِبَاءِ مَا سَبَقَ بِأَنَّ الصَّبْغَ يَتَفَرَّقُ فِي الثَّوْبِ فَيَصِيرُ كَالصِّفَةِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فَإِنَّهُمَا أَعْيَانٌ مُتَمَيِّزَةٌ وَأَصْلَانِ فِي أَنْفُسِهِمَا، وَالثَّوْبُ لَا يُرَادُ لِلْإِبْقَاءِ بِخِلَافِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ ‏(‏وَإِنْ مَاتَ بَائِعٌ‏)‏ حَالَ كَوْنِهِ ‏(‏مَدِينًا فَمُشْتَرٍ أَحَقُّ بِمَبِيعِهِ وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ‏)‏ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْبَيْعِ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ فَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مُنَازَعَتَهُ فِيهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَمُتْ بَائِعُهُ مَدِينًا وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا وَالسِّلْعَةُ بِيَدِ الْبَائِعِ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ يَضْرِبُ لَهُ مَعَهُمْ بِالثَّمَنِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَخَذَهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ حِينَ الْبَيْعِ مُعْسِرًا فَلَهُ الْفَسْخُ‏.‏

الْحُكْمُ ‏(‏الثَّالِثُ أَنْ يَلْزَمَ الْحَاكِمَ قَسْمُ مَالِهِ‏)‏ أَيْ الْمُفْلِسِ ‏(‏الَّذِي مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ‏)‏ الَّذِي عَلَيْهِ ‏(‏وَ‏)‏ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ‏(‏بَيْعُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ‏)‏ أَيْ الدَّيْنِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ غَالِبِهِ رَوَاجًا أَوْ الْأَصْلَحِ الَّذِي مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ ‏(‏فِي سُوقِهِ أَوْ غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ غَيْرِ سُوقِهِ ‏(‏بِثَمَنِ مِثْلِهِ‏)‏ أَيْ الْمَبِيعِ ‏(‏الْمُسْتَقِرِّ فِي وَقْتِهِ أَوْ أَكْثَرَ‏)‏ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ إنْ حَصَلَ فِيهِ رَاغِبًا ‏(‏وَقَسَمَهُ‏)‏ أَيْ الثَّمَنَ ‏(‏فَوْرًا‏)‏ حَالٌ مِنْ‏:‏ قَسْمُ، وَبَيْعُ؛ لِأَنَّ هَذَا جُلَّ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ؛ وَتَأْخِيرُهُ مَطْلٌ وَظُلْمٌ لِلْغُرَمَاءِ وَلَمَّا حَجَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُعَاذٍ بَاعَ مَالَهُ فِي دَيْنِهِ وَقَسَّمَ ثَمَنَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ، وَلِفِعْلِ عُمَرَ وَلِاحْتِيَاجِهِ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ فَجَازَ بَيْعُ مَالِهِ فِيهِ كَالسَّفِيهِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، فَلَا يَتَصَرَّفُ لَهُ فِيهِ إلَّا بِمَا فِيهِ حَظٌّ، كَمَالِ السَّفِيهِ‏.‏

‏(‏وَسُنَّ إحْضَارُهُ‏)‏ أَيْ الْمُفْلِسِ عِنْدَ بَيْعِ مَالِهِ لِيَضْبِطَ الثَّمَنَ؛ وَلِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْجَيِّدِ مِنْ مَتَاعِهِ فَيَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِنَفْسِهِ، وَوَكِيلُهُ كَهُوَ وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِئْذَانُهُ بَلْ يُسَنُّ ‏(‏مَعَ‏)‏ إحْضَارِ ‏(‏غُرَمَائِهِ‏)‏ عِنْدَ بَيْعٍ؛ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِقُلُوبِهِمْ وَأَبْعَدُ لِلتُّهْمَةِ وَرُبَّمَا وَجَدَ أَحَدُهُمْ عَيْنَ مَالِهِ أَوْ رَغِبَ فِي شَيْءٍ فَزَادَ فِي ثَمَنِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏بَيْعُ كُلِّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ لِطُلَّابِهِ وَأَحْوَطُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏أَنْ يَبْدَأَ بِأَقَلِّهِ‏)‏ أَيْ الْمَالِ ‏(‏بَقَاءً‏)‏ كَبِطِّيخٍ وَفَاكِهَةٍ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَهُ إضَاعَةٌ لَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ بِ ‏(‏أَكْثَرِهِ كُلْفَةً‏)‏ كَالْحَيَوَانِ لِاحْتِيَاجِ بَقَائِهِ إلَى مُؤْنَةٍ وَهُوَ مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ وَعُهْدَةُ مَبِيعٍ ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا عَلَى مُفْلِسٍ فَقَطْ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ ‏(‏وَيَجِبُ تَرْكُ‏)‏ الْحَاكِمِ لِلْمُفْلِسِ مِنْ مَالِهِ ‏(‏مَا يَحْتَاجُهُ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ‏)‏ صَالِحٍ ‏(‏لِمِثْلِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا غِنَى لَهُ عَنْهُ، فَلَمْ يَبِعْ فِي دَيْنِهِ كَقُوتِهِ وَثِيَابِهِ ‏(‏مَا لَمْ يَكُونَا‏)‏ أَيْ الْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ ‏(‏عَيْنَ مَالِ غَرِيمٍ‏)‏ فَلَهُ أَخْذُهُمَا لِلْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ فَكَانَ أَقْوَى سَبَبًا مِنْ الْمُفْلِسِ ‏(‏وَيَشْتَرِي‏)‏ لِلْمُفْلِسِ بَدَلَهُمَا ‏(‏أَوْ يَتْرُكُ لَهُ‏)‏ مِنْ مَالِهِ ‏(‏بَدَلَهُمَا‏)‏ دَفْعًا لِحَاجَتِهِ ‏(‏وَيَبْذُلُ أَعْلَى‏)‏ مِمَّا يَصْلُحُ لِمِثْلِهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَثَوْبٍ وَغَيْرِهَا ‏(‏بِصَالِحٍ‏)‏ لِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَظُّ لِلْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ ‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ أَنْ يَتْرُكَ لِلْمُفْلِسِ أَيْضًا ‏(‏مَا‏)‏ أَيْ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ لِ ‏(‏يَتَّجِرَ بِهِ‏)‏ إنْ كَانَ تَاجِرًا ‏(‏أَوْ‏)‏ يَتْرُكَ لَهُ ‏(‏آلَةَ تَحَرُّفٍ‏)‏ إنْ كَانَ ذَا صَنْعَةٍ‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ‏:‏ يُتْرَكُ لَهُ قَدْرُ مَا يَقُومُ بِهِ مَعَاشُهُ وَيُبَاعُ الْبَاقِي ‏(‏وَيَجِبُ لَهُ‏)‏ أَيْ الْمُفْلِسِ ‏(‏وَلِعِيَالِهِ‏)‏ مِنْ زَوْجَةٍ وَوَلَدٍ وَنَحْوَهُ ‏(‏أَدْنَى نَفَقَةِ مِثْلِهِمْ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَكِسْوَةٍ وَتَجْهِيزِ مَيِّتٍ‏)‏ بِمَعْرُوفٍ وَيُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ فِي وَاحِدٍ مِنْ مُفْلِسٍ أَوْ وَاحِدٍ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ غَيْرَ زَوْجَةٍ ‏(‏مِنْ مَالِهِ حَتَّى يُقَسَّمَ‏)‏ مَالُهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ‏(‏وَأُجْرَةِ مُنَادٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَكَيَّالٍ وَوَزَّانٍ وَحَمَّالٍ وَحَافِظٍ ‏(‏لَمْ يَتَبَرَّعْ‏)‏ وَاحِدٌ بِعَمَلِهِ ‏(‏مِنْ الْمَالِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَى الْمُفْلِسِ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ، فَكَانَ مِنْهُ كَحَمْلِ الْغَنِيمَةِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ عَيَّنَا‏)‏ أَيْ الْمُفْلِسُ وَالْغَرِيمُ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً ‏(‏مُنَادِيًا غَيْرَ ثِقَةٍ رَدَّهُ حَاكِمٌ بِخِلَافِ بَيْعِ مَرْهُونٍ‏)‏ عَيَّنَ رَاهِنٌ وَمُرْتَهِنٌ لَهُ مُنَادِيًا؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ نَظَرًا فِي بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ وَإِذَا اخْتَلَفَ تَعْيِينُهُمَا‏)‏ بِأَنْ عَيَّنَ الْمُفْلِسُ زَيْدًا وَالْغَرِيمُ عَمْرًا مَثَلًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا ثِقَةٌ ‏(‏ضَمِنَهُمَا‏)‏ حَاكِمٌ ‏(‏إنْ تَبَرَّعَا‏)‏ بِعَمَلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِقَلْبِ كُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى أَحَدٍ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَتَبَرَّعَا وَلَا أَحَدُهُمَا ‏(‏قَدَّمَ‏)‏ الْحَاكِمُ ‏(‏مَنْ شَاءَ‏)‏ مِنْهُمَا فَإِنْ تَطَوَّعَ أَحَدُهُمَا قُدِّمَ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَرُ ‏(‏وَيُبْدَأُ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ يَبْدَأُ الْحَاكِمُ فِي قَسْمِ مَالِهِ ‏(‏بِمَنْ جَنَى عَلَيْهِ‏)‏ حُرًّا كَانَ أَوْ قِنًّا‏.‏

‏(‏قِنُّ الْمُفْلِسِ‏)‏ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بَيْنَ الْجَانِي بِحَيْثُ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ، بِخِلَافِ مَنْ جَنَى عَلَيْهِ الْمُفْلِسُ فَإِنَّهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِذِمَّتِهِ‏.‏

‏(‏فَيُعْطَى‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ ‏(‏الْأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهِ‏)‏ أَيْ الْجَانِي ‏(‏أَوْ‏)‏ الْأَقَلَّ مِنْ ‏(‏الْأَرْشِ‏)‏ فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ عَشَرَةً وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أُعْطِيَ الْعَشَرَةَ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ فَقَطْ‏.‏

وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ أُعْطِيَ أَيْضًا الْعَشَرَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَيَرُدُّ الْبَاقِي لِلْمَقْسَمِ مَا لَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ أَمْرِهِ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ كُلُّهُ وَيَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ ‏(‏فَيُخْتَصُّ‏)‏ هُوَ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَنْ كَالْآلَةِ ‏(‏ثُمَّ يَبْدَأُ بِمَنْ عِنْدَهُ رَهْنٌ‏)‏ لَازِمٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ ‏(‏فَيُخْتَصُّ‏)‏ أَيْ يَخُصُّهُ الْحَاكِمُ ‏(‏بِثَمَنِهِ‏)‏ إنْ كَانَ بِقَدْرِ دَيْنِهِ أَوْ أَقَلَّ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الرَّهْنِ وَذِمَّةِ الرَّاهِنِ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ‏.‏

وَإِذَا بَقِيَ‏)‏ لِلْمُرْتَهِنِ ‏(‏دَيْنٌ‏)‏ بَعْدَ ثَمَنِ الرَّهْنِ ‏(‏حَاصَصَ‏)‏ الْمُرْتَهِنُ ‏(‏الْغُرَمَاءَ‏)‏ بِالْبَاقِي لِمُسَاوَاتِهِ لَهُمْ فِيهِ ‏(‏وَإِنْ فَضَلَ عَنْهُ‏)‏ أَيْ الدَّيْنِ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ ‏(‏رُدَّ‏)‏ الْفَاضِلُ ‏(‏عَلَى الْمَالِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ انْفَكَّ مِنْ الرَّهْنِ بِالْوَفَاءِ، فَصَارَ كَسَائِرِ مَالِ الْمُفْلِسِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يَبْدَأُ ‏(‏بِمَنْ لَهُ عَيْنُ مَالٍ‏)‏ قَبْلَ حَجْرٍ عَلَيْهِ فَيَأْخُذُهَا بِشُرُوطِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏اسْتَأْجَرَ عَيْنًا‏)‏ كَعَبْدٍ وَدَارٍ ‏(‏مِنْ مُفْلِسٍ‏)‏ قَبْلَ حَجْرٍ عَلَيْهِ ‏(‏فَيَأْخُذُهُمَا‏)‏ لِاسْتِيفَاءِ نَفْعِهَا مُدَّةَ إجَارَتِهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنْ اتَّفَقَ الْغُرَمَاءُ مَعَ الْمُفْلِسِ عَلَى بَيْعِهَا بِيعَتْ، وَالْإِجَارَةُ بِحَالِهَا وَإِنْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ الْبَيْعَ فِي الْحَالِ وَبَعْضُهُمْ التَّأْخِيرَ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ قُدِّمَ مَنْ طَلَبَ الْبَيْعَ فِي الْحَالِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ بَطَلَتْ‏)‏ الْإِجَارَةُ ‏(‏فِي‏)‏ أَوَّلِ الْمُدَّةِ وَقَبْلَ دُخُولِهَا ضَرَبَ لَهُ بِمَا عَجَّلَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَفِي ‏(‏أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ‏)‏ لِنَحْوِ مَوْتِ الْعَبْدِ أَوْ انْهِدَامِ الدَّارِ ‏(‏ضَرَبَ لَهُ‏)‏ أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ ‏(‏بِمَا بَقِيَ‏)‏ لَهُ مِنْ أُجْرَةٍ عَجَّلَهَا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّتَهُ أَوْ عَبْدَهُ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ مَاتَا ‏(‏ثُمَّ يَقْسِمُ‏)‏ الْحَاكِمُ ‏(‏الْبَاقِيَ‏)‏ مِنْ الْمَالِ ‏(‏عَلَى قَدْرِ دُيُونِ مَنْ بَقِيَ‏)‏ مِنْ غُرَمَائِهِ تَسْوِيَةً لَهُمْ وَمُرَاعَاةً لِكَمِّيَّةِ حُقُوقِهِمْ فَإِنْ قَضَى حَاكِمٌ أَوْ مُفْلِسٌ بَعْضَهُمْ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاؤُهُ فَلَمْ يَصِحَّ اخْتِصَاصُهُمْ دُونَهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ دَيْنُهُ غَيْرَ نَقْدٍ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِأَخْذِ عِوَضِهِ نَقْدًا اشْتَرَى لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ النَّقْدِ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ كَدَيْنِ سَلَمٍ‏.‏

‏(‏وَلَا يَلْزَمُهُمَا‏)‏ أَيْ الْغُرَمَاءَ الْحَاضِرِينَ ‏(‏بَيَانُ أَنْ لَا غَرِيمَ سِوَاهُمْ‏)‏ بِخِلَافِ مَنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ وَارِثٌ خَاصٌّ؛ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِ الْأَصْلِ عَدَمُ الْغَرِيمِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَقْبِضَ أَحَدُهُمْ فَوْقَ حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَخْذَهُ مِلْكَ غَيْرِهِ فَاحْتِيطَ بِزِيَادَةِ اسْتِظْهَارٍ ‏(‏ثُمَّ إنْ ظَهَرَ رَبُّ‏)‏ دَيْنٍ ‏(‏حَالٍّ رَجَعَ عَلَى كُلِّ غَرِيمٍ بِقِسْطِهِ‏)‏ أَيْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَقَاسَمَهُمْ فَيُقَاسِمُ إذَا ظَهَرَ كَغَرِيمِ الْمَيِّتِ يَظْهَرُ بَعْدَ قَسْمِ مَالِهِ ‏(‏وَلَمْ تَنْقَضِ‏)‏ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا زَائِدًا عَلَى حَقِّهِمْ وَإِنَّمَا تَبَيَّنَ مُزَاحَمَتَهُمْ فِيمَا قَبَضُوهُ مِنْ حَقِّهِمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ مَا قَبَضَهُ بِحِصَّتِهِ‏.‏

وَفِي فَتَاوَى الْمُوَفَّقِ‏:‏ لَوْ وَصَلَ مَالُ الْغَائِبِ فَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً، إنْ طَالَبَا جَمِيعًا اشْتَرَكَا، وَإِنْ طَالَبَ أَحَدُهُمَا اُخْتُصَّ بِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ وَعَدَمُ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ‏.‏

وَمُرَادُهُ أَيْ الْمُوَفَّقِ وَلَمْ يُطَالِبْ أَصْلًا وَإِلَّا شَارَكَهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ دَيْنُهُ مُؤَجَّلٌ‏)‏ مِنْ الْغُرَمَاءِ ‏(‏لَا يَحِلُّ‏)‏ نَصًّا فَلَا يُشَارِكُ ذَوِي الدُّيُونِ الْحَالَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِلْمُفْلِسِ فَلَا يَسْقُطُ بِفَلَسِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَلَا يُوجِبُ الْفَلَسُ حُلُولَ مَالِهِ فَلَا يُوجِبُ حُلُولَ مَا عَلَيْهِ كَالْإِغْمَاءِ ‏(‏وَلَا يُوقَفُ‏)‏ مِنْ مَالِ مُفْلِسٍ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ لِمَنْ دَيْنُهُ مُؤَجَّلٌ ‏(‏وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ‏)‏ بِشَيْءٍ إذَا ‏(‏حَلَّ‏)‏ دَيْنُهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ الْمُطَالَبَةَ بِهِ حِينَ الْقِسْمَةِ وَكَذَا مَنْ تَجَدَّدَ لَهُ دَيْنٌ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِجِنَايَةٍ ‏(‏وَيُشَارِكُ مَنْ حَلَّ دَيْنُهُ قَبْلَ قِسْمَةٍ فِي الْكُلِّ‏)‏ أَيْ كُلِّ الْمَالِ الْمَقْسُومِ كَدَيْنٍ تَجَدَّدَ عَلَى الْمُفْلِسِ بِجِنَايَةٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ‏(‏وَ‏)‏ يُشَارِكُ مَنْ حَلَّ دَيْنُهُ ‏(‏فِي أَثْنَائِهَا‏)‏ أَيْ الْقِسْمَةِ ‏(‏فِيمَا بَقِيَ‏)‏ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ دُونَ مَا قُسِمَ ‏(‏وَيَضْرِبُ لَهُ‏)‏ أَيْ لِلَّذِي حَلَّ دَيْنُهُ فِي أَثْنَاءِ الْقِسْمَةِ ‏(‏بِكُلِّ دَيْنِهِ‏)‏ الَّذِي حَلَّ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَضْرِبُ ‏(‏لِغَيْرِهِ‏)‏ أَيْ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا قَبْلَ حُلُولِ الْمُؤَجَّلِ ‏(‏بِبَقِيَّتِهِ‏)‏ أَيْ بَقِيَّةِ دَيْنِهِ ‏(‏وَيُشَارِكُ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ‏)‏ مِنْ مُفْلِسٍ غُرَمَاءَهُ ‏(‏قَبْلَ حَجْرٍ وَبَعْدَهُ‏)‏ قَبْلَ قِسْمَةٍ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا بِجَمِيعِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ لِثُبُوتِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِهِ فَإِنْ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ قِصَاصًا فَعَفَا وَلِيُّهَا إلَى مَالٍ أَوْ صَالَحَهُ الْمُفْلِسُ عَلَى مَالٍ شَارَكَ أَيْضًا لِثُبُوتِ سَبَبِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْجَبَتْ الْمَالَ ‏(‏وَلَا يَحِلُّ‏)‏ دَيْنٌ ‏(‏بِجُنُونٍ‏)‏ مُؤَجَّلٍ كَإِغْمَاءٍ ‏(‏وَلَا مَوْتٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏مَنْ تَرَكَ حَقًّا أَوْ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ‏}‏ وَالْأَجَلُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ فَيَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ ‏(‏إنْ وَثَّقَ وَرَثَتُهُ‏)‏ رَبَّ الدَّيْنِ ‏(‏أَوْ‏)‏ وَثَّقَ ‏(‏أَجْنَبِيٌّ‏)‏ رَبَّ الدَّيْنِ ‏(‏الْأَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ التَّرِكَةِ‏)‏ فَإِنْ لَمْ يُوَثَّقْ بِذَلِكَ حَلَّ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ قَدْ لَا يَكُونُونَ أَمْلِيَاءَ وَلَمْ يَرْضَ بِهِمْ الْغَرِيمُ فَيُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْحَقِّ فَلَوْ ضَمِنَهُ ضَامِنٌ وَحَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْآخَرِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْأُجْرَةِ الْمُؤَجَّلَةِ‏:‏ لَا تَحِلُّ بِالْمَوْتِ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ قُلْنَا يَحِلُّ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ حُلُولَهَا مَعَ تَأْخِيرِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ ظُلْمٌ وَإِنْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ حَالٌّ وَمُؤَجَّلٌ وَالتَّرِكَةُ بِقَدْرِ الْحَالِّ أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ لَمْ تُوَثَّقْ الْمُؤَجَّلُ حَلَّ وَاشْتَرَكَا وَإِنْ وَثَّقَ الْوَرَثَةُ أَوْ أَجْنَبِيُّ لَمْ يَتْرُكْ لِرَبِّ الْمُؤَجَّلِ شَيْئًا ‏(‏وَيَخْتَصُّ بِهَا‏)‏ أَيْ التَّرِكَةِ ‏(‏رَبُّ‏)‏ دَيْنٍ ‏(‏حَالٍّ‏)‏‏.‏

وَيُوَفِّي رَبُّ الْمُؤَجَّلِ إذَا حَلَّ مِنْ الْوَثِيقَةِ وَإِذَا تَعَذَّرَ تَوَثُّقٌ‏)‏ أَيْ لَمْ يُوَثِّقْ وَارِثٌ حَلَّ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏أَوْ لَمْ يَكُنْ‏)‏ ‏(‏لِمَيِّتٍ وَارِثٌ‏)‏ مُعَيَّنٌ ‏(‏حَلَّ‏)‏ الْمُؤَجَّلُ وَلَوْ ضَمِنَهُ الْإِمَامُ لِلْغُرَمَاءِ لِئَلَّا يَضِيعَ ‏(‏وَلَيْسَ لِضَامِنٍ‏)‏ إذَا مَاتَ مَضْمُونٌ ‏(‏مُطَالَبَةُ رَبِّ حَقٍّ بِقَبْضِهِ‏)‏ أَيْ الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ فِيهِ ‏(‏مِنْ تَرِكَةِ مَضْمُونٍ عَنْهُ‏)‏ لِيَبْرَأَ الضَّامِنُ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنْ ‏(‏يُبْرِئَهُ‏)‏ أَيْ الضَّامِنُ مِنْ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ لَمْ يَمُتْ الْأَصِيلُ ‏(‏وَلَا يَمْنَعُ دَيْنٌ‏)‏ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ عَلَى مَيِّتٍ يُحِيطُ بِالتَّرِكَةِ أَوْ لَا ‏(‏انْتِقَالَهَا إلَى‏)‏ مِلْكِ ‏(‏وَرَثَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَهُ بِالْمَالِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فِي حَقِّ الْجَانِي وَالرَّاهِنِ وَالْمُفْلِسِ فَلَمْ يَمْنَعْ نَقْلَهُ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُ وَرَثَةٍ فِي تَرِكَةٍ بِنَحْوِ بَيْعٍ وَيَلْزَمُهُمْ الدَّيْنُ فَإِنْ تَعَذَّرَ وَفَاؤُهُ فُسِخَ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْجَانِي ‏(‏وَيَلْزَمُ‏)‏ الْحَاكِمَ ‏(‏إجْبَارُ مُفْلِسٍ مُحْتَرِفٍ‏)‏ أَيْ ذِي حِرْفَةٍ كَحَدَّادٍ وَحَائِكٍ ‏(‏عَلَى‏)‏ الْكَسْبِ أَوْ ‏(‏إيجَارِ نَفْسِهِ‏)‏ فِي حِرْفَةٍ يُحْسِنُهَا لِبَقِيَّةِ دَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ صَنَائِعُ أُجْبِرَ عَلَى إيجَارِ نَفْسِهِ ‏(‏فِيمَا يَلِيقُ بِهِ‏)‏ مِنْ صَنَائِعِهِ ‏(‏ل‏)‏ يُوَفِّيَ ‏(‏بَقِيَّةِ دَيْنِهِ‏)‏ بَعْدَ قِسْمَةِ مَا وَجَدَ مِنْ مَالِهِ لِحَدِيثِ سُرَّقٍ وَكَانَ سُرَّقٌ رَجُلًا دَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَذَكَرَ أَنَّ وَرَاءَهُ مَالًا، فَدَايَنَهُ النَّاسُ وَرَكِبَتْهُ الدُّيُونُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَرَاءَهُ فَسَمَّاهُ سُرَّقًا وَبَاعَهُ بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ ‏"‏؛ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَتَحْرِيمِ أَخْذِ الزَّكَاةِ وَثُبُوتِ الْغِنَى بِهَا فَكَذَا فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ بِهَا، وَالْإِجَارَةُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَجَازَ إجْبَارُهُ عَلَيْهَا كَالْبَيْعِ، و‏(‏كَ‏)‏ إجَارَةِ ‏(‏وَقْفٍ وَأُمِّ وَلَدٍ يُسْتَغْنَى عَنْهُمَا‏)‏ وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْله تَعَالَى ‏{‏وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ‏}‏ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْأَغْنِيَاءِ فِي حِرْمَانِ الزَّكَاةِ وَسُقُوطِ نَفَقَتِهِ عَنْ قَرِيبِهِ وَوُجُوبِ نَفَقَةِ قَرِيبِهِ عَلَيْهِ وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ ‏{‏خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ‏}‏ فَقَضِيَّةُ عَيْنٍ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ كَانَ لِذَلِكَ الْمَدِينِ حِرْفَةٌ يَتَكَسَّبُ بِهَا مَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَدَعْوَى نَسْخِ حَدِيثِ سُرَّقٍ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، إذْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ بَيْعَ الْحُرِّ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِنَا، وَحَمْلُ لَفْظِ بَيْعِهِ عَلَى بَيْعِ مَنَافِعِهِ أَسْهَلُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى بَيْعِ رَقَبَتِهِ الْمُحَرَّمُ وَحَذْفُ الْمُضَافِ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ شَائِعٌ كَثِيرٌ وَقَوْلُ مُشْتَرِيهِ ‏"‏ أَعْتِقُهُ ‏"‏ أَيْ مِنْ حَقِّي عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ قَالَ ‏"‏ فَأَعْتَقُوهُ ‏"‏ أَيْ الْغُرَمَاءُ وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَ إلَّا الدَّيْنَ عَلَيْهِ ‏(‏مَعَ‏)‏ بَقَاءِ ‏(‏الْحَجْرِ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْمُفْلِسِ الْمُؤَجَّرِ نَفْسَهُ أَوْ وَقْفَهُ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ ‏(‏لِقَضَائِهَا‏)‏ أَيْ بَقِيَّةِ الدَّيْنِ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ تُجْبَرُ ‏(‏امْرَأَةٌ‏)‏ مُفْلِسَةٌ ‏(‏عَلَى نِكَاحٍ‏)‏ وَلَوْ رَغِبَ فِيهَا بِمَا تُوفِي بِهِ دَيْنَهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ مَا قَدْ تَعْجِزُ عَنْهُ ‏(‏وَلَا‏)‏ يُجْبَرُ ‏(‏مَنْ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ كَفَّارَةٌ‏)‏ لَوْ احْتَرَفَ أَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ يَحْصُلُ مِنْ حِرْفَتِهِ مَا يُحَجُّ بِهِ أَوْ يُكَفِّرُ وَلَا عَلَى إيجَارِ نَفْسِهِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالَهُ لَا يُبَاعُ فِيهِ وَلَا تَجْرِي فِيهِ الْمَنَافِعُ مَجْرَى الْأَعْيَانِ ‏(‏وَيَحْرُمُ‏)‏ إجْبَارُ مَدِينِ مُفْلِسٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏عَلَى قَبُولِ هِبَةٍ وَ‏)‏ قَبُولِ ‏(‏صَدَقَةٍ وَ‏)‏ قَبُولِ ‏(‏وَصِيَّةٍ‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ تَحَمُّلِ الْمِنَّةِ بِخِلَافِهِ عَلَى الصَّنْعَةِ وَلَا يَمْلِكُ الْحَاكِمُ قَبْضَ ذَلِكَ بِلَا إذْنٍ لَفْظِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ، وَلَا غَيْرُ الْمَدِينِ وَفَاءَ دَيْنِهِ مَعَ امْتِنَاعِهِ ‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ إجْبَارُهُ عَلَى ‏(‏تَزْوِيجِ أُمِّ وَلَدٍ‏)‏ لِيُوَفِّيَ بِمَهْرِهَا دَيْنَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَطَؤُهَا؛ لِأَنَّهُ يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ وَيُعَلِّقُ حَقَّ الزَّوْجِ بِهَا ‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ إجْبَارُهُ عَلَى ‏(‏خُلْعِ‏)‏ زَوْجَتِهِ ‏(‏عَلَى عِوَضٍ يُوَفِّي مِنْهُ دَيْنَهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ إلَيْهَا مَيْلٌ ‏(‏وَ‏)‏ لَا يُجْبَرُ عَلَى ‏(‏رَدِّ مَبِيعٍ‏)‏ لِعَيْبٍ أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا عَلَى ‏(‏إمْضَائِهِ‏)‏ وَلَوْ كَانَ فِيهِ حَظٌّ؛ لِأَنَّهُ إتْمَامُ تَصَرُّفٍ سَابِقٍ عَلَى الْحَجْرِ فَلَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ فِيهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا يُجْبَرُ عَلَى ‏(‏أَخْذِ دِيَةٍ عَنْ قَوَدٍ‏)‏ وَجَبَ لَهُ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى قِنِّهِ أَوْ مُوَرِّثِهِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الْمَعْنَى الَّذِي وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ فَإِنْ اقْتَصَّ فَلَا شَيْءَ لِلْغُرَمَاءِ وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ ثَبَتَ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا يُجْبَرُ عَلَى ‏(‏نَحْوِهِ‏)‏ أَيْ مَا تَقَدَّمَ كَطَلَاقِ زَوْجَةٍ بَذَلَتْ لَهُ عِوَضًا لِيُطَلِّقَهَا عَلَيْهِ وَيُوَفِّيَ بِهِ دَيْنَهُ أَوْ بَذَلَتْ لَهُ امْرَأَةٌ مَالًا لِيَتَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ، أَوْ ادَّعَى الْمُفْلِسُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَهُ وَبَذَلَ لَهُ مَالًا لِئَلَّا يُحَلِّفَهُ ‏(‏وَيَنْفَكُّ حَجْرُهُ‏)‏ أَيْ الْمُفْلِسِ ‏(‏بِوَفَاءِ‏)‏ دَيْنِهِ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ لَهُ الْحَجْرُ وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ ‏(‏وَصَحَّ الْحُكْمُ بِفَكِّهِ‏)‏ أَيْ الْحَجْرِ ‏(‏مَعَ بَقَاءِ بَعْضِ‏)‏ الدَّيْنِ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِفَكِّهِ مَعَ بَقَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ فَرَاغِ مَالِهِ وَالنَّظَرِ فِي الْأَصْلَحِ مِنْ بَقَاءِ الْحَجْرِ وَفَكِّهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ مَعَ بَقَاءِ الدَّيْنِ بِدُونِ حُكْمٍ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِحُكْمٍ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِهِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ ‏(‏فَلَوْ طَلَبُوا‏)‏ أَيْ غُرَمَاءُ مَنْ فُكَّ حَجْرُهُ ‏(‏إعَادَتَهُ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏لِمَا بَقِيَ‏)‏ مِنْ دَيْنِهِمْ ‏(‏لَمْ يُجِبْهُمْ‏)‏ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَكَّ حَجْرُهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّ بِيَدِهِ مَالًا وَبَيَّنُوا سَبَبَهُ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ فَإِنْ أَنْكَرَ حَلَفَ وَخَلَّى سَبِيلَهُ، وَإِنْ أَقَرَّ وَقَالَ‏:‏ لِفُلَانٍ وَأَنَا وَكِيلُهُ أَوْ عَامِلُهُ، سَأَلَهُ الْحَاكِمُ إنْ حَضَرَ، فَإِنْ صَدَّقَهُ فُلَانٌ فَلَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ أُعِيدَ الْحَجْرُ بِطَلَبِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ غَائِبًا أُقِرَّ بِيَدِ الْمُفْلِسِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ وَيُسْأَلَ ‏(‏وَإِنْ ادَّانَ‏)‏ مَنْ فُكَّ حَجْرُهُ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةُ دَيْنٍ ‏(‏فَحُجِرَ عَلَيْهِ‏)‏ وَلَوْ بِطَلَبِ أَرْبَابِ الدُّيُونِ الَّتِي لَزِمَتْهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ ‏(‏تَشَارَكَ غُرَمَاءُ الْحَجْرِ الْأَوَّلِ وَ‏)‏ غُرَمَاءُ الْحَجْرِ ‏(‏الثَّانِي‏)‏ فِي مَالِهِ الْمَوْجُودِ إذَنْ، لِتَسَاوِيهِمْ فِي ثُبُوتِ حُقُوقِهِمْ فِي ذِمَّتِهِ كَغُرَمَاءِ الْمَيِّتِ، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلِينَ يُضْرَبُ لَهُمْ بِبَقِيَّةِ دُيُونِهِمْ وَالْآخَرِينَ بِجَمِيعِهَا ‏(‏وَمَنْ فُلِّسَ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ‏(‏ثُمَّ ادَّانَ لَمْ يُحْبَسْ‏)‏ نَصًّا لِوُضُوحِ أَمْرِهِ ‏(‏وَإِنْ أَبَى مُفْلِسٌ، أَوْ‏)‏ أَبَى ‏(‏وَارِثٌ الْحَلِفَ مَعَ شَاهِدٍ لَهُ‏)‏ أَيْ الْمُفْلِسِ أَوْ الْوَارِثِ ‏(‏بِحَقٍّ فَلَيْسَ لِغُرَمَاءِ‏)‏ الْمُفْلِسِ أَوْ الْمَيِّتِ ‏(‏الْحَلِفُ‏)‏ لِإِثْبَاتِهِمْ مِلْكًا لِغَيْرِهِمْ تَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُهُمْ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَهُ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْمَرْأَةِ تَحْلِفُ لِإِثْبَاتِ مِلْكِ زَوْجِهَا لِتَعَلُّقِ نَفَقَتِهَا بِهِ وَلَا يُجْبَرُ الْمُفْلِسُ وَلَا الْوَارِثُ عَلَى الْحَلِفِ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ صِدْقَ الشَّاهِدِ فَإِنْ حَلَفَ ثَبَتَ الْمَالُ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ الْحُكْمُ ‏(‏الرَّابِعُ انْقِطَاعُ الطَّلَبِ عَنْهُ‏)‏ أَيْ الْمُفْلِسِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ‏}‏ وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، أَيْ فَأَنْظِرُوهُ إلَى مَيْسَرَتِهِ وَلِحَدِيثِ ‏{‏خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ‏}‏‏.‏

وَرُوِيَ ‏"‏ لَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ ‏"‏ ‏(‏فَمَنْ أَقْرَضَهُ‏)‏ أَيْ الْمُفْلِسَ شَيْئًا ‏(‏أَوْ بَاعَهُ شَيْئًا لَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهُ‏)‏ بِبَدَلِ الْقَرْضِ أَوْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَتْلَفَ مَالَهُ بِمُعَامَلَةِ مَنْ لَا شَيْءَ مَعَهُ ‏(‏حَتَّى يَنْفَكَّ حَجْرُهُ‏)‏ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غُرَمَائِهِ حَالَ الْحَجْرِ بِعَيْنِ مَالِهِ وَإِنْ وَجَدَ مَنْ أَقْرَضَهُ أَوْ بَاعَهُ عَيْنَ مَالِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا إنْ جَهِلَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَتَقَدَّمَ‏.‏