فصل: فَصْلٌ: ما يثبت بتمام تلاعن الزوجين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


كتاب الظهار

مُشْتَقٌّ مِنْ الظَّهْرِ، وَخُصَّ بِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الرُّكُوبِ، وَلِهَذَا سُمِّيَ الْمَرْكُوبُ ظَهْرًا وَالْمَرْأَةُ مَرْكُوبَةٌ إذَا غُشِيَتْ‏.‏

فَقَوْلُهُ لِامْرَأَتِهِ‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مَعْنَاهُ‏:‏ أَنَّهُ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِظَهْرِ أُمِّهِ فِي التَّحْرِيمِ، كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ رُكُوبَهَا لِلْوَطْءِ حَرَامٌ كَرُكُوبِ أُمِّهِ لَهُ‏.‏

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏‏{‏وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ‏}‏ الْآيَاتُ نَزَلَتْ فِي خُوَيْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ حِينَ ظَاهَرَ مِنْهَا ابْنُ عَمِّهَا أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ، فَجَاءَتْ تَشْكُوهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُجَادِلُهُ فِيهِ، وَيَقُولُ‏:‏ اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّك فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ‏}‏‏.‏

رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الظِّهَارُ ‏(‏أَنْ يُشَبِّهَ‏)‏ زَوْجٌ ‏(‏امْرَأَتَهُ أَوْ‏)‏ يُشَبِّهَ ‏(‏عُضْوًا مِنْهَا‏)‏ أَيْ امْرَأَتِهِ كَيَدِهَا وَظَهْرِهَا ‏(‏بِمَنْ‏)‏ أَيِّ امْرَأَةٍ ‏(‏تَحْرُمُ عَلَيْهِ‏)‏ كَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَعَمَّاتِهِ وَزَوْجَةِ ابْنِهِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ ‏(‏إلَى أَمَدٍ‏)‏ كَأُخْتِ زَوْجَتِهِ وَخَالَتِهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ يُشَبِّهَهَا ‏(‏بِعُضْوٍ مِنْهَا‏)‏ أَيْ مِمَّنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَوْ إلَى أَمَدٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ يُشَبِّهَ امْرَأَتَهُ ‏(‏بِذَكَرٍ أَوْ عُضْوٍ مِنْهُ‏)‏ أَيْ مِنْ الذَّكَرِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ أُتِيَ بِهِ ‏(‏بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ وَلَوْ اعْتَقَدَ الْحِلَّ‏)‏ أَيْ حِلَّ مَنْ شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِهَا مِنْ مَحَارِمِهِ ‏(‏مَجُوسِيٌّ‏)‏ بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُخْتِي مُعْتَقِدًا حِلَّ أُخْتِهِ فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الظِّهَارِ إذَا أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا ‏(‏نَحْوُ‏)‏ قَوْلِ الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ ‏(‏أَنْتِ أَوْ يَدُكِ أَوْ وَجْهُكِ أَوْ أُذُنُكِ كَظَهْرِ‏)‏ أُمِّي ‏(‏أَوْ‏)‏ كَ ‏(‏بَطْنِ‏)‏ أُمِّي ‏(‏أَوْ‏)‏ ك ‏(‏رَأْسِ أُمِّي أَوْ كَعَيْنِ أُمِّي أَوْ‏)‏ كَظَهْرِ أَوْ بَطْنِ أَوْ رَأْسِ أَوْ عَيْنِ ‏(‏عَمَّتِي أَوْ خَالَتِي أَوْ‏.‏

حَمَاتِي أَوْ أُخْتِ زَوْجَتِي أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوْ‏)‏ كَظَهْرِ أَوْ بَطْنِ أَوْ رَأْسِ أَوْ عَيْنِ ‏(‏أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ‏)‏ كَظَهْرِ أَوْ بَطْنِ أَوْ رَأْسِ أَوْ عَيْنِ ‏(‏أَبِي أَوْ أَخِي أَوْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ زَيْدٍ أَوْ رَجُلٍ، وَلَا يُدَيَّنُ‏)‏ إنْ قَالَ‏:‏ أَرَدْتُ فِي الْكَرَامَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحَةٌ فِي الظِّهَارِ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ لَهَا ‏(‏أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي طَالِقٌ أَوْ‏)‏ قَالَ لَهَا ‏(‏عَكْسَهُ‏)‏ أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي ‏(‏يَلْزَمَانِهِ‏)‏ أَيْ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ لِإِتْيَانِهِ بِصَرِيحِهِمَا، وَجَزَمَ فِي الشَّرْحِ وَالْإِقْنَاعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ ظِهَارًا فِي الثَّانِيَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ لَهَا ‏(‏أَنْتِ عَلَيَّ‏)‏ كَأُمِّي أَوْ مِثْلِ أُمِّي ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ أَنْتِ ‏(‏عِنْدِي‏)‏ كَأُمِّي أَوْ مِثْلِ أُمِّي ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنْتِ ‏(‏مِنِّي‏)‏ كَأُمِّي أَوْ مِثْلِ أُمِّي ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنْتِ ‏(‏مَعِي كَأُمِّي أَوْ‏)‏ مَعِي ‏(‏مِثْلُ أُمِّي وَأَطْلَقَ‏)‏ فَلَمْ يَنْوِ بِهِ ظِهَارًا وَلَا غَيْرَهُ ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏ظِهَارٌ‏)‏ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ‏(‏وَإِنْ نَوَى‏)‏ بِأَنْتِ عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي أَوْ مِنِّي أَوْ مَعِي كَأُمِّي أَوْ مِثْلِ أُمِّي ‏(‏فِي الْكَرَامَةِ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَالْمَحَبَّةِ ‏(‏دِينَ وَقُبِلَ حُكْمًا‏)‏ لِاحْتِمَالِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ لَهَا ‏(‏أَنْتِ أُمِّي أَوْ‏)‏ أَنْتِ ‏(‏كَأُمِّي أَوْ‏)‏ أَنْتِ ‏(‏مِثْلُ أُمِّي‏)‏ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي أَوْ مِنِّي أَوْ مَعِي ‏(‏لَيْسَ بِظِهَارٍ إلَّا مَعَ نِيَّةِ‏)‏ ظِهَارٍ ‏(‏أَوْ قَرِينَةٍ‏)‏ لِأَنَّ احْتِمَالَ هَذِهِ الصُّوَرِ لِغَيْرِ الظِّهَارِ أَكْثَرُ مِنْ احْتِمَالِ الصُّوَرِ الَّتِي قَبْلَهَا لَهُ وَكَثْرَةُ الِاحْتِمَالَاتِ تُوجِبُ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ فِي الْمُحْتَمَلِ الْأَقَلِّ لِيَتَعَيَّنَ لَهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كِنَايَةً فِيهِ وَالْقَرِينَةُ تَقُومُ مَقَامَ النِّيَّةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ قَوْلُهُ لَهَا ‏(‏أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ظِهَارٌ وَلَوْ نَوَى بِهِ طَلَاقًا أَوْ يَمِينًا‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ أَوْقَعَهُ فِي امْرَأَتِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ شَبَّهَهَا بِظَهْرِ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَحَمْلُهُ عَلَى الظِّهَارِ أَوْلَى مِنْ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَبِينُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَهَذَا يُحَرِّمُهَا مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ فَحَمْلُهُ عَلَى أَدْنَى التَّحْرِيمَيْنِ أَوْلَى ‏(‏إلَّا إنْ زَادَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ سَبَقَ بِهَا‏)‏ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا كَمَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدْخُلُهُ التَّكْفِيرُ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ شَاءَ زَيْدٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ قَوْلُهُ ‏(‏أَنَا مُظَاهِرٌ أَوْ عَلَيَّ‏)‏ الظِّهَارُ ‏(‏أَوْ يَلْزَمُنِي الظِّهَارُ أَوْ‏)‏ عَلَيَّ الْحَرَامُ أَوْ يَلْزَمُنِي ‏(‏الْحَرَامُ وَأَنَا عَلَيْكِ حَرَامٌ أَوْ‏)‏ أَنَا عَلَيْكِ ‏(‏كَظَهْرِ رَجُلٍ‏)‏ أَوْ كَظَهْرِ أَبِي ‏(‏مَعَ نِيَّةِ‏)‏ ظِهَارٍ ‏(‏أَوْ قَرِينَةٍ‏)‏ دَالَّةٍ عَلَيْهِ ‏(‏ظِهَارٌ‏)‏ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ وَقَدْ نَوَاهُ بِهِ وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ نَفْسِهِ عَلَيْهَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَلِأَنَّ تَشْبِيهَ نَفْسِهِ بِأَبِيهِ يَلْزَمُهُ فِيهِ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ كَمَا تَحْرُمُ عَلَى أَبِيهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَنْوِ ظِهَارًا وَلَا قَرِينَةً عَلَيْهِ ‏(‏فَلَغْوٌ ك‏)‏ قَوْلِهِ ‏(‏أُمِّي‏)‏ امْرَأَتِي ‏(‏أَوْ أُخْتِي امْرَأَتِي أَوْ مِثْلُهَا‏)‏ أَيْ أُمِّي أَوْ أُخْتِي مِثْلُ امْرَأَتِي وَنَحْوَهُ ‏(‏وَكَ‏)‏ قَوْلِ أَنْتِ عَلَيَّ ‏(‏كَظَهْرِ الْبَهِيمَةِ‏)‏ فَلَيْسَ ظِهَارًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلِاسْتِمْتَاعِ ‏(‏وَ‏)‏ كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ ‏(‏وَجْهِي مِنْ وَجْهِكِ حَرَامٌ‏)‏ فَلَغْوٌ نَصًّا ‏(‏وَكَالْإِضَافَةِ‏)‏ أَيْ إضَافَةِ التَّشْبِيهِ أَوْ التَّحْرِيمِ ‏(‏إلَى شَعْرٍ وَظُفُرٍ وَرِيقٍ وَلَبَنٍ وَدَمٍ وَرُوحٍ وَسَمْعٍ وَبَصَرٍ‏)‏ بِأَنْ قَالَ شَعْرُكِ أَوْ ظُفُرُكِ إلَى آخِرِهِ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ شَعْرُكِ أَوْ ظُفُرُكِ إلَخْ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ لَغْوٌ كَمَا سَبَقَ فِي الطَّلَاقِ‏.‏

‏(‏وَلَا ظِهَارَ إنْ قَالَتْ‏)‏ امْرَأَةٌ ‏(‏لِزَوْجِهَا‏)‏ نَظِيرَ مَا يَصِيرُ بِهِ مُظَاهِرًا لَوْ قَالَهُ ‏(‏أَوْ عَلَّقَتْ بِتَزْوِيجِهِ نَظِيرَ مَا يَصِيرُ بِهِ مُظَاهِرًا‏)‏ لَوْ قَالَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ‏}‏ فَخَصَّهُمْ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الظِّهَارَ قَوْلٌ يُوجِبُ تَحْرِيمًا فِي النِّكَاحِ فَاخْتَصَّ بِهِ الرَّجُلُ كَالطَّلَاقِ وَلِأَنَّ الْحِلَّ فِي الْمَرْأَةِ حَقٌّ لِلزَّوْجِ فَلَا تَمْلِكُ إزَالَتَهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ ‏(‏وَعَلَيْهَا كَفَّارَتُهُ‏)‏ أَيْ الظِّهَارُ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَقَدْ أَتَتْ بِالْمُنْكَرِ مِنْ الْقَوْلِ وَالزُّورِ فِي تَحْرِيمِ الْآخَرِ عَلَيْهِ أَشْبَهَتْ الزَّوْجَ ‏(‏وَعَلَيْهَا التَّمْكِينُ‏)‏ لِزَوْجِهَا مِنْ وَطْئِهَا ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ التَّكْفِيرِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلزَّوْجِ فَلَا تَمْنَعُهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الظِّهَارِ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ تَغْلِيظًا وَلَيْسَ لَهَا ابْتِدَاءً الْقُبْلَةُ وَالِاسْتِمْتَاعُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّخَعِيّ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ أَنَّهَا قَالَتْ ‏(‏إنْ تَزَوَّجْتُ مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَهُوَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَسَأَلَتْ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرَأَوْا أَنَّ عَلَيْهَا كَفَّارَةً وَرَوَى سَعِيدٌ‏)‏ أَنَّهَا اسْتَفْتَتْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ فَأَمَرُوهَا أَنْ تَعْتِقَ رَقَبَةً وَتَتَزَوَّجَهُ فَتَزَوَّجَتْهُ وَأَعْتَقَتْ عَبْدًا‏)‏ ‏(‏وَيُكْرَهُ دُعَاءُ أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَيْنِ ‏(‏الْآخَرَ بِمَا يَخْتَصُّ بِذِي رَحِمٍ كَأَبِي وَأُمِّي وَأَخِي وَأُخْتِي‏)‏ قَالَ أَحْمَدُ لَا يُعْجِبُنِي‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏من يصح منه الظهار‏]‏

وَيَصِحُّ الظِّهَارُ مِنْ كُلِّ مَنْ أَيْ زَوْجٍ ‏(‏يَصِحُّ طَلَاقُهُ‏)‏ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا كَبِيرًا أَوْ مُمَيِّزًا يَعْقِلُهُ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ كَالطَّلَاقِ فَجَرَى مَجْرَاهُ وَصَحَّ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ ‏(‏وَيُكَفِّرُ كَافِرٌ بِمَالٍ‏)‏ أَيْ عِتْقٍ أَوْ إطْعَامٍ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ ‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏مِنْ كُلِّ زَوْجَةٍ‏)‏ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَطْؤُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الْآيَةَ فَخَصَّهُنَّ بِالظِّهَارِ وَلِأَنَّهُ لَفْظٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ فَاخْتَصَّ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَلِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُقِلَ حُكْمُهُ وَبَقِيَ مَحَلُّهُ ‏(‏فَلَا‏)‏ يَصِحُّ ظِهَارٌ ‏(‏مِنْ أَمَتِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ وَيُكَفِّرُ‏)‏ سَيِّدٌ قَالَ لِأَمَتِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ‏(‏كَيَمِينِ يَحْنَثُ فِيهَا‏)‏ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَطَؤُهَا ثُمَّ وَطْئِهَا، قَالَ نَافِعٌ ‏{‏حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَارِيَتَهُ فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُكَفِّرَ يَمِينَهُ‏}‏‏.‏

‏(‏وَإِنْ نَجَّزَهُ‏)‏ أَيْ الظِّهَارَ ‏(‏لِأَجْنَبِيَّةٍ‏)‏ بِأَنْ قَالَ لَهَا‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي صَحَّ ظِهَارُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ وَكَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْآيَةُ خَرَجَتْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ ‏(‏أَوْ عَلَّقَهُ بِتَزْوِيجِهَا‏)‏ بِأَنْ قَالَ لَهَا‏:‏ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ قَالَ‏:‏ النِّسَاءُ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ‏.‏

‏(‏أَوْ قَالَ‏)‏ لِأَجْنَبِيَّةٍ ‏(‏أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى أَبَدًا صَحَّ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏ظِهَارًا‏)‏ لِأَنَّهُ ظِهَارٌ فِي الزَّوْجَةِ فَكَذَا الْأَجْنَبِيَّةُ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ و‏(‏لَا‏)‏ يَكُونُ قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ظِهَارًا‏.‏

‏(‏إنْ أَطْلَقَ‏)‏ فَلَمْ يَنْوِ أَبَدًا ‏(‏أَوْ نَوَى‏)‏ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ ‏(‏إذَنْ‏)‏ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ قَبْلَ عَقْدِ التَّزْوِيجِ ‏(‏وَيُقْبَلُ مِنْهُ‏)‏ دَعْوَى ذَلِكَ حُكْمًا لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ ‏(‏وَيَصِحُّ الظِّهَارُ مُنَجَّزًا‏)‏ كَمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَمُعَلَّقًا‏)‏ كَإِنْ قُمْتُ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي‏.‏

‏(‏فَمَنْ حَلَفَ بِهِ‏)‏ أَيْ الظِّهَارِ ‏(‏أَوْ‏)‏ حَلَفَ ‏(‏بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ وَحَنِثَ لَزِمَهُ‏)‏ مَا حَلَفَ بِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ الظِّهَارُ ‏(‏مُطْلَقًا‏)‏ كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏مُؤَقَّتًا كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي شَهْرَ رَمَضَانَ إنْ وَطِئَ فِيهِ‏)‏ أَيْ رَمَضَانَ ‏(‏كَفَّرَ وَإِلَّا‏)‏ يَطَأْ فِيهِ ‏(‏زَالَ‏)‏ حُكْمُ الظِّهَارِ بِمُضِيِّهِ لِحَدِيثِ صَخْرِ بْنِ سَلَمَةَ وَفِيهِ‏:‏ ‏{‏ظَاهَرْتُ مِنْ امْرَأَتِي حَتَّى يَنْسَلِخَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَصَابَهَا فِيهِ فَأَمَرَهُ بِالْكَفَّارَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ تَقَيُّدَهُ‏}‏ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يُزِيلُ الْمِلْكَ وَهَذَا يُوقِعُ تَحْرِيمًا يَرْفَعُهُ التَّكْفِيرُ أَشْبَهَ الْإِيلَاءَ‏.‏

‏(‏وَيَحْرُمُ عَلَى مُظَاهَرٍ وَمُظَاهَرٍ مِنْهَا وَطْءٌ وَدَوَاعِيهِ قَبْلَ تَكْفِيرٍ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا‏}‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا‏}‏ ‏(‏وَلَوْ كَانَ‏)‏ تَكْفِيرُهُ ‏(‏بِإِطْعَامٍ‏)‏ لِحَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي ظَاهَرْتُ مِنْ امْرَأَتِي فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ فَقَالَ‏:‏ مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ- رَحِمَكَ اللَّهُ- قَالَ‏:‏ رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا‏:‏ فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ‏}‏ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلِأَنَّ مَا حَرَّمَ الْوَطْءَ مِنْ الْقَوْلِ حَرَّمَ دَوَاعِيهِ كَالطَّلَاقِ وَالْإِحْرَامِ ‏(‏بِخِلَافِ كَفَّارَةِ يَمِينٍ‏)‏ فَلَهُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ‏.‏

‏(‏وَتَثْبُتُ‏)‏ أَيْ تَسْتَقِرُّ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ ‏(‏فِي ذِمَّتِهِ‏)‏ أَيْ الْمُظَاهِرِ ‏(‏بِالْعَوْدِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏ثُمَّ يَعُودُونَ‏}‏ ‏(‏وَهُوَ الْوَطْءُ‏)‏ نَصًّا لَا الْعَزْمُ عَلَيْهِ فَلَا تَسْتَقِرُّ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا شَرْطٌ لِحِلِّ الْوَطْءِ فَيُؤْمَرُ بِهَا مَنْ أَرَادَهُ لِيَسْتَحِلَّهُ بِهَا كَمَا يُؤْمَرُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ مَنْ أَرَادَ حِلَّ الْمَرْأَةِ أَوْ لَوْ كَانَ الْوَطْءُ مِنْ مَجْنُونٍ بِأَنْ ظَاهَرَ ثُمَّ جُنَّ وَكَذَا لَوْ بَانَتْ مِنْهُ ثُمَّ زَنَا بِهَا لَا إنْ كَانَ الْوَطْءُ ‏(‏مِنْ مُكْرَهٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِالْإِكْرَاهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَوْدَ هُوَ الْوَطْءُ لِأَنَّهُ فِعْلٌ ضِدُّ قَوْلِ الْمُظَاهِرِ إذْ الْمُظَاهِرُ حَرَّمَ الْوَطْءَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنَعَهَا مِنْهُ فَالْعَوْدُ فِعْلُهُ وَأَمَّا الْإِمْسَاكُ عَنْ الْوَطْءِ فَلَيْسَ بِعَوْدٍ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا‏}‏ وَثُمَّ لِلتَّرَاخِي وَالْإِمْسَاكُ غَيْرُ مُتَرَاخٍ وَلِأَنَّ الظِّهَارَ يَمِينٌ يَقْتَضِي تَرْكَ الْوَطْءِ فَلَا تَجِبُ كَفَّارَتُهُ إلَّا بِهِ كَالْإِيلَاءِ‏.‏

‏(‏وَيَأْثَمُ مُكَلَّفٌ‏)‏ بِوَطْءٍ وَدَوَاعِيهِ قَبْلَ تَكْفِيرٍ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ إنْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ ‏(‏لَا يَطَأُ‏)‏ بَعْدُ ‏(‏حَتَّى يُكَفِّرَ‏)‏ لِلْخَبَرِ وَلِبَقَاءِ التَّحْرِيمِ ‏(‏وَتُجْزِيهِ‏)‏ كَفَّارَةٌ ‏(‏وَاحِدَةٌ‏)‏ وَلَوْ كَرَّرَ الْوَطْءَ لِلْخَبَرِ وَلِأَنَّهُ وُجِدَ الْعَوْدُ وَالظِّهَارُ فَدَخَلَ فِي عُمُومِ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ‏}‏ الْآيَتَيْنِ ‏(‏كَمُكَرِّرٍ ظِهَارًا مِنْ‏)‏ امْرَأَةٍ ‏(‏وَاحِدَةٍ قَبْلَ تَكْفِيرٍ وَلَوْ‏)‏ كَرَّرَهُ ‏(‏بِمَجَالِسَ أَوْ أَرَادَ‏)‏ بِتَكْرَارِهِ ‏(‏اسْتِئْنَافًا‏)‏ نَصًّا؛ لِأَنَّ تَكْرِيرَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ لِتَحْرِيمِهَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَجِبْ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ‏.‏

‏(‏وَكَذَا‏)‏ لَوْ ظَاهَرَ ‏(‏مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ‏)‏ كَقَوْلِهِ‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَلِأَنَّهُ ظِهَارٌ وَاحِدٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إِن ظَاهَرَ مِنْهُنَّ ‏(‏بِكَلِمَاتٍ بِأَنْ قَالَ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي‏)‏ فَعَلَيْهِ ‏(‏لِكُلٍّ‏)‏ مِنْهُنَّ ‏(‏كَفَّارَةٌ‏)‏؛ لِأَنَّهَا أَيْمَانٌ مُكَرَّرَةٌ عَلَى أَعْيَانٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَلِأَنَّهَا أَيْمَانٌ لَا يَحْنَثُ فِي إحْدَاهَا بِالْحِنْثِ فِي الْأُخْرَى فَلَا تُكَفِّرُهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ‏(‏وَيَلْزَمُهُ إخْرَاجُ‏)‏ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ ‏(‏بِعَزْمٍ عَلَى وَطْءٍ‏)‏ نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا‏}‏ الْآيَتَيْنِ وَحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ‏}‏ حَيْثُ أَمَرَ بِالْكَفَّارَةِ قَبْلَ التَّمَاسِّ ‏(‏وَيُجْزِئُ‏)‏ إخْرَاجٌ ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ قَبْلَ عَزْمٍ عَلَى وَطْءٍ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الظِّهَارُ‏.‏

‏(‏وَإِنْ اشْتَرَى‏)‏ مُظَاهِرٌ ‏(‏زَوْجَتَهُ‏)‏ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَظِهَارُهُ بِحَالِهِ وَلَهُ عِتْقُهَا عَنْهُ فَإِنْ عَادَ وَتَزَوَّجَهَا فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ أَعْتَقَهَا عَنْ غَيْرِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالْوَطْءِ ‏(‏أَوْ بَانَتْ زَوْجَةٌ مُظَاهَرٌ مِنْهَا‏)‏ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً ‏(‏قَبْلَ الْوَطْءِ ثُمَّ أَعَادَهَا مُطْلَقًا‏)‏ ارْتَدَّ أَوْ لَا ‏(‏فَظِهَارُهُ بِحَالِهِ‏)‏ نَصًّا لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَزُولُ بِالتَّكْفِيرِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ ظِهَارٍ ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ الْوَطْءِ ‏(‏سَقَطَتْ‏)‏ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ سَوَاءٌ مَاتَ عَقِبَ ظِهَارِهِ أَوْ تَرَاخَى عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْحِنْثُ وَيَرِثُهَا وَتَرِثُهُ كَمَا بَعْدَ التَّكْفِيرِ‏.‏

فصل‏:‏ في كفارة الظهار وما بمعناه

وَكَفَّارَتِهِ أَيْ الظِّهَارِ ‏(‏وَكَفَّارَةُ وَطْءِ نَهَارِ رَمَضَانَ عَلَى التَّرْتِيبِ‏)‏ وَهِيَ ‏(‏عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا‏)‏ أَمَّا الظِّهَارُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا‏}‏ الْآيَتَيْنِ وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ فِي الصَّوْمِ ‏(‏وَكَذَا كَفَّارَةُ قَتْلٍ‏)‏ فِي التَّرْتِيبِ ‏(‏إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا إطْعَامٌ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الْآيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا إطْعَامًا‏.‏

‏(‏وَالْمُعْتَبَرُ‏)‏ فِي كَفَّارَاتٍ مِنْ قُدْرَةٍ أَوْ عَجْزٍ ‏(‏وَقْتَ وُجُوبِ‏)‏ كَفَّارَةٍ ‏(‏كَحَدٍّ وَقَوَدٍ‏)‏ فَيُعْتَبَرَانِ بِوَقْتِ الْوُجُوبِ فَمَنْ قَذَفَ وَهُوَ عَبْدٌ ثُمَّ عَتَقَ لَمْ يُجْلَدْ إلَّا جَلْدَ عَبْدٍ وَمَنْ حَنِثَ وَهُوَ عَبْدٌ لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةُ عَبْدٍ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الطُّهْرِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ فِيهَا بِحَالِ الْوُجُوبِ كَالْحَدِّ بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ فَإِنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَهُنَا لَوْ صَامَ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الرَّقَبَةِ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ وَلَوْ قَتَلَ قِنًّا وَهُوَ رَقِيقٌ ثُمَّ عَتَقَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَوَدُ ‏(‏وَإِمْكَانُ الْأَدَاءِ‏)‏ فِي الْكَفَّارَاتِ ‏(‏مَبْنِيٌّ عَلَى‏)‏ اعْتِبَارِهِ فِي زَكَاةٍ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ لَا لِلْوُجُوبِ وَوَقْتُ وُجُوبٍ فِي طُهْرٍ وَقْتُ الْعَوْدِ وَهُوَ الْوَطْءُ‏.‏

وَفِي ‏(‏وَطْءٍ‏)‏ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ حِينَ الْوَطْءِ وَفِي قَتْلٍ زَمَنَ زُهُوقٍ لَا زَمَنَ جُرْحٍ وَفِي يَمِينٍ زَمَنَ حَنِثَ ‏(‏فَلَوْ أَعْسَرَ مُوسِرٌ قَبْلَ تَكْفِيرٍ لَمْ يُجْزِئْهُ صَوْمٌ‏)‏ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَتَبْقَى الرَّقَبَةُ فِي ذِمَّتِهِ إلَى يَسَارِهِ كَسَائِرِ مَا وَجَبَ وَعَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ ‏(‏وَلَوْ أَيْسَرَ مُعْسِرٌ‏)‏ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ مُعْسِرًا ‏(‏لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ‏)‏ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ ‏(‏وَيُجْزِيهِ‏)‏ الْعِتْقُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْكَفَّارَاتِ‏.‏

‏(‏وَلَا يَلْزَمُ عِتْقٌ إلَّا لِمَالِكِ رَقَبَةٍ‏)‏ حِينَ وُجُوبٍ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَتْ الرَّقَبَةُ ‏(‏مُشْتَبِهَةً بِرِقَابِ غَيْرِهِ‏)‏ لِإِمْكَانِ عِتْقِهَا ‏(‏فَيُعْتِقُ رَقَبَةً‏)‏ نَاوِيًا مَا يَمْلِكُهُ ‏(‏ثُمَّ يُقْرِعُ بَيْنَ الرِّقَابِ فَيُخْرِجُ مَنْ قُرِعَ‏)‏ لِتَتَعَيَّنَ الْحُرِّيَّةُ فِيهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ إلَّا ‏(‏لِمَنْ يُمْكِنُهُ‏)‏ الرَّقَبَةُ بِأَنْ قَدَرَ عَلَى شِرَائِهَا ‏(‏بِثَمَنِ مِثْلِهَا أَوْ مَعَ زِيَادَةٍ‏)‏ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهَا ‏(‏لَا يُحْجَفُ‏)‏ بِهِ وَلَوْ كَثُرَتْ لِعَدَمِ تَكَرُّرِهَا بِخِلَافِ مَاءِ وُضُوءٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ يُمْكِنُهُ شِرَاؤُهَا ‏(‏نَسِيئَةً وَلَهُ مَالٌ غَائِبٌ‏)‏ يَفِي بِثَمَنِهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ لَهُ ‏(‏دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ‏)‏ يَفِي بِثَمَنِهَا النَّسِيئَةَ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَلْزَمُ عِتْقٌ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى رَقَبَةٍ ‏(‏بِهِبَةٍ‏)‏ بِأَنْ وُهِبَتْ لَهُ هِيَ أَوْ ثَمَنُهَا لِلْمِنَّةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ عِتْقٌ أَنْ ‏(‏تَفْضُلَ‏)‏ الرَّقَبَةُ ‏(‏عَمَّا يَحْتَاجُهُ‏)‏ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ ‏(‏مِنْ أَدْنَى مَسْكَنٍ صَالِحٍ لِمِثْلِهِ وَ‏)‏ مِنْ أَدْنَى ‏(‏خَادِمٍ لِكَوْنِ مِثْلِهِ لَا يَخْدِمُ نَفْسَهُ أَوْ‏)‏ لِ ‏(‏عَجْزِهِ‏)‏ عَنْ خِدْمَةِ نَفْسِهِ ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ تَفْضُلَ ‏(‏عَنْ مَرْكُوبٍ وَعَرَضٍ بَذَلَهُ‏)‏ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ كَلِبَاسِهِ وَفِرَاشِهِ وَأَوَانِيهِ وَآلَةُ حِرْفَتِهِ ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ تَفْضُلَ عَنْ ‏(‏كُتُبِ عِلْمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَثِيَابِ تَجَمُّلٍ‏)‏ لَا تَزِيدُ عَلَى مَلْبُوسٍ مِثْلِهِ ‏(‏وَ‏)‏ عَنْ ‏(‏كِفَايَتِهِ وَ‏)‏ كِفَايَةِ ‏(‏مَنْ يَمُونُهُ دَائِمًا وَ‏)‏ عَنْ رَأْسِ مَالِهِ لِذَلِكَ أَيْ لِمَا يَحْتَاجُهُ وَكِفَايَتِهِ وَعِيَالِهِ ‏(‏وَ‏)‏ عَنْ ‏(‏وَفَاءِ دَيْنٍ‏)‏ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَغْرَقَتْهُ حَاجَةُ الْإِنْسَانِ كَالْمَعْدُومِ فِي جَوَازِ الِانْتِقَالِ إلَى بَدَلِهِ كَمَنْ وَجَدَ مَاءً يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِعَطَشٍ، لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى التَّيَمُّمِ فَإِنْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ وَهُوَ مِمَّنْ يَخْدِمُ نَفْسَهُ لَزِمَ عِتْقُهُ لِفَضْلِهِ عَنْ حَاجَتِهِ وَمَا يَحْتَاجُ لِأَكْلِ الطَّيِّبِ وَلُبْسِ النَّاعِمِ يَشْتَرِي بِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ لِعَدَمِ عِظَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ لَهُ فَوْقَ مَا يَصْلُحُ لِمِثْلِهِ مِنْ خَادِمٍ وَنَحْوَهُ‏)‏ كَمَرْكُوبٍ وَمَسْكَنٍ ‏(‏وَأَمْكَنَ بَيْعُهُ وَشِرَاءُ‏)‏ بَدَلٍ ‏(‏صَالِحٍ لِمِثْلِهِ وَ‏)‏ شِرَاءُ ‏(‏رَقَبَةٍ بِالْفَاضِلِ‏)‏ ‏(‏لَزِمَهُ‏)‏ الْعِتْقُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِلَا ضَرَرٍ ‏(‏فَلَوْ تَعَذَّرَ‏)‏ لِكَوْنِ الْبَاقِي لَا يَبْلُغُ ثَمَنَ رَقَبَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ ‏(‏أَوْ كَانَ لَهُ سُرِّيَّةٌ يُمْكِنُ بَيْعُهَا وَشِرَاءُ سُرِّيَّةٍ وَرَقَبَةٍ بِثَمَنِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ‏)‏ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ السُّرِّيَّةِ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا‏.‏

‏(‏وَشُرِطَ‏)‏ فِي إجْزَاءِ ‏(‏رَقَبَةٍ فِي كَفَّارَةٍ مُطْلَقًا وَ‏)‏ فِي ‏(‏نَذْرٍ عِتْقُ مُطْلَقٍ إسْلَامٌ‏)‏ وَلَوْ كَانَ الْمُكَفِّرُ كَافِرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ بَاقِي الْكَفَّارَاتِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا حُمِلَ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ‏}‏ عَلَى قَوْلِهِ ‏{‏وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ بِجَامِعِ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَضَمَّنُ تَفْرِيغَ الْعَتِيقِ الْمُسْلِمِ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَتَكْمِيلِ أَحْكَامِهِ وَمَعُونَةِ الْمُسْلِمِينَ فَنَاسَبَ ذَلِكَ شَرْعَ إعْتَاقِهِ فِي الْكَفَّارَةِ تَحْصِيلًا لِهَذِهِ الْمَصَالِحِ وَحُمِلَ النَّذْرُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ يُحْمَلُ عَلَى الْمُطْلَقِ مِنْ كَلَامِهِ تَعَالَى‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ شُرِطَ فِيهَا ‏(‏سَلَامَةٌ مِنْ عَيْبٍ مُضِرٍّ ضَرَرًا بَيِّنًا بِالْعَمَلِ‏)‏ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَمْلِيكُ الْقِنِّ نَفْعَهُ وَتَمْكِينَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ وَهَذَا غَيْرُ حَاصِلٍ مَعَ مَا يَضُرُّ بِعَمَلٍ كَذَلِكَ ‏(‏كَعَمًى‏)‏ لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يُمْكِنُهُ الْعَمَلُ فِي أَكْثَرِ الصَّنَائِعِ ‏(‏وَ‏)‏ كَ ‏(‏شَلَلِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ قَطْعِ إحْدَاهُمَا‏)‏ لِأَنَّ الْيَدَ آلَةُ الْبَطْشِ وَالرِّجْلَ آلَةُ الْمَشْي فَلَا يَتَهَيَّأُ لَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعَمَلِ مَعَ تَلَفِ أَحَدِهِمَا أَوْ شَلَلِهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ قَطْعِ ‏(‏سَبَّابَةٍ أَوْ‏)‏ أُصْبُعٍ ‏(‏وُسْطَى أَوْ إبْهَامٍ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ‏)‏ تَبِعَ فِيهِ التَّنْقِيحَ وَقَدْ ذَكَرْتُ كَلَامَ الْحَجَّاوِيِّ فِي الْحَاشِيَةِ ‏(‏أَوْ خِنْصَرٍ وَبِنْصَرٍ‏)‏ مَعًا ‏(‏مِنْ يَدٍ‏)‏ وَاحِدَةٍ لِزَوَالِ نَفْعِهَا بِذَلِكَ ‏(‏وَقَطْعِ أُنْمُلَةٍ مِنْ إبْهَامٍ أَوْ‏)‏ قَطْعِ ‏(‏أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ الْإِبْهَامِ كَقَطْعِ الْأُصْبُعِ ‏(‏كُلِّهِ‏)‏ لِذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْإِصْبَعِ بِذَلِكَ‏.‏

‏(‏وَيُجْزِئُ مَنْ قُطِعَتْ بِنَصْرِهِ مِنْ إحْدَى يَدَيْهِ‏)‏ وَخِنْصَرِهِ مِنْ الْأُخْرَى ‏(‏أَوْ‏)‏ قُطِعَتْ بِنْصِرُهُ مِنْ إحْدَى ‏(‏رِجْلَيْهِ وَ‏)‏ قُطِعَتْ ‏(‏خِنْصَرُهُ مِنْ الْأُخْرَى‏)‏ لِبَقَاءِ نَفْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏أَوْ جَدْعِ‏)‏ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ قَطْعِ ‏(‏أَنْفِهِ‏)‏ فَيُجْزِئُ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَطْعِ ‏(‏أُذُنِهِ أَوْ يُخْنَقُ أَحْيَانًا‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ‏(‏أَوْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ لَمْ تُوجَدْ‏)‏ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ بِخِلَافِ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ فَنَوَاهُ عِنْدَ وُجُودِهَا فَلَا يُجْزِئُ لِأَنَّ سَبَبَ عِتْقِهِ انْعَقَدَ عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ فَلَا يَمْلِكُ صَرْفَهُ إلَى غَيْرِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُك أَوْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَا يُجْزِئُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ لِلْكَفَّارَةِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ لَهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُجْزِئُ ‏(‏مُدَبَّرٌ وَصَغِيرٌ‏)‏ وَلَوْ غَيْرُ مُمَيِّزٍ ‏(‏وَوَلَدُ زِنًا وَأَعْرَجُ يَسِيرٌ أَوْ مَجْبُوبٌ وَخَصِيٌّ‏)‏ وَلَوْ مَجْبُوبًا ‏(‏وَأَصَمُّ وَأَخْرَسُ تُفْهَمُ إشَارَتُهُ وَأَعْوَرُ‏)‏ وَأَبْرَصُ وَأَجْذَمُ وَنَحْوُهُ ‏(‏وَمَرْهُونٌ وَمُؤَجَّرٌ وَجَانٌّ وَأَحْمَقُ وَحَامِلٌ‏)‏ وَلَهُ اسْتِثْنَاءُ حَمْلِهَا لِأَنَّ مَا فِيهِمْ مِنْ النَّقْصِ لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ وَمَا فِيهِمْ مِنْ الْوَصْفِ لَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ عِتْقِهِمْ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُجْزِئُ ‏(‏مُكَاتَبٌ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا‏)‏ مِنْ كِتَابَتِهِ لِأَنَّهُ رَقَبَةٌ كَامِلَةٌ سَالِمَةٌ لَمْ يَحْصُلْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا عِوَضٌ و‏(‏لَا‏)‏ يُجْزِئُ ‏(‏مِنْ‏)‏ أَيْ مُكَاتَبٍ ‏(‏أَدَّى‏)‏ مِنْهَا ‏(‏شَيْئًا‏)‏ لِحُصُولِ الْعِوَضِ عَنْ بَعْضِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَ رَقَبَةٍ ‏(‏أَوْ اشْتَرَى بِشَرْطِ عِتْقٍ‏)‏ فَلَا يُجْزِئُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَائِعَ نَقَصَهُ مِنْ ثَمَنِهِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ عَلَى عِتْقِهِ عِوَضًا وَإِنْ قِيلَ لَهُ‏:‏ اعْتِقْ عَبْدَكَ عَنْ كَفَّارَتكِ وَلَك كَذَا فَفَعَلَ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْهَا وَوَلَاؤُهُ لَهُ وَلَوْ رَدَّ الْعِوَضَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ قَصَدَ عِتْقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَحْدَهَا وَعَزَمَ عَلَى رَدِّ الْعِوَضِ أَوْ رَدَّهُ قَبْلَ الْعِتْقِ وَأَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ أَجْزَأَ ‏(‏أَوْ يُعْتَقُ‏)‏ عَلَى مُكَفِّرٍ ‏(‏بِقَرَابَةٍ‏)‏ فَلَا يُجْزِئُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ‏}‏ وَالتَّحْرِيرُ فِعْلُ الْعِتْقِ وَلَمْ يَحْصُلْ هُنَا كَذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ بِغَيْرِ سَبَبِ الْكَفَّارَةِ‏.‏

و‏(‏لَا‏)‏ يُجْزِئُ ‏(‏مَرِيضٌ مَأْيُوسٌ مِنْهُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْعَمَلِ وَ‏)‏ لَا ‏(‏مَغْصُوبٌ مِنْهُ وَ‏)‏ لَا يُجْزِئُ ‏(‏زَمِنٌ وَمُقْعَدٌ‏)‏ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِمَا مِنْ الْعَمَلِ فِي أَكْثَرِ الصَّنَائِعِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا يُجْزِئُ ‏(‏نَحِيفٌ عَاجِزٌ عَنْ عَمَلٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ كَمَرِيضٍ مَأْيُوسٍ مِنْ بُرْئِهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا يُجْزِئُ ‏(‏أَخْرَسُ أَصَمُّ وَلَوْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ‏)‏ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ بِفَقْدِ حَاسَّتَيْنِ تَنْقُصُ بِنَقْصِهِمَا قِيمَتُهُ نَقْصًا كَثِيرًا وَكَذَا أَخْرَسُ لَا تُفْهَمُ إشَارَتُهُ ‏(‏وَمَجْنُونٌ مُطْبَقٌ‏)‏ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْكُلِّيَّةِ ‏(‏وَغَائِبٌ لَمْ تَتَبَيَّنْ حَيَاتُهُ‏)‏ لِأَنَّ وُجُودَهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ فَلَا يَبْرَأُ بِالشَّكِّ فَإِنْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدُ كَوْنُهُ حَيًّا فَإِنَّهُ يُجْزِئُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏مُوصَى بِخِدْمَتِهِ أَبَدًا‏)‏ لِنَقْصِهِ ‏(‏أَوْ أُمُّ وَلَدٍ‏)‏ لِاسْتِحْقَاقِ عِتْقِهَا بِسَبَبٍ آخَرَ ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏جَنِينٌ‏)‏ وَلَوْ وُلِدَ بَعْدَ عِتْقِهِ حَيًّا لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ أَحْكَامُ الدُّنْيَا بَعْدُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَعْتَقَ‏)‏ فِي كَفَّارَةٍ ‏(‏جُزْءًا‏)‏ مِنْ قِنٍّ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ أَعْتَقَ ‏(‏مَا بَقِيَ‏)‏ مِنْهُ وَلَوْ طَالَ مَا بَيْنَهُمَا أَجْزَأَ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَةً كَامِلَةً كَإِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَعْتَقَ ‏(‏نِصْفَ قِنَّيْنِ‏)‏ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ‏(‏أَجْزَأَ‏)‏ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَشْقَاصَ كَالْأَشْخَاصِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْبَاقِي مِنْهُمَا حُرًّا أَوْ رَقِيقًا لِغَيْرِهِ ‏(‏لَا مَا سَرَى بِعِتْقِ جُزْءٍ‏)‏ كَمَنْ يَمْلِكُ نِصْفَ قِنٍّ وَهُوَ مُوسِرٌ بِقِيمَةٍ بَاقِيَةٍ فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ وَسَرَى إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَلَا يَجْزِيهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ بِإِعْتَاقِهِ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ غَيْرُ فِعْلِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ آثَارِ فِعْلِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ نَاوِيًا عِتْقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِظِهَارٍ‏)‏ بِأَنْ قِيلَ لَهُ إنْ ظَاهَرْتُ مِنْ زَوْجَتِي فَأَنْتَ حُرٌّ ‏(‏ثُمَّ ظَاهَرَ عَتَقَ‏)‏ الْمُعَلَّقُ عِتْقَهُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ ‏(‏وَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ كَمَا لَوْ نَجَزَهُ عَنْ ظِهَارِهِ ثُمَّ ظَاهَرَ‏)‏ بِأَنْ قَالَ لِقِنِّهِ‏:‏ أَنْتَ حُرٌّ السَّاعَةَ عَنْ ظِهَارِي ثُمَّ ظَاهَرَ فَيُعْتِقُ، لَا يُجْزِئُهُ عَنْ ظِهَارِهِ ‏(‏أَوْ عَلَّقَ ظِهَارَهُ بِشَرْطٍ‏)‏ بِأَنْ قَالَ‏:‏ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَزَوْجَتِي عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ‏(‏فَأَعْتَقَهُ‏)‏ أَيْ قِنَّهُ عَنْ ظِهَارِهِ الْمُعَلَّقِ ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِ ظِهَارِهِ فَيُعْتِقُ وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ ظِهَارِهِ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ التَّكْفِيرُ قَبْلَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَعْتَقَ‏)‏ عَنْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ ‏(‏غَيْرَ مُجْزِئٍ ظَانًّا إجْزَاءَهُ نَفَذَ‏)‏ عِتْقُهُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَبَقِيَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِحَالِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّهِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فيمن لم يجد رقبة في الكفارة‏]‏

فَإِنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً كَمَا تَقَدَّمَ ‏(‏صَامَ‏)‏ الْمُكَفِّرُ ‏(‏حُرًّا‏)‏ كَانَ أَوْ مُبَعَّضًا ‏(‏أَوْ قِنًّا شَهْرَيْنِ‏)‏ لِلْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ ‏(‏وَيَلْزَمُهُ تَثْبِيتُ النِّيَّةِ‏)‏ لِصَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّوْمِ ‏(‏وَ‏)‏ يَلْزَمُهُ ‏(‏تَعْيِينُهَا‏)‏ أَيْ النِّيَّةِ ‏(‏جِهَةَ الْكَفَّارَةِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏"‏ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ‏"‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَلْزَمُهُ ‏(‏التَّتَابُعُ‏)‏ أَيْ تَتَابُعُ صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ بِأَنْ لَا يُفَرِّقَ الصَّوْمَ لِلْآيَةِ ‏(‏لَا نِيَّتُهُ‏)‏ أَيْ التَّتَابُعِ بَلْ يَكْفِي حُصُولُهُ بِالْفِعْلِ كَمُتَابَعَةِ الرَّكَعَاتِ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَافْتَقَرَ إلَى نِيَّةِ التَّرْخِيصِ ‏(‏وَيَنْقَطِعُ‏)‏ تَتَابُعٌ ‏(‏بِوَطْءِ مُظَاهَرٍ مِنْهَا وَلَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏نَاسِيًا‏)‏ لِعُمُومِ ‏"‏ ‏{‏فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا‏}‏ ‏"‏ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُعْذَرُ فِيهِ بِالنِّسْيَانِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ وَطْؤُهُ ‏(‏مَعَ عُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ‏)‏ كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ وَطْؤُهُ ‏(‏لَيْلًا‏)‏ عَامِدًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلْوَطْءِ فَلَا يَخْتَصُّ النَّهَارُ وَلَا الذِّكْرُ وَكَوَطْئِهَا لَمْسُهَا وَمُبَاشَرَتُهَا دُونَ الْفَرْجِ عَلَى وَجْهٍ يُفْطِرُ بِهِ وَإِلَّا لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ و‏(‏لَا‏)‏ يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِوَطْئِهِ ‏(‏غَيْرَهَا‏)‏ أَيْ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا ‏(‏فِي‏)‏ الْأَحْوَالِ ‏(‏الثَّلَاثَةِ‏)‏ أَيْ النِّسْيَانِ وَمَعَ عُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ وَفِي اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ وَلَا هُوَ مَحَلٌّ لِتَتَابُعِ الصَّوْمِ أَشْبَهَ الْأَكْلَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَنْقَطِعُ تَتَابُعٌ ‏(‏بِصَوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ‏)‏ لِأَنَّهُ فَرَّقَهُ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ تَحَرُّزُهُ مِنْهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ ‏(‏وَيَقَعُ‏)‏ صَوْمُهُ ‏(‏عَمَّا نَوَاهُ‏)‏ لِأَنَّهُ زَمَانٌ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْكَفَّارَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَنْقَطِعُ تَتَابُعٌ ‏(‏بِفِطْرٍ‏)‏ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرَيْنِ ‏(‏بِلَا عُذْرٍ‏)‏ وَلَوْ نَاسِيًا وُجُوبَ التَّتَابُعِ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ أَتَمَّ الشَّهْرَيْنِ كَمَا لَوْ ظَنَّ أَنَّ الْوَاجِبَ شَهْرٌ وَاحِدٌ ‏(‏لَا‏)‏ يَنْقَطِعُ تَتَابُعٌ بِصَوْمِ ‏(‏رَمَضَانَ‏)‏ وَلَا بِفِطْرٍ فِيهِ بِسَفَرٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏أَوْ فِطْرٍ وَاجِبٍ ك‏)‏ فِطْرِ يَوْمِ ‏(‏عِيدٍ‏)‏ وَأَيَّامِ تَشْرِيقٍ ‏(‏وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَجُنُونٍ وَمَرَضٍ مَخُوفٍ‏)‏ لِتَعَيُّنِ رَمَضَانَ لِلصَّوْمِ الْوَاجِبِ فِيهِ وَتَعَيُّنِ الْفِطْرَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ؛ وَلِأَنَّ الْحَيْضَ وَمَا بَعْدَهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهَا وَكَذَا لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ الْيَوْمِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعٌ بِفِطْرِ ‏(‏حَامِلٍ وَمُرْضِعٍ خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا‏)‏ لِأَنَّهُمَا كَالْمَرِيضِ ‏(‏أَوْ‏)‏ فِطْرٍ ‏(‏لِعُذْرٍ يُبِيحُهُ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ غَيْرِ مَخُوفٍ‏)‏ لِشَبَهِهِمَا بِالْمَرَضِ الْمَخُوفِ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ ‏(‏وَ‏)‏ كَفِطْرِ ‏(‏حَامِلٍ وَمُرْضِعٍ لِضَرَرِ وَلَدِهِمَا‏)‏ بِالصَّوْمِ لِإِبَاحَةِ فِطْرِهِمَا بِسَبَبٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِهِمَا أَشْبَهَ مَا لَوْ أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا ‏(‏وَ‏)‏ كَفِطْرِ ‏(‏مُكْرَهٍ‏)‏ عَلَى فِطْرِهِ ‏(‏وَمُخْطِئٍ‏)‏ كَآكِلٍ يَظُنُّهُ لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا ‏(‏وَنَاسٍ‏)‏ لِبَقَاءِ صَوْمِ الْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي وَعُذْرِ الْمُخْطِئِ وَلِحَدِيثِ ‏"‏ ‏{‏عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ‏}‏ ‏"‏ ‏(‏لَا جَاهِلٍ‏)‏ بِوُجُوبِ التَّتَابُعِ فَلَا يُعْذَرُ بِذَلِكَ إذَا أَفْطَرَ بَلْ يَنْقَطِعُ تَتَابُعُهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ بِسُؤَالِهِ عَنْهُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏حكم من لم يستطع الصوم في الكفارة‏]‏

فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْمًا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ وَلَوْ رُجِيَ بُرْؤُهُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ ‏(‏أَوْ يُخَافُ زِيَادَتُهُ أَوْ تَطَاوُلُهُ‏)‏ أَيْ الْمَرَضِ بِصَوْمِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْمًا ‏(‏لِشَبَقٍ‏)‏ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ أَوْ لِضَعْفٍ عَنْ مَعِيشَتِهِ ‏(‏أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا‏}‏ وَلِمَا ‏{‏أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ بِالصَّوْمِ قَالَتْ امْرَأَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ‏:‏ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا‏}‏ ‏{‏وَلِمَا أَمَرَ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ بِالصِّيَامِ قَالَ‏:‏ وَهَلْ أَصَبْتُ مَا أَصَبْتُ إلَّا مِنْ الصِّيَامِ قَالَ‏:‏ فَأَطْعِمْ‏}‏ ‏"‏ فَنَقَلَهُ إلَيْهِ لِمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ بِهِ مِنْ الشَّبَقِ وَالشَّهْوَةِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الصَّوْمِ وَقِيسَ عَلَيْهِمَا مَنْ فِي مَعْنَاهُمَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمِسْكِينُ ‏(‏مُسْلِمًا حُرًّا‏)‏ كَالزَّكَاةِ وَيَأْتِي حُكْمُ الْمُكَاتَبِ ‏(‏وَلَوْ أُنْثَى‏)‏ كَزَكَاةٍ‏.‏

‏(‏وَلَا يَضُرُّ وَطْءُ مُظَاهَرٍ مِنْهَا أَثْنَاءَ الْإِطْعَامِ‏)‏ نَصًّا وَكَذَا أَثَنَاء عِتْقٍ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ وَطِئَ ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهُ وَأَعْتَقَهُ فَلَا يَقْطَعُهُمَا وَطْؤُهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ‏.‏

‏(‏وَيُجْزِئُ دَفْعُهَا‏)‏ أَيْ الْكَفَّارَةِ ‏(‏إلَى صَغِيرٍ مِنْ أَهْلِهَا‏)‏ كَمَا لَوْ كَانَ كَبِيرًا ‏(‏وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ مُحْتَاجٌ أَشْبَهَ الْكَبِيرَ وَلِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْآيَةِ وَكَذَا الزَّكَاةُ وَتَقَدَّمَ وَأَكْلُهُ لِلْكَفَّارَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيَصْرِفُ مَا يُعْطِي لِلصَّغِيرِ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِمَّا تَتِمُّ بِهِ كِفَايَتُهُ وَيَقْبِضُهَا لَهُ وَلِيُّهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُجْزِئُ دَفْعُهَا إلَى ‏(‏مُكَاتَبٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ لِحَاجَةٍ أَشْبَهَ الْحُرُّ الْمِسْكِينَ وَإِلَى مَنْ يُعْطَى مِنْ زَكَاةٍ لِحَاجَةٍ كَفَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ وَابْنِ سَبِيلٍ وَغَارِمٍ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ لِأَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ وَالْغَارِمَ كَذَلِكَ يَأْخُذَانِ لِحَاجَتِهِمَا فَهُمَا فِي مَعْنَى الْمِسْكِينِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُجْزِئُ دَفْعُهَا إلَى ‏(‏مَنْ ظَنَّهُ مِسْكِينًا فَبَانَ غَنِيًّا‏)‏ كَالزَّكَاةِ لِأَنَّ الْغِنَى مِمَّا يَخْفَى ‏(‏وَ‏)‏ يُجْزِئُ الدَّفْعُ ‏(‏إلَى مِسْكِينٍ‏)‏ وَاحِدٍ ‏(‏فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ كَفَّارَتَيْنِ‏)‏ فَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ إلَى الْعَدَدِ الْوَاجِبِ أَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ فِي يَوْمَيْنِ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يُجْزِئُهُ دَفْعُ كَفَّارَتِهِ ‏(‏إلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ‏)‏ لِاسْتِغْنَائِهِ بِمَا وَجَبَ لَهُ مِنْ النَّفَقَةِ، وَلِأَنَّهَا لِلَّهِ فَلَا يَصْرِفُهَا لِنَفْعِهِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يُجْزِئُ ‏(‏تَرْدِيدُهَا عَلَى مِسْكِينٍ‏)‏ وَاحِدٍ ‏(‏سِتِّينَ يَوْمًا‏)‏ ‏(‏إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ‏)‏ مِسْكِينًا ‏(‏غَيْرَهُ‏)‏ فَيُجْزِئُهُ لِتَعَذُّرِ غَيْرِهِ وَتَرْدِيدُهَا إذَنْ فِي الْأَيَّامِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي مَعْنَى إطْعَامِ الْعَدَدِ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهِ حَاجَةَ الْمِسْكِينِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدًا فَكَأَنَّهُ أَطْعَمَ الْعَدَدَ مِنْ الْمَسَاكِينِ وَالشَّيْءُ بِمَعْنَاهُ يَقُومُ مَقَامَهُ بِصُورَتِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهَا، وَلِهَذَا شُرِعَتْ الْأَبْدَالُ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُبْدَلَاتِ فِي الْمَعْنَى‏.‏

‏(‏وَلَوْ قَدَّمَ‏)‏ نَحْوُ مُظَاهِرٍ ‏(‏إلَى سِتِّينَ‏)‏ مِسْكِينًا ‏(‏سِتِّينَ مُدًّا‏)‏ مِنْ بُرٍّ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ بَاقِي مَا يُجْزِئُ ‏(‏وَقَالَ هَذَا بَيْنَكُمْ فَقَبَلُوهُ، فَإِنْ قَالَ بِالسَّوِيَّةِ أَجْزَأَهُ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَقُلْ بِالسَّوِيَّةِ ‏(‏فَلَا‏)‏ يُجْزِئُهُ ‏(‏مَا لَمْ يَعْلَمْ‏)‏ مُكَفِّرٌ ‏(‏أَنَّ كُلًّا‏)‏ مِنْ الْمَسَاكِينِ ‏(‏أَخَذَ قَدْرَ حَقِّهِ‏)‏ مِمَّا قَدَّمَهُ لَهُمْ فَيُجْزِئُهُ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ‏.‏

‏(‏وَالْوَاجِبُ فِي الْكَفَّارَاتِ مَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ مِنْ مُدَبَّرٍ‏)‏ وَهُوَ نِصْفُ قَدَحٍ بِكَيْلِ بَلَدِنَا مِصْرَ ‏(‏مِنْ غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ الْبُرِّ وَهُوَ الشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ ‏(‏مُدَّانِ‏)‏ نِصْفُ صَاعٍ وَذَلِكَ قَدَحٌ بِكَيْلِ مِصْرَ ‏(‏وَسُنَّ إخْرَاجُ أُدْمٍ مَعَ‏)‏ إخْرَاجِ ‏(‏مُجْزِئٍ‏)‏ مِمَّا سَبَقَ نَصًّا وَإِخْرَاجُ الْحَبِّ أَفْضَلُ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ إخْرَاجِ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ وَيُجْزِئَانِ بِوَزْنِ الْحَبِّ وَإِنْ أَخْرَجَهُمَا بِالْكَيْلِ زَادَ عَلَى كَيْلِ الْحَبِّ قَدْرًا يَكُونُ بِقَدْرِهِ وَزْنًا؛ لِأَنَّ الْحَبَّ إذَا طُحِنَ تَوَزَّعَ ‏(‏وَلَا يُجْزِئُ خُبْزٌ‏)‏ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْكَيْلِ وَالْإِدْخَارِ أَشْبَهَ الْهَرِيسَةَ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يُجْزِئُ فِي كَفَّارَتِهِ ‏(‏غَيْرُ مَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ وَلَوْ كَانَ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏قُوتَ بَلَدِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ طُهْرَةٌ لِلْمُكَفَّرِ عَنْهُ كَمَا أَنَّ الْفِطْرَةَ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ فَاسْتَوَيَا فِي الْحُكْمِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ فَإِنْ عُدِمَتْ الْأَصْنَافُ الْخَمْسَةُ أَجْزَأَ عَنْهَا مَا يُقْتَاتُ مِنْ حَبٍّ وَتَمْرٍ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْفِطْرَةِ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ ‏(‏أَنْ يُغَدِّيَ الْمَسَاكِينَ أَوْ يُعَشِّيَهُمْ‏)‏ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الصَّحَابَةِ إعْطَاؤُهُمْ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَعْبٍ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى‏:‏ ‏(‏أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعَ مِنْ تَمْرٍ سِتَّةَ مَسَاكِينَ‏)‏ وَلِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ تَمْلِيكُهُ لِلْفُقَرَاءِ شَرْعًا فَأَشْبَهَ الزَّكَاةَ ‏(‏بِخِلَافِ نَذْرِ إطْعَامِهِمْ‏)‏ أَيْ الْمَسَاكِينِ فَيُجْزِئُ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ أَوْ يُعَشِّيَهُمْ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى بِنَذْرِهِ ‏(‏وَلَا تُجْزِئُهُ الْقِيمَةُ‏)‏ عَنْ الْوَاجِبِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى ‏{‏فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا‏}‏ وَكَالزَّكَاةِ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ ‏(‏عِتْقٌ وَ‏)‏ لَا ‏(‏صَوْمٌ وَ‏)‏ لَا ‏(‏إطْعَامٌ إلَّا بِنِيَّةٍ‏)‏ بِأَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ جِهَةِ الْكَفَّارَةِ لِحَدِيثِ ‏(‏وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى‏)‏؛ وَلِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ وَجْهُهُ فَيَقَعُ تَبَرُّعًا وَنَذْرًا وَكَفَّارَةً فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الْكَفَّارَةِ إلَّا النِّيَّةُ ‏(‏وَلَا تَكْفِي نِيَّةُ التَّقَرُّبِ‏)‏ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ‏(‏فَقَطْ‏)‏ أَيْ دُونَ نِيَّةِ الْكَفَّارَةِ لِتَنَوُّعِ التَّقَرُّبِ إلَى وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ وَمَحَلُّ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ اللَّيْلُ وَفِي الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ ‏(‏فَإِنْ كَانَتْ‏)‏ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ‏(‏وَاحِدَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ تَعَيُّنُ سَبَبِهَا‏)‏ بِنِيَّتِهِ وَيَكْفِيهِ نِيَّةُ الْعِتْقِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ الْإِطْعَامِ عَنْ الْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ لِتَعَيُّنِهَا بِاتِّحَادِ سَبَبِهَا ‏(‏وَيَلْزَمُهُ مَعَ نِسْيَانِهِ‏)‏ أَيْ سَبَبِهَا ‏(‏كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ‏)‏ يَنْوِي بِهَا الَّتِي عَلَيْهِ ‏(‏فَإِنْ عَيَّنَ‏)‏ سَبَبًا ‏(‏غَيْرَهُ‏)‏ أَيْ غَيْرَ السَّبَبِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ ‏(‏غَلَطًا وَسَبَبُهَا مِنْ جِنْسٍ يَتَدَاخَلُ‏)‏ كَمَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينِ فِي لُبْسٍ فَنَوَاهَا عَنْ يَمِينِ قِيَامٍ وَنَسِيَ يَمِينَ اللُّبْسِ ‏(‏أَجْزَأَهُ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏عَنْ الْجَمِيعِ‏)‏ أَيْ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ مِنْ كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ لِتَدَاخُلِهَا ‏(‏وَإِنْ كَانَتْ‏)‏ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ ‏(‏أَسْبَابُهَا مِنْ جِنْسٍ لَا يَتَدَاخَلُ‏)‏ كَمَنْ ظَاهَرَ مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَاتٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بِكَلِمَةٍ فَنَوَى الْكَفَّارَةَ عَنْ ظِهَارِهِ مِنْ إحْدَاهُنَّ أَجْزَأَهُ عَنْ وَاحِدَةٍ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا بِأَنْ يَقُولَ‏:‏ هَذِهِ عَنْ كَفَّارَةِ فُلَانَةَ وَهَذِهِ عَنْ كَفَّارَةِ فُلَانَةَ فَتَحِلُّ لَهُ وَاحِدَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ قَالَ فِي الشَّرْحِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ فَتَخْرُجُ الْمُحَلَّلَةُ مِنْهُنَّ بِالْقُرْعَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ مِنْ ‏(‏أَجْنَاسٍ كَظِهَارٍ وَقَتْلٍ وَ‏)‏ وَطْءٍ فِي ‏(‏صَوْمِ‏)‏ رَمَضَانَ أَدَاءً ‏(‏وَيَمِينٍ‏)‏ بِاَللَّهِ تَعَالَى ‏(‏فَنَوَى إحْدَاهَا‏)‏ أَيْ الْكَفَّارَاتِ ‏(‏أَجْزَأَ‏)‏ الْمُخْرَجُ ‏(‏عَنْ وَاحِدَةٍ‏)‏ مِنْهَا ‏(‏وَلَا يَجِبُ‏)‏ أَيْ لَا يُشْتَرَطُ لِإِجْزَائِهَا ‏(‏تَعَيُّنُ سَبَبِهَا‏)‏ مِنْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ وَاجِبَةٌ فَلَمْ يَفْتَقِرْ صِحَّةُ أَدَائِهَا إلَى تَعَيُّنِ سَبَبِهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ‏.‏

كِتَابُ‏:‏ اللِّعَانِ

مِنْ اللَّعْنِ وَهُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ يَلْعَنُ نَفْسَهُ فِي الْخَامِسَةِ إنْ كَانَ كَاذِبًا وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فَتَحْصُلَ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ شَرْعًا ‏(‏شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِأَيْمَانٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَقْرُونَةٌ بِلَعْنٍ‏)‏ مِنْ زَوْجٍ ‏(‏وَغَضَبٍ‏)‏ مِنْ زَوْجَةٍ ‏(‏قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ قَذْفٍ‏)‏ إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً ‏(‏أَوْ تَعْزِيرٍ‏)‏ إنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ ‏(‏فِي جَانِبِهِ وَ‏)‏ قَائِمَةٌ مَقَامَ ‏(‏حَبْسٍ مِنْ جَانِبِهَا‏)‏ وَالْأَصْلُ فِيهِ‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ‏}‏ الْآيَاتِ وَحَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيُّ مَعَ امْرَأَتِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ ‏(‏مَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِزِنًا وَلَوْ‏)‏ كَانَ قَذَفَهَا بِزِنًا ‏(‏بِطُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ‏)‏ بِأَنْ قَالَ‏:‏ زَنَيْتِ فِي قُبُلِكِ أَوْ دُبُرِكِ رَمَاهَا بِالزِّنَا فِي دُبُرِهَا ‏(‏فَكَذَّبَتْهُ لَزِمَهُ‏)‏ أَيْ الزَّوْجَ ‏(‏مَا يَلْزَمُ بِقَذْفِ أَجْنَبِيَّةٍ‏)‏ مِنْ الْحَدِّ إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً وَالتَّعْزِيرِ إنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ ‏(‏وَيَسْقُطُ‏)‏ مَا لَزِمَهُ بِقَذْفِهَا ‏(‏بِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ‏)‏ أَوْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا بِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ غَيْرَهَا‏.‏

‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ ‏(‏إسْقَاطُهُ‏)‏ أَيْ مَا لَزِمَهُ بِقَذْفِهَا ‏(‏بِلِعَانِهِ‏)‏ لِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ لَاعَنَ ‏(‏وَحْدَهُ‏)‏ وَلَمْ تُلَاعِنْ هِيَ ‏(‏حَتَّى‏)‏ وَلَوْ كَانَ مَا أَسْقَطَهُ بِلِعَانِهِ ‏(‏جَلْدَةً لَمْ يَبْقَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏غَيْرُهَا‏)‏ مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ ‏(‏إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ‏)‏ عَلَيْهَا ‏(‏بَعْدَ لِعَانِهِ وَيَثْبُتُ مُوجِبُهَا‏)‏ أَيْ الْبَيِّنَةِ مِنْ حَدِّ الزِّنَا‏.‏

‏(‏وَصِفَتُهُ‏)‏ أَيْ اللِّعَانِ ‏(‏أَنْ يَقُولَ زَوْجٌ‏)‏ أَوَّلًا ‏(‏أَرْبَعًا أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَيُشِيرُ إلَيْهَا‏)‏ مَعَ حُضُورِهَا ‏(‏وَلَا حَاجَةَ لَأَنْ تُسَمَّى أَوْ تُنْسَبَ إلَّا مَعَ غَيْبَتِهَا ثُمَّ يَزِيدَ فِي خَامِسَةٍ وَأَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ‏)‏ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا ‏(‏ثُمَّ‏)‏ تَقُولُ ‏(‏زَوْجُهُ أَرْبَعًا أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ تَزِيدُ فِي خَامِسَةٍ وَأَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ‏)‏ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَقُولَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا لِظَاهِرِ الْآيَةِ‏.‏

‏(‏فَإِنْ نَقَصَ لَفْظٌ مِنْ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ جُمْلَةٌ مِنْ الْجَمَلِ الْخَمْسِ أَوْ مَا يَخْتَلُّ بِهِ الْمَعْنَى ‏(‏وَلَوْ أَتَيَا بِالْأَكْثَرِ‏)‏ مِنْ ذَلِكَ ‏(‏وَحُكِمَ‏)‏ بِهِ ‏(‏حُكْمٌ‏)‏ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ نَصَّ الْقُرْآنِ أَتَى بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِعَدَدٍ فَكَانَ وَاجِبًا كَسَائِرِ الْمُقَدَّرَاتِ بِالشَّرْعِ ‏(‏أَوْ بَدَأَتْ‏)‏ الزَّوْجَةُ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ اللِّعَانِ ‏(‏أَوْ قَدَّمَتْ الْغَضَبَ‏)‏ بِأَنْ أَتَتْ بِهِ فِيمَا قَبْلَ الْخَامِسَةِ ‏(‏أَوْ أَبْدَلَتْهُ‏)‏ أَيْ الْغَضَبَ ‏(‏بِاللَّعْنَةِ أَوْ السَّخَطِ‏)‏ لَمْ يَصِحَّ ‏(‏أَوْ قَدَّمَ اللَّعْنَةَ‏)‏ قَبْلَ الْخَامِسَةِ ‏(‏أَوْ أَبْدَلَهَا بِالْغَضَبِ أَوْ الْإِبْعَادِ أَوْ أَبْدَلَ‏)‏ أَحَدَهُمَا ‏(‏لَفْظَ أَشْهَدُ بأقسم أَوْ أَحْلِفْ‏)‏ لَمْ يَصِحَّ لِمُخَالَفَةِ النَّصِّ‏.‏

‏(‏أَوْ أَتَى‏)‏ زَوْجٌ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ اللِّعَانِ ‏(‏قَبْلَ إلْقَائِهِ عَلَيْهِ أَوْ بِلَا حُضُورٍ حَاكِمٍ أَوْ نَائِبِهِ‏)‏ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ فِي دَعْوَى فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَيْمَانِ فِي الدَّعَاوَى وَكَذَا إنْ أَتَى بِهِ قَبْلَ طَلَبِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ لَاعَنَ ‏(‏بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَنْ يُحْسِنُهَا‏)‏ لَمْ يَصِحَّ ‏(‏وَلَا يَلْزَمُهُ‏)‏ إنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ ‏(‏تَعَلُّمُهَا إنْ عَجَزَ عَنْهُ‏)‏ أَيْ اللِّعَانِ ‏(‏بِهَا‏)‏ أَيْ الْعَرَبِيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ ‏(‏أَوْ عَلَّقَهُ‏)‏ أَيْ اللِّعَانَ ‏(‏بِشَرْطٍ أَوْ عُدِمَتْ مُوَالَاةُ الْكَلِمَاتِ لَمْ يَصِحَّ‏)‏ اللِّعَانُ لِمُخَالَفَتِهِ لِلنَّصِّ؛ وَلِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِلَفْظِهِ كَتَكْبِيرِ الصَّلَاةِ‏.‏

‏(‏وَيَصِحُّ مِنْ أَخْرَسَ وَمِمَّنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ وَأَيِسَ مِنْ نُطْقِهِ إقْرَارٌ‏)‏ فَاعِلُ يَصِحُّ ‏(‏بِزِنًا‏)‏ بِكِتَابَةٍ وَإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ ‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ مِنْهُمَا ‏(‏لِعَانٌ بِكِتَابَةٍ وَإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ‏)‏ لِقِيَامِهِمَا مَقَامَ نُطْقِهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ ‏(‏فَلَوْ نَطَقَ‏)‏ مَنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ وَأَيِسَ مِنْ نُطْقِهِ وَلَاعَنَ بِكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةٍ ‏(‏وَأَنْكَرَ‏)‏ اللِّعَانَ أَوْ قَالَ‏:‏ لَمْ أُرِدْ قَذْفًا وَلَا ‏(‏لِعَانًا قُبِلَ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ حَدٍّ وَنَسَبٍ‏)‏ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِطَلَبِهَا وَيَلْحَقُهُ النَّسَبُ و‏(‏لَا‏)‏ يُقْبَلُ قَوْلُهُ ‏(‏فِيمَا لَهُ مِنْ عَوْدِ زَوْجَتِهِ‏)‏ فَلَا تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ فَلَا يُقْبَلُ إنْكَارُهُ لَهُ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ لِمَنْ أَنْكَرَ لِعَانَهُ بِالْإِشَارَةِ بَعْدَ أَنْ نَطَقَ ‏(‏أَنْ يُلَاعِنَ لَهُمَا‏)‏ أَيْ إسْقَاطِ الْحَدِّ وَنَفْيِ النَّسَبِ ‏(‏وَيُنْتَظَرُ مَرْجُوٌّ نُطْقُهُ‏)‏ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ بَعْدَ قَذْفِ زَوْجَتِهِ إذَا أَرَادَ اللِّعَانَ ‏(‏ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ‏)‏ فَإِنْ نَطَقَ فَلَا إشْكَالَ وَإِلَّا لَاعَنَ بِالْكِتَابَةِ أَوْ الْإِشَارَةِ الْمَفْهُومَةِ أَوْ حُدَّ‏.‏

‏(‏وَسُنَّ تَلَاعُنُهُمَا قِيَامًا‏)‏ لِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي خَبَرِ هِلَالٍ ‏"‏ أَنَّ هِلَالًا جَاءَ فَشَهِدَ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ ‏"‏ ‏(‏بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ‏)‏ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ وَسَهْلًا حَضَرُوهُ مَعَ حَدَاثَةِ سِنِّهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَضَرَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ لِأَنَّ الصِّبْيَانَ إنَّمَا يَحْضُرُونَ الْمَجَالِسَ تَبَعًا لِلرِّجَالِ وَلِذَلِكَ‏.‏

قَالَ سَهْلٌ‏:‏ فَتَلَاعَنَّا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏أَنْ لَا يَنْقُصُوا‏)‏ أَيْ الْحَاضِرُونَ ‏(‏عَنْ أَرْبَعَةِ‏)‏ رِجَالٍ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ رُبَّمَا أَقَرَّتْ فَشَهِدُوا عَلَيْهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ أَنْ يَتَلَاعَنَا ‏(‏بِوَقْتٍ وَمَكَانٍ مُعَظَّمَيْنِ‏)‏ كَبَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ بِمَكَّةَ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَعِنْدَ مِنْبَرٍ فِي بَاقِي الْمَسَاجِدِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏أَنْ يَأْمُرَ حَاكِمٌ مَنْ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى فَمِ زَوْجٍ وَزَوْجَةٍ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَيَقُولُ‏:‏ اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّهَا الْمُوجِبَةُ وَعَذَابُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ وَكَوْنُ الْخَامِسَةَ هِيَ الْمُوجِبَةُ أَيْ اللَّعْنَةَ أَوْ الْغَضَبَ عَلَى مَنْ كَذَبَ مِنْهُمَا لِالْتِزَامِهِ ذَلِكَ فِيهَا وَكَوْنُ عَذَابِ الدُّنْيَا أَهْوَنُ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ وَعَذَابُ الْآخِرَةِ دَائِمٌ وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ التَّخْوِيفِ لِيَتُوبَ الْكَاذِبُ مِنْهُمَا وَيَرْتَدِعَ ‏(‏وَيَبْعَثَ حَاكِمٌ إلَى‏)‏ امْرَأَةٍ ‏(‏خَفِرَةٍ‏)‏ قَذَفَهَا زَوْجُهَا وَأَرَادَ لِعَانَهَا ‏(‏مَنْ‏)‏ أَيْ ثِقَةً ‏(‏يُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا‏)‏ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ وَالْخَفِرَةُ مَنْ تَتْرُكُ الْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهَا صِيَانَةً مِنْ الْخَفَرِ وَهُوَ الْحَيَاءُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ قَذَفَ زَوْجَتَيْنِ‏)‏ لَهُ ‏(‏فَأَكْثَرَ وَلَوْ‏)‏ كَانَ قَذَفَهُنَّ ‏(‏بِكَلِمَةٍ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ‏)‏ مِنْهُنَّ ‏(‏بِلِعَانٍ‏)‏؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مَقْذُوفَةٌ فَلَا يَدْرَأُ عَنْهُ حَدَّهَا إلَّا لِعَانُهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَقْذِفْ غَيْرَهَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ شروط اللعان

وَشُرُوطُهُ أَيْ اللِّعَانَ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا ‏(‏كَوْنُهُ بَيْنَ زَوْجَيْنِ مُكَلَّفَيْنِ وَلَوْ‏)‏ كَانَا ‏(‏قِنَّيْنِ‏)‏ أَوْ أَحَدُهُمَا ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَا ‏(‏فَاسِقَيْنِ‏)‏ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ ‏(‏أَحَدُهُمَا‏)‏ كَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ‏}‏ فَلَا لِعَانَ بِقَذْفِ أَمَتِهِ وَلَا تَعْزِيرَ وَأَمَّا اعْتِبَارُ التَّكْلِيفِ فَلِأَنَّ قَذْفَ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ لَا يُوجِبُ حَدًّا وَاللِّعَانُ إنَّمَا وَجَبَ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ ‏(‏فَيُحَدُّ‏)‏ الْقَاذِفُ ‏(‏بِقَذْفِ أَجْنَبِيَّةٍ بِزِنًا وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ‏)‏ قَذْفِهِ لَهَا وَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطُهُ بِلِعَانٍ لِأَنَّهُ وَجَبَ فِي غَيْرِ حَالِ الزَّوْجِيَّةِ ‏(‏أَوْ قَالَ لَهَا‏)‏ أَيْ لِزَوْجَتِهِ ‏(‏زَنَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَنْكَحَكِ‏)‏ فَيُحَدُّ لِلْقَذْفِ وَلَا لِعَانَ لِإِضَافَتِهِ إلَى حَالٍ لَمْ تَكُنْ فِيهِ زَوْجَةٌ وَيُفَارِقُ قَذْفَ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِأَنَّهَا خَانَتْهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى نَفْيِهِ وَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ زِنَاهَا فَهُوَ مُفْرِطٌ فِي نِكَاحِ حَامِلٍ مِنْ زِنَا فَلَا يُشْرَعُ لَهُ طَرِيقٌ إلَى نَفْيِهِ ‏(‏كَمَنْ أَنْكَرَ قَذْفَ زَوْجَتِهِ مَعَ بَيِّنَةٍ‏)‏ عَلَيْهِ بِقَذْفِهَا لِأَنَّهُ يُنْكِرُ قَذْفَهَا فَكَيْفَ يَحْلِفُ عَلَى إثْبَاتِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَمَنْ ‏(‏كَذَّبَ نَفْسَهُ‏)‏ بَعْدَ قَذْفِهَا فَلَا يُلَاعِنُ لِعَدَمِ تَأَتِّي حَلِفُهُ عَلَى إثْبَاتِ مَا يَعْتَرِفُ بِكَذِبِهِ فِيهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ‏)‏ الْأَمَةَ ‏(‏فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لَا يُمْكِنُ‏)‏ كَوْنُهُ ‏(‏مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ‏)‏ كَأَنْ أَتَتْ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ مَلَكَهَا وَعَاشَ ‏(‏فَلَهُ نَفْيُهُ بِلِعَانٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ لِحَالِ الزَّوْجِيَّةِ وَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا ‏(‏وَيُعَزَّرُ‏)‏ زَوْجٌ ‏(‏بِقَذْفِ زَوْجَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ‏)‏ مَجْنُونَةٍ ‏(‏وَلَا لِعَانَ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّهُ يَمِينٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ‏.‏

‏(‏وَيُلَاعِنُ‏)‏ زَوْجٌ ‏(‏مَنْ قَذَفَهَا‏)‏ زَوْجَةً ‏(‏ثُمَّ أَبَانَهَا‏)‏ بَعْدَ الْقَذْفِ لِإِضَافَتِهِ إلَى حَالِ الزَّوْجِيَّةِ ‏(‏أَوْ قَالَ‏)‏ لَهَا ‏(‏أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ ثَلَاثًا‏)‏ لِسَبْقِ الْقَذْفِ الْإِبَانَةَ لِأَنَّهَا لَا تَبِينُ قَبْلَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا‏.‏

‏(‏وَإِنْ قَذَفَهَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ‏)‏ قَذَفَهَا ‏(‏مُبَانَةً‏)‏ بِزِنًا ‏(‏فِي النِّكَاحِ أَوْ‏)‏ بِزِنًا فِي ‏(‏الْعِدَّةِ أَوْ قَالَ‏)‏ لَهَا ‏(‏أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ لَاعَنَ لِنَفْيِ وَلَدٍ‏)‏ إنْ كَانَ لِلْحَاجَةِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَكُنْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ ‏(‏فَلَا‏)‏ لِعَانَ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَذْفِهَا لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْأُولَى لِئَلَّا يَلْحَقَهُ وَلَدُهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَجْنَبِيَّاتِ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الثَّانِي سَبْقُ قَذْفِهَا‏)‏ أَيْ قَذْفُ الزَّوْجِ الزَّوْجَةَ ‏(‏بِزِنًا وَلَوْ فِي دُبُرٍ‏)‏ لِأَنَّهُ قَذْفٌ يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ وَسَوَاءٌ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ نَصًّا لِعُمُومِ الْآيَةِ ‏(‏كَ‏)‏ قَوْلِ ‏(‏زَنَيْتِ أَوْ يَا زَانِيَةُ أَوْ رَأَيْتُكِ تَزْنِينَ‏)‏ أَوْ زَنَا فَرْجُكِ فَإِنْ لَمْ يَقْذِفْهَا فَلَا لِعَانَ لِلْآيَةِ ‏(‏وَإِنْ قَالَ‏)‏ لَهَا ‏(‏لَيْسَ وَلَدُكِ مِنِّي أَوْ قَالَ مَعَهُ وَلَمْ تَزْنِ أَوْ لَا أَقْذِفُكِ أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ‏)‏ وُطِئَتْ ‏(‏مُكْرَهَةً أَوْ‏)‏ وُطِئَتْ ‏(‏نَائِمَةً أَوْ‏)‏ وُطِئَتْ ‏(‏مَعَ إغْمَاءٍ أَوْ‏)‏ وُطِئَتْ مَعَ جُنُونٍ لَحِقَهُ‏)‏ الْوَلَدُ ‏(‏وَلَا لِعَانَ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْهَا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَإِنْ قَالَ وَطِئَكِ فُلَانٌ بِشُبْهَةٍ وَكُنْتِ عَالِمَةً فَلَهُ اللِّعَانُ وَنَفْيُ الْوَلَدِ، اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَقَرَّ بِأَحَدِ تَوْأَمَيْنِ لَحِقَهُ‏)‏ التَّوْأَمُ ‏(‏الْآخَرُ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْحَمْلِ الْوَاحِدِ مِنْهُ وَبَعْضُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَجُعِلَ مَا نَفَاهُ تَابِعًا لِمَا اسْتَلْحَقَهُ دُونَ عَكْسِهِ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ ‏(‏وَيُلَاعِنُ لِنَفْيِ الْحَدِّ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْهُ انْتِفَاءُ زِنَاهَا كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ الزِّنَا نَفْيُ الْوَلَدِ وَلِذَلِكَ لَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ الْوَلَدُ بِذَلِكَ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الثَّالِثُ أَنْ تُكَذِّبَهُ‏)‏ الزَّوْجَةُ فِي قَذْفِهَا ‏(‏وَيَسْتَمِرُّ‏)‏ تَكْذِيبُهَا ‏(‏إلَى اسْتِيفَاءِ اللِّعَانِ‏)‏ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُكَذِّبْهُ لَا تُلَاعِنُهُ وَالْمُلَاعَنَةُ إنَّمَا تَنْتَظِمُ مِنْهُمَا ‏(‏فَإِنْ صَدَّقَتْهُ‏)‏ فِيمَا قَذَفَهَا بِهِ ‏(‏وَلَوْ مَرَّةً أَوْ عَفَتْ‏)‏ عَنْ الطَّلَبِ بِحَدِّ الْقَذْفِ ‏(‏أَوْ سَكَتَتْ‏)‏ فَلَمْ تُقِرَّ وَلَمْ تُنْكِرْ لَحِقَهُ النَّسَبُ وَلَا لِعَانَ ‏(‏أَوْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِ‏)‏ شَهَادَةِ ‏(‏أَرْبَعَةٍ سِوَاهُ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ ‏(‏أَوْ قَذَفَ مَجْنُونَةً بِزِنَا قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ جُنُونِهَا لَحِقَهُ النَّسَبُ وَلَا لِعَانَ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَذَفَ ‏(‏مُحْصَنَةً فَجُنَّتْ‏)‏ قَبْلَ لِعَانٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَذَفَ ‏(‏خَرْسَاءَ أَوْ نَاطِقَةً فَخَرِسَتْ‏)‏ قَبْلَ لِعَانٍ ‏(‏وَلَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهَا أَوْ قَذَفَ صَمَّاءَ لَحِقَهُ النَّسَبُ‏)‏ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ نَصًّا ‏(‏وَلَا لِعَانَ‏)‏ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ شُرِعَ لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ حَدٌّ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ لَهُ وَنَفْيُ الْوَلَدِ تَابِعٌ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ لَا مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَيْنِ ‏(‏قَبْلَ تَتِمَّتِهِ‏)‏ أَيْ اللِّعَانِ ‏(‏تَوَارَثَا وَثَبَتَ النَّسَبُ‏)‏ لِأَنَّ اللِّعَانَ لَمْ يُوجَدْ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ ‏(‏وَلَا لِعَانَ‏)‏ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ مِنْ الْمَيِّتِ وَلَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ مَا لَمْ تُطَالِبْ فِي حَيَاتِهَا بِالْحَدِّ فَيَقُومُ وَرَثَتُهَا مَقَامَهَا فِي الطَّلَبِ بِهِ وَلَهُ إسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ ‏(‏وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فَلَهُ لِعَانُهَا وَنَفْيُهُ‏)‏ بَعْدَ مَوْتِهِ لِتَحَقُّقِ شُرُوطِهِ أَيْ اللِّعَانِ بِدُونِ الْوَلَدِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ لَاعَنَ‏)‏ زَوْجٌ ‏(‏وَنَكَلَتْ‏)‏ عَنْهُ زَوْجَةٌ ‏(‏حُبِسَتْ حَتَّى تُقِرَّ أَرْبَعًا‏)‏ بِالزِّنَا ‏(‏أَوْ تُلَاعِنَ‏)‏ وَلَا تُرْجَمَ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِلِسَانِهَا لَمْ تُرْجَمْ إذَا رَجَعَتْ فَكَيْفَ إذْ أَبَتْ اللِّعَانَ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ما يثبت بتمام تلاعن الزوجين

وَيَثْبُتُ بِتَمَامِ تَلَاعُنِهِمَا أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ، أَحَدُهَا‏:‏ سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهَا وَعَنْهُ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُحْصَنَةً ‏(‏أَوْ التَّعْزِيرُ‏)‏ إذَا لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً ‏(‏حَتَّى‏)‏ يَسْقُطَ عَنْهُ الْحَدُّ أَوْ التَّعْزِيرُ بِلِعَانِهِ ‏(‏لِ‏)‏ رَجُلٍ ‏(‏مُعَيَّنٍ قَذَفَهَا بِهِ‏)‏ كَقَوْلِهِ زَنَيْتِ بِفُلَانٍ ‏(‏وَلَوْ أَغْفَلَهُ‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَذْكُرْهُ ‏(‏فِيهِ‏)‏ أَيْ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ بَيِّنَةٌ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِاتِّفَاقٍ فَكَانَ بَيِّنَةً فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ كَالشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ بِهِ حَاجَةً إلَى قَذْفِ الزَّانِي لِإِفْسَادِهِ فِرَاشَهُ وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِهِ لِيَسْتَدِلَّ بِشَبَهِ الْوَلَدِ لَهُ عَلَى صِدْقِهِ وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ‏}‏ الْخَبَرُ ‏(‏رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيُّ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ حُدَّ بَعْدَ اللِّعَانِ‏.‏

الْحُكْمُ ‏(‏الثَّانِي الْفُرْقَةُ‏)‏ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ ‏(‏وَلَوْ بِلَا فِعْلِ حَاكِمٍ‏)‏ بِأَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا الْحَاكِمُ ‏(‏الثَّالِثُ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ‏)‏ لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ‏"‏ الْمُتَلَاعِنَانِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا ‏"‏ رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ مَعْنًى يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ كَالرَّضَاعِ ‏(‏وَلَوْ أَكْذَبَ‏)‏ الْمُلَاعِنُ ‏(‏نَفْسَهُ‏)‏ لِوُرُودِ الْأَخْبَارِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا ‏(‏أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاشْتَرَاهَا بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ اللِّعَانِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ كَتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ، وَكَمَا تَقَدَّمَ فِي مُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا‏.‏

الْحُكْمُ ‏(‏الرَّابِعُ انْتِفَاءُ الْوَلَدِ‏)‏ عَنْ الْمُلَاعِنِ ‏(‏وَيُعْتَبَرُ لَهُ‏)‏ أَيْ نَفْيُ الْوَلَدِ ‏(‏ذِكْرُهُ صَرِيحًا‏)‏ فِي اللِّعَانِ ‏(‏كَ‏)‏ قَوْلِهِ ‏(‏أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ زَنَتْ وَمَا هَذَا وَلَدِي‏)‏ وَيُتَمِّمُ اللِّعَانَ ‏(‏وَتَعْكِسُ هِيَ‏)‏ فَتَقُولُ‏:‏ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَذَبَ وَهَذَا الْوَلَدُ وَلَدُهُ وَتُتَمِّمُ اللِّعَانَ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَكَانَ ذِكْرُ الْوَلَدِ مِنْهَا شَرْطًا فِي اللِّعَانِ كَالزَّوْجِ ‏(‏أَوْ‏)‏ ذُكِرَ ‏(‏تَضَمُّنًا كَقَوْلِ‏)‏ زَوْجٍ ‏(‏مُدَّعٍ زِنَاهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ، وَأَنَّهُ اعْتَزَلَهَا حَتَّى وَلَدَتْ‏)‏ هَذَا الْوَلَدَ ‏(‏أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا ادَّعَيْتُ عَلَيْهَا أَوْ‏)‏ فِيمَا ‏(‏رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ زِنًا وَنَحْوِهِ‏)‏ وَتَعْكِسُ هِيَ ‏(‏وَلَوْ نَفَى عَدَدًا‏)‏ مِنْ الْأَوْلَادِ ‏(‏كَفَاهُ لِعَانٌ وَاحِدٌ‏)‏ لِلْكُلِّ لِمَا سَبَقَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ سُقُوطُ الْحَدِّ وَنَفْيُ الْوَلَدِ تَابِعٌ ‏(‏وَإِنْ نَفَى حَمْلًا أَوْ اسْتَلْحَقَهُ، أَوْ لَاعَنَ عَلَيْهِ مَعَ ذِكْرِهِ‏)‏ ‏(‏لَمْ يَصِحَّ‏)‏ نَفْيُهُ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامٌ إلَّا فِي الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ ‏(‏وَيُلَاعِنُ‏)‏ قَاذِفُ حَامِلٍ أَوَّلًا ‏(‏لِدَرْءِ حَدٍّ، وَثَانِيًا بَعْدَ وَضْعٍ لِنَفْيِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِ بِاللِّعَانِ الْأَوَّلِ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِهِ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ مَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الْوَلَدِ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهَا زَنَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ وَأَنَّهُ اعْتَزَلَهَا حَتَّى ظَهَرَ حَمْلُهَا ثُمَّ لَاعَنَهَا لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْتَفِي الْحَمْلُ إذَا وَضَعَتْهُ لِمُدَّةِ الْإِمْكَانِ مِنْ حِينِ ادَّعَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ ادَّعَى مَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُهُ فَانْتَفَى عَنْهُ كَمَا لَوْ لَاعَنَ عَلَيْهِ بَعْدَ وِلَادَتِهِ، وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ خِلَافًا‏.‏

‏(‏وَلَوْ نَفَى‏)‏ شَخْصٌ ‏(‏حَمْلَ أَجْنَبِيَّةٍ‏)‏ غَيْرِ زَوْجَتِهِ ‏(‏لَمْ يُحَدَّ‏)‏؛ لِأَنَّ نَفْيَهُ مَشْرُوطٌ بِوُجُودِهِ وَالْقَذْفُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ اللِّعَانُ عَلَيْهِ ‏(‏كَتَعْلِيقِهِ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏قَذْفًا بِشَرْطٍ‏)‏ كَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ زَانِيَةٌ ‏(‏إلَّا‏)‏ قَوْلُهُ ‏(‏أَنْتِ زَانِيَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ‏)‏ فَقَذْفٌ ‏(‏لَا زَنَيْتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ‏)‏ فَلَيْسَ قَذْفًا وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْوَصْفِ فَلَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِخِلَافِ الْفِعْلِيَّةِ فَتَقْبَلُهُ كَقَوْلِهِمْ لِلْمَرِيضِ طِبْتَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَبَرُّكًا وَتَفَاؤُلًا بِالْعَافِيَةِ ‏(‏وَشُرِطَ لِنَفْيِ وَلَدٍ بِلِعَانٍ إنْ لَا يَتَقَدَّمَهُ‏)‏ أَيْ اللِّعَانَ ‏(‏إقْرَارٌ بِهِ‏)‏ أَيْ الْمَنْفِيِّ ‏(‏أَوْ‏)‏ إقْرَارٌ بِتَوْأَمٍ أَوْ إقْرَارٌ ‏(‏بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْإِقْرَارُ بِهِ ‏(‏كَمَا لَوْ نَفَاهُ وَسَكَتَ عَنْ تَوْأَمِهِ أَوْ هُنِّئَ بِهِ فَسَكَتَ أَوْ أَمَّنَ عَلَى الدُّعَاءِ أَوْ أَخَّرَ نَفْيَهُ مَعَ إمْكَانِهِ‏)‏ أَيْ النَّفْيِ بِلَا عُذْرٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَخَّرَهُ ‏(‏رَجَاءَ مَوْتِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ خِيَارٌ لِدَفْعِ ضَرَرٍ فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَخِيَارِ الشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ جَائِعًا أَوْ ظَمْآنَ فَأَخَّرَهُ حَتَّى أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ لِنُعَاسٍ أَوْ لَبِسَ ثِيَابَهُ أَوْ أَسْرَجَ دَابَّتَهُ أَوْ نَحْوَهُ أَوْ صَلَّى إنْ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أَوْ أَحْرَزَ مَالَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرَزًا وَنَحْوَهُ فَلَهُ نَفْيُهُ ‏(‏وَإِنْ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ بِهِ‏)‏ أَيْ الْوَلَدِ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ قُبِلَ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ ‏(‏أَنَّ لِي نَفْيَهُ أَوْ‏)‏ لَمْ أَعْلَمْ ‏(‏أَنَّهُ‏)‏ أَيْ نَفْيَهُ ‏(‏عَلَى الْفَوْرِ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ قُبِلَ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صِدْقُهُ بِأَنْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ وَهُوَ مَعَهَا فِي الدَّارِ وَادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِأَنَّ لَهُ نَفْيَهُ، وَهُوَ فَقِيهٌ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ‏(‏وَإِنْ أَخَّرَهُ‏)‏ أَيْ نَفْيَهُ ‏(‏لِعُذْرٍ كَحَبْسٍ وَمَرَضٍ وَغَيْبَةٍ وَحِفْظِ مَالٍ أَوْ ذَهَابِ لَيْلٍ‏)‏ وَلَدَتْ فِيهِ حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْتَشِرَ النَّاسُ ‏(‏وَنَحْوِ ذَلِكَ‏)‏ كَمُلَازَمَةِ غَرِيمٍ يَخَافُ فَوْتَهُ وَنَحْوِهِ ‏(‏لَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ‏)‏ وَإِنْ عَلِمَ غَائِبٌ عَنْ بَلَدٍ بِوِلَادَتِهِ فَاشْتَغَلَ بِسَيْرِهِ لَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ وَإِنْ أَقَامَ بِلَا حَاجَةٍ سَقَطَ ‏(‏وَمَتَى أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ نَفْيِهِ حُدَّ‏)‏ لِزَوْجَةٍ ‏(‏مُحْصَنَةٍ وَعُزِّرَ لِغَيْرِهَا‏)‏ كَذِمِّيَّةٍ أَوْ رَقِيقَةٍ سَوَاءٌ كَانَ لَاعَنَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ أَوْ بَيِّنَةٌ دَرَأَتْ عَنْهُ الْحَدَّ أَوْ التَّعْزِيرَ فَإِذَا أَقَرَّ بِمَا يُخَالِفُهُ بَعْدَهُ سَقَطَ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ وَانْجَرَّ النَّسَبُ أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ ‏(‏مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ إلَى جِهَةِ الْأَبِ‏)‏ الْمُكَذِّبِ لِنَفْسِهِ بَعْدَ نَفْيِهِ ‏(‏كَ‏)‏ انْجِرَارِ ‏(‏وَلَاءٍ‏)‏ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَى مَوَالِي الْأَبِ بِعِتْقِ الْأَبِ وَعَلَى الْأَبِ مَا أَنْفَقَتْهُ الْأُمُّ قَبْلَ اسْتِلْحَاقِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْإِقْنَاعِ ‏(‏وَتَوَارَثَا‏)‏ أَيْ وَرِثَ كُلٌّ مِنْ الْأَبِ الْمُكَذِّبِ نَفْسَهُ، وَالْوَلَدِ الَّذِي اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ نَفْيِهِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَتْبَعُ النَّسَبَ سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا أَوْ كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا لَهُ وَلَدٌ أَوْ تَوْأَمٌ أَوْ لَا وَلَا يُقَالُ هُوَ مُتَّهَمٌ إذَا كَانَ الْوَلَدُ غَنِيًّا فِي أَنَّ غَرَضَهُ الْمَالُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدَّعِي النَّسَبَ، وَالْمِيرَاثُ تَبَعٌ وَالتُّهْمَةُ لَا تَمْنَعُ لُحُوقَ النَّسَبِ كَمَا لَوْ كَانَ الِابْنُ حَيًّا غَنِيًّا وَالْأَبُ فَقِيرًا وَاسْتَلْحَقَهُ‏.‏

‏(‏وَلَا يَلْحَقُهُ‏)‏ أَيْ الْمُلَاعِنَ نَسَبُ وَلَدٍ نَفَاهُ وَمَاتَ ‏(‏بِاسْتِلْحَاقِ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ نَسَبًا قَدْ نَفَاهُ عَنْهُ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ وَلِأَنَّ نَسَبَهُ انْقَطَعَ بِنَفْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ لِتَفَرُّدِهِ بِالْعِلْمِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِهِ إلَّا أَنْ تُسْنَدَ إلَى قَوْلٍ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ غَيْرِهِ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِ‏.‏

‏(‏وَالتَّوْأَمَانِ الْمَنْفِيَّانِ‏)‏ بِلِعَانٍ ‏(‏أَخَوَانِ لِأُمٍّ‏)‏ فَقَطْ لِانْتِفَاءِ النَّسَبِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَتَوْأَمَيْ الزِّنَا ‏(‏وَمَنْ نَفَى مَنْ‏)‏ أَيْ وَلَدًا ‏(‏لَا يَنْتَفِي‏)‏ كَمَنْ أَقَرَّ بِهِ أَوْ هُنِّئَ بِهِ فَأَمَّنَ أَوْ سَكَتَ وَنَحْوَهُ ‏(‏وَقَالَ إنَّهُ مِنْ زِنًا حُدَّ إنْ لَمْ يُلَاعِنْ لِنَفْيِ الْحَدِّ لِقَذْفِهِ مُحْصَنَةً وَلَهُ دَرْءُ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ‏)‏‏.‏

فصل‏:‏ فيما يلحق من النسب وما لا يلحق منه

‏(‏مَنْ أَتَتْ زَوْجَتُهُ بِوَلَدٍ بَعْدَ نِصْفِ سَنَةٍ‏)‏ أَيْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ‏(‏مُنْذُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا وَلَوْ مَعَ غَيْبَةٍ فَوْقَ أَرْبَعِ سِنِينَ‏)‏ وَلَوْ عِشْرِينَ سَنَةً قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ وَيَخْفَى سَيْرُهُ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ عَلَى مَا يَأْتِي ‏(‏وَلَا يَنْقَطِعُ الْإِمْكَانُ‏)‏ عَنْ الِاجْتِمَاعِ ‏(‏بِحَيْضٍ‏)‏ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ لِاحْتِمَالِهِ دَمَ فَسَادٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَتَتْ بِهِ ‏(‏لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا‏)‏ زَوْجُهَا ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الزَّوْجُ ‏(‏ابْنَ عَشْرِ‏)‏ سِنِينَ ‏(‏فِيهِمَا‏)‏ أَيْ فِيمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا أَوْ لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا ‏(‏لَحِقَهُ نَسَبُهُ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏(‏الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ‏)‏ وَلِإِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ وَقَدَّرُوهُ بِعَشْرِ سِنِينَ لِحَدِيثِ ‏(‏اضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ‏)‏ وَلِأَنَّ الْعَشْرَ يُمْكِنُ فِيهَا الْبُلُوغُ فَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ كَالْبَالِغِ الْمُتَيَقَّنِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَابْنَهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا اثْنَا عَشَرَ عَامًا وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ دَلِيلُ إمْكَانِ الْوَطْءِ وَهُوَ سَبَبُ الْوِلَادَةِ ‏(‏وَمَعَ هَذَا‏)‏ أَيْ لُحُوقِ الْوَلَدِ بِابْنِ عَشْرٍ ‏(‏لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ‏)‏ لِاسْتِدْعَاءِ الْحُكْمِ بِبُلُوغِهِ يَقِينًا لِتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ مِنْ التَّكْلِيفِ وَوُجُوبِ الْغَرَامَاتِ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ مَعَ الشَّكِّ، وَإِلْحَاقُ الْوَلَدِ بِهِ لِحِفْظِ النَّسَبِ احْتِيَاطًا‏.‏

‏(‏وَلَا يَكْمُلُ بِهِ‏)‏ أَيْ بِإِلْحَاقِ النَّسَبِ بِهِ ‏(‏مَهْرٌ‏)‏ إنْ لَمْ يَثْبُتْ الدُّخُولُ أَوْ الْخَلْوَةُ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْهُ ‏(‏وَلَا تَثْبُتُ بِهِ عِدَّةٌ وَلَا رَجْعَةٌ‏)‏ لِعَدَمِ ثُبُوتِ مُوجِبِهَا‏.‏

‏(‏وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُ‏)‏ أَيْ الْوَلَدَ ‏(‏مِنْهُ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ ‏(‏كَأَنْ أَتَتْ بِهِ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا وَعَاشَ‏)‏ لَمْ يَلْحَقْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا بِهِ قَبْلَ التَّزْوِيجِ فَإِنْ مَاتَ أَوْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا لَحِقَهُ بِالْإِمْكَانِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَتَتْ بِهِ ‏(‏لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا‏)‏ لَمْ يَلْحَقْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا إذْ لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهَا حَامِلًا بِهِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ ‏(‏أَوْ أَقَرَّتْ‏)‏ بَائِنٌ وَتَأْتِي الرَّجْعِيَّةُ ‏(‏بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرُوءِ ثُمَّ وَلَدَتْ لِفَوْقِ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْهَا‏)‏ أَيْ مِنْ عِدَّتِهَا الَّتِي أَقَرَّتْ بِانْقِضَائِهَا بِالْقُرُوءِ وَلَمْ يَلْحَقْهُ لِإِتْيَانِهَا بِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْهُ فَلَمْ يَلْحَقْهُ بِهِ كَمَا لَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَالْإِمْكَانُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ الْعِدَّةِ لَا بَعْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ سَبَبٌ وَمَعَ وُجُودِ السَّبَبِ يُكْتَفَى بِالْإِمْكَانِ فَإِذَا انْتَفَى السَّبَبُ وَآثَارُهُ انْتَفَى الْحُكْمُ بِالْإِمْكَانِ فَإِنْ وَلَدَتْ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْ آخِرِ أَقْرَائِهَا وَعَاشَ لَحِقَ بِزَوْجٍ لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا لَمْ تَحْمِلْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَلْ إنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا بِهِ زَمَنَ رُؤْيَةِ الدَّمِ فَلَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ الدَّمُ حَيْضًا فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِهِ ‏(‏أَوْ فَارَقَهَا حَامِلًا فَوَضَعَتْ ثُمَّ‏)‏ وَلَدَتْ ‏(‏آخَرَ بَعْدَ نِصْفِ سَنَةٍ‏)‏ لَمْ يَلْحَقْهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ كَوْنُهُمَا حَمْلًا وَاحِدًا فَعُلِمَ أَنَّهَا عَلِقَتْ بِالثَّانِي بَعْدَ الزَّوْجِيَّةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ‏(‏أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ‏)‏ أَيْ الزَّوْجَ ‏(‏لَمْ يَجْتَمِعْ بِهَا‏)‏ أَيْ زَمَنَ زَوْجِيَّتِهِ ‏(‏بِأَنْ تَزَوَّجَهَا بِمَحْضَرِ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا‏)‏ بِالْمَجْلِسِ ‏(‏أَوْ مَاتَ‏)‏ الزَّوْجُ ‏(‏بِالْمَجْلِسِ‏)‏ لَمْ يَلْحَقْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ ‏(‏أَوْ‏.‏

كَانَ بَيْنَهُمَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَيْنِ ‏(‏وَقْتَ عَقْدٍ مَسَافَةٌ لَا يَقْطَعُهَا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي وَلَدَتْ فِيهَا‏)‏ كَمَغْرِبِيٍّ تَزَوَّجَ بِمَشْرِقِيَّةٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْحَقْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ إمْكَانُ الْوَطْءِ فِي هَذَا الْعَقْدِ ‏(‏أَوْ كَانَ الزَّوْجُ لَمْ يَكْمُلْ لَهُ عَشْرُ‏)‏ سِنِينَ ‏(‏أَوْ قُطِعَ ذَكَرُهُ مَعَ أُنْثَيَيْهِ لَمْ يَلْحَقْهُ‏)‏ نَسَبُهُ لِاسْتِحَالَةِ الْإِيلَاجِ وَالْإِنْزَالِ مِنْهُ‏.‏

‏(‏وَيَلْحَقُ‏)‏ النَّسَبُ زَوْجًا ‏(‏عِنِّينًا وَمَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ فَقَطْ‏)‏ أَيْ دُونَ أُنْثَيَيْهِ لِإِمْكَانِ إنْزَالِهِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَلْحَقُ ‏(‏مَنْ قُطِعَ أُنْثَيَاهُ فَقَطْ عِنْدَ الْأَكْثَرِ‏)‏ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْمُقْنِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا‏:‏ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ وَفِيهِ بُعْدٌ ‏(‏وَقِيلَ لَا‏)‏ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ مَعَ قَطْعِ أُنْثَيَيْهِ قَالَ ‏(‏الْمُنَقِّحُ وَهُوَ الصَّحِيحُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْلَقُ مِنْ مَائِهِ وَلَدٌ عَادَةً وَلَا وُجِدَ ذَلِكَ أَشْبَهَ مَا لَوْ قُطِعَ ذَكَرُهُ مَعَ أُنْثَيَيْهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ وَلَدَتْ‏)‏ مُطَلَّقَةٌ ‏(‏رَجْعِيَّةٌ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ طَلَّقَهَا‏)‏ زَوْجُهَا ‏(‏وَقَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا‏)‏ لَحِقَ نَسَبُهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ وَلَدَتْ رَجْعِيَّةٌ ‏(‏لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ انْقَضَتْ‏)‏ عِدَّتُهَا وَلَوْ بِأَقْرَاءٍ ‏(‏لَحِقَ نَسَبُهُ‏)‏ بِالْمُطَلِّقِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ أَشْبَهُ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أُخْبِرَتْ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ‏(‏بِمَوْتِ زَوْجِهَا فَاعْتَدَّتْ‏)‏ لِلْوَفَاةِ ‏(‏ثُمَّ تَزَوَّجَتْ‏)‏ ثُمَّ وَلَدَتْ ‏(‏لَحِقَ بِثَانٍ مَا وَلَدَتْهُ لِنِصْفِ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ‏)‏ مُنْذُ تَزَوَّجَتْهُ نَصًّا؛ لِأَنَّهَا فِرَاشُهُ وَأَمَّا مَا وَلَدَتْهُ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ وَعَاشَ فَيَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الثَّانِي يَقِينًا وَكَذَا لَوْ مَاتَ زَوْجُهَا عِنْدَهَا أَوْ فُسِخَ نِكَاحُ غَائِبٍ‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏فيمن ثبت أنه وطئ أمته‏]‏

ومن ثبت أنه وطئ أمته في الفرج أو دونه ‏(‏أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَ أَمَتَهُ فِي الْفَرْجِ أَوْ دُونَهُ فَوَلَدَتْ لِنِصْفِ سَنَةٍ‏)‏ فَأَكْثَرَ ‏(‏لَحِقَهُ‏)‏ نَسَبُ مَا وَلَدَتْهُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ بِوَطْئِهِ وَلِأَنَّ ‏"‏ سَعْدًا نَازَعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَمْعَةَ فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَقَالَ‏:‏ هُوَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏‏:‏ هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ‏}‏ ‏"‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَلْحَقُهُ‏.‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ عَزَلْتُ أَوْ‏)‏ قَالَ ‏(‏لَمْ أُنْزِلْ‏)‏ لِقَوْلِ عُمَرَ ‏"‏ مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَؤُنَ وَلَائِدَهُمْ ثُمَّ يَعْزِلُونَ‏؟‏ لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنَّهُ أَلَمَّ بِهَا إلَّا أَلْحَقْتُ بِهِ وَلَدَهَا فَاعْزِلُوا بَعْدَهُ أَوْ أَنْزَلُوا‏.‏ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَلِأَنَّهَا وَلَدَتْ عَلَى فِرَاشِهِ مَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَنْزَلَ وَلَمْ يُحِسَّ بِهِ أَوْ أَصَابَ بَعْضُ الْمَاءِ فَمَ الرَّحِمِ وَعَزَلَ بَاقِيَهُ و‏(‏لَا‏)‏ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ ‏(‏إنْ ادَّعَى اسْتِبْرَاءً‏)‏ بَعْدَ وَطْءٍ بِحَيْضَةٍ لِتَيَقُّنِ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا بِالِاسْتِبْرَاءِ فَيُتَيَقَّنُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ ‏(‏وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الِاسْتِبْرَاءِ إذَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ وَلَدٍ لَوْلَا دَعْوَاهُ لَلَحِقَ بِهِ ‏(‏ثُمَّ تَلِدُ لِنِصْفِ سَنَةٍ بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنْ وَلَدَتْ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ تَبَيَّنَّا أَنْ لَا اسْتِبْرَاءَ وَيَلْحَقُهُ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَقَرَّ‏)‏ السَّيِّدُ ‏(‏بِالْوَطْءِ‏)‏ لِأَمَتِهِ ‏(‏مَرَّةً ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَوْ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْئِهِ لَحِقَهُ‏)‏ نَسَبُ مَا وَلَدَتْهُ لِصَيْرُورَتِهَا فِرَاشًا بِوَطْئِهِ كَالزَّوْجَةِ ‏(‏وَمَنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدًا‏)‏ مِنْ أَمَتِهِ ‏(‏لَمْ يَلْحَقْهُ مَا‏)‏ تَلِدُهُ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الَّذِي اسْتَلْحَقَهُ لِفَوْقِ نِصْفِ سَنَةٍ ‏(‏بِدُونِ إقْرَارٍ آخَرَ‏)‏ أَنَّهُ وَطِئَهَا بَعْدَ وَطْءِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ الَّذِي اعْتَرَفَ بِهِ أَوَّلًا قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَحَصَلَ بِهِ اسْتِبْرَاؤُهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَعْتَقَ‏)‏ أَمَةً أَقَرَّ بِوَطْئِهَا ‏(‏أَوْ بَاعَ مَنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا فَوَلَدَتْ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ‏)‏ مُنْذُ أَعْتَقَهَا أَوْ بَاعَهَا ‏(‏لَحِقَهُ‏)‏ أَيْ الْمُعْتِقَ أَوْ الْبَائِعَ مَا وَلَدَتْهُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ نِصْفُ سَنَةٍ فَمَا وَلَدَتْ لِدُونِهَا وَعَاشَ عُلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا بِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ الْبَيْعِ حِينَ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ ‏(‏وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ‏)‏؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ وَالْعِتْقُ صَحِيحٌ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏اسْتِبْرَاؤُهَا قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ الْبَيْعِ لَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا رَأَتْهُ مِنْ الدَّمِ دَمُ فَسَادٍ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ ‏(‏وَكَذَا إنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا‏)‏ قَبْلَ بَيْعِهَا ‏(‏وَوَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ‏)‏ مِنْ نِصْفِ سَنَةٍ وَلِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ بَيْعٍ ‏(‏وَادَّعَى مُشْتَرٍ أَنَّهُ‏)‏ أَيْ الْوَلَدُ ‏(‏مِنْ بَائِعٍ‏)‏ فَيَلْحَقُهُ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوِلَادَةِ مِنْهُ وَهُوَ الْوَطْءُ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُعَارِضُهُ وَلَا مَا يَمْنَعُهُ فَتَعَيَّنَ إحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَدَّعِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ ادَّعَاهُ‏)‏ أَيْ الْوَلَدَ ‏(‏مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ‏)‏ وَقَدْ بِيعَتْ قَبْلَ اسْتِبْرَاءٍ وَوَلَدَتْهُ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَدُونَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ بَيْعٍ وَالْمُشْتَرِي مُقِرٌّ بِوَطْئِهَا أُرِيَ الْقَافَةَ ‏(‏أَوْ‏)‏ ادَّعَى ‏(‏كُلٌّ مِنْهُمَا‏)‏ أَيْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ ‏(‏أَنَّهُ‏)‏ أَيْ الْوَلَدُ ‏(‏لِلْآخَرِ وَالْمُشْتَرِي مُقِرٌّ بِوَطْئِهَا أُرِيَ‏)‏ الْوَلَدَ ‏(‏الْقَافَةَ‏)‏ لِأَنَّ نَظَرَهَا طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ إلَى مَعْرِفَةِ النَّسَبِ عِنْدَ الِاحْتِمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي اللَّقِيطِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ اُسْتُبْرِئَتْ‏)‏ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ بَيْعٍ ‏(‏ثُمَّ وَلَدَتْ لِفَوْقِ نِصْفِ سَنَةٍ‏)‏ مِنْ بَيْعٍ لَمْ يَلْحَقْ بَائِعًا ‏(‏أَوْ لَمْ تُسْتَبْرَأْ‏)‏ الْمَبِيعَةُ وَوَلَدَتْ لِفَوْقِ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْ بَيْعٍ ‏(‏وَلَمْ يُقِرَّ مُشْتَرٍ لَهُ‏)‏ أَيْ الْبَائِعِ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ بِمَا وَلَدَتْهُ ‏(‏لَمْ يَلْحَقْ بَائِعًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أَمَةِ الْمُشْتَرِي، فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى غَيْرِهِ لَهُ بِدُونِ إقْرَارٍ ‏(‏وَإِنْ ادَّعَاهُ‏)‏ أَيْ الْوَلَدَ الْبَائِعُ ‏(‏وَصَدَّقَهُ مُشْتَرٍ‏)‏ أَنَّهُ وَلَدُهُ ‏(‏فِي هَذِهِ‏)‏ الصُّورَةِ وَهِيَ مَا إذَا لَمْ تُسْتَبْرَأْ وَأَتَتْ بِهِ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ‏(‏أَوْ فِيمَا إذَا بَاعَ‏)‏ أَمَتَهُ ‏(‏وَلَمْ يُقِرَّ‏)‏ الْبَائِعُ ‏(‏بِوَطْءٍ وَأَتَتْ بِهِ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ‏)‏ مِنْ بَيْعٍ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ وَلَدُهُ وَصَدَّقَهُ مُشْتَرٍ ‏(‏لَحِقَهُ‏)‏ أَيْ الْبَائِعَ الْوَلَدُ ‏(‏وَبَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَا يَعْدُوهُمَا‏)‏ فَمَهْمَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ لَزِمَهُمَا ‏(‏وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ مُشْتَرٍ‏)‏ أَيْ لَمْ يُصَدِّقْ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ فِي دَعْوَاهُ الْوَلَدَ ‏(‏فَالْوَلَدُ عَبْدٌ لَهُ‏)‏ أَيْ لِلْمُشْتَرِي ‏(‏فِيهِمَا‏)‏ أَيْ الصُّورَتَيْنِ وَهُمَا مَا إذَا لَمْ تُسْتَبْرَأْ وَوَلَدَتْهُ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَمَا إذَا بَاعَ وَلَمْ يُقِرَّ بِوَطْءٍ وَوَلَدَتْ لِدُونِهَا وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ بَائِعٍ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي إذْ لَوْ أَعْتَقَهُ كَانَ أَبُوهُ أَحَقَّ بِمِيرَاثِهِ مِنْ مَوْلَاهُ‏.‏

‏(‏وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ مَجْنُونٍ مَنْ‏)‏ أَيْ امْرَأَةٌ ‏(‏لَا مِلْكَ لَهُ‏)‏ أَيْ الْمَجْنُونِ ‏(‏عَلَيْهَا‏)‏ أَيْ عَلَى رَقَبَتِهَا أَوْ مَنْفَعَةِ بُضْعِهَا ‏(‏وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ‏)‏ عَلَى ذَلِكَ ‏(‏لَمْ يَلْحَقْهُ‏)‏ أَيْ الْمَجْنُونَ نَسَبُ مَا وَلَدَتْهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى مِلْكٍ وَلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ وَلَا اعْتِقَادِ إبَاحَةٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ مَهْرٌ مِثْلِهَا كَالْمُكَلَّفِ وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ وَاطِئًا بِشُبْهَةٍ فَمَنْ وُطِئَتْ امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ بِشُبْهَةٍ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ فَاعْتَزَلَهَا حَتَّى وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْءٍ لَحِقَ وَاطِئًا وَانْتَفَى عَنْ الزَّوْجِ بِلَا لِعَانٍ‏.‏

‏(‏وَمَنْ قَالَ عَنْ وَلَدٍ بِيَدِ سُرِّيَّتِهِ أَوْ‏)‏ بِيَدِ ‏(‏زَوْجَتِهِ أَوْ‏)‏ بِيَدِ ‏(‏مُطَلَّقَتِهِ مَا هَذَا وَلَدِي وَلَا وَلَدْتُهُ‏)‏ بَلْ الْتَقَطْتُهُ أَوْ اسْتَعَارَتْهُ ‏(‏فَإِنْ شَهِدَتْ‏)‏ أَمْرَهُ ‏(‏مَرْضِيَّةٌ بِوِلَادَتِهَا لَهُ لَحِقَهُ‏)‏ نَسَبُ الْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ تَشْهَدْ بِوِلَادَتِهَا لَهُ مَرْضِيَّةٌ ‏(‏فَلَا‏)‏ يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وِلَادَتِهَا لَهُ وَهِيَ مِمَّا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ ‏(‏وَلَا أَثَرَ لِشَبَهِ وَلَدٍ‏)‏ وَلَوْ لِأَحَدِ مُدَّعِيَيْهِ ‏(‏مَعَ‏)‏ وُجُودِ ‏(‏فِرَاشٍ‏)‏ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ ‏"‏ ‏{‏اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَعْدٌ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي عُتْبَةُ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ، اُنْظُرْ إلَى شَبَهِهِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ‏:‏ هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ‏:‏ هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ‏}‏ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ ‏(‏وَتَبَعِيَّةُ نَسَبٍ لِأَبٍ‏)‏ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ‏}‏ ‏(‏مَا لَمْ يَنْتَفِ كَابْنِ مُلَاعَنَةٍ‏)‏ وَإِلَّا وَلَدَ الزِّنَا فَوَلَدُ الْقُرَشِيِّ قُرَشِيٌّ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ قُرَشِيَّةٍ، وَوَلَدُ قُرَشِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ قُرَشِيٍّ لَيْسَ قُرَشِيًّا ‏(‏وَتَبَعِيَّةُ مِلْكٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ لِأُمٍّ‏)‏ فَوَلَدُ حُرَّةٍ حُرٌّ وَإِنْ كَانَ مِنْ رَقِيقٍ، وَوَلَدُ أَمَةٍ وَلَوْ مِنْ حُرٍّ قِنٌّ لِمَالِكِ أُمِّهِ ‏(‏إلَّا مَعَ شَرْطِ‏)‏ زَوْجِ أَمَةٍ ‏(‏حُرِّيَّةُ أَوْلَادِهَا فَهُمْ أَحْرَارٌ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏"‏ ‏{‏الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ‏}‏ ‏"‏ ‏(‏أَوْ‏)‏ إلَّا مَعَ ‏(‏غُرُورٍ‏)‏ بِأَنْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ شَرَطَهَا أَوْ ظَنَّهَا حُرَّةً فَتَبِينُ أَمَةً فَوَلَدُهَا حُرٌّ وَلَوْ كَانَ أَبُوهُ رَقِيقًا‏.‏

وَيَفْدِيهِ وَتَقَدَّمَ ‏(‏وَتَبَعِيَّةُ دِينٍ‏)‏ وَلَدٍ ‏(‏لِخَيْرِهِمَا‏)‏ أَيْ أَبَوَيْهِ دِينًا فَوَلَدُ مُسْلِمٍ مِنْ كِتَابِيَّةٍ مُسْلِمٌ، وَوَلَدُ كِتَابِيٍّ مِنْ مَجُوسِيَّةٍ كِتَابِيٌّ، لَكِنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَلَا لِمُسْلِمٍ نِكَاحُهُ لَوْ كَانَ أُنْثَى ‏(‏وَتَبَعِيَّةُ نَجَاسَةٍ وَحُرْمَةِ أَكْلٍ لِأَخْبَثِهِمَا‏)‏ أَيْ الْأَبَوَيْنِ فَالْبَغْلُ مِنْ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ مُحَرَّمٌ نَجِسٌ تَبَعًا لِلْحِمَارِ دُونَ أَطْيَبِهِمَا وَهُوَ الْفَرَسُ، وَمَا تَوَلَّدَ بَيْنَ هِرٍّ وَشَاةٍ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ‏.‏