فصل: فَصْلٌ: فِي ذِكْرِ النَّجَاسَاتِ وَمَا يُعْفَى عَنْهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


بَابُ‏:‏ التَّيَمُّمِ

لُغَةً‏:‏ الْقَصْدُ، قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ‏}‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا‏}‏ وَشَرْعًا ‏(‏اسْتِعْمَالُ تُرَابٍ مَخْصُوصٍ‏)‏ أَيْ طَهُورٍ مُبَاحٍ غَيْرِ مُحْتَرِقٍ لَهُ غُبَارٌ ‏(‏لِ‏)‏ مَسْحِ ‏(‏وَجْهٍ وَيَدَيْنِ‏)‏ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ ‏(‏بَدَلُ طَهَارَةِ مَاءٍ‏)‏ أَيْ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ أَوْ غُسْلِ نَجَاسَةٍ بِبَدَنٍ ‏(‏لِ‏)‏ فِعْلِ ‏(‏كُلِّ مَا يُفْعَلُ بِهِ‏)‏ أَيْ بِالْمَاءِ، أَيْ بِطَهَارَتِهِ، كَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ، وَقِرَاءَةٍ وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ، وَلُبْثٍ بِمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏عِنْدَ عَجْزٍ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِعْمَالٍ، أَوْ صِفَةٌ لِبَدَلٍ ‏(‏عَنْهُ أَيْ الْمَاءِ ‏(‏شَرْعًا‏)‏ أَيْ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ‏.‏

وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ حِسًّا، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا أَصْلًا ‏(‏سِوَى نَجَاسَةٍ عَلَى غَيْرِ بَدَنٍ‏)‏ كَثَوْبٍ وَبُقْعَةٍ‏.‏

فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا؛ إذْ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا قِيَاسَ يَقْتَضِيهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سِوَى ‏(‏لُبْثٍ بِمَسْجِدٍ لَحَاجَةٍ‏)‏ لِلُّبْثِ فِيهِ مَعَ تَعَذُّرِ الْمَاءِ، فَلَا يَجِبُ التَّيَمُّمَ لِذَلِكَ‏.‏

وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ لِكُلِّ مَا يُفْعَلُ بِهِ‏.‏

وَالتَّيَمُّمُ مَشْرُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي الْجُمْلَةِ‏.‏

وَسَنَدُهُ‏:‏ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ التَّيَمُّمِ ‏(‏عَزِيمَةٌ‏)‏ كَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ‏.‏

فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ‏.‏

وَ‏(‏يَجُوزُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ‏)‏ كَالسَّفَرِ الْمُبَاحِ، بِخِلَافِ مَسْحِ الْخُفِّ، وَالْفِطْرِ وَالْقَصْرِ بِالسَّفَرِ، وَهُوَ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ لِلْحَدَثِ ‏(‏وَشُرُوطُهُ‏)‏ أَيْ التَّيَمُّمِ الزَّائِدَةُ عَلَى شُرُوطِ مُبْدَلِهِ ‏(‏ثَلَاثَةٌ‏)‏ أَحَدُهَا ‏(‏دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ‏)‏ يُرِيدُ التَّيَمُّمَ لَهَا ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَتْ ‏(‏مَنْذُورَةً ب‏)‏ زَمَنٍ ‏(‏مُعَيَّنٍ‏)‏ كَمَنْ نَذَرَ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الزَّوَالِ بِعَشْرِ دَرَجٍ مَثَلًا ‏(‏فَلَا يَصِحُّ‏)‏ التَّيَمُّمُ لِهَذِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ‏.‏

وَلَا ‏(‏ل‏)‏ صَلَاةٍ ‏(‏حَاضِرَةٍ‏)‏ أَيْ مُؤَدَّاةٍ ‏(‏وَلَا‏)‏ لِصَلَاةِ ‏(‏عِيدٍ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُمَا‏.‏

وَلَا ل‏)‏ فَرِيضَةٍ ‏(‏فَائِتَةٍ إلَّا إذَا ذَكَرَهَا وَأَرَادَ فِعْلَهَا، وَلَا ل‏)‏ صَلَاةِ ‏(‏كُسُوفٍ قَبْلَ وُجُودِهِ‏)‏ أَيْ الْكُسُوفِ ‏(‏وَلَا ل‏)‏ صَلَاةِ ‏(‏اسْتِسْقَاءٍ مَا لَمْ يَجْتَمِعُوا‏)‏ أَيْ النَّاسُ لَهَا ‏(‏وَلَا ل‏)‏ صَلَاةِ ‏(‏جِنَازَةٍ إلَّا إذَا غُسِّلَ الْمَيِّتُ‏)‏ إنْ أَمْكَنَ ‏(‏أَوْ يُمِّمَ لِعُذْرٍ‏)‏ وَيُعَانِي بِهَا‏.‏

فَيُقَالُ‏:‏ شَخْصٌ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ قَبْلَ تَيَمُّمِ غَيْرِهِ، وَهِيَ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ نَحْوِ تَقَطُّعٍ أَوْ عَدَمِ مَاءٍ ‏(‏وَلَا لِ‏)‏ صَلَاةِ ‏(‏نَفْلِ وَقْتٍ نُهِيَ عَنْهَا لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورَةٌ، فَتُقَيَّدُ بِالْوَقْتِ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ؛ وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْوَقْتِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ‏.‏

فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ بِلَا عُذْرٍ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الثَّانِي‏:‏ تَعَذُّرُ‏)‏ اسْتِعْمَالِ ‏(‏الْمَاءِ لِعَدَمِهِ‏)‏ أَيْ الْمَاءِ ‏(‏وَلَوْ بِحَبْسٍ‏)‏ لِلْمَاءِ، بِأَنْ يُوضَعُ فِي مَكَان لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهِ أَوْ يَعْجِزُ الشَّخْصُ عَنْ الْخُرُوج فِي طَلَبِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ عَدَمُ الْمَاءِ بِسَبَبِ ‏(‏قَطْعِ عَدُوٍّ مَاءَ بَلَدِهِ أَوْ‏)‏ بِسَبَبِ ‏(‏عَجْزٍ عَنْ تَنَاوُلِهِ‏)‏ أَيْ الْمَاءِ مِنْ بِئْرٍ وَنَحْوِهِ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا‏}‏ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏إنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ‏.‏

فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ‏}‏‏.‏

قَالَ التِّرْمِذِيُّ‏:‏ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذَا عَامٌّ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ‏.‏

وَلِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ أَشْبَهَ الْمُسَافِرَ‏.‏

فَأَمَّا لِلْآيَةِ فَلَعَلَّ ذِكْرَ السَّفَرِ فِيهَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، كَذِكْرِهِ فِي الرَّهْنِ‏.‏

فَلَا يَكُونُ مَفْهُومُهُ مُعْتَبَرًا ‏(‏وَلَوْ بِفَمٍ لِفَقْدِ آلَةٍ‏)‏ كَمَقْطُوعِ يَدَيْنِ، وَصَحِيحٍ عَدِمَ مَا يَسْتَقِي بِهِ مِنْ نَحْوِ بِئْرٍ كَحَبْلٍ وَدَلْوٍ، أَوْ يَدَاهُ نَجِسَتَانِ وَالْمَاءُ قَلِيلٌ‏.‏

فَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَنَاوُلِهِ بِنَحْوِ فَمٍ أَوْ عَلَى غَمْسِ أَعْضَائِهِ بِمَاءٍ كَثِيرٍ، لَزِمَهُ لِأَنَّهُ فَرَضَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ تَعَذَّرَ الْمَاءُ مَعَ وُجُودِهِ ‏(‏ل‏)‏ عَارِضٍ مِنْ ‏(‏مَرَضٍ‏)‏ يَعْجِزُ مَعَهُ عَنْ الْوُضُوءِ بِنَفْسِهِ ‏(‏مَعَ عَدَمِ مُوَضِّئٍ‏)‏ لَهُ، أَوْ مَنْ يَصُبُّ الْمَاءَ مَعَ عَجْزِهِ عَنْهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ غَيْبَتِهِ عَنْهُ مَعَ ‏(‏خَوْفِهِ فَوْتَ الْوَقْتِ بِانْتِظَارِهِ‏)‏ أَيْ الْمُوَضِّئِ أَوْ الصَّابِّ ‏(‏أَوْ خَوْفِهِ‏)‏ أَيْ الْمَرِيضِ الْقَادِرِ عَلَى الْوُضُوءِ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏بِاسْتِعْمَالِهِ‏)‏ أَيْ الْمَاءِ ‏(‏بُطْءَ بُرْءٍ‏)‏ أَيْ طُولَ مَرَضٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ خَوْفِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ الْمَاءَ ‏(‏بَقَاءَ شَيْنٍ‏)‏ أَيْ أَثَرَ قُرُوحٍ تَفْحُشُ‏.‏

قَالَ فِي الْإِنْصَافِ‏:‏ وَكَذَا لَوْ خَافَ حُدُوثَ نَزْلَةٍ وَنَحْوِهَا‏.‏ اهـ‏.‏ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى‏}‏ وَلِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا خَافَ ذَهَابَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ ضَرَرًا فِي نَفْسِهِ مِنْ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ‏.‏

فَهُنَا أَوْلَى ‏(‏أَوْ‏)‏ خَوْفِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ الْمَاءَ ‏(‏ضَرَرَ بَدَنِهِ مِنْ جُرْحٍ‏)‏ فِيهِ بَعْدَ غَسْلِ مَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ مِنْ ‏(‏بَرْدٍ شَدِيدٍ‏)‏ وَلَمْ يَجِدْ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ خَوْفِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ ‏(‏فَوْتَ رِفْقَةٍ‏)‏ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ‏:‏ وَلَوْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا بِفَوَاتِ الرِّفْقَةِ، لِفَوَاتِ الْأُلْفِ وَالْأُنْسِ ‏(‏أَوْ‏)‏ خَوْفِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ فَوْتَ ‏(‏مَالِهِ، أَوْ‏)‏ خَوْفِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ ‏(‏عَطَشَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ مُحْتَرَمَيْنِ‏)‏ بِخِلَافِ نَحْوِ حَرْبِيٍّ وَخِنْزِيرٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ أَوْ أَسْوَدَ بَهِيمٍ وَمَنْ مَعَهُ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ وَخَافَ عَطَشًا؛ حَبَسَ الطَّاهِرَ وَأَرَاقَ النَّجِسَ، إنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ، وَإِلَّا حَبَسَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ خَوْفِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ ‏(‏احْتِيَاجَهُ‏)‏ أَيْ الْمَاءَ ‏(‏لِعَجْنٍ أَوْ طَبْخٍ‏)‏‏.‏

فَمَنْ خَافَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَالْحَرَجِ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَرَفِيقِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ‏:‏ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ‏:‏ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَخَشِيَ الْعَطَشَ‏:‏ أَنَّهُ يُبْقِي مَاءَهُ لِلشُّرْبِ وَيَتَيَمَّمُ ‏(‏أَوْ‏)‏ تَعَذَّرَ الْمَاءُ ‏(‏لِعَدَمِ بَذْلِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَادَةً عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ فِي مَكَانِهِ‏)‏ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي دَفْعِ الزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ‏.‏

فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَحَمُّلُهُ، كَضَرَرِ النَّفْسِ ‏(‏وَلَا إعَادَةَ فِي الْكُلِّ‏)‏ أَيْ كُلِّ مَا مَرَّ مِنْ الْمَسَائِلِ‏.‏

لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ، فَخَرَجَ مِنْ عُهْدَتِهِ ‏(‏وَيَلْزَمُ‏)‏ مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ وَاحْتِيَاجِهِ ‏(‏شِرَاءُ مَاءٍ أَوْ‏)‏ شِرَاءُ ‏(‏حَبْلٍ وَدَلْوٍ‏)‏ احْتَاجَ إلَيْهِمَا لِيَسْتَسْقِيَ بِهِمَا ‏(‏بِثَمَنِ مِثْلٍ أَوْ‏)‏ شَيْءٍ ‏(‏زَائِدٍ‏)‏ عَنْهُ ‏(‏يَسِيرًا‏)‏ عَادَةً فِي مَكَانِهِ ‏(‏فَاضِلٍ‏)‏ صِفَةٌ لِثَمَنٍ ‏(‏عَنْ حَاجَتِهِ‏)‏ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَنَفَقَةٍ وَمُؤْنَةِ سَفَرٍ لَهُ وَلِعِيَالِهِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى ثَمَنِ الْعَيْنِ كَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فِي عَدَمِ جَوَازِ الِانْتِقَالِ إلَى الْبَدَلِ‏.‏

وَالزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ لَا أَثَرَ لَهَا إذْ الضَّرَرُ الْيَسِيرُ قَدْ اُغْتُفِرَ فِي النَّفْسِ، فَفِي الْمَالِ أَحْرَى‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَوْ وَجَدَهُ يُبَاعُ فِي الذِّمَّةِ وَقَدَرَ عَلَيْهِ بِبَلَدِهِ، لَكِنْ إنْ اشْتَرَى إذَنْ فَهُوَ أَفْضُلُ‏.‏

وَلَيْسَ إسْرَافًا بِخِلَافِ عَطْشَانَ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَشْرَبْ فَيَأْثَمُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَلْزَمُهُ أَيْضًا ‏(‏اسْتَعَارَتُهُمَا‏)‏ أَيْ طَلَبُ الْحَبْلِ وَالدَّلْوِ عَارِيَّةً مِمَّنْ هُمَا مَعَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَلْزَمُهُ أَيْضًا ‏(‏قَبُولُهُمَا‏)‏ إنْ بُذِلَا لَهُ ‏(‏ عَارِيَّةً، وَ‏)‏ قَبُولُ ‏(‏مَاءٍ قَرْضًا‏)‏ لِاسْتِقْرَاضِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَلْزَمُهُ قَبُولُ ‏(‏هِبَةٍ‏)‏ لِاسْتِيهَابِهِ ‏(‏وَ‏)‏ يَلْزَمُهُ قَبُولُ ثَمَنِهِ فَرْضًا وَلَهُ وَفَاءٌ‏)‏ لِأَنَّ الْمِنَّةَ فِي ذَلِكَ يَسِيرَةٌ فِي الْعَادَةِ، فَلَا يَضُرُّ احْتِمَالُهَا‏.‏

وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ ثَمَنِهِ هِبَةً لَلْمِنَّةَ، وَلَا اسْتِقْرَاضُ ثَمَنِهِ ‏(‏وَيَجِبُ‏)‏ عَلَى مَنْ مَعَهُ مَاءٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَةِ شُرْبِهِ ‏(‏بَذْلُهُ لِعَطْشَانَ‏)‏ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا؛ لِأَنَّهُ إنْقَاذٌ مِنْ هَلَكَةٍ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ‏.‏

‏(‏وَيُيَمَّمُ رَبُّ مَاءٍ مَاتَ‏)‏ بَدَلَ غُسْلِهِ ‏(‏لِعَطَشِ رَفِيقِهِ‏)‏ كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا ‏(‏وَيَغْرَمُ‏)‏ رَفِيقُهُ ‏(‏ثَمَنَهُ‏)‏ أَيْ قِيمَةَ الْمَاءِ ‏(‏مَكَانَهُ وَقْتَ إتْلَافِهِ‏)‏ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ قُلْنَا‏:‏ الْمَاءُ مِثْلِيٌّ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْوَارِثِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي النِّهَايَةِ‏:‏ إنْ غَرِمَهُ مَكَانَهُ فَبِمِثْلِهِ ‏(‏وَمَنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ‏)‏ أَيْ الْمَاءِ ‏(‏ثُمَّ يَجْمَعَهُ وَيَشْرَبَهُ‏)‏ بَعْدَ وُضُوئِهِ ‏(‏لَمْ يَلْزَمْهُ‏)‏ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ ‏(‏وَمَنْ قَدَرَ عَلَى مَاءِ بِئْرٍ بِثَوْبٍ يُدَلِّيهِ فِيهَا يَبُلُّهُ ثُمَّ‏)‏ يُخْرِجُهُ فَ ‏(‏يَعْصِرُهُ لَزِمَهُ‏)‏ ذَلِكَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمَاءِ ‏(‏مَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ‏)‏ أَيْ الثَّوْبِ بِذَلِكَ ‏(‏أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ‏)‏ فَلَا يَلْزَمُهُ، كَشِرَائِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، وَحَيْثُ لَزِمَهُ فَعَلَ‏.‏

‏(‏وَلَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ‏)‏ لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مَعَهُ آلَةُ الِاسْتِسْقَاءِ الْمُعْتَادَةُ ‏(‏وَمَنْ بَعْضُ بَدَنِهِ جَرِيحٌ وَنَحْوُهُ‏)‏ بِأَنْ كَانَ بِهِ قُرُوحٌ أَوْ رَمَدٌ، وَتَضَرَّرَ بِغُسْلِ ذَلِكَ، وَهُوَ جُنُبٌ أَوْ مُحْدِثٌ ‏(‏وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِمَسْحِهِ بِالْمَاءِ وَجَبَ‏)‏ الْمَسْحُ بِالْمَاءِ، إنْ لَمْ يَكُنْ الْجُرْحُ نَجِسًا‏.‏

قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ‏.‏

‏(‏وَأَجْزَأَ‏)‏ لِأَنَّ الْمَسْحَ بِالْمَاءِ بَعْضُ الْغُسْلِ، وَقَدَرَ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ‏.‏

لِحَدِيثِ ‏{‏إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ وَكَمَنْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ وَقَدَرَ عَلَى الْإِيمَاءِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ تَضَرَّرَ بِمَسْحِهِ أَيْضًا ‏(‏تَيَمَّمَ لَهُ‏)‏ أَيْ لِلْجَرِيحِ وَنَحْوِهِ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ ‏(‏وَ‏)‏ يَتَيَمَّمُ أَيْضًا ‏(‏لِمَا يَتَضَرَّرُ بِغُسْلِهِ مِمَّا قَرُبَ‏)‏ مِنْ الْجَرِيحِ وَنَحْوِهِ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَتَيَمَّمُ أَيْضًا ‏(‏لِمَا يَتَضَرَّرُ بِغُسْلِهِ مِمَّا قَرُبَ‏)‏ مِنْ الْجَرِيحِ وَنَحْوِهِ، لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ ‏(‏وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ضَبْطِهِ‏)‏ أَيْ الْجَرِيحِ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ ‏(‏وَقَدَرَ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَضْبِطُهُ‏)‏ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ فَاضِلَةٍ عَنْ حَاجَتِهِ ‏(‏لَزِمَهُ‏)‏ أَنْ يَسْتَنِيبَ لِيُؤَدِّيَ الْفَرْضَ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِاسْتِنَابَةِ أَيْضًا تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَأَجْزَأَتْهُ ‏(‏وَيَلْزَمُ مَنْ جُرْحُهُ‏)‏ وَنَحْوَهُ ‏(‏بِبَعْضِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ إذَا تَوَضَّأَ تَرْتِيبٌ‏)‏ لِوُجُوبِهِ فِي الْوُضُوءِ ‏(‏فَيَتَيَمَّمُ لَهُ‏)‏ أَيْ لِلْعُضْوِ الْجَرِيحِ وَنَحْوِهِ ‏(‏عِنْدَ غَسْلِهِ لَوْ كَانَ صَحِيحًا‏)‏ فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ وَنَحْوُهُ فِي الْوَجْهِ وَعَمَّهُ تَيَمَّمَ أَوَّلًا ثُمَّ أَتَمَّ وُضُوءَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهِ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَغْسِلَ صَحِيحَهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمَ لِجُرْحِهِ وَعَكْسِهِ، ثُمَّ يُتِمَّ وُضُوءَهُ وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ عُضْوٍ آخَرَ لَزِمَهُ غُسْلُ مَا قَبْلَهُ، ثُمَّ كَانَ فِيهِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْوَجْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ احْتَاجَ فِي كُلِّ عُضْوٍ إلَى تَيَمُّمٍ فِي مَحَلِّ غُسْلِهِ، لِيَحْصُلَ التَّرْتِيبُ، فَإِنْ غَسَلَ صَحِيحٌ وَجْهَهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ لَهُ وَلِيَدَيْهِ تَيَمُّمًا‏.‏

لَمْ يُجْزِهِ، لِأَدَائِهِ إلَى سُقُوطِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَأَمَّا التَّيَمُّمُ عَنْ جُمْلَةِ الطَّهَارَةِ فَالْحُكْمُ لَهُ دُونَهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَلْزَمُ أَيْضًا مَنْ جُرْحُهُ بِبَعْضِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ إذَا تَوَضَّأَ ‏(‏مُوَالَاةٌ‏)‏ لِوُجُوبِهَا فِيهِ فَلَوْ كَانَ بِرِجْلِهِ، وَتَيَمَّمَ لَهُ عِنْدَ غُسْلِهَا وَمَضَى مَا تَفُوتُ فِيهِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ ‏(‏فَ‏)‏ يُعِيدُهُ ‏(‏وَيُعِيدُ غَسْلَ الصَّحِيحَ عِنْدَ كُلِّ تَيَمُّمٍ‏)‏ كَمَا لَوْ أَخَّرَ غَسْلَهُ حَتَّى فَاتَتْ وَلَوْ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ، ثُمَّ تَيَمَّمَ لِنَحْوِ جُرْحٍ وَخَرَجَ الْوَقْتُ‏.‏

لَمْ يَعُدْ سِوَى التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَرْتِيبٌ، وَلَا مُوَالَاةٌ ‏(‏وَإِنْ وَجَدَ‏)‏ مَنْ لَزِمَهُ طَهَارَةٌ ‏(‏حَتَّى الْمُحْدِثُ‏)‏ حَدَثًا أَصْغَرَ ‏(‏مَاءً لَا يَكْفِي لِطَهَارَةٍ اسْتَعْمَلَهُ‏)‏ وُجُوبًا ‏(‏ثُمَّ تَيَمَّمَ‏)‏ لِلْبَاقِي، لِحَدِيثِ ‏{‏إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ فَإِنْ تَيَمَّمَ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ لَمْ يَصِحَّ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً‏}‏ فَإِنْ وَجَدَ تُرَابًا لَا يَكْفِيهِ، اسْتَعْمَلَهُ وَصَلَّى وَيُعِيدُ إذَا وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ مِنْ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ‏.‏

قُلْت‏:‏ مُقْتَضَى مَا يَأْتِي‏:‏ لَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْزِئُ، وَلَا إعَادَةَ وَإِنْ وَجَدَ جُنُبٌ مَا يَكْفِي أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ فَقَطْ اسْتَعْمَلَهُ فِيهَا نَاوِيًا رَفْعَ الْحَدَثَيْنِ وَمَنْ بِبَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ مُحْدِثٌ وَالْمَاءُ يَكْفِي أَحَدَهُمَا غَسَلَ بِهِ النَّجَاسَةَ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِلْحَدَثِ نَصًّا‏.‏

قَالَ الْمَجْدُ‏:‏ إلَّا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ فِي مَحَلٍّ يَصِحُّ تَطْهِيرُهُ مِنْ الْحَدَثِ، فَيَسْتَعْمِلُهُ فِيهِ عَنْهُمَا وَكَذَا إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي ثَوْبِهِ‏.‏

أَزَالَهَا بِهِ، ثُمَّ تَيَمَّمَ ‏(‏وَمَنْ‏)‏ لَزِمَتْهُ طَهَارَةٌ و‏(‏عَدِمَ الْمَاءَ لَزِمَهُ إذَا‏)‏ أَيْ كُلَّمَا ‏(‏خُوطِبَ بِصَلَاةٍ‏)‏ بِأَنْ دَخَلَ وَقْتُهَا فَلَا أَثَرَ لِلطَّلَبِ قَبْلَهُ‏.‏

لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالطَّهَارَةِ إذَنْ ‏(‏طَلَبُهُ فِي رَحْلِهِ‏)‏ بِأَنْ يُفَتِّشُ مِنْ مَسْكَنِهِ وَمَا يَسْتَصْحِبُهُ مِنْ أَثَاثِهِ وَرَحْلِهِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ‏.‏

‏(‏وَمَا قَرُبَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏عَادَةً‏)‏ بِأَنْ يَنْظُرَ أَمَامَهُ وَوَرَاءَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالسَّعْيِ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ سَائِرًا طَلَبَهُ أَمَامَهُ، فَإِنْ رَأَى خُضْرَةً أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَصَدَهُ فَاسْتَبْرَأَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَلْزَمُهُ أَيْضًا‏:‏ طَلَبُهُ ‏(‏مِنْ رَفِيقِهِ‏)‏ فَيَسْأَلُ عَنْ مَوَارِدِهِ، أَوْ عَنْ مَاءٍ مَعَهُ يَبِيعُهُ، أَوْ يَبْذُلُهُ لَهُ‏.‏

فَإِنْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الطَّلَبِ لَمْ يَصِحَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا‏}‏ وَلَا يُقَالُ‏:‏ لَمْ يَجِدْ إلَّا لِمَنْ طَلَبَ وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِهِ مَاءٌ لَا يَعْلَمُهُ وَسَوَاءٌ تَحَقَّقَ وُجُودَهُ أَوْ ظَنَّهُ، أَوْ ظَنَّ عَدَمَهُ، أَوْ اسْتَوَى عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ ‏(‏مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَدَمُهُ‏)‏ أَيْ الْمَاءِ، فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ، لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ ‏(‏وَمَنْ تَيَمَّمَ‏)‏ لِعَدَمِ الْمَاءِ ‏(‏ثُمَّ رَأَى مَا يَشُكُّ مَعَهُ فِي‏)‏ وُجُودِ ‏(‏الْمَاءِ‏)‏ كَخُضْرَةٍ وَرَكْبٍ قَادِمٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَاءٌ ‏(‏لَا فِي صَلَاةٍ، بَطَلَ تَيَمُّمُهُ‏)‏ لِوُجُوبِ طَلَبِهِ عَلَيْهِ إذَنْ‏.‏

وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ فَلَا تَبْطُلُ وَلَا تَيَمُّمُهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ إذَنْ ‏(‏فَإِنْ دَلَّهُ‏)‏ أَيْ عَادِمَ الْمَاءِ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْمَاءِ ‏(‏ثِقَةٌ‏)‏ قَرِيبًا عُرْفًا لَزِمَهُ قَصْدُهُ ‏(‏أَوْ عَلِمَهُ‏)‏ أَيْ عَلِمَ الْمَاءَ عَادِمُهُ ‏(‏قَرِيبًا عُرْفًا‏)‏ مِنْهُ ‏(‏وَلَمْ يَخَفْ‏)‏ بِقَصْدِهِ إيَّاهُ ‏(‏فَوْتَ وَقْتٍ وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْوَقْتُ الْمَخُوفُ فَوَاتُهُ ‏(‏لِلِاخْتِيَارِ‏)‏ بِأَنْ ظَنَّ أَنْ لَا يُدْرِكَ الصَّلَاةَ بِوُضُوءٍ إلَّا وَقْتَ الضَّرُورَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ لَمْ يَخَفْ بِقَصْدِهِ فَوْتَ ‏(‏رِفْقَةٍ، أَوْ‏)‏ فَوْتَ ‏(‏عَدُوٍّ، أَوْ‏)‏ فَوْتَ ‏(‏مَالٍ، أَوْ‏)‏ لَمْ يَخَفْ بِقَصْدِهِ ‏(‏عَلَى نَفْسِهِ‏)‏ نَحْوَ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ عَدُوٍّ‏.‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْمَخُوفُ مِنْهُ ‏(‏فُسَّاقًا‏)‏ يَفْسُقُونَ بِطَالِبِ الْمَاءِ ‏(‏غَيْرَ جَبَانٍ‏)‏ يَخَافُ بِلَا سَبَبٍ يُخَافُ مِنْهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ لَمْ يَخَفْ بِقَصْدِهِ عَلَى ‏(‏مَالِهِ‏)‏ كَشُرُودِ دَابَّتِهِ، أَوْ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ نَحْوِهِ ‏(‏لَزِمَهُ قَصْدُهُ‏)‏ أَيْ الْمَاءِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِلَا ضَرَرٍ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ خَافَ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ ‏(‏تَيَمَّمَ‏)‏ وَسَقَطَ طَلَبُهُ، لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَقْتِ بِلَا ضَرَرٍ فَأَشْبَهَ عَادِمَهُ إعَادَةً وَلَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى الْأَمْنِ‏.‏

وَإِذَا تَيَمَّمَ لِسَوَادٍ بِاللَّيْلِ يَظُنُّهُ عَدُوًّا، فَتَبَيَّنَ عَدَمَهُ بَعْدَ أَنْ صَلَّى فَلَا إعَادَةَ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ فِي الْأَسْفَارِ ‏(‏وَلَا يَتَيَمَّمُ‏)‏ مَعَ الْمَاءِ ‏(‏لِخَوْفِ فَوْتِ جِنَازَةٍ‏)‏ بِالْوُضُوءِ ‏(‏وَلَا‏)‏ لِخَوْفِ فَوْتِ وَقْتِ ‏(‏فَرْضٍ‏)‏ إنْ تَوَضَّأَ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً‏}‏ ‏(‏إلَّا هُنَا‏)‏ أَيْ فِيمَا إذَا عَلِمَ الْمُسَافِرُ الْمَاءَ أَوْ دَلَّهُ عَلَيْهِ ثِقَةٌ قَرِيبًا وَخَافَ بِقَصْدِهِ فَوْتَ الْوَقْتِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إلَّا فِيمَا ‏(‏إذَا وَصَلَ مُسَافِرٌ إلَى مَاءٍ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ‏)‏ عَنْ طَهَارَتِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ عَنْهَا لَكِنْ ‏(‏عَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ‏)‏ لِيَسْتَعْمِلَهُ ‏(‏إلَّا بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الْوَقْتِ، فَيَتَيَمَّمُ، لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَقْتِ‏.‏

فَاسْتُصْحِبَ حَالُ عَدَمِهِ لَهُ، بِخِلَافِ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ وَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ، ثُمَّ أَخَّرَ حَتَّى ضَاقَ فَكَحَاضِرٍ لِتَحَقُّقِ قُدْرَتِهِ ‏(‏وَمَنْ تَرَكَ مَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ‏)‏ مِنْ مَاءٍ أَوْ ثَمَنِهِ أَوْ آلَتِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ تَرَكَ مَا يَلْزَمُهُ ‏(‏تَحْصِيلُهُ مِنْ مَاءٍ وَغَيْرِهِ‏)‏ كَحَبْلٍ وَدَلْوٍ ‏(‏وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى‏.‏

أَعَادَ‏)‏ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ لَاحِقٍ لَهُ‏.‏

فَلَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ، كَوَاجِدِهِ ‏(‏وَمَنْ خَرَجَ‏)‏ إلَى أَرْضٍ مِنْ أَعْمَالِ بَلَدِهِ ‏(‏لِحَرْثٍ أَوْ صَيْدٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَاحْتِطَابٍ ‏(‏حَمَلَهُ‏)‏ أَيْ الْمَاءَ مَعَهُ ‏(‏إنْ أَمْكَنَهُ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ إذَنْ‏.‏

وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَاجِبٌ ‏(‏وَ‏)‏ مَتَى حَمَلَهُ وَفَقَدَهُ، أَوْ لَمْ يَحْمِلْهُ وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ ‏(‏تَيَمَّمَ إنْ فَاتَتْ حَاجَتُهُ‏)‏ الَّتِي خَرَجَ إلَيْهَا ‏(‏بِرُجُوعِهِ‏)‏ إلَى الْمَاءِ ‏(‏وَلَا يُعِيدُ‏)‏ صَلَاتَهُ بِهِ، لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْمُسَافِرِ إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى‏.‏

‏(‏وَمَنْ فِي الْوَقْتِ‏)‏ لِلصَّلَاةِ ‏(‏أَرَاقَهُ‏)‏ أَيْ الْمَاءَ ‏(‏أَوْ مَرَّ بِهِ‏)‏ أَيْ الْمَاءِ ‏(‏وَأَمْكَنَهُ الْوُضُوءُ‏)‏ مِنْهُ وَلَمْ يَفْعَلْ ‏(‏وَ‏)‏ هُوَ ‏(‏يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ‏)‏ فِي الْوَقْتِ لِغَيْرِ مَنْ يَلْزَمُ بَذْلُهُ لَهُ ‏(‏حَرُمَ‏)‏ عَلَيْهِ ذَلِكَ ‏(‏وَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ‏)‏ مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَصِحَّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ كَأُضْحِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ ‏(‏ثُمَّ إنْ تَيَمَّمَ‏)‏ لِعَدَمِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّ الْمَبِيعِ وَالْمَوْهُوبِ ‏(‏وَصَلَّى لَمْ يُعِدْ‏)‏ لِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ حَالَ التَّيَمُّمِ أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَإِنْ كَانَ مَا سَبَقَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا إثْمَ لَهُ وَلَا إعَادَةَ بِالْأَوْلَى ‏(‏وَمَنْ ضَلَّ عَنْ رَحْلِهِ وَبِهِ الْمَاءُ‏.‏

وَقَدْ طَلَبَهُ‏)‏ أَيْ رَحْلَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَتَيَمَّمَ أَجْزَأَهُ أَوْ ضَلَّ ‏(‏عَنْ مَوْضِعِ بِئْرٍ كَانَ يَعْرِفُهَا فَتَيَمَّمَ أَجْزَأَهُ‏)‏ وَلَا إعَادَةَ بَعْدَ وُجُودِ مَاءٍ ضَلَّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَالَ تَيَمُّمِهِ عَادِمُ الْمَاءِ‏.‏

فَدَخَلَ فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا‏}‏ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ ‏(‏وَلَوْ بَانَ بَعْدَ‏)‏ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ ‏(‏بِقُرْبِهِ بِئْرٌ خَفِيَّةٌ لَمْ يَعْرِفْهَا‏)‏ فَلَا إعَادَةَ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ أَعْلَامُهَا ظَاهِرَةً أَوْ كَانَ يَعْرِفُهَا ‏(‏لَا إنْ نَسِيَهُ أَيْ الْمَاءَ‏)‏ أَوْ جَهِلَهُ بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ ‏(‏وَلَوْ مَعَ نَحْوِ عَبْدِهِ ‏(‏وَتَيَمَّمَ‏)‏ وَصَلَّى‏.‏

فَلَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَجِبُ مَعَ الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ فَلَا تَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ، كَمَنْ صَلَّى نَاسِيًا حَدَثَهُ و‏(‏كَمُصَلٍّ عُرْيَانًا وَمُكَفِّرٍ بِصَوْمٍ نَاسِيًا لِلسُّتْرَةِ وَالرَّقَبَةِ‏)‏ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَلَا يُجْزِئُهُ صَوْمُهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ ‏(‏وَيُتَيَمَّمُ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، أَيْ يُشْرَعُ التَّيَمُّمُ ‏(‏لِكُلِّ حَدَثٍ‏)‏ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ‏.‏

لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ فَقَالَ‏:‏ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ‏؟‏ فَقَالَ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، وَلَا مَاءَ قَالَ‏:‏ عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ‏.‏

فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَلِحَدِيثِ عَمَّارٍ، وَحَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهُمَا كَجُنُبٍ ‏(‏وَ‏)‏ تَيَمَّمَ ‏(‏ل‏)‏ كُلِّ ‏(‏نَجَاسَةٍ بِبَدَنٍ‏)‏ مُتَيَمِّمٌ‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ هُوَ بِمُنْزِلَةِ الْجُنُبِ ‏(‏لِعَدَمِ مَاءٍ أَوْ لِضَرَرٍ‏)‏ فِي بَدَنِهِ وَلَوْ كَانَ الضَّرَرُ ‏(‏مِنْ بَرْدٍ حَضَرَا‏)‏ مَعَ عَدَمِ مَا يُسَخَّنُ بِهِ الْمَاءُ ‏(‏بَعْدَ تَخْفِيفِهَا‏)‏ أَيْ النَّجَاسَةِ عَنْ بَدَنِهِ ‏(‏مَا أَمْكَنَ‏)‏ بِمَسْحِ رَطْبِهِ أَوْ حَكِّ يَابِسِهِ ‏(‏لُزُومًا وَلَا إعَادَةَ‏)‏ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِمَحَلٍّ صَحِيحٍ أَوْ جَرِيحٍ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ ‏{‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ‏}‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا‏}‏ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ فِي الْبَدَنِ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ، فَأَشْبَهَتْ طَهَارَةَ الْحَدَثِ‏.‏

وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ أَنَّهُ لَا تَيَمُّمَ لِغَيْرِ نَجَاسَةٍ بِبَدَنٍ وَتَقَدَّمَ ‏(‏وَإِنْ تَعَذَّرَ‏)‏ عَلَى مُرِيدِ الصَّلَاةِ ‏(‏الْمَاءُ وَالتُّرَابُ لِعَدَمٍ‏)‏ كَمَنْ حُبِسَ بِمَحَلٍّ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَا تُرَابَ ‏(‏أَوْ لِقُرُوحٍ لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهَا مَسَّ الْبَشَرَةِ بِمَاءٍ وَلَا تُرَابٍ ‏(‏وَنَحْوِهَا‏)‏ أَيْ الْقُرُوحِ كَجِرَاحَاتٍ لَا يُمْكِنُ مَسُّهَا وَكَذَا مَرِيضٌ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ أَوْ عَمَّنْ يُطَهِّرُهُ بِأَحَدِهِمَا ‏(‏صَلَّى الْفَرْضَ فَقَطْ‏)‏ دُونَ النَّوَافِلِ ‏(‏عَلَى حَسَبِ حَالِهِ‏)‏ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فَلَمْ تُؤَخَّرْ الصَّلَاةُ عِنْدَ عَدَمِهِ كَالسُّتْرَةِ‏.‏

‏(‏وَلَا يَزِيدُ‏)‏ عَادِمُ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ ‏(‏عَلَى مَا يُجْزِئُ‏)‏ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَقْرَأُ زَائِدًا عَلَى الْفَاتِحَةِ وَلَا يَسْتَفْتِحُ، وَلَا يَتَعَوَّذُ وَلَا يُبَسْمِلُ، وَلَا يُسَبِّحُ زَائِدًا عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْزِئُ فِي طُمَأْنِينَةِ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ جُلُوسٍ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ رَكَعَ فِي الْحَالِ، وَإِذَا فَرَغَ مِمَّا يُجْزِئُ فِي التَّشَهُّدِ نَهَضَ أَوْ سَلَّمَ فِي الْحَالِ لِأَنَّهَا صَلَاةُ ضَرُورَةٍ فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَاجِبِ‏.‏

إذْ لَا ضَرُورَةَ لِزَائِدٍ وَلَا يَقْرَأُ خَارِجَ الصَّلَاةِ إنْ كَانَ جُنُبًا ‏(‏وَلَا يَؤُمُّ‏)‏ عَادِمُ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ ‏(‏مُتَطَهِّرًا بِأَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ كَالْعَاجِزِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ لَا يَؤُمُّ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى التُّرَابِ، فِي الصَّلَاةِ فَكَالْمُتَيَمِّمِ يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ ‏(‏وَلَا إعَادَةَ‏)‏ عَلَى مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ وَصَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ فَخَرَجَ مِنْ عُهْدَتِهِ ‏(‏وَتَبْطُلُ‏)‏ صَلَاتُهُ ‏(‏بِحَدَثٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا ‏(‏فِيهَا‏)‏ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ، فَأَبْطَلَهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُهَا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ‏.‏

وَتَبْطُلُ صَلَاةٌ عَلَى مَيِّتٍ لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُيَمَّمْ بِغُسْلِهِ مُطْلَقًا، وَتُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِهِ وَيُيَمَّمُ، وَيَجُوزُ نَبْشُهُ لِأَحَدِهِمَا مَعَ أَمْنِ تَفَسُّخِهِ ‏(‏وَإِنْ وَجَدَ‏)‏ عَادِمٌ ‏(‏ثَلْجًا وَتَعَذَّرَ تَذْوِيبُهُ مَسَحَ بِهِ أَعْضَاءَهُ‏)‏ لُزُومًا، لِأَنَّهُ مَاءٌ جَامِدٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ إلَّا كَذَلِكَ، فَوَجَبَ، لِحَدِيثِ ‏{‏إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏‏.‏

وَظَاهِرُهُ‏:‏ لَا يَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِهِ، لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ ‏(‏وَصَلَّى وَلَمْ يُعِدْ‏)‏ صَلَاتَهُ ‏(‏إنْ جَرَى‏)‏ الثَّلْجُ أَيْ سَالَ ‏(‏بِمَسِّ الْأَعْضَاءِ‏)‏ الْوَاجِبِ غَسْلُهَا، لِأَنَّهُ يَصِيرُ غَسْلًا خَفِيفًا، فَإِنْ لَمْ يَجْرِ بِمَسٍّ‏.‏

أَعَادَ، وَمِثْلُهُ لَوْ صَلَّى بِلَا تَيَمُّمٍ وَعِنْدَهُ‏:‏ طِينٌ يَابِسٌ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَقِّهِ لِيَكُونَ لَهُ غُبَارٌ الشَّرْطُ ‏(‏الثَّالِثُ‏:‏ تُرَابٌ‏)‏ فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمٌ بِرَمْلٍ أَوْ نُورَةٍ أَوْ جِصٍّ، أَوْ نَحْتِ حِجَارَةٍ أَوْ نَحْوِهِ ‏(‏طَهُورٌ‏)‏ بِخِلَافِ مَا يَتَنَاثَرُ مِنْ الْمُتَيَمِّمِ، لِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي طَهَارَةِ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ، أَشْبَهَ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي طَهَارَةٍ وَاجِبَةٍ، وَإِنْ تَيَمَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، صَحَّ، كَمَا لَوْ تَوَضَّئُوا مِنْ حَوْضٍ يَغْتَرِفُونَ مِنْهُ ‏(‏مُبَاحٌ‏)‏ فَلَا يَصِحُّ بِمَغْصُوبٍ، كَالْوُضُوءِ بِهِ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تُرَابَ مَسْجِدٍ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِتُرَابِ زَمْزَمَ، مَعَ أَنَّهُ مَسْجِدٌ ‏(‏غَيْرُ مُحْتَرِقٍ‏)‏ فَلَا يَصِحُّ بِمَا دَقَّ مِنْ نَحْوِ خَزَفٍ، لِأَنَّ الطَّبْخَ أَخْرَجَهُ عَنْ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ التُّرَابِ ‏(‏يَعْلَقُ غُبَارُهُ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ‏}‏ وَمَا لَا غُبَارَ لَهُ لَا يُمْسَحُ بِشَيْءٍ مِنْهُ ‏"‏ فَلَوْ ضَرَبَ عَلَى نَحْوِ لَبَدٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ صَخْرَةٍ أَوْ بَرْذَعَةِ حِمَارٍ أَوْ عَدْلِ شَعِيرٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا عَلَيْهِ غُبَارٌ طَهُورٌ يَعْلَقُ بِيَدِهِ، صَحَّ تَيَمُّمُهُ بِخِلَافِ سَبَخَةٍ وَنَحْوِهَا لَا غُبَارَ لَهَا‏.‏

‏(‏فَإِنْ خَالَطَهُ‏)‏ أَيْ التُّرَابَ الطَّهُورُ ‏(‏ذُو غُبَارٍ‏)‏ غَيْرُهُ، كَالْجِصِّ، وَالنُّورَةِ ‏(‏فَكَمَاءٍ‏)‏ طَهُورٍ ‏(‏خَالَطَهُ طَاهِرٌ‏)‏ فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلتُّرَابِ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُخَالَطِ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ كَانَ الْمُخَالَطُ لَا غُبَارَ لَهُ لَمْ يُمْنَعْ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ، كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ، وَإِنْ خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِنْ كَثُرَ‏.‏

ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابِ مَقْبَرَةٍ تَكَرَّرَ نَبْشُهَا، وَإِلَّا جَازَ وَإِنْ شَكَّ فِي التَّكْرَارِ صَحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَلَا بِطِينٍ، لَكِنْ إنْ أَمْكَنَهُ تَجْفِيفُهُ، وَالتَّيَمُّمُ بِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ جَازَ، لَا بَعْدَهُ وَأَعْجَبَ أَحْمَدَ حَمْلُ التُّرَابِ لِلتَّيَمُّمِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ لَا يَحْمِلُهُ وَظَهَرَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ، إذْ لَمْ يَنْقُلْ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فرائض التيمم‏]‏

وَفَرَائِضُهُ أَيْ التَّيَمُّمِ خَمْسَةٌ فِي الْجُمْلَةِ‏:‏

أَحَدُهَا‏:‏ ‏(‏مَسْحُ وَجْهِهِ‏)‏ وَمِنْهُ اللِّحْيَةُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ‏}‏ ‏(‏سِوَى مَا تَحْتَ‏)‏ شَعْرٍ، وَلَوْ كَانَ الشَّعْرُ ‏(‏خَفِيفًا وَ‏)‏ سِوَى ‏(‏دَاخِلِ فَمٍ وَأَنْفٍ، وَيُكْرَهُ‏)‏ إدْخَالُ التُّرَابِ فَمَهُ وَأَنْفَهُ لِتَقْذِيرِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّانِي‏:‏ مَسْحُ ‏(‏يَدَيْهِ إلَى كُوعَيْهِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَيْدِيكُمْ‏}‏ وَإِذَا عُلِّقَ حُكْمٌ بِمُطْلَقِ الْيَدَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الذِّرَاعُ، كَقَطْعِ السَّارِقِ وَمَسِّ الْفَرْجِ‏.‏

وَلِحَدِيثِ عَمَّارٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْت، فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ؛ فَتَمَرَّغْت فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ‏:‏ إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك أَنْ تَقُولَ بِيَدِك هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ أَمَرَّ الْمَحَلَّ‏)‏ الْمَمْسُوحَ فِي التَّيَمُّمِ ‏(‏عَلَى تُرَابٍ‏)‏ وَمَسَحَهُ بِهِ صَحَّ ‏(‏أَوْ صَمَدَهُ‏)‏ أَيْ نَصَبَ الْمَحَلَّ الَّذِي يَمْسَحُ فِي التَّيَمُّمِ ‏(‏لِرِيحٍ فَعَمَّهُ‏)‏ التُّرَابُ ‏(‏وَمَسَحَهُ بِهِ صَحَّ‏)‏ تَيَمُّمُهُ إنْ نَوَاهُ، كَمَا لَوْ صَمَّدَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ لِمَاءٍ فَجَرَى عَلَيْهَا ‏(‏لَا إنْ سَفَتْهُ‏)‏ أَيْ سَفَتْ رِيحٌ الْمَحَلَّ بِتُرَابٍ مِنْ غَيْرِ تَصْمِيدٍ ‏(‏فَمَسَحَهُ بِهِ‏)‏ لِأَمْرِهِ تَعَالَى بِقَصْدِ الصَّعِيدِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ تَيَمَّمَ بِبَعْضِ يَدَيْهِ، أَوْ‏)‏ تَيَمَّمَ ‏(‏بِحَائِلٍ‏)‏ كَخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا، فَكَوُضُوءٍ يَصِحُّ حَيْثُ مَسَحَ مَا يَجِبُ مَسْحُهُ، لِوُجُودِ الْمَأْمُورِ بِهِ ‏(‏أَوْ يَمَّمَهُ غَيْرُهُ فَكَوُضُوءٍ‏)‏ يَصِحُّ حَيْثُ نَوَاهُ الْمُتَيَمِّمُ، وَلَمْ يُكْرَهْ مُيَمَّمٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ‏:‏ ‏(‏تَرْتِيبٌ وَمُوَالَاةٌ لِحَدَثٍ أَصْغَرَ‏)‏ دُونَ حَدَثٍ أَكْبَرَ وَنَجَاسَةِ بَدَنٍ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ مَبْنِيٌّ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ، وَهُمَا فَرْضَانِ فِي الْوُضُوءِ دُونَ مَا سِوَاهُ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ الْمُوَالَاةُ ‏(‏هُنَا بِقَدْرِهَا‏)‏ زَمَنًا ‏(‏فِي وُضُوءٍ‏)‏ فَهِيَ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ مَسْحَ عُضْوٍ حَتَّى يَجِفَّ مَا قَبْلَهُ لَوْ كَانَ مَغْسُولًا بِزَمَنٍ مُعْتَدِلٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْخَامِسُ ‏(‏تَعْيِينُ نِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ مَا يَتَيَمَّمُ لَهُ‏)‏ كَصَلَاةٍ أَوْ طَوَافٍ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا أَوْ غَيْرَهُمَا ‏(‏مِنْ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِبَاحَةِ ‏(‏حَدَثٍ‏)‏ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ، جَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ‏(‏أَوْ نَجَاسَةٍ‏)‏ بِبَدَنٍ، وَيَكْفِيهِ لَهَا تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ‏.‏

وَإِنْ تَعَدَّدَتْ مَوَاضِعُهَا‏.‏

فَإِنْ نَوَى رَفْعَ حَدَثٍ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّهُ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ لِأَنَّهُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ ‏(‏فَلَا يَكْفِي‏)‏ مَنْ هُوَ مُحْدِثٌ وَبِبَدَنِهِ نَجَاسَةُ التَّيَمُّمِ ‏(‏لِأَحَدِهِمَا‏)‏ عَنْ الْآخَر‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا يَكْفِي مَنْ هُوَ مُحْدِثٌ وَجُنُبٌ التَّيَمُّمُ عَنْ غُسْلِهِ لِحَدِيثِ ‏{‏إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى‏}‏‏.‏

وَإِذَا تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ أُبِيحَ لَهُ مَا يُبَاحُ لِلْمُحْدِثِ‏:‏ مِنْ قِرَاءَةٍ وَلُبْثٍ بِمَسْجِدٍ دُونَ صَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ وَإِذَا أَحْدَثَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي هَذَا التَّيَمُّمِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ نَوَاهُمَا‏)‏ أَيْ الْحَدَثَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ نَوَى الْحَدَثَ وَنَجَاسَةً بِبَدَنٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَ عَنْهُمَا أَوْ نَوَى ‏(‏أَحَدَ أَسْبَابِ أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الْحَدَثَيْنِ، بِأَنْ بَالَ وَتَغَوَّطَ وَخَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ وَنَحْوُهُ، وَنَوَى وَاحِدًا مِنْهُمَا وَتَيَمَّمَ ‏(‏أَجْزَأَ‏)‏ التَّيَمُّمُ ‏(‏عَنْ الْجَمِيع‏)‏ وَكَذَا لَوْ وُجِدَ مِنْهُ مُوجِبَانِ لِلْغُسْلِ وَنَوَى أَحَدَهُمَا، لَكِنَّ قِيَاسَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ‏:‏ لَا إنْ نَوَى أَنْ لَا يَسْتَبِيحَ مِنْ غَيْرِهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ نَوَى‏)‏ بِتَيَمُّمِهِ ‏(‏شَيْئًا‏)‏ تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا ‏(‏اسْتِبَاحَةً‏)‏ أَيْ مَا نَوَاهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ اسْتَبَاحَ ‏(‏مِثْلَهُ‏)‏ فَمَنْ تَيَمَّمَ لِظُهْرٍ اسْتَبَاحَهَا وَمَا يُجْمَعُ إلَيْهَا وَفَائِتَةٍ فَأَكْثَرَ ‏(‏وَ‏)‏ اسْتَبَاحَ ‏(‏دُونَهُ‏)‏ كَمَنْذُورَةٍ وَنَافِلَةٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ بِالْأَوْلَى ‏(‏فَأَعْلَاهُ‏)‏ أَيْ أَعْلَى مَا يُسْتَبَاحُ بِالتَّيَمُّمِ ‏(‏فَرْضُ عَيْنٍ‏)‏ كَوَاحِدَةٍ مِنْ الْخَمْسِ ‏(‏فَنَذْرٌ فَ‏)‏ فَرْضُ ‏(‏كِفَايَةٍ‏)‏ كَصَلَاةِ عِيدٍ ‏(‏فَنَافِلَةٌ‏)‏ كَرَاتِبَةٍ وَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ ‏(‏فَطَوَافُ‏)‏ فَرْضٍ، فَطَوَافُ ‏(‏نَفْلٍ‏)‏ كَمَا أَوْضَحْته فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ‏(‏فَمَسُّ مُصْحَفٍ، فَقِرَاءَةُ‏)‏ قُرْآنٍ ‏(‏فَلُبْثِ‏)‏ بِمَسْجِدٍ‏.‏

وَلَمْ يَذْكُرُوا وَطْءَ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَلَعَلَّهُ بَعْدَ اللُّبْثِ‏.‏

وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ نَوَى شَيْئًا لَا يَسْتَبِيحُ مَا فَوْقَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ، وَلَا تَابِعَ لِمَا نَوَاهُ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى‏"‏‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَطْلَقَهَا‏)‏ أَيْ نِيَّةَ الِاسْتِبَاحَةِ ‏(‏لِصَلَاةٍ أَوْ طَوَافٍ‏)‏ بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ فَرْضَهُمَا وَلَا نَفْلَهُمَا وَتَيَمَّمَ ‏(‏لَمْ يَفْعَلْ إلَّا نَفْلَهُمَا‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ، فَلَمْ يَحْصُل لَهُ‏.‏

وَفَارَقَ طَهَارَةَ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ فَيُبَاحُ لَهُ جَمِيعُ مَا يَمْنَعُهُ‏.‏

‏(‏وَتَسْمِيَةٌ فِيهِ‏)‏ أَيْ التَّيَمُّمِ ‏(‏ك‏)‏ تَسْمِيَةٍ فِي ‏(‏وُضُوءٍ‏)‏ فَتَجِبُ قِيَاسًا عَلَيْهِ وَظَاهِرُهُ‏:‏ وَلَوْ عَنْ نَجَاسَةٍ بِبَدَنٍ كَالنِّيَّةِ وَتَسْقُطُ سَهْوًا‏.‏

‏(‏وَيَبْطُلُ‏)‏ التَّيَمُّمُ ‏(‏حَتَّى تَيَمَّمَ جُنُبٌ لِقِرَاءَةٍ وَلُبْثٍ بِمَسْجِدٍ وَ‏)‏ حَتَّى تَيَمَّمَ ‏(‏حَائِضٌ لِوَطْءٍ‏:‏ بِخُرُوجِ وَقْتٍ‏)‏ لِقَوْلِ عَلِيٍّ ‏"‏ التَّيَمُّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ ‏"‏ وَلِأَنَّهُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ‏.‏

فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَأَوْلَى‏.‏

فَلَوْ تَيَمَّمَ وَقْتَ الصُّبْحِ بَطَلَ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ‏.‏

وَكَذَا لَوْ تَيَمَّمَ بَعْدَ الشُّرُوقِ، بَطَلَ بِالزَّوَالِ ‏(‏ك‏)‏ لَوْ تَيَمَّمَ ل ‏(‏طَوَافٍ، وَ‏)‏ لِصَلَاةِ ‏(‏جِنَازَةٍ وَنَافِلَةٍ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَسُجُودِ شُكْرٍ ‏(‏وَ‏)‏ كَذَا لَوْ تَيَمَّمَ عَنْ ‏(‏نَجَاسَةٍ‏)‏ بِبَدَنٍ، فَيَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، لِانْتِهَاءِ مُدَّتِهِ كَمَسْحِ الْخُفِّ، فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ بَطَلَتْ ‏(‏مَا لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةِ جُمُعَةٍ‏)‏ فَلَا تَبْطُلُ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى ‏(‏أَوْ‏)‏ مَا لَمْ ‏(‏يَنْوِ الْجَمْعَ فِي وَقْتٍ ثَانِيَةٍ‏)‏ مَنْ يُبَاحُ لَهُ‏.‏

فَإِنْ نَوَاهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ فِي وَقْتِ الْأُولَى لَهَا أَوْ لِفَائِتَةٍ لَمْ تَبْطُلْ بِخُرُوجِهِ‏.‏

لِأَنَّ نِيَّةَ الْجَمْعِ صَيَّرَتْ الْوَقْتَيْنِ كَالْوَقْتِ الْوَاحِدِ ‏(‏وَ‏)‏ يَبْطُلُ أَيْضًا ‏(‏بِوُجُودِ مَاءٍ‏)‏ مَقْدُورٍ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ بِلَا ضَرَرٍ كَمَا مَرَّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا وَلَوْ انْدَفَقَ أَوْ كَانَ قَلِيلًا فَيَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِلْبَاقِي‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَبْطُلُ أَيْضًا ب ‏(‏زَوَالِ مُبِيحٍ‏)‏ كَبُرْءِ مَرَضٍ أَوْ جُرْحٍ تَيَمَّمَ لَهُ، لِأَنَّهُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ، فَيَزُولُ بِزَوَالِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَبْطُلُ أَيْضًا ب ‏(‏مُبْطِلٍ مَا تَيَمَّمَ لَهُ‏)‏ مِنْ الطَّهَارَتَيْنِ، فَيَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ عَنْ وُضُوءٍ بِمَا يُبْطِلُهُ مِنْ نَوْمٍ وَنَحْوِهِ، وَعَنْ غُسْلٍ بِمَا يُنْقِضُهُ كَخُرُوجِ مَنِيٍّ بِلَذَّةٍ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ تَيَمُّمًا وَاحِدًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِلْحَدَثِ وَبَقِيَ لِلْجَنَابَةِ بِحَالِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَبْطُلُ أَيْضًا ‏(‏بِخَلْعِ مَا يُمْسَحُ‏)‏ كَخُفٍّ وَعِمَامَةٍ وَجَبِيرَةٍ لُبِسَتْ عَلَى طَهَارَةِ مَاءٍ ‏(‏إنْ تَيَمَّمَ‏)‏ بَعْدَ حَدَثِهِ‏.‏

‏(‏وَهُوَ عَلَيْهِ‏)‏ سَوَاءٌ مَسَحَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ لَا، لِقِيَامِ تَيَمُّمِهِ مَقَامَ وُضُوئِهِ وَهُوَ يَبْطُلُ بِخَلْعِ ذَلِكَ فَكَذَا مَا قَامَ مَقَامَهُ وَالتَّيَمُّمُ وَإِنْ اُخْتُصَّ بِعُضْوَيْنِ صُورَةً فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَرْبَعَةِ حُكْمًا، وَكَذَا لَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحٍ و‏(‏لَا‏)‏ يَبْطُلُ تَيَمُّمٌ ‏(‏عَنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ بِحَدَثِ غَيْرِهِمَا‏)‏ كَجِمَاعٍ وَإِنْزَالٍ كَالْغُسْلِ لَهُمَا‏.‏

وَالْوَطْءُ وَنَحْوُهُ يُوجِبُ حَدَثَ الْجَنَابَةِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ‏)‏ مَنْ تَيَمَّمَ لِعَدَمِهِ ‏(‏فِي صَلَاةٍ أَوْ طَوَافٍ بَطَلَا‏)‏ لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ، فَيَتَوَضَّأُ أَوْ يَغْتَسِلُ، وَيَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ أَوْ الطَّوَافَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ تَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ ‏(‏أَنْ انْقَضَيَا‏)‏ أَيْ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ ‏(‏لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهُمَا‏)‏ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَيَمَّمَ وَهُوَ يَرَى بُيُوتَ الْمَدِينَةِ‏.‏

فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ وَلِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ تَلْزَمْهُ إعَادَةٌ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ لِعَدَمِ مَاءٍ ثُمَّ وَجَدَهُ ‏(‏فِي قِرَاءَةٍ وَوَطْءٍ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَلُبْثٍ بِمَسْجِدٍ ‏(‏يَجِبُ التَّرْكُ‏)‏ أَيْ تَرْكُ قِرَاءَةٍ وَوَطْءٍ وَنَحْوِهِمَا لِبُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ‏}‏ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ‏(‏وَبِغُسْلِ مَيِّتٍ‏)‏ يُمِّمَ لِعَدَمِ مَاءٍ ‏(‏وَلَوْ صُلِّيَ عَلَيْهِ‏)‏ وَلَمْ يُدْفَنْ حَتَّى وُجِدَ مَاءٌ ‏(‏وَتُعَادُ‏)‏ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَلَوْ بِتَيَمُّمٍ وَالْأَوْلَى بِوُضُوءٍ‏.‏

‏(‏وَسُنَّ لِعَالِمٍ‏)‏ وُجُودَ مَاءٍ ‏(‏وَلِرَاجٍ وُجُودَ مَاءٍ، أَوْ مُسْتَوٍ عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ‏)‏ أَيْ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ ‏(‏تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ‏)‏ أَيْ يَمْكُثُ وَيَنْتَظِرُ لِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي الْجُنُبِ ‏"‏ يَتَلَوَّمُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخِرِ الْوَقْتِ فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ وَإِلَّا تَيَمَّمَ ‏"‏ فَإِنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ، وَلَوْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدُ، كَمَنْ صَلَّى عُرْيَانًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى السُّتْرَةِ، أَوْ لِمَرَضٍ جَالِسًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى قِيَامٍ‏.‏

‏(‏وَصِفَتُهُ‏)‏ أَيْ التَّيَمُّمِ ‏(‏أَنْ يَنْوِيَ‏)‏ اسْتِبَاحَةَ فَرْضِ الصَّلَاةِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ نَحْوِهِ ‏(‏ثُمَّ يُسَمِّي‏)‏ وُجُوبًا ‏(‏وَيَضْرِبُ التُّرَابَ بِيَدَيْهِ مَفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعِ‏)‏ لِيَصِلَ التُّرَابُ إلَى مَا بَيْنَهُمَا، وَيَنْزِعُ نَحْوَ خَاتَمٍ ‏(‏ضَرْبَةً وَاحِدَةً‏)‏ فَإِنْ كَانَ التُّرَابُ نَاعِمًا فَوَضَعَ يَدَيْهِ بِلَا ضَرْبٍ‏.‏

فَعَلِقَ بِهِمَا كَفَى‏.‏

وَيُكْرَهُ نَفْخُ التُّرَابِ إنْ كَانَ قَلِيلًا‏.‏

فَإِنْ ذَهَبَ بِهِ أَعَادَ الضَّرْبَ ‏(‏ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ‏)‏ جَمِيعَهُ‏.‏

فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَصِلْ التُّرَابُ إلَيْهَا أَمَرَّ يَدَهُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَفْصِلْ رَاحَتَهُ‏.‏

فَإِنْ فَصَلَهَا فَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهَا غُبَارٌ جَازَ أَيْضًا الْمَسْحُ بِهَا‏.‏

وَإِلَّا ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى ‏(‏بِبَاطِنِ أَصَابِعِهِ‏.‏

وَ‏)‏ يَمْسَحُ ظَاهِرَ ‏(‏كَفَّيْهِ بِرَاحَتَيْهِ‏)‏ لِحَدِيثِ عَمَّارٍ‏.‏

وَتَقَدَّمَ‏.‏

قَالَ الْأَثْرَمُ‏:‏ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَمَنْ قَالَ ضَرْبَتَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ زَادَهُ‏.‏ اهـ‏.‏

فَإِنْ قِيلَ‏:‏ فَقَدْ قِيلَ فِي حَدِيثِ عَمَّارٍ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ فَتَكُونُ مُفَسِّرَةً لِلْمُرَادِ بِالْكَفَّيْنِ‏؟‏ أُجِيبَ‏:‏ بِأَنَّهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيث إنَّمَا رَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ وَشَكَّ فِيهِ‏.‏

ذَكَرَهُ النَّسَائِيّ مَعَ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَخَالَفَ بِهِ سَائِرَ الرُّوَاةِ الثِّقَاتِ‏.‏

وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ضَرْبَتَيْنِ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ وَأُخْرَى لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ‏(‏وَإِنْ بُذِلَ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ - مَاءٌ لِأَوْلَى جَمَاعَةٍ‏:‏ ‏(‏أَوْ نُذِرَ‏)‏ مَاءٌ لِأَوْلَى جَمَاعَةٍ ‏(‏أَوْ وُقِفَ‏)‏ مَاءٌ عَلَى أَوْلَى جَمَاعَةٍ ‏(‏أَوْ وُصِّيَ بِمَاءٍ لِأَوْلَى جَمَاعَةٍ‏:‏ قُدِّمَ‏)‏ بِهِ مِنْهُمْ ‏(‏غُسْلُ طِيبِ مُحْرِمٍ‏)‏ لِأَنَّ تَأْخِيرَ غُسْلِهِ بِلَا عُذْرٍ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ‏.‏

‏(‏فَ‏)‏ إنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ قُدِّمَ غُسْلُ ‏(‏نَجَاسَةِ ثَوْبٍ‏)‏ لِوُجُوبِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى عَادِمِ غَيْرِهِ ‏(‏فَ‏)‏ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُدِّمَ غُسْلُ نَجَاسَةِ ‏(‏بُقْعَةٍ‏)‏ تَعَذَّرَتْ الصَّلَاةُ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ فِيهَا لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا ‏(‏فَ‏)‏ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُدِّمَ غُسْلُ نَجَاسَةِ ‏(‏بَدَنٍ‏)‏ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لَهَا، بِخِلَافِ حَدَثٍ ‏(‏فَ‏)‏ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُدِّمَ ‏(‏مَيِّتٌ‏)‏ فَيُغَسَّلُ بِهِ‏.‏

لِأَنَّ غُسْلَهُ خَاتِمَةُ طَهَارَتِهِ‏.‏

وَالْأَحْيَاءُ يَرْجِعُونَ إلَى الْمَاءِ فَيَغْتَسِلُونَ ‏(‏فَ‏)‏ إنْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ قُدِّمَتْ بِهِ ‏(‏حَائِضٌ‏)‏ انْقَطَعَ دَمُهَا، لِغُسْلِهَا مِنْ الْحَيْضِ‏.‏

لِأَنَّهُ أَغْلَظُ مِنْ الْجَنَابَةِ ‏(‏فَ‏)‏ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُدِّمَ بِهِ ‏(‏جُنُبٌ‏)‏ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ‏.‏

وَأَيْضًا يَسْتَفِيدُ بِهِ الْجُنُبُ مَا لَا يَسْتَفِيدُهُ الْمُحْدِثُ بِهِ‏.‏

‏(‏فَ‏)‏ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ تَوَضَّأَ بِهِ ‏(‏مُحْدِثٌ لَا إنْ كَفَاهُ‏)‏ أَيْ الْمُحْدِثَ لِلْوُضُوءِ ‏(‏وَحْدَهُ‏)‏ أَيْ دُونَ الْجُنُبِ، بِأَنْ كَانَ لَا يَكْفِيهِ لِغُسْلِهِ ‏(‏فَيُقَدَّمُ‏)‏ بِهِ الْمُحْدِثُ ‏(‏عَلَى جُنُبٍ‏)‏ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ أَوْلَى مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي بَعْضِ طَهَارَةٍ، بِأَنْ لَمْ يَكْفِ كُلًّا مِنْهُمَا قُدِّمَ بِهِ جُنُبٌ‏.‏

لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ فِي تَطْهِير بَعْضِ أَعْضَائِهِ‏.‏

‏(‏وَيُقْرَعُ مَعَ التَّسَاوِي‏)‏ كَحَائِضَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَمُحْدِثَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَالْمَاءُ لَا يَكْفِي إلَّا أَحَدَهُمَا، لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ فَمَنْ قَرَعَ رَفِيقَهُ رُجِّحَ بِالْقُرْعَةِ ‏(‏وَإِنْ تَطَهَّرَ بِهِ‏)‏ أَيْ الْمَاءِ الْمَذْكُور ‏(‏غَيْرُ الْأَوْلَى‏)‏ بِهِ، كَمُحْدِثٍ مَعَ ذِي نَجَسٍ ‏(‏أَسَاءَ‏)‏ لِفِعْلِهِ مَا لَيْسَ لَهُ ‏(‏وَصَحَّتْ طَهَارَتُهُ‏)‏ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَمْلِكْهُ بِكَوْنِهِ أَوْلَى وَإِنَّمَا رُجِّحَ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِ‏.‏

وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ تَعَيَّنَ لَهُ‏.‏

وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْثِرَ غَيْرَهُ بِهِ، وَلَوْ أَبَاهُ‏.‏

إنْ كَانَ مُشْتَرَكًا، تَطَهَّرَ كُلٌّ بِنَصِيبِهِ مِنْهُ، ثُمَّ تَيَمَّمَ لِلْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ غُسِّلَ بِهِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِوَارِثِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فَلِلْحَاضِرِ أَخْذُهُ لِلطَّهَارَةِ بِثَمَنِهِ فِي مَوْضِعِهِ ‏(‏وَالثَّوْبُ‏)‏ الْمَبْذُولُ لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ يَحْتَاجَانِهِ ‏(‏يُصَلِّي فِيهِ‏)‏ الْحَيُّ ‏(‏ثُمَّ يُكَفَّنُ بِهِ‏)‏ الْمَيِّتُ، جَمْعًا بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَإِنْ احْتَاجَ حَيٌّ لِكَفَنِ مَيِّتٍ، لِنَحْوِ بَرْدٍ، قُدِّمَ الْحَيُّ عَلَيْهِ‏.‏

وَيُصَلِّي فِيهِ عَادِمُ السُّتْرَةِ عُرْيَانًا لَا فِي إحْدَى لِفَافَتَيْهِ‏.‏

بَابٌ‏:‏ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ

أَيْ الطَّارِئَةِ عَلَى عَيْنٍ طَاهِرَةٍ وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا النَّجَاسَاتِ، وَمَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْهَا‏.‏

وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ ‏(‏يُشْتَرَطُ ل‏)‏ تَطْهِيرِ ‏(‏كُلِّ مُتَنَجِّسٍ حَتَّى أَسْفَلَ خُفٍّ، وَ‏)‏ أَسْفَلَ ‏(‏حِذَاءٍ‏)‏ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَوَّلُهُ، أَيْ نَعْلٌ ‏(‏وَ‏)‏ حَتَّى ‏(‏ذَيْلِ امْرَأَةٍ سَبْعُ غَسَلَاتٍ‏)‏ لِعُمُومِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ‏{‏أُمِرْنَا بِغُسْلِ الْأَنْجَاسِ سَبْعًا‏}‏ فَيَنْصَرِفُ إلَى أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيَاسًا عَلَى نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ‏.‏

وَقِيسَ أَسْفَلُ الْخُفِّ وَالْحِذَاءِ عَلَى الرَّجُلِ، وَذَيْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى بَقِيَّةِ ثَوْبِهَا وَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ، أَنْ تَسْتَوْعِبَ الْمَحَلَّ‏.‏

فَيَجِبُ الْعَدَدُ مِنْ أَوَّلِ غَسْلَةٍ، وَلَوْ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ فَلَا يَضُرُّ بَقَاؤُهَا‏.‏

فَيُجْزِئُ ‏(‏إنْ أَنْقَتْ‏)‏ السَّبْعُ غَسَلَاتٍ النَّجَاسَةَ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ تُنْقَ بِهَا ‏(‏فَ‏)‏ يَزِيدُ عَلَى السَّبْعِ ‏(‏حَتَّى تُنْقَى‏)‏ النَّجَاسَةُ ‏(‏بِمَاءٍ طَهُورٍ‏)‏ أَيْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ غَسْلَةٍ مِنْ السَّبْعِ بِمَاءٍ طَهُورٍ‏.‏

لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ قَالَتْ ‏{‏جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ‏:‏ إحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ‏.‏

كَيْفَ تَصْنَعُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏"‏ ‏(‏وَأَمَرَ بِصَبِّ ذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ ‏"‏ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُشْتَرَطَةٌ‏.‏

فَأَشْبَهَتْ طَهَارَةَ الْحَدَثِ‏.‏

فَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الْغَسَلَاتِ بِغَيْرِ مَاءٍ طَهُورٍ‏.‏

لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا ‏(‏مَعَ حَتٍّ وَقَرْصٍ‏)‏ لِمَحَلِّ النَّجَاسَةِ، وَهُوَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ‏:‏ الدَّلْكُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَالْأَظْفَارِ مَعَ صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ ‏(‏لِحَاجَةٍ‏)‏ إلَى ذَلِكَ وَلَوْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ‏(‏إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ الْمَحَلُّ‏)‏ بِالْحَتِّ أَوْ الْقَرْصِ فَيَسْقُطُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَعَ ‏(‏عَصْرٍ مَعَ إمْكَانِ‏)‏ الْعَصْرِ ‏(‏فِيمَا تَشْرَبُ‏)‏ النَّجَاسَةُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، بِحَيْثُ لَا يُخَافُ فَسَادُهُ ‏(‏كُلَّ مَرَّةٍ‏)‏ مِنْ السَّبْعِ ‏(‏خَارِجَ الْمَاءِ‏)‏ لِيَحْصُلَ انْفِصَالُ الْمَاءِ عَنْهُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَعْصِرْهُ خَارِجَ الْمَاءِ، بَلْ عَصَرَهُ فِيهِ وَلَوْ سَبْعًا ‏(‏فَ‏)‏ هِيَ ‏(‏غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ يَبْنِي عَلَيْهَا‏)‏ مَا بَقِيَ مِنْ السَّبْعِ ‏(‏أَوْ دَقُّهُ‏)‏ أَيْ مَا تَشْرَبُ النَّجَاسَةُ ‏(‏أَوْ تَقْلِيبُهُ‏)‏ إنْ لَمْ يَكُنْ عَصْرُهُ ‏(‏أَوْ تَثْقِيلُهُ‏)‏ كُلَّ غَسْلَةٍ، حَتَّى يَذْهَبَ أَكْثَرُ مَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ‏.‏

وَلَا يَكْفِي عَنْ عَصْرِهِ وَنَحْوِهِ تَجْفِيفُهُ، وَمَا لَا يَتَشَرَّبُ يَطْهُرُ بِمُرُورِ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَانْفِصَالِهِ عَنْهُ ‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ ‏(‏كَوْنُ إحْدَاهَا‏)‏ أَيْ السَّبْعِ غَسَلَاتٍ ‏(‏فِي مُتَنَجِّسٍ بِكَلْبٍ أَوْ‏)‏ مُتَنَجِّسٍ ب ‏(‏خِنْزِيرٍ أَوْ مُتَوَلِّدٍ‏)‏ مِنْهُمَا أَوْ ‏(‏مِنْ أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ ‏(‏بِتُرَابٍ طَهُورٍ‏)‏ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ‏}‏‏.‏

وَلَا يَكْفِي تُرَابٌ نَجِسٌ وَلَا مُسْتَعْمَلٌ ‏(‏يَسْتَوْعِبُ‏)‏ أَيْ يَعُمُّ التُّرَابُ ‏(‏الْمَحَلَّ‏)‏ الْمُتَنَجِّسَ‏.‏

لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعُمَّهُ لَمْ تَكُنْ غَسْلَةً ‏(‏إلَّا فِيمَا‏)‏ أَيْ مَحَلٍّ ‏(‏يَضُرُّهُ‏)‏ التُّرَابُ ‏(‏فَيَكْفِي مُسَمَّاهُ‏)‏ أَيْ مَا يُسَمَّى تُرَابًا دَفْعًا لِلضَّرَرِ ‏(‏وَيُعْتَبَرُ مَائِعٌ يُوصِلُهُ‏)‏ أَيْ التُّرَابَ ‏(‏إلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْمَحَلِّ النَّجَسِ، فَلَا يَكْفِي أَنْ يَذُرَّهُ عَلَيْهِ وَيُتْبِعَهُ الْمَاءَ‏.‏

وَالْمُرَادُ بِالْمَائِعِ هُنَا‏:‏ الْمَاءُ الطَّهُورُ، كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ عَنْ ابْنِ قُنْدُسٍ ‏(‏وَ‏)‏ الْغَسْلَةُ ‏(‏الْأُولَى‏)‏ يُجْعَلُ التُّرَابُ فِيهَا ‏(‏أَوْلَى‏)‏ مِمَّا بَعْدَهَا، لِمُوَافَقَةِ لَفْظِ الْخَبَرِ‏.‏

وَلِيَأْتِيَ الْمَاءُ بَعْدَهُ فَيُنَظِّفَهُ‏.‏

فَإِنْ جَعَلَهُ فِي غَيْرِهَا جَازَ‏.‏

لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ ‏"‏ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ‏"‏‏.‏

وَفِي حَدِيثٍ ‏"‏ أُولَاهُنَّ‏"‏‏.‏

وَفِي حَدِيثٍ ‏"‏ فِي الثَّامِنَةِ ‏"‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ التُّرَابِ مِنْ الْغَسَلَاتِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ ‏(‏وَيَقُومُ أُشْنَانٌ وَنَحْوُهُ‏)‏ كَصَابُونٍ وَنُخَالَةٍ ‏(‏مَقَامَهُ‏)‏ أَيْ التُّرَابِ‏.‏

لِأَنَّهَا أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الْإِزَالَةِ‏.‏

فَنَصُّهُ عَلَى التُّرَابِ تَنْبِيهٌ عَلَيْهَا‏.‏

وَلِأَنَّهُ جَامِدٌ أُمِرَ بِهِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ‏.‏

فَأُلْحِقَ بِهِ مَا يُمَاثِلُهُ، كَالْحَجَرِ فِي الِاسْتِجْمَارِ ‏(‏وَيَضُرُّ بَقَاءُ طَعْمِ‏)‏ النَّجَاسَةِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى بَقَاء الْعَيْنِ، وَلِسُهُولَةِ إزَالَتِهِ‏.‏

فَلَا يَطْهُرُ الْمَحَلُّ مَعَ بَقَائِهِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَضُرُّ ‏(‏بَقَاءُ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ بَقَاؤُهُمَا عَجْزًا‏)‏ عَنْ إزَالَتِهِمَا، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ‏.‏

وَيَطْهُرُ الْمَحَلُّ ‏(‏وَإِنْ لَمْ تُزَلْ النَّجَاسَةُ إلَّا بِمِلْحٍ أَوْ نَحْوِهِ‏)‏ كَأُشْنَانٍ ‏(‏مَعَ الْمَاءِ لَمْ يَجِبْ‏)‏ اسْتِعْمَالُهُ مَعَهُ ‏(‏وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ مَطْعُوم‏)‏ كَدَقِيقٍ ‏(‏فِي إزَالَتِهَا‏)‏ أَيْ النَّجَاسَةِ‏.‏

لِأَنَّ فِيهِ إفْسَادَ الطَّعَامِ بِالتَّنْجِيسِ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ النُّخَالَةِ الْخَالِصَةِ وَنَحْوِهَا فِي غَسْلِ الْأَيْدِي وَنَحْوِهَا لِلتَّنْظِيفِ ‏(‏وَمَا تَنَجَّسَ ب‏)‏ إصَابَةِ مَاءِ ‏(‏غَسْلَةٍ يُغْسَلُ عَدَدَ مَا بَقِيَ بَعْدَهَا‏)‏ أَيْ تِلْكَ الْغَسْلَة لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ تَطْهُرُ فِي مَحَلِّهَا بِمَا بَقِيَ مِنْ الْغَسَلَاتِ‏.‏

فَطَهُرَتْ بِهِ فِي مِثْلِهِ‏.‏

فَمَا تَنَجَّسَ بِرَابِعَةٍ مَثَلًا غُسِلَ ثَلَاثًا، إحْدَاهُنَّ ‏(‏بِتُرَابٍ طَهُورٍ حَيْثُ اُشْتُرِطَ‏)‏ التُّرَابُ، كَنَجَاسَةِ كَلْبٍ ‏(‏وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ‏)‏ قَبْلَ تَنَجُّسِ الثَّانِي‏.‏

فَإِنْ كَانَ اُسْتُعْمِلَ لَمْ يُعِدْ ‏(‏وَيُغْسَلُ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ ‏(‏بِخُرُوجِ مَذْيٍ‏)‏ مِنْ ذَكَرٍ ‏(‏ذَكَرٍ وَأُنْثَيَانِ مَرَّةً‏)‏ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ‏.‏

قِيلَ لِتَبْرِيدِهِمَا‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ لِتَلْوِيثِهِمَا غَالِبًا‏.‏

لِنُزُولِهِ مُتَسَبِّبًا ‏(‏وَ‏)‏ يُغْسَلُ ‏(‏مَا أَصَابَهُ‏)‏ الْمَذْيُ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ، وَمِنْ سَائِرِ الْبَدَنِ وَالثِّيَابِ ‏(‏سَبْعًا‏)‏ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ ‏(‏وَيُجْزِي فِي بَوْلِ غُلَامٍ‏)‏ وَمِثْلُهُ قَيْئُهُ ‏(‏لَمْ يَأْكُلْ طَعَامًا لِشَهْوَةٍ نَضْحُهُ، وَهُوَ غَمْرُهُ بِمَاءٍ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يَقْطُرْ مِنْهُ شَيْءٌ‏.‏

وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَرْسٍ وَعَصْرٍ‏.‏

لِحَدِيثِ أُمِّ قَيْسِ بِنْتِ مُحْصِنٍ ‏"‏ أَنَّهَا ‏{‏أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏إنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأُنْثَى، وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ لُبَابَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ‏.‏

وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُغْسَلُ مِنْ الْغَائِطِ مُطْلَقًا وَبَوْلِ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَبَوْلِ صَبِيٍّ أَكَلَ الطَّعَامَ لِشَهْوَةٍ‏.‏

فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ نُضِحَ‏.‏

لِأَنَّهُ قَدْ يَلْعَقُ الْعَسَلَ سَاعَةَ يُولَدُ‏.‏

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّكَ بِالتَّمْرِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُجْزِئُ ‏(‏فِي صَخْرٍ وَأَجْرِنَةٍ صِغَارٍ‏)‏ مَبْنِيَّةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ مُطْلَقًا، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ‏(‏وَأَحْوَاضٍ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَحِيطَانٍ ‏(‏وَأَرْضٍ تَنَجَّسَتْ بِمَائِعٍ وَلَوْ مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ‏:‏ مُكَاثَرَتُهَا بِالْمَاءِ، حَتَّى يَذْهَبَ لَوْنُ نَجَاسَةٍ وَرِيحُهَا‏)‏ لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ ‏{‏جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ‏.‏

فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

فَإِنْ بَقِيَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ تَطْهُرْ لِأَنَّهُ دَلِيلُ بَقَائِهَا ‏(‏مَا لَمْ يُعْجَزْ‏)‏ عَنْ إذْهَابِهِمَا أَوْ إذْهَابِ أَحَدِهِمَا‏.‏

فَتَطْهُرُ كَغَيْرِ الْأَرْضِ ‏(‏وَلَوْ لَمْ يُزَلْ‏)‏ الْمَاءُ ‏(‏فِيهِمَا‏)‏ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَنْضُوحِ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ، وَمَسْأَلَةِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا‏.‏

فَيَطْهُرَانِ مَعَ بَقَاء الْمَاءِ عَلَيْهِمَا‏.‏

لِظَاهِرِ مَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَلَا يَطْهُرُ دُهْنٌ‏)‏ تَنَجَّسَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏سُئِلَ عَنْ السَّمْنِ تَقَعُ فِيهِ الْفَأْرَةُ، فَقَالَ‏:‏ إنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد‏.‏

وَلَوْ أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ لَمَا أُمِرْنَا بِإِرَاقَتِهِ ‏(‏وَلَا‏)‏ تَطْهُرُ ‏(‏أَرْضٌ اخْتَلَطَتْ بِنَجَاسَةٍ ذَاتِ أَجْزَاءٍ‏)‏ مُتَفَرِّقَةٍ، كَالرِّمَمِ وَالدَّمِ إذَا جَفَّ، وَالرَّوْثِ إذَا اخْتَلَطَ بِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ‏.‏

فَلَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ‏.‏

لِأَنَّ عَيْنَهَا لَا تَنْقَلِبُ، بَلْ بِإِزَالَةِ أَجْزَاءِ الْمَكَانِ، بِحَيْثُ يُتَيَقَّنُ زَوَالُ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَطْهُرُ ‏(‏بَاطِنُ حَبٍّ وَلَا إنَاءٌ وَعَجِينٌ وَلَحْمٌ تَشَرَّبَهَا‏)‏ أَيْ النَّجَاسَةَ بِغَسْلٍ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَأْصِلُ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ مِمَّا ذُكِرَ ‏(‏وَ‏)‏ لَا تَطْهُرُ ‏(‏سِكِّينٌ سَقَيْتهَا‏)‏ النَّجَاسَةَ ‏(‏بِغَسْلٍ‏)‏‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ، فِي الْعَجِينِ‏:‏ يُطْعَمُ النَّوَاضِحَ وَلَا يُطْعَمُ الشَّيْءَ يُؤْكَلُ فِي الْحَالِ وَلَا يُحْلَبُ لَبَنُهُ، لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ بِهِ، وَهُوَ يَصِيرُ كَالْجَلَّالَةِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا يَطْهُرُ ‏(‏صَقِيلٌ كَالسَّيْفِ‏)‏ وَمِرْآةٌ وَزُجَاجٌ ‏(‏بِمَسْحٍ‏)‏ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ كَالْأَوَانِي فَإِنْ قَطَعَ بِهِ قَبْلَ غَسْلِهِ مَا فِيهِ بَلَلٌ كَبِطِّيخٍ نَجَّسَهُ‏.‏

وَإِنْ كَانَ رَطْبًا لَا بَلَلَ فِيهِ كَجَيْنٍ، فَلَا بَأْسَ بِهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا تَطْهُرُ ‏(‏أَرْضٌ بِشَمْسٍ وَرِيحٍ وَجَفَافٍ‏)‏ لِأَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُصَبَّ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ نَجَسٍ فَلَمْ يَطْهُرْ بِغَيْرِ الْغَسْلِ كَالثِّيَابِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا تَطْهُرُ ‏(‏نَجَاسَةٌ بِنَارٍ فَرَمَادُهَا‏)‏ وَدُخَانُهَا وَبُخَارُهَا وَغُبَارُهَا ‏(‏نَجَسٌ‏)‏ إذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ إلَّا هَيْئَةُ جِسْمُهَا، كَالْمَيْتَةِ تَصِيرُ بِتَطَاوُلِ الزَّمَنِ تُرَابًا‏.‏

وَكَذَا صَابُونٌ عُمِلَ مِنْ زَيْتٍ نَجَسٍ ‏(‏وَلَا‏)‏ تَطْهُرُ النَّجَاسَةُ أَيْضًا ‏(‏بِاسْتِحَالَةٍ فَالْمُتَوَلَّدُ مِنْهَا كَدُودِ جُرْحٍ وَصَرَاصِيرَ كُنُفٍ‏)‏ جَمْعُ كَنِيفٍ، وَكَالْكِلَابِ تُلْقَى فِي مَلَّاحَةٍ فَتَكُونُ مِلْحًا ‏(‏نَجِسَةٌ‏)‏ كَالدَّمِ يَسْتَحِيلُ قَيْحًا ‏{‏وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا‏}‏ لِأَكْلِهَا النَّجَاسَةَ‏.‏

فَلَوْ كَانَتْ تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ لَمْ يُؤَثِّرْ أَكْلُهَا النَّجَاسَةَ لِأَنَّهَا تَسْتَحِيلُ ‏(‏إلَّا عَلَقَةٌ يُخْلَقُ مِنْهَا‏)‏ حَيَوَانٌ ‏(‏طَاهِرٌ‏)‏ فَيَتَطَهَّرُ بِذَلِكَ ‏(‏وَ‏)‏ إلَّا ‏(‏خَمْرَةٌ انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا‏)‏ فَتَطْهُرُ لِأَنَّ نَجَاسَتَهَا لِشِدَّتِهَا الْمُسْكِرَةِ الْحَادِثَةِ لَهَا‏.‏

وَقَدْ زَالَتْ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ خَلَّفَتْهَا، كَالْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ الْكَثِيرِ يَزُولُ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ‏.‏

بِخِلَافِ النَّجَاسَاتِ الْعَيْنِيَّةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ انْقَلَبَتْ خَلًّا ‏(‏بِنَقْلٍ‏)‏ مِنْ دَنٍّ إلَى آخَرَ، أَوْ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى غَيْرِهِ‏.‏

فَتَطْهُرُ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ تَطْهُرُ بِنَقْلٍ مِمَّا ذُكِرَ ‏(‏لِقَصْدِ تَخْلِيلٍ‏)‏ لِخَبَرِ النَّهْيِ عَنْ تَخْلِيلِهَا‏.‏

فَلَا تَطْهُرُ ‏(‏وَدَنُّهَا‏)‏ أَيْ الْخَمْرِ وَهُوَ وِعَاؤُهَا ‏(‏مِثْلُهَا‏)‏ يَطْهُرُ بِطَهَارَتِهَا‏.‏

لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهَا الْحُكْمَ بِطَهَارَتِهِ، حَتَّى مَا لَمْ يُلَاقِ الْخَلَّ مِمَّا فَوْقَهُ مِمَّا أَصَابَهُ الْخَمْرُ فِي غَلَيَانِهِ ‏(‏كَمُحْتَفَرٍ‏)‏ فِي أَرْضٍ فِيهِ مَاءٌ كَثِيرٌ تَغَيَّرَ بِنَجَاسَةٍ ثُمَّ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ، فَيَتَطَهَّرُ هُوَ وَمَحَلُّهُ تَبَعًا لَهُ‏.‏

وَكَذَا مَا بُنِيَ بِالْأَرْضِ كَالصَّهَارِيجِ وَالْبَحَرَاتِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَطْهُرُ ‏(‏إنَاءٌ طَهُرَ مَاؤُهُ‏)‏ بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِإِضَافَةٍ أَوْ نَزْحٍ‏.‏

لِأَنَّ الْأَوَانِيَ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا تَطْهُرُ إلَّا بِسَبْعِ غَسَلَاتٍ‏.‏

فَإِنْ انْفَصَلَ عَنْهُ الْمَاءُ حَسَبَ غَسْلَهُ ثُمَّ تُكْمَلُ، وَلَا يَطْهُرُ الْإِنَاءُ بِدُونِ إرَاقَتِهِ ‏(‏وَيُمْنَعُ غَيْرُ خَلَّالٍ‏)‏ أَيْ صَانِعِ الْخَلِّ ‏(‏مِنْ إمْسَاكِهَا‏)‏ أَيْ الْخَمْرِ ‏(‏لِتُخَلَّلَ‏)‏ أَيْ لِتَصِيرَ خَلًّا، لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إمْسَاكِهَا وَهِيَ مَأْمُورٌ بِإِرَاقَتِهَا‏.‏

وَأَمَّا الْخَلَّالُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَضِيعَ مَالُهُ، وَالْخَلُّ الْمُبَاحُ أَنْ يُصَبَّ عَلَى الْعِنَبِ أَوْ الْعَصِيرِ خَلٌّ قَبْلَ غَلَيَانِهِ، حَتَّى لَا يَغْلِيَ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ، قِيلَ لَهُ‏:‏ فَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ خَلٌّ فَغَلَى‏؟‏ فَقَالَ يُهْرَاقُ ‏(‏ثُمَّ إنْ تَخَلَّلَتْ‏)‏ الْخَمْرَةُ بِنَفْسِهَا بِيَدِ مُمْسِكِهَا وَلَوْ غَيْرَ خَلَّال حَلَّتْ ‏(‏أَوْ اتَّخَذَ عَصِيرًا لِتَخْمِيرٍ فَتَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ‏)‏ مِنْ غَيْرِ ضَمِّ شَيْءٍ إلَيْهِ، وَلَا نُقِلَ بِقَصْدِ تَخْلِيلٍ ‏(‏حَلَّ‏)‏ أَيْ طَهُرَ، لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَمَنْ بَلَعَ لَوْزًا أَوْ نَحْوَهُ‏)‏ كَبُنْدُقٍ ‏(‏فِي قِشْرِهِ ثُمَّ قَاءَهُ أَوْ نَحْوِهِ‏)‏ بِأَنْ خَرَجَ مِنْ أَيَّ مَحَلٍّ كَانَ ‏(‏لَمْ يَنْجُسْ بَاطِنُهُ‏)‏ لِصَلَابَةِ الْحَائِطِ ‏(‏كَبَيْضٍ فِي خَمْرٍ صُلِقَ‏)‏ وَنَحْوِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ، فَلَا يَنْجُسُ بَاطِنُهُ، لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ بِخِلَافِ نَحْوِ لَحْمٍ وَخُبْزٍ ‏(‏وَأَيُّ نَجَاسَةٍ خَفِيَتْ‏)‏ فِي بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ ‏(‏غُسِلَ‏)‏ مَا احْتَمَلَ أَنَّ النَّجَاسَةَ أَصَابَتْهُ ‏(‏حَتَّى يَتَيَقَّنَ غَسْلَهَا‏)‏ لِيَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ، فَإِنْ جَهِلَ جِهَتَهَا مِنْ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ، غَسَلَهُ كُلَّهُ وَإِنْ عَلِمَهَا فِي إحْدَى يَدَيْهِ أَوْ إحْدَى كُمَّيْهِ وَنَسِيَهُ، وَإِنْ عَلِمَهَا غَسَلَهُمَا‏.‏

فِيمَا يُدْرِكُهُ بَصَرُهُ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ، غَسَلَ مَا يُدْرِكُهُ مِنْهَا فَإِنْ صَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ، لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْمَانِعَ فَهُوَ كَمَنْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ و‏(‏لَا‏)‏ يَلْزَمُهُ غَسْلٌ إنْ خَفِيَتْ النَّجَاسَةُ ‏(‏فِي صَحْرَاءَ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَالْحُوشِ الْوَاسِعِ، فَلَا يَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِهِ، لِأَنَّهُ يَشُقُّ ‏(‏وَيُصَلِّي فِيهَا بِلَا تَحَرٍّ‏)‏ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا كَالْبَيْتِ وَالْحُوشِ الصَّغِيرِ وَخَفِيَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ وَأَرَادَ الصَّلَاةَ فِيهِ، لَزِمَهُ غَسْلُهُ كُلِّهِ كَالثَّوْبِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ فِي ذِكْرِ النَّجَاسَاتِ وَمَا يُعْفَى عَنْهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ

‏(‏الْمُسْكِرُ‏)‏ نَجَسٌ، خَمْرًا كَانَ أَوْ نَبِيذًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏"‏ إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ - إلَى قَوْلِهِ - رِجْسٌ ‏"‏ وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ‏.‏

أَشْبَهَ الدَّمَ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ النَّبِيذَ شَرَابٌ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ‏.‏

أَشْبَهَ الْخَمْرَةَ‏.‏

وَكَذَا الْحَشِيشَةُ الْمُسْكِرَةُ‏.‏

قَالَهُ فِي شَرْحِهِ‏.‏

‏(‏وَمَا لَا يُؤْكَلُ مِنْ الطَّيْرِ وَالْبَهَائِمِ فَمَا فَوْقَ الْخَمْرِ خِلْقَةً‏)‏ نَجَسٌ، كَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَالْحِدَأَةِ وَالْبُومَةِ وَالنَّسْرِ وَالرَّخَمِ وَغُرَابِ الْبَيْنِ وَالْأَبْقَعِ وَالْفِيلِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ وَالْفَهْدِ وَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَابْنِ آوَى وَالدُّبِّ وَالْقِرْدِ وَالسِّمْعِ وَالْعِسْبَارِ‏.‏

وَأَمَّا مَا دُونَ ذَلِكَ فِي الْخِلْقَةِ فَهُوَ طَاهِرٌ، كَالنِّمْسِ وَالنَّسْنَاسِ وَابْنِ عُرْسٍ وَالْقُنْفُذِ وَالْفَأْرِ ‏(‏وَمَيْتَةُ غَيْرِ الْآدَمِيِّ، وَ‏)‏ غَيْرِ ‏(‏سَمَكٍ، وَ‏)‏ غَيْرِ ‏(‏جَرَادٍ، وَ‏)‏ غَيْرِ ‏(‏مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ كَالْعَقْرَبِ‏)‏ نَجِسَةٌ‏.‏

وَأَمَّا مَيْتَةُ الْآدَمِيِّ فَطَاهِرَةٌ‏.‏

لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ‏}‏ وَلِحَدِيثِ ‏{‏إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ‏}‏ لِأَنَّهُ لَوْ نَجِسَ لَمْ يَطْهُرْ بِالْغُسْلِ‏.‏

وَأَجْزَاؤُهُ وَأَبْعَاضُهُ كَجُمْلَتِهِ‏.‏

وَمَيْتَةُ السَّمَكِ وَسَائِرِ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ وَالْجَرَادِ طَاهِرَةٌ أَيْضًا‏.‏

لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهَا، بِخِلَافِ مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَمَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ، كَالضُّفْدَعِ‏.‏

وَمَيْتَةُ مَا لَا نَفْسَ أَيْ دَمَ لَهُ يَسِيلُ، كَالْخُنْفُسَاءِ وَالْعَنْكَبُوتِ وَالذُّبَابِ وَالنَّحْلِ وَالزُّنْبُورِ وَالنَّمْلِ وَالدُّودِ مِنْ طَاهِرٍ وَالْقَمْلِ وَالصَّرَاصِيرِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ وَنَحْوِهَا طَاهِرَةٌ‏.‏

لِحَدِيثِ ‏{‏إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَمْقُلْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً‏}‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي لَفْظٍ ‏"‏ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ ‏"‏ وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ بَارِدٍ وَحَارٍّ وَدُهْنٍ مِمَّا يَمُوتُ الذُّبَابُ بِغَمْسِهِ فِيهِ‏.‏

فَلَوْ كَانَ يُنَجِّسُهُ كَانَ آمِرًا بِإِفْسَادِهِ ‏(‏إلَّا الْوَزَغُ وَالْحَيَّةُ‏)‏ فَمَيْتَتُهُمَا نَجِسَةٌ لِأَنَّ لَهُمَا نَفْسًا سَائِلَةً ‏(‏وَالْعَلَقَةُ يُخْلَقُ مِنْهَا حَيَوَانٌ‏.‏

وَلَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏آدَمِيًّا أَوْ طَاهِرًا‏)‏ نَجِسَةٌ لِأَنَّهَا دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الْفَرْجِ ‏(‏وَالْبَيْضَةُ تَصِيرُ دَمًا‏)‏ نَجِسَةٌ كَالْعَلَقَةِ‏.‏

وَكَذَا بَيْضُ مَذَرٍ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي‏.‏

وَفِي التَّلْخِيصِ‏:‏ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ‏.‏

وَنَقَلَ فِي الْإِنْصَافِ عَنْ ابْنِ تَمِيمٍ أَنَّ الصَّحِيحَ‏:‏ طَهَارَتُهَا ‏(‏وَلَبَنُ‏)‏ غَيْرِ آدَمِيٍّ وَمَأْكُولٍ كَلَبَنِ هِرٍّ نَجَسٌ ‏(‏وَمَنِيُّ غَيْرِ آدَمِيٍّ وَمَأْكُولٍ‏)‏ نَجَسٌ‏.‏

وَأَمَّا مَنِيُّ الْمَأْكُولِ فَطَاهِرٌ‏.‏

وَكَذَا مَنِيُّ الْآدَمِيِّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى عَنْ احْتِلَامٍ أَوْ جِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا‏.‏

فَلَا يَجِبُ فَرْكٌ وَلَا غُسْلٌ‏.‏

وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَنْ اسْتِجْمَارٍ‏.‏

وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَخْرَجِ نَجَاسَةٌ، فَالْمَنِيُّ نَجَسٌ لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ‏.‏

ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ ‏(‏وَبَيْضُهُ‏)‏ أَيْ غَيْرِ الْمَأْكُولِ نَجَسٌ ‏(‏وَالْقَيْءُ‏)‏ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ نَجَسٌ ‏(‏وَالْوَدْيُ‏)‏ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ نَجَسٌ، وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ غَيْرُ لَزِجٍ ‏(‏وَالْمَذْيُ‏)‏ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ نَجَسٌ، وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ لَزِجٍ، كَمَاءِ السَّيْسَبَانِ يَخْرُجُ عِنْدَ مَبَادِي الشَّهْوَةِ وَالِانْتِشَارِ ‏(‏وَالْبَوْلُ وَالْغَائِطُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ أَوْ‏)‏ مِنْ ‏(‏آدَمِيٍّ‏)‏ نَجَسٌ‏.‏

وَأَمَّا مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَبَوْلُهُ وَرَوْثُهُ طَاهِرٌ‏.‏

لِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ فِي الْإِبِلِ‏.‏

وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي‏.‏

وَكَذَا مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً، كَمَا ذَكَرَهُ الْمَجْدُ‏.‏

وَفِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ ‏(‏وَالنَّجَسُ هُنَا‏)‏ كَالْوَدْيِ وَالْمَذْيِ وَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ‏(‏طَاهِرٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَ‏)‏ مِنْ ‏(‏سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ‏)‏ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَكْرِيمًا لَهُمْ ‏(‏وَمَاءُ قُرُوحٍ‏)‏ نَجَسٌ كَدَمٍ ‏(‏وَدَمٌ‏)‏ نَجَسٌ ‏(‏غَيْرِ‏)‏ مَا يَبْقَى مِنْهُ ‏(‏فِي عِرْقٍ مَأْكُولٍ‏)‏ بَعْدَ ذَبْحِهِ ‏(‏وَلَوْ ظَهَرَتْ حُمْرَتُهُ‏)‏ أَيْ حُمْرَةُ دَمِ عِرْقِ الْمَأْكُولِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مُبَاحٌ‏.‏

وَكَذَا مَا يَبْقَى فِي خَلَلِ اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ طَاهِرٌ ‏(‏وَ‏)‏ غَيْرُ دَمِ ‏(‏سَمَكٍ وَ‏)‏ غَيْرُ دَمِ ‏(‏بَقٍّ وَقَمْلٍ وَبَرَاغِيث وَذُبَابٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ مِمَّا لَا يَسِيلُ دَمُهُ فَدَمُهُ طَاهِرٌ ‏(‏وَ‏)‏ غَيْرُ دَمِ ‏(‏شَهِيدٍ عَلَيْهِ‏)‏ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مَا دَامَ عَلَيْهِ‏.‏

فَإِنْ فُصِلَ عَنْهُ فَنَجَسٌ ‏(‏وَقَيْحٌ‏)‏ نَجَسٌ ‏(‏وَصَدِيدٌ نَجَسٌ‏)‏ لِأَنَّهُمَا مُتَوَلِّدَانِ مِنْ الدَّمِ النَّجَسِ ‏(‏وَيُعْفَى فِي غَيْرِ مَائِعٍ، وَ‏)‏ غَيْرُ ‏(‏مَطْعُومٍ عَنْ يَسِيرٍ لَمْ يَنْقُضْ الْوُضُوءَ‏)‏ خُرُوجُ قَدْرِهِ مِنْ الْبَدَنِ ‏(‏مِنْ دَمٍ‏.‏

وَلَوْ‏)‏ كَانَ الدَّمُ ‏(‏حَيْضًا وَنِفَاسًا وَاسْتِحَاضَةً‏)‏ كَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ ‏(‏وَ‏)‏ يُعْفَى أَيْضًا فِي غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ يَسِيرٍ مِنْ ‏(‏قَيْحٍ وَصَدِيدٍ‏)‏ لِتَوَلُّدِهِمَا مِنْهُ، فَهُمَا أَوْلَى مِنْهُ بِالْعَفْوِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الدَّمُ وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ ‏(‏مِنْ غَيْرِ مُصَلٍّ‏)‏ بِأَنْ أَصَابَتْ الْمُصَلِّيَ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ مِنْهُ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ دَمٍ أَوْ قَيْحٍ أَوْ صَدِيدٍ ‏(‏مِنْ حَيَوَانٍ نَجَسٍ‏)‏ كَكَلْبٍ وَحِمَارٍ، لِأَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ فَضَلَاتِهِ، كَعَرَقِهِ وَرِيقِهِ، فَدَمُهُ أَوْلَى ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الدَّمُ أَوْ الْقَيْحُ أَوْ الصَّدِيدُ مِنْ ‏(‏سَبِيلٍ‏)‏ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ‏:‏ فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ‏.‏

لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُعْفَى ‏(‏عَنْ أَثَرِ اسْتِجْمَارٍ بِمَحَلِّهِ‏)‏ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ وَاسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ بِلَا خِلَافٍ، وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى مَحَلُّهُ إلَى الثَّوْبِ أَوْ الْبَدَنِ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ، وَيُعْفَى أَيْضًا عَنْ يَسِيرِ سَلَسِ بَوْلٍ بَعْدَ كَمَالِ التَّحَفُّظِ، لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُعْفَى أَيْضًا عَنْ ‏(‏دُخَانِ نَجَاسَةٍ وَغُبَارِهَا وَبُخَارِهَا مَا لَمْ تَظْهَرْ لَهُ‏)‏ أَيْ الدُّخَانِ وَالْغُبَارِ وَالْبُخَارِ ‏(‏صِفَةٌ‏)‏ فِي الشَّيْءِ الطَّاهِرِ، لِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ‏.‏

وَقَالَ جَمَاعَةٌ‏:‏ مَا لَمْ يَتَكَاثَفْ

‏(‏وَ‏)‏ يُعْفَى أَيْضًا عَنْ ‏(‏يَسِيرِ مَاءٍ نَجَسٍ بِمَا‏)‏ أَيْ بِشَيْءٍ ‏(‏عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ‏)‏ كَدَمٍ وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ ‏(‏قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ‏)‏ فِي رِعَايَتِهِ، وَعِبَارَتُهُ‏:‏ وَعَنْ يَسِيرِ الْمَاءِ النَّجَسِ بِمَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ مِنْ دَمٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَأَطْلَقَهُ‏)‏ أَيْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِالْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِ الْمَاءِ النَّجَسِ ‏(‏الْمُنَقَّحُ‏)‏ فِي التَّنْقِيحِ ‏(‏عَنْهُ‏)‏ أَيْ عَنْ ابْنِ حَمْدَانَ، فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ‏.‏

وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَنَجِّسَ بَلْ كُلَّ مُتَنَجِّسٍ حُكْمُهُ حُكْمُ نَجَاسَتِهِ‏.‏

فَإِنْ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهَا كَالدَّمِ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ، وَإِلَّا كَالْبَوْلِ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ‏.‏

لِأَنَّهُ فَرْعُهَا‏.‏

وَالْفَرْعُ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ أَصْلِهِ ‏(‏وَيُضَمُّ‏)‏ نَجَسٌ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ ‏(‏مُتَفَرِّقٌ بِثَوْبٍ‏)‏ وَاحِدٍ‏.‏

فَإِنْ كَانَ فِيهِ بُقَعٌ مِنْ دَمٍ أَوْ قَيْحٍ أَوْ صَدِيدٍ‏.‏

فَإِنْ صَارَ بِالضَّمِّ كَثِيرًا لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ فِيهِ، وَإِلَّا عُفِيَ عَنْهُ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يُضَمُّ مُتَفَرِّقٌ فِي ‏(‏أَكْثَرَ‏)‏ بَلْ يُعْتَبَرُ كُلُّ ثَوْبٍ عَلَى حِدَتِهِ ‏(‏وَ‏)‏ يُعْفَى عَنْ ‏(‏نَجَاسَةٍ بِعَيْنٍ‏)‏ وَتَقَدَّمَ‏:‏ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا لِلتَّضَرُّرِ بِهِ ‏(‏وَ‏)‏ يُعْفَى أَيْضًا عَنْ ‏(‏حَمْلِ كَثِيرِهَا‏)‏ أَيْ النَّجَاسَةِ ‏(‏فِي صَلَاةِ خَوْفٍ‏)‏ لِلضَّرُورَةِ ‏(‏وَعَرَقٍ وَرِيقٍ مِنْ‏)‏ حَيَوَانٍ ‏(‏طَاهِرٍ‏)‏ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِ مَأْكُولٍ طَاهِرٍ‏.‏

‏(‏وَالْبَلْغَمُ‏)‏ مِنْ صَدْرٍ أَوْ رَأْسٍ أَوْ مَعِدَةٍ طَاهِرٌ ‏(‏وَلَوْ أَزْرَقَ‏)‏ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ‏:‏ مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ‏؟‏ أَيُحِبُّ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ‏؟‏ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا - وَوَصَفَهُ الْقَاسِمُ - فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ فِي بَعْضٍ‏}‏ وَلَوْ كَانَتْ نَجَاسَةً لَمَا أَمَرَ بِمَسْحِهَا فِي ثَوْبِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تَحْتَ قَدَمِهِ، وَلَوْ كَانَ نَجَسًا لَنَجَّسَ الْفَمَ؛ وَلِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ مِنْ الْأَبْخِرَةِ أَشْبَهَ الْمُخَاطَ ‏(‏وَرُطُوبَةُ فَرْجِ آدَمِيَّةٍ‏)‏ طَاهِرَةٌ، لِأَنَّ الْمَنِيَّ طَاهِرٌ، وَلَوْ عَنْ جِمَاعٍ، فَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَكَانَ نَجِسًا لِخُرُوجِهِ مِنْهُ ‏(‏وَسَائِلٌ مِنْ فَمِ‏)‏‏:‏ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ ‏(‏وَقْتَ نَوْمٍ‏)‏ طَاهِرٌ كَالْبُصَاقِ ‏(‏وَدُودُ قَزٍّ‏)‏ وَبُزَيْرُهُ طَاهِرٌ قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ بِلَا خِلَافٍ ‏(‏وَمِسْكٌ وَفَأْرَتُهُ‏)‏ طَاهِرَانِ، وَهُوَ سُرَّةُ الْغَزَالِ‏.‏

وَانْفِصَالُهُ بِطَبْعِهِ كَالْجَنِينِ‏.‏

قَالَ فِي شَرْحِهِ‏:‏ وَكَذَا‏.‏

الزَّبَادُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ عِرْقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ، وَقِيلَ‏:‏ لَبَنُ سِنَّوْرٍ بَحْرِيٍّ‏.‏

وَفِي الْإِقْنَاعِ‏:‏ نَجَسٌ؛ لِأَنَّهُ عِرْقُ حَيَوَانٍ بَرِّيٍّ أَكْبَرُ مِنْ الْهِرِّ‏.‏

قَالَ ابْنُ الْبَيْطَارِ فِي مُفْرَدَاتِهِ‏:‏ قَالَ الشَّرِيفُ الْإِدْرِيسِيُّ‏:‏ ‏(‏الزَّبَادُ‏)‏ نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ يُجْمَعُ مِنْ بَيْنِ أَفْخَاذِ حَيَوَانٍ مَعْرُوفٍ يَكُونُ بِالصَّحْرَاءِ، يُصَادُ وَيُطْعَمُ اللَّحْمَ، ثُمَّ يَعْرَقُ فَيَكُونُ مِنْ عَرَقٍ بَيْنَ فَخِذَيْهِ حِينَئِذٍ‏.‏

وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْهِرِّ الْأَهْلِيِّ‏.‏

‏(‏وَالْعَنْبَرُ‏)‏ طَاهِرٌ، وَطِينُ شَارِعٍ ظُنَّتْ نَجَاسَتُهُ طَاهِرٌ‏.‏

وَكَذَا تُرَابُهُ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ‏.‏

فَإِنْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ، وَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ سُؤْرِ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ، وَهُوَ فَضْلُ مَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مِنْهُ غَيْرُ دَجَاجَةٍ مُخْلَاةٍ، أَيْ غَيْرُ مَضْبُوطَةٍ فَيُكْرَهُ سُؤْرُهَا، احْتِيَاطًا‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ وَسُؤْرُ الْفَأْرِ؛ لِأَنَّهُ يُنْسِي‏.‏

وَلَوْ أَكَلَ هِرٌّ وَنَحْوُهُ، وَكَنِمْسٍ وَفَأْرٍ وَقُنْفُذٍ، وَدَجَاجَةٍ وَبَهِيمَةٍ‏:‏ نَجَاسَةً ‏(‏أَوْ أَكَلَ طِفْلٌ نَجَاسَةً ثُمَّ شَرِبَ‏)‏ الْهِرُّ وَنَحْوُهُ أَوْ الطِّفْلُ ‏(‏وَلَوْ قَبْلَ، أَنْ يَغِيبَ‏)‏ بَعْدَ أَكْلِ النَّجَاسَةِ ‏(‏مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ‏)‏ أَوْ مَائِعٍ لَا يُؤَثِّرُ، لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ‏.‏

‏(‏أَوْ وَقَعَ فِيهِ‏)‏ أَيْ الْمَاءِ الْيَسِيرِ أَوْ مَائِعٍ غَيْرِهِ ‏(‏هِرٌّ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَنْضَمَّ دُبُرُهُ إذَا وَقَعَ فِي مَائِعٍ‏)‏ كَالْفَأْرِ ‏(‏وَخَرَجَ حَيًّا‏.‏

لَمْ يُؤَثِّرْ‏)‏ لِعَدَمِ وُصُولِ نَجَاسَةٍ إلَيْهِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ لَوْ وَقَعَ ‏(‏فِي جَامِدٍ‏)‏ وَخَرَجَ حَيًّا‏.‏

لَمْ يُؤَثِّرْ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْجَامِدُ ‏(‏مَا يَمْنَعُ انْتِقَالَهَا‏)‏ أَيْ النَّجَاسَةِ ‏(‏فِيهِ‏)‏ لِكَثَافَتِهِ ‏(‏وَإِنْ مَاتَ‏)‏ حَيَوَانٌ يَنْجُسُ بِمَوْتٍ، ‏(‏أَوْ وَقَعَ مَيِّتًا فِي دَقِيقٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَسَمْنٍ جَامِدٍ ‏(‏أَلْقَى‏)‏ الْمَيِّتَ ‏(‏وَمَا حَوْلَهُ‏)‏ مِنْ دَقِيقٍ وَنَحْوِهِ، لِمُلَاقَاتِهِ النَّجَسَ وَاسْتُعْمِلَ الْبَاقِي ‏(‏وَإِنْ اخْتَلَطَ‏)‏ النَّجَسُ بِغَيْرِهِ ‏(‏وَلَمْ يَنْضَبِطْ‏.‏

حَرُمَ‏)‏ الْكُلُّ، تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ‏.‏

وَكَذَا لَوْ كَانَ مَائِعًا لِلْخَبَرِ‏.‏