فصل: فَصْلٌ: (استيفاء المنفعة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏صور إجارة العين المعقود على منفعتها‏]‏

وَلِإِجَارَةِ الْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَى مَنْفَعَتِهَا مُعَيَّنَةً كَانَتْ أَوْ مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ ‏(‏صُورَتَانِ‏)‏‏:‏ إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ ‏(‏إلَى أَمَدٍ‏)‏ كَهَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا أَوْ فَرَسًا صِفَتُهُ كَذَا لِيَرْكَبَهُ يَوْمًا ‏(‏وَشَرْطٌ‏)‏ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ‏(‏عِلْمُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَمَدِ كَشَهْرٍ مِنْ الْآنِ أَوْ وَقْتِ كَذَا؛ لِأَنَّهُ الضَّابِطُ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الْمُعَرِّفِ لَهُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ سَنَةً وَأَطْلَقَ حُمِلَتْ عَلَى الْأَهِلَّةِ؛ لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ شَرْعًا‏.‏

لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

فَإِنْ قَالَا‏:‏ سَنَةً عَدَدِيَّةً أَوْ بِالْأَيَّامِ فَثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا، وَإِنْ قَالَ‏:‏ سَنَةً رُومِيَّةً أَوْ شَمْسِيَّةً أَوْ فَارِسِيَّةً‏.‏

وَهُمَا يَعْلَمَانِهِ جَازَ وَلَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا ‏(‏وَ‏)‏ شَرْطٌ ‏(‏أَنْ لَا يُظَنَّ عَدَمُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ بِنَحْوِ مَوْتٍ أَوْ هَدْمٍ ‏(‏فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي أَمَدِ الْإِجَارَةِ فَتَصِحَّ ‏(‏وَإِنْ طَالَ‏)‏ الْأَمَدُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الْمُسْتَأْجِرِ يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ مِنْهَا غَالِبًا‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ظَنَّ عَدَمَ الْعَاقِدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْمِلْكِ بَلْ الْوَقْفُ أَوْلَى قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ سَنَتَيْنِ بِأَجْرٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يُشْتَرَطْ تَقْسِيطُهُ عَلَى كُلِّ سَنَةٍ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ سَنَةً لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى تَقْسِيطِ أَجْرِ كُلِّ شَهْرٍ و‏(‏لَا أَنْ تَلِيَ مُدَّة‏)‏ الْإِجَارَةِ ‏(‏الْعَقْدَ فَتَصِحَّ‏)‏ إجَارَةُ عَيْنٍ ‏(‏لِسَنَةِ خَمْسٍ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ‏)‏ لِجَوَازِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا مَعَ غَيْرِهَا فَجَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُفْرَدَةً‏.‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَتْ الْعَيْنُ ‏(‏مُؤَجَّرَةً أَوْ مَرْهُونَةً أَوْ مَشْغُولَةً‏)‏ بِنَحْوِ زَرْعٍ ‏(‏وَقْتَ عَقْدٍ‏)‏ كَمُسْلَمٍ فِيهِ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ وَقْتَ عَقْدٍ ‏(‏إنْ قَدَرَ‏)‏ مُؤَجِّرٌ ‏(‏عَلَى تَسْلِيمِ‏)‏ مَا أَجَّرَهُ ‏(‏عِنْدَ وُجُوبِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّسْلِيمِ وَهُوَ أَوَّلُ دُخُولِ الْمُدَّةِ ‏(‏فَلَا تَصِحُّ‏)‏ إجَارَةٌ ‏(‏فِي‏)‏ أَرْضٍ ‏(‏مَشْغُولَةٍ بِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَأَمْتِعَةٍ كَثِيرَةٍ يَتَعَذَّرُ تَحْوِيلُهَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ ‏(‏لِلْغَيْرِ‏)‏ أَيْ‏:‏ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ صَاحِبِ الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ إذَنْ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ عَيْنٍ ‏(‏شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَيُطْلَقُ‏)‏؛ لِلْجَهَالَةِ وَقِيلَ‏:‏ يَصِحُّ وَابْتِدَاؤُهُ مِنْ عَقْدٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ تَبَعًا لِمَا فِي الْمُغْنِي‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ تَصِحُّ إجَارَةٌ ‏(‏مِنْ وَكِيلٍ مُطْلَقٍ‏)‏ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ الْمُوَكِّلُ أَمَدًا ‏(‏مُدَّةً طَوِيلَةً‏)‏ كَخَمْسِ سِنِينَ ‏(‏بَلْ‏)‏ يُؤَجِّرُ ‏(‏الْعُرْفَ‏)‏ الْمَعْهُودَ غَالِبًا ‏(‏كَسَنَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَكَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ اشْتَرِ لِأَهْلِي خُبْزًا فَاشْتَرَى قِنْطَارًا مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ‏.‏

‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ إجَارَةٌ ‏(‏فِي آدَمِيٍّ لِرَعْيٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَخِدْمَةٍ ‏(‏مَعْلُومَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَا يَنْحَصِرُ ‏(‏وَيُسَمَّى‏)‏ مُؤَجِّرَ نَفْسِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً ‏(‏الْأَجِيرَ الْخَاصَّ لِتَقْدِيرِ زَمَنٍ يَسْتَحِقُّ الْمُسْتَأْجِرُ نَفْعَهُ فِي جَمِيعِهِ‏)‏ مُخْتَصًّا بِهِ ‏(‏سِوَى‏)‏ زَمَنِ ‏(‏فِعْلِ‏)‏ الصَّلَوَاتِ ‏(‏الْخَمْسِ بِسُنَّتِهَا‏)‏ الرَّاتِبَةِ ‏(‏فِي أَوْقَاتِهَا وَ‏)‏ سِوَى زَمَنِ فِعْلِ ‏(‏صَلَاةِ جُمُعَةٍ‏)‏ فَهِيَ ‏(‏وَ‏)‏ صَلَاةُ ‏(‏عِيدِ‏)‏ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى مُسْتَثْنَاةٌ شَرْعًا‏.‏

قَالَ الْمَجْدُ‏:‏ فِي شَرْحِهِ وَظَاهِرُ النَّصِّ يَمْنَعُ مِنْ شُهُودِ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ إذْنٍ‏.‏

‏(‏وَلَا يَسْتَنِيبُ‏)‏ أَجِيرٌ خَاصٌّ فِيمَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى عَيْنِهِ كَمَنْ أَجَّرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً لِمَنْ يَرْكَبُهَا وَنَحْوَهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ اسْتَأْجَرَ سَنَةً‏)‏ مِنْ الْعَقْدِ ‏(‏فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ اسْتَوْفَاهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّنَةَ ‏(‏بِالْأَهِلَّةِ‏)‏ فَيَسْتَوْفِي أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا ‏(‏وَكَمُلَ عَلَى مَا بَقِيَ‏)‏ مِنْ أَيَّامِ الشَّهْرِ الَّذِي اسْتَأْجَرَ فِيهِ ‏(‏ثَلَاثِينَ يَوْمًا‏)‏؛ لِتَعَذُّرِ إتْمَامِهِ بِالْهِلَالِ فَيُتِمُّهُ بِالْعَدَدِ وَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَقَدْ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالْهِلَالِ فَوَجَبَ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ‏(‏وَكَذَا كُلُّ مَا يُعْتَبَرُ بِالْأَشْهُرِ كَعِدَّةٍ وَصِيَامِ كَفَّارَةٍ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَأَجَلِ سَلَمٍ وَخِيَارٍ وَنَذْرٍ‏.‏

وَالصُّورَةُ ‏(‏الثَّانِيَةُ‏)‏ أَنْ تَكُونَ ‏(‏لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ كَدَابَّةٍ‏)‏ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَرْهُونَةٍ ‏(‏لِرُكُوبٍ لِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ وَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَأْجِرِ ‏(‏رُكُوبُ‏)‏ مُؤَجَّرَةٍ ‏(‏لِ‏)‏ مَحَلِّ ‏(‏مِثْلِهِ فِي جَادَّةٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ طَرِيقٍ ‏(‏مُمَاثِلَةٍ‏)‏ لِلطَّرِيقِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَسَافَةً وَسُهُولَةً أَوْ حُزُونَةً وَأَمْنًا أَوْ خَوْفًا؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ لِيَسْتَوْفِيَ بِهِ الْمَنْفَعَةَ وَيَعْلَمَ قَدْرَهَا فَلَمْ يَتَعَيَّنْ كَنَوْعِ الْمَحْمُولِ وَالرَّاكِبِ ‏(‏أَوْ‏)‏ ك ‏(‏بَقَرٍ‏)‏ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَوْصُوفَةٍ ‏(‏لِحَرْثِ‏)‏ أَرْضٍ مَعْلُومَةٍ لَهُمَا بِالْمُشَاهَدَةِ‏.‏

فَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْبَقَرَ وَحْدَهَا لِيَحْرُثَ هُوَ بِهَا وَأَنْ يَسْتَأْجِرَهَا مَعَ صَاحِبِهَا لِيَحْرُثَ بِهَا وَالْآلَةُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَأَنْ يَسْتَأْجِرَهَا مَعَ صَاحِبِهَا بِآلَتِهَا مِنْ سِكَّةٍ وَغَيْرِهَا وَيَجُوزُ تَقْدِيرُ الْعَمَلِ بِالْمَسَاحَةِ كَجَرِيبٍ وَبِالْمُدَّةِ كَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَهُوَ مِنْ الصُّورَةِ الْأُولَى وَيُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ تَعْيِينُ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ ‏(‏أَوْ‏)‏ بَقَرٍ ل ‏(‏دِيَاسٍ ل‏)‏ زَرْعٍ ‏(‏مُعَيَّنٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ مَقْصُودٌ أَشْبَهَ الْحَرْثَ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَرْثِ ‏(‏أَوْ آدَمِيٍّ‏)‏ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ‏(‏لِيَدُلَّ عَلَى طَرِيقٍ‏)‏ مُعَيَّنٍ أَوْ لِخِيَاطَةٍ أَوْ قِصَارَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ قَطْعِ سِلْعَةٍ أَوْ قَلْعِ سِنٍّ أَوْ ضِرْسٍ مُعَيَّنَيْنِ أَوْ فَصْدٍ أَوْ خَتْنٍ أَوْ كُحْلٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ فَجَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ ‏(‏أَوْ رَحًى لِطَحْنِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ فَمِنْهُ مَا يَسْهُلُ وَمِنْهُ مَا يَعْسُرُ‏.‏

‏(‏وَشُرِطَ عِلْمُ عَمَلٍ‏)‏ اُسْتُؤْجِرَ لَهُ ‏(‏وَضَبْطُهُ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ‏)‏ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مَجْهُولًا فَمَنْ أَجَّرَ بَهِيمَةً لِإِدَارَةِ رَحًى اُشْتُرِطَ عِلْمُهُ بِالْحَجَرِ إمَّا بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ وَأَنْ يُقَدَّرَ الْعَمَلُ إمَّا بِالزَّمَانِ كَيَوْمٍ أَوْ بِالطَّعَامِ بِأَنْ يَذْكُرَ جِنْسَهُ وَكَيْلَهُ‏.‏

وَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّتَيْنِ لِمَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ، وَيَصِحُّ اكْتِرَاءُ ظَهْرٍ يَتَعَاقَبَانِ عَلَيْهِ‏.‏

وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِكُحْلٍ أَوْ لِمُدَاوَاةٍ اُشْتُرِطَ تَقْدِيرُ ذَلِكَ بِالْمُدَّةِ كَشَهْرٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ يَخْتَلِفُ وَتَقْدِيرُهُ بِزَمَنِ الْبُرْءِ مَجْهُولٌ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏الإجارة إذا كانت على منفعة في الذمة‏]‏

‏(‏الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ ضَرْبَيْ الْإِجَارَةِ‏)‏‏:‏ أَنْ تَكُونَ ‏(‏عَلَى مَنْفَعَةٍ بِذِمَّةٍ‏)‏ وَهِيَ نَوْعَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ كَاسْتَأْجَرْتُك لِحَمْلِ هَذِهِ الْغِرَارَةِ الْبُرِّ إلَى مَحَلِّ كَذَا عَلَى بَعِيرٍ تُقِيمُهُ مِنْ مَالِكَ بِكَذَا وَالثَّانِي‏:‏ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلٍّ مَوْصُوفٍ كَاسْتَأْجَرْتُك لِحَمْلِ غِرَارَةِ بُرٍّ صِفَتُهُ كَذَا إلَى مَكَّةَ بِكَذَا ‏(‏وَشَرْطٌ ضَبْطُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَنْفَعَةِ ‏(‏بِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ وَصْفٍ ‏(‏لَا يَخْتَلِفُ‏)‏ بِهِ الْعَمَلُ ‏(‏كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ‏)‏ يَذْكُرُ جِنْسَهُ وَقَدْرَهُ وَصِفَتَهُ وَصِفَةَ الْخِيَاطَةِ ‏(‏وَبِنَاءِ دَارٍ‏)‏ يَذْكُرُ الْآلَةَ وَنَحْوَهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ‏(‏وَحَمْلٍ‏)‏ لِشَيْءٍ يَذْكُرُ جِنْسَهُ وَقَدْرَهُ وَأَنْ يَكْتَرِيَ لِرُكُوبِهِ عُقْبَةً بِأَنْ يَرْكَبَ شَيْئًا وَيَمْشِيَ شَيْئًا مَعْلُومًا كَفَرْسَخٍ وَفَرْسَخٍ أَوْ يَرْكَبَ نَهَارًا لَا لَيْلًا وَعَكْسُهُ ‏(‏وَ‏)‏ شَرْطٌ ‏(‏كَوْنِ أَجِيرٍ فِيهَا جَائِزَ التَّصَرُّفِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ ‏(‏وَيُسَمَّى‏)‏ الْأَجِيرُ فِيهَا ‏(‏الْمُشْتَرَكَ لِتَقْدِيرِ نَفْسِهِ بِالْعَمَلِ‏)‏ وَلِأَنَّهُ يَتَقَبَّلُ أَعْمَالًا لِجَمَاعَةٍ فَمَنْفَعَتُهُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمْ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ شَرْطٌ ‏(‏أَنْ لَا يُجْمَعَ بَيْنَ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ وَعَمَلٍ ك‏)‏ قَوْلِهِ‏:‏ اسْتَأْجَرْتُك ‏(‏لِتَخِيطَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ هَذَا الثَّوْبَ ‏(‏فِي يَوْمٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْرُغُ مِنْهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي بَقِيَّتِهِ فَقَدْ زَادَ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ فَقَدْ تَرَكَهُ فِي بَعْضِ زَمَنِهِ فَيَكُونُ غَرَرًا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ ‏(‏وَيَلْزَمُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ ‏(‏الشُّرُوعُ‏)‏ فِي الْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ ‏(‏عَقِبَ الْعَقْدِ‏)‏ لِجَوَازِ مُطَالَبَتِهِ بِهِ إذَنْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَإِنْ تَرَكَ مَا يَلْزَمُهُ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ بِلَا عُذْرٍ فَتَلِفَ بِسَبَبِهِ ضَمِنَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ شُرِطَ ‏(‏كَوْنُ عَمَلٍ‏)‏ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ ‏(‏لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ لِكَوْنِهِ مُسْلِمًا‏)‏ أَيْ‏:‏ يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ ‏(‏كَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ‏)‏ وَإِمَامَةٍ ‏(‏وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ وَفِقْهٍ وَحَدِيثٍ وَنِيَابَةٍ فِي حَجٍّ وَقَضَاءٍ وَلَا يَقَعُ إلَّا قُرْبَةً لِفَاعِلِهِ وَيَحْرُمُ أَخْذُ أُجْرَةٍ عَلَيْهِ‏)‏ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ ‏{‏إنَّ آخِرَ مَا عَهِدَ إلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا‏}‏‏.‏

قَالَ التِّرْمِذِيُّ‏:‏ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ‏:‏ ‏{‏عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ‏.‏

فَأَهْدَى إلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ قَوْسٌ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ أَتَقَلَّدُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ قَالَ‏:‏ إنْ سَرَّكَ أَنْ يُقَلِّدَكَ اللَّهُ قَوْسًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا‏}‏‏.‏

وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ‏{‏أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ فَأَهْدَى إلَيْهِ خَمِيصَةً أَوْ ثَوْبًا فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ إنَّكَ لَوْ لَبِسْتَهَا أَلْبَسَكَ اللَّهُ مَكَانَهَا ثَوْبًا مِنْ نَارٍ‏.‏

‏}‏ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ فِي سُنَنِهِ؛ وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ كَوْنَهَا قُرْبَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَصِحَّ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا يُصَلِّي خَلْفَهُ الْجُمُعَةَ أَوْ التَّرَاوِيحَ و‏(‏لَا‏)‏ يَحْرُمُ أَخْذُ ‏(‏جَعَالَةٍ عَلَى ذَلِكَ‏)‏؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَلِهَذَا جَازَتْ مَعَ جَهَالَةِ الْعَمَلِ وَالْمُدَّةِ‏.‏

‏(‏أَوْ عَلَى رُقْيَةٍ‏)‏ نَصًّا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى إذَا نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لَوْ أَتَيْتُمْ هَذَا الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ بَعْضُ شَيْءٍ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا‏:‏ يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ فَهَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ‏؟‏ قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إنِّي وَاَللَّهِ لَأَرْقِي وَلَكِنْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ يَتْفُلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ ‏{‏‏"‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏"‏‏}‏ فَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ اقْتَسِمُوا فَقَالَ الَّذِي رَقَى‏:‏ لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ الَّذِي يَأْمُرُنَا بِهِ فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ وَمَا يُدْرِيكُمْ أَنَّهَا رُقْيَةٌ‏؟‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَصَبْتُمْ اقْتَسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا وَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏}‏ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ‏.‏

‏(‏كَ‏)‏ مَا لَا يَحْرُمُ أَخْذٌ عَلَى ذَلِكَ بِلَا شَرْطٍ وَحَدِيثُ الْقَوْسِ وَالْخَمِيصَةِ قَضِيَّتَانِ فِي عَيْنٍ وَمَا لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ كَتَعْلِيمِ خَطٍّ وَحِسَابٍ وَشِعْرٍ مُبَاحٍ وَنَحْوِهِ وَبِنَاءِ مَسْجِدٍ وَقَنَاطِرَ وَذَبْحِ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ وَنَحْوِهِ وَتَفْرِيقِ صَدَقَةٍ فَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ وَأَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ تَارَةً قُرْبَةً وَتَارَةً غَيْرَ قُرْبَةٍ أَشْبَهَ غَرْسَ الْأَشْجَارِ وَبِنَاءَ الْبُيُوتِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ أَخْذُ ‏(‏رِزْقٍ‏)‏ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ وَقْفٍ عَلَيْهِ ‏(‏عَلَى مُتَعَدٍّ نَفْعُهُ كَقَضَاءٍ‏)‏ وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَنِيَابَةٍ فِي حَجٍّ وَتَحَمُّلِ شَهَادَةٍ وَأَدَائِهَا وَأَذَانٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ فَجَرَى مَجْرَى الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَقُومُ بِهَا وَلَيْسَتْ بِعِوَضٍ بَلْ رِزْقٌ لِلْإِعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ وَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً وَلَا يَقْدَحُ فِي الْإِخْلَاصِ وَإِلَّا لِمَا اُسْتُحِقَّتْ الْغَنَائِمُ وَسَلَبُ الْقَاتِلِ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يَجُوزُ أَخْذُ رِزْقٍ عَلَى ‏(‏قَاصِرٍ‏)‏ مِنْ الْقُرَبِ عَلَى فَاعِلِهِ ‏(‏كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ خَلْفَهُ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَحِجَّةٍ عَنْ نَفْسِهِ وَاعْتِكَافِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَصَالِحِ إذْ لَا تَدْعُو حَاجَةُ بَعْضِ النَّاسِ إلَى بَعْضٍ مِنْ أَجْلِهِ‏.‏

‏(‏وَصَحَّ اسْتِئْجَارٌ لِحَجْمٍ كَفَصْدٍ‏)‏ وَلَا يَحْرُمُ أُجْرَةٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَلَوْ عَلِمَهُ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَفِي لَفْظٍ ‏"‏ لَوْ عَلِمَهُ خَبِيثًا لَمْ يُعْطِهِ ‏"‏، وَلِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ أَشْبَهَ الْبِنَاءَ وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ‏(‏وَكُرِهَ لِحُرٍّ أَكْلُ أُجْرَتِهِ وَ‏)‏ أَكْلُ ‏(‏مَأْخُوذٍ بِلَا شَرْطٍ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَجْمِ ‏(‏وَيُطْعِمُهُ‏)‏ الْحَاجِمُ ‏(‏رَقِيقًا وَبَهَائِمَ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏"‏ وَقَالَ‏:‏ أَطْعِمْهُ نَاضِحَكَ وَرَقِيقَكَ ‏"‏ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَقَدْ سَمَّى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الثُّومَ وَالْبَصَلَ خَبِيثَيْنِ مَعَ عَدَمِ تَحْرِيمِهِمَا وَإِنَّمَا كَرِهَهُ لِلْحُرِّ تَنْزِيهًا لَهُ لِدَنَاءَةِ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ وَكَذَا أُجْرَةُ كَسْحِ كَنِيفٍ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏استيفاء المنفعة‏]‏

‏(‏وَلِمُسْتَأْجِرٍ اسْتِيفَاءُ نَفْعٍ‏)‏ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ ‏(‏بِمِثْلِهِ‏)‏ ضَرَرًا كَبِدُونِهِ ‏(‏وَلَوْ اشْتَرَطَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَأْجِرَانِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مُسْتَأْجِرٌ النَّفْعَ ‏(‏بِنَفْسِهِ‏)‏؛ لِبُطْلَانِ الشَّرْطِ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ مِلْكُ النَّفْعِ وَالتَّسْلِيطُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ ‏(‏فَتُعْتَبَرُ مُمَاثَلَةُ رَاكِبٍ‏)‏ لِمُسْتَأْجِرٍ ‏(‏فِي طُولٍ وَقِصَرٍ وَغَيْرِهِ‏)‏ كَثِقَلٍ وَخِفَّةٍ فَلَا يَرْكَبُهَا أَطْوَلُ وَلَا أَثْقَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِمَّا عَقَدَ عَلَيْهِ وَلَهُ اسْتِيفَاؤُهَا بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِبَعْضِ مَا يَمْلِكُهُ و‏(‏لَا‏)‏ تُعْتَبَرُ مُمَاثَلَتُهُ أَيْ‏:‏ الرَّاكِبِ ‏(‏فِي مَعْرِفَةِ رُكُوبٍ‏)‏؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ يَسِيرٌ فَعُفِيَ عَنْهُ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي الْإِجَارَةِ ‏(‏وَمِثْلُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ شَرْطِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ ‏(‏شَرْطُ زَرْعِ بُرٍّ فَقَطْ‏)‏ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لِمَا تَقَدَّمَ، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَلَهُ زَرْعُ بُرٍّ وَمِثْلِهِ وَأَخَفَّ مِنْهُ ضَرَرًا لَا أَكْثَرَ وَلِمُسْتَأْجِرِ عَيْنٍ إعَارَتُهَا لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ‏(‏وَلَا يَضْمَنُهَا مُسْتَعِيرٌ بِتَلَفٍ عِنْدَهُ‏)‏ بِلَا تَفْرِيطٍ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ‏.‏

فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ‏.‏

‏(‏وَجَازَ‏)‏ اسْتِيفَاءُ مُسْتَأْجِرٍ وَنَائِبِهِ ‏(‏بِمِثْلِ ضَرَرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ مِنْ زَرْعٍ وَغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏لَا أَكْثَرَ‏)‏ ضَرَرًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ ‏(‏أَوْ مُخَالِفٌ‏)‏ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ لِبِنَاءٍ فَلَا يَغْرِسُ وَعَكْسُهُ وَكَذَا مَنْ اسْتَأْجَرَ فَرَسًا لِيَرْكَبَهَا بِسَرْجٍ لَمْ يَجُزْ عُرْيًا وَعَكْسُهُ؛ لِأَنَّ ظَهْرَهَا يُحْمَى بِذَلِكَ فَرُبَّمَا عَقَرَهَا ‏(‏فَ‏)‏ مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا ‏(‏لِزَرْعِ بُرٍّ‏)‏ أَوْ نَوْعٍ مِنْهُ فَلَهُ زَرْعُ بُرٍّ‏.‏

وَ ‏(‏لَهُ زَرْعُ شَعِيرٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَبَاقِلَّاءَ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ ضَرَرًا، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ دُونَ الْبُرِّ‏.‏

وَلِهَذَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْعِوَضُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ إذَا تَسَلَّمَ الْأَرْضَ، وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْبُرَّ لِتَتَقَدَّرَ بِهِ الْمَنْفَعَةُ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يَجُوزُ لَهُ زَرْعُ ‏(‏دُخْنٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَذُرَةٍ وَقُطْنٍ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْ الْبُرِّ ‏(‏وَلَا غَرْسٌ أَوْ بِنَاءٌ‏)‏؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ الزَّرْعِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا ‏(‏لِأَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ ‏(‏لَا يَمْلِكُ الْآخَرَ‏)‏؛ لِاخْتِلَافِ ضَرَرِهِمَا‏.‏

فَالْغَرْسُ يَضُرُّ بِبَاطِنِ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءُ يَضُرُّ بِظَاهِرِهَا ‏(‏وَ‏)‏ إنْ اكْتَرَاهَا ‏(‏لِغَرْسٍ، لَهُ الزَّرْعِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا وَهُوَ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَضُرُّ بِبَاطِنِ الْأَرْضِ‏.‏

وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِبِنَاءٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ الزَّرْعُ وَإِنْ كَانَ أَخَفَّ ضَرَرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ‏.‏

وَفِيهِ وَجْهٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ‏.‏

‏(‏وَدَارٌ‏)‏ اُسْتُؤْجِرَتْ ‏(‏لِسُكْنَى‏)‏ لِمُسْتَأْجِرِهَا أَنْ يَسْكُنَ وَيُسْكِنَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الضُّرِّ أَوْ دُونَهُ، وَيَضَعَ فِيهَا مَا جَرَتْ عَادَةُ السَّاكِنِ بِهِ مِنْ الرَّحْلِ وَالطَّعَامِ وَيُخَزِّنَ فِيهَا الثِّيَابَ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يَضُرُّهَا، و‏(‏لَا يَعْمَلُ فِيهَا حِدَادَةً وَلَا قِصَارَةً‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهَا ‏(‏وَلَا يُسْكِنُهَا دَابَّةً‏)‏ لِأَنَّهَا تُفْسِدُهَا بِرَوْثِهَا وَبَوْلِهَا ‏(‏وَلَا يَجْعَلُهَا مَخْزَنًا لِطَعَامٍ‏)‏ لِإِفْضَائِهِ إلَى تَخْرِيقِ الْفَأْرِ أَرْضَهَا وَحِيطَانَهَا، وَلَا يَجْعَلُ شَيْئًا ثَقِيلًا فَوْقَ السَّقْفِ؛ لِأَنَّهُ يُثْقِلُهُ وَيَكْسِرُ خَشَبَهُ، وَلَا يَجْعَلُ فِيهَا شَيْئًا يَضُرُّ بِهَا كَسِرْجِينٍ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلَهُ إسْكَانُ ضَيْفٍ وَزَائِرٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ اسْتَأْجَرَ ‏(‏دَابَّةً لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ لَا يَمْلِكُ الْآخَرَ‏)‏؛ لِاخْتِلَافِ ضَرَرِهِمَا لِأَنَّ الرَّاكِبَ يُعْيِي الظَّهْرَ بِحَرَكَتِهِ لَكِنَّهُ يَقْعُدُ فِي مَوْضِع وَاحِدٍ فَيَشْتَدُّ عَلَى الظَّهْرِ وَالْمَتَاعُ لَا مَعُونَةَ فِيهِ لَكِنَّهُ يَتَفَرَّقُ عَلَى الْجَنْبَيْنِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ اكْتَرَاهَا ‏(‏لِحَمْلِ حَدِيدٍ أَوْ قُطْنٍ لَا يَمْلِكُ حَمْلَ الْآخَرِ‏)‏؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا مُخْتَلِفٌ‏.‏

فَالْقُطْنُ يَتَجَافَى وَتَهِبُّ فِيهِ الرِّيحُ فَيُتْعِبُ الظَّهْرَ، وَالْحَدِيدُ يَكُونُ فِي مَوْضِع وَاحِدٍ فَيَثْقُلُ عَلَيْهِ ‏(‏فَإِنْ فَعَلَ‏)‏ مُكْتَرٍ مَا لَا يَمْلِكُهُ بِأَنْ اكْتَرَى لِزَرْعِ بُرٍّ فَزَرَعَ دُخْنًا مَثَلًا ‏(‏أَوْ سَلَكَ طَرِيقًا أَشَقَّ‏)‏ مِمَّا اسْتَأْجَرَ لَهُ‏.‏

‏(‏فَ‏)‏ عَلَيْهِ الْأَجْرُ ‏(‏الْمُسَمَّى‏)‏ فِي الْإِجَارَةِ ‏(‏مَعَ تَفَاوُتِهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَنْفَعَتَيْنِ ‏(‏فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ‏)‏ فَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ أُجْرَتُهَا لِزَرْعِ بُرٍّ ثَمَانِيَةٌ وَلِلدُّخْنِ عَشَرَةٌ فَيَأْخُذُ مُؤَجِّرُهَا مَعَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ اثْنَيْنِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لِمَا عَيَّنَ الْبُرَّ مَثَلًا لَمْ يَتَعَيَّنْ، فَإِذَا زَرَعَ مَا يَزِيدُ عَلَيْهِ ضَرَرًا فَقَدْ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ وَزِيَادَةً عَلَيْهَا، فَوَجَبَ لِلْمُؤَجِّرِ الْمُسَمَّى لِلْمَنْفَعَةِ وَالتَّفَاوُتُ فِي أَجْرِ الْمِثْلِ لِلزِّيَادَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ اكْتَرَى ‏(‏لِحُمُولَةِ قَدْرٍ‏)‏ كَمِائَةِ رِطْلِ حَدِيدٍ ‏(‏فَزَادَ‏)‏ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ حَمَّلَهَا مِائَةً وَعَشَرَةً فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى وَلِزَائِدٍ أُجْرَةُ مِثْلِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ اكْتَرَى لِيَرْكَبَ أَوْ يَحْمِلَ ‏(‏إلَى مَوْضِع مُعَيَّنٍ فَجَاوَزَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ زَادَ عَلَيْهِ ‏(‏فَ‏)‏ عَلَيْهِ الْأَجْرُ ‏(‏الْمُسَمَّى‏)‏؛ لِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مُتَمَيِّزًا عَنْ غَيْرِهِ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏لِزَائِدٍ أُجْرَةُ مِثْلِهِ‏)‏ لِتَعَدِّيهِ كَالْغَاصِبِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ تَلِفَتْ‏)‏ دَابَّةٌ فِي زِيَادَةٍ أَوْ بَعْدَ رَدِّهَا إلَى مَكَانِ عَيَّنَهُ أَوْ بَعْدَ وَضْعِ حَمْلٍ عَنْهَا ‏(‏فَ‏)‏ عَلَى الْمُكْتَرِي ‏(‏قِيمَتُهَا كُلُّهَا، وَلَوْ أَنَّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الدَّابَّةَ ‏(‏بِيَدِ صَاحِبِهَا‏)‏ بِأَنْ كَانَ مَعَهَا وَلَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ إنَاطَةً لِلْحُكْمِ بِالتَّعَدِّي‏.‏

وَسُكُوتُ رَبِّهَا لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ كَمَا لَوْ بِيعَ مَالُهُ وَهُوَ سَاكِتٌ أَوْ حُرِقَ ثَوْبُهُ وَهُوَ سَاكِتٌ؛ وَلِأَنَّ الْيَدَ لِلرَّاكِبِ وَصَاحِبِ الْحَمْلِ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ ضَمَانَ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ ‏(‏إنْ تَلِفَتْ‏)‏ الْمُسْتَأْجَرَةُ ‏(‏بِيَدِ صَاحِبِهَا‏.‏

وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِسَبَبٍ غَيْرِ حَاصِلٍ مِنْ الزِّيَادَةِ‏)‏ بِأَنْ افْتَرَسَهَا سَبُعٌ أَوْ جَرَحَهَا إنْسَانٌ أَوْ سَقَطَتْ مِنْهُ فِي هُوَّةٍ فَمَاتَتْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ فِي يَدٍ عَادِيَةٍ وَإِنْ تَلِفَتْ بِيَدِهِ بِتَعَبِهَا بِتَعَدِّيهِ ضَمِنَهَا وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فَأَرْدَفَ غَيْرَهُ مَعَهُ‏.‏

‏(‏وَإِنْ اخْتَلَفَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي ‏(‏فِي صِفَةِ الِانْتِفَاعِ‏)‏ بِأَنْ قَالَ مُسْتَأْجِرٌ‏:‏ اسْتَأْجَرْتُهَا لِلْغَرْسِ، فَقَالَ مُؤَجِّرٌ‏:‏ بَلْ لِلزَّرْعِ وَلَا بَيِّنَةَ ‏(‏فَقَوْلُ مُؤَجِّرٍ‏)‏ بِيَمِينِهِ كَمَا لَوْ أَنْكَرَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏ما يجب على المؤَجِّر‏]‏

وَيَجِبُ عَلَى مُؤَجِّرٍ مَعَ الْإِطْلَاقِ ‏(‏كُلُّ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةٌ أَوْ عُرْفٌ مِنْ آلَةٍ كَزِمَامِ مَرْكُوبٍ‏)‏ لِيَتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالْبَرَّةِ الَّتِي فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِهَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي ‏(‏وَرَحْلِهِ وَحِزَامِهِ‏)‏ وَقَتَبِ بَعِيرٍ وَلِفَرَسٍ لِجَامٌ وَسَرْجٌ، وَلِحِمَارٍ وَبَغْلٍ بَرْذعَةٌ أَوْ إكَافٌ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ الْإِطْلَاقُ ‏(‏أَوْ فِعْلٍ‏)‏ عُطِفَ عَلَى آلَةٍ ‏(‏كَقَوْدٍ وَسَوْقٍ‏)‏ لِدَابَّةٍ ‏(‏وَرَفْعٍ وَشَدٍّ وَحَطٍّ‏)‏ لِمَحْمُولٍ، لِأَنَّهُ الْعُرْفُ وَبِهِ يَتَمَكَّنُ الْمُكْتَرِي مِنْ الِانْتِفَاعِ ‏(‏وَلُزُومِ دَابَّةٍ لِنُزُولِ الْحَاجَةِ‏)‏ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ وَكَذَا طَهَارَةٌ ‏(‏وَوَاجِبٍ‏)‏ كَفَرْضِ صَلَاةٍ‏.‏

قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ‏:‏ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ كَالْعَيْنِ، وَيَدَعُ الْبَعِيرَ وَاقِفًا حَتَّى يَقْضِيَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُ ذَلِكَ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، بِخِلَافِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُمْكِنُ رَاكِبًا ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى مُؤَجِّرٍ ‏(‏تَبْرِيكُ بَعِيرٍ لِامْرَأَةٍ وَشَيْخٍ وَمَرِيضٍ‏)‏ لِرُكُوبٍ وَنُزُولٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْهُ إلَّا بِذَلِكَ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ ضَعُفَ عَنْ الرُّكُوبِ وَالْبَعِيرُ قَائِمٌ لِسِمَنٍ وَنَحْوِهِ‏.‏

فَإِنْ أَرَادَ مُكْتَرٍ إتْمَامَ الصَّلَاةِ وَطَلَبَهُ الْجَمَّالُ بِقَصْرِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ بَلْ تَكُونُ خَفِيفَةً فِي تَمَامٍ‏.‏

قَالَ فِي الْمُغْنِي‏:‏ وَمَنْ اكْتَرَى بَعِيرًا لِإِنْسَانٍ يَرْكَبُهُ لِنَفْسِهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَفَاءٌ لَهُ بِمَا عَقَدَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ عَلَى أَنْ يُسَافِرَ مَعَهُ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى مُؤَجِّرٍ ‏(‏مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ‏)‏ مُسْتَأْجِرٌ ‏(‏مِنْ نَفْعٍ كَتَرْمِيمِ دَارٍ‏)‏ مُؤَجَّرَةٍ ‏(‏بِإِصْلَاحِ مُنْكَسِرٍ وَإِقَامَةِ مَائِلٍ‏)‏ مِنْ حَائِطٍ وَسَقْفٍ وَبَلَاطٍ ‏(‏وَعَمَلِ بَابٍ وَتَطْيِينِ سَطْحٍ وَتَنْظِيفِهِ مِنْ ثَلْجٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَإِصْلَاحِ بِرْكَةِ دَارٍ وَأَحْوَاضِ حَمَّامٍ وَمَجَارِي مِيَاهِهِ وَسَلَالِيمِ الْأَسْطِحَةِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ وَشَبَهِهِ يَتَمَكَّنُ مُسْتَأْجِرٌ مِنْ النَّفْعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَلَا يُجْبَرُ‏)‏ مُؤَجِّرٌ ‏(‏عَلَى تَجْدِيدِ‏)‏ بَيْتٍ زَائِدٍ عَمَّا فِي الدَّارِ حَالَ الْإِجَارَةِ وَلَا عَلَى هَدْمِ عَامِرٍ وَإِعَادَتِهِ جَدِيدًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَقْدُ‏.‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ أَجَّرَ دَارًا أَوْ حَمَّامًا وَنَحْوَهُ و‏(‏شَرَطَ‏)‏ مُؤَجِّرٌ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَقُومَ بِأُجْرَتِهَا ‏(‏مُدَّةَ تَعْطِيلِهَا‏)‏ إنْ تَعَطَّلَتْ لَمْ يَصِحَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ شَرَطَ عَلَيْهِ ‏(‏أَنْ يَأْخُذَ‏)‏ أَيْ‏:‏ يَنْتَفِعَ بِمُؤَجَّرَةٍ ‏(‏بِقَدْرِهَا‏)‏ مُدَّةَ تَعْطِيلِهَا ‏(‏بَعْدَ‏)‏ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا لَمْ يَصِحَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ شَرَطَ عَلَيْهِ ‏(‏الْعِمَارَةَ‏)‏ لَمْ يَصِحَّ ‏(‏أَوْ جَعَلَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعِمَارَةَ فِي الْمُؤَجَّرَةِ ‏(‏أُجْرَةً‏)‏ لَهُ ‏(‏لَمْ يَصِحَّ‏)‏ أَمَّا فِي الْأُولَى؛ فَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ مُدَّةً لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ فِي بَعْضِهَا‏.‏

وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْجَهْلِ بِانْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ؛ فَلِأَنَّ الْعِمَارَةَ لَا تَنْضَبِطُ فَيُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الْأُجْرَةِ ‏(‏لَكِنْ لَوْ عَمَّرَ‏)‏ مُكْتَرٍ ‏(‏بِهَذَا الشَّرْطِ‏)‏ الْمَذْكُورِ رَجَعَ ‏(‏أَوْ‏)‏ عَمَّرَ مُكْتَرٍ ‏(‏بِإِذْنِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُكْرِي لَهُ فِي الْعِمَارَةِ ‏(‏رَجَعَ‏)‏ مُكْتَرٍ عَلَى مُكْرٍ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى عَيْنٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ أَذِنَهُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى عَبْدِهِ أَوْ دَابَّتِهِ‏.‏

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ فِي الْعِمَارَةِ وَلَا بَيِّنَةَ رَجَعَ ‏(‏بِمَا قَالَ مُكْرٍ‏)‏ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ ‏(‏عَلَى مُكْتَرٍ‏)‏ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ، بَلْ إنْ أَرَادَهُ مُكْتَرٍ فَمِنْ مَالِهِ ‏(‏مَحْمِلٌ‏)‏ قَالَ فِي الْقَامُوسِ‏:‏ كَمَجْلِسٍ شِقَّتَانِ عَلَى الْبَعِيرِ يُحْمَلُ فِيهِمَا الْعَدِيلَانِ ‏(‏وَمِظَلَّةٌ‏)‏ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ‏:‏ مِنْ الْأَخْبِيَةِ‏.‏

قَالَ فِي الْقَامُوسِ‏:‏ ‏(‏وَوِطَاءٌ فَوْقَ الرَّحْلِ وَحَبْلُ قِرَانٍ وَبَيْنَ الْمَحْمِلَيْنِ وَدَلِيلٌ‏)‏ إنْ جَهِلَا الطَّرِيقَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمُكْتَرِي وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الدَّابَّةِ وَآلَتِهَا‏.‏

أَشْبَهَ الزَّادَ، وَإِذَا اكْتَرَى لِلْحَجِّ رَكِبَ إلَى عَرَفَةَ ثُمَّ لِلْعَوْدِ إلَى مَكَّةَ ثُمَّ إلَى مِنًى ثُمَّ إلَى رَمْيِ الْجِمَارِ‏.‏

وَإِنْ اكْتَرَى إلَى مَكَّةَ لَمْ يَتَجَاوَزْهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ اكْتَرَى بِئْرًا لِيَسْقِيَ مِنْهَا فَعَلَيْهِ أَيْ‏:‏ الْمُكْتَرِي ‏(‏بَكَرَةٌ وَحَبْلٌ وَدَلْوٌ‏)‏ كَمُكْتَرٍ أَرْضًا لِزَرْعٍ فَآلَةُ حَرْثٍ وَنَحْوِهِ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ عَلَى مُكْتِرِ دَارٍ أَوْ حَمَّامٍ وَنَحْوَهُ ‏(‏تَفْرِيغُ بَالُوعَةٍ وَكَنِيفٍ وَدَارٍ مِنْ قُمَامَةٍ وَزِبْلٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَرَمَادٍ ‏(‏إنْ حَصَلَ بِفِعْلِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُكْتَرِي كَمَا لَوْ أَلْقَى فِيهَا جِيفَةً أَوْ تُرَابًا وَنَحْوَهُ ‏(‏وَعَلَى مُكْرٍ تَسْلِيمُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُؤَجَّرَةِ ‏(‏فَارِغَةً‏)‏ بَالُوعَتِهَا وَكَنِيفِهَا وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِذَلِكَ مَعَ امْتِلَائِهِ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى مُكْرٍ ‏(‏تَسْلِيمُ مِفْتَاحٍ‏)‏ لِأَنَّ بِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَيُتَوَصَّلُ إلَيْهِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمِفْتَاحُ ‏(‏أَمَانَةٌ بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ‏)‏ كَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ فَإِنْ ضَاعَ بِلَا تَفْرِيطٍ فَعَلَى مُؤَجِّرٍ بَدَلُهُ، وَلَا يَلْزَمُ تَحْسِينُ وَلَا تَزْوِيقُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِدُونِهِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏لزوم عقد الإجارة‏]‏

‏(‏وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ‏)‏ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا بِلَا مُوجِبٍ، لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ‏.‏

‏(‏فَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ مُسْتَأْجِرٌ‏)‏ مُؤَجَّرَةً لِعُذْرٍ يَخْتَصُّ بِهِ أَوْ لَا فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ ‏(‏أَوْ تَحَوَّلَ‏)‏ مُسْتَأْجِرٌ مِنْهَا ‏(‏فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ‏)‏؛ لِاقْتِضَاءِ الْإِجَارَةِ تَمْلِيكَ الْمُؤَجِّرِ الْأَجْرَ، وَالْمُسْتَأْجِرِ النَّفْعَ، فَإِذَا تَرَكَهُ مُسْتَأْجِرٌ اخْتِيَارًا مِنْهُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ، وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ الْمَنَافِعِ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَتَرَكَهُ، وَلَا يَجُوزُ لِمُؤَجِّرٍ تَصَرُّفٌ فِيهَا فَإِنْ فَعَلَ وَيَدُ مُسْتَأْجِرٍ عَلَيْهَا كَأَنْ سَكَّنَ الدَّارَ أَوْ أَجَّرَهَا لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرٍ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمُسْتَأْجِرٍ، وَعَلَى مُسْتَأْجِرٍ الْأُجْرَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا لَهُ‏.‏

وَإِنْ تَصَرَّفَ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا أَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَإِنْ سَلَّمَهَا لَهُ فِي أَثْنَائِهَا انْفَسَخَتْ فِيمَا مَضَى وَوَجَبَ أَجْرُ الْبَاقِي بِالْحِصَّةِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ حَوَّلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَأْجِرَ ‏(‏مَالِكُ‏)‏ الدَّارِ وَنَحْوِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلَا أُجْرَةَ لِمَا سُكِنَ قَبْلَ أَنْ يُحَوِّلَهُ الْمُؤَجِّرُ نَصًّا‏.‏

‏(‏أَوْ امْتَنَعَ‏)‏ مُؤَجِّرُ دَابَّةٍ ‏(‏مِنْ تَسْلِيمِ الدَّابَّةِ‏)‏ الْمُؤَجَّرَةِ ‏(‏فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ‏)‏ فِي أَثْنَاءِ ‏(‏الْمَسَافَةَ‏)‏ الْمُؤَجَّرَةِ لِلرُّكُوبِ أَوْ الْحَمْلِ عَلَيْهَا فَلَا أُجْرَةَ لِرُكُوبِهِ أَوْ حَمْلِهِ عَلَيْهَا قَبْلَ الْمَنْعِ مِنْهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ امْتَنَعَ ‏(‏الْأَجِيرُ‏)‏ لِعَمَلٍ ‏(‏مِنْ تَكْمِيلِ الْعَمَلِ فَلَا أُجْرَةَ‏)‏ لَهُ لِمَا عَمِلَهُ قَبْلُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، كَمَنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحْمِلُ لَهُ كِتَابًا إلَى بَلَدٍ بِعَيْنِهِ فَحَمَلَهُ بَعْضَ الطَّرِيقِ، أَوْ لِيَحْفِرَ لَهُ أَذْرُعًا فَحَفَرَ بَعْضَهَا وَامْتَنَعَ مِنْ حَفْرِ الْبَاقِي‏.‏

‏(‏وَإِنْ شَرَدَتْ‏)‏ دَابَّةٌ ‏(‏مُؤَجَّرَةٌ، أَوْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ بَاقِي النَّفْعِ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ ‏(‏فَ‏)‏ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ ‏(‏الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى‏)‏ مِنْ النَّفْعِ قَبْلَ ذَلِكَ لِعُذْرِ كُلٍّ مِنْهُمَا‏.‏

‏(‏وَإِنْ هَرَبَ أَجِيرٌ‏)‏ مُدَّةَ الْعَمَلِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ النَّفْعِ حَتَّى انْقَضَتْ انْفَسَخَتْ ‏(‏أَوْ‏)‏ هَرَبَ ‏(‏مُؤَجِّرُ عَيْنٍ بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ النَّفْعِ حَتَّى انْقَضَتْ انْفَسَخَتْ‏.‏

‏(‏أَوْ شَرَدَتْ‏)‏ دَابَّةٌ مُؤَجَّرَةٌ ‏(‏قَبْلَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ النَّفْعِ حَتَّى انْقَضَتْ‏)‏ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ ‏(‏انْفَسَخَتْ‏)‏ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ زَمَنِهَا الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ‏.‏

فَإِنْ عَادَتْ انْقِضَاءُ الْمُدَّةِ اسْتَوْفَى مَا بَقِيَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا تَنْفَسِخُ شَيْئًا فَشَيْئًا‏.‏

وَلَا أُجْرَةَ لِزَمَنِ هَرَبٍ ‏(‏فَلَوْ كَانَتْ‏)‏ الْإِجَارَةُ ‏(‏عَلَى عَمَلٍ‏)‏ مَوْصُوفٍ بِذِمَّةٍ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَبِنَاءِ حَائِطٍ، أَوْ حَمْلٍ إلَى مَحَلٍّ مَعْلُومٍ وَهَرَبَ الْأَجِيرُ ‏(‏اُسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَعْمَلُهُ‏)‏ كَالْمُسْلَمِ إلَيْهِ إذَا هَرَبَ وَنَحْوَهُ ‏(‏فَإِنْ تَعَذَّرَ‏)‏ اسْتِئْجَارُ مَنْ يَعْمَلُهُ مِنْ مَالِهِ ‏(‏خُيِّرَ مُسْتَأْجِرٌ بَيْنَ فَسْخِ‏)‏ إجَارَةٍ ‏(‏وَ‏)‏ بَيْنَ ‏(‏صَبْرٍ‏)‏ إلَى قُدْرَةٍ عَلَيْهِ فَيُطَالِبُهُ بِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّ مَا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَفُوتُ بِهَرَبِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ هَرَبَ‏)‏ جَمَّالٌ أَوْ نَحْوُهُ ‏(‏أَوْ مَاتَ جَمَّالٌ أَوْ نَحْوُهُ‏)‏ كَحَمَّارٍ وَبَغَّالٍ ‏(‏وَتَرَكَ بَهَائِمَهُ‏)‏ الَّتِي أَكْرَاهَا ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْهَارِبِ ‏(‏مَالٌ‏)‏ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ ‏(‏أَنْفَقَ عَلَيْهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْبَهَائِمِ ‏(‏مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَالِ ‏(‏حَاكِمٌ‏)‏ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ وَالْحَاكِمُ نَائِبُهُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ لِلْهَارِبِ عَلَى مَالٍ ‏(‏فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مُكْتَرٍ بِإِذْنِ حَاكِمٍ‏)‏ رَجَعَ لِقِيَامِ إذْنِ الْحَاكِمِ مَقَامَ إذْنِ رَبِّهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنْفَقَ عَلَيْهَا مُكْتَرٍ بِدُونِ إذْنِ حَاكِمٍ ‏(‏بِنِيَّةِ رُجُوعٍ رَجَعَ‏)‏ عَلَى مَالِكِهَا بِمَا أَنْفَقَهُ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ أَوْ لَا، أَشْهَدَ عَلَى نِيَّةِ رُجُوعِهِ بِأَنْ قَالَ‏:‏ اشْهَدُوا أَنِّي مَا أَنْفَقْتُ عَلَى هَذِهِ الْبَهَائِمِ إلَّا بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ أَوْ لَا، لِقِيَامِهِ عَنْهُ بِوَاجِبٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا أَنْفَقَهُ وَكَانَ الْحَاكِمُ قَدَّرَهُ، قُبِلَ قَوْلُ الْمُكْتَرِي فِي ذَلِكَ دُونَ مَا زَادَ، وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْهُ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ‏:‏ ‏(‏فَإِذَا انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ بَاعَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْبَهَائِمَ ‏(‏حَاكِمٌ وَوَفَّاهُ‏)‏ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَخْلِيصًا لِذِمَّةِ الْغَائِبِ وَإِيفَاءَ الْمُنْفِقِ ‏(‏وَحِفْظَ بَاقِي ثَمَنِهَا لِمَالِكِهَا‏)‏؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ حِفْظَ مَالِ الْغَائِبِ‏.‏

‏(‏وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ‏)‏ مَحَلٍّ ‏(‏مَعْقُودٍ عَلَيْهِ‏)‏ كَدَابَّةٍ أَوْ عَبْدٍ مَاتَ أَوْ دَارٍ انْهَدَمَتْ قَبَضَهَا الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ لَا؛ لِزَوَالِ الْمَنْفَعَةِ بِتَلَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَقَبْضُهَا إنَّمَا يَكُونُ بِاسْتِيفَائِهَا أَوْ التَّمَكُّنِ مِنْهُ وَلَمْ يَحْصُلُ ذَلِكَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ تَلِفَ مُؤَجَّرٌ ‏(‏فِي الْمُدَّةِ وَقَدْ مَضَى‏)‏ مِنْهَا ‏(‏مَا لَهُ أُجْرَةٌ‏)‏ عَادَةً انْفَسَخَتْ ‏(‏فِيمَا بَقِيَ‏)‏ مِنْ الْمُدَّةِ كَتَلَفِ إحْدَى صُبْرَتَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِجَائِحَةٍ، وَيُعْطِيهِ بِحِسَابِ مَا انْتَفَعَ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْأَجْرُ بِحَسَبِ الزَّمَنِ كَمَوْسِمٍ وَتَفَرُّجٍ اُعْتُبِرَ بِحَسَبِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَنْفَسِخُ إجَارَةٌ ب ‏(‏انْقِلَاعِ ضِرْسٍ اكْتَرَى لِقَلْعِهِ، أَوْ‏)‏ اكْتَرَى ‏(‏مُدَّةً مَعْلُومَةً لِبُرْئِهِ‏)‏؛ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْمَوْتِ فَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ أَوْ امْتَنَعَ مُسْتَأْجِرٌ مِنْ فِعْلِهِ لَمْ يُجْبَرْ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِنَحْوِ مَا ذُكِرَ، كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِيَقْتَصَّ مِنْ آخَرَ أَوْ يَحُدُّهُ فَمَاتَ أَوْ لِيُدَاوِيه فَبَرِئَ أَوْ مَاتَ‏.‏

وَسَوَاءٌ كَانَ التَّلَفُ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ كَقَتْلِهِ الْعَبْدَ الْمُؤَجَّرَ أَوْ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ كَمَوْتِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ‏.‏

وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ الْمُسْتَأْجِرَ أَوْ غَيْرَهُ‏.‏

وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ، كَالْمَرْأَةِ تَقْطَعُ ذَكَرَ زَوْجِهَا تَضْمَنُهُ وَتَمْلِكُ الْفَسْخَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَنْفَسِخُ إجَارَةٌ ب ‏(‏مَوْتِ مُرْتَضِعٍ‏)‏ أَوْ امْتِنَاعِهِ مِنْ الرَّضَاعِ مِنْهَا؛ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الِارْتِضَاعِ لِاخْتِلَافِ الْمُرْتَضِعِينَ فِيهِ، وَقَدْ يُدَرُّ اللَّبَنُ عَلَى وَاحِدٍ دُونَ آخَرَ، وَكَذَا إنْ مَاتَتْ مُرْضِعَةٌ‏.‏

‏(‏لَا‏)‏ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ ‏(‏رَاكِبٍ اكْتَرَى لَهُ‏)‏ مُطْلَقًا، أَيْ‏:‏ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ لَا‏.‏

وَسَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمُكْتَرِيَ أَوْ غَيْرَهُ اكْتَرَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الدَّابَّةِ دُونَ الرَّاكِبِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ مَنْ يُمَاثِلُهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الرَّاكِبَ لِتَتَقَدَّرَ بِهِ الْمَنْفَعَةُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قُطْنًا مُعَيَّنًا فَتَلِفَ ‏(‏وَلَا‏)‏ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ ‏(‏مُكْرٍ، أَوْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ ‏(‏مُكْتَرٍ‏)‏ لِلُزُومِهَا كَالْبَيْعِ‏.‏

وَكَمَا لَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ أَمَةَ غَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدَانِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَلَا تَنْفَسِخُ ب ‏(‏عُذْرٍ لِأَحَدِهِمَا بِأَنْ يَكْتَرِيَ‏)‏ جَمَلًا مَثَلًا لِيَحُجَّ عَلَيْهِ ‏(‏فَتَضِيعَ نَفَقَتُهُ‏)‏ فَلَا يُمْكِنُهُ الْحَجُّ ‏(‏أَوْ‏)‏ يَكْتَرِيَ دُكَّانًا مَثَلًا لِيَبِيعَ مَتَاعَهُ فَ ‏(‏يَحْتَرِقَ مَتَاعُهُ‏)‏؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَا يَجُوزُ فَسْخُهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ‏.‏

فَلَمْ يَجُزْ لِعُذْرٍ مِنْ غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْإِبَاقِ ‏(‏فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَرْضِ ‏(‏أَوْ انْهَدَمَتْ‏)‏ الدَّارُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ‏(‏انْفَسَخَتْ فِيمَا بَقِيَ‏)‏ مِنْ الْمُدَّةِ لِتَعَطُّلِ النَّفْعِ فِيهِ ‏(‏وَيُخَيَّرُ مُكْتَرٍ فِيمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ مُؤَجَّرٍ ‏(‏انْهَدَمَ بَعْضُهُ‏)‏ كَدَارٍ انْهَدَمَ مِنْهَا بَيْتٌ خُيِّرَ بَيْنَ فَسْخٍ وَإِمْسَاكٍ لِلْعَيْبِ ‏(‏فَإِنْ أَمْسَكَ فَبِالْقِسْطِ مِنْ الْأُجْرَةِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ نَاقِصًا‏.‏

فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَضِيَ بِالْمَبِيعِ مَعِيبًا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ‏.‏

‏(‏وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا بِلَا مَاءٍ‏)‏ لِلزَّرْعِ وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنْ لَا مَاءَ لَهُمَا‏.‏

صَحَّ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ زَرْعِهَا رَجَاءَ الْمَاءِ وَمِنْ النُّزُولِ وَوَضْعِ رَحْلِهِ وَجَمْعِ الْحَطَبِ فِيهَا‏.‏

وَلَهُ زَرْعُهَا بَعْدَ حُصُولِ الْمَاءِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا وَلَا يَغْرِسَ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلتَّأْبِيدِ، وَتَقْدِيرُ الْإِجَارَةِ بِمُدَّةٍ تَقْتَضِي تَفْرِيغَهَا عِنْدَ انْقِضَائِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَرَّحَ بِالْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ يَصْرِفُ التَّقْدِيرَ عَنْ مُقْتَضَاهُ بِظَاهِرِهِ فِي التَّفْرِيغِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ‏(‏أَوْ أَطْلَقَ‏)‏ بِأَنْ قَالَ‏:‏ أَجَّرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ سَنَةً بِكَذَا‏.‏

فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ‏:‏ قَبِلْت ‏(‏مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ أَنْ لَا مَاءَ لَهَا ‏(‏صَحَّ‏)‏؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنْ لَا مَاءَ لَهَا‏.‏

فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَاهُ، وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَمَا فِي الْأُولَى وَالْأَرْضُ الَّتِي لَهَا مَاءٌ غَيْرُ دَائِمٍ أَوْ الظَّاهِرُ انْقِطَاعُهُ قَبْلَ الزَّرْعِ أَوْ لَا يَكْفِي الزَّرْعَ كَالَّتِي لَا مَاءَ لَهَا‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ لِأَرْضٍ لَا مَاءَ لَهَا ‏(‏إنْ ظَنَّ إمْكَانَ تَحْصِيلِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَاءِ‏.‏

أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا لَا مَاءَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُؤَجَّرَ يَحْصُلُ لَهُ، وَأَنَّهُ يَكْتَرِيهَا لِلزِّرَاعَةِ مَعَ تَعَذُّرِهَا ‏(‏وَإِنْ عَلِمَ‏)‏ مُسْتَأْجِرٌ وُجُودَهُ ‏(‏أَوْ ظَنَّ وُجُودَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَاءِ ‏(‏بِأَمْطَارٍ‏)‏ مُعْتَادَةٍ ‏(‏أَوْ زِيَادَةٍ‏)‏ مُعْتَادَةٍ، كَالْأَرْضِ الَّتِي تَشْرَبُ مِنْ الْمُعْتَادِ غَالِبًا فِي النِّيلِ أَوْ الْفُرَاتِ وَنَحْوِهِمَا ‏(‏صَحَّ‏)‏ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَلَوْ مَعَ عَدَمِ مَائِهَا؛ لِأَنَّ حُصُولَهُ مُعْتَادٌ‏.‏

وَالظَّاهِرُ وُجُودُهُ، وَالْأَرْضُ الَّتِي لَا مَاءَ لَهَا لَكِنْ مَا زُرِعَ أَوْ غُرِسَ فِيهَا يَكْفِيهِ الشُّرْبُ بِعُرُوقِهِ لِنَدَاوَتِهَا وَقُرْبِهَا مِنْ الْمَاءِ فَكَالَّتِي لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ، لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِانْقِطَاعِهِ أَوْ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا مُدَّةً لَا تُؤَثِّرُ فِي الزَّرْعِ‏.‏

وَالْأَرْضُ الَّتِي يَنْدُرُ مَجِيءُ الْأَمْطَارِ إلَيْهَا كَالَّتِي لَا يَكْفِيهَا إلَّا الْمَطَرُ الْكَثِيرُ الَّذِي يَنْدُرُ وُجُودُهُ أَوْ تَشْرَبُ مِنْ فَيْضِ وَادٍ مَجِيئُهُ نَادِرًا أَوْ مِنْ زِيَادَةٍ نَادِرَةٍ فِي نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ عَالِيَةٍ فَإِجَارَتُهَا بَعْدَ وُجُودِ مَا يَسْقِيهَا تَصِحُّ وَإِنْ أُجِّرَتْ قَبْلَهُ لِزَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ تَوَقُّعًا لِحُصُولِ الْمَاءِ لَمْ تَصِحَّ لِتَعَذُّرِ النَّفْعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ظَاهِرًا، كَإِجَارَةِ الْآبِقِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ زَرَعَ‏)‏ مُسْتَأْجِرٌ ‏(‏فَغَرِقَ‏)‏ الزَّرْعُ ‏(‏أَوْ تَلِفَ‏)‏ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا ‏(‏أَوْ لَمْ يَنْبُتْ‏)‏ الزَّرْعُ ‏(‏فَلَا‏)‏ ضَمَانَ عَلَى مُؤَجِّرٍ وَلَا ‏(‏خِيَارَ‏)‏ لِمُسْتَأْجِرٍ ‏(‏وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ‏)‏ نَصًّا؛ لِأَنَّ التَّالِفَ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَسَبَبُهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُؤَجِّرِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ تَعَذَّرَ زَرْعُ‏)‏ مُؤَجَّرَةٍ ‏(‏لِغَرَقٍ‏)‏ حَصَلَ بِهَا ‏(‏أَوْ قَلَّ الْمَاءُ قَبْلَ زَرْعِهَا‏)‏ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الزَّرْعُ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَلَّ الْمَاءُ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ بَعْدَ زَرْعِهَا بِحَيْثُ لَا يَكْفِي لِلزَّرْعِ ‏(‏أَوْ عَابَتْ‏)‏ الْأَرْضُ ‏(‏بِغَرَقٍ يَعِيبُ بِهِ الزَّرْعُ‏)‏ أَوْ يَهْلِكُ بَعْضُهُ ‏(‏فَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَأْجِرِ ‏(‏الْخِيَارُ‏)‏ لِنَقْصِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْفَسْخَ بَعْدَ زَرْعٍ بَقِيَ الزَّرْعُ إلَى الْحَصَادِ، وَعَلَيْهِ مِنْ الْمُسَمَّى بِحِصَّتِهِ إلَى الْفَسْخِ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا بَقِيَ مُتَّصِفَةً بِذَلِكَ الْعَيْبِ، وَأَرْضٌ غَارِقَةٌ بِالْمَاءِ لَا يُمْكِنُ زَرْعُهَا قَبْلَ انْحِسَارِهِ وَهُوَ تَارَةً يَنْحَسِرُ وَتَارَةً لَا يَنْحَسِرُ، لَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا إذَنْ؛ لِتَعَذُّرِ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي الْحَالِ وَفِي الْمَآلِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ غَالِبًا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ وَمَا لَمْ يُرْوَ مِنْ الْأَرْضِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَالَ فِي الْإِجَارَةِ‏:‏ مَقِيلًا وَمَرَاحًا أَوْ أَطْلَقَ لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَقْدٌ كَالْبَرِّيَّةِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَرْضَ ‏(‏سَنَةً فَزَرَعَهَا‏)‏ زَرْعًا جَرَتْ الْعَادَةُ بِنَبَاتِهِ فِيهَا ‏(‏فَلَمْ يَنْبُتْ إلَّا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَأْجِرِ ‏(‏الْأُجْرَةُ‏)‏ لِلْأَرْضِ ‏(‏مُدَّةَ احْتِبَاسِهَا‏)‏ كَمَا لَوْ أَعَارَهُ إيَّاهَا ثُمَّ رَجَعَ ‏(‏وَلَيْسَ لِرَبِّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَرْضِ ‏(‏قَلْعُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الزَّرْعِ ‏(‏قَبْلَ إدْرَاكِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ بِتَأْخِيرِهِ أَشْبَهَ زَرْعَ الْمُسْتَعِيرِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ غُصِبَتْ مُؤَجَّرَةٌ مُعَيَّنَةٌ لِعَمَلٍ‏)‏ بِأَنْ قَالَ‏:‏ اسْتَأْجَرْتُ مِنْك هَذِهِ الْفَرَسَ لِأَرْكَبَهَا إلَى مَحَلِّ كَذَا، أَوْ هَذَا الْعَبْدَ لِيَبْنِيَ لِي هَذَا الْحَائِطَ بِكَذَا‏.‏

فَغُضِبَتْ الْفَرَسُ أَوْ الْعَبْدُ ‏(‏خُيِّرَ‏)‏ مُسْتَأْجِرٌ ‏(‏بَيْنَ فَسْخِ‏)‏ إجَارَةٍ، كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ مَبِيعٍ ‏(‏وَ‏)‏ بَيْنَ ‏(‏صَبْرٍ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا‏)‏؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لَهُ فَإِذَا أَخَّرَهُ جَازَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ غُصِبَتْ مُؤَجَّرَةٌ مُعَيَّنَةٌ ‏(‏لِمُدَّةٍ‏)‏ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الْعَبْدَ سَنَةً لِلْخِدْمَةِ‏.‏

فَغُصِبَ ‏(‏خُيِّرَ‏)‏ مُسْتَأْجِرٌ ‏(‏بَيْنَ فَسْخٍ وَ‏)‏ بَيْنَ ‏(‏إمْضَاءٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ إبْقَاءِ الْعَقْدِ بِلَا فَسْخٍ ‏(‏وَمُطَالَبَةِ غَاصِبٍ بِأَجْرِ مِثْلٍ‏)‏ وَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِمُجَرَّدِ غَصْبٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَمْ يَفُتْ مُطْلَقًا بَلْ إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الْقِيمَةُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَبِيعَ بِكَيْلٍ وَنَحْوِهِ آدَمِيٌّ ‏(‏مُتَرَاخِيًا وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُدَّةِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ ‏(‏فَإِنْ فَسَخَ‏)‏ الْإِجَارَةَ ‏(‏فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى‏)‏ مِنْ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْفَسْخِ بِالْقِسْطِ‏.‏

وَإِنْ أَمْضَى فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى تَامًّا، وَيَرْجِعُ عَلَى غَاصِبٍ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَإِنْ رُدَّتْ‏)‏ مُؤَجَّرَةٌ مَغْصُوبَةٌ ‏(‏فِي أَثْنَائِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُدَّةِ ‏(‏قَبْلَ فَسْخِ‏)‏ مُسْتَأْجِرٍ ‏(‏اسْتَوْفَى مَا بَقِيَ‏)‏ مِنْ الْمُدَّةِ ‏(‏وَخُيِّرَ فِيمَا مَضَى‏)‏ وَالْعَيْنُ بِيَدِ غَاصِبٍ، وَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ بِالْمُسَمَّى وَبَيْنَ الْبَقَاءِ عَلَى الْعَقْدِ وَيُطَالِبُ الْغَاصِبَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَأْجِرِ ‏(‏بَدَلٌ مَوْصُوفَةٌ بِذِمَّةٍ‏)‏ غُصِبَتْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَعِيبًا ‏(‏فَإِنْ تَعَذَّرَ‏)‏ الْبَدَلُ ‏(‏فَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَأْجِرِ ‏(‏الْفَسْخُ‏)‏ وَالصَّبْرُ إلَى الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَتَنْفَسِخُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ إنْ كَانَتْ إلَى مُدَّةٍ‏.‏

‏(‏وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ‏)‏ لِلْمُؤَجَّرَةِ ‏(‏الْمُؤَجِّرَ‏)‏ لَهَا ‏(‏فَلَا أُجْرَةَ لَهُ مُطْلَقًا‏)‏ نَصًّا، أَيْ‏:‏ سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ أَوْ إلَى مُدَّةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَوْصُوفَةٍ، وَسَوَاءٌ غَصَبَهَا قَبْلَ الْمُدَّةِ أَوْ فِيهَا لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَحُدُوثُ خَوْفٍ عَامٍّ‏)‏ يَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِمُؤَجَّرَةٍ ‏(‏كَغَصْبٍ‏)‏ فَلِمُسْتَأْجِرٍ الْخِيَارُ فَإِنْ كَانَ الْخَوْفُ خَاصًّا بِمُسْتَأْجِرٍ كَخَوْفِهِ مِنْ السَّفَرِ لِقُرْبِ عَدُوِّهِ مِنْ مَحَلٍّ يُرِيدُ سُلُوكِهِ لَمْ يَمْلِكْ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ يَخْتَصُّ بِهِ لَا يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ أَشْبَهَ مَرَضَهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ‏)‏ كَخِيَاطَةٍ وَبِنَاءٍ ‏(‏وَلَمْ تُشْتَرَطْ مُبَاشَرَتُهُ‏)‏ لَهُ فِي الْعَقْدِ ‏(‏فَمَرِضَ أُقِيمَ عِوَضُهُ‏)‏ مَنْ يَعْمَلُهُ لِيَخْرُجَ مِمَّا وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ ‏(‏وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ مَا لَزِمَهُ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ إنْظَارُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي التَّعْجِيلَ ‏(‏وَإِنْ اخْتَلَفَ فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي الْعَمَلِ ‏(‏الْقَصْدُ، كَنَسْخٍ‏)‏ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْخُطُوطِ ‏(‏وَنَحْوه‏)‏ كَتِجَارَةٍ لِاخْتِلَافِهَا بِاخْتِلَافِ الْحِذْقِ فَلَا ‏(‏أَوْ وَقَعَتْ‏)‏ الْإِجَارَةُ ‏(‏عَلَى عَيْنِهِ‏)‏ كَالْأَجِيرِ الْخَاصِّ فَلَا ‏(‏أَوْ شُرِطَتْ مُبَاشَرَتُهُ‏)‏ الْعَمَلَ ‏(‏فَلَا‏)‏ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ قَبُولُ عَمَلِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَحْصُلُ بِهِ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ أَسْلَمَ فِي نَوْعٍ فَسَلَّمَ إلَيْهِ غَيْرَهُ‏.‏

‏(‏وَلِمُسْتَأْجِرٍ الْفَسْخُ‏)‏؛ لِتَعَذُّرِ تَعْجِيلِ حَقِّهِ الْوَاجِبِ تَعْجِيلُهُ‏.‏

‏(‏وَإِنْ ظَهَرَ‏)‏ بِمُؤَجَّرَةٍ عَيْبٌ بِأَنْ كَانَ بِهَا حِينَ الْعَقْدِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ مُسْتَأْجِرٌ كَمَا لَوْ وَجَدَ الدَّابَّةَ جَمُوحًا أَوْ عَضُوضًا أَوْ عَرْجَاءَ بِحَيْثُ تَتَأَخَّرُ بِهِ عَنْ الْقَافِلَةِ وَنَحْوَهُ كَعَمًى ‏(‏أَوْ حَدَثَ‏)‏ بِمُؤَجَّرٍ، عَيْبٌ كَجُنُونِ أَجِيرٍ أَوْ مَرَضِهِ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَيْبُ ‏(‏مَا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ الْأُجْرَةِ‏)‏ بِأَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مَعَهُ دُونَهَا مَعَ عَدَمِهِ ‏(‏فَلِمُسْتَأْجِرٍ الْفَسْخُ‏)‏ لِأَنَّهُ عَيْبٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ‏.‏

أَشْبَهَ الْعَيْبَ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ لَا يَحْصُلُ قَبْضُهَا إلَّا شَيْئًا فَشَيْئًا‏.‏

فَإِذَا حَدَثَ الْعَيْبُ فَقَدْ وُجِدَ قَبْلَ قَبْضِ الْبَاقِي مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَأَثْبَتَ الْفَسْخَ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا ‏(‏إنْ لَمْ يَزُلْ‏)‏ الْعَيْبُ ‏(‏بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَأْجِرَ‏.‏

فَإِنْ اسْتَدَّتْ الْبَالُوعَةُ وَفَتَحَهَا مُؤَجِّرٌ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ لَا تَتْلَفُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ تَضُرُّ بِالْمُسْتَأْجِرِ فَلَا خِيَارَ لَهُ ‏(‏وَ‏)‏ لِمُسْتَأْجِرٍ أَيْضًا ‏(‏الْإِمْضَاءُ مَجَّانًا‏)‏ بِلَا أَرْشٍ لِعَيْبٍ قَدِيمٍ أَوْ حَدِيثٍ لِرِضَاهُ بِالنَّقْصِ‏.‏

وَفِيهِ وَجْهٌ لَهُ الْأَرْشُ‏.‏

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَوْجُودِ هَلْ هُوَ عَيْبٌ‏؟‏ رُجِعَ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ ‏(‏وَيَصِحُّ بَيْعُ‏)‏ عَيْنٍ ‏(‏مُؤَجَّرَةٍ‏)‏ نَصًّا سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُدَّةً لَا تَلِي الْعَقْدَ ثُمَّ بِيعَتْ قَبْلَهَا أَوْ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ فَلَا تَمْنَعُ الْبَيْعَ كَبَيْعِ الْمُزَوَّجَةِ‏.‏

وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إجَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ ‏(‏وَلِمُشْتَرٍ لَمْ يَعْلَمْ‏)‏ أَنَّ الْمَبِيعَ مُؤَجَّرٌ ‏(‏فَسْخٌ أَوْ إمْضَاءٌ‏)‏ لِلْبَيْعِ ‏(‏مَجَّانًا‏)‏ أَيْ‏:‏ بِلَا أَرْشٍ‏.‏

وَفِي الرِّعَايَةِ‏:‏ الْفَسْخُ أَوْ الْأَرْشُ‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ هُوَ عَيْبٌ ‏(‏وَالْأُجْرَةُ‏)‏ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ نَصًّا وَاسْتُشْكِلَ بِكَوْنِ الْمَنَافِعِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لِلْبَائِعِ فَلَا تَدْخُلُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، فَكَيْفَ يَكُونُ عِوَضُهَا وَهُوَ الْأُجْرَةُ لِلْمُشْتَرِي‏؟‏ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَالِكَ يَمْلِكُ عِوَضَهَا وَهُوَ الْأُجْرَةُ لَمْ يَسْتَقِرَّ بَعْدُ وَلَوْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لَرَجَعَتْ الْمَنَافِعُ إلَى الْبَائِعِ‏.‏

فَإِذَا بَاعَ الْعَيْنَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْمَنَافِعُ وَلَا عِوَضُهَا مُسْتَحَقًّا لَهُ لِشُمُولِ الْبَيْعِ لِلْعَيْنِ وَمَنَافِعِهَا، فَيَقُومُ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْبَائِعِ فِيمَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مِنْهَا وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ عِوَضِ الْمَنَافِعِ مَعَ بَقَاءِ الْأُجْرَةِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَ الْمُسْتَأْجِرِ‏.‏

فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ الْأُجْرَةُ وَالثَّمَنُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَشْمَلْ الْمَنَافِعَ الْجَارِيَةَ فِي مِلْكِهِ بِعَقْدِ التَّاجِرِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْإِنْسَانِ لِمِلْكِ نَفْسِهِ مُحَالٌ‏.‏

‏(‏وَلَا تَنْفَسِخُ‏)‏ الْإِجَارَةُ ‏(‏بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ‏)‏ لِعَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْبَيْعُ أَوْ الْهِبَةُ ‏(‏لِمُسْتَأْجِرٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ ثُمَّ مَلَكَ الْعَيْنَ بِعَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ، فَلَمْ يَتَنَافَيَا، كَمَا لَوْ مَلَكَ الثَّمَرَةَ بِعَقْدٍ ثُمَّ مَلَكَ الْعَيْنَ بِعَقْدٍ آخَرَ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ ‏(‏بِوَقْفِ‏)‏ عَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ ‏(‏وَلَا بِانْتِقَالِ‏)‏ الْمِلْكِ فِيهَا ‏(‏بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ صُلْحٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَجَعَالَةٍ، لِوُرُودِهَا عَلَى مَا يَمْلِكُهُ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْعَيْنِ الْمَسْلُوبَةِ النَّفْعِ زَمَنَ الْإِجَارَةِ‏.‏

فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ أَبِيهِ دَارًا أَوْ نَحْوَهَا ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَخَلَّفَ الْمُسْتَأْجِرَ وَأَخَاهُ فَالدَّارُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْمُسْتَأْجِرُ أَحَقُّ بِهَا لِبَقَاءِ الْإِجَارَةِ فِيهَا، وَمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ‏.‏

وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ قَبَضَ الْأُجْرَةَ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَى أَخِيهِ وَلَا تَرِكَةَ أَبِيهِ وَمَا خَلَّفَهُ أَبُوهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ وَلَا ضَمَانَ عَلَى أَجِيرٍ خَاصٍّ

‏(‏وَهُوَ مَنْ اسْتَأْجَرَ مُدَّةَ سَلَّمَ نَفْسَهُ‏)‏ لِمُسْتَأْجِرٍ كَأَنْ عَمِلَ بِبَيْتِهِ ‏(‏وَلَا‏)‏ بِأَنْ عَمِلَ بِبَيْتِ نَفْسِهِ ‏(‏فِيمَا يَتْلَفُ بِيَدِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَجِيرِ نَصًّا كَمَا لَوْ انْكَسَرَتْ مِنْهُ الْجَرَّةُ الَّتِي يَسْتَقِي بِهَا أَوْ الْآلَةُ الَّتِي يَحْرُثُ بِهَا أَوْ الْمَكِيلُ الَّذِي يَكِيلُ بِهِ أَوْ نَحْوَهُ، لِأَنَّ عَمَلَهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ‏.‏

فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ، كَسِرَايَةِ الْقِصَاصِ وَالْحَدِّ‏.‏

وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ ‏"‏ كَانَ يُضَمِّنُ الْأُجَرَاءَ، وَيَقُولُ‏:‏ لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا هَذَا ‏"‏ فَهُوَ مُرْسَلٌ وَالصَّحِيحُ فِيهِ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الصَّبَّاغَ وَالصَّوَّاغَ، وَالْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ‏.‏

وَلِأَنَّ الْخَاصَّ نَائِبٌ عَنْ الْمِلْكِ فِي صَرْفِ مَنَافِعِهِ إلَى مَا أَمَرَ بِهِ فَلَمْ يُضَمَّنْ ‏(‏إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ‏)‏ إتْلَافًا فَيُضَمَّنُ لِإِتْلَافِهِ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي ‏(‏أَوْ يُفَرِّطَ‏)‏ أَيْ‏:‏ يُقَصِّرُ فِي الْحِفْظِ فَيُضَمَّنُ كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ ضَمَانَ عَلَى ‏(‏حَجَّامٍ أَوْ خَتَّانٌ أَوْ بَيْطَارٍ أَوْ طَبِيبٍ خَاصًّا‏)‏ كَانَ ‏(‏أَوْ مُشْتَرَكًا‏)‏ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ‏(‏حَاذِقًا‏)‏ أَيْ‏:‏ عَارِفًا فِي صِنَاعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ مُبَاشَرَةُ الْفِعْلِ، فَيَضْمَنُ بِسِرَايَتِهِ كَمَا لَوْ تَعَدَّى بِهِ، وَأَنْ لَا يَتَجَاوَزَ بِفِعْلِهِ مَا لَا يَنْبَغِي تَجَاوُزَهُ بِأَنْ ‏(‏لَمْ تَجْنِ يَدُهُ‏)‏ فَإِنْ تَجَاوَزَ بِالْخِتَانِ إلَى الْحَشَفَةِ أَوْ بِقَطْعِ السَّلْعَةِ أَوْ نَحْوِهَا مَحَلَّ الْقَطْعِ، أَوْ قَطَعَ فِي وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ فِيهِ الْقَطْعُ، أَوْ بِآلَةٍ كَالَّةٍ وَنَحْوِهَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لَا يَخْتَلِفُ ضَمَانُهُ بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ كَإِتْلَافِ الْمَالِ ‏(‏وَأَذِنَ فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْفِعْلِ ‏(‏مُكَلَّفٌ‏)‏ وَقَعَ الْفِعْلُ بِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَذِنَ فِيهِ ‏(‏وَلِيُّ‏)‏ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَقَعَ بِهِ الْفِعْلُ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رُوِيَ ‏"‏ أَنَّ عُمَرَ قَضَى بِهِ فِي طِفْلَةٍ مَاتَتْ مِنْ الْخِتَانِ بِدِيَتِهَا عَلَى عَاقِلَةِ خَاتِنَتِهَا‏"‏‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ ضَمَانَ عَلَى ‏(‏رَاعٍ لَمْ يَتَعَدَّ أَوْ يُفَرِّطُ بِنَوْمٍ أَوْ غَيْبَتِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَاشِيَةِ ‏(‏عَنْهُ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَإِسْرَافٍ فِي ضَرْبٍ أَوْ سُلُوكِهِ مَوْضِعًا يَتَعَرَّضَ لِتَلَفِهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَى حِفْظِهَا، فَلَا يَضْمَنُهَا بِدُونِ مَا ذُكِرَ كَالْمُؤَجَّرَةِ فَإِنْ تَعَدَّى أَوْ فَرَّطَ ضَمِنَ كَالْوَدِيعِ‏.‏

فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي تَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ فَقَوْلُ رَاعٍ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ‏.‏

وَإِنْ فَعَلَ فِعْلًا وَاخْتُلِفَا فِي أَنَّهُ تَعَدٍّ أَوْ لَا رُجِعَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ ‏(‏وَإِنْ ادَّعَى‏)‏ رَاعٍ ‏(‏مَوْتًا‏)‏ لَهَا أَوْ لِبَعْضِهَا قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ‏(‏وَلَوْ لَمْ يُحْضِرْ جِلْدًا‏)‏ وَلَا غَيْرَهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ كَالْوَدِيعِ‏.‏

وَلِأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ‏.‏

‏(‏أَوْ ادَّعَى مُكْتَرٍ أَنَّ‏)‏ الرَّقِيقَ ‏(‏الْمُكْتَرَى أَبَقَ أَوْ مَرِضَ، أَوْ‏)‏ أَنَّ الْحِمْلَ الْمُكْتَرَى ‏(‏شَرَدَ أَوْ مَاتَ فِي الْمُدَّةِ‏)‏ لِلْإِجَارَةِ ‏(‏أَوْ بَعْدَهَا قُبِلَ‏)‏ قَوْلُهُ ‏(‏بِيَمِينِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ‏.‏

وَالْأَصْلُ عَدَمُ انْتِفَاعِهِ، وَسَوَاءٌ جَاءَ بِهِ صَحِيحًا أَوْ لَا‏.‏

وَكَذَا لَوْ صَدَّقَهُ مَالِكٌ عَلَى وُجُودِ نَحْوِ إبَاقٍ وَاخْتَلَفَا فِي وَقْتِهِ، وَلَا بَيِّنَةَ لِمَالِكٍ فَقَوْلُ مُسْتَأْجِرٍ‏.‏

فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَمَلِ‏.‏

وَلِأَنَّهُ حَصَلَ فِي يَدِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِوَقْتِهِ ‏(‏كَدَعْوَى حَامِلٍ تَلَفَ مَحْمُولٍ‏)‏ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضْمَنُهُ، فَيُقْبَلُ بِيَمِينِهِ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَامِلِ ‏(‏أُجْرَةُ حَمْلِهِ‏)‏ إلَى مَحَلِّ تَلَفِهِ‏.‏

ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ مَا عَمِلَ فِيهِ مِنْ عَمَلٍ بِإِذْنٍ، وَعَدَمُ تَمَامِ الْعَمَلِ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ‏.‏

ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ‏.‏

وَلَا يُعَارِضُهُ مَا يَأْتِي فِيمَا إذَا تَلِفَ الْمَحْمُولُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ هُنَاكَ لَكِنْ يَأْتِي‏:‏ إنْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ عَمَلَهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ‏.‏

‏(‏وَإِنْ عَقَدَ‏)‏ إجَارَةٌ ‏(‏عَلَى‏)‏ رَعْيِ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ ‏(‏مُعَيَّنَةٍ تَعَيَّنَتْ‏)‏ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ ‏(‏فَلَا تُبَدَّلُ وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيمَا تَلِفَ‏)‏ مِنْهَا لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، كَمَوْتِ الرَّضِيعِ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ عَقَدَ ‏(‏عَلَى‏)‏ رَعْيِ ‏(‏مَوْصُوفٍ‏)‏ فِي ذِمَّةٍ ‏(‏فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ نَوْعِهِ‏)‏ فَلَا يَكْفِي ذِكْرُ الْجِنْسِ كَإِبِلٍ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ نَوْعِهَا كَبَخَاتِيٍّ أَوْ عِرَابٍ لِاخْتِلَافِ أَتْعَابِ الرَّاعِي ‏(‏وَ‏)‏ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ ‏(‏كِبَرِهِ أَوْ صِغَرِهِ أَوْ عَدَدِهِ‏)‏ لِاخْتِلَافِ الْعَمَلِ بِاخْتِلَافِهِ، وَالْعَادَةُ تَخْتَلِفُ فِيهِ وَتَتَبَايَنُ كَثِيرًا‏.‏

‏(‏وَلَا يَلْزَمُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرَّاعِيَ ‏(‏رَعْيُ سِخَالِهَا‏)‏؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَمْ يَشْمَلْهَا الْعَقْدُ‏.‏

‏(‏وَإِنْ عَمِلَ‏)‏ أَجِيرٌ خَاصٌّ ‏(‏لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرِهِ فَأَضَرَّهُ فَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْأَجِيرِ ‏(‏قِيمَةُ مَا فَوَّتَهُ‏)‏ عَلَيْهِ مِنْ مَنْفَعَتِهِ‏.‏

وَ قَالَ الْقَاضِي‏:‏ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْأَجْرِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْآخَرِ، فَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ وَفَّاهُ عَمَلَهُ عَلَى التَّمَامِ، كَمَا لَوْ عَمِلَ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ‏(‏وَيَضْمَنُ‏)‏ الْأَجِيرُ ‏(‏الْمُشْتَرَكُ‏)‏ وَهُوَ مَنْ قُدِّرَ نَفْعُهُ بِالْعَمَلِ، سَوَاءٌ تَعَرَّضَ فِيهِ لِلْمُدَّةِ كَكَحَّالٍ يُكَحِّلُهُ شَهْرًا كُلَّ يَوْمٍ كَذَا كَذَا مَرَّةً أَوْ لَا كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ‏.‏

وَتَقَدَّمَ وَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ ‏(‏مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُشْتَرَكِ ‏(‏مِنْ تَخْرِيقِ‏)‏ قَصَّارٍ الثَّوْبَ بِدَقِّهِ أَوْ مَدِّهِ أَوْ عَصْرِهِ أَوْ بَسْطِهِ ‏(‏وَغَلَطِ‏)‏ خَيَّاطٍ ‏(‏فِي تَفْصِيلٍ‏)‏ وَكَذَا طَبَّاخٌ وَحَائِكٌ وَخَبَّازٌ وَمَلَّاحٌ فَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ مِنْ يَدِهِ أَوْ حَذَفَهُ أَوْ مَا يُعَالِجُ بِهِ السَّفِينَةَ، سَوَاءٌ كَانَ رَبُّ الْمَتَاعِ مَعَهُ أَوْ لَا وَيَضْمَنُ جَمَّالٌ مَا تَلِفَ بِقَوْدِهِ وَسَوْقِهِ وَانْقِطَاعِ حَبْلٍ شَدَّ بِهِ حِمْلَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَضْمَنُ حَامِلٌ مَا تَلِفَ ‏(‏بِزَلْقِهِ‏)‏ أَوْ عَثْرَتِهِ وَسُقُوطِهِ عَنْهُ كَيْفَ كَانَ ‏(‏وَسُقُوطٍ عَنْ دَابَّةٍ، وَ‏)‏ يَضْمَنُ أَيْضًا مَا نَقَصَ ‏(‏بِخَطَئِهِ‏)‏ فِي فِعْلِهِ، كَصَبَّاغٍ أُمِرَ بِصَبْغِ ثَوْبٍ أَصْفَرَ فَصَبَغَهُ أَسْوَدَ، وَخَيَّاطٍ أُمِرَ بِتَفْصِيلِهِ قَبَاءً فَفَصَّلَهُ قَمِيصًا، أَوْ ثَوْبَ رَجُلٍ فَقَطَعَهُ قَمِيصَ امْرَأَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عَلِيٍّ ‏"‏ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الصَّبَّاغَ وَالصَّيَّاغَ، وَيَقُولُ‏:‏ لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ ‏"‏ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَلِيٍّ ‏"‏ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الْأُجَرَاءَ وَيَقُولُ‏:‏ لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا هَذَا ‏"‏؛ وَلِأَنَّ عَمَلَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، كَالْعُدْوَانِ بِقَطْعِ عُضْوٍ‏.‏

وَدَلِيلُ ضَمَانِ عَمَلِهِ عَلَيْهِ‏:‏ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالْفِعْلِ وَأَنَّ الثَّوْبَ لَوْ تَلِفَ فِي حِرْزِهِ بَعْدَ عَمَلِهِ لَا أَجْرَ لَهُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْخَاصِّ، وَسَوَاءٌ حَضَرَهُ رَبُّ الْمَالِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِجِنَايَةِ يَدِهِ كَالْعُدْوَانِ‏.‏

فَإِنْ تَبَرَّعَ قَصَّارٌ وَنَحْوَهُ بِعَمَلِهِ لَمْ يُضَمَّنْ جِنَايَةَ يَدِهِ نَصًّا لِأَنَّهُ أَمِينٌ مَحْضٌ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ أَجِيرٌ أَوْ مُتَبَرِّعٌ فَقَوْلُ قَصَّارٍ وَنَحْوِهِ‏.‏

لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ ‏(‏وَلَوْ بِدَفْعِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ ‏(‏إلَى غَيْرِ رَبِّهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ غَلَطًا فَيَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لُبْسُهُ إذَا عَلِمَ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ لِلْقَصَّارِ نَصًّا، ‏(‏وَغَرِمَ قَابِضٌ‏)‏ لَهُ ‏(‏قَطَعَهُ أَوْ لَبِسَهُ جَهْلًا‏)‏ أَنَّهُ ثَوْبُ غَيْرِهِ ‏(‏أَرْشُ قَطْعِهِ وَأُجْرَةُ لُبْسِهِ‏)‏؛ لِتَعَدِّيهِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ ‏(‏وَرَجَعَ‏)‏ قَابِضٌ ‏(‏بِهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ بِأَرْشِ قَطْعِهِ وَأُجْرَةِ لُبْسِهِ ‏(‏عَلَى دَافِعٍ‏)‏ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ‏.‏

وَيُطَالِبُهُ بِثَوْبِهِ إنْ وَجَدَهُ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ الْأَجِيرُ لِأَنَّهُ أَمْسَكَهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ بَعْدَ طَلَبِهِ كَمَا لَوْ عَلِمَ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يُضَمَّنُ أَجِيرٌ ‏(‏مَا تَلِفَ بِحِرْزِهِ أَوْ‏)‏ بِسَبَبٍ ‏(‏غَيْرِ فِعْلِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ مَقْبُوضَةٌ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ لَمْ يُتْلِفْهَا بِفِعْلِهِ‏.‏

أَشْبَهَ الْمُسْتَأْجَرَةَ؛ وَلِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنِ مَالِكِهَا لِنَفْعٍ يَعُودُ عَلَيْهِمَا‏.‏

أَشْبَهَ الْمُضَارِبَ ‏(‏إنْ لَمْ يَتَعَدَّ‏)‏ الْأَجِيرُ أَوْ يُفَرِّطْ نَصًّا فَإِنْ تَعَدَّى أَوْ فَرَّطَ ضَمِنَ كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ ‏(‏وَلَا أُجْرَةَ لَهُ‏)‏ لِعَمَلِهِ فِيهِ سَوَاءٌ عَمِلَ فِيهِ فِي بَيْتِ رَبِّهِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ عَمَلَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ، إذْ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِتَسْلِيمِ الْمَعْمُولِ‏.‏

فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضَهُ كَمَكِيلٍ بِيعَ وَتَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ‏.‏

‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَجِيرِ ‏(‏حَبْسُ مَعْمُولٍ‏)‏ كَثَوْبٍ صَبَغَهُ أَوْ قَصَّرَهُ أَوْ خَاطَهُ ‏(‏عَلَى أُجْرَتِهِ إنْ أَفْلَسَ رَبُّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ حُكِمَ بِفَلَسِهِ وَرَجَعَ بِهِ؛ لِأَنَّ زِيَادَتَهُ لِلْمُفْلِسِ فَأُجْرَتُهُ عَلَيْهِ وَعِوَضُ الْأُجْرَةِ وَعَمَلُهُ مَوْجُودٌ فِي عَيْنِ الثَّوْبِ، فَمَلَكَ حَبْسَهُ مَعَ ظُهُورِ عُسْرَةِ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَنْ أَجَّرَ مِلْكَهُ لِآخَرَ بِأُجْرَةٍ حَالَةٍ ثُمَّ ظَهَرَتْ عُسْرَتُهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَهُ فَإِنْ لِلْمُؤَجِّرِ فَسْخَ الْإِجَارَةِ، فَإِنْ كَانَ أُجْرَتُهُ أَكْثَرَ مِمَّا زَادَتْ بِهِ قِيمَتُهُ أَخَذَ الزِّيَادَةَ وَحَاصَصَ الْغُرَمَاءُ بِبَاقِي الْأُجْرَةِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يُفَلِّسُ رَبُّهُ بِأُجْرَتِهِ فَلَيْسَ لِأَجِيرٍ حَبْسُهُ عَلَى أُجْرَتِهِ بَعْدَ عَمَلِهِ‏.‏

فَإِنْ فَعَلَ فَكَغَاصِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْهَنْهُ عِنْدَهُ وَلَا أَذِنَهُ فِي إمْسَاكِهِ، وَلَا يَتَضَرَّرُ بِدَفْعِهِ قَبْلَ أَخْذِ أُجْرَتِهِ، وَمَتَى فَعَلَ ‏(‏فَتَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ‏)‏ أَجِيرٌ ‏(‏بَعْدَ عَمَلِهِ أَوْ‏)‏ بَعْدَ ‏(‏حَمْلِهِ‏)‏ إذَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ ‏(‏خُيِّرَ مَالِكٌ بَيْنَ تَضْمِينِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَجِيرِ ‏(‏إيَّاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَعْمُولِ أَوْ الْمَحْمُولَ ‏(‏غَيْرَ مَعْمُولٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَنْسُوجٍ أَوْ نَحْوَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ غَيْرَ ‏(‏مَحْمُولٍ‏)‏ بِأَنْ يُطَالِبَهُ بِقِيمَتِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَلَّمَهُ إلَيْهِ فِيهِ لِيَحْمِلَهُ مِنْهُ ‏(‏وَلَا أُجْرَةَ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ عَمَلَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ تَضْمِينِهِ الْمَعْمُولَ أَوْ الْمَحْمُولَ التَّالِفَ تَعَدِّيًا بِقِيمَتِهِ ‏(‏مَعْمُولًا‏)‏ أَيْ‏:‏ مَصْبُوغًا وَنَحْوَهُ ‏(‏وَمَحْمُولًا‏)‏ إلَى مَكَان تَلِفَ فِيهِ ‏(‏وَلَهُ الْأُجْرَةُ‏)‏ أَيْ‏:‏ أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَحَمْلِهِ؛ لِأَنَّ تَضْمِينَهُ إيَّاهُ كَذَلِكَ فِي مَعْنَى تَسْلِيمِ الْعَمَلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَإِنَّمَا خُيِّرَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُسْتَصْحَبٌ عَلَيْهِ إلَى حِينِ التَّلَفِ فَمَلَكَ الْمُطَالَبَةَ بِقِيمَتِهِ قَبْلَ عَمَلِهِ وَحِينَ تَلَفِهِ‏.‏

‏(‏وَإِذَا جَذَبَ الدَّابَّةَ مُسْتَأْجِرٌ، أَوْ‏)‏ ضَرَبَهَا ‏(‏مُعَلِّمُهَا السَّيْرَ لِتَقِفَ أَوْ ضَرَبَاهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ مُسْتَأْجِرُهَا وَمُعَلِّمُهَا السَّيْرَ ‏(‏كَعَادَةِ‏)‏ ضَرْبِهَا فِي ذَلِكَ ‏(‏لَمْ يَضْمَنْ‏)‏ ضَارِبٌ مِنْهُمَا ‏(‏مَا تَلِفَ بِهِ‏)‏ بِهِ أَيْ‏:‏ الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ لِلْإِذْنِ فِيهِ عَادَةً، وَلِنَخْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ بَعِيرَ جَابِرٍ وَضَرْبِهِ ‏"‏ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْخُسُ بَعِيرَهُ بِمِحْجَنِهِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ‏.‏

‏(‏وَإِنْ اسْتَأْجَرَ مُشْتَرِكٌ‏)‏ أَجِيرًا ‏(‏خَاصًّا‏)‏ كَخَيَّاطٍ أَوْ صَبَّاغٍ يَسْتَأْجِرُ أَجِيرًا مُدَّةً مَعْلُومَةً يَسْتَعْمِلُهُ فِيهَا ‏(‏فَلِكُلٍّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏حُكْمُ نَفْسِهِ‏)‏ فَمَا تَقَبَّلَهُ صَاحِبُ الدُّكَّانِ وَدَفَعَهُ إلَى أَجِيرِهِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهُ، لِأَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ وَضَمِنَهُ صَاحِبُ الدُّكَّانِ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ ‏(‏وَإِنْ اسْتَعَانَ‏)‏ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ أَحْسَنَهَا أَوْ لَا ‏(‏وَلَمْ يَعْمَلْ فَلَهُ الْأُجْرَةُ‏)‏ الْمُسَمَّاةُ فِي الْعَقْدِ ‏(‏لِضَمَانِهِ‏)‏ الْتِزَامِهِ الْعَمَلَ ‏(‏لَا لِتَسْلِيمِ الْعَمَلِ‏)‏ وَتَقَدَّمَ فِي الشَّرِكَةِ‏:‏ أَنَّ التَّقَبُّلَ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ وَيَسْتَحِقُّ بِهِ الرِّبْحَ، وَسَوَاءٌ عَمِلَ فِيهِ شَيْئًا أَوْ لَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ الْأَجِيرُ‏:‏ ‏(‏أَذِنْتَ‏)‏ لِي ‏(‏فِي تَفْصِيلِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الثَّوْبِ ‏(‏قَبَاءً‏)‏ و‏(‏قَالَ‏)‏ الْمُسْتَأْجِرُ‏:‏ ‏(‏بَلْ‏)‏ أَذِنْتُ لَك فِي تَفْصِيلِهِ ‏(‏قَمِيصًا فَ‏)‏ الْقَوْلُ ‏(‏قَوْلُ الْخَيَّاطِ‏)‏ وَكَذَا إنْ قَالَ‏:‏ أَذِنْتُ فِي قَطْعِهِ قَمِيصَ امْرَأَةٍ، قَالَ‏:‏ بَلْ قَمِيصُ رَجُلٍ، أَوْ فِي صَبْغِهِ أَسْوَدَ فَقَالَ‏:‏ بَلْ أَحْمَرُ وَنَحْوُهُ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْإِذْنِ وَاخْتِلَافِهِمَا فِي صِفَتِهِ‏.‏

فَقُبِلَ قَوْلُ الْمَأْذُونِ كَالْمُضَارَبَةِ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ، فَيَحْلِفُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْغُرْمُ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَجِيرِ ‏(‏أُجْرَةُ مِثْلِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ‏.‏

وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِدَعْوَاهُ‏.‏

وَكَذَا لَوْ صَاغَ لَهُ صَائِغٌ ذَهَبًا سِوَارَيْنِ فَقَالَ رَبُّهُ‏:‏ إنَّمَا أَذِنْتُكَ بِصِيَاغَتِهِ خَلْخَالَيْنِ فَقَوْلُ الصَّائِغِ بِيَمِينِهِ، وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ كَالَّتِي قَبْلَهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى خَيَّاطٍ وَقَالَ‏:‏ ‏(‏إنْ كَانَ يَكْفِينِي فَفَصِّلْهُ، فَقَالَ‏:‏ يَكْفِيَكَ فَفَصَّلَهُ فَلَمْ يَكْفِهِ ضَمِنَهُ، كَمَا لَوْ قَالَ اقْطَعْهُ قَبَاءً فَقَطَعَهُ قَمِيصًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَهُ فِي قَطْعِهِ بِشَرْطِ كِفَايَتِهِ فَقَطَعَهُ بِدُونِ شَرْطِهِ و‏(‏لَا‏)‏ يَضْمَنُ ‏(‏إنْ قَالَ‏)‏ الْخَيَّاطُ لِرَبِّهِ‏:‏ ‏(‏يَكْفِيكَ فَقَالَ‏:‏ اقْطَعْهُ‏)‏ فَقَطَعَهُ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏لزوم الأجرة‏]‏

‏(‏وَتَجِبُ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَمَلُّكُ ‏(‏أُجْرَةٍ فِي إجَارَةِ عَيْنٍ‏)‏ وَلَوْ مُدَّةً لَا تَلِي الْعَقْدَ ‏(‏أَوْ‏)‏ إجَارَةٍ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي ‏(‏ذِمَّةٍ‏)‏ كَحَمْلٍ مُعَيَّنٍ إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ ‏(‏بِعَقْدٍ‏)‏ شُرِطَ فِيهِ الْحُلُولُ أَوْ أُطْلِقَ، كَمَا يَجِبُ الثَّمَنُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ بِالنِّكَاحِ‏.‏

وقَوْله تَعَالَى ‏{‏فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏ وَحَدِيثُ‏:‏ ‏{‏أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِيتَاءِ فِي وَقْتٍ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ قَبْلَهُ‏.‏

كَقَوْلِهِ ‏{‏فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏ وَالصَّدَاقُ يَجِبُ قَبْلَ الِاسْتِمْتَاعِ ‏(‏وَتُسْتَحَقُّ‏)‏ الْأُجْرَةُ ‏(‏كَامِلَةً‏)‏ أَنْ يَمْلِكَ الْمُؤَجِّرُ الْمُطَالَبَةَ بِهَا ‏(‏بِتَسْلِيمِ عَيْنٍ‏)‏ مُعَيَّنَةً كَانَتْ أَوْ مَوْصُوفَةً لِجَرَيَانِ تَسْلِيمِهَا مَجْرَى تَسْلِيمِ نَفْعِهَا ‏(‏أَوْ بَذْلِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَيْنِ، بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا مُؤَجِّرٌ إلَى مُسْتَأْجِرٍ لِيَسْتَوْفِيَ نَفْعَهَا فَيَمْتَنِعَ مِنْ تَسَلُّمِهَا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ بَذَلَ الْبَائِعُ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ‏.‏

‏(‏وَتَسْتَقِرُّ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَثْبُتُ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً بِذِمَّةِ مُسْتَأْجِرٍ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ‏(‏بِفَرَاغِ عَمَلٍ مَا‏)‏ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِهِ وَهُوَ ‏(‏بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ‏)‏ كَطَبَّاخٍ اُسْتُؤْجِرَ لِطَبْخٍ بِبَيْتِ مُسْتَأْجِرٍ فَوَفَّى بِهِ، لِأَنَّهُ أَتَمَّ مَا عَلَيْهِ وَهُوَ بِيَدِ رَبِّهِ فَاسْتَقَرَّ‏.‏

وَفِي شَرْحِهِ وَالْإِقْنَاعِ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ‏:‏ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِيمَا عَمِلَهُ أَيْ‏:‏ وَتَلِفَ قَبْلَ تَسَلُّمِهِ سَوَاءٌ عَمِلَهُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ فِي بَيْتِهِ ‏(‏وَيَدْفَعُ غَيْرَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ غَيْرَ مَا بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ كَخَيَّاطٍ اُسْتُؤْجِرَ لِيَخِيطَ ثَوْبًا بِدُكَّانِهِ فَخَاطَهُ وَسَلَّمَهُ لِرَبِّهِ ‏(‏مَعْمُولًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَا عَلَيْهِ فَاسْتَحَقَّ عِوَضَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَسْتَقِرُّ أَيْضًا ‏(‏بِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ إذَا كَانَتْ عَلَى مُدَّةٍ وَسُلِّمَتْ إلَيْهِ الْعَيْنُ بِلَا مَانِعٍ وَلَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ لِتَلَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَحْتَ يَدِهِ وَهُوَ حَقُّهُ، فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عِوَضُهُ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ إذَا أُتْلِفَ بِيَدِ مُشْتَرٍ ‏(‏وَ‏)‏ تَسْتَقِرُّ أَيْضًا ‏(‏بِبَذْلِ تَسْلِيمِ عَيْنٍ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ‏)‏ أَيْ‏:‏ اسْتِيفَاءُ الْعَمَلِ ‏(‏فِيهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُدَّةِ لِتَلَفِ الْمَنَافِعِ تَحْتَ يَدِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي‏.‏

فَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَكَّةَ مَثَلًا ذَهَابًا وَإِيَابًا بِكَذَا وَسَلَّمَهَا لَهُ وَمَضَى مَا يُمْكِنُ ذَهَابُهُ إلَيْهَا وَرُجُوعُهُ فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ وَلَمْ يَفْعَلُ اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ‏.‏

‏(‏وَيَصِحُّ شَرْطُ تَعْجِيلِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأُجْرَةِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ سَنَةَ تِسْعٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَشَرَطَ عَلَيْهِ تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ يَوْمَ الْعَقْدِ ‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ شَرْطُ ‏(‏تَأْخِيرِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأُجْرَةِ بِأَنْ تَكُونَ مُؤَجَّلَةً بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ كَالثَّمَنِ‏.‏

‏(‏وَلَا تَجِبُ‏)‏ أُجْرَةٌ ‏(‏بِبَذْلِ‏)‏ تَسْلِيمِ عَيْنٍ ‏(‏فِي‏)‏ إجَارَةٌ ‏(‏فَاسِدَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا لَمْ تَتْلَفْ تَحْتَ يَدِهِ وَلَا فِي مِلْكِهِ ‏(‏فَإِنْ تَسَلَّمَ‏)‏ الْمُؤَجَّرَةَ فِي إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ أَوْ مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ عَمَلٍ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ أَوْ لَا ‏(‏فَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏أُجْرَةُ الْمِثْلِ‏)‏ مُدَّة بَقَائِهَا بِيَدِهِ ‏(‏وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ‏)‏ بِهَا لِتَلَفِ مَنَافِعِهَا تَحْتَ يَدِهِ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لِمُؤْجِرٍ فَرَجَعَ إلَى قِيمَتِهَا كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهَا‏.‏

‏(‏وَإِذَا انْقَضَتْ‏)‏ أَيْ‏:‏ انْتَهَتْ ‏(‏مُدَّةُ إجَارَةِ أَرْضٍ وَبِهَا غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ لَمْ يُشْتَرَطْ‏)‏ فِي الْإِجَارَةِ ‏(‏قَلْعُهُ‏)‏ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ‏(‏أَوْ شُرِطَ‏)‏ عَلَى رَبِّ أَرْضٍ ‏(‏بَقَاؤُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ‏(‏خُيِّرَ مَالِكُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَرْضِ ‏(‏بَيْنَ أَخْذِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَمَلُّكِ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ ‏(‏بِقِيمَتِهِ‏)‏ بِأَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ مَغْرُوسَةً أَوْ مَبْنِيَّةً ثُمَّ خَالِيَةً مِنْهُمَا فَمَا بَيْنَهُمَا قِيمَتُهُ ‏(‏أَوْ تَرْكِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ ‏(‏بِأُجْرَتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ أُجْرَةِ مِثْلِهِ ‏(‏أَوْ قَلْعِهِ‏)‏ جَبْرًا ‏(‏وَضَمَانِ نَقْصِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَإِزَالَةِ ضَرَرِ الْمَالِكَيْنِ فَلَا أَثَرَ لِاشْتِرَاطِ الْمُسْتَأْجِرِ تَبْقِيَةَ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ ‏(‏مَا لَمْ يَقْلَعْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغِرَاسَ أَوْ الْبِنَاءَ ‏(‏مَالِكُهُ‏)‏ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ‏.‏

فَإِنْ أَرَادَهُ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ مَنْعُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ‏.‏

‏(‏وَمَا لَمْ يَكُنْ الْبِنَاءُ‏)‏ الَّذِي بَنَاهُ مُسْتَأْجَرٌ بِمُؤَجَّرَةٍ ‏(‏مَسْجِدًا أَوْ نَحْوَهُ‏)‏ كَمَدْرَسَةٍ وَسِقَايَةٍ وَقَنْطَرَةٍ ‏(‏فَلَا يُهْدَمُ وَتَلْزَمُ الْأُجْرَةُ إلَى زَوَالِهِ‏)‏ وَكَذَا لَوْ بُنِيَ بِهَا بِنَاءٌ وَقَفَهُ عَلَى مَسْجِدٍ، كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏.‏

فَإِذَا انْهَدَمَ زَالَ حُكْمُ الْوَقْفِ وَأَخَذُوا أَرْضَهُمْ فَانْتَفَعُوا بِهَا ‏(‏وَلَا يُعَادُ‏)‏ مَسْجِدٌ أَوْ غَيْرُهُ انْهَدَمَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ‏(‏بِغَيْرِ رِضَا رَبِّ الْأَرْضِ‏)‏؛ لِزَوَالِ حُكْمِ الْإِذْنِ بِزَوَالِ الْعَقْدِ‏.‏

‏(‏تَنْبِيهٌ‏)‏ ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّخْيِيرَ بَاقٍ وَلَوْ وَقَفَ مُسْتَأْجِرٌ مَا بَنَاهُ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ فَإِنْ لَمْ يُتْرَكْ بِالْأُجْرَةِ فَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَبْطُلَ الْوَقْفُ مُطْلَقًا انْتَهَى‏.‏

فَإِنْ تَمَلَّكَهُ رَبُّ الْأَرْضِ اشْتَرَى بِقِيمَتِهِ، مِثْلَهُ وَكَذَا إنْ هَدَمَهُ وَضَمِنَ نَقْصَهُ صَرَفَ نَقْضَهُ وَمَا أَخَذَ فِي مِثْلِهِ‏.‏

‏(‏وَفِي الْفَائِقِ‏.‏

قُلْتُ لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ‏)‏ الْمُؤَجَّرَةُ لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ ‏(‏وَقْفًا‏)‏ وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ ‏(‏لَمْ يُتَمَلَّكْ‏)‏ غِرَاسٌ وَلَا بِنَاءٌ لِجِهَةِ وَقْفِ الْأَرْضِ ‏(‏إلَّا بِشَرْطِ وَاقِفٍ‏)‏ بِأَنْ كَانَ شَرَطَهُ فِي وَقْفِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ إلَّا ‏(‏بِرِضَا مُسْتَحِقٍّ‏)‏ لِرَيْعِ وَقْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ شُرِطَ؛ لِأَنَّ فِي دَفْعِ قِيمَتِهِ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ تَفْوِيتًا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ‏.‏

وَقَالَ ‏(‏الْمُنَقِّحُ‏)‏‏:‏ قُلْتُ‏:‏ ‏(‏بَلْ إذَا حَصَلَ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّمَلُّكِ ‏(‏نَفْعٌ‏)‏ لِجِهَةِ الْوَقْفِ، بِأَنْ كَانَ أَحَظَّ مِنْ بَقَائِهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ‏(‏كَانَ لَهُ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَمَلُّكُهُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً تَعُودُ إلَى مُسْتَحِقِّ الرَّيْعِ، كَشِرَاءِ وَلِيٍّ بِنَاءً لِيَتِيمٍ إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً‏.‏

وَفِي الْإِقْنَاعِ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ رَجَبٍ‏:‏ لَا يَتَمَلَّكُ غَيْرُ تَامِّ الْمِلْكِ كَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَأْجَرِ، وَفِيهِ أَيْضًا‏:‏ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ‏:‏ لَا يُقْلَعُ الْغِرَاسُ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مُؤْنَةُ ‏(‏الْقَلْعِ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ‏)‏ كَنَقْلِ مَتَاعِهِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ تَفْرِيغَ الْمُؤَجَّرَةِ مِمَّا أَشْغَلَهَا بِهِ مِنْ مِلْكِهِ ‏(‏وَكَذَا تَسْوِيَةُ حُفَرٍ‏)‏ حَصَلَتْ بِقَلْعٍ فَتَلْزَمُ مُسْتَأْجِرًا ‏(‏إنْ اخْتَارَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقَلْعَ، مُسْتَأْجِرٌ دُونَ رَبِّ الْأَرْضِ‏.‏

لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ‏.‏

فَلَزِمَهُ إزَالَتُهُ‏.‏

فَإِنْ اخْتَارَهُ مُؤَجِّرٌ فَلَا شَيْءَ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ شُرِطَ‏)‏ عَلَى مُسْتَأْجِرِ أَرْضٍ بِغِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ ‏(‏قَلْعُهُ‏)‏ عِنْدَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ إجَارَةٍ ‏(‏لَزِمَهُ قَلْعُهُ‏)‏ وَفَاءً بِمُوجَبِ شَرْطِهِ ‏(‏وَلَيْسَ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ ‏(‏تَسْوِيَةُ حُفَرٍ‏)‏ تَحْصُلُ بِقَلْعٍ ‏(‏وَلَا إصْلَاحُ أَرْضٍ‏)‏؛ لِدَلَالَةِ الشَّرْطِ عَلَى رِضَا رَبِّ الْأَرْضِ بِذَلِكَ ‏(‏إلَّا بِشَرْطٍ‏)‏ بِأَنْ شَرَطَهُ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ وَفَاءٌ بِالشَّرْطِ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يَجِبُ ‏(‏عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ‏)‏ إذَا شَرَطَ الْقَلْعَ عِنْدَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ‏(‏غَرَامَةُ نَقْصٍ‏)‏ بِقَلْعٍ لِدُخُولِهِمَا عَلَى ذَلِكَ لِرِضَاهُمَا بِالْقَلْعِ‏.‏

وَإِنْ بَاعَ مُسْتَأْجِرٌ غَرْسَهُ أَوْ بِنَاءَهُ لِمَالِكِ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ قَلْعِهِ جَازَ‏.‏

وَالْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ كَالصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ شَرِيكًا لِمُؤَجِّرٍ فِي الْأَرْضِ وَغَرَسَ أَوْ بَنَى، ثُمَّ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ فَلِلْمُؤَجِّرِ أَخْذُ حِصَّةِ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ فِي الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ‏.‏

وَلَيْسَ لَهُ إلْزَامُهُ بِقَلْعٍ لِاسْتِلْزَامِهِ قَلْعَ مَا لَا يَجُوزُ قَلْعُهُ‏.‏

قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ ‏(‏وَإِنْ بَقِيَ‏)‏ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ إجَارَةِ ‏(‏زَرْعٍ‏)‏ فِي مُؤَجَّرَةٍ ‏(‏بِلَا تَفْرِيطِ مُسْتَأْجِرٍ‏)‏ كَأَنْ أَبْطَأَ الزَّرْعُ لِنَحْوِ بَرْدٍ ‏(‏لَزِمَ‏)‏ مُؤَجِّرًا ‏(‏تَرْكُهُ‏)‏ إلَى كَمَالِهِ ‏(‏بِأُجْرَتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ أُجْرَةِ مِثْلِهِ لِمَا زَادَ عَلَى مُدَّةِ إجَارَةٍ كَالْمُسْتَعِيرِ إذَا زَرَعَ وَرَجَعَ الْمُعِيرُ قُلْت‏:‏ وَمِثْلُهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا سَنَةً مَثَلًا فَأَكْثَرَ لِزَرْعِ نَحْوِ قُطْنٍ أَوْ قَصَبٍ وَبَقِيَتْ عُرُوقُهُ بَعْدَهَا بِالْأَرْضِ فَلَا تُقْلَعُ؛ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ‏.‏

وَعَلَى مُسْتَأْجِرٍ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مَا بَقِيَتْ مَا لَمْ يَتْرُكْهَا لِرَبِّ الْأَرْضِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ كَانَ بَقَاؤُهُ ‏(‏بِتَفْرِيطِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَأْجِرِ كَزَرْعِهِ مَا لَا تَجْرِي الْعَادَةُ بِكَمَالِهِ فِي مُدَّتِهَا ‏(‏فَلِمَالِكِ‏)‏ الْأَرْضِ ‏(‏ذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَرْكُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ إلَى كَمَالِهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏أَخْذُهُ‏)‏ أَيْ ‏:‏ الزَّرْعِ ‏(‏بِقِيمَتِهِ‏)‏ لِتَعَدِّيهِ فِيهِ‏.‏

أَشْبَهَ زَرْعَ الْغَاصِبِ ‏(‏مَا لَمْ يَخْتَرْ مُسْتَأْجِرٌ قَلْعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الزَّرْعِ ‏(‏وَ‏)‏ يَخْتَرْ ‏(‏تَفْرِيغَهَا فِي الْحَالِ‏)‏ فَلَا يَمْلِكُ رَبُّ الْأَرْضِ أَخْذَهُ بِقِيمَتِهِ لِزَوَالِ الضَّرَرِ وَعَوْدِ أَرْضِهِ إلَيْهِ عَلَى مُقْتَضَى الْعَقْدِ‏.‏

وَلِمَالِكٍ مَنْعُ مُسْتَأْجِرٍ أَرَادَ زَرْعَ مَا لَا يُدْرَكُ عَادَةً فِي مُدَّةِ إجَارَةٍ‏.‏

فَإِنْ زَرَعَ لَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهُ بِقَلْعِهِ قَبْلَ الْمُدَّةِ لِمِلْكِهِ نَفْعَهَا‏.‏

‏(‏وَاكْتِرَاءُ‏)‏ أَرْضٍ ‏(‏مُدَّةً لِزَرْعٍ لَا يَكْمُلُ فِيهَا‏)‏ الزَّرْعُ كَخَمْسَةِ أَشْهُرٍ لِمَا لَا يُدْرَكُ إلَّا فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ ‏(‏إنْ شَرَطَ‏)‏ فِي الْعَقْدِ ‏(‏قَلْعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الزَّرْعِ ‏(‏بَعْدَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ‏(‏صَحَّ‏)‏ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مُدَّتِهِ‏.‏

وَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ لِأَخْذِهِ قَصِيلًا وَنَحْوِهِ‏.‏

وَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَ وَإِلَّا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ، بَلْ أَطْلَقَ أَوْ شَرَطَ الْإِبْقَاءَ حَتَّى يَكْمُلَ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِزَرْعِهِ فِيهَا‏.‏

أَشْبَهَ إجَارَةَ الْأَرْضِ السَّبِخَةِ لِلزَّرْعِ‏.‏

وَلَا يُطَالَبُ بِالْقَلْعِ إنْ زَرَعَ‏.‏

‏(‏وَمَتَى انْقَضَتْ‏)‏ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ ‏(‏رَفَعَ‏)‏ مُسْتَأْجِرٌ ‏(‏يَدَهُ‏)‏ عَنْ مُؤَجَّرَةٍ ‏(‏وَلَمْ يَلْزَمْهُ رَدٌّ وَلَا مُؤْنَةٌ كَمُودَعٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَقْتَضِي الضَّمَانَ‏.‏

فَلَا يَقْتَضِي رَدَّهُ وَمُؤْنَتَهُ، بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ‏.‏

فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهَا وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ‏.‏

لَكِنْ إنْ شُرِطَ أَنْ لَا يَسِيرَ بِهَا لَيْلًا أَوْ وَقْتَ قَائِلَةٍ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْقَافِلَةِ أَوْ فِي آخِرِهَا وَنَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ غَرَضٌ فَخَالَفَ ضَمِنَ وَمَتَى طَلَبَهَا رَبُّهَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا‏.‏

فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهَا ضَمِنَهَا كَالْمَغْصُوبَةِ‏.‏

وَنَمَاؤُهَا كَهِيَ‏.‏

وَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ‏.‏

لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ وَإِنْ شَرَطَ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ ضَمَانَ مُؤَجَّرَةٍ فَسَدَ الشَّرْطُ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ‏.‏

وَفِي التَّبْصِرَةِ‏:‏ يَلْزَمُهُ رَدٌّ بِشَرْطٍ ‏(‏وَلِ‏)‏ مُؤَجِّرٍ ‏(‏مُشْتَرِطٍ‏)‏ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ ‏(‏عَدَمَ سَفَرٍ ب‏)‏ عَيْنٍ ‏(‏مُؤَجَّرَةٍ الْفَسْخُ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ سَفَرِهِ بِهَا لِمُخَالِفَتِهِ الشَّرْطَ‏.‏

وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ أَنَّ لَهُ السَّفَرَ مَعَ الْإِطْلَاقِ، وَلَيْسَ لِسَيِّدٍ آجَرَ رَقِيقَهُ السَّفَرُ بِهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ بِعَقْدِ‏)‏ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ‏(‏فَأَعْطَى‏)‏ بَائِعًا أَوْ مُؤَجِّرًا وَنَحْوَهُ ‏(‏عَنْهَا دَنَانِيرَ‏)‏ أَوْ غَيْرَهَا، بِأَنْ عَوَّضَهُ عَنْهَا عِوَضًا ‏(‏ثُمَّ انْفَسَخَ‏)‏ عَقْدُ الْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِ رَجَعَ مُشْتَرٍ أَوْ مُسْتَأْجِرٌ وَنَحْوِهِ بِالدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهَا عِوَضُ الْعَقْدِ، وَالْبَائِعُ أَوْ الْمُؤَجِّرُ وَنَحْوُهُ إنَّمَا أَخَذَ الدَّنَانِيرَ أَوْ نَحْوَهَا بِعَقْدٍ آخَرَ وَلَمْ يَنْفَسِخْ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ ثُمَّ صَرَفَهَا بِدَنَانِيرَ أَوْ اشْتَرَى بِهَا عَرَضًا مِنْهُ‏.‏