فصل: فَصْلٌ: (الحكم إذا استعار عينا من مستأجر)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


بَابُ‏:‏ الْمُسَابَقَةِ

مِنْ السَّبَقِ وَهُوَ بُلُوغُ الْغَايَةِ قَبْلَ غَيْرِهِ، وَالسَّبَقُ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَالسِّبْقَةُ‏:‏ الْجُعْلُ يُتَسَابَقُ عَلَيْهِ، وَهِيَ ‏(‏الْمُجَارَاةُ بَيْنَ حَيَوَانٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَرِمَاحٍ وَمَنَاجِقَ وَكَذَا السِّبَاقُ ‏(‏وَالْمُنَاضَلَةُ‏)‏ مِنْ النَّضْلِ ‏(‏الْمُسَابَقَةُ بِالرَّمْيِ‏)‏ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ التَّامُّ يُسَمَّى نَضْلًا فَالرَّمْيُ بِهِ عَمَلٌ بِالنَّضْلِ‏.‏

‏(‏وَتَجُوزُ‏)‏ الْمُسَابَقَةُ ‏(‏فِي سُفُنٍ وَمَزَارِيقُ وَطُيُورٍ وَغَيْرِهَا‏)‏ كَمَقَالِيعَ وَأَحْجَارٍ ‏(‏وَعَلَى الْأَقْدَامِ وَكُلِّ الْحَيَوَانَاتِ‏)‏ كَإِبِلٍ وَخَيْلٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ وَفِيَلَةٍ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِهَا فِي الْجُمْلَةِ‏.‏

لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ‏}‏ وَحَدِيثِ مُسْلِمٍ‏:‏ ‏{‏إنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ سَابَقَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏}‏‏"‏‏.‏

وَفِي الْوَسِيلَةِ يُكْرَهُ الرَّقْصُ وَاللَّعِبُ كُلُّهُ وَمَجَالِسُ الشِّعْرِ‏.‏

وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ يُكْرَهُ لُعْبَةٌ بِأُرْجُوحَةٍ وَنَحْوِهَا‏.‏

وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ‏:‏ لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ الْمَعْرُوفُ بِالطَّابِ والنَّقِيلَةِ‏:‏ وَقَالَ‏:‏ يَجُوزُ مَا قَدْ يَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ بِلَا مَضَرَّةٍ‏.‏

وَيُسْتَحَبُّ بِآلَةِ حَرْبٍ‏.‏

قَالَ جَمَاعَةٌ‏:‏ وَالثَّقَّافُ وَلَيْسَ مِنْ اللَّهْوِ تَأْدِيبُ فَرَسِهِ وَمُلَاعَبَةُ أَهْلِهِ وَرَمْيُهُ لِلْخَبَرِ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ تَجُوزُ مُسَابَقَةٌ ‏(‏بِعِوَضٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَالٍ لِمَنْ سَبَقَ ‏(‏إلَّا فِي مُسَابَقَةِ خَيْلٍ وَإِبِلٍ وَسِهَامٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ نُشَّابٍ وَنَبْلٍ لِلرِّجَالِ قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ‏.‏

لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏لَا سَبَقَ إلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ‏}‏ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ‏.‏

وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ مَاجَهْ ‏"‏ نَصْلٍ ‏"‏؛ وَلِأَنَّهَا آلَاتُ الْحَرْبِ الْمَأْمُورِ بِتَعَلُّمِهَا وَأَحْكَامِهَا‏.‏

فَلِذَلِكَ اخْتَصَّ بِهَا‏.‏

وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ تَحْرِيمَ الرَّهْنِ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ إجْمَاعًا ‏(‏بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ‏.‏

أَحَدُهَا‏:‏ تَعْيِينُ الْمَرْكُوبَيْنِ‏)‏ فِي الْمُسَابَقَةِ ‏(‏وَ‏)‏ تَعْيِينُ ‏(‏الرُّمَاةِ‏)‏ فِي الْمُنَاضَلَةِ ‏(‏بِرُؤْيَةٍ‏)‏ فِيهِمَا ‏(‏سَوَاءٌ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَتَيْنِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي الْمُسَابَقَةِ مَعْرِفَةُ ذَاتِ الْمَرْكُوبَيْنِ الْمُسَابَقِ عَلَيْهِمَا وَمَعْرِفَةُ عَدَدِهِمَا وَفِي الْمُنَاضَلَةِ‏:‏ مَعْرِفَةُ حِذْقِ الرُّمَاةِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّعْيِينِ بِالرُّؤْيَةِ‏.‏

فَإِنْ عَقَدَ اثْنَانِ مُنَاضَلَةً وَمَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا نَفَرٌ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ بَانَ بَعْضُ الْحِزْبِ كَثِيرُ الْإِصَابَةِ أَوْ عَكْسِهِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا ظَنَّ خِلَافِهِ لَمْ يُقْبَلْ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ ‏(‏الرَّاكِبَيْنِ وَلَا الْقَوْسَيْنِ‏)‏؛ لِأَنَّهُمَا آلَةٌ لِلْمَقْصُودِ كَالسَّرْجِ‏.‏

وَالْقَصْدُ مَعْرِفَةُ عَدْوِ الْفَرَسِ وَحِذْقِ الرَّامِي كَمَا سَبَقَ‏.‏

وَكُلُّ مَا تَعَيَّنَ لَا يَجُوزُ إبْدَالُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ يَجُوزُ إبْدَالُهُ مُطْلَقًا‏.‏

وَإِنْ شُرِطَ أَنْ لَا يَرْمِيَ بِغَيْرِ هَذَا الْقَوْس أَوْ السَّهْمِ أَوْ لَا يَرْكَبَ غَيْرُ فُلَانٍ فَفَاسِدٌ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الثَّانِي‏:‏ اتِّحَادُ الْمَرْكُوبَيْنِ‏)‏ بِالنَّوْعِ فِي الْمُسَابَقَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ اتِّحَادُ ‏(‏الْقَوْسَيْنِ بِالنَّوْعِ‏)‏ فِي الْمُنَاضَلَةِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ مَعْلُومٌ بِحُكْمِ الْعَادَةِ‏.‏

أَشْبَهَا الْجِنْسَيْنِ ‏(‏فَلَا تَصِحُّ‏)‏ مُسَابَقَةٌ ‏(‏بَيْنَ‏)‏ فَرَسٍ ‏(‏عَرَبِيٍّ وَ‏)‏ فَرَسٍ ‏(‏هَجِينٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَبُوهُ فَقَطْ عَرَبِيٌّ ‏(‏وَلَا‏)‏ الْمُنَاضَلَةُ بَيْنَ ‏(‏قَوْسٍ عَرَبِيَّةٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَوْسِ النَّبْلِ ‏(‏وَ‏)‏ قَوْسٍ ‏(‏فَارِسِيَّةٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَوْسِ النُّشَّابِ‏.‏

قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ‏.‏

وَلَا يُكْرَهُ الرَّمْيُ بِهَا‏.‏

فَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ أَنْوَاعُ الْقَوْسِ الَّتِي يَرْمِيَانِ بِهَا فِي الِابْتِدَاءِ لَمْ يَصِحَّ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الثَّالِثُ‏:‏ تَحْدِيدُ الْمَسَافَةِ‏)‏ بِالِابْتِدَاءِ ‏(‏وَالْغَايَةِ وَ‏)‏ تَحْدِيدُ ‏(‏مَدَى رَمْيٍ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ‏)‏ أَمَّا فِي الْمُسَابَقَةِ؛ فَلِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ الْأَسْبَقِ‏.‏

وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّسَاوِي فِي الْغَايَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْحَيَوَانِ مَا يُقَصِّرُ فِي أَوَّلِ عَدْوِهِ وَيُسْرِعُ فِي انْتِهَائِهِ وَبِالْعَكْسِ‏.‏

فَيَحْتَاجُ إلَى غَايَةٍ تَجْمَعُ حَالَيْهِ‏.‏

فَإِنْ اسْتَبَقَا بِلَا غَايَةٍ لِيُنْظَرَ أَيَّهُمَا يَقِفُ أَوَّلًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَقِفَ أَحَدُهُمَا حَتَّى يَنْقَطِعَ فَرَسُهُ وَيَتَعَذَّرُ الْإِشْهَادُ عَلَى السَّبَقِ فِيهِ‏.‏

وَأَمَّا فِي الْمُنَاضَلَةِ؛ فَلِأَنَّ الْإِصَابَةَ تَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ‏.‏

فَإِنْ قُيِّدَ بِمَدًى تَتَعَذَّرُ فِيهِ الْإِصَابَةُ غَالِبًا وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ لَمْ يَصِحَّ‏.‏

لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ بِالرَّمْيِ‏.‏

وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إنَّهُ مَا رَمَى فِي أَرْبَعِمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَّا عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الرَّابِعُ‏:‏ عِلْمُ عِوَضٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فِي عَقْدٍ‏.‏

فَوَجَبَ الْعِلْمُ بِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَيُعْلَمُ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ الْوَصْفِ‏.‏

وَيَجُوزُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا وَبَعْضُهُ حَالٌّ وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ كَالْبَيْعِ ‏(‏وَإِبَاحَتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعِوَضِ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعِوَضُ أَيْ‏:‏ بَذْلُهُ ‏(‏تَمْلِيكٌ‏)‏ لِلسَّابِقِ ‏(‏بِشَرْطِ سَبْقِهِ‏)‏ وَلِهَذَا قَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ‏:‏ الْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ ‏(‏الْخَامِسُ‏:‏ الْخُرُوجُ‏)‏ بِالْعِوَضِ ‏(‏عَنْ شِبْهِ قِمَارٍ‏)‏ بِكَسْرِ الْقَافِ‏.‏

يُقَالُ‏:‏ قَامَرَهُ قِمَارًا وَمُقَامَرَةً فَقَمَرَهُ إذَا رَاهَنَهُ فَغَلَبَهُ ‏(‏بِأَنْ لَا يُخْرِجَ جَمِيعُهُمْ‏)‏ الْعِوَضَ‏.‏

لِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ لَمْ يَخْلُ عَنْ أَنْ يَغْنَمَ أَوْ يَغْرَمَ وَهُوَ شِبْهُ الْقِمَارِ‏.‏

‏(‏فَإِنْ كَانَ‏)‏ الْجُعْلُ ‏(‏مِنْ الْإِمَامِ‏)‏ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَقَ فَهُوَ لَهُ‏.‏

جَازَ وَلَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ‏.‏

لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً وَحَثًّا عَلَى تَعَلُّمِ الْجِهَادِ وَنَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ ‏(‏غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْإِمَامِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَقَ فَهُوَ لَهُ جَازَ‏.‏

لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَالْقُرْبَةِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ سِلَاحًا أَوْ خَيْلًا ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الْجُعْلُ ‏(‏مِنْ أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُتَسَابِقَيْنِ أَوْ مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْهُمْ إذَا كَثَرُوا وَثَمَّ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ ‏(‏عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَقَ أَخْذُهُ جَازَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بَذْلُهُ مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ مِنْ بَعْضِهِمْ‏.‏

‏(‏فَإِنْ جَاءَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُتَسَابِقَانِ مُنْتَهَى الْغَايَةِ ‏(‏مَعًا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا‏)‏ مِنْ الْجُعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ‏(‏وَإِنْ سَبَقَ مُخْرِجُ‏)‏ عِوَضٍ ‏(‏أَحْرَزَهُ‏.‏

وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا‏)‏ لِئَلَّا يَكُونَ قِمَارًا ‏(‏وَإِنْ سَبَقَ الْآخَرُ‏)‏ الَّذِي لَمْ يُخْرِجْ ‏(‏أَحْرَزَ سَبْقَ صَاحِبِهِ‏)‏ فَمَلَكَهُ كَسَائِرِ مَالِهِ، كَالْعِوَضِ فِي الْجَعَالَةِ إذَا وَفَّى بِالْعَمَلِ‏.‏

فَإِنْ كَانَ عَيْنًا أَخَذَهُ وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَدَيْنٌ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ‏.‏

وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا‏.‏

وَإِنْ أَفْلَسَ ضُرِبَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ ‏(‏وَإِنْ أَخْرَجَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُتَسَابِقَانِ ‏(‏مَعًا لَمْ يَجُزْ‏)‏ تَسَاوِيًا أَوْ تَفَاضُلًا؛ لِأَنَّهُ قِمَارٌ، إذْ لَا يَخْلُو كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ أَنْ يَغْنَمَ أَوْ يَغْرَمَ ‏(‏إلَّا بِمُحَلِّلٍ لَا يُخْرِجُ شَيْئًا‏.‏

‏(‏وَلَا يَجُوزُ‏)‏ كَوْنُ مُحَلِّلٍ ‏(‏أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ‏)‏ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ بِهِ ‏(‏يُكَافِئُ مَرْكُوبُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُحَلِّلِ ‏(‏مَرْكُوبَيْهِمَا‏)‏ فِي الْمُسَابَقَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ يُكَافِئُ ‏(‏رَمْيُهُ رَمْيَهُمَا‏)‏ فِي الْمُنَاضَلَةِ‏.‏

لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَيْسَ قِمَارًا‏.‏

وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمَارٌ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَافِئِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ‏.‏

‏(‏فَإِنْ سَبَقَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ سَبَقَ الْمُخْرِجَانِ الْمُحَلِّلَ وَلَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ‏(‏أَحْرَزَا سَبَقَيْهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ أَحْرَزَ كُلٌّ مِنْهُمَا سَبَقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا سَابِقَ مِنْهُمَا‏.‏

وَلَا شَيْءَ لِلْمُحَلِّلِ‏.‏

لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ أَحَدَهُمَا ‏(‏وَلَمْ يَأْخُذَا مِنْهُ شَيْئًا‏)‏ لِئَلَّا يَكُونَ قِمَارًا ‏(‏وَإِنْ سَبَقَ هُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُحَلِّلُ الْمُخْرِجَيْنِ أَحْرَزَ السَّبَقَيْنِ ‏(‏أَوْ‏)‏ سَبَقَ ‏(‏أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ أَحَدُ الْمُخْرِجَيْنِ صَاحِبَهُ وَالْمُحَلِّلَ ‏(‏أَحْرَزَ السَّبَقَيْنِ‏)‏ لِوُجُودِ شَرْطِهِ ‏(‏وَإِنْ سَبَقَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُحَلِّلُ وَأَحَدُ الْمُخْرِجَيْنِ ‏(‏مَعًا فَسَبْقُ مَسْبُوقٍ بَيْنَهُمَا‏)‏ نِصْفَيْنِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي السَّبَقِ وَمَا أَخْرَجَهُ السَّابِقُ مَعَ الْمُحَلِّلِ فَهُوَ لَهُ بِسَبْقِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ قَالَ غَيْرُهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ غَيْرُ الْمُتَسَابِقَيْنِ الْمُخْرِجَ لِلْعِوَضِ ‏(‏مَنْ سَبَقَ‏)‏ مِنْكُمَا ‏(‏أَوْ صَلَّى فَلَهُ عَشَرَةٌ لَمْ يَصِحَّ مَعَ اثْنَيْنِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِ السَّبَقِ إذَنْ فَلَا حِرْصَ عَلَيْهِ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا ‏(‏وَإِنْ زَادَ‏)‏ عَلَى اثْنَيْنِ صَحَّ ‏(‏أَوْ قَالَ‏)‏ مُخْرِجٌ‏:‏ مَنْ سَبَقَ فَلَهُ عَشَرَةٌ ‏(‏وَمَنْ صَلَّى فَلَهُ خَمْسَةٌ وَكَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ لِلْأَقْرَبِ‏)‏ فَالْأَقْرَبِ ‏(‏السَّابِقِ‏)‏ كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ وَمَنْ تَلَى فَلَهُ أَرْبَعَةٌ ‏(‏صَحَّ‏)‏ لِاجْتِهَادِ كُلٍّ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يَكُونَ سَابِقًا لِيُحْرِزَ الْأَكْثَرَ‏.‏

‏(‏وَخَيْلُ الْحَلْبَةِ‏)‏ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ ‏(‏مُرَتَّبَةٌ‏)‏ وَهِيَ خَيْلٌ تَجْتَمِعُ لِلسِّبَاقِ مِنْ كُلِّ أَوْبٍ، لِتَخْرُجَ مِنْ إسْطَبْلٍ وَاحِدٍ كَمَا يُقَالُ لِلْقَوْمِ إذَا جَاءُوا مِنْ أَوْبٍ لِلنُّصْرَةِ‏:‏ قَدْ أَحْلَبُوا‏.‏

قَالَ فِي الصِّحَاحِ‏.‏

أَوَّلُهَا ‏(‏مُجَلٍّ‏)‏ بِالْجِيمِ وَهُوَ السَّابِقُ لِجَمِيعِ خَيْلِ الْحَلْبَةِ ‏(‏فَمُصَلٍّ‏)‏؛ لِأَنَّ رَأْسَهُ تَكُونُ عِنْدَ صَلَا الْمُجَلِّي‏.‏

وَالصَّلَوَانِ‏:‏ عِرْقَانِ أَوْ عَظْمَانِ مِنْ جَانِبَيْ الذَّنَبِ‏.‏

وَفِي الْأَثَرِ عَنْ عَلِيٍّ ‏"‏ سَبَقَ أَبُو بَكْرٍ وَصَلَى عُمَرُ، وَخَبَطَتْنَا فِتْنَةٌ ‏"‏ وَهِيَ مَوْتُ عُثْمَانَ ‏(‏فَتَالٍ‏)‏ الْجَائِي بَعْدَ الْمُصَلِّي ‏(‏فَبَارِعٌ‏)‏ الرَّابِعُ ‏(‏فَمُرْتَاحٌ‏)‏ الْخَامِسُ ‏(‏فَحَظِيٌّ‏)‏ السَّادِسُ ‏(‏فَعَاطِفٌ‏)‏ السَّابِعُ ‏(‏فَمُؤَمَّلٌ‏)‏ بِوَزْنِ مُعَظَّمٍ الثَّامِنُ ‏(‏فَلَطِيمٌ‏)‏ التَّاسِعُ ‏(‏فَسُكَيْتٌ‏)‏ بِوَزْنِ كُمَيْتٍ، وَقَدْ تُشَدَّدُ يَاؤُهُ‏:‏ الْعَاشِرُ آخِرُ خَيْلِ الْحَلْبَةِ ‏(‏فَفُسْكُلٌ‏)‏ كَقُنْفُذٍ وَزَبْرَجٍ وَبِرْذَوْنٍ‏:‏ الَّذِي يَجِيءُ آخِرِ الْخَيْلِ وَيُسَمَّى الْقَاشُورُ وَالْقَاشِرَ، هَكَذَا فِي التَّنْقِيحِ‏.‏

وَفِي الْكَافِي وَالْمُطْلِعِ‏:‏ مُجَلٍّ فَمُصَلٍّ فَمُسْلٍ فَتَالٍ فَمُرْتَاحٌ إلَى آخِرِهَا وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ‏:‏ الْفِسْكِلُ بِالْكَسْرِ الَّذِي يَجِيءُ فِي الْحَلْبَةِ آخِرَ الْخَيْلِ‏.‏

وَمِنْهُ رَجُلٌ فُسْكُلٌ إذَا كَانَ رَذْلًا انْتَهَى‏.‏

فَكَانَ الصَّوَابُ عَطْفَهُ بِالْوَاوِ ‏(‏وَيَصِحُّ عَقْدٌ لَا شَرْطٌ‏)‏ فَيَلْغُو ‏(‏فِي‏)‏ قَوْلِ أَحَدِ الْمُتَسَابِقَيْنِ لِلْآخَرِ ‏(‏إنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ كَذَا وَلَا أَرْمِي أَبَدًا أَوْ‏)‏ لَا أَرْمِي ‏(‏شَهْرًا‏)‏ وَنَحْوَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ شَرَطَا ‏(‏أَنَّ السَّابِقَ يُطْعِمُ السَّبَقَ‏)‏ بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ‏:‏ الْجُعْلَ ‏(‏أَصْحَابَهُ أَوْ‏)‏ أَنَّهُ يُطْعِمُهُ ‏(‏بَعْضَهُمْ أَوْ‏)‏ أَنَّهُ يُطْعِمُهُ ‏(‏غَيْرَهُمْ‏)‏ وَوَجْهُ صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ هَذِهِ‏:‏ أَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِأَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ كَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ‏.‏

وَأَمَّا إلْغَاءُ نَحْوِ‏:‏ لَا أَرْمِي أَبَدًا أَوْ شَهْرًا؛ فَلِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ شَيْءٍ مَطْلُوبٍ مِنْهُ شَرْعًا‏.‏

أَشْبَهَ قَوْلَهُ‏:‏ وَلَا أُجَاهِدُ أَوْ نَحْوَهُ، وَأَمَّا إلْغَاءُ إطْعَامِ غَيْرِهِ؛ فَلِأَنَّهُ عِوَضٌ عَلَى عَمَلٍ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُ الْعَامِلِ، كَعِوَضِ الْجَعَالَةِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ وَالْمُسَابَقَةُ جَعَالَةٌ

لِأَنَّ الْجُعْلَ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ وَسَبَقِهِ ‏(‏لَا يُؤْخَذُ بِعِوَضِهَا رَهْنٌ وَلَا كَفِيلٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ عَلَى مَا لَا تَتَحَقَّقُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَهُوَ السَّبَقُ أَوْ الْإِصَابَةُ‏.‏

أَشْبَهَ الْجُعْلَ فِي رَدِّ الْآبِقِ ‏(‏وَلِكُلٍّ‏)‏ مِنْ الْمُتَسَابِقَيْنِ ‏(‏فَسْخُهَا‏)‏ كَسَائِرِ الْجَعَالَاتِ ‏(‏مَا لَمْ يَظْهَرْ لِصَاحِبِهِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَفْضُولِ، بِأَنْ سَبَقَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَافَةِ أَوْ أَصَابَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ الرَّمْيِ، لِئَلَّا يَفُوتَ غَرَضُ الْمُسَابَقَةِ بِفَسْخِ مَنْ ظَهَرَ لَهُ فَضْلُ صَاحِبِهِ وَأَمَّا الْفَاضِلُ فَلَهُ الْفَسْخُ‏.‏

‏(‏وَيَبْطُلُ‏)‏ سِبَاقٌ ‏(‏بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا‏)‏ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ بِمَوْتِ ‏(‏أَحَدِ الْمَرْكُوبَيْنِ‏)‏ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِعَيْنِهِ و‏(‏لَا‏)‏ يَبْطُلُ بِمَوْتِ ‏(‏أَحَدِ الرَّاكِبَيْنِ‏)‏ أَوْ هُمَا ‏(‏أَوْ تَلَفِ إحْدَى الْقَوْسَيْنِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَحْصُلُ ‏(‏سَبَقٌ فِي خَيْلٍ مُتَمَاثِلِي الْعُنُقِ بِرَأْسٍ‏)‏ ‏(‏وَفِي‏)‏ خَيْلِ ‏(‏مُخْتَلِفَيْهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعُنُقَيْنِ بِكَتِفٍ ‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏إبِلٍ بِكَتِفٍ‏)‏ لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الرَّأْسِ هُنَا‏.‏

فَإِنَّ طَوِيلَ الْعُنُقِ قَدْ تَسْبِقُ رَأْسُهُ لِطُولِ عُنُقِهِ لَا بِسُرْعَةِ عَدْوِهِ، وَفِي الْإِبِلِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ‏.‏

وَمِنْهَا مَا يَمُدُّ عُنُقَهُ فَرُبَّمَا سَبَقَ رَأْسُهُ لِمَدِّ عُنُقِهِ لَا بِسَبَقِهِ، فَإِنْ سَبَقَ رَأْسُ صَغِيرِ الْعُنُقِ فَقَدْ سَبَقَ بِالضَّرُورَةِ‏.‏

وَإِنْ سَبَقَ رَأْسُ طَوِيلِ الْعُنُقِ بِأَكْثَرَ مِمَّا بَيْنَهُمَا فِي طُولِ الْعُنُقِ فَقَدْ سَبَقَ وَإِنْ كَانَ بِقَدْرِهِ فَلَا سَبَقَ‏.‏

وَبِأَقَلَّ فَالْآخَرُ سَابِقٌ‏.‏

وَإِنْ شَرَطَا السَّبَقَ بِأَقْدَامٍ مَعْلُومَةٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ، وَلَا يَقِفُ الْفَرَسَانِ عِنْدَ الْغَايَةِ بِحَيْثُ يُعْرَفُ مَسَافَةُ مَا بَيْنَهُمَا‏.‏

وَيُعْتَبَرُ لِمُسَابَقَةٍ بِعِوَضٍ إرْسَالُ الْفَرَسَيْنِ أَوْ الْبَعِيرَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةٍ وَأَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَوَّلِ الْمَسَافَةِ مَنْ يُشَاهِدُ إرْسَالَهُمَا وَعِنْدَ الْغَايَةِ مَنْ يَضْبِطُ السَّابِقَ مِنْهُمَا لِئَلَّا يَخْتَلِفَا فِي ذَلِكَ‏.‏

‏(‏وَيَحْرُمُ أَنْ يُجَنِّبَ أَحَدَهُمَا مَعَ فَرَسِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِجَانِبِهِ فَرَسًا ‏(‏أَوْ‏)‏ يُجَنِّبَ ‏(‏وَرَاءَهُ فَرَسًا‏)‏ لَا رَاكِبَ عَلَيْهِ ‏(‏يُحَرِّضُهُ عَلَى الْعَدْوِ‏.‏

وَ‏)‏ يَحْرُمُ ‏(‏أَنْ يَصِيحَ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِفَرَسِهِ ‏(‏فِي وَقْتِ سِبَاقِهِ‏)‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ فِي الرِّهَانِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ‏.‏

قَالَ فِي الشَّرْحِ‏:‏ وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَنْ أَجْلَبَ عَلَى الْخَيْلِ يَوْمَ الرِّهَانِ فَلَيْسَ مِنَّا‏}‏‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏شروط المناضلة‏]‏

‏(‏وَشَرْطُ الْمُنَاضَلَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ‏)‏ أَحَدُهَا ‏(‏كَوْنُهَا عَلَى مَنْ يُحْسِنُ الرَّمْيَ‏)‏؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ الْحِذْقِ بِهِ، وَمَنْ لَا حِذْقَ لَهُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ ‏(‏وَتَبْطُلُ‏)‏ مُنَاضَلَةٌ بَيْنَ حِزْبَيْنِ إذَا كَانَ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ مَنْ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ ‏(‏فِيمَنْ لَا يُحْسِنُهُ مِنْ أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ وَيَخْرُجُ مِثْلُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَنْ جُعِلَ بِإِزَائِهِ ‏(‏مِنْ‏)‏ الْحِزْبِ ‏(‏الْآخَرِ‏)‏ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّئِيسَيْنِ يَخْتَارُ إنْسَانًا وَالْآخَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ آخَرُ‏.‏

فَمَنْ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ وَأُخْرِجَ مُقَابِلُهُ، كَالْبَيْعِ إذَا بَطَلَ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ سَقَطَ مَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ ‏(‏وَلَهُمْ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْبَاقِينَ ‏(‏الْفَسْخُ إنْ أَحَبُّوا‏)‏ لِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ فِي حَقِّهِمْ‏.‏

‏(‏وَإِنْ تَعَاقَدُوا لِيَقْتَسِمُوا بَعْدَ الْعَقْدِ حِزْبَيْنِ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِيُعَيَّنَ رَئِيسُ كُلِّ حِزْبٍ مَعَهُ ‏(‏بِرِضَاهُمْ لَا بِقُرْعَةٍ‏.‏

صَحَّ‏)‏؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ قَدْ تَقَعُ عَلَى الْحُذَّاقِ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ وَعَلَى الْكَوَادِنِ فِي الْآخَرِ‏.‏

فَيَبْطُلُ مَقْصُودُ النِّضَالِ؛ وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تُخْرِجُ الْمُبْهَمَاتِ‏.‏

وَالْعَقْدُ لَا يَتِمُّ حَتَّى يَتَمَيَّزَ كُلُّ حِزْبٍ ‏"‏ وَيُجْعَلُ لِكُلِّ حِزْبٍ رَئِيسٌ، فَيَخْتَارُ أَحَدُهُمَا ‏"‏ أَيْ‏:‏ أَحَدُ الرَّئِيسَيْنِ ‏(‏وَاحِدًا‏)‏ مِنْ الرُّمَاةِ يَكُونُ مَعَهُ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يَخْتَارُ ‏(‏الْآخَرُ‏)‏ مِنْ الرَّئِيسَيْنِ ‏(‏آخَرُ‏)‏ مِنْ الرُّمَاةِ ‏(‏حَتَّى يَفْرُغَا‏)‏ فَيَتِمُّ الْعَقْدُ عَلَى الْمُعَيَّنِينَ بِالِاخْتِيَارِ إذَنْ‏.‏

وَلَا يَجُوزُ اخْتِيَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ‏.‏

لِأَنَّ اخْتِيَارَ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ يَبْعُدُ مِنْ التَّسَاوِي وَالْعَدْلِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ تَشَاحَّا فِيمَنْ يَبْدَأُ‏)‏ مِنْ الرَّئِيسَيْنِ ‏(‏بِالْخِيَرَةِ اقْتَرَعَا‏)‏ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ اخْتَارَ أَوَّلًا‏.‏

إذْ الْقُرْعَةُ تُمَيِّزُ الْمُسْتَحِقَّ بَعْدَ ثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَتَسَاوِي أَهْلِهِ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ رَئِيسِ الْحِزْبَيْنِ وَاحِدًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ سَبَقَ لِتَدْبِيرِهِ لَهُمَا، فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الْمُنَاضَلَةِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَجُوزُ جَعْلُ ‏(‏الْخِيَرَةِ فِي تَمْيِيزِهِمَا‏)‏ أَيِّ الْحِزْبَيْنِ ‏(‏إلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ إلَى وَاحِدٍ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

وَإِنْ أَرَادُوا الْقُرْعَةَ لِإِخْرَاجِ الزَّعِيمَيْنِ جَازَ لِقِلَّةِ الْغَرَرِ‏.‏

وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِوَاءُ عَدَدِ الرُّمَاةِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحِزْبَيْنِ عَشَرَةً وَالْآخَرِ ثَمَانِيَةً وَنَحْوُهُ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الثَّانِي‏:‏ مَعْرِفَةُ عَدَدِ الرَّمْيِ‏)‏ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الِاخْتِلَافِ‏.‏

فَقَدْ يُرِيدُ أَحَدُهُمَا الْقَطْعَ وَيُرِيدُ الْآخَرُ الزِّيَادَةَ‏.‏

وَالرِّشْقُ بِكَسْرِ الرَّاءِ عَدَدُ الرَّمْيِ، وَبِفَتْحِهَا مَصْدَرُ رَشَقَ الشَّيْءَ رَشْقًا ‏(‏وَ‏)‏ مَعْرِفَةُ عَدَدِ ‏(‏الْإِصَابَةِ‏)‏ لِتَبَيُّنِ مَقْصُودِ الْمُنَاضَلَةِ وَهُوَ الْحِذْقُ‏.‏

فَيُقَالُ مَثَلًا‏:‏ الرِّشْقُ عِشْرُونَ، وَالْإِصَابَةُ خَمْسَةٌ وَنَحْوُهَا‏.‏

وَيُشْتَرَطُ إمْكَانُ قِسْمَةِ عَدَدِ الرَّمْيِ عَلَى الرُّمَاةِ بِلَا كَسْرٍ‏.‏

فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثُلُثٌ، أَوْ أَرْبَعَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ رُبُعٌ‏.‏

وَهَكَذَا لِئَلَّا يَبْقَى مَا لَا يُمَكِّنُ الْجَمَاعَةَ الِاشْتِرَاكَ فِيهِ‏.‏

وَيُشْتَرَطُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي عَدَدِ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ وَصِفَتِهَا وَسَائِرُ أَحْوَالِ الرَّمْيِ لِأَنَّ مَوْضُوعَهَا عَلَى الْمُسَاوَاةِ، وَالْغَرَضُ مَعْرِفَةُ الْحِذْقِ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الثَّالِثُ‏:‏ تَبْيِينُ كَوْنِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرَّمْيِ ‏(‏مُفَاضَلَةً ك‏)‏ قَوْلِهِمْ ‏(‏أَيْنَا فَضَلَ صَاحِبَهُ بِخَمْسِ إصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً فَقَدْ سَبَقَ‏)‏ وَنَحْوُهُ‏.‏

وَيَلْزَمُ فِيهَا إتْمَامُ الرَّمْيِ إنْ كَانَ فِيهِ فَائِدَةٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ تَبْيِينُ كَوْنِ الرَّمْيِ ‏(‏مُبَادَرَةً، كَأَيْنَا سَبَقَ إلَى خَمْسِ إصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً فَقَدْ سَبَقَ‏)‏ وَنَحْوُهُ‏.‏

فَإِذَا رَمَيَا عَشْرًا عَشْرًا فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا خَمْسًا وَلَمْ يُصِبْ الْآخَرَ خَمْسًا، فَمُصِيبٌ الْخَمْسِ هُوَ السَّابِقُ سَوَاءٌ أَصَابَ الْآخَرُ مَا دُونَهَا أَوْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا ‏(‏وَلَا يَلْزَمُ إنْ سَبَقَ إلَيْهَا وَاحِدٌ إتْمَامُ الرَّمْيِ‏)‏ لِأَنَّ السَّبْقَ قَدْ صَارَ لِلسَّابِقِ‏.‏

وَإِنْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَشَرَةِ خَمْسًا فَلَا سَابِقَ فِيهِمَا وَلَا يُكْمِلَانِ الرَّشْقَ‏.‏

لِأَنَّ جَمِيعَ الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ قَدْ حَصَلَتْ وَاسْتَوَيَا فِيهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ تَبْيِينُ كَوْنِ الرَّمْيِ ‏(‏مُحَاطَّةً بِأَنْ‏)‏ اشْتَرَطَا أَنْ ‏(‏يُحَطَّ مَا تَسَاوَيَا فِيهِ مِنْ إصَابَةٍ مِنْ رَمْيٍ مَعْلُومٍ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي‏)‏ عَدَدِ ‏(‏الرَّمَيَاتِ فَأَيُّهُمَا فَضَلَ‏)‏ صَاحِبَهُ ‏(‏بِإِصَابَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدْ سَبَقَ‏)‏ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُفَاضَلَةِ وَالْمُحَاطَّةِ‏:‏ أَنَّ الْمُحَاطَّةَ تُقَدَّرُ فِيهَا الْإِصَابَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ الْمُفَاضَلَةِ‏.‏

وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْإِقْنَاعِ‏:‏ الْمُفَاضَلَةُ هِيَ الْمُحَاطَّةُ ‏(‏وَإِنْ أَطْلَقَا الْإِصَابَةَ‏)‏ فِي الْمُنَاضَلَةِ ‏(‏أَوْ قَالَا‏)‏ أَيْ‏:‏ شَرَطَا أَنَّهَا ‏(‏خَوَاصِلَ‏)‏ بِخَاءِ مُعْجَمَةٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ ‏(‏تَنَاوَلَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ تَنَاوَلَ اللَّفْظُ الْإِصَابَةَ ‏(‏عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ‏)‏‏.‏

قَالَ الْأَزْهَرِيُّ‏:‏ يُقَالُ خَصَلْتُ مُنَاضِلِي خَصْلَةً وَخَصْلًا‏.‏

وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْقَرْعَ‏.‏

وَالْقَرْطَسَةَ يُقَالُ‏:‏ قَرْطَسَ إذَا أَصَابَ‏.‏

وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ الْإِصَابَة لَكِنْ يُسَنُّ‏.‏

‏(‏وَإِنْ قَالَا‏)‏ أَيْ‏:‏ اشْتَرَطَا أَنَّ الْإِصَابَةَ ‏(‏خَوَاسِقَ أَوْ خَوَازِقَ بِالزَّايِ أَوْ مُقَرْطَسَ‏)‏ وَهِيَ ‏(‏مَا خَرَقَ الْغَرَضَ وَثَبَتَ فِيهِ‏)‏ ‏(‏أَوْ‏)‏ اشْتَرَطَا أَنَّ الْإِصَابَة ‏(‏خَوَارِقَ بِالرَّاءِ أَوْ مَوَارِقُ‏)‏ وَهِيَ ‏(‏مَا خَرَقَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَرَضَ ‏(‏وَلَمْ يَثْبُتْ‏)‏ فِيهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ اشْتَرَطَا أَنَّهَا ‏(‏خَوَاصِرَ‏)‏ وَهِيَ ‏(‏مَا وَقَعَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهِ‏)‏ ‏(‏أَوْ‏)‏ اشْتَرَطَا أَنَّهَا ‏(‏خَوَارِمَ‏)‏، وَهِيَ ‏(‏مَا خَرَمَ جَانِبَهُ‏)‏‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ اشْتَرَطَا أَنَّهَا ‏(‏حَوَابِي‏)‏ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ ‏(‏مَا وَقَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ وَثَبَ إلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَرَضِ ‏(‏أَوْ شَرَطَا إصَابَةَ مَوْضِعٍ مِنْهُ‏)‏ مُعَيَّنٍ ‏(‏كَدَائِرَتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَرَضِ ‏(‏تَقَيَّدَتْ‏)‏ الْمُنَاضَلَةُ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِمَا شَرَطَاهُ؛ لِأَنَّهُ مَرْجِعُ الْمُنَاضَلَةِ‏.‏

وَإِنْ شَرَطَا الْخَوَاسِقَ وَالْحَوَابِي مَعًا صَحَّ‏.‏

قَالَهُ فِي الشَّرْحِ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ إصَابَةٍ نَادِرَةٍ‏)‏ كَتِسْعَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ‏.‏

لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ وُجُودِهَا فَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏تَنَاضُلُهُمَا عَلَى أَنَّ السَّبَقَ لَا يَعْدُوهُمَا رَمْيًا‏)‏ إذْ الْغَرَضُ مِنْ الرَّمْيِ الْإِصَابَةُ لِقَتْلِ الْعَدُوِّ أَوْ جَرْحِهِ أَوْ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْإِصَابَةِ لَا مِنْ بُعْدِ الرَّمْيِ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الرَّابِعُ‏:‏ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَرَضِ ‏(‏طُولًا وَعَرْضًا وَسُمْكًا وَارْتِفَاعًا‏)‏ مِنْ الْأَرْضِ بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ تَقْدِيرٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ؛ لِاخْتِلَافِ الْإِصَابَةِ بِصِغَرِهِ وَكِبَرِهِ وَغِلَظِهِ وَرِقَّتِهِ وَارْتِفَاعِهِ وَانْخِفَاضِهِ‏.‏

وَالْغَرَضُ مَا تُقْصَدُ إصَابَتَهُ بِالرَّمْيِ مِنْ قِرْطَاسٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ قَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِ‏.‏

وَسُمِّيَ أَيْضًا‏:‏ شَارَةً وَشَنًّا ‏(‏وَإِنْ تَشَاحَّا‏)‏ أَيْ الْمُتَنَاضِلَانِ ‏(‏فِي الِابْتِدَاءِ‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي الْبَادِئِ مِنْهُمَا بِالرَّمْيِ ‏(‏أُقْرِعَ‏)‏ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا‏.‏

فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَبَدَرَهُ الْآخَرُ وَرَمَى لَمْ يُعْتَدَّ لَهُ بِسَهْمٍ أَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ‏.‏

وَيُسْتَحَبُّ تَعْيِينُ الْمُبْتَدِئِ بِالرَّمْيِ فِي الْعَقْدِ‏.‏

وَيَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَا سَهْمًا سَهْمًا وَخَمْسًا خَمْسًا وَأَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ جَمِيعَ الرِّشْقِ وَإِنْ شَرَطَا شَيْئًا حُمِلَ عَلَيْهِ‏.‏

فَإِنْ أَطْلَقَا تَرَاسَلَا سَهْمًا سَهْمًا؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ‏.‏

وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي مَوْضِعِ الْوُقُوفِ عَنْ يَمِينِ الْغَرَضِ أَوْ يَسَارِهِ فَالْأَمْرُ إلَى الْبَادِئِ مِنْهُمَا‏.‏

فَإِذَا صَارَ الثَّانِي إلَى الْغَرَضِ صَارَ الْخِيَارُ إلَيْهِ لِيَسْتَوِيَا‏.‏

وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا اسْتِقْبَالَ الشَّمْسِ وَالْآخَرُ اسْتِدْبَارَهَا أُجِيبَ مَنْ طَلَبَ اسْتِدْبَارَهَا ‏(‏وَإِذَا بَدَأَ‏)‏ أَحَدُهُمَا ‏(‏فِي وَجْهٍ‏)‏ هُوَ رَمْيُ الْقَوْمِ بِأَجْمَعِهِمْ جَمِيعَ السِّهَامِ ‏(‏بَدَأَ الْآخَرُ‏)‏ فِي الْوَجْهِ ‏(‏الثَّانِي‏)‏ عَدْلًا بَيْنَهُمَا فَإِنْ شَرَطَا الْبُدَاءَةِ لِأَحَدِهِمَا فِي كُلِّ الْوُجُوهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمُنَاضَلَةِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ، وَهَذَا تَفَاضُلٌ، وَإِنْ فَعَلَاهُ بِتَرَاضِيهِمَا بِلَا شَرْطٍ جَازَ، إذْ لَا أَثَرَ لِلْبُدَاءَةِ فِي الْإِصَابَةِ ‏(‏وَسُنَّ جَعْلُ غَرَضَيْنِ‏)‏ فِي الْمُنَاضَلَةِ يَرْمِي الرَّسِيلَانِ أَحَدَهُمَا ثُمَّ يَمْضِيَانِ إلَى الْمَرْمِيِّ فَيَأْخُذَانِ السِّهَامَ وَيَرْمِيَانِ الْآخَرَ‏.‏

لِأَنَّهُ فِعْلُ أَصْحَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏مَا بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ‏}‏ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ‏:‏ رَأَيْتُ حُذَيْفَةَ يَشْتَدُّ بَيْنَ الْهَدَفَيْنِ يَقُولُ‏:‏ أَنَالُهَا فِي قَمِيصٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ‏.‏

وَالْهَدَفُ مَا يُنْصَبُ الْغَرَضُ عَلَيْهِ مِنْ نَحْو تُرَابٍ مَجْمُوعٍ أَوْ حَائِطٍ‏.‏

‏(‏وَإِذَا‏)‏ كَانَ غَرَضَانِ فَ ‏(‏بَدَأَ أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُتَنَاضِلَيْنِ ‏(‏بِغَرَضٍ بَدَأَ الْآخَرُ بِالثَّانِي‏)‏ لِحُصُولِ التَّعَادُلِ ‏(‏وَإِنْ أَطَارَتْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَرَضَ ‏(‏الرِّيحُ فَوَقَعَ السَّهْمُ مَوْضِعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُتَنَاضِلَيْنِ ‏(‏خَوَاسِقَ أَوْ نَحْوُهَا‏)‏ كَخَوَارِقَ وَمُقَرْطَسٍ ‏(‏لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرَّامِي ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِالسَّهْمِ ‏(‏وَلَا عَلَيْهِ‏)‏؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ كَانَ يَثْبُتُ فِي الْغَرَضِ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ لَا‏؟‏ وَإِنْ كَانَ شَرْطُهُمْ خَوَاصِلَ اُحْتُسِبَ بِهِ لِرَامِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْغَرَضُ مَوْضِعَهُ لَأَصَابَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَا أَطْلَقَا الْإِصَابَةَ‏.‏

وَإِنْ بَقِيَ الْغَرَضُ مَوْضِعَهُ وَشَرْطُهُمْ خَوَاصِلَ وَأَصَابَ السَّهْمُ الْغَرَضَ بِعَرْضِهِ أَوْ بِفَوْقِهِ، بِأَنْ انْقَلَبَ بَيْنَ يَدَيْ الْغَرَضِ فَأَصَابَهُ فَوْقَهُ أَوْ انْكَسَرَ السَّهْمُ قِطْعَتَيْنِ وَأَصَابَ الْغَرَضَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ عَرَضَ‏)‏ لِأَحَدِهِمَا ‏(‏عَارِضٌ مِنْ كَسْرِ قَوْسٍ أَوْ قَطْعِ وَتَرٍ أَوْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ‏)‏ فَأَخْطَأَ أَوْ أَصَابَ ‏(‏لَمْ يُحْتَسَبْ‏)‏ لَهُ ‏(‏بِالسَّهْمِ‏)‏ وَلَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَارِضَ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ الصَّوَاب إلَى الْخَطَأِ كَعَكْسِهِ‏.‏

وَإِنْ حَالَ حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرَضِ فَنَفِدَ مِنْهُ وَأَصَابَ الْغَرَضَ حُسِبَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سَدَادِ الرَّمْيِ وَقُوَّتِهِ ‏(‏وَإِنْ عَرَضَ مَطَرٌ أَوْ ظُلْمَةٌ‏)‏ عِنْدَ رَمْيٍ ‏(‏جَازَ تَأْخِيرُهُ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمَطَرَ يُرْخِي الْوَتَرَ وَالظُّلْمَةُ عُذْرٌ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ فِعْلُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْعَادَةُ الرَّمْيُ نَهَارًا، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَاهُ لَيْلًا فَيَلْزَمُ‏.‏

فَإِنْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً مُنِيرَةً اُكْتُفِيَ بِهِ وَإِلَّا رَمَيَا فِي ضَوْءِ شَمْعَةٍ أَوْ مِشْعَلٍ‏.‏

وَيُمْنَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ كَلَامٍ يَغِيظُ بِهِ صَاحِبَهُ، كَأَنْ يَرْتَجِزَ أَوْ يَفْتَخِرَ وَيَتَبَجَّحَ بِالْإِصَابَةِ وَيُعَنِّفَ صَاحِبَهُ عَلَى الْخَطَأِ أَوْ يُظْهِرَ أَنَّهُ يُعَلِّمُهُ ‏(‏وَكُرِهَ‏)‏ لِمَنْ حَضَرَهُمَا مِنْ أَمِينٍ وَشُهُودٍ وَغَيْرِهِمْ ‏(‏مَدْحُ أَحَدِهِمَا أَوْ‏)‏ مَدْحُ ‏(‏الْمُصِيبِ وَعَيْبُ الْمُخْطِئِ لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ صَاحِبِهِ‏)‏ وَغَيْظِهِ وَحَرَّمَهُ ابْنُ عَقِيلٍ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَيَتَوَجَّهُ فِي شَيْخِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مَدْحُ الْمُصِيبِ مِنْ الطَّلَبَةِ وَعَيْبُ غَيْرِهِ كَذَلِكَ‏.‏

وَفِي الْإِنْصَافِ قُلْتُ‏:‏ إنْ كَانَ مَدْحُهُ يُفْضِي إلَى تَعَاظُمِ الْمَمْدُوحِ أَوْ كَسْرِ قَلْبِ غَيْرِهِ قَوِيَ التَّحْرِيمُ‏.‏

وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى الِاشْتِغَالِ وَنَحْوِهِ قَوِيَ الِاسْتِحْبَابُ ‏(‏وَمَنْ قَالَ‏)‏ لِآخَرَ‏:‏ ‏(‏ارْمِ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ فَإِنْ كَانَ صَوَابُكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ إصَابَتُك فِيهَا ‏(‏أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِك فَلَكَ دِرْهَمٌ‏)‏ صَحَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏لَكَ بِكُلِّ سَهْمٍ أَصَبْتَ بِهِ دِرْهَمٌ‏)‏ صَحَّ، أَوْ قَالَ‏:‏ فَلَكَ بِكُلِّ سَهْمٍ زَائِدٍ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْمُصَابَاتِ دِرْهَمٌ صَحَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏ارْمِ هَذَا السَّهْمَ فَإِنْ أَصَبْتَ بِهِ فَلَكَ دِرْهَمٌ صَحَّ‏)‏ وَكَانَ جَعَالَةً فِي الْجَمِيعِ ‏(‏وَلَزِمَهُ‏)‏ الْجُعْلُ ‏(‏بِذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِوُجُودِ الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ؛ لِأَنَّهُ بَذْلُ مَالٍ عَلَى عَمَلٍ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ‏.‏

وَلَيْسَ نِضَالًا‏.‏

لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَانَ خَطَؤُك أَكْثَرَ فَعَلَيْكَ دِرْهَمٌ أَوْ نَحْوُهُ لَمْ يَصِحَّ‏.‏

وَ ‏(‏لَا إنْ قَالَ‏:‏ وَإِنْ أَخْطَأْتَ فَعَلَيْكَ دِرْهَمٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ قِمَارٌ‏.‏

وَإِنْ قَالَ‏:‏ مَنْ أَرَادَ رَمْيَ سَهْمٍ لِحَاضِرِهِ إنْ أَخْطَأْتُ فَلَكَ دِرْهَمٌ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْجُعْلَ إنَّمَا يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْحَاضِرِ‏.‏

كِتَابُ‏:‏ الْعَارِيَّةِ

بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا مِنْ عَارَ الشَّيْءُ إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ‏.‏

وَمِنْهُ قِيلَ لِلْبَطَّالِ‏:‏ عَيَّارٌ لِتَرَدُّدِهِ فِي بَطَالَتِهِ‏.‏

وَأَعَارَهُ وَعَارَهُ لُغَتَانِ كَ أَطَاعَهُ وَطَاعَهُ، أَوْ مِنْ الْعُرْيِ وَهُوَ التَّجَرُّدُ لِتَجَرُّدِهَا عَنْ الْعِوَضِ، أَوْ مِنْ التَّعَاوُرِ وَهُوَ التَّنَاوُبُ لِجَعْلِ الْمَالِكِ لِلْمُسْتَعِيرِ نَوْبَةً فِي الِانْتِفَاعِ‏.‏

وَهِيَ ‏(‏الْعَيْنُ الْمَأْخُوذَةُ‏)‏ مِنْ مَالِكٍ وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ لِمَنْفَعَتِهَا أَوْ وَكِيلُهُ ‏(‏لِلِانْتِفَاعِ بِهَا مُطْلَقًا‏)‏ أَوْ زَمَنًا مَعْلُومًا ‏(‏بِلَا عِوَضٍ‏)‏ وَتُطْلَقُ كَثِيرًا عَلَى الْإِعَارَةِ مَجَازًا ‏(‏وَالْإِعَارَةُ إبَاحَةُ نَفْعِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَيْنِ أَيْ‏:‏ رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ تَنَاوُلِهَا‏.‏

وَلَيْسَتْ تَمْلِيكًا يَسْتَفِيدُ بِهِ التَّصَرُّفَ فِيهَا كَمَا يَسْتَفِيدُهُ بِالْإِجَارَةِ ‏(‏بِلَا عِوَضٍ‏)‏ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِالْإِجْمَاعِ‏.‏

وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى‏}‏ وَهِيَ مِنْ الْبِرِّ وقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ ‏"‏ الْعَوَارِيّ ‏"‏ وَفَسَّرَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْعَوَارِيّ‏:‏ بِالْقِدْرِ وَالْمِيزَانِ وَالدَّلْوِ‏.‏

وَحَدِيثُ‏:‏ ‏{‏الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ‏}‏ قَالَ التِّرْمِذِيُّ ‏"‏ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏

وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ هِبَةُ الْأَعْيَانِ جَازَتْ هِبَةُ الْمَنَافِعِ‏.‏

وَلِذَلِكَ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهِمَا ‏(‏وَتُسْتَحَبُّ‏)‏ الْإِعَارَةُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ، وَلَا تَجِبُ لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏إذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ‏.‏

وَلِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ‏}‏ وَنَحْوُهُ، فَيُرَدُّ مَا خَالَفَهُ إلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ‏.‏

‏(‏وَتَنْعَقِدُ‏)‏ الْإِعَارَةُ ‏(‏بِكُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْإِعَارَةِ، ك أَعَرْتُكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ أَوْ ارْكَبْهَا إلَى كَذَا، أَوْ اسْتَرِحْ عَلَيْهَا أَوْ خُذْهَا تَحْتَك وَنَحْوُهُ كَدَفْعِهِ دَابَّةً لِرَفِيقِهِ عِنْدَ تَعَبِهِ وَتَغْطِيَتِهِ بِكِسَائِهِ لِبَرْدِهِ، كَدَفْعِ الصَّدَقَةِ فَإِذَا رَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ اسْتَبْقَى الْكِسَاءَ عَلَيْهِ كَانَ قَبُولًا‏.‏

وَكَذَا لَوْ سُمِعَ مَنْ يَقُولُ‏:‏ مَنْ يُعِيرُنِي كَذَا‏؟‏ فَأَعْطَاهُ كَفَى لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ لَا عَقْدٌ‏.‏

نَقَلَهُ بِمَعْنَاهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ التَّرْغِيبِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَشُرِطَ‏)‏ لِصِحَّةِ الْإِعَارَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ‏.‏

أَحَدُهَا ‏(‏كَوْنُ عَيْنٍ‏)‏ مُعَارَةٍ ‏(‏مُنْتَفَعًا بِهَا مَعَ بَقَائِهَا‏)‏ كَدَوَابَّ وَرَقِيقٍ وَدُورٍ وَلِبَاسٍ وَأَوَانٍ‏.‏

بِخِلَافِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا مَعَ تَلَفِ عَيْنِهِ كَأَطْعِمَةٍ وَأَشْرِبَةٍ‏.‏

فَإِنْ أَعْطَاهَا بِلَفْظِ إعَارَةٍ فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ‏:‏ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ عَلَى وَجْهِ الْإِتْلَافِ‏.‏

نَقَلَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّانِي ‏(‏كَوْنُ مُعِيرٍ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ شَرْعًا‏)‏؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ تَبَرُّعٍ، إذْ هِيَ إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّالِثُ‏:‏ كَوْنُ ‏(‏مُسْتَعِيرٍ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ لَهُ‏)‏ بِتِلْكَ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ بِأَنْ يَصِحَّ مِنْهُ قَبُولُهَا مِنْهُ لِشِبْهِ الْإِبَاحَةِ بِالْهِبَةِ‏.‏

فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ لِخِدْمَتِهِ ‏(‏وَصَحَّ فِي‏)‏ إعَارَةٍ ‏(‏مُؤَقَّتَةٍ شَرْطُ عِوَضٍ مَعْلُومٍ، وَتَصِيرُ إجَارَةً‏)‏ كَمَا يَصِحُّ شَرْطُ الْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ، وَتَصِيرُ بَيْعًا تَغْلِيبًا لِلْمَعْنَى عَلَى اللَّفْظِ‏.‏

فَإِنْ أُطْلِقَتْ الْإِعَارَةُ أَوْ جُهِلَ الْعِوَضُ فَإِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ‏.‏

وَلَوْ أَعَارَهُ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ يُعِيرَهُ الْآخَرُ فَرَسَهُ فَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ‏.‏

ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَفَسَادُهَا إمَّا لِاشْتِرَاطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ آخَرَ أَوْ لِعَدَمِ تَقْدِيرِ الْمَنْفَعَتَيْنِ‏.‏

‏(‏وَإِعَارَةِ نَقْدٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَسَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ ‏(‏لَا لِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مَعَ بَقَائِهِ‏)‏ كَاسْتِعَارَةِ نَقْدٍ لِيُنْفِقَهُ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ لِيَأْكُلَهُ ‏(‏قَرْضٌ‏)‏؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْنَى الْقَرْضِ، وَهُوَ مُغَلَّبٌ عَلَى اللَّفْظِ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

فَإِنْ اسْتَعَارَهُ لِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مَعَ بَقَائِهِ كَوَزْنٍ وَتَحَلٍّ فَلَيْسَ بِقَرْضٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الشَّرْطُ الرَّابِعُ ‏(‏كَوْنُ نَفْعِ‏)‏ عَيْنٍ مُعَارَةٍ ‏(‏مُبَاحًا‏)‏ لِمُسْتَعِيرٍ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَا تُبِيحُ لَهُ إلَّا مَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ فَلَا تَصِحُّ إعَارَةٌ لِغِنَاءٍ أَوْ زَمْرٍ وَنَحْوِهِ وَلَا إنَاءٍ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَلَا حُلِيٍّ مُحَرَّمٍ، وَلَا أَمَةٍ لِيَطَأَهَا أَوْ يُقَبِّلَهَا وَنَحْوِهِ ‏(‏وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ النَّفْعِ الْمُبَاحِ ‏(‏كَ‏)‏ إعَارَةِ ‏(‏كَلْبٍ لِصَيْدٍ أَوْ فَحْلٍ لِضِرَابٍ‏)‏ لِإِبَاحَةِ نَفْعِهِمَا‏.‏

وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ الْعِوَضُ الْمَأْخُوذُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فِي حَقِّ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ إطْرَاقُ فَحْلِهَا‏.‏

‏(‏وَتَجِبُ إعَارَةُ مُصْحَفٍ لِمُحْتَاجٍ لِقِرَاءَةٍ‏)‏ إذَا ‏(‏عَدِمَ‏)‏ مُصْحَفًا ‏(‏غَيْرَهُ‏)‏ وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ وُجُوبَ الْإِعَارَةِ أَيْضًا فِي كُتُبِ عِلْمٍ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهَا مِنْ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ وَأَهْلِ الْفَتَاوَى ‏(‏وَتُكْرَهُ إعَارَةُ أَمَةٍ جَمِيلَةٍ لِذَكَرٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ‏)‏ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا‏.‏

وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخَلْوَةُ بِهَا وَالنَّظَرُ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ، فَإِنْ وَطِئَهَا فَزَانٍ، وَعَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ لَمْ يَجْهَلْ التَّحْرِيمَ‏.‏

وَلِسَيِّدِهَا الْمَهْرُ وَإِنْ طَاوَعَتْ، أَيْ‏:‏ إذَا لَمْ يَأْذَنْ السَّيِّدُ فِي الْوَطْءِ‏.‏

فَإِنْ كَانَتْ شَوْهَاءَ أَوْ كَبِيرَةً لَا يُشْتَهَى مِثْلُهَا أُبِيحَتْ إعَارَتُهَا لَهُ، كَإِعَارَةِ الْأَمَةِ لِمَحْرَمِهَا مُطْلَقًا أَوْ لِامْرَأَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ عَلَيْهَا عِنْدَهُمَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تُكْرَهُ ‏(‏اسْتِعَارَة أَصْلِهِ‏)‏ كَأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ وَإِنْ عَلَوْا ‏(‏لِخِدْمَتِهِ‏)‏؛ لِكَرَاهَةِ اسْتِخْدَامِهِ أَصْلَهُ ‏(‏وَصَحَّ رُجُوعُ مُعِيرٍ‏)‏ فِي عَارِيَّةً ‏(‏وَلَوْ قَبْلَ أَمَدٍ عَيَّنَهُ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُسْتَقْبَلَةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَوْفَى شَيْئًا فَشَيْئًا‏.‏

فَكُلُّ مَا اسْتَوْفَى شَيْئًا فَقَدْ قَبَضَهُ وَاَلَّذِي لَمْ يَسْتَوْفِهِ لَمْ يَقْبِضْهُ، فَجَازَ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ رُجُوعُهُ ‏(‏فِي حَالٍ يَسْتَضِرُّ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِرُجُوعِهِ فِيهِ ‏(‏مُسْتَعِيرٌ‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ الْمَنْفِيِّ شَرْعًا ‏(‏فَمَنْ أَعَارَ سَفِينَةً لِحَمْلٍ، أَوْ‏)‏ أَعَارَ ‏(‏أَرْضًا لِدَفْنِ مَيِّتٍ، أَوْ‏)‏ لِ ‏(‏زَرْعٍ‏.‏

لَمْ يَرْجِعْ‏)‏ فِي الْإِعَارَةِ ‏(‏حَتَّى تَرْسِي‏)‏ السَّفِينَةُ ‏(‏أَوْ يَبْلَى‏)‏ الْمَيِّتُ ‏(‏أَوْ يُحْصَدُ‏)‏ الزَّرْعُ عِنْدَ أَوَانِهِ‏.‏

وَلَيْسَ لِمُعِيرٍ تَمَلُّكُ زَرْعِهِ بِقِيمَتِهِ نَصًّا؛ لِأَنَّ لَهُ وَقْتًا يَنْتَهِي إلَيْهِ ‏(‏إلَّا أَنْ يَكُونَ‏)‏ الزَّرْعُ ‏(‏يُحْصَدُ قَصِيلًا‏)‏ أَيْ‏:‏ أَخْضَرَ قَبْلَ أَوَانِ حَصَادِهِ فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ قَطْعُهُ فِي وَقْتٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِقَطْعِهِ فِيهِ إذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ إذَنْ‏.‏

‏(‏وَكَذَا حَائِطٌ‏)‏ أُعِيرَ ‏(‏لِحَمْلِ خَشَبٍ لِتَسْقِيفٍ أَوْ سُتْرَةٍ‏)‏ فَلَا رُجُوعَ لِمَالِكِ الْحَائِطِ فِيهِ إذَا وَضَعَهُ وَبَنَى عَلَيْهِ ‏(‏قَبْلَ أَنْ يَسْقُطَ‏)‏ الْخَشَبُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْبَقَاءِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِقَلْعِهِ، وَلَوْ قَالَ مُعِيرٌ لِمُسْتَعِيرٍ‏:‏ أَدْفَعُ لَك قِيمَةَ مَا يَنْقُصُ بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَهُ انْقَلَعَ مَا فِي مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ مِنْهُ‏.‏

وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ قَلْعُ شَيْءٍ مِنْ مِلْكِهِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ ‏(‏فَإِنْ سَقَطَ‏)‏ الْخَشَبُ عَنْ الْحَائِطِ ‏(‏لِهَدْمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُعَدْ إلَّا بِإِذْنِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُعِيرِ وَلَوْ سَقَطَ بِسَبَبِ هَدْمِ الْحَائِطِ وَأُعِيدَتْ بِآلَتِهَا لِعَدَمِ لُزُومِ الْعَارِيَّةِ وَزَوَالِ الضَّرَرِ الَّذِي كَانَ لِأَجْلِهِ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ ‏(‏أَوْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ‏)‏ بِأَنْ لَا يُمْكِنَ تَسْقِيفٌ إلَّا بِهِ فَيَجُوزُ‏.‏

وَلَيْسَ لِرَبِّهِ مَنْعُهُ إذَنْ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ ‏(‏إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ الْحَائِطُ‏)‏ بِوَضْعِ الْخَشَبِ عَلَيْهِ فَإِنْ تَضَرَّرَ لَمْ يَجُزْ وَضْعُهُ عَلَيْهِ بِلَا إذْنِ رَبِّهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِغَرْسٍ أَوْ لِبِنَاءٍ وَشَرَطَ‏)‏ عَلَى مُسْتَعِيرٍ ‏(‏قَلْعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهِ ‏(‏بِوَقْتٍ‏)‏ مُعَيَّنٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ ب ‏(‏رُجُوعٍ لَزِمَ‏)‏ مُسْتَعِيرًا غَرَسَ أَوْ بَنَى قَلْعُهُ ‏(‏عِنْدَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ عِنْدَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ أَوْ رُجُوعِ الْمُعِيرِ وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ مُعِيرٌ‏.‏

لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ‏}‏ قَالَ فِي الشَّرْحِ‏:‏ حَدِيثٌ صَحِيحٌ‏.‏

وَلِأَنَّهَا عَارِيَّةٌ مُقَيَّدَةٌ فَلَمْ تَتَنَاوَلْ مَا عَدَا الْمُقَيَّدَ، وَالْمُسْتَعِيرُ دَخَلَ فِي الْعَارِيَّةِ رَاضِيًا بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ بِالْقَلْعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لِنَقْصِهِ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يَلْزَمُ مُسْتَعِيرًا ‏(‏تَسْوِيَتُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحُفَرِ فِي الْأَرْضِ بِسَبَبِ قَلْعِ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ ‏(‏بِلَا شَرْطٍ‏)‏ لِرِضَا الْمُعِيرِ بِذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْهَا‏.‏

فَإِنْ شَرَطَهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَزِمَتْهُ لِدُخُولِهِ عَلَى ذَلِكَ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ قَلْعَ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ بِوَقْتٍ أَوْ رُجُوعٍ وَأَبَى مُسْتَعِيرٌ قَلْعَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ؛ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ‏}‏؛ لِأَنَّهُ بِإِذْنِ رَبِّ الْأَرْضِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ قَلْعَهُ وَعَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرٌ بِنَقْصِ قِيمَتِهِ بِذَلِكَ‏.‏

فَإِنْ أَمْكَنَ الْقَلْعُ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ أُجْبِرَ عَلَيْهِ مُسْتَعِيرٌ وَمَتَى لَمْ يُمْكِنْ قَلْعُهُ بِلَا نَقْصٍ وَأَبَاهُ مُسْتَعِيرٌ ‏(‏فَلِمُعِيرٍ أَخْذُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِأَنْ يَتَمَلَّكَهُ ‏(‏بِقِيمَتِهِ‏)‏ قَهْرًا عَلَيْهِ كَالشَّفِيعِ وَلَوْ مَعَ دَفْعِ مُسْتَعِيرٍ قِيمَةَ أَرْضٍ؛ لِأَنَّهَا أَصْلٌ‏.‏

وَالْغِرَاسُ أَوْ الْبِنَاءُ تَابِعٌ بِدَلِيلِ تَبَعِهِمَا لَهَا فِي الْبَيْعِ دُونَ تَبَعِهَا لَهُمَا فِيهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَلِمُعِيرٍ ‏(‏قَلْعُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ ‏(‏وَيَضْمَنُ‏)‏ الْمُعِيرُ ‏(‏نَقْصَهُ‏)‏ بِالْقَلْعِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ ‏(‏وَمَتَى اخْتَارَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقَلْعَ ‏(‏مُسْتَعِيرٌ‏)‏ مَعَ بَذْلِ الْمُعِيرِ الْقِيمَةَ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ عَلَيْهِ ‏(‏سَوَّاهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحُفَرَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ خَلَّصَ مِلْكَهُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ مِنْ إلْجَاءٍ أَشْبَهَ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَخَذَ غِرَاسَهُ أَوْ بِنَاءً مِنْ الْمَشْفُوعِ ‏(‏فَإِنْ أَبَاهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَخْذَ بِالْقِيمَةِ وَأَرْشَ نَقْصِ الْقَلْعِ ‏(‏مُعِيرُ الْأَرْضِ وَ‏)‏ امْتَنَعَ ‏(‏الْمُسْتَعِيرُ مِنْ‏)‏ دَفْعِ ‏(‏أُجْرَةِ‏)‏ غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مِنْ ‏(‏قَلْعٍ بِيعَتْ أَرْضٌ بِمَا فِيهَا‏)‏ مِنْ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ ‏(‏إنْ رَضِيَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ ‏(‏أَوْ‏)‏ رَضِيَ بِهِ ‏(‏أَحَدُهُمَا وَبِجَبْرِ الْآخَرِ‏)‏ بِطَلَبِ مَنْ رَضِيَ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِإِزَالَةِ الْمُضَارَّةِ بَيْنَهُمَا وَتَحْصِيلِ مَالِيَّتِهِ ‏(‏وَ‏)‏ إذَا بِيعَا ‏(‏دَفَعَ لِرَبِّ الْأَرْضِ‏)‏ مِنْ الثَّمَنِ ‏(‏قِيمَتَهَا فَارِغَةً‏)‏ مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ ‏(‏وَ‏)‏ دَفَعَ ‏(‏الْبَاقِي‏)‏ مِنْ الثَّمَنِ ‏(‏لِلْآخَرِ‏)‏ وَهُوَ رَبُّ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ‏.‏

‏(‏وَلِكُلٍّ‏)‏ مِنْ رَبِّ أَرْضٍ وَغِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ ‏(‏بَيْعُ مَا لَهُ مُنْفَرِدًا‏)‏ مِنْ صَاحِبِهِ وَغَيْرِهِ ‏(‏وَيَكُونُ مُشْتَرٍ كَبَائِعٍ‏)‏ فِيمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا إجَارَةٌ ‏(‏فَإِنْ أَبَيَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَبَى مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ الْبَيْعَ ‏(‏تُرِكَ‏)‏ غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ ‏(‏بِحَالِهِ‏)‏ فِي الْأَرْضِ حَتَّى يَتَّفِقَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا‏.‏

‏(‏وَلِمُعِيرٍ الِانْتِفَاعُ بِأَرْضِهِ‏)‏ مَعَ بَقَاءِ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَيْنَهَا وَنَفْعَهَا ‏(‏عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِمَا فِيهَا‏)‏ مِنْ غَرْسِ مُسْتَعِيرٍ أَوْ بِنَائِهِ لِاحْتِرَامِهِمَا بِإِذْنِ مُعِيرٍ فِي وَضْعِهِمَا ‏(‏وَلِمُسْتَعِيرٍ‏)‏ غَرَسَهَا ‏(‏الدُّخُولُ لِسَقْيٍ وَإِصْلَاحٍ وَأَخْذِ ثَمَرٍ‏)‏ إذْ الْإِذْنُ فِي شَيْءٍ إذْنٌ فِيمَا يَعُودُ بِصَلَاحِهِ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يَجُوزُ لِمُسْتَعِيرٍ الدُّخُولُ ‏(‏لِتَفَرُّجٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَمَبِيتٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ بِصَلَاحِ مَالِهِ، فَلَيْسَ مَأْذُونًا فِيهِ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا‏.‏

‏(‏وَلَا أُجْرَةَ‏)‏ عَلَى مُسْتَعِيرٍ لِمُعِيرٍ ‏(‏مُنْذُ رَجَعَ‏)‏ إلَى زَوَالِ ضَرَرِ مُسْتَعِيرٍ حَيْثُ كَانَ الرُّجُوعُ يَضُرُّ بِهِ إذَنْ، وَلَا إذَا أَعَارَ لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى تَمَلُّكِهِ بِقِيمَتِهِ أَوْ قَلْعِهِ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي الْمَنْفَعَةِ فِي حَالِ تَضَرُّرِ الْمُسْتَعِيرِ، فَلَا يَمْلِكُ طَلَبَ بَدَلِهَا كَالْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا أَبَى أَخْذَ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ أَوْ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَفْسِهِ فَإِبْقَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ مِنْ جِهَتِهِ‏.‏

فَلَا أُجْرَةَ لَهُ كَمَا قَبْلَ الرُّجُوعِ ‏(‏إلَّا فِي الزَّرْعِ‏)‏ أَيْ‏:‏ إذَا أَعَارَهُ لِلزَّرْعِ وَزَرَعَ ثُمَّ رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ أَوَانِ حَصْدِهِ‏.‏

وَلَا يُحْصَدُ قَصِيلًا فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ مِنْ رُجُوعِهِ إلَى الْحَصَادِ؛ لِوُجُوبِ تَبْقِيَتِهِ فِيهَا قَهْرًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ‏.‏

بِدَلِيلِ رُجُوعِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَخْذَ الزَّرْعِ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ‏.‏

وَهُوَ قَصِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَرْسِ فَلَا دَاعِيَ إلَيْهِ وَلَا إلَى قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى، بِخِلَافِ الْغِرَاسِ وَآلَاتِ الْبِنَاءِ‏.‏

وَالْمُسْتَعِيرُ إذَا اخْتَارَ قَلْعَ زَرْعِهِ رُبَّمَا يُفَوِّتُ عَلَى الْمَالِكِ الِانْتِفَاعَ بِأَرْضِهِ ذَلِكَ الْعَامَ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ فَيَتَعَيَّنُ إبْقَاؤُهُ بِأُجْرَتِهِ إلَى حَصَادِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ غَرَسَ‏)‏ مُسْتَعِيرٌ ‏(‏أَوْ بَنَى‏)‏ فِيمَا اسْتَعَارَهُ لِذَلِكَ ‏(‏بَعْدَ رُجُوعِ‏)‏ مُعِيرٍ‏:‏ فَغَاصِبٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ غَرَسَ أَوْ بَنَى بَعْدَ ‏(‏أَمَدِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَارِيَّةِ ‏(‏فِي‏)‏ عَارِيَّةٍ ‏(‏مُؤَقَّتَةٍ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بَعْدَهُ بِالرُّجُوعِ ‏(‏فَغَاصِبٌ‏)‏؛ لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِزَوَالِ الْإِعَارَةِ بِالرُّجُوعِ وَبِانْتِهَاءِ وَقْتِهَا إذَا قُيِّدَتْ بِوَقْتٍ‏.‏

فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمُدَّةِ، فَقَالَ مُسْتَعِيرٌ‏:‏ هِيَ سَنَتَانِ، وَقَالَ مُعِيرٌ‏:‏ هِيَ سَنَةٌ، أَوْ قَالَ‏:‏ أَذِنْتَ لِي فِي رُكُوبِ الدَّابَّةِ فَرْسَخَيْنِ، فَقَالَ الْمَالِكُ‏:‏ بَلْ فَرْسَخًا فَقَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعَارَةِ فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ‏.‏

‏(‏وَالْمُشْتَرِي‏)‏ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ‏(‏وَالْمُسْتَأْجِرُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ‏)‏ إذَا غَرَسَ أَوْ بَنَى فِيمَا اشْتَرَاهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ ‏(‏كَمُسْتَعِيرٍ‏)‏ فِي أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُؤَجِّرَ لَا يَمْلِكُ قَلْعَ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ بِلَا ضَمَانِ نَقْصٍ؛ لِتَضَمُّنِهِ إذْنًا، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ‏.‏

وَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أُجْرَةُ مِثْلِهِ‏.‏

وَإِذَا غَرَسَ مُشْتَرٍ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ أَوْ بَنَى ثُمَّ فُسِخَ بَيْعٌ لِنَحْوِ عَيْبٍ فَكَغَرْسٍ أَوْ بِنَاءِ مُسْتَعِيرٍ‏.‏

‏(‏وَمَنْ حَمَلَ سَيْلٌ إلَى أَرْضِهِ بَذْرَ غَيْرِهِ‏)‏ وَنَبَتَ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ قَلْعُهُ وَلَا تَمَلُّكُهُ ‏(‏فَ‏)‏ الزَّرْعُ ‏(‏لِرَبِّهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ رَبِّ الْبَذْرِ ‏(‏مَبْقِيٌّ إلَى‏)‏ أَوَانِ ‏(‏حَصَادٍ‏)‏؛ لِأَنَّ قَلْعَهُ إتْلَافٌ لَهُ عَلَى مَالِكِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ وَلَا يَدُومُ ضَرَرُهُ ‏(‏بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ إلْزَامَ رَبِّ الْأَرْضِ بِتَبْقِيَةِ زَرْعٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ فِي أَرْضِهِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ إضْرَارٌ بِهِ وَشَغْلٌ لِمِلْكِهِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ بِلَا عِوَضٍ فَوَجَبَ عَلَى رَبِّ الْبَذْرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، كَمُسْتَأْجِرٍ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ وَبَقِيَ زَرْعُهُ ‏(‏وَحَمَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّيْلُ ‏(‏لِغَرْسٍ أَوْ نَوًى وَنَحْوِهِ‏)‏ كَجَوْزٍ وَلَوْزٍ وَبُنْدُقٍ ‏(‏إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ غَيْرِ مَالِكِ هَذِهِ ‏(‏فَنَبَتَ‏)‏ فِي الْأَرْضِ الْمَحْمُولِ إلَيْهَا ‏(‏كَغَرْسِ مُشْتَرٍ شِقْصًا يَأْخُذُهُ شَفِيعٌ‏)‏ بِجَامِعِ عَدَمِ التَّعَدِّي، فَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ قَلْعُهُ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ حَمَلَ‏)‏ سَيْلٌ ‏(‏أَرْضًا بِغَرْسِهَا إلَى‏)‏ أَرْضٍ ‏(‏أُخْرَى فَنَبَتَ كَمَا كَانَ‏)‏ قَبْلَ نَقْلِهِ ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏لِمَالِكِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَرْضِ الْمَحْمُولَةِ لِعَدَمِ مَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ فِيهِ ‏(‏وَيُجْبَرُ‏)‏ رَبُّ أَرْضٍ مَحْمُولَةٍ ‏(‏عَلَى إزَالَتِهَا‏)‏؛ لِأَنَّ إبْقَاءَهَا إشْغَالٌ لِمِلْكِ غَيْرِهِ بِمَا يَدُومُ ضَرَرُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، أَشْبَهَ أَغْصَانَ شَجَرَةٍ إذَا حَصَلَتْ فِي مِلْكِ جَارِهِ ‏(‏وَمَا تُرِكَ لِرَبِّ الْأَرْضِ‏)‏ مِمَّا انْتَقَلَ إلَيْهَا ‏(‏سَقَطَ طَلَبُهُ بِسَبَبِهِ‏)‏ فَلَا يُطَالَبُ بِأُجْرَةٍ وَلَا نَقْلٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِحُصُولِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ وَلَا عُدْوَانِهِ، وَيُخَيَّرُ رَبُّ الْأَرْضِ الْمَشْغُولَةِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ قَلَعَهُ قُلْتُ‏:‏ وَكَذَا فِي إجَارَةٍ وَنَحْوِهَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏الحكم إذا استعار عينا من مستأجر‏]‏

‏(‏وَمُسْتَعِيرٌ فِي اسْتِيفَاءِ نَفْعٍ‏)‏ مِنْ عَيْنٍ ‏(‏مُعَارَةٍ‏)‏ ‏(‏كَمُسْتَأْجِرٍ‏)‏ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، لِمِلْكِهِ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِإِذْنِ مَالِكِهَا فَإِذَا أَعَارَهُ أَرْضًا لِغِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ‏.‏

وَصَحَّحَ الْحَارِثِيُّ إذَا أَعَارَهُ لِلْبِنَاءِ لَا يَزْرَعُ‏.‏

وَإِنْ اسْتَعَارَهَا لِزَرْعٍ لَمْ يَغْرِسْ وَلَمْ يَبْنِ، وَلِغَرْسٍ لَا يَبْنِي، وَلِبِنَاءٍ لَا يَغْرِسُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا مُخْتَلِفٌ‏.‏

وَلَا إنْ اسْتَعَارَهَا مُدَّةً لِزَرْعٍ أَنْ يَزْرَعَ أَكْثَرَ مِنْهَا، وَلَا إنْ اسْتَعَارَهَا لِزَرْعِ شَعِيرٍ أَنْ يَزْرَعَهَا حِنْطَةً ‏(‏إلَّا أَنَّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَعِيرَ ‏(‏لَا يُعِيرُ‏)‏ مَا اسْتَعَارَهُ ‏(‏وَلَا يُؤَجِّرُ‏)‏ لِعَدَمِ مِلْكِهِ مَنَافِعَهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ ‏(‏إلَّا بِإِذْنِ‏)‏ مُعِيرِهِ‏.‏

فَإِنْ أَذِنَهُ جَازَ، وَلَا يَضْمَنُ مُسْتَأْجِرٌ مِنْ مُسْتَعِيرٍ وَعَكْسِهِ تَلَفُ عَيْنٍ عِنْدَهُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ ‏(‏فَإِنْ خَالَفَ‏)‏ فَأَعَارَ أَوْ أَجَّرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ‏(‏فَتَلِفَتْ‏)‏ الْعَيْنُ ‏(‏عِنْدَ الثَّانِي‏)‏ مُسْتَأْجِرًا كَانَ أَوْ مُسْتَعِيرًا ‏(‏ضَمَّنَ‏)‏ مَالِكُ الْعَيْنِ الْأَوَّلَ؛ فَلِأَنَّهُ سَلَّطَ غَيْرَهُ عَلَى أَخْذِ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّطَ عَلَيْهِ دَابَّةً‏.‏

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِفَوَاتِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ عَلَى مَالِكِهَا تَحْتَ يَدِهِ ‏(‏وَالْقَرَارُ‏)‏ فِي ضَمَانِهِمَا ‏(‏عَلَى الثَّانِي‏)‏ مُسْتَعِيرًا كَانَ أَوْ مُسْتَأْجِرًا ‏(‏إنْ عَلِمَ‏)‏ الْحَالَ لِتَعَدِّيهِ إذَنْ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَعْلَمْ الثَّانِي الْحَالَ بَلْ ظَنَّهَا مِلْكَ الْمُعِيرِ لَهُ ‏(‏ضَمِنَ الْعَيْنَ‏)‏ فَقَطْ ‏(‏فِي عَارِيَّةٍ‏)‏ لِدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِهَا بِخِلَافِ الْمَنْفَعَةِ ‏(‏وَيَسْتَقِرُّ ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى‏)‏ الْمُسْتَعِيرِ ‏(‏الْأَوَّلِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ غَرَّ الثَّانِي بِدَفْعِهَا لَهُ وَالْإِجَارَةُ بِعَكْسِهَا‏.‏

وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ نَوْعِ الِانْتِفَاعِ فِي الْإِعَارَةِ‏.‏

فَلَوْ أَعَارَهُ مُطْلَقًا مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِالْمَعْرُوفِ فِي كُلِّ مَا هُوَ مُهَيَّأٌ لَهُ‏.‏

وَلَهُ انْتِسَاخُ الْكِتَابِ الْمُعَارِ وَدَفْعُ الْخَاتَمِ الْمُعَارِ لِمَنْ يَنْقُشُ لَهُ عَلَى مِثْلِهِ‏.‏

‏(‏وَالْعَوَارِيّ الْمَقْبُوضَةُ غَيْرُ وَقْفٍ كَكُتُبِ عِلْمٍ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَدُرُوعٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى غُزَاةٍ ‏(‏تَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ‏)‏ كَسَرِقَةٍ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهَا ‏(‏مَضْمُونَةٌ‏)‏ بِكُلِّ حَالٍ نَصًّا‏.‏

وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ وَعَائِشَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ‏.‏

لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَفْوَانَ ‏{‏بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ‏}‏ فَأَثْبَتَ الضَّمَانَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَلِحَدِيثِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ‏:‏ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏

وَأَمَّا الْوَقْفُ فَلَا يُضْمَنُ بِلَا تَفْرِيطٍ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهٍ يَخْتَصُّ مُسْتَعِيرٌ بِنَفْعِهِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّمَ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمَهُ الْغَزْوَ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ أَوْ لِكَوْنِ الْمِلْكِ فِيهِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَحَقِّينَ لَهُ‏.‏

أَشْبَهَ سُقُوطَ قَنْطَرَةٍ بِمَشْيِهِ عَلَيْهَا ‏(‏بِخِلَافِ حَيَوَانٍ مُوصَى بِنَفْعِهِ‏)‏ إذَا قَبَضَهُ مُوصًى لَهُ وَتَلِفَ عِنْدَهُ فَلَا يَضْمَنُهُ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ مُسْتَحَقٌّ لَهُ‏.‏

وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا ‏{‏لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرُ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ‏}‏ أُجِيبَ عَنْهُ‏:‏ بِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ عَمْرًا وَعُبَيْدًا وَهُمَا ضَعِيفَانِ، قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ‏.‏

فَإِنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى ضَمَانِ الْأَجْزَاءِ التَّالِفَةِ بِالِاسْتِعْمَالِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ ‏(‏بِقِيمَةٍ مُتَقَوِّمَةٍ يَوْمَ تَلِفَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ تَحَقُّقِ فَوَاتِهَا ‏(‏وَمِثْلُ مِثْلِيَّةٍ‏)‏ كَصَنْجَةٍ مِنْ نُحَاسٍ لَا صِنَاعَةَ بِهَا اسْتَعَارَهَا لِيَزِنَ بِهَا فَتَلِفَتْ فَعَلَيْهِ مِثْلُ وَزْنِهَا مِنْ نَوْعِهَا‏.‏

‏(‏وَيَلْغُو شَرْطُ عَدَمِ ضَمَانِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَارِيَّةِ ‏(‏كَ‏)‏ إلْغَاءِ ‏(‏شَرْطِ ضَمَانِ أَمَانَةٍ‏)‏ كَوَدِيعَةٍ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فِي الْعَارِيَّةِ الضَّمَانُ، وَفِي الْأَمَانَةِ عَدَمُهُ فَإِذَا شُرِطَ خِلَافُهُ فَسَدَ؛ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ أَرْكَبَ‏)‏ إنْسَانٌ ‏(‏دَابَّتَهُ‏)‏ شَخْصًا ‏(‏مُنْقَطِعًا لِلَّهِ، فَتَلِفَتْ‏)‏ الدَّابَّةُ ‏(‏تَحْتَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُنْقَطِعِ ‏(‏لَمْ يَضْمَنْ‏)‏ هَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ؛ لِأَنَّهَا بِيَدِ صَاحِبِهَا وَرَاكِبُهَا لَمْ يَنْفَرِدْ بِحِفْظِهَا‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ غَطَّى ضَيْفَهُ بِلِحَافٍ فَتَلِفَ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْهُ ‏(‏كَرَدِيفِ رَبِّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الدَّابَّةِ، بِأَنْ أَرْكَبَ مَعَهُ آخَرَ عَلَى الدَّابَّةِ فَتَلِفَتْ تَحْتَهُمَا؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ بِيَدِ رَبِّهَا ‏(‏وَ‏)‏ ك ‏(‏رَائِضٍ‏)‏ يَرْكَبُ الدَّابَّةَ لِمَصْلَحَتِهَا فَتَلِفَتْ تَحْتَهُ ‏(‏وَ‏)‏ ك ‏(‏وَكِيلِ‏)‏ رَبِّهَا إذَا تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الْعَارِيَّةِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ قَالَ‏)‏ لِرَبِّ دَابَّةٍ‏:‏ ‏(‏لَا أَرْكَبُ إلَّا بِأُجْرَةٍ فَقَالَ‏)‏ لَهُ رَبُّهَا‏:‏ ‏(‏مَا آخُذُ‏)‏ مِنْك لَهَا ‏(‏أُجْرَةً‏)‏ ثُمَّ رَكِبَهَا ‏(‏فَعَارِيَّةٌ‏)‏؛ لِأَنَّ رَبَّهَا لَمْ يَبْذُلْهَا إلَّا كَذَلِكَ ‏(‏أَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ رَبِّهَا فَعَارِيَّةٌ‏)‏ فَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

‏(‏وَلَا يَضْمَنُ‏)‏ مُسْتَعِيرٌ ‏(‏وَلَدَ عَارِيَّةً سُلِّمَ مَعَهَا‏)‏ بِتَلَفِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْإِعَارَةِ وَلَا فَائِدَةَ لِمُسْتَعِيرٍ فِيهِ‏.‏

أَشْبَهَ الْوَدِيعَةَ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَضْمَنُ مُسْتَعِيرٌ ‏(‏زِيَادَةً‏)‏ حَدَثَتْ فِي مُعَارَةٍ ‏(‏عِنْدَهُ‏)‏ لِعَدَمِ وُرُودِ عَقْدِ الْعَارِيَّةِ عَلَيْهَا‏.‏

فَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حَالَ الْعَقْدِ، بِأَنْ كَانَتْ سَمِينَةً فَهَزَلَتْ عِنْدَ مُسْتَعِيرٍ ضَمِنَ نَقْصَهَا ‏(‏كَ‏)‏ مَا لَا يَضْمَنُ ‏(‏مُؤَجَّرَةً‏)‏ وَلَا وَلَدَهَا وَلَا زِيَادَتَهَا؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ ‏(‏بِلَا قَيْدٍ‏)‏ مِنْ مُسْتَعِيرٍ أَوْ مُسْتَأْجِرٍ‏.‏

فَإِنْ تَعَدَّيَا ضَمِنَا ‏(‏وَلَا‏)‏ تُضْمَنُ ‏(‏هِيَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَارِيَّةُ ‏(‏أَوْ جُزْؤُهَا بِاسْتِعْمَالٍ بِمَعْرُوفٍ‏)‏ كَحَمْلِ مِنْشَفَةٍ أَوْ قَطِيفَةٍ وَكَثَوْبٍ بَلِيَ بِاللُّبْسِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الِاسْتِعْمَالِ تَضَمَّنَ الْإِذْنَ فِي الْإِتْلَافِ بِهِ‏.‏

وَمَا أُذِنَ فِي إتْلَافِهِ لَا يُضْمَنُ كَالْمَنَافِعِ‏.‏

فَإِنْ حَمَلَ فِي الثَّوْبِ تُرَابًا فَتَلِفَ بِهِ ضَمِنَهُ لِتَعَدِّيهِ بِهِ، وَإِنْ جَرَحَ ظَهْرَ الدَّابَّةِ بِالْحَمْلِ ضَمِنَهُ مُطْلَقًا، ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ‏.‏

‏(‏وَيُقْبَلُ قَوْلُ مُسْتَعِيرٍ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ‏)‏ الِاسْتِعْمَالَ بِالْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ‏(‏وَعَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَعِيرِ ‏(‏مُؤْنَةُ رَدِّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَارِيَّةِ‏.‏

لِحَدِيثِ ‏{‏الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ‏}‏ وَحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ‏}‏ و‏(‏كَمَغْصُوبٍ‏)‏ بِجَامِعِ أَنَّهُ قَبَضَهَا لَا لِمَصْلَحَةِ مَالِكِهَا فَيَرُدُّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ إنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى رَدِّهَا إلَى غَيْرِهِ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يَجِبُ عَلَى مُسْتَعِيرٍ ‏(‏مُؤْنَتُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَارِيَّةِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِهَا ‏(‏عِنْدَهُ‏)‏ بَلْ هِيَ عَلَى مَالِكِهَا كَالْمُؤَجَّرَةِ ‏(‏وَيَبْرَأُ‏)‏ مُسْتَعِيرٌ ‏(‏بِرَدِّ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا‏)‏ مِنْ الْعَوَارِيّ ‏(‏إلَى مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْإِنْسَانِ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرَّدِّ ‏(‏عَلَى يَدِهِ كَسَائِسِ‏)‏ الدَّابَّةِ ‏(‏وَخَازِنٍ وَزَوْجَةٍ وَوَكِيلٍ عَامٍّ‏)‏ لِمَالِكٍ ‏(‏فِي قَبْضِ حُقُوقِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا أَشْبَهَ مَا لَوْ أَذِنَ فِيهِ نُطْقًا‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يَبْرَأُ مُسْتَعِيرٌ ‏(‏بِرَدِّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الدَّابَّةِ ‏(‏إلَى إصْطَبْلِهِ‏)‏ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ إلَى ‏(‏غُلَامِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ خَادِمِهِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا إلَى مَالِكِهَا وَلَا إلَى نَائِبِهِ فِيهِ، كَرَدِّ السَّارِقِ مَا سَرَقَهُ إلَى الْحِرْزِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ سَلَّمَ لِشَرِيكِهِ الدَّابَّةَ‏)‏ الْمُشْتَرَكَةَ لِيَحْفَظَهَا بِلَا اسْتِعْمَالٍ ‏(‏فَتَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ أَوْ تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْ‏)‏؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ بِيَدِهِ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَكَعَارِيَّةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي نَظِيرِ إنْفَاقِهِ عَلَيْهَا أَوْ تَنَاوُبِهِ مَعَهُ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهَا بِلَا إذْنٍ فَغَصْبٌ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

يَجِبُ رَدُّ عَارِيَّةً بِطَلَبِ مَالِكٍ وَبِانْقِضَاءِ الْغَرَضِ مِنْهَا، وَبِانْتِهَاءِ التَّأْقِيتِ، وَبِمَوْتِ مُعِيرٍ أَوْ مُسْتَعِيرٍ، فَإِنْ أَخَّرَ الرَّدَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏اختلاف المالك والقابض‏]‏

‏(‏وَإِنْ اخْتَلَفَا أَيْ‏:‏ الْمَالِكُ وَالْقَابِضُ‏)‏ ‏(‏فَقَالَ‏)‏ الْمَالِكُ ‏(‏آجَرْتُك قَالَ‏)‏ الْقَابِضُ‏:‏ ‏(‏بَلْ أَعَرْتنِي‏)‏ وَاخْتِلَافُهُمَا ‏(‏قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ‏)‏ مِنْ الْقَبْضِ ‏(‏لَهَا أُجْرَةٌ‏.‏

فَقَوْلُ قَابِضٍ‏)‏ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِجَارَةِ وَتُرَدُّ لِمَالِكِهَا ‏(‏وَ‏)‏ إنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا ‏(‏بَعْدَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ بَعْدَ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ ‏(‏فَقَوْلُ مَالِكٍ فِيمَا مَضَى‏)‏ بِيَمِينِهِ كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ بِعْتُكَهَا، وَقَالَ الْآخَرُ‏:‏ وَهَبْتَنِيهَا فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَعَارَهُ وَإِنَّمَا أَجَّرَهُ عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي‏.‏

وَفِي التَّلْخِيصِ‏:‏ لَا يَتَعَرَّضُ لِإِثْبَاتِ الْإِجَارَةِ وَلَا لِلْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ قَالَ الْحَارِثِيُّ‏:‏ وَهُوَ الْحَقُّ ‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَالِكِ ‏(‏أُجْرَةُ الْمِثْلِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَثْبُتُ بِدَعْوَى الْمَالِكِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ‏.‏

وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بَدَلَ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ‏.‏

‏(‏وَكَذَا لَوْ ادَّعَى‏)‏ زَارِعُ أَرْضِ غَيْرِهِ ‏(‏أَنَّهُ زَرَعَ‏)‏ الْأَرْضَ ‏(‏عَارِيَّةً وَقَالَ رَبُّهَا‏)‏‏:‏ زَرَعْتَهَا ‏(‏إجَارَةً‏)‏ فَقَوْلُ مَالِكٍ وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ قَابِضٌ‏:‏ لِمَالِكٍ ‏(‏أَعَرْتنِي أَوْ‏)‏ قَالَ لَهُ‏:‏ ‏(‏آجَرْتنِي‏.‏

فَقَالَ‏)‏ الْمَالِكُ‏:‏ بَلْ ‏(‏غَصَبْتَنِي‏)‏ وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ فَقَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ يَدَّعِي إبَاحَةَ الْمَنْفَعَةِ لَهُ وَالْمَالِكَ يُنْكِرُهَا وَالْأَصْلُ فِي الْقَابِضِ لِمَالِ غَيْرِهِ الضَّمَانُ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ الْمَالِكُ‏:‏ ‏(‏أَعَرْتُك، فَقَالَ‏)‏ الْقَابِضُ‏:‏ ‏(‏بَلْ آجَرْتنِي وَالْبَهِيمَةُ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏تَالِفَةٌ‏)‏ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فَقَوْلُ مَالِكٍ بِيَمِينِهِ، لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَابِضِ لِمَالِ غَيْرِهِ الضَّمَانُ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِي الثَّانِيَةِ ‏(‏أَوْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَارِيَّةِ ‏(‏فَقَوْلُ مَالِكٍ‏)‏ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ لَوْ قَالَ الْقَابِضُ‏:‏ ‏(‏أَعَرْتنِي أَوْ‏)‏ قَالَ ‏(‏آجَرْتنِي‏:‏ فَقَالَ‏)‏ الْمَالِكُ‏:‏ ‏(‏غَصَبْتَنِي‏)‏ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فَقَوْلُ مَالِكٍ بِيَمِينِهِ ‏(‏فِي‏)‏ وُجُوبِ ‏(‏الْأُجْرَةِ‏)‏ أَيْ‏:‏ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ‏(‏وَ‏)‏ فِي وُجُوبِ ‏(‏رَفْعِ الْيَدِ‏)‏ وَرَدِّ الْعَيْنِ لِمَالِكِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ الْقَابِضُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ الْمَالِكُ‏:‏ ‏(‏أَعَرْتُك فَقَالَ‏)‏ الْقَابِضُ‏:‏ ‏(‏أَوْدَعْتنِي فَقَوْلُ مَالِكٍ‏)‏ بِيَمِينِهِ لِمَا سَبَقَ ‏(‏وَلَهُ قِيمَةُ‏)‏ عَيْنٍ ‏(‏تَالِفَةٍ‏)‏ لِثُبُوتِ حُكْمِ الْعَارِيَّةِ بِحَلِفِهِ عَلَيْهِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يُقْبَلُ قَوْلُ مَالِكٍ بِيَمِينِهِ ‏(‏فِي عَكْسِهَا‏)‏ بِأَنْ قَالَ الْمَالِكُ‏:‏ أَوْدَعْتُكَ، وَالْقَابِضُ أَعَرْتَنِي ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَالِكِ عَلَى الْقَابِضِ ‏(‏أُجْرَةُ مَا انْتَفَعَ بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ ضَمَانُ الْمَنَافِعِ عَلَيْهِ وَدَعْوَاهُ الْعَارِيَّةَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَإِنْ قَالَ مَالِكٌ‏:‏ غَصَبْتَنِي، قَالَ قَابِضٌ‏:‏‏.‏

أَوْدَعْتنِي‏.‏

فَقِيَاسُ مَا سَبَقَ‏:‏ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي قَبْضِ مَالِ الْغَيْرِ الضَّمَانُ‏.‏

بَابُ‏:‏ الْغَصْبِ

مَصْدَرُ غَصَبَ يَغْصِبُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ، وَيُقَالُ‏:‏ اغْتَصَبَهُ يَغْتَصِبُهُ اغْتِصَابًا وَالشَّيْءُ مَغْصُوبٌ وَغَصْبٌ‏.‏

وَهُوَ‏:‏ لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَابْنُ سِيدَهْ وَشَرْعًا ‏(‏اسْتِيلَاءٌ غَيْرُ حَرْبِيٍّ‏)‏ بِفِعْلٍ يُعَدُّ اسْتِيلَاءً ‏(‏عُرْفًا عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ‏)‏ وَمِنْهُ الْمَأْخُوذُ مَكْسًا وَنَحْوُهُ فَلَا يَحْصُلُ بِلَا اسْتِيلَاءٍ‏.‏

فَلَوْ دَخَلَ دَارَ غَيْرِهِ أَوْ أَرْضَهُ لَمْ يَضْمَنْهَا بِدُخُولِهِ بِلَا إذْنِهِ، سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهَا فِيهَا أَوْ لَا‏.‏

لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ نَقْلُ الْعَيْنِ‏.‏

فَيَكْفِي مُجَرَّدُ الِاسْتِيلَاءِ وَنَحْوِهِ، كَمَا لَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَاقِفَةً لَيْسَ عِنْدَهَا رَبُّهَا وَلَوْ دَخَلَ دَارًا قَهْرًا وَأَخْرَجَ رَبَّهَا فَغَاصِبٌ‏.‏

وَإِنْ أَخْرَجَهُ قَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ أَوْ دَخَلَ مَعَ حُضُورِ رَبِّهَا وَقُوَّتِهِ فَلَا‏.‏

وَإِنْ دَخَلَ قَهْرًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ فَقَدْ غَصَبَ مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ إنْ أَرَادَ الْغَصْبَ‏.‏

وَإِنْ دَخَلَهَا قَهْرًا فِي غَيْبَةِ رَبِّهَا فَغَاصِبٌ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا قُمَاشَةٌ‏.‏

ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ‏.‏

وَأَمَّا اسْتِيلَاءُ الْحَرْبِيِّ فَقَدْ سَبَقَ فِي الْغَنِيمَةِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ‏)‏ يَشْمَلُ الْمِلْكَ وَالِاخْتِصَاصَ، وَقَوْلُهُ ‏"‏ قَهْرًا ‏"‏ أَخْرَجَ بِهِ الْمَسْرُوقَ وَالْمُخْتَلَسَ وَنَحْوَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏"‏ بِغَيْرِ حَقٍّ ‏"‏ خَرَجَ بِهِ الشُّفْعَةُ وَالْغَصْبُ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ‏.‏

‏(‏وَيُضْمَنُ عَقَارٌ‏)‏ بِفَتْحِ الْعَيْنِ بِغَصْبٍ‏.‏

لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏مَنْ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِمَعْنَاهُ‏.‏

وَفِي لَفْظٍ ‏"‏ مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ‏"‏ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ كَسُكْنَاهُ الدَّارَ وَمَنْعِ صَاحِبِهَا مِنْهَا‏.‏

أَشْبَهَ أَخْذَ الدَّابَّةِ وَالْمَتَاعِ‏.‏

وَيَصِحُّ غَصْبُ مُشَاعٍ كَأَرْضٍ أَوْ دَارٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي أَيْدِيهِمَا فَيَنْزِلُ الْغَاصِبُ فِيهَا وَيُخْرِجُ أَحَدَهُمَا وَيُقِرُّ الْآخَرَ مَعَهُ عَلَى مَا كَانَ مَعَ الْمُخْرَجِ‏.‏

فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا إلَّا نَصِيبَ الْمُخْرَجِ حَتَّى لَوْ اسْتَغَلَّا الْمِلْكَ أَوْ انْتَفَعَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَاقِي مِنْهُمَا لِشَرِيكِهِ الْمُخْرَجِ شَيْءٌ‏.‏

وَكَذَا لَوْ كَانَ عَبْدٌ لِاثْنَيْنِ كَفَّ الْغَاصِبُ يَدَ أَحَدِهِمَا عَنْهُ وَنَزَلَ فِي التَّسَلُّطِ عَلَيْهِ مَوْضِعَهُ مَعَ إقْرَارِ الْآخَرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ بَاعَاهُ بَطَلَ بَيْعُ الْغَاصِبِ لِلنِّصْفِ وَصَحَّ بَيْعُ الْآخَرِ لِنِصْفِهِ‏.‏

وَلَوْ غَصَبَ مِنْ قَوْمٍ ضَيْعَةً ثُمَّ رَدَّ إلَى أَحَدِهِمْ نَصِيبَهُ مُشَاعًا لَمْ يُطْلَبْ لَهُ الِانْفِرَادُ بِالْمَرْدُودِ عَلَيْهِ‏.‏

هَذَا مَعْنَى نَصِّهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ‏.‏

قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ مُلَخَّصًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تُضْمَنُ ‏(‏أُمُّ وَلَدٍ‏)‏ بِغَصْبٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا كَالْقِنِّ فِي الضَّمَانِ بِقِيمَتِهِمَا لَوْ قُتِلَتْ دُونَ دَيْنِهَا‏.‏

فَهُوَ دَلِيلُ مَالِيَّتِهَا ‏(‏وَ‏)‏ يُضْمَنُ ‏(‏قِنٌّ‏)‏ ذَكَرًا وَأُنْثَى وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ‏(‏بِغَصْبِهِ‏)‏ كَسَائِرِ الْمَالِ ‏(‏لَكِنْ لَا تَثْبُتُ‏)‏ يَدُ غَاصِبٍ ‏(‏عَلَى بُضْعِ أَمَةٍ‏)‏ مَغْصُوبَةٍ ‏(‏فَيَصِحُّ‏)‏ مِنْ مَالِكِهَا ‏(‏تَزْوِيجُهَا‏)‏ وَهِيَ بِيَدِ غَاصِبِهَا ‏(‏وَلَا يَضْمَنُ‏)‏ الْغَاصِبُ ‏(‏نَفْعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْبُضْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ بِالْإِجَارَةِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ غَصَبَ‏)‏ شَخْصٌ ‏(‏خَمْرَ مُسْلِمٍ ضَمِنَ‏)‏ الْغَاصِبُ ‏(‏مَا تَخَلَّلَ بِيَدِهِ‏)‏ مِنْهَا إنْ تَلِفَتْ قَبْلَ رَدِّهِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ خَلًّا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَغْصُوبَةِ مِنْهُ وَيَلْزَمُهُ رَدُّ مَا تَخَلَّلَ؛ لِأَنَّ يَدَ الْأَوَّلِ لَمْ تَزُلْ عَنْهَا بِالْغَصْبِ فَكَأَنَّهَا تَخَلَّلَتْ فِي يَدِهِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَضْمَنُ ‏(‏مَا تَخَلَّلَ مِمَّا جَمَعَ‏)‏ مِنْ خَمْرٍ ‏(‏بَعْدَ إرَاقَتِهَا‏)‏ لِزَوَالِ الْيَدِ بِالْإِرَاقَةِ ‏(‏وَيُرَدُّ خَمْرُ ذِمِّيٍّ مُسْتَتِرَةً‏)‏ غُصِبَتْ ‏(‏كَخَمْرِ خَلَّالٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ إمْسَاكِهَا ‏(‏وَ‏)‏ يُرَدُّ ‏(‏كَلْبٌ يُقْتَنَى‏)‏ كَكَلْبِ صَيْدٍ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، و‏(‏لَا‏)‏ تُرَدُّ ‏(‏قِيمَتُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْخَمْرِ لِذِمِّيٍّ أَوْ خَلَّالٍ وَلَا الْكَلْبِ ‏(‏مَعَ تَلَفٍ‏)‏ لِتَحْرِيمِهِمَا فَهُمَا كَالْمَيْتَةِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَلْزَمُ رَدُّ ‏(‏جِلْدِ مَيْتَةٍ غُصِبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِدَبْغٍ‏)‏ فَلَا سَبِيلَ إلَى إصْلَاحِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ وَفِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَالتَّوْضِيحِ‏:‏؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ دَبْغِهِ فِي الْيَابِسَاتِ فَإِنْ تَلِفَ لَمْ يَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ ‏(‏وَلَا يَضْمَنُ حُرٌّ‏)‏ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا ‏(‏بِاسْتِيلَاءٍ عَلَيْهِ‏)‏ بِأَنْ حَبَسَهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ فَمَاتَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ ‏(‏وَتُضْمَنُ ثِيَابُ حُرٍّ صَغِيرٍ وَحُلِيُّهُ‏)‏ وَلَوْ لَمْ يَنْزَعْهُمَا عَنْهُ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا مُمَانَعَةَ مَعَهُ عَنْ ذَلِكَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ غَصَبَهُ مُنْفَرِدًا‏.‏

وَعَلَى مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ بَيْتِ أَهْلِهِ رَدُّهُ إلَيْهِ وَمُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ تُضْمَنُ ‏(‏دَابَّةٌ‏)‏ غُصِبَتْ و‏(‏عَلَيْهَا مَالِكُهَا الْكَبِيرُ وَمَتَاعُهُ‏)‏؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِ مَالِكِهَا ‏(‏وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحُرُّ ‏(‏كُرْهًا‏)‏ فِي خِدْمَةٍ أَوْ خِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ؛ لِاسْتِيفَائِهِ مَنَافِعَهُ الْمُتَقَوِّمَةَ فَيَضْمَنُهَا كَمَنَافِعِ الْعَبْدِ ‏(‏أَوْ حَبَسَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحُرُّ ‏(‏مُدَّةً‏)‏ لَهَا أُجْرَةٌ ‏(‏فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ‏)‏ مُدَّةَ حَبْسِهِ،؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَنْفَعَتَهُ زَمَنَ الْحَبْسِ، وَهِيَ مَالٌ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَمَنَافِعِ الْعَبْدِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ أُجْرَةَ ‏(‏إنْ مَنَعَ‏)‏ شَخْصٌ آخَرُ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْمَمْنُوعُ ‏(‏قِنًّا‏:‏ الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ حَبْسٍ‏)‏؛ لِعَدَمِ تَلَفِهَا تَحْتَ يَدِهِ؛ وَلِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ أَوْ سَيِّدِهِ، وَمَنَافِعُهُ تَلِفَتْ مَعَهُ، كَمَا لَا يُضْمَنُ هُوَ وَلَا ثِيَابُهُ إذَنْ ‏(‏وَلَا يُضْمَنُ رِبْحٌ فَاتَ‏)‏ عَلَى مَالِكٍ ‏(‏بِحَبْسِ‏)‏ غَاصِبٍ ‏(‏مَالِ تِجَارَةٍ‏)‏ مُدَّةً يُمْكِنُ أَنْ يَرْبَحَ فِيهَا إذَا لَمْ يَتَّجِرْ فِيهِ غَاصِبٌ كَمَا لَوْ حَبَسَ عَبْدًا يُرِيدُ مَالِكُهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ صِنَاعَةً مُدَّةً يُمْكِنُ تَعَلُّمُهَا فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَا وُجُودَ لَهَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏وجوب رد الشيء المغصوب‏]‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ ‏(‏عَلَى غَاصِبٍ رَدُّ مَغْصُوبٍ إلَى مَحَلِّهِ‏)‏ إنْ ‏(‏قَدَرَ‏)‏ الْغَاصِبُ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ عَلَى رَدِّهِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ رَدُّهُ ‏(‏بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَغْصُوبِ ‏(‏لِكَوْنِهِ بُنِيَ عَلَيْهِ‏)‏ بِأَنْ غَصَبَ حَجَرًا أَوْ خَشَبًا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ مَثَلًا وَبُنِيَ عَلَيْهِ وَاحْتَاجَ فِي إخْرَاجِهِ وَرَدِّهِ إلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ ‏(‏أَوْ‏)‏ لِكَوْنِهِ ‏(‏بَعُدَ‏)‏ بِأَنْ حُمِلَ إلَى بَلَدٍ بَعِيدَةٍ بِحَيْثُ تَكْثُرُ أُجْرَةُ رَدِّهِ عَلَى قِيمَتِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ لِكَوْنِهِ ‏(‏خُلِطَ بِمُتَمَيِّزٍ‏)‏ كَأَنْ غَصَبَ سِمْسِمًا وَخَلَطَهُ بِبُرٍّ وَاحْتَاجَ فِي تَخْلِيصِهِ إلَى أُجْرَةٍ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ كَأَنْ غَصَبَ حَيَوَانًا فَانْفَلَتَ بِمَكَانٍ يَعْسُرُ مَسْكُهُ فِيهِ وَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى أُجْرَةٍ، فَتَلْزَمُ الْغَاصِبَ لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ‏.‏

وَلِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا أَوْ جَادًّا فَإِذَا أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا إلَيْهِ أَوْ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ فَكَانَ أَوْلَى بِغُرْمِهِ مِنْ مَالِكِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ قَالَ رَبُّ‏)‏ مَغْصُوبٍ ‏(‏عَبْدٍ‏)‏ لِغَاصِبٍ بَعْدَهُ‏:‏ ‏(‏دَعْهُ‏)‏ بِالْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهَا ‏(‏وَأَعْطِنِي أُجْرَةَ رَدِّهِ إلَى بَلَدٍ غَصْبِهِ لَمْ يَجِبْ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَمْ يَلْزَمْ الْغَاصِبَ إجَابَتُهُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ‏.‏

وَكَذَا لَوْ طَلَبَ مِنْ غَاصِبٍ حَمْلَهُ إلَى مَكَانٍ آخَرَ فِي غَيْرِ طَرِيقِ الرَّدِّ وَكَذَا لَوْ بَذَلَ الْغَاصِبُ لِمَالِكِهِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَلَا يَسْتَرِدُّهُ وَأَبَى الْمَالِكُ‏.‏

وَإِنْ أَرَادَ مَالِكٌ مِنْ غَاصِبٍ رَدَّهُ إلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ فَقَطْ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إلَى جَمِيعِ الْمَسَافَةِ فَلَزِمَهُ إلَى بَعْضِهَا، كَمَدِينٍ أَسْقَطَ عَنْهُ رَبُّ الدَّيْنِ بَعْضَهُ وَطَلَبَ بَاقِيَهُ‏.‏

وَكَذَا إنْ طَلَبَ إبْقَاءَهُ بِمَحَلِّهِ وَيَجُوزُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

‏(‏وَإِنْ سَمَّرَ‏)‏ غَاصِبٌ ‏(‏بِالْمَسَامِيرِ‏)‏ الْمَغْصُوبَةِ ‏(‏بَابًا‏)‏ أَوْ غَيْرَهُ ‏(‏قَلَعَهَا‏)‏ وُجُوبًا ‏(‏وَرَدَّهَا‏)‏ لِرَبِّهَا لِلْخَبَرِ، وَلَا أَثَرَ لِضَرَرِهِ؛ لِأَنَّهُ بِتَعَدِّيهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ زَرَعَ‏)‏ الْغَاصِبُ ‏(‏الْأَرْضَ‏)‏ الْمَغْصُوبَةَ ‏(‏فَلَيْسَ لِرَبِّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَرْضِ إذَا رُدَّتْ ‏(‏بَعْدَ حَصْدِ‏)‏ الزَّرْعِ ‏(‏إلَّا الْأُجْرَةُ‏)‏ أَيْ‏:‏ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ إلَى رَدِّهَا، وَلَيْسَ لَهُ تَمَلُّكُ الزَّرْعِ بَعْدَ حَصَادِهِ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ غَرَسَ فِيهَا غَرْسًا ثُمَّ قَلَعَهُ‏.‏

‏(‏وَيُخَيَّرُ‏)‏ رَبُّ أَرْضٍ قَدَرَ عَلَيْهَا مِنْ غَاصِبٍ ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَبْلَ حَصَادِهِ ‏(‏بَيْنَ تَرْكِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الزَّرْعِ فِي أَرْضِهِ ‏(‏إلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَصَادِ ‏(‏بِأُجْرَتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ أُجْرَةِ مِثْلِهِ ‏(‏أَوْ تَمَلُّكِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الزَّرْعِ ‏(‏بِنَفَقَتِهِ وَهِيَ مِثْلُ الْبَذْرِ، وَعِوَضُ لَوَاحِقِهِ‏)‏ مِنْ حَرْثٍ وَسَقْيٍ وَنَحْوِهِمَا‏.‏

لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ وَلَهُ نَفَقَتُهُ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ إنَّمَا أَذْهَبُ إلَى هَذَا الْحُكْمِ اسْتِحْسَانًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ وَلِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ تَبْقِيَتِهِ بِأُجْرَتِهِ وَتَمَلُّكِهِ بِنَفَقَتِهِ تَحْصِيلًا لِغَرَضِ رَبِّ الْأَرْضِ فَمَلَكَ الْخِيَرَةَ بَيْنَهُمَا‏.‏

وَلَا يُجْبَرُ غَاصِبٌ عَلَى قَلْعِ زَرْعِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إلَى مَالِكِهِ بِلَا إتْلَافِ مَالِ الْغَاصِبِ عَلَى قُرْبٍ مِنْ الزَّمَانِ فَلَمْ يَجُزْ إتْلَافُهُ، كَسَفِينَةٍ غَصَبَهَا وَحَمَلَ فِيهَا مَتَاعَهُ وَأَدْخَلَهَا اللُّجَّةَ، بِخِلَافِ الشَّجَرِ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ وَلَا يُعْلَمُ انْتِهَاؤُهَا‏.‏

وَحَدِيثُ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ‏}‏ وَرَدَ فِي الْغَرْسِ وَحَدِيثُ رَافِعٍ فِي الزَّرْعِ فَعَمَلُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَوْضِعِهِ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ أَحَدِهِمَا‏.‏

‏(‏وَإِنْ غَرَسَ‏)‏ غَاصِبُ أَرْضٍ فِيهَا ‏(‏أَوْ بَنَى فِيهَا أُخِذَ‏)‏ أَيْ‏:‏ أُلْزِمَ ‏(‏بِقَلْعِ غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏لَيْسَ لِعِرَقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ‏(‏وَ‏)‏ أَخَذَ بِ ‏(‏تَسْوِيَتِهَا وَأَرْشِ نَقْصِهَا‏)‏ لِحُصُولِهِ بِتَعَدِّيهِ ‏(‏وَأُجْرَتِهَا‏)‏ إلَى تَسْلِيمِهَا لِتَلَفِ مَنَافِعِهَا تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا لَزِمَهُ أُجْرَتُهَا، وَأَرْشُ نَقْصِهَا إنْ نَقَصَتْ بِتَرْكِ زَرْعِهَا ذَلِكَ الْعَامَ، كَأَرَاضِي الْبَصْرَةِ كَمَا لَوْ نَقَصَتْ بِغَيْرِهِ ‏(‏حَتَّى وَلَوْ كَانَ‏)‏ الْغَاصِبُ ‏(‏أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ‏)‏ فِي الْأَرْضِ ‏(‏أَوْ لَمْ يَغْصِبْهَا‏)‏ الْغَارِسُ أَوْ الْبَانِي فِيهَا ‏(‏لَكِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ‏)‏ لِلتَّعَدِّي ‏(‏وَلَا يَمْلِكُ‏)‏ رَبُّ أَرْضٍ ‏(‏أَخْذَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ ‏(‏بِقِيمَتِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِ الْغَاصِبِ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ وَضَعَ فِيهَا أَثَاثًا أَوْ نَحْوَهُ؛ وَلِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمَالِكُ‏.‏

وَقَالَ الْمَجْدُ‏:‏ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ‏:‏ وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ تَمَلُّكُ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ بِقِيمَتِهٍ مَقْلُوعًا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِقَلْعِهِ ‏(‏وَإِنْ وَهَبَ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَهَبَ غَارِسٌ أَوْ بَانَ غَرْسُهُ أَوْ بِنَاؤُهُ ‏(‏لِمَالِكِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَرْضِ ‏(‏لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ فِيهِ إجْبَارًا عَلَى عَقْدٍ يُعْتَبَرُ فِيهِ الرِّضَا، وَإِنْ زَرَعَ فِيهَا نَوًى فَصَارَ شَجَرًا، فَكَمَا لَوْ حَمَلَ الْغَاصِبُ إلَيْهَا غَرْسًا، فَغَرَسَهُ فِيهَا ‏(‏وَرُطَبُهُ وَنَحْوُهَا‏)‏ مِمَّا يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ كَقِثَّاءٍ وَبَامِيَا ‏(‏كَزَرْعٍ‏)‏ فَلِرَبِّهَا إذَا أَدْرَكَهُ قَائِمًا أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِنَفَقَتِهِ أَوْ يَتْرُكَهُ بِأُجْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِرْقٌ قَوِيٌّ أَشْبَهَ الْحِنْطَةَ ‏(‏لَا‏)‏ ك ‏(‏غَرْسٍ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

وَإِنْ أَثْمَرَ مَا غَرَسَهُ غَاصِبٌ فِي مَغْصُوبٍ‏)‏ فَالثَّمَرُ لِلْغَاصِبِ عِنْدَ الْمُوَفَّقِ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبِ الْفَائِقِ وَابْنِ رَزِينٍ‏.‏

وَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَنَوَادِرِ الْمَذْهَبِ‏:‏ كَالزَّرْعِ‏.‏

وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ الْأَوَّلَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ‏.‏

‏(‏وَمَتَى كَانَتْ آلَاتُ الْبِنَاءِ مِنْ مَغْصُوبٍ‏)‏ بِأَنْ ضَرَبَ مِنْ تُرَابِهِ لَبِنًا وَبَنَى بِهِ بَيْتًا فِيهَا ‏(‏فَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏أُجْرَتُهَا مَبْنِيَّةً‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ وَالْبِنَاءَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ‏(‏وَلَا يَمْلِكُ‏)‏ غَاصِبٌ ‏(‏هَدْمَهَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّهُ فَإِنْ نَقَضَهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْضِهِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ قِيَاسُ مَا يَأْتِي إنْ أَبْرَأَهُ رَبُّ أَرْضٍ مِنْ ضَمَانِهِ فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ، وَإِلَّا فَلَهُ نَقْضُهُ دَفْعًا لِضَرَرِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ تَكُنْ آلَاتُ الْبِنَاءِ مِنْ مَغْصُوبٍ بِأَنْ بَنَاهَا بِلَبِنٍ مِنْ غَيْرِ تُرَابِهَا ‏(‏فَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏أُجْرَتُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ‏(‏فَلَوْ أَجَّرَهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ أَجَّرَ غَاصِبٌ الْأَرْضَ وَبِنَاءَهُ الَّذِي لَيْسَ مِنْهَا ‏(‏فَالْأُجْرَةُ‏)‏ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَرَبِّ الْأَرْضِ ‏(‏بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ تُوَزَّعُ بَيْنَهُمَا بِالْمُحَاصَّةِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ مِثْلِ الْأَرْضِ وَأُجْرَةِ الْبِنَاءِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا وَغِرَاسًا مَنْقُولًا مِنْ‏)‏ مَالِكٍ ‏(‏وَاحِدٍ فَغَرَسَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغِرَاسَ الْمَغْصُوبَ ‏(‏فِيهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ ‏(‏لَمْ يَمْلِكْ‏)‏ الْغَاصِبُ ‏(‏قَلْعَهُ‏)‏؛ لِأَنَّ مَالِكَهُمَا وَاحِدٌ وَلَا يَتَصَرَّفُ غَيْرُهُ فِي مِلْكِهِ بِلَا إذْنِهِ ‏(‏وَعَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَاصِبِ ‏(‏إنْ فَعَلَ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَلَعَ الْغِرَاسَ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكٍ‏:‏ تَسْوِيَتُهَا وَأَرْشُ نَقْصِهَا وَأَرْشُ نَقْصِ غِرَاسٍ لِتَعَدِّيهِ بِهِ ‏(‏أَوْ طَلَبَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقَلْعَ ‏(‏رَبُّهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْغِرَاسِ ‏(‏لِغَرَضٍ صَحِيحٍ‏)‏ بِأَنْ كَانَ لَا يَنْتُجُ مِثْلُهُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ مَثَلًا ‏(‏تَسْوِيَتُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَرْضِ ‏(‏وَ‏)‏ أَرْشُ ‏(‏نَقْصِهَا وَ‏)‏ أَرْشُ ‏(‏نَقْصِ غِرَاسٍ‏)‏ لِتَعَدِّيهِ بِهِ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِمَالِكٍ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي قَلْعِهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ غَاصِبٌ؛ لِأَنَّهُ سَفَهٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ مَقْصُودٌ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ غَرَضَهُ فَأَخَذَ بِإِعَادَتِهَا كَمَا كَانَتْ‏.‏

وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا مِنْ وَاحِدٍ وَغَرْسًا مِنْ آخَرَ وَغَرَسَهُ فِيهَا فَكَمَا لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ غِرَاسًا إلَى أَرْضِ آخَرَ وَتَقَدَّمَ‏.‏

وَكَذَا لَوْ غَصَبَ أَرْضًا مِنْ وَاحِدٍ وَحَبًّا مِنْ آخَرَ وَزَرَعَهُ فِيهَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمَجْدُ‏.‏

‏(‏وَإِنْ غَصَبَ خَشَبًا فَرَقَّعَ بِهِ سَفِينَةً قُلِعَ‏)‏ إنْ كَانَتْ فِي السَّاحِلِ أَوْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ وَلَا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ قَلْعِهِ لِكَوْنِهِ فِي أَعْلَاهَا وَدَفَعَ لِرَبِّهِ بِلَا إمْهَالٍ لِوُجُوبِهِ فَوْرًا ‏(‏وَيُمْهَلُ‏)‏ لِقَلْعٍ ‏(‏مَعَ خَوْفٍ‏)‏ عَلَى سَفِينَةٍ بِقَلْعِهِ بِأَنْ يَكُونَ فِي مَحَلٍّ يُخَافُ مِنْ قَلْعِهِ دُخُولُ الْمَاءِ إلَيْهَا وَهِيَ فِي اللُّجَّةِ ‏(‏حَتَّى تَرْسِيَ‏)‏ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ قَلْعُهُ إلَى إفْسَادِ مَا فِي السَّفِينَةِ مِنْ الْمَالِ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهِ بِدُونِهِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ ‏(‏فَإِنْ تَعَذَّرَ‏)‏ الْإِرْسَاءُ لِبُعْدِ الْبَرِّ ‏(‏فَلِمَالِكِ‏)‏ خَشَبٍ مَغْصُوبٍ ‏(‏أَخْذُ قِيمَتِهِ‏)‏ لِلتَّضَرُّرِ بِرَدِّ عَيْنِهِ إذَنْ، وَمَتَى رَسَتْ وَاسْتَرْجَعَهُ رَدَّ الْقِيمَةَ كَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَا فِي السَّفِينَةِ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ لِلْغَاصِبِ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏وَعَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَاصِبِ ‏(‏أُجْرَتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْخَشَبُ الْمَغْصُوبِ ‏(‏إلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَخْذُ قِيمَتِهِ إنْ أَخَذَهَا وَإِلَّا فَإِلَى رَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَنَافِعَهُ عَلَى مَالِكِهِ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَيْهِ أَرْشُ ‏(‏نَقْصِهِ‏)‏ لِحُصُولِهِ بِتَعَدِّيهِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ غَصَبَ مَا خَاطَ بِهِ جُرْحَ‏)‏ حَيَوَانٍ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏وَخِيفَ بِقَلْعِهِ‏)‏ أَيْ الْخَيْطِ ‏(‏ضَرَرُ آدَمِيٍّ أَوْ تَلَفُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَوْتُ حَيَوَانِ ‏(‏غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْآدَمِيِّ ‏(‏فَ‏)‏ الْوَاجِبُ ‏(‏قِيمَتُهُ‏)‏ لِمَالِكِهِ لِتَأَكُّدِ حُرْمَةِ الْآدَمِيِّ‏.‏

وَلِهَذَا جَازَ لَهُ أَخْذُ مَالِ غَيْرِهِ لِحِفْظِ حَيَاتِهِ وَحُرْمَةُ الْحَيَوَانِ آكَدُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَمْوَالِ‏.‏

وَلِهَذَا جَازَ إتْلَافُ غَيْرِهِ وَهُوَ مَا يَطْعَمُهُ الْحَيَوَانُ لِأَجْلِ تَبْقِيَتِهِ ‏(‏وَإِنْ حَلَّ‏)‏ حَيَوَانٌ خِيطَ جُرْحِهِ بِمَغْصُوبٍ ‏(‏لِغَاصِبٍ‏)‏ كَشَاةٍ وَبَقَرَةٍ وَنَحْوِهِمَا وَخِيفَ مَوْتٌ بِقَلْعِهِ ‏(‏أُمِرَ‏)‏ غَاصِبٌ ‏(‏بِذَبْحِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَيَوَانِ ‏(‏وَيَرُدُّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْخَيْطَ الْمَغْصُوبَ وَلَوْ نَقَصَ الْحَيَوَانُ بِذَبْحِهِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْخَيْطِ، أَوْ لَمْ يُعَدَّ لِلذَّبْحِ كَالْخَيْلِ كَمَا لَوْ بُنِيَ عَلَى الْمَغْصُوبِ‏.‏

فَإِنْ كَانَ الْمَخِيطُ جُرْحُهُ بِهِ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَخِنْزِيرٍ وَمُرْتَدٍّ وَجَبَ قَلْعُهُ وَرَدُّهُ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ خَاطَ بِهِ ثَوْبًا وَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ غَيْرَ مَأْكُولٍ أَوْ كَانَ مَأْكُولًا، لَكِنْ لِغَيْرِ الْغَاصِبِ لَمْ يُذْبَحْ ‏(‏كَ‏)‏ مَا يُرَدُّ الْخَيْطُ ‏(‏بَعْدَ مَوْتِ‏)‏ حَيَوَانٍ ‏(‏غَيْرِ آدَمِيٍّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ، لِبَقَاءِ حُرْمَتِهِ فَتَتَعَيَّنَ قِيمَتُهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ غَصَبَ جَوْهَرَةً‏)‏ مَثَلًا ‏(‏فَابْتَلَعَتْهَا بَهِيمَةٌ‏)‏ بِتَفْرِيطِهِ أَوْ لَا ‏(‏فَكَذَلِكَ‏)‏ أَيْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْخَيْطِ الَّذِي خَاطَ بِهِ جُرْحَهَا، ‏(‏وَلَوْ ابْتَلَعَتْ شَاةُ شَخْصٍ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏جَوْهَرَةَ آخَرَ غَيْرَ مَغْصُوبَةٍ وَلَا تَخْرُجُ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَعَذَّرَ إخْرَاجُ الْجَوْهَرَةِ ‏(‏إلَّا بِذَبْحِهَا وَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ ذَبْحُهَا ‏(‏أَقَلُّ ضَرَرًا‏)‏ مِنْ ضَرَرِ تَرْكِهَا ‏(‏ذُبِحَتْ وَعَلَى رَبِّ الْجَوْهَرَةِ مَا نَقَصَ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِالذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَتَاعِهِ ‏(‏إنْ لَمْ يُفَرِّطْ رَبُّ الشَّاةِ بِكَوْنِ يَدِهِ عَلَيْهَا‏)‏ حِينَ ابْتِلَاعِهَا الْجَوْهَرَةَ‏.‏

فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّ الْجَوْهَرَةِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ غَيْرِهِ‏.‏

فَكَانَ الضَّرَرُ عَلَى الْمُفَرِّطِ ‏(‏وَإِنْ حَصَلَ رَأْسُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا ‏(‏بِإِنَاءٍ وَلَمْ يَخْرُجْ‏)‏ رَأْسُهَا ‏(‏إلَّا بِذَبْحِهَا أَوْ كَسْرِهِ‏)‏ أَيْ الْإِنَاءِ ‏(‏وَلَمْ يُفَرِّطَا‏)‏ أَيْ‏:‏ رَبُّ الشَّاةِ، وَرَبُّ الْإِنَاءِ ‏(‏كُسِرَ‏)‏ الْإِنَاءُ ‏(‏وَعَلَى مَالِكِهَا أَرْشُهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ ‏(‏وَمَعَ تَفْرِيطِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ رَبِّ الشَّاةِ ‏(‏تُذْبَحُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّاةُ ‏(‏بِلَا ضَمَانٍ‏)‏ عَلَى رَبِّ الْإِنَاءِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ جِهَتِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالضَّرَرِ مِمَّنْ لَمْ يُفَرِّطْ ‏(‏وَمَعَ تَفْرِيطِ رَبِّهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْإِنَاءِ كَمَا لَوْ أَدْخَلَهُ بِيَدِهِ أَوْ أَلْقَى الْإِنَاءَ بِالطَّرِيقِ ‏(‏يُكْسَرُ بِلَا أَرْشٍ‏)‏ عَلَى رَبِّ الشَّاةِ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَيَتَعَيَّنُ فِي‏)‏ بَهِيمَةٍ ‏(‏غَيْرِ مَأْكُولَةٍ‏)‏ حَصَلَ رَأْسُهَا بِإِنَاءٍ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِكَسْرِهِ ‏(‏كَسَرَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْإِنَاءَ وَعَلَى رَبِّهَا أَرْشُهُ‏.‏

إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيطُ مِنْ رَبِّ الْإِنَاءِ‏.‏

وَإِنْ قَالَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ‏:‏ أَنَا أُتْلِفُ مَالِي وَلَا أَغْرَمُ شَيْئًا‏.‏

فَلَهُ ذَلِكَ ‏(‏وَيَحْرُمُ تَرْكُ الْحَالِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَرْكُ رَأْسِ الْبَهِيمَةِ فِي الْإِنَاءِ بِلَا ذَبْحٍ وَلَا كَسْرٍ‏.‏

لِأَنَّهُ تَعْذِيبُ حَيَوَانٍ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ رَبُّ الْإِنَاءِ وَامْتَنَعَ رَبُّ الْمَأْكُولَةِ مِنْ ذَبْحِهَا وَمِنْ أَرْشِ كَسْرِ الْإِنَاءِ أَوْ رَبُّ غَيْرِ الْمَأْكُولَةِ مِنْ أَرْشِ الْكَسْرِ أُجْبِرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ تَخْلِيصِهَا مِنْ الْعَذَابِ، فَلَزِمَ رَبَّهَا كَعَلَفِهَا‏.‏

‏(‏وَلَوْ حَصَلَ مَالُ شَخْصٍ‏)‏ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏فِي دَارٍ آخَرَ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ‏)‏ مِنْ الدَّارِ ‏(‏بِدُونِ نَقْضِ‏)‏ بَعْضِهَا ‏(‏وَجَبَ‏)‏ النَّقْضُ وَأُخْرِجَ ‏(‏وَعَلَى رَبِّهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَالِ الْمُخْرَجِ ‏(‏ضَمَانُهُ‏)‏ أَيْ إصْلَاحُهُ‏.‏

لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ ‏(‏إنْ لَمْ يُفَرِّطْ صَاحِبُ الدَّارِ‏)‏ فَإِنْ فَرَّطَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ‏.‏

لِأَنَّ الْمُفَرِّطَ أَوْلَى بِحُصُولِ الضَّرَرِ، كَمَا لَوْ كَانَ بِتَعَدِّيهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ غَصَبَ دِينَارًا أَوْ نَحْوَهُ‏)‏ كَجَوْهَرَةٍ أَوْ دِرْهَمٍ ‏(‏فَحَصَلَ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏فِي مِحْبَرَة آخَرَ أَوْ نَحْوِهَا‏)‏ مِنْ كُلِّ إنَاءٍ ضَيِّقِ الرَّأْسِ بِفِعْلِ غَاصِبٍ أَوْ لَا ‏(‏وَعَسُرَ إخْرَاجُهُ‏)‏ مِنْهَا بِدُونِ كَسْرِهَا ‏(‏فَإِنْ زَادَ ضَرَرُ الْكَسْرِ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الدِّينَارِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا صَحِيحَةً دِينَارَيْنِ وَكَانَتْ قِيمَتُهَا مَكْسُورَةً نِصْفَ دِينَارٍ ‏(‏فَعَلَى الْغَاصِبِ بَدَلُهُ‏)‏ أَيْ الدِّينَارِ يُعْطِيهِ لِرَبِّهِ وَلَمْ تُكْسَرْ، لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ ‏(‏وَأَلَّا‏)‏ يَزِيدَ ضَرَرُ الْكَسْرِ عَلَى الدِّينَارِ بِأَنْ تَسَاوَيَا أَوْ كَانَ ضَرَرُ الْكَسْرِ أَقَلَّ ‏(‏تَعَيَّنَ الْكَسْرُ‏)‏ لِيُرَدَّ الْمَغْصُوبُ ‏(‏وَعَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْغَاصِبِ ‏(‏ضَمَانُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمِحْبَرَةِ لِتَسَبُّبِهِ بِالْغَصْبِ فِي إتْلَافِهَا ‏(‏وَإِنْ حَصَلَ‏)‏ الدِّينَارُ فِي الْمِحْبَرَةِ ‏(‏بِلَا غَصْبٍ وَلَا فِعْلِ أَحَدٍ كُسِرَتْ‏)‏ الْمِحْبَرَةُ ‏(‏وَعَلَى رَبِّهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الدِّينَارِ ‏(‏أَرْشُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ أَرْشُ نَقْصِهَا بِالْكَسْرِ‏.‏

لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ ‏(‏إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ‏)‏ رَبُّ الدِّينَارِ ‏(‏مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ كَسْرِ الْمِحْبَرَةِ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِ أَرْشِهَا ‏(‏لِكَوْنِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمِحْبَرَةِ ‏(‏ثَمِينَةً‏)‏ فَلَا تُكْسَرُ ويَصْطَلِحَانِ عَلَيْهِ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ‏:‏ قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنْ يُقَالَ لِرَبِّ الدِّينَارِ‏:‏ إنْ شِئْتَ أَنْ تَأْخُذَ فَاغْرَمْ أَوْ فَاتْرُكْ وَلَا شَيْءَ لَكَ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ حَصَلَ الدِّينَارُ وَنَحْوُهُ فِيهَا ‏(‏بِفِعْلِ مَالِكِهَا تُكْسَرُ مَجَّانًا‏)‏ بِلَا ضَمَانٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِوُجُوبِ إعَادَةِ الدِّينَارِ إلَى مَالِكِهِ عَلَى رَبِّهَا‏.‏

وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ بِدُونِ كَسْرِهَا وَالتَّفْرِيطُ مِنْ مَالِكِهَا ‏(‏وَ‏)‏ إنْ حَصَلَ فِيهَا ‏(‏بِفِعْلِ رَبِّ الدِّينَارِ يُخَيَّرُ‏)‏ رَبُّ الدِّينَارِ ‏(‏بَيْنَ تَرْكِهِ‏)‏ فِي الْمِحْبَرَةِ حَتَّى يَخْرُجَ بِكَسْرِهَا وَنَحْوِهِ ‏(‏وَ‏)‏ بَيْنَ ‏(‏كَسْرِهَا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا‏)‏ كَامِلَةً لِتَعَدِّيهِ ‏(‏وَيَلْزَمُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ رَبَّ الدِّينَارِ ‏(‏قَبُولُ مِثْلِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الدِّينَارِ ‏(‏إنْ بَذَلَهُ رَبُّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمِحْبَرَةِ وَلَا يَكْسِرُهَا، سَوَاءٌ قِيلَ‏:‏ يُجْبَرُ عَلَى كَسْرِهَا أَوْ لَا‏.‏

لِأَنَّهُ بَذَلَ لَهُ مَالًا يَتَفَاوَتُ بِهِ حَقُّهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ‏.‏

وَلَوْ بَادَرَ رَبُّ الدِّينَارِ وَكَسَرَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا مُطْلَقًا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏الحكم إذا زاد المغصوب‏]‏

‏(‏وَيَلْزَمُ غَاصِبًا وَغَيْرَهُ‏)‏ إذَا كَانَ بِيَدِهِ ‏(‏رَدُّ مَغْصُوبٍ زَادَ‏)‏ بِيَدِ غَاصِبٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ كَقِصَارَةِ‏)‏ ثَوْبٍ ‏(‏وَسِمَنِ‏)‏ حَيَوَانٍ ‏(‏وَتَعَلُّمِ‏)‏ قِنٍّ ‏(‏صَنْعَةً وَ‏)‏ بِزِيَادَتِهِ ‏(‏الْمُنْفَصِلَةِ كَوَلَدِ‏)‏ بَهِيمَةٍ، وَكَذَا وَلَدُ أَمَةٍ حَيْثُ لَا يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَيَأْتِي ‏(‏وَ‏)‏ كَ ‏(‏كَسْبِ‏)‏ رَقِيقٍ لِأَنَّهُ نَوْعُ نَمَاءِ الْمَغْصُوبِ وَهُوَ لِمَالِكِهِ فَلَزِمَ رَدُّهُ كَالْأَصْلِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ غَصَبَ قِنًّا أَوْ شَبَكَةً أَوْ شَرَكًا فَأَمْسَكَ‏)‏ الْقِنُّ أَوْ الشَّبَكَةُ أَوْ الشَّرَكُ صَيْدًا فَلِمَالِكِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ غَصَبَ ‏(‏جَارِحًا‏)‏ أَوْ سَهْمًا‏.‏

قَالَهُ فِي الْمُغْنِي ‏(‏أَوْ فَرَسًا‏)‏ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ‏:‏ أَوْ قَوْسًا ‏(‏فَصَادَ‏)‏ الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَارِحِ ‏(‏أَوْ‏)‏ صَادَ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْفَرَسِ صَيْدًا ‏(‏أَوْ‏)‏ غَزَا عَلَى الْفَرَسِ و‏(‏غَنِمَ فَ‏)‏ الصَّيْدُ وَسَهْمُ الْفَرَسِ مِنْ الْغَنِيمَةِ ‏(‏لِمَالِكِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَارِحِ وَالْفَرَسِ الْمَغْصُوبِ‏.‏

لِأَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ الْمَغْصُوبِ، فَكَانَ لِمَالِكِهِ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ وُهِبَ شَيْءٌ لِرَقِيقٍ مَغْصُوبٍ وَقِيَاسًا عَلَى رِبْحِ الدَّرَاهِمِ، وَيَسْقُطُ عَمَلُ الْغَاصِبِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَلْزَمُ غَاصِبًا ‏(‏أُجْرَتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَغْصُوبِ ‏(‏زَمَنَ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ اصْطِيَادِهِ وَنَحْوِهِ‏.‏

لِأَنَّ مَنَافِعَ الْمَغْصُوبِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَادَتْ إلَى الْمَالِكِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضَهَا عَلَى غَيْرِهِ كَالْأَرْضِ إذَا تَمَلَّكَ رَبُّهَا الزَّرْعَ بِنَفَقَتِهِ‏.‏

وَلَوْ غَصَبَ مِنْجَلًا أَوْ فَأْسًا فَقَطَعَ بِهِ حَشِيشًا أَوْ خَشَبًا فَلِغَاصِبٍ، لِحُصُولِ الْفِعْلِ مِنْهُ، كَمَا لَوْ غَصَبَ سَيْفًا فَقَاتَلَ بِهِ وَغَنِمَ‏.‏

وَفِي التَّلْخِيصِ‏:‏ إنْ غَصَبَ كَلْبًا وَصَادَ بِهِ فَهُوَ لِلْغَاصِبِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَزَالَ‏)‏ غَاصِبٌ أَوْ غَيْرُهُ ‏(‏اسْمَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَغْصُوبِ بِعَمَلِهِ فِيهِ ‏(‏كَنَسْجِ غَزْلٍ‏)‏ فَصَارَ يُسَمَّى ثَوْبًا ‏(‏وَ‏)‏ كَ ‏(‏طَحْنِ حَبٍّ‏)‏ غَصَبَهُ فَصَارَ يُسَمَّى دَقِيقًا ‏(‏أَوْ طَبَخَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَبَّ فَصَارَ يُسَمَّى طَبِيخًا ‏(‏وَنَجْرِ خَشَبٍ‏)‏ بَابًا أَوْ رُفُوفًا وَنَحْوَهَا ‏(‏وَضَرْبِ حَدِيدٍ‏)‏ مَسَامِيرًا وَسَيْفًا وَنَحْوَهُ ‏(‏وَ‏)‏ ضَرْبِ ‏(‏فِضَّةٍ‏)‏ دَرَاهِمَ أَوْ حُلِيًّا ‏(‏وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَضَرْبِ ذَهَبٍ وَنُحَاسٍ ‏(‏وَجَعْلِ طِينٍ‏)‏ غَصَبَهُ ‏(‏لَبِنًا‏)‏ أَوْ آجُرًّا ‏(‏أَوْ فَخَّارًا‏)‏ كَجِرَارٍ وَنَحْوِهَا ‏(‏رَدَّهُ‏)‏ الْغَاصِبُ وُجُوبًا مَعْمُولًا لِقِيَامِ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ فِيهِ كَشَاةٍ ذَبَحَهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ رَدَّ ‏(‏أَرْشَهُ إنْ نَقَصَ‏)‏ لِحُصُولِ نَقْصِهِ بِفِعْلِهِ، وَسَوَاءٌ نَقَصَتْ عَيْنُهُ أَوْ قِيمَتُهُ أَوْ هُمَا ‏(‏وَلَا شَيْءَ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَاصِبِ لِعَمَلِهِ وَلَوْ زَادَ بِهِ لِتَبَرُّعِهِ بِهِ كَمَا لَوْ غَلَى زَيْتًا فَزَادَتْ بِهِ قِيمَتُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ‏.‏

لِأَنَّ الصَّبْغَ عَيْنُ مَالٍ لَا يَزُولُ مِلْكُ مَالِكِهِ عَنْهُ بِجَعْلِهِ مَعَ مِلْكِ غَيْرِهِ ‏(‏وَلِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَاصِبِ ‏(‏عَلَى رَدِّ مَا أَمْكَنَ رَدُّهُ‏)‏ مِنْ مَغْصُوبٍ ‏(‏إلَى حَالَتِهِ‏)‏ الَّتِي غَصَبَهُ عَلَيْهَا كَمَسَامِيرَ ضَرَبَهَا نِعَالًا، فَلَهُ إجْبَارُهُ عَلَى رَدِّهَا مَسَامِيرَ لِتَحْرِيمِ عَمَلِ الْغَاصِبِ فِي الْمَغْصُوبِ فَمَلَكَ الْمَالِكُ إزَالَتَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ، بِخِلَافِ فَخَّارٍ وَصَابُونٍ وَنَحْوِهِ‏.‏

وَإِنْ اسْتَأْجَرَ غَاصِبٌ عَلَى عَمَلِ شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ فَالْأَجْرُ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَقَصَ أَوْ زَادَ فَكَمَا لَوْ فَعَلَهُ غَاصِبٌ بِنَفْسِهِ‏.‏

وَلِمَالِكٍ تَضْمِينُ نَقْصِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا‏.‏

فَإِنْ جَهِلَ الْأَجِيرُ الْحَالَ وَضَمِنَ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ‏.‏

لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَإِنْ عَلِمَ الْحَالَ فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَعَانَ الْغَاصِبُ بِمَنْ عَمِلَهُ فَكَأَجِيرٍ‏.‏

‏(‏وَمَنْ حَفَرَ فِي‏)‏ أَرْضٍ ‏(‏مَغْصُوبَةٍ بِئْرًا‏.‏

أَوْ شَقَّ‏)‏ فِيهَا ‏(‏نَهْرًا وَوَضَعَ التُّرَابَ‏)‏ الْخَارِجَ مِنْ الْبِئْرِ أَوْ النَّهْرِ ‏(‏بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ ‏(‏فَلَهُ‏)‏ أَيْ الْغَاصِبِ ‏(‏طَمُّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَرْضِ الْمَحْفُورَةِ بِئْرًا‏.‏

أَوْ الْمَشْقُوقِ بِهَا النَّهْرُ ‏(‏لِغَرَضٍ صَحِيحٍ‏)‏ كَإِسْقَاطِ ضَمَانِ مَا يَقَعُ فِيهَا أَوْ مُطَالَبَتُهُ بِتَفْرِيغِهَا مِنْ التُّرَابِ كَمَا لَوْ جَعَلَ تُرَابَهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ طَرِيقٍ يَحْتَاجُ إلَى تَفْرِيغِهِ ‏(‏وَلَوْ بَرِئَ مِنْ‏)‏ ضَمَانِ ‏(‏مَا يَتْلَفُ بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَرْضِ بِسَبَبِ الْبِئْرِ أَوْ النَّهْرِ‏.‏

لِأَنَّ الْغَرَضَ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ خَشْيَةَ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا ‏(‏وَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الضَّمَانِ‏.‏

لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ لِوُجُودِ تَعَدِّيهِ‏.‏

فَإِذَا رَضِيَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِفِعْلِهِ زَالَ التَّعَدِّي‏.‏

جَعْلًا لِلرِّضَا الطَّارِئِ كَالرِّضَا الْمُقَارِنِ لِلْفِعْلِ، وَلَيْسَ إبْرَاءً مِمَّا لَمْ يَجِبْ ‏(‏وَإِنْ أَرَادَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الطَّمَّ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ‏(‏مَالِكٌ أُلْزِمَ‏)‏ غَاصِبٌ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الطَّمِّ لِعُدْوَانِهِ، وَلِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ ‏(‏وَإِنْ غَصَبَ حَبًّا فَزَرَعَهُ‏)‏ فِي أَرْضِهِ أَوْ أَرْضِ غَيْرِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ غَصَبَ ‏(‏بَيْضًا‏)‏ فَعَالَجَهُ ‏(‏فَصَارَ فِرَاخًا‏.‏

أَوْ‏)‏ غَصَبَ ‏(‏نَوًى‏.‏

أَوْ أَغْصَانًا‏)‏ فَغَرَسَهُ ‏(‏فَصَارَ شَجَرًا رَدَّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الزَّرْعَ وَالْفِرَاخَ وَالشَّجَرَ لِمَالِكِهَا‏.‏

لِأَنَّهَا عَيْنُ مَالِهِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ‏(‏وَلَا شَيْءَ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَاصِبِ لِعَمَلِهِ فِي ذَلِكَ لِتَبَرُّعِهِ بِهِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏ضمان نقص المغصوب‏]‏

‏(‏وَيَضْمَنُ‏)‏ غَاصِبٌ ‏(‏نَقْصَ مَغْصُوبٍ‏)‏ بَعْدَ غَصْبِهِ وَقَبْلَ رَدِّهِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ النَّقْصُ ‏(‏رَائِحَةَ مِسْكٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَعَنْبَرٍ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ تَخْتَلِفُ بِالنَّظَرِ إلَى قُوَّةِ رَائِحَتِهِ وَضَعْفِهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ النَّقْصُ بِ ‏(‏نَبَاتِ لِحْيَةِ عَبْدٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي الْقِيمَةِ أَشْبَهَ النَّقْصَ بِتَغَيُّرِ بَاقِي الصِّفَاتِ، وَكَذَا قَطْعُ ذَنَبِ حِمَارٍ‏.‏

فَلَوْ غَصَبَ قِنًّا فَعَمِيَ عَنْدَهُ، قُوِّمَ صَحِيحًا ثُمَّ أَعْمًى، وَأُخِذَ مِنْ غَاصِبٍ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَكَذَا لَوْ نَقَصَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ شَجَّةٍ، ‏(‏وَإِنْ‏)‏ غَصَبَ عَبْدًا و‏(‏خَصَاهُ أَوْ أَزَالَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏مَا تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ مِنْ حُرٍّ‏)‏ كَأَنْفِهِ أَوْ لِسَانِهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ رِجْلَيْهِ ‏(‏رَدَّهُ‏)‏ عَلَى مَالِكِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ رَدَّ مَعَهُ ‏(‏قِيمَتَهُ‏)‏ كُلَّهَا نَصًّا‏.‏

لِأَنَّ الْمُتْلَفَ الْبَعْضُ فَلَا يَتَوَقَّفُ ضَمَانُهُ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ كَقَطْعِ خُصْيَتَيْ مُدَبَّرٍ، وَلِأَنَّ الْمَضْمُونَ هُوَ الْمُفَوَّتُ‏.‏

فَلَا يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْ غَيْرِهِ أَيْ‏:‏ غَيْرِ الْمُفَوَّتِ بِضَمَانِهِ‏.‏

كَمَا لَوْ قَطَعَ تُسْعَ أَصَابِعِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ قَطَعَ‏)‏ غَاصِبٌ مِنْ رَقِيقٍ مَغْصُوبٍ ‏(‏مَا فِيهِ مُقَدَّرٌ‏)‏ مِنْ حُرٍّ وَلَوْ شَعْرًا ‏(‏دُونَ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ كَقَطْعِ يَدٍ أَوْ جَفْنٍ أَوْ هُدْبٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏فَ‏)‏ عَلَى غَاصِبٍ ‏(‏أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ‏)‏ مِنْ دِيَةِ الْمَقْطُوعِ أَوْ نَقْصِ قِيمَتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا‏.‏

فَوَجَبَ أَكْثَرُهُمَا وَدَخَلَ فِيهِ الْآخَرُ‏.‏

فَإِنَّ الْجِنَايَةَ وَالْيَدَ وُجِدَا جَمِيعًا‏.‏

فَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَزَادَتْ عِنْدَهُ إلَى أَلْفَيْنِ‏.‏

ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ رَدَّهُ وَأَلْفًا وَإِنْ صَارَ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ رَدَّهُ وَأَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ‏.‏

فَإِنْ كَانَ الْجَانِي غَيْرَ الْغَاصِبِ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ فَقَطْ، وَمَا زَادَ يَسْتَقِرُّ عَلَى الْغَاصِبِ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ الْكُلَّ لِحُصُولِ النَّقْصِ بِيَدِهِ‏.‏

‏(‏وَيَرْجِعُ غَاصِبٌ غَرِمَ‏)‏ الْكُلَّ ‏(‏عَلَى جَانٍ بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ‏)‏ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِفِعْلِهِ فَيَسْتَقِرُّ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ ‏(‏فَقَطْ‏)‏ أَيْ‏:‏ دُونَ مَا زَادَ عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَيَسْتَقِرُّ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ‏(‏وَلَا يَرُدُّ مَالِكٌ‏)‏ تَعَيَّبَ مَالُهُ عِنْدَ غَاصِبٍ وَاسْتَرَدَّهُ وَأَرْشُ عَيْبِهِ ‏(‏أَرْشُ مَعِيبٍ أَخَذَهُ‏)‏ مِنْ غَاصِبٍ ‏(‏مَعَهُ‏)‏ أَيْ مَعَ الْمَغْصُوبِ ‏(‏بِزَوَالِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَيْبِ عِنْدَ مَالِكٍ كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَمَرِضَ عِنْدَهُ فَرَدَّهُ، وَأَرْشَ نَقْصِهِ بِالْمَرَضِ ثُمَّ بَرِئَ عِنْدَ مَالِكِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَصِرْ بِهِ نَقْصٌ فَلَا يَرُدُّ أَرْشَهُ‏.‏

لِأَنَّهُ عَوَّضَ مَا حَصَلَ بِيَدِ الْغَاصِبِ مِنْ النَّقْصِ بِتَعَدِّيهِ وَاسْتَقَرَّ ضَمَانُهُ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ نَاقِصًا‏.‏

فَإِنْ أَخَذَهُ مَالِكُهُ دُونَ أَرْشِهِ فَزَالَ عَيْبُهُ قَبْلَ أَخْذِ أَرْشِهِ لَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرِئَ فِي يَدِ غَاصِبٍ فَيَرُدُّ مَالِكُهُ أَرْشَهُ إنْ كَانَ أَخَذَهُ‏.‏

‏(‏وَلَا يَضْمَنُ‏)‏ غَاصِبٌ رَدَّ مَغْصُوبًا بِحَالِهِ ‏(‏نَقْصُ سِعْرٍ‏)‏ كَثَوْبٍ غَصَبَهُ، وَهُوَ يُسَاوِي مِائَةً وَلَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى نَقَصَ سِعْرُهُ فَصَارَ يُسَاوِي ثَمَانِينَ مَثَلًا فَلَا يَلْزَمُهُ بِرَدِّهِ شَيْءٌ‏.‏

لِأَنَّهُ رَدَّ الْعَيْنَ بِحَالِهَا لَمْ تَنْقُصْ عَيْنًا وَلَا صِفَةً‏.‏

بِخِلَافِ السِّمَنِ وَالصَّنْعَةِ، وَلَا حَقَّ لِلْمَالِكِ فِي الْقِيمَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِيهَا وَهِيَ بَاقِيَةٌ كَمَا كَانَتْ ‏(‏كَهُزَالٍ زَادَ بِهِ‏)‏ سِعْرُ الْمَغْصُوبِ أَوْ لَمْ يَزِدْ بِهِ وَلَمْ يَنْقُصْ، كَعَبْدٍ مُفْرِطٍ فِي السِّمَنِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غُصِبَ ثَمَانُونَ فَهَزَلَ عِنْدَ غَاصِبِهِ فَصَارَ يُسَاوِي مِائَةً‏.‏

أَوْ بَقِيَتْ قِيمَتُهُ بِحَالِهَا‏.‏

فَلَا يَرُدُّ مَعَهُ الْغَاصِبُ شَيْئًا لِعَدَمِ نَقْصِهِ ‏(‏وَيَضْمَنُ‏)‏ غَاصِبٌ ‏(‏زِيَادَتَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَغْصُوبِ‏.‏

بِأَنْ سَمِنَ أَوْ تَعَلَّمَ صَنْعَةً عِنْدَهُ ثُمَّ هَزَلَ أَوْ نَسِيَ الصَّنْعَةَ‏.‏

فَعَلَيْهِ رَدُّهُ وَمَا نَقَصَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ سَوَاءٌ طَالَبَهُ الْمَالِكُ بِرَدِّهِ زَائِدًا أَوْ لَا‏.‏

لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي نَفْسِ الْمَغْصُوبِ فَضَمِنَهَا الْغَاصِبُ، كَمَا لَوْ طَالَبَهُ بِرَدِّهَا فَلَمْ يَفْعَلْ‏.‏

وَلِأَنَّهَا زَادَتْ عَلَى مَالِكِ مَالِكِهَا فَضَمِنَهَا الْغَاصِبُ كَالْمَوْجُودَةِ حَالَ الْغَصْبِ، بِخِلَافِ زِيَادَةِ السِّعْرِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حَالَ الْغَصْبِ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَالصِّنَاعَةُ إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ فَهِيَ صِفَةٌ فِيهِ وَتَابِعَةٌ لَهُ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَضْمَنُ غَاصِبٌ ‏(‏مَرَضًا‏)‏ طَرَأَ عَلَى مَغْصُوبٍ بِيَدِهِ و‏(‏بَرِئَ مِنْهُ فِي يَدِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَاصِبِ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ فِي يَدِهِ وَكَذَا لَوْ حَمَلَتْ فَنَقَصَتْ ثُمَّ وَضَعَتْ بِيَدِ غَاصِبٍ فَزَالَ نَقْصُهَا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا ‏(‏وَلَا‏)‏ يَضْمَنُ غَاصِبٌ شَيْئًا ‏(‏إنْ‏)‏ زَادَ مَغْصُوبٌ بِيَدِهِ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ ثُمَّ زَالَتْ الزِّيَادَةُ ثُمَّ ‏(‏عَادَ مِثْلُهَا‏)‏ أَيْ قَدْرُ الزِّيَادَةِ الْأُولَى ‏(‏مِنْ جِنْسِهَا‏)‏ قَبْلَ الرَّدِّ‏.‏

كَأَنْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَتَعَلَّمَ صَنْعَةً فَصَارَ يُسَاوِي مِائَةً وَعِشْرِينَ، ثُمَّ نَسِيَهَا فَعَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةٍ ثُمَّ تَعَلَّمَ الصَّنْعَةَ فَعَادَتْ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَرَدَّهُ لِمَالِكِهِ كَذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَوْدِ مَا ذَهَبَ وَهُوَ بِيَدِهِ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ مَرِضَ وَبَرِئَ بِيَدِهِ أَوْ أَبَقَ ثُمَّ عَادَ وَنَحْوَهُ‏.‏

وَكَذَا لَوْ سَمِنَ ثُمَّ هَزَلَ ثُمَّ سَمِنَ، وَعَادَتْ قِيمَتُهُ كَمَا كَانَ بِخِلَافِ مَا لَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَمَا لَوْ هَزَلَ وَتَعَلَّمَ صَنْعَةً؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ لَمْ يَعُدْ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يَضْمَنُ غَاصِبٌ النَّقْصَ ‏(‏إنْ نَقَصَ‏)‏ مَغْصُوبٌ بِيَدِهِ ‏(‏فَزَادَ مِثْلَهُ مِنْ جِنْسِهِ‏)‏ كَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا سَمِينًا يُسَاوِي مِائَةً فَهَزَلَ عِنْدَهُ وَصَارَ يُسَاوِي ثَمَانِينَ ثُمَّ سَمِنَ فَعَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةً فَرَدَّهُ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ مَا زَادَهُ ‏(‏صَنْعَةً بَدَلَ صَنْعَةٍ نَسِيَهَا‏)‏ كَأَنْ غَصَبَ عَبْدًا نَسَّاجًا يُسَاوِي مِائَةً فَنَسِيَهَا وَصَارَ يُسَاوِي ثَمَانِينَ فَتَعَلَّمَ الْخِيَاطَةَ فَعَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةٍ رَدَّهُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الصَّنَائِعَ كُلَّهَا جِنْسٌ مِنْ أَجْنَاسِ الزِّيَادَةِ فِي الرَّقِيقِ ‏(‏وَإِنْ نَقَصَ‏)‏ مَغْصُوبٌ نَقْصًا ‏(‏غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ وَعَفِنَتْ‏)‏ وَلَمْ تَبْلُغْ حَالًا يُعْلَمُ فِيهَا قَدْرُ أَرْشِ نَقْصِهَا ‏(‏خُيِّرَ‏)‏ مَالِكٌ ‏(‏بَيْنَ‏)‏ أَخْذِ ‏(‏مِثْلِهَا‏)‏ مِنْ غَاصِبٍ ‏(‏أَوْ تَرْكِهَا‏)‏ بِيَدِ غَاصِبٍ ‏(‏حَتَّى يَسْتَقِرَّ فَسَادُهَا وَيَأْخُذَهَا‏)‏ مَالِكُهَا ‏(‏وَأَرْشَ نَقْصِهَا‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ الْمِثْلُ ابْتِدَاءً لِوُجُودِ عَيْنِ مَالِهِ، وَلَا أَرْشُ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ وَلَا ضَبْطُهُ إذَنْ، فَكَانَتْ الْخِيَرَةُ لِلْمَالِكِ‏:‏ بَيْنَ أَخْذِ مِثْلِهَا لِمَا فِي تَأْخِيرِ حَقِّهِ بَعْدَ طَلَبِهِ مِنْ الضَّرَرِ، وَبَيْنَ الصَّبْرِ كَمَا ذُكِرَ لِرِضَاهُ بِالتَّأْخِيرِ‏.‏

‏(‏وَعَلَى غَاصِبٍ جِنَايَةُ‏)‏ قِنٍّ ‏(‏مَغْصُوبٍ وَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏إتْلَافُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ بَدَلُ مَا يُتْلِفُهُ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَتْ الْجِنَايَةُ ‏(‏عَلَى رَبِّهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَالِكِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الْإِتْلَافُ لِ ‏(‏مَالِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَالِ مَالِكِهِ‏.‏

وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِرَدِّ غَاصِبٍ لَهُ لِوُجُودِ السَّبَبِ بِيَدِهِ ‏(‏بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ‏)‏ جِنَايَةٍ ‏(‏وَقِيمَتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَبْدِ‏.‏

أَمَّا ضَمَانُ جِنَايَتِهِ وَإِتْلَافُهُ فَلِتَعَلُّقِ ذَلِكَ بِرَقَبَتِهِ فَهِيَ نَقْصٌ فِيهِ فَضَمَانُهُ كَسَائِرِ نَقْصِهِ‏.‏

وَأَمَّا ضَمَانُ جِنَايَتِهِ عَلَى مَالِكِهِ وَمَالِهِ فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ جِنَايَاتِهِ فَضَمِنَهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَمَتَى قَتَلَ الْمَغْصُوبُ سَيِّدَهُ أَوْ غَيْرَهُ أَوْ قِنًّا فَقُتِلَ بِهِ ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ بِهِ لِتَلَفِهِ بِيَدِهِ‏.‏

فَإِنْ عَفَا عَنْهُ عَلَى مَالٍ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ وَضَمِنَهُ الْغَاصِبُ وَيَضْمَنُهُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ كَمَا يَفْدِيهِ سَيِّدُهُ‏.‏

وَإِنْ قَطَعَ يَدًا مَثَلًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ قِصَاصًا فَعَلَى غَاصِبٍ نَقْصُهُ كَمَا لَوْ سَقَطَتْ بِلَا جِنَايَةٍ وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ فَكَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ‏:‏ جِنَايَةُ مَغْصُوبٍ ‏(‏عَلَى غَاصِبٍ هَدَرٌ‏)‏؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِهِ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ فَتَسْقُطُ، ‏(‏وَكَذَا‏)‏ جِنَايَةُ الْمَغْصُوبِ ‏(‏عَلَى مَالِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَاصِبِ هَدَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏إلَّا‏)‏ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ ‏(‏فِي قَوَدٍ‏)‏ فَلَا تُهْدَرُ ‏(‏فَيُقْتَلُ‏)‏ عَبْدٌ مَغْصُوبٌ ‏(‏بِعَبْدٍ غَاصِبٍ‏)‏ قَتَلَهُ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِنَفْسِهِ لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُهُ لِغَيْرِهِ فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَكَذَا لَوْ جَنَى عَلَى عَبْدِ مَالِكِهِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ ‏(‏وَيَرْجِعُ‏)‏ مَالِكُهُ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَاصِبِ ‏(‏بِقِيمَتِهِ‏)‏ لِتَلَفِهِ بِيَدِهِ كَمَا لَوْ اقْتَصَّ مِنْهُ غَيْرُ الْغَاصِبِ أَوْ مَاتَ‏.‏

‏(‏وَزَوَائِدُ مَغْصُوبٍ‏)‏ كَوَلَدِ حَيَوَانٍ وَثَمَرِ شَجَرٍ ‏(‏إذَا تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ أَوْ جَنَتْ‏)‏ بِيَدِ غَاصِبٍ عَلَى مَالِكٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏كَهُوَ‏)‏ أَيْ كَالْمَغْصُوبِ أَصَالَةً، سَوَاءٌ تَلِفَتْ مُفْرَدَةً أَوْ مَعَ أَصْلِهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ مَالِكِ الْأَصْلِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ بِسَبَبِ ثَبَاتِ يَدِهِ الْعَادِيَةِ عَلَى الْأَصْلِ فَتَبِعَتْهُ فِي الْحُكْمِ فَمَنْ غَصَبَ حَامِلًا أَوْ حَائِلًا فَحَمَلَتْ عِنْدَهُ وَوَلَدَتْ فَالْوَلَدُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ إنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا وَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا وَقَدْ غَصَبَهَا حَامِلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ‏.‏

وَإِنْ كَانَتْ حَمَلَتْ بِهِ عِنْدَهُ وَوَلَدَتْهُ مَيِّتًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٍ‏.‏

وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ‏.‏

وَقَالَ وَلَدُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ‏:‏ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا‏.‏

وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَبِعَهُ‏:‏ الْأَوْلَى أَنْ يَضْمَنَهُ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا وَمَاتَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ تَلَفِهِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏اختلاط الشيء المغصوب بغيره‏]‏

‏(‏وَإِنْ خَلَطَ غَاصِبٌ أَوْ غَيْرُهُ‏)‏ ‏(‏مَا‏)‏ أَيْ‏:‏ مَغْصُوبًا ‏(‏لَا يَتَمَيَّزُ كَزَيْتٍ وَنَقْدٍ بِمِثْلِهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ بِأَنْ خَلَطَ الزَّيْتَ بِزَيْتٍ أَوْ النَّقْدَ بِنَقْدٍ مِنْ جِنْسِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ ‏(‏لَزِمَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَاصِبَ ‏(‏مِثْلُهُ‏)‏ أَيْ الْمَغْصُوبِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا ‏(‏مِنْهُ‏)‏ أَيْ الْمُخْتَلِطِ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى رَدِّ بَعْضِ مَالِهِ إلَيْهِ مَعَ رَدِّ الْمِثْلِ فِي الْبَاقِي فَلَمْ يُنْقَلْ إلَى بَدَلِهِ فِي الْجَمِيعِ كَمَنْ غَصَبَ صَاعًا فَتَلِفَ بَعْضُهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏، إنْ خَلَطَ مَغْصُوبًا ‏(‏بِدُونِهِ أَوْ‏)‏ خَلَطَهُ ‏(‏بِخَيْرٍ مِنْهُ‏)‏ مِنْ جِنْسِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ خَلَطَهُ ‏(‏بِغَيْرِ جِنْسِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ‏)‏ كَزَيْتٍ بِشَيْرَجٍ وَدَقِيقِ حِنْطَةٍ بِدَقِيقِ شَعِيرٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏فَ‏)‏ الْمَالِكَانِ ‏(‏شَرِيكَانِ‏)‏ فِي الْمُخْتَلَطِ ‏(‏بِقَدْرِ قِيمَتَيْهِمَا كَاخْتِلَاطِهِمَا مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ‏)‏ نَصًّا لِيَصِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى بَدَلِ عَيْنِ مَالِهِ‏.‏

وَإِنْ نَقَصَ مَغْصُوبٌ عَنْ قِيمَتِهِ مُنْفَرِدًا فَعَلَى غَاصِبٍ نَقْصُهُ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ ‏(‏وَحَرُمَ تَصَرُّفُ غَاصِبٍ فِي قَدْرِ مَا لَهُ فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُخْتَلَطِ لِاسْتِحَالَةِ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ‏.‏

فَإِنْ أَذِنَهُ مَالِكُ الْمَغْصُوبِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا؛ وَلِأَنَّهَا قِسْمَةٌ فَلَا تَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَا الشَّرِيكَيْنِ، هَذَا إنْ عَرَفَ رَبَّهُ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ وَمَا بَقِيَ حَلَالٌ‏.‏

وَإِنْ شَكَّ فِي قَدْرِ الْحَرَامِ تَصَدَّقَ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْهُ نَصًّا ‏(‏وَلَوْ اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ‏)‏ لِشَخْصٍ ‏(‏بِدِرْهَمَيْنِ لِآخَرَ‏)‏ بِلَا غَاصِبٍ ‏(‏وَلَا تَمْيِيزٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَمْ يَتَمَيَّزْ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ‏(‏فَتَلِفَ‏)‏ دِرْهَمَانِ ‏(‏اثْنَانِ‏)‏ مِنْ الثَّلَاثَةِ ‏(‏فَمَا بَقِيَ‏)‏ وَهُوَ دِرْهَمٌ ‏(‏فَبَيْنَهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ بَيْنَ رَبِّ الدِّرْهَمَيْنِ وَرَبِّ الدِّرْهَمِ ‏(‏نِصْفَيْنِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّالِفُ دِرْهَمَيْ رَبِّ الدِّرْهَمَيْنِ فَيَخْتَصُّ صَاحِبُ الدِّرْهَمِ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّالِفُ دِرْهَمًا لِهَذَا وَدِرْهَمًا لِهَذَا، فَيَخْتَصُّ صَاحِبُ الدِّرْهَمِ بِالْبَاقِي فَتَسَاوَيَا، وَلَا يُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ‏.‏

وَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ قَطْعًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ‏.‏

غَايَتُهُ أَنَّهُ إلَيْهِمْ عَلَيْنَا، وَقَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ‏:‏ الْأَوْلَى أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قُرِعَ لَهُ أَخَذَهُ لِأَنَّا مُتَحَقِّقُونَ أَنَّهُ لِأَحَدِهِمَا لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْنَا فَيَخْرُجُ بِالْقُرْعَةِ كَنَظَائِرِهِ ‏(‏وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَوْ‏)‏ غَصَبَ ‏(‏سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِزَيْتٍ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ أَوْ السَّوِيقِ وَالزَّيْتِ ‏(‏أَوْ‏)‏ نَقَصَتْ ‏(‏قِيمَةُ أَحَدِهِمَا ضَمِنَ‏)‏ الْغَاصِبُ ‏(‏النَّقْصَ فِي الْمَغْصُوبِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ بِتَعَدِّيهِ ‏(‏وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ‏)‏ قِيمَتُهُمَا ‏(‏وَلَمْ تَزِدْ أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا‏)‏ مَعًا ‏(‏فَ‏)‏ رَبُّ الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ أَوْ السَّوِيقِ وَالزَّيْتِ ‏(‏شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا‏)‏ فِي الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ أَوْ السَّوِيقِ وَالزَّيْتِ لِاجْتِمَاعِ مِلْكَيْهِمَا وَهُوَ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ ‏(‏وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا‏)‏ كَأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ عَشَرَةً وَالصَّبْغِ خَمْسَةً فَصَارَ مَصْبُوغًا يُسَاوِي عِشْرِينَ بِسَبَبِ غُلُوِّ الثَّوْبِ أَوْ الصَّبْغِ ‏(‏فَ‏)‏ الزِّيَادَةُ ‏(‏لِصَاحِبِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الَّذِي غَلَا سِعْرُهُ مِنْ الثَّوْبِ أَوْ الصَّبْغِ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِأَصْلِهَا، وَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا أَرْبَعَةً وَالْآخَرُ وَاحِدًا فَهِيَ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ‏.‏

وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِالْعَمَلِ

فَبَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْغَاصِبِ فِي الْمَغْصُوبِ لِمَالِكِهِ حَيْثُ كَانَ أَثَرًا، وَزِيَادَةُ مَالِ الْغَاصِبِ لَهُ وَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ مَنْعُ رَبِّ الثَّوْبِ مِنْ بَيْعِهِ‏.‏

فَإِنْ بَاعَهُ فَصَبْغُهُ لَهُ بِحَالِهِ ‏(‏فَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ مَالِكُ الثَّوْبِ، أَوْ مَالِكُ الصِّبْغِ ‏(‏قَلْعَ الصِّبْغِ‏)‏ مِنْ الثَّوْبِ ‏(‏لَمْ يَجِبْ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَمْ تَلْزَمْ إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا لِمِلْكِ الْآخَرِ حَتَّى ‏(‏وَلَوْ ضَمِنَ‏)‏ طَالِبُ الْقَلْعِ ‏(‏النَّقْصَ‏)‏ لِهَلَاكِ الصِّبْغِ بِالْقَلْعِ فَتَضِيعُ مَالِيَّتُهُ وَهُوَ سَفَهٌ‏.‏

وَإِنْ بَذَلَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ قِيمَةَ مَالِهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهَا، لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ‏.‏

‏(‏وَيَلْزَمُ الْمَالِكَ قَبُولُ صَبْغِ‏)‏ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ ‏(‏وَ‏)‏ قَبُولُ ‏(‏تَزْوِيقِ دَارٍ‏)‏ مَغْصُوبَةٍ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ كَنِسَاجَةِ ثَوْبٍ وَقَصْرِهِ وَخِيَاطَتِهِ وَضَرْبِ حَدِيدٍ إبَرًا أَوْ سُيُوفًا وَنَحْوَهَا وَزَادَتْ الْقِيمَةُ بِذَلِكَ الْعَمَلِ إذَا ‏(‏وُهِبَ لَهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْعَيْنِ فَهُوَ كَزِيَادَةِ الصِّفَةِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَلْزَمُ مَغْصُوبًا مِنْهُ قَبُولُ هِبَةِ ‏(‏مَسَامِيرَ‏)‏ لِغَاصِبٍ ‏(‏سَمَّرَ بِهَا‏)‏ الْخَشَبَ ‏(‏الْمَغْصُوبَ‏)‏؛ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ مُتَمَيِّزَةٌ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ لِلْمِنَّةِ، ‏(‏وَإِنْ غَصَبَ صِبْغًا فَصَبَغَ‏)‏ الْغَاصِبُ ‏(‏بِهِ ثَوْبًا‏)‏ لَهُ ‏(‏أَوْ غَصَبَ زَيْتًا فَلَتَّ‏)‏ الْغَاصِبُ ‏(‏بِهِ سَوِيقًا‏)‏ لَهُ ‏(‏فَ‏)‏ رَبُّ الصِّبْغِ أَوْ الزَّيْتِ وَالْغَاصِبُ ‏(‏شَرِيكَانِ‏)‏ فِي الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ أَوْ السَّوِيقِ الْمَلْتُوتِ ‏(‏بِقَدْرِ حَقَّيْهِمَا‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَيَضْمَنُ‏)‏ الْغَاصِبُ ‏(‏النَّقْصَ‏)‏ إنْ حَصَلَ لِتَعَدِّيهِ بِالْخَلْطِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ غَصَبَ‏)‏ شَخْصٌ ‏(‏ثَوْبًا وَصِبْغًا‏)‏ مِنْ وَاحِدٍ ‏(‏فَصَبَغَهُ بِهِ رَدَّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الثَّوْبَ مَصْبُوغًا؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ‏(‏وَ‏)‏ رَدَّ ‏(‏أَرْشَ نَقْصِهِ‏)‏ إنْ نَقَصَ لِتَعَدِّيهِ ‏(‏وَلَا شَيْءَ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَاصِبِ ‏(‏إنْ زَادَ‏)‏ بِعَمَلِهِ فِيهِ لِتَبَرُّعِهِ بِهِ‏.‏

فَإِنْ كَانَ الصِّبْغُ لِوَاحِدٍ وَالثَّوْبُ لِوَاحِدٍ فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا‏.‏

وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا فَلَهُمَا‏.‏

وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا فَلِرَبِّهِ، وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَوْ قِيمَتُهُمَا فَعَلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ نَقْصَ السِّعْرِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏حكم وطء الأمة المغصوبة‏]‏

‏(‏وَيَجِبُ بِوَطْءِ غَاصِبٍ أَمَةً مَغْصُوبَةً‏)‏ ‏(‏عَالِمًا تَحْرِيمَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَطْءِ ‏(‏حَدٌّ‏)‏ لِزِنَاهُ بِهَا‏.‏

لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ، وَلَا شُبْهَةَ تَدْرَأُ الْحَدَّ، حَيْثُ عَلِمَ التَّحْرِيمَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ بِوَطْءٍ ‏(‏مَهْرُ‏)‏ مِثْلِهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَتْ الْأَمَةُ ‏(‏مُطَاوِعَةً‏)‏؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلسَّيِّدِ فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا، كَإِذْنِهَا فِي قَطْعِ يَدِهَا، وَكَاسْتِخْدَامِهَا وَحَدِيثُ ‏"‏ النَّهْيِ عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ ‏"‏ مَحْمُولٌ عَلَى الْحُرَّةِ لِأَنَّهُ حَقُّهَا، فَيَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا، بِخِلَافِ مَهْرِ الْأَمَةِ، ‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ بِوَطْئِهِ ‏(‏أَرْشُ بَكَارَةٍ‏)‏ أَزَالَهَا، لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهَا، فَلَا يَنْدَرِجُ فِي الْمَهْرِ‏.‏

لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُضْمَنُ مُنْفَرِدًا، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ وَطِئَ ثَيِّبًا لَزِمَهُ مَهْرُهَا‏.‏

وَإِنْ افْتَضَّهَا بِأُصْبُعِهِ لَزِمَهُ أَرْشُ بَكَارَتِهَا، فَضُمِنَا إذَا اجْتَمَعَا‏.‏

وَمَا يَأْتِي فِي النِّكَاحِ مِنْ انْدِرَاجِ أَرْشِ الْبَكَارَةِ فِي الْمَهْرِ‏:‏ فَفِي الْحُرَّةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ بِوَطْئِهِ إذَا حَمَلَتْ مِنْهُ أَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ أَرْشُ ‏(‏نَقْصٍ بِوِلَادَةٍ‏)‏ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ الْمُتَعَدِّي بِهِ، وَلَا يَنْجَبِرُ بِالْوَلَدِ كَمَا لَا يَنْجَبِرُ بِهِ نَقْصُ غَيْرِ الْوِلَادَةِ‏.‏

وَلَوْ قَتَلَهَا غَاصِبٌ بِوَطْئِهِ فَالدِّيَةُ نَصًّا‏.‏

فَإِنْ اسْتَرَدَّهَا مَالِكُهَا حَامِلًا فَمَاتَتْ عِنْدَهُ فِي نِفَاسِهَا ضَمِنَهَا الْغَاصِبُ، لِأَنَّهُ أَثَرُ فِعْلِهِ، كَمَا لَوْ اسْتَرَدَّ الْحَيَوَانَ الْمَغْصُوبَ مَجْرُوحًا مِنْ الْغَاصِبِ فَسَرَى الْجُرْحُ إلَى نَفْسِهِ عِنْدَ الْمَالِكِ فَمَاتَ‏.‏

‏(‏وَالْوَلَدُ‏)‏ مِنْ غَاصِبٍ ‏(‏مِلْكٌ لِرَبِّهَا‏)‏ أَيْ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا، وَيَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ فِي النِّكَاحِ الْحَلَالِ‏.‏

فَهُنَا أَوْلَى‏.‏

وَيَجِبُ رَدُّهُ مَعَهَا كَسَائِرِ الزَّوَائِدِ ‏(‏وَيَضْمَنُهُ‏)‏ أَيْ الْغَاصِبُ ‏(‏سِقْطًا‏)‏ أَيْ‏:‏ مَوْلُودًا قَبْلَ تَمَامِهِ حَيًّا‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَضْمَنُهُ إنْ وُلِدَ ‏(‏مَيِّتًا‏)‏ وَلَوْ تَامًّا ‏(‏بِلَا جِنَايَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ ‏(‏بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ‏)‏ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ‏.‏

وَإِنْ وَلَدَتْهُ تَامًّا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا‏.‏

وَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ ضَمِنَهُ مَالِكُ مَنْ شَاءَ مِنْ جَانٍ وَغَاصِبٍ ‏(‏وَقَرَارُهُ‏)‏ أَيْ الضَّمَانِ ‏(‏مَعَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجِنَايَةِ إنْ سَقَطَ بِهَا ‏(‏عَلَى الْجَانِي‏)‏؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ لَهُ، ‏(‏وَكَذَا وَلَدُ بَهِيمَةٍ‏)‏ مَغْصُوبَةٍ فِي الضَّمَانِ، لَكِنْ حَيْثُ ضَمِنَهُ فِيمَا نَقَصَ أُمَّهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ، ‏(‏وَالْوَلَدُ‏)‏ تَأْتِي بِهِ أُمُّهُ مَغْصُوبَةً ‏(‏مِنْ جَاهِلِ‏)‏ الْحُكْمِ وَلَوْ الْغَاصِبَ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِإِسْلَامٍ أَوْ نَشْأَتِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا وَلِلْحَالِ، بِأَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِأَمَتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ اشْتَرَاهَا أَوْ تَزَوَّجَهَا مِنْ غَاصِبٍ جَاهِلًا بِالْحَالِ ظَانًّا حُرِّيَّتَهَا ‏(‏حُرٌّ‏)‏ لِاعْتِقَادِهِ الْإِبَاحَةَ‏.‏

وَيَلْحَقُ نَسَبُهُ بِوَاطِئٍ لِلشُّبْهَةِ ‏(‏وَيَفْدِي‏)‏ أَيْ‏:‏ يَلْزَمُ الْوَاطِئَ فِدَاءُ الْوَلَدِ لِسَيِّدِهَا لِحَيْلُولَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيِّدِ بِاعْتِقَادِهِ ‏(‏بِانْفِصَالِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَلَدِ ‏(‏حَيًّا‏)‏ لَا مَيِّتًا، لِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ قَبْلُ وَلَمْ تُوجَدْ حَيْلُولَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَيَفْدِيهِ ‏(‏بِقِيمَتِهِ‏)‏ نَصًّا كَسَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ ‏(‏يَوْمَ وَضْعِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ إمْكَانَ تَقْوِيمِهِ، إذْ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ حَمْلًا، وَلِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَيْلُولَةِ‏.‏

وَإِنْ ضَرَبَ غَاصِبٌ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّةِ وَلَدِهِ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَيْهِ غُرَّةٌ قِيمَتُهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ لَا يَرِثُ الضَّارِبُ مِنْهَا شَيْئًا لِأَنَّهُ قَاتِلٌ‏.‏

وَعَلَيْهِ لِلسَّيِّدِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ لِضَمَانِهِ لَهُ ضَمَانَ الْمَمَالِيكِ، وَإِنْ كَانَ الضَّارِبُ أَجْنَبِيًّا فَعَلَيْهِ غُرَّةٌ مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ لِلْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهِ وَعَلَى الْغَاصِبِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

وَإِنْ انْتَقَلَتْ عَيْنٌ مَغْصُوبَةٌ عَنْ يَدِ غَاصِبِهَا إلَى غَيْرِ مَالِكِهَا فَالْمُنْتَقِلَةُ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ، فَلِمَالِكِهَا تَضْمِينُهُ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ الْفَائِتَةَ، لِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ الْحَالَ فَغَاصِبٌ، وَإِنْ جَهِلَهُ فَلِعُمُومِ حَدِيثِ ‏{‏عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ‏}‏ وَلِحُصُولِهَا فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَمَلَكَ الْمَالِكُ تَضْمِينَهُ كَمَا يَمْلِكُ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ، لَكِنْ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ مَا دَخَلَ عَلَى ضَمَانِهِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ وَمَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهِ يَسْتَقِرُّ عَلَى الْغَاصِبِ‏.‏

وَالْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ عَشْرَةٌ‏.‏

الْأُولَى‏:‏ الْقَابِضَةُ تَمَلُّكًا بِعِوَضٍ مُسَمًّى‏.‏

وَهِيَ يَدُ الْمُشْتَرِي وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ كَالْمُتَّهِبِ بِعِوَضٍ‏.‏

فَمَنْ غَصَبَ أَمَةً بِكْرًا فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ آخَرُ وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ مَاتَتْ عِنْدَهُ، أَوْ غَصَبَ دَارًا أَوْ بُسْتَانًا أَوْ عَبْدًا ذَا صَنْعَةٍ أَوْ بَهِيمَةً فَاشْتَرَاهَا إنْسَانٌ وَاسْتَعْمَلَهَا إلَى أَنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ وَضَمِنَ الْمُشْتَرِي مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ بِالْقِيمَةِ وَلَا بِأَرْشِ الْبَكَارَةِ عَلَى أَحَدٍ لِدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِ ذَلِكَ لِبَذْلِهِ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْنِ، بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي تَبَعًا لِلْعَيْنِ ‏(‏وَيَرْجِعُ مُعْتَاضٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ مُشْتَرٍ وَنَحْوَهُ ‏(‏غَرِمَ‏)‏ بِتَضْمِينِ مَالِكٍ لَهُ ‏(‏عَلَى غَاصِبٍ بِنَقْصِ وِلَادَةٍ وَمَنْفَعَةٍ فَائِتَةٍ بِإِبَاقٍ وَنَحْوَهُ‏)‏ كَمَرَضٍ ‏(‏وَمَهْرٍ وَأُجْرَةِ نَفْعٍ وَثَمَرٍ وَكَسْبٍ وَقِيمَةِ وَلَدٍ‏)‏ مِنْهُ أَوْ مِنْ زَوْجٍ زَوَّجَهَا لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ جَهِلَ الْحَالَ، فَإِنْ عَلِمَهُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلُّهُ ‏(‏وَ‏)‏ يَرْجِعُ ‏(‏غَاصِبٌ‏)‏ غَرِمَ الْجَمِيعَ لِمَالِكٍ ‏(‏عَلَى مُعْتَاضٍ بِقِيمَةُ‏)‏ عَيْنٍ ‏(‏وَأَرْشِ بَكَارَةٍ‏)‏ لِدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِهَا‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ يَدُ مُسْتَأْجِرٍ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ ‏(‏وَفِي إجَارَةٍ يَرْجِعُ مُسْتَأْجِرٌ غَرِمَ‏)‏ لِمَالِكٍ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ عَلَى غَاصِبٍ ‏(‏بِقِيمَةِ عَيْنٍ‏)‏ تَلِفَتْ بِيَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ وَجَهِلَ الْحَالَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهَا، بِخِلَافِ الْمَنْفَعَةِ فَتَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَرْجِعُ ‏(‏غَاصِبٌ‏)‏ غَرِمَ لِمَالِكٍ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَأْجِرِ ‏(‏بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَيَسْتَرِدُّ مُشْتَرٍ‏)‏ وَنَحْوُهُ ‏(‏وَمُسْتَأْجِرٌ‏)‏ مِنْ غَاصِبٍ ‏(‏لَمْ يُقِرَّا بِالْمِلْكِ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَاصِبِ ‏(‏مَا دَفَعَاهُ‏)‏ لَهُ ‏(‏مِنْ الْمُسَمَّى‏)‏ فِي بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ مِنْ ثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ ‏(‏وَلَوْ عَلِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرُ ‏(‏الْحَالَ‏)‏ أَيْ كَوْنَ الْعَيْنِ مَغْصُوبَةً لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ‏.‏

لِأَنَّ الْغَاصِبَ غَيْرُ مَالِكٍ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ، فَلَا يَمْلِكُ الثَّمَنَ وَلَا الْأُجْرَةَ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِيمَةُ الَّتِي ضُمِنَتْ لِلْمَالِكِ وَفْقَ الثَّمَنِ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ‏.‏

فَإِنْ أَقَرَّا بِالْمِلْكِ لَهُ لَمْ يَسْتَرِدَّا مَا دَفَعَاهُ لَهُ مِنْ الْمُسَمَّى مُؤَاخَذَةً لَهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا‏.‏

صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْمُشْتَرِي‏.‏

وَمُقْتَضَى مَا يَأْتِي فِي الدَّعَاوَى وَهُوَ ظَاهِرُ الْإِقْنَاعِ‏:‏ يَرْجِعَانِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ الْيَدُ، وَقَدْ بَانَ عُدْوَانُهَا‏.‏

وَلَوْ طَالَبَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ إذَا كَانَ أَزْيَدَ مِنْ الْقِيمَةِ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْمُتَّجِرِ فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ‏:‏ أَنَّ الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ‏.‏

قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ‏.‏

الثَّالِثَةُ‏:‏ يَدُ الْقَابِضِ تَمَلُّكًا بِلَا عِوَضٍ، أَمَّا الْعَيْنُ وَمَنَافِعُهَا كَالْمُتَّهَبِ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَالْمُوصَى لَهُ، أَوْ لِلْمَنْفَعَةِ فَقَطْ كَالْمُوصَى لَهُ بِمَنَافِعِهَا وَالرَّابِعَةُ‏:‏ يَدُ الْقَابِضِ لِمَصْلَحَةِ الدَّافِعِ فَقَطْ، كَوَكِيلٍ وَمُودَعٍ وَإِلَيْهِمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَفِي تَمَلُّكٍ بِلَا عِوَضٍ‏)‏ كَهِبَةٍ وَهَدِيَّةٍ وَصَدَقَةٍ وَوَصِيَّةٍ بِعَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ ‏(‏وَعَقْدِ أَمَانَةٍ‏)‏ كَوَكَالَةٍ الْوَدِيعَةٍ وَرَهْنٍ ‏(‏مَعَ جَهْلِ‏)‏ قَابِضٍ بِغَصْبٍ ‏(‏يَرْجِعُ مُتَمَلِّكٌ وَأَمِينٌ‏)‏ عَلَى غَاصِبٍ ‏(‏بِقِيمَةِ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ‏)‏ غَرِمَاهُمَا لِمَالِكٍ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يَدْخُلَا عَلَى ضَمَانِ شَيْءٍ‏.‏

وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا مَا سَبَقَ فِي الْوَكَالَةِ وَالرَّهْنِ مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ وَالْأَمِينَ فِي الرَّهْنِ إذَا بَاعَا وَقَبَضَا الثَّمَنَ ثُمَّ بَانَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُطَالِبُهُمَا بِالثَّمَنِ الَّذِي أَقْبَضَهُ لَهُمَا لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِالْمُوَكَّلِ بِدُونِ الْوَكِيلِ‏.‏

أَمَّا كَوْنُ الْمُسْتَحِقِّ لِلْعَيْنِ لَا يُطَالِبُ الْوَكِيلَ فَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ هُنَاكَ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ بِمَعْزِلٍ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ ‏(‏وَلَا يَرْجِعُ غَاصِبٌ‏)‏ غَرِمَ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ عَلَى مُتَّهِبٍ وَنَحْوَهُ، أَوْ أَمِينٌ تَلِفَتْ الْعَيْنُ تَحْتَ يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ ‏(‏بِشَيْءٍ‏)‏ حَيْثُ جَهِلَا الْحَالَ‏.‏

الْخَامِسَةُ‏:‏ يَدُ الْمُسْتَعِيرِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ ‏(‏وَفِي عَارِيَّةٍ مَعَ جَهْلِ مُسْتَعِيرٍ‏)‏ بِالْغَصْبِ إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ عِنْدَهُ ‏(‏يَرْجِعُ‏)‏ مُسْتَعِيرٌ ضَمَّنَهُ مَالِكُ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ ‏(‏بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهَا، فَقَدْ غَرَّهُ، وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْعَيْنِ إنْ لَمْ تَتْلَفْ بِالِاسْتِعْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ، لِأَنَّهُ قَبَضَهَا عَلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَرْجِعُ ‏(‏غَاصِبٌ‏)‏ غَرِمَ لِمَالِكٍ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ عَلَى مُسْتَعِيرٍ جَهِلَ الْغَصْبَ ‏(‏بِقِيمَةَ عَيْنٍ‏)‏ تَلِفَتْ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَمَعَ عِلْمِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَعِيرِ بِغَصْبِ عَارِيَّةٍ ‏(‏لَا يَرْجِعُ‏)‏ عَلَى غَاصِبٍ ‏(‏بِشَيْءٍ‏)‏ مِمَّا ضَمَّنَهُ لَهُ مَالِكٌ مِنْ قِيمَةِ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ لِتَعَدِّيهِ بِقَبْضِهَا عَالِمًا بِالْحَالِ‏.‏

فَلَا تَغْرِيرَ وَوُجُودِ التَّلَفِ تَحْتَ يَدِهِ ‏(‏وَيَرْجِعُ غَاصِبٌ‏)‏ غَرِمَ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ مَعَ عِلْمِ مُسْتَعِيرٍ بِالْحَالِ ‏(‏بِهِمَا‏)‏ أَيْ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، لِدُخُولِهِ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

السَّادِسَةُ يَدُ الْغَاصِبِ‏.‏

وَهِيَ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَفِي غَصْبٍ يَرْجِعُ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ بِمَا غَرِمَ‏)‏ مِنْ قِيمَةِ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ عَلَى غَاصِبٍ ثَانٍ لِتَلَفِهِمَا تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ، ‏(‏وَلَا يَرْجِعُ‏)‏ الْغَاصِبُ ‏(‏الثَّانِي‏)‏ إنْ غَرَّمَهُ الْمَالِكُ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ ‏(‏بِشَيْءٍ‏)‏ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِيَدِهِ الْعَادِيَةِ، لَكِنْ لَا يُغَرِّمُهُ الْمَالِكُ الْمَنْفَعَةَ إلَّا مُدَّةَ إقَامَتِهَا عِنْدَهُ‏.‏

السَّابِعَةُ‏:‏ يَدُ الْمُتَصَرِّفِ فِي الْمَالِ بِمَا يُنَمِّيهِ، كَمُضَارِبٍ وَشَرِيكٍ وَمُسَاقٍ وَمُزَارِعٍ‏.‏

وَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَفِي مُضَارَبَةٍ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَشَرِكَةٍ وَمُسَاقَاةٍ وَمُزَارَعَةٍ ‏(‏يَرْجِعُ عَامِلٌ‏)‏ مَثَلًا غَرِمَ عَلَى غَاصِبٍ ‏(‏بِقِيمَةِ عَيْنٍ‏)‏ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ لِدُخُولِهِ جَهْلًا عَلَى عَدَمِ ضَمَانِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَرْجِعُ عَلَيْهِ أَيْضًا بِ ‏(‏أُجْرَةِ عَمَلٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِمْ ضَمَانُ شَيْءٍ بِدُونِ الْقِسْمَةِ، سَوَاءٌ قُلْنَا مَلَكُوا الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ أَوْ لَا إذْ حِصَّتُهُمْ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ وَلَيْسَ لَهُمْ الِانْفِرَادُ بِالْقِسْمَةِ، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُمْ شَيْءٌ مَضْمُونٌ ‏(‏وَ‏)‏ يَرْجِعُ ‏(‏غَاصِبٌ‏)‏ غَرِمَ لِمَالِكٍ عَلَى عَامِلٍ ‏(‏بِمَا قَبَضَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ مِنْ رِبْحٍ‏)‏ فِي مُضَارَبَةٍ ‏(‏وَ‏)‏ بِمَا قَبَضَ مِنْ ‏(‏ثَمَرٍ فِي مُسَاقَاةٍ‏)‏ وَمِنْ زَرْعٍ فِي مُزَارَعَةٍ ‏(‏بِقِسْمَتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرِّبْحِ أَوْ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ ‏(‏مَعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَاصِبِ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ مَا قَبَضَهُ لِفَسَادِ الْعَقْدِ‏.‏

وَلِهَذَا يُطَالَبُ الْغَاصِبُ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

الثَّامِنَةُ‏:‏ يَدُ الْمُتَزَوِّجِ لِلْمَغْصُوبَةِ إذَا قَبَضَهَا مِنْ الْغَاصِبِ بِمُقْتَضَى عَقْدِ النِّكَاحِ وَأَوْلَدَهَا وَمَاتَتْ عِنْدَهُ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ ‏(‏وَفِي نِكَاحٍ يَرْجِعُ زَوْجٌ‏)‏ غَرِمَ لِمَالِكٍ ‏(‏بِقِيمَتِهَا‏)‏ وَأَرْشِ بَكَارَةٍ وَنَقْصِ وِلَادَةٍ ‏(‏وَقِيمَةِ وَلَدٍ اشْتَرَطَ حُرِّيَّتَهُ‏)‏ فِي الْعَقْدِ عَلَى غَاصِبٍ ظَانًّا أَنَّهَا مِلْكُهُ، ‏(‏أَوْ مَاتَ‏)‏ الْوَلَدُ بِيَدِ الزَّوْجِ وَأَغْرَمَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهُ، لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ حَيْثُ جَهِلَ الْحَالَ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ‏(‏وَ‏)‏ يَرْجِعُ ‏(‏غَاصِبٌ‏)‏ عَلَى زَوْجٍ إنْ غَرِمَ ‏(‏بِمَهْرِ مِثْلٍ‏)‏ غَرَّمَهُ لَهُ الْمَالِكُ، لِاسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ وَدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِ الْبُضْعِ ‏(‏وَيَرُدُّ‏)‏ غَاصِبٌ لِزَوْجٍ ‏(‏مَا أَخَذَ مِنْ‏)‏ مَهْرٍ ‏(‏مُسَمًّى‏)‏ لِفَسَادِ الْعَقْدِ‏.‏

التَّاسِعَةُ‏:‏ يَدُ الْقَابِضِ تَعْوِيضًا بِغَيْرِ بَيْعٍ وَمَا بِمَعْنَاهُ‏.‏

وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَفِي إصْدَاقٍ‏)‏ بِأَنْ تَزَوَّجَ الْغَاصِبُ امْرَأَةً وَأَقْبَضَهَا الْمَغْصُوبَ عَلَى أَنَّهُ صَدَاقُهَا ‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏خُلْعٍ أَوْ نَحْوِهِ‏)‏ كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَصُلْحٍ عَنْ دَمِ عَمْدٍ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْمَغْصُوبِ، سَوَاءٌ وَقَعَ عَلَى عَيْنِ الْمَغْصُوبِ أَوْ عَلَى عِوَضٍ فِي الذِّمَّةِ‏.‏

ثُمَّ أَقْبَضَهُ عَنْهُ ‏(‏وَإِيفَاءِ دَيْنٍ‏)‏ بِأَنْ دَفَعَ الْمَغْصُوبَ فِي وَفَاءِ دَيْنِ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏يَرْجِعُ قَابِضٌ‏)‏ أَغْرَمَهُ الْمَالِكُ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ ‏(‏بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ‏)‏ وَمَهْرٍ وَنَقْصِ وِلَادَةٍ وَثَمَرٍ وَكَسْبٍ وَقِيمَةِ وَلَدٍ عَلَى غَاصِبٍ لِتَقْرِيرِهِ لَهُ، وَتَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَيْنِ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ لِدُخُولِهِ عَلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بِحَقِّهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَرْجِعُ ‏(‏غَاصِبٌ‏)‏ إنْ غَرِمَ ‏(‏بِقِيمَةِ عَيْنٍ‏)‏ وَأَرْشِ بَكَارَةٍ عَلَى قَابِضٍ لِمَا سَبَقَ‏.‏

وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْقِيمَةُ وَفْقَ حَقِّهِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَزْيَدَ مِنْهُ ‏(‏وَالدَّيْنُ‏)‏ الْمَأْخُوذُ عَنْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ أُجْرَةٍ أَوْ دَيْنِ سَلَمٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏بِحَالِهِ‏)‏ فِي ذِمَّةِ غَاصِبٍ لِفَسَادِ الْقَبْضِ‏.‏

الْعَاشِرُ‏:‏ يَدُ الْمُتْلِفِ لِلْمَغْصُوبِ نِيَابَةً عَنْ الْغَاصِبِ مَعَ جَهْلِهِ، كَذَبْحِ حَيَوَانٍ أَوْ طَحْنِ حَبٍّ‏.‏

وَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ ‏(‏وَفِي إتْلَافٍ بِإِذْنِ غَاصِبٍ الْقَرَارُ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ عَلَى الْغَاصِبِ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ لَهُ فَهُوَ كَالْمُبَاشِرِ، ‏(‏وَإِنْ عَلِمَ مُتْلِفٌ‏)‏ بِغَصْبٍ ‏(‏فَ‏)‏ قَرَارُ الضَّمَانِ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ لِتَعَدِّيهِ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ‏.‏

وَإِنْ أُتْلِفَ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا، كَقَتْلِ حَيَوَانٍ مَغْصُوبٍ، مِنْ عَبْدٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا بِإِذْنِ غَاصِبٍ، فَفِي التَّلْخِيصِ‏:‏ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِتَحْرِيمِ هَذَا الْفِعْلِ، فَهُوَ كَالْعَالِمِ بِأَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ‏.‏

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ‏:‏ وَرَجَّحَ الْحَارِثِيُّ دُخُولَ هَذِهِ الْيَدِ الْمُتْلِفَةِ فِي قِسْمِ الْمَغْرُورِ، لِأَنَّهَا غَيْرُ عَالِمَةٍ بِالضَّمَانِ، فَتَغْرِيرُ الْغَاصِبِ لَهَا حَاصِلٌ ‏(‏وَإِنْ كَانَ الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ‏)‏ الْمَغْصُوبُ ‏(‏فِي هَذِهِ الصُّوَرِ‏)‏ الْعَشَرَةِ ‏(‏هُوَ الْمَالِكُ‏)‏ لَهُ جَاهِلًا أَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ ‏(‏فَلَا شَيْءَ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَالِكِ عَلَى الْغَاصِبِ ‏(‏لِمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ ضَمَانُهُ ‏(‏لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا‏)‏ أَيْ‏:‏ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَيْ‏:‏ غَيْرَ الْمَالِكِ ‏(‏وَمَا سِوَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ سِوَى مَا يَسْتَقِرُّ ضَمَانُهُ عَلَى الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ الْغَصْبُ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏عَلَى الْغَاصِبِ‏)‏ يُطَالِبُهُ بِهِ مَالِكُهُ‏.‏

فَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا ثُمَّ اسْتَعَارَهُ مِنْهُ مَالِكُهُ جَاهِلًا أَنَّهُ عَبْدُهُ‏.‏

ثُمَّ تَلِفَ عِنْدَهُ، فَلَا طَلَبَ لَهُ إذَا عَلِمَ عَلَى غَاصِبٍ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ مَالِكَهُ، وَيُطَالِبُهُ بِقِيمَةِ مَنَافِعِهِ مُدَّةَ إقَامَتِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهَا وَعِنْدَهُ‏.‏

لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَقَدْ غَرَّهُ ‏(‏وَإِنْ أَطْعَمَهُ‏)‏ أَيْ الْمَغْصُوبَ غَاصِبٌ ‏(‏لِغَيْرِ مَالِكِهِ وَعَلِمَ‏)‏ الْآكِلُ لَهُ ‏(‏ بِغَصْبِهِ اسْتَقَرَّ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْآكِلِ، لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَغْرِيرٍ، وَلِمَالِكِهِ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ لَهُ، لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ‏.‏

وَلَهُ تَضْمِينُ أَكْلِهِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْ يَدِ ضَامِنِهِ وَأَتْلَفَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَعْلَمَ الْآكِلُ بِغَصْبِهِ بِأَنْ أَكَلَهُ ظَانًّا أَنَّهُ طَعَامُ الْغَاصِبِ ‏(‏فَ‏)‏ قَرَارُ ضَمَانِهِ ‏(‏عَلَى غَاصِبٍ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ‏)‏ الْآكِلُ ‏(‏إنَّهُ طَعَامُهُ‏)‏؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا يَمْلِكُهُ وَقَدْ أَكَلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ لِتَغْرِيرِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ أَطْعَمَ غَاصِبٌ مَغْصُوبًا ‏(‏لِمَالِكِهِ أَوْ قِنِّهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ قِنِّ مَالِكِهِ ‏(‏أَوْ دَابَّتَهُ أَوْ أَخَذَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَخَذَ الْمَالِكُ الْمَغْصُوبَ مِنْ غَاصِبِهِ ‏(‏بِقَرْضٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ أَبَاحَهُ لَهُ‏)‏ بِأَنْ كَانَ صَابُونًا فَقَالَ لَهُ‏:‏ اغْسِلْ بِهِ، أَوْ شَمْعًا فَأَمَرَهُ بِوَقْدِهِ وَنَحْوَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ مِلْكَهُ ‏(‏أَوْ اسْتَرْهَنَهُ‏)‏ مَالِكُهُ ‏(‏أَوْ اسْتَوْدَعَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ‏)‏ مِنْ غَاصِبِهِ ‏(‏أَوْ اُسْتُؤْجِرَ‏)‏ أَيْ‏:‏ اسْتَأْجَرَ غَاصِبٌ مَالِكًا ‏(‏عَلَى قِصَارَتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَغْصُوبِ ‏(‏أَوْ خِيَاطَتِهِ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَصِبْغَةٍ ‏(‏وَلَمْ يَعْلَمْ‏)‏ مَالِكُهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا ‏(‏لَمْ يَبْرَأْ غَاصِبٌ‏)‏، أَمَّا فِي الْإِبْرَاءِ وَالْإِبَاحَةِ فَلِأَنَّهُ بِغَصْبِهِ مَنَعَ يَدَ مَالِكِهِ وَسُلْطَانَهُ عَنْهُ وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِذَلِكَ سُلْطَانُهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِغَيْرِ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ الْغَاصِبُ‏.‏

وَأَمَّا فِي الْقَرْضِ وَالشِّرَاءِ فَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى اسْتِقْرَارِ بَدَلِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَقَبْضُ الْإِنْسَانِ مَا يُسْتَحَقُّ قَبْضُهُ عَلَى أَنْ يَسْتَقِرَّ بَدَلُهُ فِي ذِمَّتِهِ غَيْرُ مُبْرِئٍ لِلْمُقْبِضِ أَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ إنْسَانٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ لِمُسْتَحِقِّهَا عَلَى وَجْهٍ مِنْ هَذَيْنِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ عَارِيَّةً فَإِنَّهُ يَبْرَأُ وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَبْرَأُ لِعَوْدِهِ إلَى مِلْكِهِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَلَعَلَّ الْخِلَافَ إنْ لَمْ يَتْلَفْ فِي يَدِهِ وَإِلَّا بَرِئَ، لِقَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ‏:‏ وَإِنْ كَانَ الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَخْ، وَالْقَرْضُ وَالْمَبِيعُ يَسْتَقِرُّ عَلَى قَابِضِهِ ضَمَانُ عَيْنِهِ دُونَ مَنْفَعَتِهِ‏.‏

قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ‏:‏ وَإِنْ بَاعَهُ مِنْهُ بَرِئَ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَبِيعِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي انْتَهَى، وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَلِأَنَّهُ تَحَمُّلٌ مُنْتَهٍ، وَرُبَمَا كَافَأَهُ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ وَمَا بَعْدَهَا فَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ فَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِذَلِكَ سُلْطَانُهُ وَهُوَ تَمْكِينُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِكُلِّ مَا أَرَادَ ‏(‏وَإِنْ أُعِيرَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَخَذَهُ مَالِكُهُ عَارِيَّةً مِنْ غَاصِبٍ ‏(‏بَرِئَ‏)‏ غَاصِبُهُ، لِأَنَّهُ مَالِكُهُ وَإِنْ جَهِلَهُ، فَالْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَلَوْ وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ قِيمَتِهَا لَرَجَعَ بِهِ الْمُسْتَعِيرُ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَضْمِينِهِ شَيْئًا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ ضَمِنَهُ لَهُ وَلَا يَبْرَأُ غَاصِبٌ مِنْ عُهْدَةِ مَنَافِعِهَا مَعَ جَهْلِ مَالِكِهَا أَنَّهَا مِلْكُهُ فَيَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَنَافِعِ الَّتِي تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ اسْتَوْفَاهَا كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الطَّعَامِ الَّذِي أَبَاحَهُ إيَّاهُ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ صَحِيحٌ قَالَهُ الْمَجْدُ ‏(‏كَصُدُورِ مَا تَقَدَّمَ‏)‏ مِنْ الصُّوَرِ ‏(‏مِنْ مَالِكٍ لِغَاصِبٍ‏)‏ بِأَنْ أَمَرَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ بِأَكْلِ الْمَغْصُوبِ أَوْ إطْعَامِهِ غَيْرَهُ ‏(‏أَوْ أَقْرَضَهُ الْمَغْصُوبَ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ أَعَارَهُ لِغَاصِبِهِ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ أَوْ آجَرَهُ لَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ‏)‏ عَلَى قِصَارَتِهِ أَوْ خِيَاطَتِهِ وَنَحْوِهِ فَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ مِنْ الْغَصْبِ لِزَوَالِ حُكْمِهِ، لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ الْعَارِيَّةِ وَالْقَرْضِ وَالْبَيْعِ لَهَا حُكْمُهَا ‏(‏وَكَمَا لَوْ زَوَّجَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ زَوَّجَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ الْأَمَةَ ‏(‏الْمَغْصُوبَةَ‏)‏ فَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ مِنْ عُهْدَةِ غَصْبِهَا وَتَصِيرُ بِيَدِهِ أَمَانَةً، كَمَا لَوْ لَمْ يَغْصِبْهَا قَبْلَ تَزْوِيجِهَا لِرِضَا مَالِكِهَا بِبَقَائِهَا بِيَدِهِ ‏(‏وَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَ‏)‏ فِيهَا ‏(‏أَوْ بَنَى فِيهَا فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً‏)‏ لِغَيْرِ بَائِعِهَا ‏(‏وَقَلَعَ غِرَاسَهُ أَوْ بِنَاءَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ بِغَيْرِ حَقٍّ ‏(‏رَجَعَ‏)‏ مُشْتَرٍ ‏(‏عَلَى بَائِعٍ بِمَا غَرَّمَهُ‏)‏ مِنْ ثَمَنٍ أَقْبَضَهُ وَأُجْرَةِ غَارِسٍ وَبَانٍ وَثَمَنِ مُؤَنٍ مُسْتَهْلَكَةٍ وَأَرْشِ نَقْصٍ بِقَلْعٍ وَأُجْرَةٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِبَيْعِهِ وَأَوْهَمَهُ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ بِنَائِهِ وَغَرْسِهِ وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّ لِمُسْتَحِقِّ الْأَرْضِ قَلْعَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ بِلَا ضَمَانِ نَقْصٍ لِوَضْعِهِ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَالْغَاصِبِ ‏(‏وَمَنْ أَخَذَ‏)‏ أَيْ‏:‏ انْتَزَعَ ‏(‏مِنْهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ‏)‏ بِأَنْ أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ شَهِدَتْ لِلْمُدَّعَى لَهُ بِمِلْكِهِ الْمُطْلَقِ بِأَنْ لَمْ تَقُلْ مَلَكَهُ مِنْ وَقْتِ كَذَا ‏(‏مَا اشْتَرَاهُ‏)‏ مُدَّعَى عَلَيْهِ ‏(‏رَدَّ بَائِعُهُ‏)‏ لِلْمُشْتَرِي ‏(‏مَا قَبَضَهُ‏)‏ مِنْهُ مِنْ ثَمَنٍ لِفَسَادِ الْعَقْدِ بِخُرُوجِهِ مُسْتَحَقًّا‏.‏

وَالْأَصْلُ عَدَمُ حُدُوثِ مِلْكٍ نَاشِئٍ عَنْ الْمُشْتَرِي، كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِمِلْكٍ سَابِقٍ عَلَى زَمَنِ الشِّرَاءِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ اشْتَرَى قِنًّا فَأَعْتَقَهُ فَادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ الْبَائِعَ‏)‏ لِلْقِنِّ ‏(‏غَصَبَهُ مِنْهُ‏)‏ وَلَا بَيِّنَةَ ‏(‏فَصَدَّقَهُ‏)‏ عَلَى مَا ادَّعَاهُ ‏(‏أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي ‏(‏لَمْ يُقْبَلْ‏)‏ قَوْلُهُ ‏(‏عَلَى الْآخَرِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ ‏(‏وَإِنْ صَدَّقَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي ‏(‏مَعَ‏)‏ الْقِنِّ ‏(‏الْمَبِيعِ لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهُ‏)‏ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ بِهِ، وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا مَعَ اتِّفَاقِ السَّيِّدِ وَالْقِنِّ عَلَى الرِّقِّ‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنَا حُرٌّ ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ وَلِمَالِكِهِ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا قِيمَتَهُ يَوْمَ الْعِتْقِ ‏(‏وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى مُعْتِقِهِ‏)‏ لِاعْتِرَافِهِ بِإِتْلَافِهِ بِالْعِتْقِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ فَإِنْ ضَمِنَ الْبَائِعُ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا بِالثَّمَنِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْعَتِيقُ وَرِثَهُ وَارِثُهُ الْقَرِيبُ ثُمَّ مُدَّعٍ، وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِاعْتِرَافِ الْمُعْتِقِ بِفَسَادِ عِتْقِهِ‏.‏

وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يُعْتِقْهُ وَأَقَامَ مُدَّعٍ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ نُقِضَ الْبَيْعُ وَرَجَعَ مُشْتَرٍ عَلَى بَائِعٍ بِمَا أُخِذَ مِنْهُ‏.‏

وَكَذَا إنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ‏.‏

وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْآخَرِ‏.‏

فَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِهِ، وَيُقَرُّ مَبِيعٌ بِيَدِ مُشْتَرٍ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فِي الظَّاهِرِ‏.‏

وَلِبَائِعٍ إحْلَافُهُ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ‏.‏

وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ لَمْ يَسْتَرْجِعْهُ مُشْتَرٍ لِأَنَّهُ يَدَّعِيهِ‏.‏

وَمَتَى عَادَ بِالْمَبِيعِ إلَى الْبَائِعِ بِفَسْخٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَى مُدَّعِيهِ وَلَهُ اسْتِرْجَاعُ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ‏.‏

وَإِنْ أَقَرَّ بَائِعٌ فِي مُدَّةِ خِيَارٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَهُ فَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِمَا يَفْسَخُهُ‏.‏

وَإِنْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ لَزِمَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ وَلَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ عَلَى بَائِعِهِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، وَعَلَيْهِ دَفْعُهُ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ وَإِنْ أَقَامَ مُشْتَرٍ بَيِّنَةً بِمَا أَقَرَّ بِهِ رَجَعَ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَإِنْ كَانَ حَالَ الْبَيْعِ قَالَ‏:‏ بِعْتُكَ بِهِ عِنْدِي هَذَا أَوْ مِلْكِي لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ يُكَذِّبُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ ذَلِكَ قُبِلَتْ لِأَنَّهُ قَدْ يَبِيعُ مِلْكَهُ وَغَيْرَهُ‏.‏

وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ سُمِعَتْ وَبَطَلَ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ، لَكِنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَائِعِ لَهُ، لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِهَا إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا‏.‏

وَإِنْ أَنْكَرَاهُ جَمِيعًا فَلَهُ إحْلَافُهُمَا‏.‏

وَمَنْ وَجَدَ سَرِقَتَهُ عِنْدَ إنْسَانٍ بِعَيْنِهَا فَقَالَ أَحْمَدُ‏:‏ هُوَ مِلْكُهُ يَأْخُذُهُ، أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ‏}‏ وَيَتْبَعُ الْمُبْتَاعُ مَنْ بَاعَهُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏جناية الشيء المغصوب والجناية عليه‏]‏

‏(‏وَإِنْ أُتْلِفَ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مَغْصُوبٌ ‏(‏أَوْ تَلِفَ مَغْصُوبٌ‏)‏ كَحَيَوَانٍ قَتَلَهُ غَاصِبٌ أَوْ غَيْرُهُ‏.‏

أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَلَوْ غَصَبَهُ مَرِيضًا فَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ‏.‏

وَكَثَوْبٍ أَحْرَقَهُ شَخْصٌ أَوْ احْتَرَقَ بِصَاعِقَةٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏ضُمِنَ‏)‏ مَغْصُوبٌ ‏(‏مِثْلِيٌّ‏.‏

وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْمِثْلِيُّ ‏(‏كُلُّ مَكِيلٍ‏)‏ مِنْ حَبٍّ وَتَمْرٍ وَمَائِعٍ وَغَيْرِهِمَا ‏(‏أَوْ مَوْزُونٍ‏)‏ كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَرِيرٍ وَكَتَّانٍ وَقُطْنٍ وَنَحْوِهَا، ‏(‏لَا صِنَاعَةَ فِيهِ‏)‏ أَيْ الْمَكِيلِ، بِخِلَافِ نَحْوِ هَرِيسَةٍ‏.‏

أَوْ الْمَوْزُونِ بِخِلَافِ حُلِيٍّ وَأَسْطَالٍ وَنَحْوِهَا ‏(‏مُبَاحَةٌ‏)‏ خَرَجَ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَتُضْمَنُ بِوَزْنِهَا لِتَحْرِيمِ صِنَاعَتِهَا‏.‏

وَيَأْتِي ‏(‏يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ‏)‏ بِخِلَافٍ نَحْوِ جَوْهَرٍ وَلُؤْلُؤٍ ‏(‏بِمِثْلِهِ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِضَمِنَ، نَصًّا‏.‏

لِأَنَّ الْمِثْلَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْقِيمَةِ لِمُمَاثَلَتِهِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الصُّورَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَالْمَعْنَى، بِخِلَافِ الْقِيمَةِ فَإِنَّهَا تُمَاثِلُ مِنْ طَرِيقِ الظَّنِّ وَالِاجْتِهَادِ‏.‏

وَسَوَاءٌ تَمَاثَلَتْ أَجْزَاءُ الْمِثْلِيِّ أَوْ تَفَاوَتَتْ كَالْأَثْمَانِ وَلَوْ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً رَائِجَةً وَالْحُبُوبَ وَالْأَدْهَانَ وَنَحْوَهَا، وَفِي رُطَبٍ صَارَ تَمْرًا وَسِمْسِمٍ صَارَ شَيْرَجًا يُخَيَّرُ مَالِكُهُ فَيَضْمَنُهُ أَيْ‏:‏ الْمِثْلَيْنِ أَحَبَّ‏.‏

وَأَمَّا مُبَاحُ الصِّنَاعَةِ كَمَعْمُولِ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَصُوفٍ وَشَعْرٍ مَغْزُولٍ فَيُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ لِتَأْثِيرِ صِنَاعَتِهِ فِي قِيمَتِهِ وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ، وَالْقِيمَةُ فِيهِ أَحْضَرُ‏.‏

‏(‏فَإِنْ أَعْوَزَ‏)‏ مِثْلِيُّ الْمُتْلَفِ أَيْ‏:‏ تَعَذَّرَ لِعَدَمٍ أَوْ بُعْدٍ أَوْ غَلَاءٍ ‏(‏فَ‏)‏ الْوَاجِبُ ‏(‏قِيمَةُ مِثْلِهِ يَوْمَ إعْوَازِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمِثْلِيِّ لِوُجُوبِ الْقِيمَةِ فِي الذِّمَّةِ حِينَ انْقِطَاعِ الْمِثْلِ كَوَقْتِ تَلَفِ الْمُتَقَوِّمِ وَدَلِيلُ وُجُوبِهَا إذَنْ‏:‏ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ طَلَبَهَا وَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ أَدَاؤُهَا وَلَا يَبْقَى وُجُوبُ الْمِثْلِ لِلْعَجْزِ عَنْهُ‏.‏

وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ طَلَبَهُ وَلَا اسْتِيفَاءَهُ، ‏(‏فَإِنْ قَدَرَ‏)‏ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمِثْلُ ‏(‏عَلَى الْمِثْلِ‏)‏ قَبْلَ دَفْعِ الْقِيمَةِ ‏(‏لَا بَعْدَ أَخْذِهَا وَجَبَ‏)‏ الْمِثْلُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ‏.‏

وَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ وَلَوْ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ‏.‏

فَإِنْ أَخَذَ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ عَنْهُ اسْتَقَرَّ حُكْمُهَا وَلَمْ تُرَدَّ، وَلَا طَلَبَ بِالْمِثْلِ إذَنْ لِحُصُولِ الْبَرَاءَةِ بِأَخْذِهَا ‏(‏وَ‏)‏ ضَمِنَ ‏(‏غَيْرَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ غَيْرُ الْمِثْلِيِّ إذَا تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ ‏(‏بِقِيمَتِهِ يَوْمَ تَلَفِهِ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ بِالتَّقْوِيمِ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهَا مُتْلَفَةٌ بِالْعِتْقِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْمِثْلِ‏.‏

وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمِثْلِيِّ لَا تَتَسَاوَى أَجْزَاؤُهُ وَتَخْتَلِفُ صِفَاتُهُ‏.‏

فَالْقِيمَةُ فِيهِ أَعْدَلُ وَأَقْرَبُ إلَيْهِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ ‏(‏فِي بَلَدِ غَصْبِهِ مِنْ نَقْدِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بَلَدِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الضَّمَانِ وَمُقْتَضَى التَّعَدِّي ‏(‏فَإِنْ تَعَدَّدَ‏)‏ نَقْدُ بَلَدِ غَصْبِهِ بِأَنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ ‏(‏فَ‏)‏ الْقِيمَةُ ‏(‏مِنْ غَالِبِهِ‏)‏ رَوَاجًا لِانْصِرَافِ اللَّفْظِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ مُطْلَقٍ‏.‏

‏(‏وَكَذَا‏)‏ أَيْ‏:‏ كَالْمَغْصُوبِ فِيمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ ‏(‏مُتْلَفٌ بِلَا غَصْبٍ وَمَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ‏)‏ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ كَبَيْعٍ لَا نَحْوِ هِبَةٍ ‏(‏وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَجْرَى الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ ‏(‏مِمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مِلْكِ الْمُتْلِفِ لَهُ، فَيُضْمَنُ مِثْلِيٌّ بِمِثْلِهِ وَمُتَقَوِّمٌ بِقِيمَتِهِ، ‏(‏فَلَوْ دَخَلَ‏)‏ تَالِفٌ فِي مِلْكِ مُتْلِفِهِ ‏(‏بِأَنْ أَخَذَ‏)‏ مِنْ آخَرَ شَيْئًا ‏(‏مَعْلُومًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، أَوْ‏)‏ أَخَذَ ‏(‏حَوَائِجَ‏)‏ مُتَقَوِّمَةً‏.‏

كَفَوَاكِهَ وَبُقُولٍ وَنَحْوِهِمَا ‏(‏مِنْ بَقَّالٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَجَزَّارٍ وَزَيَّاتٍ ‏(‏فِي أَيَّامٍ ثُمَّ يُحَاسِبُهُ‏)‏ عَلَى مَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ ‏(‏فَإِنَّهُ‏)‏ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ وَلَا الْقِيمَةُ فِي الْمُتَقَوِّمِ، بَلْ ‏(‏يُعْطِيهِ بِسِعْرِ يَوْمِ أَخْذِهِ‏)‏ لِتَرَاضِيهِمَا عَلَى ذَلِكَ‏.‏

وَمُقْتَضَاهُ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ‏.‏

‏(‏وَيُقَوَّمُ مَصُوغٌ مُبَاحٌ‏)‏ كَحُلِيِّ النِّسَاءِ ‏(‏مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ‏)‏ إذَا تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ عِنْدَ غَاصِبٍ أَوْ مَنْ يَضْمَنُهُ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ تَزِيدُ عَلَى وَزْنِهِ لِصِنَاعَةٍ بِنَقْدٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ‏(‏وَ‏)‏ يُقَوَّمُ ‏(‏تِبْرٌ تُخَالِفُ قِيمَةَ وَزْنِهِ‏)‏ لِنَقْصِ قِيمَتِهِ ‏(‏بِ‏)‏ نَقْدٍ مِنْ ‏(‏غَيْرِ جِنْسِهِ‏)‏، فَإِنْ كَانَ ذَهَبًا قُوِّمَ بِفِضَّةٍ وَعَكْسِهِ، لِئَلَّا يُفْضِيَ تَقْوِيمُهُ بِجِنْسِهِ إلَى الرِّبَا ‏(‏وَإِنْ كَانَ‏)‏ الْحُلِيُّ ‏(‏مِنْهُمَا‏)‏ أَيْ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مَعًا قَوَّمَهُ ‏(‏بِأَيِّهِمَا‏)‏ أَيْ النَّقْدَيْنِ ‏(‏شَاءَ‏)‏ لِلْحَاجَةِ إلَى تَقْوِيمِهِ بِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ‏(‏وَيُعْطَى‏)‏ رَبُّ الْحُلِيِّ الْمَصُوغِ مِنْ النَّقْدَيْنِ ‏(‏بِقِيمَتِهِ عَرَضًا‏)‏؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ يُفْضِي إلَى الرِّبَا، ‏(‏وَيُضْمَنُ مُحَرَّمٌ صِنَاعَةً‏)‏ كَأَوَانِي ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحُلِيِّ رِجَالٍ مُحَرَّمٍ ‏(‏بِوَزْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ صِنَاعَتَهُ مُحَرَّمَةٌ لَا قِيمَةَ لَهَا شَرْعًا، ‏(‏وَ‏)‏ تَجِبُ ‏(‏فِي تَلَفِ بَعْضِ مَغْصُوبٍ‏)‏ عِنْدَ غَاصِبٍ ‏(‏فَتَنْقُصُ قِيمَةُ بَاقِيهِ كَزَوْجَيْ‏)‏ خُفٍّ ‏(‏تَلِفَ أَحَدُهُمَا رَدَّ بَاقٍ‏)‏ مِنْهُمَا إلَى مَالِكِهِ ‏(‏وَقِيمَةَ تَالِفٍ وَأَرْشَ نَقْصِ‏)‏ الْبَاقِي مِنْهُمَا‏.‏

فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا مُجْتَمِعِينَ سِتَّةَ دَرَاهِمَ، وَصَارَتْ قِيمَةُ الْبَاقِي مِنْهُمَا دِرْهَمَيْنِ رَدَّهُ وَأَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ بِجِنَايَتِهِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ شَقَّ ثَوْبًا يُنْقِصُهُ الشَّقُّ، وَتَلِفَ أَحَدُ الشِّقَّيْنِ بِخِلَافِ نَقْصِ السِّعْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ بِهِ مِنْ الْمَغْصُوبِ عَيْنٌ وَلَا مَعْنَى، وَهَاهُنَا فَوَّتَ مَعْنًى وَهُوَ إمْكَانَ الِانْتِفَاعِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِنَقْصِ قِيمَتِهِ، كَمَا لَوْ فَوَّتَ بَصَرَهُ وَنَحْوِهِ كَالسَّمْعِ‏.‏

وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا مَثَلًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَلَبِسَهُ حَتَّى نَقَصَ بِلُبْسِهِ خَمْسَةً ثُمَّ غَلَتْ الثِّيَابُ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ عَشْرَةً رَدَّهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ‏.‏

وَلَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، ثُمَّ غَلَتْ الثِّيَابُ فَصَارَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ عِشْرِينَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا عَشَرَةٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ ‏(‏فِي قِنٍّ يَأْبِقُ‏)‏ مِنْ غَاصِبٍ ‏(‏وَنَحْوَهُ‏)‏ كَجَمَلٍ يَشْرُدُ مِنْهُ وَيَعْجِزُ عَنْ رَدِّهِ ‏(‏قِيمَتُهُ‏)‏ أَيْ الْمَغْصُوبِ الْآبِقِ أَوْ الشَّارِدِ لِمَالِكِهِ لِلْحَيْلُولَةِ ‏(‏وَيَمْلِكُهَا‏)‏‏.‏

أَيْ الْقِيمَةَ ‏(‏مَالِكُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَغْصُوبِ بِقَبْضِهَا، فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهَا كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ مِنْ أَجْلِ الْحَيْلُولَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ؛ وَلِذَلِكَ ‏(‏لَا‏)‏ يَمْلِكُ ‏(‏غَاصِبٌ مَغْصُوبًا بِدَفْعِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهَا بِالْبَيْعِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ‏.‏

وَكَمَا لَوْ كَانَ أُمَّ وَلَدٍ فَلَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ قَرِيبَهُ‏.‏

قَالَ فِي التَّلْخِيصِ‏:‏ وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى أَخْذِهَا‏.‏

وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا‏.‏

وَلَا يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِالْبَدَلِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ جَوَازُ الْأَخْذِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ فَتُوقَفُ عَلَى خِيَرَتِهِ ‏(‏فَمَتَى قَدَرَ‏)‏ غَاصِبٌ عَلَى آبِقٍ وَنَحْوَهُ ‏(‏رَدَّهُ‏)‏ وُجُوبًا بِزِيَادَتِهِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ ‏(‏وَأَخَذَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقِيمَةَ بِعَيْنِهَا إنْ بَقِيَتْ لِزَوَالِ الْحَيْلُولَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لِأَجْلِهَا‏.‏

وَيَرُدُّ زَوَائِدَهَا الْمُتَّصِلَةَ مِنْ سِمَنٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَرُدُّ الْمُنْفَصِلَةَ بِلَا نِزَاعٍ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ‏.‏

قَالَ الْمَجْدُ‏:‏ وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ وَالْحَيَوَانَ لَا يَكُونُ أَبَدًا فِي نَفْسِهِ نَفْسُ الْقِيمَةِ الْوَاجِبَةِ بَلْ بَدَلٌ عَنْهَا‏.‏

فَإِذَا رَجَعَ الْمَغْصُوبُ رَدَّ الْقِيمَةَ لَا بَدَلَهَا، كَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِدَرَاهِمَ‏.‏

ثُمَّ أَخَذَ عَنْهَا ذَهَبًا، أَوْ سِلْعَةً ثُمَّ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِدَرَاهِمِهِ لَا بِبَدَلِهَا انْتَهَى‏.‏

وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الثَّمَنَ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ دَرَاهِمَ، فَإِذَا عَرَضَهُ عَنْهَا شَيْئًا فَهُوَ عَقْدٌ آخَرُ‏.‏

وَأَمَّا هُنَا فَالْقِيمَةُ لَمْ تَثْبُتْ فِي الذِّمَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، فَمَا دَفَعَهُ ابْتِدَاءً هُوَ الْقِيمَةُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ النَّقْدَيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا ‏(‏أَوْ‏)‏ يَأْخُذُ ‏(‏بَدَلَهَا‏)‏ أَيْ الْقِيمَةِ ‏(‏إنْ تَلِفَتْ‏)‏ أَيْ‏:‏ مِثْلَهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً وَإِلَّا فَقِيمَتَهَا، وَلَيْسَ لِغَاصِبٍ حَبْسُ الْمَغْصُوبِ لِتُرَدَّ قِيمَتُهُ‏.‏

وَكَذَا مُشْتَرٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ لَيْسَ لَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ عَلَى رَدِّ ثَمَنِهِ صَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ، بَلْ يُدْفَعَانِ إلَى عَدْلٍ يُسَلِّمُ إلَى كُلٍّ مَالَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ ‏(‏فِي عَصِيرٍ تَخَمَّرَ ‏(‏خَلًّا بِيَدِهِ رَدُّهُ‏)‏ إلَى مَالِكِهِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ، ‏(‏وَ‏)‏ رَدَّ مَعَهُ ‏(‏أَرْشَ نَقْصِهِ‏)‏ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِتَخَلُّلِهِ عَنْ قِيمَتِهِ عَصِيرًا، لِحُصُولِ النَّقْصِ بِيَدِهِ كَتَلَفِ جُزْءٍ مِنْهُ، ‏(‏وَكَمَا لَوْ نَقَصَ بِلَا تَخَمُّرٍ‏)‏ بِأَنْ صَارَ ابْتِدَاءً خَلًّا وَكَغَصْبِ شَابَّةٍ فَتَهْرَمُ ‏(‏وَاسْتَرْجَعَ‏)‏ الْغَاصِبُ إذَا رَدَّ الْخَلَّ وَأَرْشَ نَقْصِ الْعَصِيرِ ‏(‏الْبَدَلَ وَهُوَ مِثْلُ الْعَصِيرِ الَّذِي دَفَعَهُ لِمَالِكِهِ لِلْحَيْلُولَةِ كَمَا لَوْ أَدَّى قِيمَةَ الْآبِقِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ وَرَدَّهُ لِرَبِّهِ‏.‏

وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ عَصِيرٍ أَوْ زَيْتٍ غَلَاهُ غَاصِبٌ بِغَلَيَانِهِ فَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهِ‏.‏

‏(‏وَمَا صَحَّتْ إجَارَتُهُ مِنْ مَغْصُوبٍ وَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ‏)‏ كَرَقِيقٍ وَدَوَابَّ وَسُفُنٍ وَعَقَارٍ ‏(‏فَعَلَى قَابِضٍ وَغَاصِبٍ‏)‏ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ‏(‏أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ بَقَائِهِ بِيَدِهِ،‏)‏ فَتُضْمَنُ مَنَافِعُهُ بِالْفَوَاتِ وَالتَّفْوِيتِ أَيْ‏:‏ سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ أَوْ تَرَكَهَا تَذْهَبُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ جَازَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِمُجَرَّدِ التَّلَفِ كَالْأَعْيَانِ‏.‏

وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَالْعَيْنِ‏.‏

وَأَمَّا خَبَرُ‏:‏ ‏{‏الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ‏}‏ فَفِي الْبَيْعِ‏.‏

وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ‏.‏

وَالْمُرَادُ بِالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ الْفَاسِدَتَانِ بِخِلَافِ عُقُودِ الْأَمَانَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ كَالْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي صَحِيحِهَا فَلَا يُضْمَنُ فِي فَاسِدِهَا‏.‏

‏(‏وَمَعَ عَجْزِ‏)‏ غَاصِبٍ ‏(‏عَنْ رَدِّ‏)‏ مَغْصُوبٍ تَصِحُّ إجَارَتُهُ تَلْزَمُ أُجْرَتُهُ ‏(‏إلَى‏)‏ وَقْتِ ‏(‏أَدَاءِ قِيمَةٍ‏)‏‏.‏

وَكَذَا مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ يَأْخُذُ قِيمَتَهُ اسْتَحَقَّ الِانْتِفَاعَ بِبَدَلِهِ الَّذِي هُوَ قِيمَتُهُ‏.‏

فَلَا يَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَبِبَدَلِهِ ‏(‏وَمَعَ تَلَفِ‏)‏ مَغْصُوبٍ أَوْ مَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ‏(‏فَ‏)‏ الْوَاجِبُ عَلَى قَابِضِهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ ‏(‏إلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ إلَى تَلَفِهِ، لِأَنَّهُ بَعْدَهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ تُضْمَنُ كَمَا لَوْ أُتْلِفَ بِلَا غَصْبٍ أَوْ قَبْضٍ‏.‏

وَيُقْبَلُ قَوْلُ غَاصِبٍ وَقَابِضٍ فِي تَلَفِهِ فَيُطَالِبُهُ مَالِكُهُ بِبَدَلٍ ‏(‏وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ‏)‏ أَيْ الْغَاصِبِ وَالْقَابِضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ‏(‏فِي وَقْتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَقْتِ التَّلَفِ لِتَسْقُطَ عَنْهُ الْأُجْرَةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ تَصِحُّ إجَارَةُ الْمَغْصُوبِ وَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أَيْ‏:‏ لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ بِإِجَارَتِهِ ‏(‏فَلَا‏)‏ يَلْزَمُ غَاصِبَهُ وَلَا قَابِضَهُ أُجْرَةٌ ‏(‏كَغَنَمٍ وَشَجَرٍ وَطَيْرٍ‏)‏ وَلَوْ قَصَدَ صَوْتَهُ ‏(‏وَنَحْوِهَا‏)‏ كَشَمْعٍ وَمَطْعُومٍ وَمَشْرُوبٍ ‏(‏مِمَّا لَا مَنَافِعَ لَهَا يُسْتَحَقُّ بِهَا عِوَضٌ‏)‏ غَالِبًا‏.‏

فَلَا يَرِدُ صِحَّةُ إجَارَةِ غَنَمٍ لِدَيَّاسِ زَرْعٍ وَنَحْوِهِ وَشَجَرٍ لِنَشْرِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ لِنُدْرَتِهِ ‏(‏وَيَلْزَمُ‏)‏ غَاصِبًا وَقَابِضًا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ‏(‏فِي قِنٍّ ذِي صَنَائِعَ‏)‏ أَيْ‏:‏ يُحْسِنُ صَنَائِعَ ‏(‏أُجْرَةُ أَعْلَاهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّنَائِعِ ‏(‏فَقَطْ‏)‏ مُدَّةَ إقَامَتِهِ عِنْدَهُ‏.‏

إذْ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي أَكْثَرَ مِنْ صَنْعَتِهِ‏.‏

وَغَايَةُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ سَيِّدُهُ‏:‏ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي أَعْلَاهَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏التصرف في الشيء المغصوب‏]‏

‏(‏وَحَرُمَ تَصَرُّفُ غَاصِبٍ وَغَيْرِهِ‏)‏ مِمَّنْ عَلِمَ بِالْحَالِ ‏(‏فِي مَغْصُوبٍ بِمَا لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ مِنْ صِحَّةٍ وَفَسَادٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَا يَتَّصِفُ بِأَحَدِهِمَا ‏(‏كَإِتْلَافٍ وَاسْتِعْمَالٍ كَلُبْسٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَاسْتِخْدَامٍ وَذَبْحٍ‏.‏

وَلَا يَحْرُمُ الْمَذْبُوحُ بِذَلِكَ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَحْرُمُ تَصَرُّفُ غَاصِبٍ وَغَيْرِهِ فِي مَغْصُوبٍ ‏(‏بِمَا لَهُ حُكْمٌ‏)‏ بِأَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ صَحِيحٌ أَوْ فَاسِدٌ ‏(‏كَعِبَادَةٍ‏)‏ كَاسْتِجْمَارٍ بِنَحْوِ حَجَرٍ مَغْصُوبٍ، وَوُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ بِمَغْصُوبٍ، وَصَلَاةٍ فِي ثَوْبٍ أَوْ بُقْعَةٍ مَغْصُوبَةٍ وَإِخْرَاجِ زَكَاةٍ مِنْ مَغْصُوبٍ أَوْ حَجٍّ بِهِ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافٍ نَحْوِ صَوْمٍ وَذِكْرٍ وَاعْتِقَادٍ‏.‏

فَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِيهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَ ‏(‏عَقْدٍ‏)‏ مِنْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهَا ‏(‏وَلَا يَصِحَّانِ‏)‏ أَيْ‏:‏ عِبَادَةُ الْغَاصِبِ كَأَنْ صَلَّى أَوْ حَجَّ بِمَغْصُوبٍ عَالِمًا ذَاكِرًا وَعَقَدَهُ فَهُمَا بَاطِلَانِ‏.‏

لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ‏}‏ ‏(‏وَإِنْ اتَّجَرَ‏)‏ غَاصِبٌ ‏(‏بِعَيْنِ مَغْصُوبٍ أَوْ‏)‏ عَيْنِ ‏(‏ثَمَنِهِ‏)‏ بِأَنْ اشْتَرَى أَوْ بَاعَ وَظَهَرَ رِبْحٌ، أَوْ اشْتَرَى بِهِ شَيْئًا وَظَهَرَ فِيهِ رِبْحٌ وَهُوَ بَاقٍ ‏(‏فَالرِّبْحُ وَمَا اشْتَرَاهُ‏)‏ الْغَاصِبُ مِنْ السِّلَعِ ‏(‏وَلَوْ كَانَ الشِّرَاءُ‏)‏ بِثَمَنٍ ‏(‏فِي ذِمَّةٍ بِنِيَّةِ نَقْدِهِ‏)‏ الثَّمَنَ مِنْ الْمَغْصُوبِ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ ‏(‏ثُمَّ نَقَدَهُ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏لِمَالِكٍ‏)‏ مَغْصُوبٍ دُونَ غَاصِبِهِ‏.‏

وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ قُلْنَا بِصِحَّةِ الشِّرَاءِ أَوْ بُطْلَانِهِ لِإِطْلَاقِ الْأَكْثَرِ‏.‏

وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِخَبَرِ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ‏.‏

وَتَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ، وَلِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَنَتِيجَتُهُ‏.‏

وَفِي مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ فِي ذِمَّتِهِ لِقِيَامِ نِيَّةِ نَقْدِهِ مِنْ الْمَغْصُوبِ مَقَامَ نِيَّةِ الشِّرَاءِ بِعَيْنِهِ‏.‏

وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لِلْغَاصِبِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ طَرِيقًا إلَى تَمَلُّكِ رِبْحِ مَالِ الْغَيْرِ بِغَصْبِهِ وَدَفْعِهِ ثَمَنًا عَمَّا يَشْتَرِيهِ فِي ذِمَّتِهِ‏.‏

وَلِأَنَّهُ حَيْثُ تَعَيَّنَ جَعْلُ الرِّبْحِ لِلْغَاصِبِ أَوْ الْمَالِكِ‏.‏

فَالْمَالِكُ بِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ نَفْعِ مَالِهِ الَّذِي فَاتَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏"‏ بِنِيَّةِ نَقْدِهِ ‏"‏ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَصَاحِبَ التَّذْكِرَةِ‏.‏

لِمَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ‏.‏

وَمِمَّا يُوَضِّحُهُ أَنَّ الشَّارِحَ نَقَلَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ عَنْ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِدْلَالِ لِلْمَذْهَبِ‏.‏

وَلَمْ يُعْهَدْ لَهُ نَقْلٌ عَنْهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ‏.‏

قَالَ فِي شَرْحِهِ‏.‏

فَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يَنْوِ نَقْدَهُ مِنْ الْمَغْصُوبِ ثُمَّ نَقَدَهُ مِنْهُ وَرَبِحَ فَالرِّبْحُ لِلْغَاصِبِ خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ‏.‏

وَالْقَبْضُ غَيْرُ مُبْرِئٍ لِفَسَادِهِ‏.‏

وَلَوْ اتَّجَرَ وَدِيعٌ بِوَدِيعَةٍ فَالرِّبْحُ لِمَالِكِهَا نَصًّا‏.‏

وَيَصِحُّ شِرَاءُ الْغَاصِبِ فِي ذِمَّتِهِ نَصًّا‏.‏

‏(‏وَإِنْ اخْتَلَفَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ ‏(‏فِي قِيمَةِ مَغْصُوبٍ‏)‏ تَلِفَ ‏(‏أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏قَدْرِهِ أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏حُدُوثِ عَيْبِهِ أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏صِنَاعَةٍ فِيهِ‏)‏ بِأَنْ قَالَ مَالِكُهُ كَانَ كَاتِبًا وَأَنْكَرَهُ غَاصِبٌ، ‏(‏أَوْ‏)‏ اخْتَلَفَا فِي ‏(‏مِلْكِ ثَوْبٍ‏)‏ عَلَى مَغْصُوبٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ اخْتَلَفَا فِي مِلْكِ ‏(‏سَرْجٍ عَلَيْهِ فَ‏)‏ الْقَوْلُ ‏(‏قَوْلُ غَاصِبٍ‏)‏ بِيَمِينِهِ، حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِلْمَالِكِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الزَّائِدِ وَعَدَمُ الصِّنَاعَةِ فِيهِ وَعَدَمُ مِلْكِ الثَّوْبِ أَوْ السَّرْجِ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ اخْتَلَفَا ‏(‏فِي رَدِّهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَغْصُوبِ إلَى مَالِكِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ فِي وُجُودِ ‏(‏عَيْبٍ فِيهِ‏)‏ بِأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ‏:‏ كَانَ الْعَبْدُ أَعْوَرَ أَوْ أَعْرَجَ أَوْ يَبُولُ فِي فِرَاشِهِ وَنَحْوَهُ ‏(‏فَقَوْلُ مَالِكٍ‏)‏ بِيَمِينِهِ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّدِّ وَالْعَيْبِ‏.‏

وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِهِ عَيْبٌ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، فَقَالَ الْغَاصِبُ‏:‏ غَصَبْتُهُ وَبِهِ الْعَيْبُ‏.‏

وَقَالَ مَالِكٌ‏:‏ بَلْ حَدَثَ عِنْدَكَ‏.‏

فَقَوْلُ غَاصِبٍ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ‏.‏

وَالظَّاهِرُ أَنَّ صِفَةَ الْمَغْصُوبِ لَمْ تَتَغَيَّرْ‏.‏

‏(‏وَمَنْ بِيَدِهِ غُصُوبٌ‏)‏ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا‏.‏

وَعَنْهُ أَوْ عَرَفَهُمْ وَشَقَّ دَفْعُهُ إلَيْهِمْ وَهُوَ يَسِيرٌ كَالْحَبَّةِ، ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ بِيَدِهِ ‏(‏رُهُونٌ‏)‏ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا‏.‏

وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ‏:‏ أَوْ عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ رَبَّ الْمَالِ وَلَكِنَّهُ أَيِسَ مِنْهُ، أَوْ بِيَدِهِ أَمَانَاتٌ مِنْ وَدَائِعَ وَغَيْرِهَا ‏(‏لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا‏)‏ أَوْ عَرَفَهُمْ وَفُقِدُوا وَلَيْسَ لَهُمْ وَرَثَةٌ ‏(‏فَسَلَّمَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغُصُوبَ وَالرُّهُونَ أَوْ الْأَمَانَاتِ الَّتِي لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا ‏(‏إلَى حَاكِمٍ وَيَلْزَمُهُ‏)‏ أَيْ الْحَاكِمَ ‏(‏قَبُولُهَا بَرِئَ‏)‏ بِتَسْلِيمِهَا لِلْحَاكِمِ ‏(‏مِنْ عُهْدَتِهَا‏)‏ لِقِيَامِ قَبْضِ الْحَاكِمِ لَهَا مَقَامَ قَبْضِ أَرْبَابِهَا، ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَنْ بِيَدِهِ الْغُصُوبُ أَوْ الرُّهُونُ أَوْ الْأَمَانَاتُ الْمَذْكُورَةُ إنْ لَمْ يَدْفَعْهَا لِحَاكِمٍ ‏(‏الصَّدَقَةُ بِهَا عَنْهُمْ‏)‏ أَيْ‏:‏ عَنْ أَرْبَابِهَا بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ‏.‏

وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيِّ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَانِهِ أَيْ‏:‏ الْغَصْبِ إنْ عَرَفَهُ‏.‏

لِأَنَّ دِيَةَ قَتِيلٍ يُوجَدُ عَلَيْهِمْ‏.‏

وَنَقَلَ صَالِحٌ أَوْ بِالْقِيمَةِ‏.‏

وَلَهُ شِرَاءُ عَرْضٍ بِنَقْدٍ، وَلَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةُ قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ نَصًّا‏.‏

وَكَذَا حُكْمُ مَسْرُوقٍ وَنَحْوِهِ‏.‏

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ إذَا عَرَفَهُ رَدُّ الْمُعَاوَضَةِ ‏(‏بِشَرْطِ ضَمَانِهَا‏)‏ لِأَرْبَابِهَا‏.‏

لِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِهَا عَنْهُمْ بِدُونِ ضَمَانٍ إضَاعَةٌ لَهَا، لَا إلَى بَدَلٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ‏(‏كَلُقَطَةٍ‏)‏ حَرُمَ الْتِقَاطُهَا لَمْ تُمَلَّكْ بِتَعْرِيفٍ‏.‏

‏(‏وَيَسْقُطُ عَنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَاصِبِ أَوْ السَّارِقِ وَنَحْوَهُ ‏(‏إثْمُ الْغَصْبِ‏)‏ أَوْ السَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا‏.‏

لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِعَجْزِهِ عَنْ الرَّدِّ لِجَهْلِهِ بِالْمَالِكِ‏.‏

وَثَوَابُهَا لِأَرْبَابِهَا‏.‏

وَفِي الصَّدَقَةِ بِهَا عَنْهُمْ جَمْعٌ بَيْنَ مَصْلَحَةِ الْغَاصِبِ بِتَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ وَمَصْلَحَةِ الْمَالِكِ بِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ لَهُ‏.‏

وَإِذَا حَضَرُوا بَعْدَ الصَّدَقَةِ بِهَا خُيِّرُوا بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْأَخْذِ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ، فَإِنْ رَجَعُوا عَلَيْهِ فَالْأَجْرُ لَهُ نَصًّا فِي الرَّهْنِ وَالْوَقْفِ كَالصَّدَقَةِ بِهَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ ذَكَرَهَا فِي شَرْحِهِ عَنْ الْفُرُوعِ‏.‏

‏(‏وَلَيْسَ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِمَنْ بِيَدِهِ الْغُصُوبُ وَالرُّهُونُ وَالْأَمَانَاتُ الْمَجْهُولَةُ أَرْبَابُهَا ‏(‏التَّوَسُّعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَإِنْ‏)‏ كَانَ ‏(‏فَقِيرًا‏)‏ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ نَصًّا‏.‏

وَالدُّيُونُ الْمُسْتَحَقَّةُ كَالْأَعْيَانِ يُتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ مُسْتَحِقِّهَا نَصًّا‏.‏

وَإِنْ أَرَادَ مَنْ بِيَدِهِ عَيْنٌ جَهِلَ مَالِكَهَا أَنْ يَتَمَلَّكَهَا وَيَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا عَنْ مَالِكِهَا، فَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ الْجَوَازَ فِيمَنْ اشْتَرَى حُرًّا وَعَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ مَا لَا يَمْلِكُ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَرْبَابٌ‏:‏ أَرْجُو إنْ أَخْرَجَ قِيمَةَ الْأَجْرِ فَتَصَدَّقَ بِهِ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ إثْمِهِ ‏(‏وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُبَاحٍ‏)‏ بِأَنْ عَدِمَ الْمُبَاحَ يَأْكُلُهُ وَنَحْوَهُ ‏(‏لَمْ يَأْكُلْ مِنْ حَرَامِ مَالِهِ غُنْيَةً كَحَلْوَى وَنَحْوَهَا‏)‏ كَفَوَاكِهَ وَيَأْكُلُ عَادَتَهُ‏.‏

ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ، إذْ لَا دَاعِيَ لِلزِّيَادَةِ ‏(‏وَلَوْ نَوَى جَحْدَ مَا بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَذْكُورِ مِنْ غُصُوبٍ أَوْ رُهُونٍ أَوْ أَمَانَاتٍ فِي حَيَاةِ رَبِّهِ فَثَوَابُهُ لَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ نَوَى جَحْدَ ‏(‏حَقٍّ‏)‏ أَيْ‏:‏ دَيْنٍ ‏(‏عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ رَبِّهِ فَثَوَابُهُ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِرَبِّهِ لِقِيَامِ نِيَّةِ جَحْدِهِ مَقَامَ إتْلَافِهِ إذَنْ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ لِوَرَثَةِ رَبِّهِ بِمَوْتِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَنْوِيَ جَحْدَهُ حَتَّى مَاتَ رَبُّهُ ‏(‏فَ‏)‏ ثَوَابُهُ ‏(‏لِوَرَثَتِهِ‏)‏ نَصًّا‏.‏

لِأَنَّهُ إنَّمَا عَدِمَ عَلَيْهِمْ ‏(‏وَلَوْ نَدِمَ‏)‏ غَاصِبٌ عَلَى فِعْلِهِ وَقَدْ مَاتَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ‏(‏وَرَدَّ مَا غَصَبَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ بَرِئَ مِنْ إثْمِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَغْصُوبِ لِوُصُولِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَبْرَأُ ‏(‏مِنْ إثْمِ الْغَصْبِ‏)‏ لِمَا أَدْخَلَ عَلَى قَلْبِ مَالِكِهِ مِنْ أَلَمِ الْغَصْبِ وَمَضَرَّةِ الْمَنْعِ مِنْ مِلْكِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، فَلَا يَزُولُ إثْمُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّوْبَةِ ‏(‏وَلَوْ رَدَّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَغْصُوبَ ‏(‏وَرَثَةُ غَاصِبِهِ‏)‏ بَعْدَ مَوْتِهِ وَمَوْتِ مَالِكِهِ إلَى وَرَثَتِهِ ‏(‏فَلِمَغْصُوبٍ مِنْهُ مُطَالَبَتُهُ‏)‏ أَيْ الْغَاصِبِ بِمَا غَصَبَهُ مِنْهُ ‏(‏فِي الْآخِرَةِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمَظَالِمَ لَوْ انْتَقَلَتْ لَمَا اسْتَقَرَّ لِمَظْلُومٍ حَقٌّ فِي الْآخِرَةِ؛ وَلِأَنَّهَا ظُلَامَةٌ عَلَيْهِ قَدْ مَاتَ وَلَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْهَا بِرَدٍّ وَلَا تَبْرِئَةٍ‏.‏

فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِرَدِّ غَيْرِهِ لَهَا إلَى غَيْرِ الْمَظْلُومِ، كَمَا لَوْ جَهِلَ وَرَثَةَ رَبِّهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏حكم من أتلف مالا محترما لغيره‏]‏

وَمَنْ أَتْلَفَ مِنْ مُكَلَّفٍ أَوْ غَيْرِهِ‏)‏ إنْ لَمْ يَدْفَعْهُ رَبُّهُ لَهُ ‏(‏وَلَوْ سَهْوًا مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُتْلِفِ ‏(‏بِلَا إذْنِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَالِكِ ‏(‏وَمِثْلُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُتْلِفُ ‏(‏يَضْمَنُهُ ضَمَّنَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَا أَتْلَفَهُ‏.‏

لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ غَصَبَهُ فَتَلِفَ عِنْدَهُ‏.‏

وَخَرَجَ بِالْمَالِ نَحْوُ سِرْجِينٍ نَجَسٍ وَكَلْبٍ وَبِالْمُحْتَرَمِ نَحْوُ صَنَمٍ وَصَلِيبٍ وَآلَاتِ لَهْوٍ، وَبِقَوْلِهِ لِغَيْرِ مَالِ نَفْسِهِ، وَبِقَوْلِهِ وَمِثْلُهُ يَضْمَنُهُ مَا يُتْلِفُهُ أَهْلُ الْعَدْلِ مِنْ مَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَقْتَ حَرْبٍ وَعَكْسِهِ وَمَا يُتْلِفُهُ الْمُسْلِمُ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ وَعَكْسِهِ وَمَا يُتْلِفُهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لَحْظُهُ مِمَّا دُفِعَ إلَيْهِ وَالصَّائِلُ وَيَأْتِي‏.‏

‏(‏وَإِنْ أُكْرِهَ‏)‏ شَخْصٌ عَلَى إتْلَافِ مَالٍ مَضْمُونٍ فَأَتْلَفَهُ ‏(‏فَمُكْرِهُهُ‏)‏ يَضْمَنُهُ، ‏(‏وَلَوْ‏)‏ أُكْرِهَ ‏(‏عَلَى إتْلَافِ مَالِ نَفْسِهِ‏)‏ كَإِكْرَاهِهِ عَلَى رَدِّ الْوَدِيعَةِ إلَى غَيْرِ رَبِّهَا وَلِإِبَاحَةِ إتْلَافِهِ وَوُجُوبِهِ، بِخِلَافِ قَتْلٍ وَلَمْ يَخْتَرْهُ بِخِلَافِ مُضْطَرٍّ‏.‏

فَإِنَّهُ يَأْكُلُ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ، و‏(‏لَا‏)‏ يُضْمَنُ الْمَالُ إنْ كَانَ ‏(‏غَيْرَ مُحْتَرَمٍ‏)‏ بِإِتْلَافِهِ ‏(‏كَ‏)‏ إتْلَافِ ‏(‏صَائِلٍ‏)‏ لَمْ يَنْدَفِعْ بِدُونِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إتْلَافِ ‏(‏رَقِيقٍ حَالَ قَطْعِهِ الطَّرِيقَ‏.‏

وَمَالِ حَرْبِيٍّ وَنَحْوِهِمْ‏)‏ كَمَالِ بُغَاةٍ مَعَ أَهْلِ عَدْلٍ وَعَكْسُهُ حَالَ حَرْبٍ، ‏(‏فَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ‏)‏ مَمْلُوكٍ مُحْتَرَمٍ فَفَاتَ أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَهُ أَوْ فَتَحَ إصْطَبْلَ حَيَوَانٍ ‏(‏أَوْ حَلَّ قَيْدَ قِنٍّ أَوْ أَسِيرٍ أَوْ دَفَعَ لِأَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقِنِّ أَوْ الْأَسِيرِ ‏(‏مِبْرَدًا فَبَرَدَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقَيْدَ وَفَاتَ أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَهُ، ‏(‏أَوْ حَلَّ فَرَسًا‏)‏ وَنَحْوَهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ حَلَّ ‏(‏سَفِينَةً فَفَاتَ‏)‏ ذَلِكَ بِأَنْ ذَهَبَ الطَّائِرُ مِنْ الْقَفَصِ، أَوْ دَخَلَ إلَيْهِ حَيَوَانٌ فَقَتَلَهُ، أَوْ هَرَبَ الْقِنُّ أَوْ الْأَسِيرُ؛ أَوْ شَرَدَتْ الْفَرَسُ وَنَحْوُهَا، أَوْ غَرِقَتْ السَّفِينَةُ لِعُصُوفِ رِيحٍ أَوْ لَا ‏(‏أَوْ عَقَرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ‏)‏ بِسَبَبِ إطْلَاقِهِ، بِأَنْ كَانَ الطَّائِرُ جَارِحًا فَقَلَعَ عَيْنَ إنْسَانٍ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا لَوْ حَلَّ سِلْسِلَةَ فَهْدٍ فَقَتَلَ أَوْ عَقَرَ ضَمِنَهُ ‏(‏أَوْ أَتْلَفَ‏)‏ الطَّائِرُ أَوْ الْقِنُّ أَوْ الْفَرَسُ وَنَحْوُهُ ‏(‏شَيْئًا‏)‏ كَأَنْ كَسَرَ إنَاءً أَوْ قَتَلَ إنْسَانًا أَوْ أَتْلَفَ مَالًا، أَوْ أَتْلَفَتْ الدَّابَّةُ الَّتِي حَلَّهَا زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ أَوْ انْحَدَرَتْ السَّفِينَةُ الَّتِي حَلَّهَا عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَتْهُ وَنَحْوَهُ ضَمِنَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ حَلَّ ‏(‏وِكَاءَ زِقِّ‏)‏ دُهْنٍ ‏(‏مَائِعٍ أَوْ جَامِدٍ فَأَذَابَتْهُ الشَّمْسُ‏)‏ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذَابَتْهُ نَارٌ قَرَّبَهَا إلَيْهِ غَيْرُهُ‏.‏

فَإِنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ يَضْمَنُهُ مُقَرِّبُهَا‏.‏

ذَكَرَهُ الْمَجْدُ ‏(‏أَوْ بَقِيَ بَعْدَ حَلِّهِ‏)‏ مُنْتَصِبًا ‏(‏فَأَلْقَتْهُ رِيحٌ‏)‏ أَوْ زَلْزَلَةٌ أَوْ مَطَرٌ أَوْ نَحْوُهُ ‏(‏فَانْدَفَقَ‏)‏ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَلْ أَسْفَلَهُ فَسَقَطَ، أَوْ لَمْ يَزَلْ يَمِيلُ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى سَقَطَ فَانْدَفَقَ أَوْ لَمْ يَنْدَفِقْ، بَلْ خَرَجَ مَا فِيهِ شَيْئًا فَشَيْئًا ‏(‏ضَمِنَهُ‏)‏ الْمُعْتَدِي بِذَلِكَ سَوَاءٌ نَفَرَهُ مَعَ ذَلِكَ أَوْ لَا، أَوْ ذَهَبَ مَا حَلَّهُ عَقِبَ حَلِّهِ أَوْ لَا لِحُصُولِ تَلَفِهِ بِسَبَبِ فِعْلِهِ‏.‏

وَلِأَنَّ الطَّائِرَ وَسَائِرَ الصَّيْدِ مِنْ عَادَتِهِ النُّفُورُ، وَإِنَّمَا يَبْقَى مَعَ الْمَانِعِ فَإِذَا أُزِيلَ ذَهَبَ بِطَبْعِهِ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ عِلَاقَةَ قِنْدِيلٍ فَسَقَطَ فَانْكَسَرَ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَضْمَنُ ‏(‏دَافِعُ مِفْتَاحِ‏)‏ نَحْوِ دَارٍ فِيهَا مَالٌ ‏(‏لِلِّصِّ‏)‏ مَا سَرَقَهُ اللِّصُّ مِنْ الْمَالِ لِمُبَاشَرَةِ اللِّصِّ لِلسَّرِقَةِ، فَهُوَ أَوْلَى بِإِحَالَةِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مِنْ الْمُتَسَبِّبِ‏.‏

قَالَ فِي التَّرْغِيبِ‏:‏ أَوْ فَتَحَ حِرْزًا فَجَاءَ آخَرُ فَسَرَقَ‏.‏

وَفِي الْإِقْنَاعِ‏:‏ إنْ فَتَحَ بَابًا فَنَهَبَ الْغَيْرُ مَالَهُ أَوْ سَرَقَهُ ضَمِنَ وَالْقَرَارُ عَلَى الْآخِذِ‏.‏

وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ أَزَالَ يَدَ إنْسَانٍ عَنْ نَحْوِ عَبْدٍ آبِقٍ أَوْ طَيْرٍ أَوْ بَهِيمَةٍ وَحْشِيَّةٍ فَهَرَبَ، أَوْ أَزَالَ يَدَهُ الْحَافِظَةَ عَنْ مَتَاعِهِ حَتَّى نَهَبَهُ النَّاسُ أَوْ أَفْسَدَتْهُ الدَّوَابُّ أَوْ الْمَاءُ أَوْ النَّارُ أَوْ سُرِقَ، أَوْ ضَرَبَ يَدَ آخَرَ وَفِيهَا دِينَارٌ فَضَاعَ، أَوْ أَلْقَى عِمَامَتَهُ عَنْ رَأْسِهِ أَوْ هَزَّهُ فِي خُصُومَةٍ فَسَقَطَتْ عِمَامَتُهُ وَضَاعَتْ أَوْ تَلِفَتْ ضَمِنَ، ‏(‏وَلَا‏)‏ يَضْمَنُ ‏(‏حَابِسُ مَالِكِ دَوَابَّ فَتَتْلَفُ‏)‏ دَوَابُّهُ بِحَبْسِهِ لَهُ‏.‏

وَفِي الْمُبْدِعِ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْحَبْسِ بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ، ‏(‏وَلَوْ بَقِيَ الطَّائِرُ‏)‏ الَّذِي فُتِحَ قَفَصُهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ بَقِيَ ‏(‏الْغَرْسُ‏)‏ الَّذِي حَلَّ قَيْدَهُ ‏(‏حَتَّى نَفَّرَهُمَا آخَرُ‏)‏ بَعْدَ ذَلِكَ فَذَهَبَا ‏(‏ضَمِنَ الْمُنَفِّرُ‏)‏ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ أَخَصُّ فَاخْتَصَّ الضَّمَانُ بِهِ، كَدَافِعِ وَاقِعٍ فِي بِئْرٍ مَعَ حَافِرِهَا، وَكَذَا لَوْ حَلَّ حَيَوَانًا وَحَرَّضَهُ آخَرُ فَجَنَى فَضَمَانُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمُحَرِّضِ، وَإِنْ وَقَعَ طَائِرٌ عَلَى جِدَارٍ فَنَفَّرَهُ شَخْصٌ فَذَهَبَ لَمْ يَضْمَنْهُ لِامْتِنَاعِهِ قَبْلَهُ، فَلَيْسَ تَنْفِيرُهُ بِسَبَبِ فَوَاتِهِ، وَإِنْ رَمَاهُ فَقَتَلَهُ ضَمِنَهُ كَمَا لَوْ رَمَاهُ فِي هَوَاءٍ وَغَيْرِهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ رَبَطَ‏)‏ دَابَّةً ‏(‏أَوْ أَوْقَفَ دَابَّةً‏)‏ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ ‏(‏بِطَرِيقٍ وَلَوْ‏)‏ كَانَ الطَّرِيقُ ‏(‏وَاسِعًا‏)‏ نَصًّا ‏(‏أَوْ تَرَكَ بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الطَّرِيقِ وَلَوْ وَاسِعًا ‏(‏طِينًا أَوْ خَشَبَةً أَوْ عَمُودًا أَوْ حَجَرًا أَوْ كِيسَ دَرَاهِمَ‏)‏ نَصًّا ‏(‏أَوْ أَسْنَدَ خَشَبَةً إلَى حَائِطٍ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِ‏)‏ سَبَبِ ‏(‏ذَلِكَ‏)‏ الْفِعْلِ لِتَعَدِّيهِ بِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ حَقٌّ وَطَبْعُ دَابَّةٍ الْجِنَايَةُ بِفَمِهَا أَوْ رِجْلِهَا فَإِبْقَاؤُهَا فِي الطَّرِيقِ كَوَاضِعِ الْحَجَرِ وَنَصْبِ السِّكِّينِ فِيهِ‏.‏

‏(‏وَيَضْمَنُ مَغْرَمًا أَخَذَهُ ظَالِمٌ بِإِغْرَائِهِ وَدَلَالَتِهِ‏)‏ لِتَسَبُّبِهِ فِيهِ، ‏(‏وَمَنْ اقْتَنَى كَلْبًا عَقُورًا‏)‏ وَلَوْ لِصَيْدٍ وَمَاشِيَةٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ اقْتَنَى كَلْبًا ‏(‏لَا يُقْتَنَى‏)‏ كَاقْتِنَاءِ كَلْبٍ لِغَيْرِ حَرْثٍ وَمَاشِيَةٍ وَصَيْدٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ اقْتَنَى كَلْبًا ‏(‏أَسْوَدَ بَهِيمًا أَوْ‏)‏ اقْتَنَى ‏(‏أَسَدًا‏)‏ أَوْ نَمِرًا أَوْ ذِئْبًا ‏(‏أَوْ هِرًّا تَأْكُلُ الطُّيُورَ وَتَقْلِبُ الْقُدُورَ عَادَةً مَعَ عِلْمِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُقْتَنِي لِذَلِكَ، ‏(‏أَوْ‏)‏ اقْتَنَى ‏(‏نَحْوَهَا مِنْ السِّبَاعِ الْمُتَوَحِّشَةِ‏)‏ كَدُبٍّ وَقِرْدٍ‏.‏

قَالَ ‏(‏الْمُنَقِّحُ‏:‏ وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ الْكَبْشُ الْمُعَلَّمُ النِّطَاحَ‏)‏ انْتَهَى، فَعَقَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ آدَمِيًّا أَوْ دَابَّةً ‏(‏أَوْ خَرَقَ ثَوْبَ مَنْ دَخَلَ‏)‏ مَنْزِلَ الْمُقْتَنِي ‏(‏بِإِذْنِهِ‏)‏ إنْ لَمْ يُنَبِّهْهُ عَلَى الْكَلْبِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُوثَقٍ‏.‏

ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ‏.‏

وَكَذَا لَوْ خَرَقَ ثَوْبَ مَنْ هُوَ خَارِجَ مَنْزِلِهِ ضَمِنَهُ، بِخِلَافِ بَوْلِهِ وَوُلُوغِهِ فِي إنَاءِ الْغَيْرِ ‏(‏أَوْ نَفَحَتْ دَابَّةٌ بِ‏)‏ مَكَانٍ ‏(‏ضَيِّقٍ مِنْ ضَرْبِهَا‏)‏ فَتَلِفَ بِذَلِكَ شَيْءٌ ‏(‏ضَمِنَهُ‏)‏ مُوقِفُهَا لِتَسَبُّبِهِ فِيهِ‏.‏

فَإِنْ عَقَرَ أَوْ خَرَقَ ثَوْبَ مَنْ دَخَلَ بِلَا إذْنِهِ فَلَا ضَمَانَ‏.‏

وَكَذَا لَوْ حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي بَيْتِ إنْسَانٍ بِلَا اقْتِنَائِهِ وَلَا اخْتِيَارِهِ فَأَفْسَدَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلَ الْإِفْسَادُ بِسَبَبِهِ‏.‏

قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ‏:‏ فَإِذَا اقْتَنَى حَمَامًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الطَّيْرِ فَأَرْسَلَهُ نَهَارًا فَلَقَطَ حَبًّا لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ إرْسَالُهُ‏.‏

‏(‏وَيَجُوزُ قَتْلُ هِرٍّ بِأَكْلِ لَحْمٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَفَوَاسِقَ‏.‏

وَفِي الْفُصُولِ‏:‏ حِينَ أَكَلَهُ‏.‏

وَفِي التَّرْغِيبِ‏:‏ إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِهِ كَصَائِلٍ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَجَّجَ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَوْقَدَ ‏(‏نَارًا‏)‏ حَتَّى صَارَتْ تَلْتَهِبُ ‏(‏بِمِلْكِهِ‏)‏ وَلَوْ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ وَكَذَا بِمَوَاتٍ فَتَعَدَّى إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَهُ ‏(‏أَوْ سَقَاهُ‏)‏ أَيْ مِلْكَهُ مِنْ أَرْضٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ شَجَرٍ ‏(‏فَتَعَدَّى‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ الْفَاعِلِ ‏(‏لَا‏)‏ إنْ تَعَدَّتْ النَّارُ ‏(‏بِطَرَيَانِ رِيحٍ فَأَتْلَفَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مِلْكَ غَيْرِهِ ‏(‏ضَمِنَهُ‏)‏ الْفَاعِلُ ‏(‏إذَا فَرَّطَ‏)‏ بِأَنْ أَجَّجَ نَارًا تَسْرِي عَادَةً لِكَثْرَتِهَا أَوْ فِي رِيحٍ شَدِيدَةٍ تَحْمِلُهَا، أَوْ فَتَحَ مَاءً كَثِيرًا يَتَعَدَّى مِثْلُهُ ‏(‏أَوْ فَرَّطَ‏)‏ بِتَرْكِ النَّارِ مُؤَجَّجَةً وَالْمَاءِ مَفْتُوحًا وَنَامَ وَنَحْوَهُ لِتَعَدِّيهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ، كَمَا لَوْ بَاشَرَ إتْلَافَهُ‏.‏

وَأَمَّا مَا أَتْلَفَتْهُ النَّارُ بِطَرَيَانِ رِيحٍ فَلَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا بِتَفْرِيطِهِ‏.‏

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُلْتُ‏:‏ وَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ مَغْصُوبًا ضَمِنَ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ فَرَّطَ أَوْ أَسْرَفَ أَوْ لَا‏.‏

وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْإِقْنَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّطْحِ سُتْرَةٌ وَبِقُرْبِهِ زَرْعٌ وَنَحْوُهُ وَالرِّيحُ هَابَّةٌ إنْ أَرْسَلَ فِي الْمَاءِ مَا يَغْلِبُ وَيُفِيضُ ضَمِنَ مَا يَبِسَ مِنْ أَغْصَانِ شَجَرَةِ جَارِهِ بِسَبَبِ إيقَادِ النَّارِ ضَمِنَهُ الْمُوقِدُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي هَوَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ نَارٍ كَثِيرَةٍ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ حَفَرَ‏)‏ بِنَفْسِهِ أَوْ قِنِّهِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ فِي فِنَائِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ حَفَرَ ‏(‏قِنُّهُ‏)‏ وَلَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدُ ‏(‏بِأَمْرِهِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِيَخْتَصَّ بِنَفْعِهَا ‏(‏فِي فِنَائِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي فِنَاءِ دَارِهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ‏:‏ وَفِنَاءُ الدَّارِ كَكِسَاءِ مَا كَانَ خَارِجَ دَارِهِ قَرِيبًا مِنْهَا ‏(‏ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْبِئْرِ، وَكَذَا لَوْ حَفَرَ نِصْفَ الْبِئْرِ فِي حَدِّهِ وَنِصْفَهَا فِي فِنَائِهِ نَصًّا لِتَعَدِّيهِ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ نَصَبَ فِيهِ سِكِّينًا، وَإِنْ حَفَرَ الْقِنُّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ‏.‏

فَإِنْ عَتَقَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَسَوَاءٌ أَضَرَّ الْحَفْرُ أَوْ لَا، أَوْ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ‏.‏

فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ النَّافِذَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّتِهِ‏.‏

قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ وَيَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ لِمَصْلَحَةٍ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ‏.‏

وَإِنْ حَفَرَ الْبِئْرَ بِفِنَائِهِ لِنَفْعٍ عَامٍّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ‏:‏ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ حَفَرَهُ بِالطَّرِيقِ عَلَى مَا يَأْتِي، ‏(‏وَكَذَا حُرٌّ‏)‏ حَفَرَ لِغَيْرِهِ بِئْرًا فِي فِنَائِهِ تَعَدِّيًا أَوْ بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّارِ بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا إذَا ‏(‏عَلِمَ الْحَالَ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَ الْآذِنِ‏.‏

إذْ الْأَفْنِيَةُ لَيْسَتْ بِمِلْكِ أَرْبَابِ الدُّورِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ مَرَافِقِهِمْ‏.‏

فَإِنْ جَهِلَ حَافِرٌ الْحَالَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ‏.‏

وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ عِلْمِهِ بِيَمِينِهِ‏.‏

وَكَذَا حُكْمُ مَنْ بُنِيَ لَهُ بِأَمْرِهِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَضْمَنُ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا ‏(‏فِي مَوَاتٍ لِتَمَلُّكٍ أَوْ لِارْتِفَاقٍ أَوْ لِانْتِفَاعٍ عَامٍّ‏)‏ نَصًّا، ‏(‏أَوْ‏)‏ حَفَرَهَا ‏(‏فِي سَابِلَةٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ ‏(‏وَاسِعَةٍ‏)‏ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ بِلَا ضَرَرٍ بِأَنْ حَفَرَهَا لِيَنْزِلَ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ أَوْ لِيَشْرَبَ مِنْهَا الْمَارَّةُ وَنَحْوُهُ، ‏(‏أَوْ بَنَى فِيهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي السَّابِلَةِ الْوَاسِعَةِ ‏(‏مَسْجِدًا أَوْ خَانًا وَنَحْوَهُمَا‏)‏ كَسِقَايَةٍ ‏(‏لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ بِلَا ضَرَرٍ‏)‏ بِإِحْدَاثِ ذَلِكَ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ فَعَلَهُ ‏(‏بِلَا إذْنِ إمَامٍ‏)‏؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الْمَوَاتِ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا وَفِي غَيْرِهِ إحْسَانٌ‏.‏

وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ‏.‏

وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْأَنْهَارِ‏؟‏ فَقَالَ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنْ الطَّرِيقِ‏.‏

وَسَأَلَهُ إبْرَاهِيمُ عَنْ سَابَاطٍ فَوْقَهُ مَسْجِدٌ يُصَلَّى فِيهِ‏؟‏ فَقَالَ لَا يُصَلَّى فِيهِ إذَا كَانَ مِنْ الطَّرِيقِ ‏(‏كَبِنَاءِ جِسْرٍ‏)‏ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَ ‏(‏وَضْعِ حَجَرٍ بِطِينٍ لِيَطَأَ عَلَيْهِ النَّاسُ‏)‏ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ كَإِصْلَاحِهَا وَإِزَالَةِ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْهَا، وَحَفْرِ هَدَفِهِ فِيهَا، وَقَلْعِ حَجَرٍ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، وَوَضْعِ نَحْوِ حَصًى فِي حُفْرَةٍ بِهَا‏.‏

لِيَمْلَاهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ السَّابِلَةُ وَاسِعَةً أَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ، لَكِنْ حَفَرَ أَوْ بَنَى لِيَخْتَصَّ بِمَا حَفَرَهُ أَوْ بَنَاهُ فِيهَا أَوْ لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ، لَكِنْ جَعَلَهُ فِي مَكَان يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَمَرَ حُرًّا بِحَفْرِهَا‏)‏ أَيْ الْبِئْرِ ‏(‏فِي مِلْكِ غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ غَيْرِ الْآمِرِ ‏(‏بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا‏)‏ بِأُجْرَةٍ، فَحَفَرَ الْمَأْمُورُ وَتَلِفَ بِهَا شَيْءٌ ‏(‏ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا حَافِرٌ عَلِمَ‏)‏ أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكٌ لِغَيْرِ الْآمِرِ نَصًّا ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَعْلَمَ حَافِرٌ بِذَلِكَ أَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ قِنَّ الْآمِرِ، ‏(‏فَآمِرٌ‏)‏ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهَا لِتَغْرِيرِهِ ‏(‏كَأَمْرِهِ بِبِنَاءٍ‏)‏ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَفَعَلَ وَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ ‏(‏وَحَلَفَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَافِرُ وَالْبَانِي ‏(‏إنْ أَنْكَرَ الْعِلْمَ‏)‏ بِأَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِ الْآمِرِ وَادَّعَى الْآمِرُ عِلْمَهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، ‏(‏وَيَضْمَنُ سُلْطَانٌ أَمَرَ‏)‏ بِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ بِبِنَاءٍ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ‏(‏وَحْدَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ دُونَ حَافِرٍ وَبَانٍ‏.‏

وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُ غَيْرِ السُّلْطَانِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَسَعُهُ مُخَالَفَتُهُ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَ مَنْ بَسَطَ فِي مَسْجِدٍ حَصِيرًا أَوْ بَارِيَةً‏)‏ وَهِيَ الْحَصِيرُ الْمَنْسُوجُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ‏:‏ وَيُطْلَقُ بِالشَّامِ عَلَى مَا يُنْسَجُ مِنْ قَصَبٍ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ بِقَرِينَةِ الْعَطْفِ، ‏(‏أَوْ‏)‏ بَسَطَ فِي مَسْجِدٍ ‏(‏بِسَاطًا أَوْ عَلَّقَ‏)‏ فِيهِ ‏(‏أَوْ أَوْقَدَ فِيهِ قِنْدِيلًا أَوْ نَصَبَ فِيهِ بَابًا أَوْ‏)‏ نَصَبَ فِيهِ ‏(‏عُمُدًا‏)‏ لِمَصْلَحَةٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ نَصَبَ فِيهِ ‏(‏رَفًّا لِنَفْعِ النَّاسِ أَوْ سَقَفَهُ أَوْ بَنَى جِدَارًا أَوْ نَحْوَهُ‏)‏ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ، كَوَضْعِهِ فِيهِ حَصًى، وَسَوَاءٌ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَا ‏(‏أَوْ جَلَسَ‏)‏ فِيهِ ‏(‏أَوْ اضْطَجَعَ‏)‏ فِيهِ ‏(‏أَوْ أَقَامَ فِيهِ‏)‏ أَيْ الْمَسْجِدِ أَوْ جَلَسَ، ‏(‏وَاضْطَجَعَ أَوْ أَقَامَ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ‏)‏ لَا ضَيِّقً ‏(‏فَعَثَرَ بِهِ حَيَوَانٌ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُبَاحٌ لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ فِي مَكَانَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَهُ بِمِلْكِهِ‏.‏

فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُحَرَّمًا كَجُلُوسٍ بِمَسْجِدٍ مَعَ حَيْضٍ أَوْ مَعَ إضْرَارِ الْمَارَّةِ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ‏.‏

ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ‏.‏

وَخَالَفَ فِيهِ الْحَارِثِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَخْرَجَ جَنَاحًا أَوْ مِيزَابًا وَنَحْوَهُ‏)‏ كَسَابَاطٍ وَحَجَرٍ بَرَزَ بِهِ فِي بُنْيَانٍ ‏(‏إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ‏)‏ بِلَا إذْنِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ كَمَا يَأْتِي‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ أَخْرَجَ ذَلِكَ إلَى طَرِيقٍ ‏(‏غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ غَيْرِ نَافِذٍ ‏(‏بِلَا أَهْلِهِ فَسَقَطَ‏)‏ ذَلِكَ الْمُخْرَجُ ‏(‏فَأَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَهُ‏)‏ الْمُخْرِجُ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِمَا أَخْرَجَهُ إلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ بَنَى حَائِطًا مَائِلًا إلَى الطَّرِيقِ أَوْ أَقَامَ خَشَبَةً فِي مِلْكِهِ مَائِلَةً إلَى الطَّرِيقِ فَأَتْلَفَ شَيْئًا ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ التَّلَفُ ‏(‏بَعْدَ بَيْعِ‏)‏ مُخْرَجٍ لِذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ، ‏(‏وَقَدْ طُولِبَ‏)‏ بَائِعٌ قَبْلَ بَيْعِهِ ‏(‏بِنَقْضِهِ‏)‏ وَلَمْ يَفْعَلْ ‏(‏لِحُصُولِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّلَفِ ‏(‏بِفِعْلِهِ‏)‏، وَمَفْهُومُهُ إنْ لَمْ يُطَالَبْ قَبْلَ بَيْعِهِ لَا ضَمَانَ‏.‏

وَلَا يَضْمَنُ وَلِيٌّ فَرَّطَ، بَلْ مُوَلِّيهِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ ‏(‏مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَنَاحِ أَوْ الْمِيزَابِ وَنَحْوِهِ الْمُخْرَجُ إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ، ‏(‏إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ وَلَا ضَرَرَ‏)‏ عَلَى الْمَارَّةِ بِإِخْرَاجِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْإِمَامُ وَكِيلُهُمْ فَإِذْنُهُ كَإِذْنِهِمْ، ‏(‏وَإِنْ مَالَ حَائِطُهُ‏)‏ وَقَدْ بَنَاهُ مُسْتَقِيمًا ‏(‏إلَى‏)‏ هَوَاءِ ‏(‏غَيْرِ مِلْكِهِ‏)‏، سَوَاءٌ مَالَ الطَّرِيقُ أَوْ هَوَاءُ جَارِهِ ‏(‏وَكَمَيْلِ‏)‏ حَائِطِهِ إلَى غَيْرِ مِلْكِهِ ‏(‏شَقَّهُ عَرْضًا‏)‏ لِأَنَّهُ يَخْشَى وُقُوعَهُ كَالْمَائِلِ ‏(‏لَا‏)‏ شَقَّهُ ‏(‏طُولًا‏)‏ مَعَ اسْتِقَامَتِهِ فَلَا أَثَرَ لَهُ ‏(‏وَأَبَى‏)‏ رَبُّهُ ‏(‏هَدْمَهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا‏)‏ بِسُقُوطِهِ عَلَيْهِ ‏(‏لَمْ يَضْمَنْهُ‏)‏ نَصًّا، وَلَوْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ وَأَمْكَنَهُ، لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ، لِأَنَّهُ بَنَاهُ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ بِفِعْلِهِ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُطَالَبْ بِنَقْضِهِ أَوْ لَمْ يَمِلْ‏.‏

وَإِنْ بَنَاهُ ابْتِدَاءً مَائِلًا أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ وَلَوْ لَمْ يُطَالَبْ بِنَقْضِهِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏ضمان رب البهائم غير الضارية ما أتلفته‏]‏

‏(‏وَلَا يَضْمَنُ رَبُّ‏)‏ بَهَائِمَ ‏(‏غَيْرِ ضَارِيَةٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَعْرُوفَةٍ بِالصَّوْلِ ‏(‏وَ‏)‏ غَيْرِ ‏(‏جَوَارِحَ وَشِبْهِهَا مَا أَتْلَفَتْهُ‏)‏ إنْ لَمْ تَكُنْ يَدُهُ عَلَيْهَا ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْمُتْلَفُ ‏(‏صَيْدًا بِالْحَرَمِ‏)‏ لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ يَعْنِي هَدَرًا‏.‏

فَإِنْ كَانَتْ ضَارِيَةً أَوْ مِنْ الْجَوَارِحِ وَشِبْهِهَا ضَمِنَ‏.‏

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِإِمْسَاكِهَا أَيْ‏:‏ الضَّارِيَةِ‏:‏ ضَمِنَهُ إنْ لَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا‏.‏

وَفِي الِانْتِصَارِ الْبَهِيمَةُ الصَّائِلَةُ يَلْزَمُ مَالِكَهَا وَغَيْرَهُ إتْلَافُهَا‏.‏

‏(‏وَيَضْمَنُ رَاكِبٌ وَسَائِقٌ وَقَائِدٌ‏)‏ لِدَابَّةٍ مَالِكًا كَانَ أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا أَوْ مُوصًى لَهُ بِنَفْعِهَا ‏(‏قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهَا جِنَايَةَ يَدِهَا وَفَمِهَا وَوَلَدِهَا وَوَطْءٍ بِرِجْلِهَا‏)‏؛ لِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا‏:‏‏:‏ ‏{‏مَنْ أَوْقَفَ دَابَّةً فِي سَابِلَةٍ مِنْ سُبُلِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ فَأَوْطَأَتْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَهُوَ ضَامِنٌ‏}‏ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّ فِعْلَهَا مَنْسُوبٌ إلَى مَنْ هِيَ مَعَهُ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ حِفْظُهَا، و‏(‏لَا‏)‏ يَضْمَنُ ‏(‏مَا نَفَحَتْ بِهَا‏)‏ أَيْ بِرِجْلِهَا بِلَا سَبَبٍ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏الرِّجْلُ جُبَارٌ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَخَصَّ بِالنَّفْحِ دُونَ الْوَطْءِ لِإِمْكَانِ مَنْ بِيَدِهِ الدَّابَّةُ أَنْ يُجَنِّبَهَا وَطْءَ مَا لَا يُرِيدُ أَنْ تَطَأَهُ لِتَصَرُّفِهِ فِيهَا بِخِلَافِ نَفْحِهَا فَلَا يُمْكِنُهُ مَنْعُهَا مِنْهُ ‏(‏مَا لَمْ يَكْبَحْهَا‏)‏ أَيْ يَجْذِبْهَا بِاللِّجَامِ ‏(‏زِيَادَةً عَلَى الْعَادَةِ أَوْ يَضْرِبْ وَجْهَهَا‏)‏ فَيَضْمَنُ مَا نَفَحَتْهُ بِرِجْلِهَا؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِي جِنَايَتِهَا ‏(‏وَلَا‏)‏ يَضْمَنُ مَنْ بِيَدِهِ دَابَّةٌ ‏(‏جِنَايَةَ ذَنَبِهَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ مِنْهُ ‏(‏وَيَضْمَنُ‏)‏ جِنَايَتَهَا ‏(‏مَعَ سَبَبٍ كَنَخْسٍ وَتَنْفِيرٍ فَاعِلُهُ‏)‏ لِوُجُودِ السَّبَبِ مِنْهُ دُونَ رَاكِبٍ وَسَائِقٍ وَقَائِدٍ‏.‏

‏(‏وَإِنْ تَعَدَّدَ رَاكِبُ‏)‏ دَابَّةٍ بِأَنْ كَانَ عَلَيْهَا اثْنَانِ فَأَكْثَرُ ‏(‏ضَمِنَ الْأَوَّلُ‏)‏ مَا يَضْمَنُهُ الْمُنْفَرِدُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا وَالْقَادِرُ عَلَى كَفِّهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَيَضْمَنُ ‏(‏مَنْ خَلْفَهُ إنْ انْفَرَدَ بِتَدْبِيرِهَا لِصِغَرِ الْأَوَّلِ أَوْ مَرَضِهِ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَعَمَاهُ ‏(‏وَإِنْ اشْتَرَكَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الرَّاكِبَانِ ‏(‏فِي تَدْبِيرِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ‏)‏ مَعَهَا ‏(‏إلَّا سَائِقٌ وَقَائِدٌ اشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ‏)‏؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ لَضَمِنَ فَإِذَا اجْتَمَعَا ضَمِنَا، ‏(‏وَيُشَارِكُ رَاكِبٌ مَعَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ كُلًّا مِنْهُمَا ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَيُشَارِكُ رَاكِبٌ ‏(‏مَعَ أَحَدِهِمَا‏)‏ مِنْ سَائِقٍ أَوْ قَائِدٍ فِي ضَمَانِ جِنَايَةِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ مَعَ الدَّابَّةِ انْفَرَدَ بِالضَّمَانِ‏.‏

فَكَذَا إذَا اجْتَمَعَ مَعَ غَيْرِهِ ‏(‏وَإِبِلٌ‏)‏ مُقْطَرَةٌ كَوَاحِدَةٍ ‏(‏وَبِغَالٌ مُقْطَرَةٌ كَوَاحِدَةٍ عَلَى قَائِدِهَا الضَّمَانُ‏)‏ لِجِنَايَةِ كُلٍّ مِنْ الْقِطَارِ‏.‏

لِأَنَّ الْجَمِيعِ يَسِيرُ بِسَيْرِ الْأَوَّلِ، وَيَقِفُ بِوُقُوفِهِ وَيَطَأُ بِوَطْئِهِ، وَبِذَلِكَ يُمْكِنُهُ حِفْظُ الْجَمِيعِ عَنْ الْجِنَايَةِ ‏(‏وَيُشَارِكُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقَائِدَ فِي ضَمَانٍ ‏(‏سَائِقٌ فِي أَوَّلِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُقْطَرَةِ ‏(‏فِي‏)‏ جِنَايَةِ ‏(‏جَمِيعِهَا وَ‏)‏ يُشَارِكُهُ سَائِقٌ ‏(‏فِي آخِرِهَا فِي‏)‏ جِنَايَةٍ ‏(‏الْأَخِيرِ فَقَطْ وَ‏)‏ يُشَارِكُهُ سَائِقٌ ‏(‏فِيمَا بَيْنَهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ ‏(‏فِيمَا بَاشَرَ سَوْقَهُ‏.‏

وَ‏)‏ فِ ‏(‏مَا بَعْدَهُ‏)‏ دُونَ مَا قَبْلَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَائِقٍ لَهُ وَلَا تَابِعٍ لِمَا يَسُوقُهُ، فَانْفَرَدَ بِهِ الْقَائِدُ، ‏(‏وَإِنْ انْفَرَدَ رَاكِبٌ عَلَى أَوَّلِ قِطَارٍ ضَمِنَ‏)‏ جِنَايَةَ ‏(‏الْجَمِيعِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْقَائِدِ لِمَا بَعْدَ الْمَرْكُوبِ، وَالْكُلُّ يَسِيرُ بِسَيْرِهِ وَيَطَأُ بِوَطْئِهِ، فَأَمْكَنَ حِفْظُهُ عَنْ الْجِنَايَةِ‏.‏

وَإِنْ رَكِبَ أَوْ سَاقَ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَانْفَرَدَ ضَمِنَ جِنَايَةَ مَا رَكِبَهُ أَوْ سَاقَهُ وَمَا بَعْدَهُ، لَا مَا قَبْلَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّاكِبُ وَالسَّائِقُ وَالْقَائِدُ مَالِكًا أَوْ أَجِيرًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا، أَوْ مُسْتَعِيرًا، أَوْ مُوصًى لَهُ بِنَفْعِهَا، وَلَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةٌ مِمَّنْ هُنَّ بِيَدِهِ وَأَفْسَدَتْ فَلَا ضَمَانَ نَصًّا‏.‏

فَلَوْ اسْتَقْبَلَهَا إنْسَان فَرَدَّهَا، فَقِيَاسُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ الضَّمَانُ‏.‏

قَالَ الْحَارِثِيُّ‏:‏ ‏(‏وَيَضْمَنُ رَبُّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الدَّابَّةِ ‏(‏وَمُسْتَعِيرٌ وَمُسْتَأْجِرٌ وَمُودِعٌ مَا أَفْسَدَتْ مِنْ زَرْعٍ وَشَجَرٍ وَغَيْرِهِمَا‏)‏ كَثَوْبٍ خَرَقَتْهُ أَوْ مَضَغَتْهُ فَنَقَصَ، أَوْ وَطِئَتْ عَلَيْهِ وَنَحْوَهُ ‏(‏لَيْلًا‏)‏ فَقَطْ نَصًّا‏.‏

لِحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حِزَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَيِّصَةُ‏:‏ ‏{‏أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ دَخَلَتْ حَائِطَ قَوْمٍ فَأَفْسَدَتْ‏.‏

فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَمَا أَفْسَدَتْ بِاللَّيْلِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِمْ‏}‏ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ‏:‏ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَهُوَ مَشْهُورٌ‏.‏

وَهَذَا حَدَّثَ بِهِ الْأَئِمَّةُ الثِّقَاتُ وَتَلَقَّاهُ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ بِالْقَبُولِ، وَلِأَنَّ عَادَةَ أَهْلِ الْمَوَاشِي إرْسَالُهَا لِلرَّعْيِ وَحِفْظُهَا لَيْلًا وَعَادَةَ أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظُهَا نَهَارًا ‏(‏إنْ فَرَّطَ‏)‏ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ فِي حِفْظِهَا بِأَنْ لَمْ يَضْمَنْهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ‏.‏

فَإِنْ فَعَلَ فَأَخْرَجَهَا غَيْرُهُ أَوْ فَتَحَ عَلَيْهَا بَابَهَا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ دُونَ مَالِكِهَا لِتَسَبُّبِهِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ ‏(‏نَهَارًا‏)‏ لِلْخَبَرِ‏.‏

وَلِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ جِهَةِ رَبِّهِ بِتَرْكِهِ الْحِفْظَ فِي عَادَتِهِ وَقَدْ فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا، وَقَضَى عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْحِفْظِ فِي وَقْتِ عَادَتِهِ‏.‏

وَقَيَّدَهُ جَمَاعَةٌ بِمَا إذَا لَمْ تُرْسَلْ بِقُرْبِ مَا تُتْلِفُهُ عَادَةً، ‏(‏إلَّا غَاصِبُهَا‏)‏ فَيَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ نَهَارًا أَيْضًا لِتَعَدِّيهِ بِإِمْسَاكِهَا‏.‏

‏(‏وَمَنْ ادَّعَى‏)‏ مِنْ أَصْحَابِ الزَّرْعِ ‏(‏أَنَّ بَهَائِمَ فُلَانٍ رَعَتْ زَرْعَهُ لَيْلًا وَلَا غَيْرُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ لَيْسَ هُنَاكَ غَيْرُ بَهَائِمَ فُلَانٍ ‏(‏وَوُجِدَ أَثَرُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْبَهَائِمِ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الزَّرْعِ ‏(‏قُضِيَ لَهُ‏)‏ عَلَى رَبِّ الْبَهَائِمِ بِضَمَانِ مَا رَعَتْ نَصًّا‏.‏

وَجَعَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِنْ الْقِيَافَةِ فِي الْأَمْوَالِ وَجَعَلَهَا مُعْتَبَرَةً كَالْقِيَافَةِ فِي الْأَنْسَابِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ طَرَدَ دَابَّةً مِنْ مَزْرَعَتِهِ‏)‏ فَدَخَلَتْ مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ‏.‏

فَأَفْسَدَتْ ‏(‏لَمْ يَضْمَنْ مَا أَفْسَدَتْهُ إلَّا أَنْ يُدْخِلَهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ‏)‏ إنْ لَمْ تَتَّصِلْ الْمَزَارِعُ، ‏(‏فَإِنْ اتَّصَلَتْ الْمَزَارِعُ‏)‏ لَمْ يَطْرُدْهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَسْلِيطًا عَلَى مَالِ غَيْرِهِ‏.‏

وَ‏(‏صَبَرَ لِيَرْجِعَ عَلَى رَبِّهَا‏)‏ بِبَدَلِ مَا تَأْكُلُهُ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ مِنْهَا إلَّا بِتَسْلِيطِهَا عَلَى مَالِ غَيْرِهِ ‏(‏وَلَوْ قَدَرَ أَنْ يُخْرِجَهَا‏)‏ مِنْ مَزْرَعَتِهِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ رَبِّ الْمَزْرَعَةِ ‏(‏مُنْصَرَفٌ‏)‏ يُخْرِجُهَا مِنْهُ ‏(‏غَيْرُ الْمَزَارِعِ فَتَرَكَهَا‏)‏ تَأْكُلُ مِنْ زَرْعِهِ لِيَرْجِعَ عَلَى رَبِّهَا ‏(‏فَ‏)‏ مَا أَكَلَهُ ‏(‏هَدَرٌ‏)‏ لَا رُجُوعَ لِرَبِّهِ بِهِ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ صَرْفِهَا ‏(‏كَحَطَبٍ‏)‏ وَحَدِيدٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏عَلَى دَابَّةٍ، خَرَقَ ثَوْبَ بَصِيرٍ عَاقِلٍ يَجِدُ مُنْحَرِفًا‏)‏ فَلَا طَلَبَ لَهُ عَلَى رَبِّ الْحَطَبِ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ الِانْحِرَافِ ‏(‏وَكَذَا لَوْ كَانَ‏)‏ رَبُّ الثَّوْبِ ‏(‏مُسْتَدْبَرًا‏)‏ بِأَنْ جَاءَتْ الدَّابَّةُ مِنْ خَلْفِهِ ‏(‏فَصَاحَ بِهِ‏)‏ رَبُّ الدَّابَّةِ ‏(‏مُنَبِّهًا لَهُ‏)‏ لِيَنْحَرِفَ، وَوَجَدَ مُنْحَرَفًا وَلَمْ يَفْعَلْ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ لِتَقْصِيرِ الْمُنَبَّهِ بِعَدَمِ الِانْحِرَافِ، ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَكُنْ بَصِيرًا عَاقِلًا يَجِدْ مُنْحَرَفًا بِأَنْ كَانَ أَعْمَى، أَوْ طِفْلًا، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ لَا مُنْحَرَفَ لَهُ، أَوْ كَانَ مُسْتَدِيرًا وَلَمْ يُنَبِّهْهُ ‏(‏ضَمِنَ‏)‏ مَعَ الدَّابَّةِ أَرْشَ خَرْقِ الثَّوْبِ قُلْتُ‏:‏ وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ وَنَحْوَهُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏الحكم إن اصطدمت سفينتان‏]‏

‏(‏وَإِنْ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ‏)‏ وَاقِفَتَانِ أَوْ مُصْعِدَتَانِ أَوْ مُنْحَدِرَتَانِ ‏(‏فَغَرِقَتَا ضَمِنَ كُلٌّ‏)‏ مِنْ قَيِّمَيْ السَّفِينَتَيْنِ ‏(‏سَفِينَةَ الْآخَرِ وَمَا فِيهَا‏)‏ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ ‏(‏إنْ فَرَّطَ‏)‏ كَالْفَارِسَيْنِ إذَا اصْطَدَمَا، ‏(‏وَلَوْ تَعَمَّدَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الِاصْطِدَامَ ‏(‏فَ‏)‏ هُمَا ‏(‏شَرِيكَانِ فِي إتْلَافِهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّفِينَتَيْنِ فَيَضْمَنَانِهِمَا ‏(‏وَ‏)‏ فِي إتْلَافِ ‏(‏مَا فِيهِمَا‏)‏ لِتَلَفِهِ بِفِعْلِهِمَا فَيَشْتَرِكَانِ فِي ضَمَانِهِ كَمَا لَوْ خَرَقَاهُمَا ‏(‏فَإِنْ قُتِلَ‏)‏ أَيْ‏:‏ إنْ كَانَ اصْطِدَامُهُمَا مِمَّا يَقْتُلُ ‏(‏غَالِبًا‏)‏ وَمَاتَ بِسَبَبِ فِعْلِهِمَا آدَمِيٌّ مُحْتَرَمٌ ‏(‏فَ‏)‏ عَلَيْهِمَا ‏(‏الْقَوَدُ‏)‏ بِشَرْطِهِ مِنْ التَّكَافُؤِ وَنَحْوِهِ‏.‏

كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ فِيمَا لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ فَغَرِقَ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَكُنْ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا بِأَنْ كَانَ قُرْبَ السَّاحِلِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ مَنْ فِي السَّفِينَتَيْنِ الْخُرُوجُ إلَيْهِ، ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏شِبْهُ عَمْدٍ‏)‏ كَإِلْقَائِهِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، ‏(‏وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّفِينَتَيْنِ الْمُصْطَدِمَتَيْنِ ‏(‏وَاقِفَةً‏)‏ وَالْأُخْرَى سَائِرَةً فَغَرِقَتَا‏.‏

فَلَا ضَمَانَ عَلَى قَيِّمِ الْوَاقِفَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ، وَلَمْ يُفَرِّطْ‏.‏

أَشْبَهَ النَّائِمَ فِي الصَّحْرَاءِ إذَا عَثَرَ بِهِ آخَرُ فَتَلِفَ‏.‏

وَ‏(‏ضَمِنَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَاقِفَةَ وَمَا فِيهَا ‏(‏قَيِّمُ السَّائِرَةِ إنْ فَرَّطَ‏)‏ بِأَنْ أَمْكَنَهُ رَدُّهَا عَنْهَا فَلَمْ يَفْعَلْ، أَوْ لَمْ يُكْمِلْ آلَتَهَا مِنْ رِجَالٍ وَحِبَالٍ وَنَحْوِهِمَا، لِحُصُولِ التَّلَفِ بِتَقْصِيرِهِ، كَمَا لَوْ نَامَ وَتَرَكَهَا سَائِرَةً بِنَفْسِهَا حَتَّى صَدَمَتْهَا فَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ فَلَا ضَمَانَ ‏(‏وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّفِينَتَيْنِ الْمُصْطَدِمَتَيْنِ بِلَا تَعَمُّدٍ ‏(‏مُنْحَدِرَةً‏)‏ وَالْأُخْرَى مُصْعِدَةً ‏(‏ضَمِنَ قَيِّمُهَا‏)‏ أَيْ الْمُنْحَدِرَةِ ‏(‏الْمُصْعِدَةَ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمُنْحَدِرَةَ تَنْحَطُّ عَلَى الْمُصْعِدَةِ مِنْ عُلْوٍ فَتُغْرِقَهَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى قَيِّمِ الْمُصْعِدَةِ تَنْزِيلًا لِلْمُنْحَدِرَةِ مَنْزِلَةَ السَّائِرَةِ، وَالْمُصْعِدَةِ مَنْزِلَةَ الْوَاقِفَةِ ‏(‏إلَّا أَنْ يُغْلَبَ‏)‏ قَيِّمُ الْمُنْحَدِرَةِ ‏(‏عَنْ ضَبْطِهَا‏)‏ بِغَلَبَةِ رِيحٍ وَنَحْوِهِ‏.‏

وَقَالَ فِي الشَّرْحِ‏:‏ أَوْ كَانَ الْمَاءُ شَدِيدَ الْجِرْيَةِ فَلَا يُمْكِنُهُ ضَبْطُهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ‏.‏

لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي وُسْعِهِ وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، وَلِأَنَّ التَّلَفَ يُمْكِنُ اسْتِنَادُهُ إلَى الرِّيحِ أَوْ إلَى شِدَّةِ جَرَيَانِ الْمَاءِ‏.‏

قَالَ الْحَارِثِيُّ‏:‏ وَسَوَاءٌ فَرَّطَ الْمُصْعِدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَأَطْلَقَهُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ‏.‏

وَفِي الْمُغْنِي‏:‏ إنْ فَرَّطَ الْمُصْعِدُ بِأَنْ أَمْكَنَهُ الْعُدُولُ بِسَفِينَتِهِ وَالْمُنْحَدِرُ غَيْرُ قَادِرٍ وَلَا مُفَرِّطٍ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُصْعِدِ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ ‏(‏وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَلَّاحٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَيِّمِ السَّفِينَةِ ‏(‏فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي أَنَّهُ غُلِبَ عَنْ ضَبْطِهَا أَوْ أَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ ‏(‏وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُ الصَّادِمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَعَ عَمْدٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَعَمَّدَ الصَّدْمَ بَلْ يُعْتَدُّ بِفِعْلِهِ‏.‏

فَإِنْ كَانَ حُرًّا فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ إلَّا نِصْفُ دِيَتِهِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ إلَّا نِصْفُ قِيمَتِهِ، لِأَنَّهُ شَارَكَ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ تَحَامَلَ هُوَ وَغَيْرُهُ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ بِمُحَدِّدٍ‏.‏

‏(‏وَلَوْ خَرَقَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّفِينَةَ قَيِّمُهَا ‏(‏عَمْدًا‏)‏ بِأَنْ تَعَمَّدَ قَلْعَ لَوْحٍ وَنَحْوَهُ فِي اللُّجَّةِ فَغَرِقَ مَنْ فِيهَا عُمِلَ بِذَلِكَ ‏(‏أَوْ‏)‏ خَرَقَهَا ‏(‏بِشِبْهِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ شِبْهِ الْعَمْدِ بِأَنْ قَلَعَهُ بِلَا دَاعٍ إلَى قَلْعِهِ، لَكِنْ فِي مَكَانٍ قَرِيبٍ مِنْ السَّاحِلِ لَا يُغْرَقُ بِهِ مَنْ فِيهَا غَالِبًا فَغَرِقَ عُمِلَ بِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ خَرَقَهَا ‏(‏خَطَأً‏)‏ كَقَلْعِ لَوْحٍ يَحْتَاجُ إلَى الْإِصْلَاحِ لِيُصْلِحَهُ أَوْ لِيَضَعَ فِي مَكَانِهِ فِي مَحِلٍّ لَا يُغْرَقُ بِهِ مَنْ فِيهَا غَالِبًا فَغَرِقُوا ‏(‏عُمِلَ بِذَلِكَ‏)‏، فَيَقْتَصُّ مِنْهُ فِي صُورَةِ الْعَمْدِ بِشَرْطِهِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ السَّفِينَةُ ‏(‏الْمُشْرِفَةُ عَلَى غَرَقٍ يَجِبُ إلْقَاءُ مَا يُظَنُّ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِإِلْقَائِهِ ‏(‏نَجَاةٌ‏)‏ مِنْ الْغَرَقِ فَإِنْ تَقَاعَدُوا أَثِمُوا وَلَا ضَمَانَ‏.‏

وَلَوْ أَلْقَى مَتَاعَهُ وَمَتَاعَ غَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ‏.‏

وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ إلْقَاءِ مَتَاعِهِ أَلْقَى وَضَمِنَهُ مُلْقٍ ‏(‏غَيْرَ الدَّوَابِّ‏)‏ فَلَا تُلْقَى لِحُرْمَتِهَا ‏(‏إلَّا أَنْ تُلْجِئَ الضَّرُورَةُ إلَى إلْقَائِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الدَّوَابِّ فَتُلْقَى لِنَجَاةِ الْآدَمِيِّينَ لِأَنَّهُمْ آكَدُ حُرْمَةً‏.‏

‏(‏وَمَنْ قَتَلَ‏)‏ حَيَوَانًا ‏(‏صَائِلًا‏)‏ أَوْ وَاثِبًا ‏(‏عَلَيْهِ وَلَوْ‏)‏ كَانَ الصَّائِلُ ‏(‏آدَمِيًّا‏)‏ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا ‏(‏دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ‏)‏ أَيْ الْقَاتِلِ لَمْ يَضْمَنْهُ إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ شَرِّهِ، فَكَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ‏.‏

فَإِنْ قَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ غَيْرِهِ فَذَكَرَ الْقَاضِي يَضْمَنُهُ‏.‏

وَفِي الْفَتَاوَى الرَّحْبِيَّاتِ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ‏:‏ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا ‏(‏أَوْ‏)‏ قَتَلَ ‏(‏خِنْزِيرًا‏)‏ وَلَوْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الْقَتْلِ‏.‏

أَشْبَهَ الْكَلْبَ الْعَقُورَ، وَكَذَا كُلُّ حَيَوَانٍ أُبِيحَ قَتْلُهُ ‏(‏أَوْ أَتْلَفَ‏)‏ بِكَسْرٍ أَوْ خَرْقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ مَا يَأْتِي ‏(‏مَعَ صَغِيرٍ‏)‏ حَالَ إتْلَافِهِ ‏(‏مِزْمَارًا‏.‏

أَوْ طُنْبُورًا أَوْ عُودًا أَوْ طَبْلًا أَوْ دُفًّا بِصُنُوجٍ أَوْ حِلَقٍ أَوْ نَرْدًا أَوْ شِطْرَنْجًا‏)‏ وَنَحْوَهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ أَتْلَفَ ‏(‏صَلِيبًا‏)‏ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ لَا حُرْمَةَ لَهُ‏.‏

فَأَشْبَهَ الْكَلْبَ وَالْمَيْتَةَ ‏(‏أَوْ كَسَرَ إنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ‏)‏ إنَاءَ ‏(‏ذَهَبٍ أَوْ‏)‏ كَسَرَ أَوْ شَقَّ إنَاءً ‏(‏فِيهِ خَمْرٌ مَأْمُورٌ بِإِرَاقَتِهَا‏)‏، وَهِيَ مَا عَدَا خَمْرَ الْخِلَالِ وَالذِّمِّيِّ الْمُسْتَتِرَةَ ‏(‏قَدَرَ عَلَى إرَاقَتِهَا بِدُونِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْكَسْرِ أَوْ الشِّقِّ ‏(‏أَوْ لَا‏)‏ لَمْ يَضْمَنْهُ‏.‏

لِحَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ، وَفِيهِ‏:‏ ‏{‏وَأَمَرَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ أَنْ يَمْضُوا مَعِي وَيُعَاوِنُونِي أَنْ آتِيَ الْأَسْوَاقَ كُلَّهَا فَلَا أَجِدُ فِيهَا زِقَّ خَمْرٍ إلَّا شَقَقْتُهُ، فَفَعَلْتُ، فَلَمْ أَتْرُكْ زِقًّا إلَّا شَقَقْتُهُ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَسَرَ ‏(‏حُلِيًّا مُحَرَّمًا عَلَى ذَكَرٍ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَمْ يَتَّخِذْهُ مَالِكُهُ ‏(‏يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ‏)‏ لَمْ يَضْمَنْهُ لِإِزَالَتِهِ مُحَرَّمًا ‏(‏أَوْ‏)‏ أَتْلَفَ ‏(‏آلَةَ سِحْرٍ أَوْ‏)‏ آلَةَ ‏(‏تَعْزِيمٍ أَوْ‏)‏ آلَةَ ‏(‏تَنْجِيمٍ أَوْ‏)‏ أَتْلَفَ ‏(‏صُوَرَ خَيَّالٍ أَوْ أَوْثَانًا‏)‏ جَمْعُ وَثَنٍ وَهُوَ الصَّنَمُ يَعْبُدُهُ الْمُشْرِكُونَ، ‏(‏أَوْ ‏)‏ أَتْلَفَ ‏(‏كُتُبَ مُبْتَدِعَةٍ مُضِلَّةً أَوْ‏)‏ كُتُبَ ‏(‏كُفْرٍ أَوْ حَرَقَ مَخْزَنَ خَمْرٍ أَوْ كِتَابًا فِيهِ أَحَادِيثُ رَدِيئَةٌ لَمْ يَضْمَنْهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُهُ لَا لِحُرْمَتِهِ‏.‏

أَشْبَهَ الْكَلْبَ وَالْمَيْتَةَ وَلِأَنَّ مَخْزَنَ الْخَمْرِ مِنْ أَمَاكِنِ الْمَعَاصِي وَإِتْلَافُهَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ‏:‏ ‏{‏حَرَقَ مَسْجِدَ الضِّرَارِ وَأَمَرَ بِهَدْمِهِ‏}‏ قَالَ فِي الْهَدْيِ‏.‏

وَفِي الْفُنُونِ‏:‏ يَجُوزُ إعْدَامُ الْآيَةِ مِنْ كُتُبِ الْمُبْتَدِعَةِ لِأَجْلِ مَا هِيَ فِيهِ وَإِهَانَةٌ لِمَا وُضِعَتْ لَهُ وَلَوْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُهَا‏.‏

وَأَمَّا دُفُّ الْعُرْسِ الَّذِي لَا حِلَقَ فِيهِ وَلَا صُنُوجَ فَمَضْمُونٌ لِإِبَاحَتِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُتْلِفِ لِمَا تَقَدَّمَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا‏.‏

بَابُ‏:‏ الشُّفْعَةِ

بِإِسْكَانِ الْفَاءِ مِنْ الشَّفْعِ وَهُوَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الشَّفِيعِ كَانَ مُنْفَرِدًا فِي مِلْكِهِ وَبِالشُّفْعَةِ يُضَمُّ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِهِ فَيَشْفَعُهُ بِهِ، أَوْ مِنْ الشَّفَاعَةِ أَيْ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَزِيدُ فِي مِلْكِ الشَّفِيعِ أَوْ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إذَا أَرَادَ بَيْعَ دَارِهِ أَتَاهُ جَارُهُ وَشَرِيكُهُ فَيَشْفَعُ لَهُ فِيمَا بَاعَ فَشَفَّعَهُ وَجَعَلَهُ أَوْلَى بِهِ، أَوْ لِأَنَّ طَالِبَهَا يُسَمَّى شَفِيعًا لِمَجِيئِهِ تَالِيًا لِلْمُشْتَرِي، فَهُوَ ثَانٍ بَعْدَ أَوَّلٍ فَسُمِّيَ طَلَبُهُ شُفْعَةً، وَهِيَ شَرْعًا ‏(‏اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ‏)‏ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَلَوْ مُكَاتَبًا ‏(‏انْتِزَاعُ شِقْصِ شَرِيكِهِ‏)‏ الْمُنْتَقَلِ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ‏.‏

وَالشِّقْصُ بِكَسْرِ الشِّينِ النَّصِيبُ ‏(‏مِمَّنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ‏)‏، إمَّا بِالْبَيْعِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَيَأْتِي ‏(‏إذَا كَانَ‏)‏ الْمُنْتَقَلُ إلَيْهِ ‏(‏مِثْلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّرِيكِ بِأَنْ يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ، ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الْمُنْتَقَلُ إلَيْهِ ‏(‏دُونَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّرِيكِ بِأَنْ كَانَ الشَّرِيكُ مُسْلِمًا وَالْمُنْتَقَلُ إلَيْهِ كَافِرًا‏.‏

وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَيَأْتِي، وَلَا لِلْجَارِ وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ بِنَفْعِ دَارٍ إذَا بَاعَهَا أَوْ بَعْضَهَا وَارِثٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِشَيْءٍ مِنْ الدَّارِ، وَأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي الْمَوْرُوثِ وَالْمُوصَى بِهِ وَالْمَوْهُوبِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا الْمَجْعُولِ مَهْرًا أَوْ عِوَضًا فِي خُلْعٍ وَنَحْوِهِ أَوْ صُلْحًا عَنْ دَمِ عَمْدٍ وَنَحْوِهِ‏.‏

وَالشُّفْعَةُ ثَبَتَتْ بِالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ‏:‏ ‏{‏قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ‏.‏

فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَفِي الْبَابِ غَيْرُهُ، وَالْمَعْنَى إزَالَةُ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ ‏(‏وَلَا تَسْقُطُ‏)‏ الشُّفْعَةُ ‏(‏بِاحْتِيَالٍ‏)‏ عَلَى إسْقَاطِهَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَلَوْ سَقَطَتْ بِالِاحْتِيَالِ لَحِقَ الضَّرَرُ، وَالْحِيلَةُ أَنْ يُظْهِرَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي الْبَيْعِ شَيْئًا لَا يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ مَعَهُ وَيَتَوَاطَآنِ فِي الْبَاطِنِ عَلَى خِلَافِهِ، كَإِظْهَارِ التَّوَاهُبِ أَوْ زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَنَحْوِهِ، ‏(‏وَيَحْرُمُ‏)‏ الِاحْتِيَالُ عَلَى إسْقَاطِهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَحْرِيمِ الْحِيَلِ كُلِّهَا‏.‏

‏(‏وَشُرُوطُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشُّفْعَةِ ‏(‏خَمْسَةٌ‏)‏ أَحَدُهَا ‏(‏كَوْنُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشِّقْصِ الْمُنْتَقَلِ عَنْ الشَّرِيكِ ‏(‏مَبِيعًا‏)‏ صَرِيحًا أَوْ فِي مَعْنَاهُ كَصُلْحٍ عَنْ إقْرَارٍ بِمَالٍ أَوْ عَنْ جِنَايَةٍ تُوجِبُهُ وَهِبَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ‏.‏

لِحَدِيثِ جَابِرٍ ‏{‏هُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ‏}‏ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ؛ وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِمِثْلِ عِوَضِهِ الَّذِي انْتَقَلَ بِهِ وَلَا يُمْكِنُ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ، ‏(‏فَلَا تَجِبُ‏)‏ الشُّفْعَةُ ‏(‏فِي قِسْمِهِ‏)‏ لِأَنَّهَا إفْرَازٌ أَوْ تَرَاضٍ لِأَنَّهَا لَوْ ثَبَتَتْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لَثَبَتَتْ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ ‏(‏وَلَا‏)‏ فِي ‏(‏هِبَةٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَوْهُوبٍ بِلَا عِوَضٍ وَلَا مُوصًى بِهِ، لَا غَرَضُ الْوَاهِبِ وَالْمُوصِي نَفْعُ الْمُتَّهَبِ وَالْمُوصَى لَهُ، وَلَا يَحْصُلُ مَعَ انْتِقَالٍ عَنْهُ وَكَمَوْرُوثٍ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ قَهْرًا بِلَا عِوَضٍ، وَكَذَا لَوْ عَادَ إلَيْهِ الصَّدَاقُ أَوْ بَعْضُهُ لِفَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ رُدَّ الْمَبِيعُ لِنَحْوِ عَيْبٍ، ‏(‏وَلَا‏)‏ شُفْعَةَ ‏(‏فِيمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ شِقْصٍ ‏(‏عِوَضُهُ غَيْرُ مَالِيٍّ كَصَدَاقٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَجْعُولِ صَدَاقًا ‏(‏وَعِوَضُ خُلْعٍ‏)‏ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ عِوَضُ ‏(‏صُلْحٍ عَنْ قَوَدٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِوَضٌ يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِهِ أَشْبَهَ الْمَوْهُوبَ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ لِإِمْكَانِ الْأَخْذِ بِعِوَضِهِ، وَكَذَا عِوَضُ صُلْحٍ عَنْ إنْكَارٍ وَمَا اشْتَرَاهُ ذِمِّيٌّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ‏(‏وَلَا‏)‏ شُفْعَةَ فِي ‏(‏مَا‏)‏ أَيْ‏:‏ شِقْصٍ ‏(‏أَخَذَ‏)‏ مِنْ شَرِيكِهِ ‏(‏أُجْرَةً‏)‏ أَوْ جَعَالَةً ‏(‏أَوْ ثَمَنًا فِي سَلَمٍ‏)‏ إنْ صَحَّ جَعْلُهُ ثَمَنًا فِيهِ ‏(‏أَوْ عِوَضًا فِي كِتَابَةٍ‏)‏؛ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ جَابِرٍ‏:‏ فَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ بَاعَ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ‏}‏ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بَيْعًا عُرْفًا بَلْ لَهَا اسْمٌ خَاصٌّ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الثَّانِي كَوْنُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشِّقْصِ الْمَبِيعِ ‏(‏مُشَاعًا‏)‏ أَيْ‏:‏ غَيْرَ مُفْرَزٍ ‏(‏مِنْ عَقَارٍ‏)‏ بِفَتْحِ الْعَيْنِ ‏(‏يَنْقَسِمُ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَجِبُ قِسْمَتُهُ بِطَلَبِ مَنْ لَهُ فِيهِ جُزْءٌ ‏(‏إجْبَارًا‏)‏؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ‏.‏

فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ‏}‏ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ‏.‏

وَلِحَدِيثِهِ، أَيْضًا‏:‏ ‏{‏إنَّمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ‏.‏

‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد‏.‏

وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ فِيمَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ لِمَعْنًى وَهُوَ أَنَّ الشَّرِيكَ رُبَمَا دَخَلَ عَلَيْهِ شَرِيكٌ فَيَتَأَذَّى بِهِ فَتَدْعُوهُ الْحَاجَةُ إلَى مُقَاسَمَتِهِ‏.‏

أَوْ يَطْلُبُ الدَّاخِلُ الْمُقَاسَمَةَ فَيَتَضَرَّرُ الشَّرِيكُ بِمَنْعِ مَا يَحْتَاجُ إلَى إحْدَاثِهِ مِنْ الْمَرَافِقِ‏.‏

وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْمَقْسُومِ ‏(‏فَلَا شُفْعَةَ لِجَارٍ فِي مَقْسُومٍ مَحْدُودٍ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

وَحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ‏}‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد‏.‏

قَالَ فِي الْقَامُوسِ‏:‏ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ أَيْ‏:‏ بِمَا يَلِيهِ وَيَقْرَبُ مِنْهُ‏.‏

وَحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ أَبْهَمَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ‏.‏

فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي مُضْمَرٍ‏.‏

لِأَنَّ الْعُمُومَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْمَنْطُوقِ بِهِ دُونَ الْمُضْمَرِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْفِنَاءِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَارِ مِمَّنْ لَيْسَ بِجَارٍ، أَوْ يَكُونُ مُرْتَفِقًا بِهِ، وَأُجِيبَ عَنْ الثَّانِي بِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي لِقَاءِ الْحَسَنِ لِسَمُرَةَ، وَمَنْ أَثْبَتَ لِقَاءَهُ لَهُ قَالَ‏:‏ إنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ، وَلَوْ سَلِمَ لَكَانَ عَنْهُ الْجَوَابَانِ الْمَذْكُورَانِ، وَحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ‏}‏ قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ مُنْكَرٌ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ‏:‏ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ‏:‏ وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِ، أَوْ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْجَارِ فِي الْأَحَادِيثِ الشَّرِيكُ فَإِنَّهُ جَارٌ أَيْضًا‏.‏

لِأَنَّ اسْمَ الْجِوَارِ يَخْتَصُّ بِالْقَرِيبِ، وَالشَّرِيكُ أَقْرَبُ مِنْ اللَّصِيقِ كَمَا أُطْلِقَ عَلَى الزَّوْجَةِ لِقُرْبِهَا ‏(‏وَلَا‏)‏ شُفْعَةَ ‏(‏فِي طَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ لَا يَنْفُذُ بِبَيْعِ دَارٍ فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي لَا يَنْفُذُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّوَصُّلُ إلَى الدَّارِ إلَّا مِنْهُ لِضَرَرِ الْمُشْتَرِي‏.‏

لِأَنَّهَا تَبْقَى لَا طَرِيقَ لَهَا ‏(‏وَلَوْ كَانَ نَصِيبُ مُشْتَرٍ مِنْهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الطَّرِيقِ ‏(‏أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ‏)‏ لِتَبَعُّضِ الشُّفْعَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَوْ وَجَبَتْ فِي الزَّائِدِ وَفِيهِ ضَرَرٌ، ‏(‏فَإِنْ كَانَ لَهَا‏)‏ أَيْ الدَّارِ ‏(‏بَابٌ آخَرُ‏)‏ إلَى شَارِعٍ ‏(‏وَأَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ لَهَا إلَى شَارِعٍ وَجَبَتْ‏)‏ الشُّفْعَةُ فِي الطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكِ غَيْرِ النَّافِذِ‏.‏

حَيْثُ أَمْكَنَتْ قِسْمَتُهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَرَاضِي ‏(‏وَكَذَا‏)‏ أَيْ‏:‏ كَالطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي لَا يَنْفُذُ ‏(‏دِهْلِيزٌ‏)‏ بِالْكَسْرِ‏:‏ مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالدَّارِ ‏(‏وَصَحْنٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَسَطُ الدَّارِ ‏(‏مُشْتَرَكَانِ‏)‏، فَإِذَا بِيعَ بَيْتٌ مِنْ دَارٍ لَهَا دِهْلِيزٌ وَصَحْنٌ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِطْرَاقُ إلَى الْمَبِيعِ إلَّا مِنْهُمَا فَلَا شُفْعَةَ فِيهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَابٌ آخَرُ وَأَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ لَهُ إلَى شَارِعٍ وَجَبَتْ فِيهِمَا لِمَا تَقَدَّمَ وَمَنْ أَرْضُهُ بِجِوَارِ أَرْضٍ لِآخَرَ وَيَشْرَبَانِ مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ وَاحِدٍ فَلَا شُفْعَةَ بِذَلِكَ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ شُفْعَةَ ‏(‏فِيمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ عَقَارٍ ‏(‏لَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ كَحَمَّامٍ صَغِيرٍ‏.‏

وَبِئْرٍ وَطُرُقٍ‏)‏ ضَيِّقَةٍ ‏(‏وَعِرَاضٍ ضَيِّقَةٍ‏)‏ وَرَحًى صَغِيرَةٍ وَعِضَادَةٍ نَصًّا‏.‏

لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏لَا شُفْعَةَ فِي فِنَاءٍ وَلَا طَرِيقٍ وَلَا مُثَقَّبَةٍ‏}‏ وَالْمُثَقَّبَةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ دَارَيْنِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْلُكَهُ أَحَدٌ‏.‏

رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ‏.‏

وَعَنْ عُثْمَانَ ‏"‏ لَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلَا نَخْلٍ ‏"‏ وَلِأَنَّ إثْبَاتَ الشُّفْعَةِ فِيهِ يَضُرُّ بِالْبَائِعِ‏.‏

لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْ إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ فِي نَصِيبِهِ بِالْقِسْمَةِ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْمُشْتَرِي لِأَجْلِ الشَّفِيعِ فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ فَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ‏.‏

فَإِنْ كَانَ الْبِئْرُ تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِئْرَيْنِ يَرْتَقِي الْمَاءُ مِنْهُمَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ، وَكَذَا إنْ كَانَ مَعَ الْبِئْرِ بَيَاضُ أَرْضٍ بِحَيْثُ تُحَصِّلُ الْبِئْرُ فِي أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ، وَكَذَا الرَّحَى إنْ أَمْكَنَتْ قِسْمَتُهُ بِأَنْ كَانَ لَهُ حِصْنٌ بِحَيْثُ يَحْصُلُ الْحَجَرُ فِي أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ، أَوْ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَحْجَارٍ دَائِرَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَجَرَيْنِ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ شُفْعَةَ ‏(‏فِيمَا لَيْسَ بِعَقَارٍ‏)‏ أَيْ أَرْضٍ ‏(‏كَ‏)‏ شَجَرٍ وَبِنَاءٍ مُفْرَدٍ وَحَيَوَانٍ ‏(‏وَجَوْهَرٍ وَسَيْفٍ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَسَفِينَةٍ وَزَرْعٍ وَثَمَرٍ وَكُلِّ مَنْقُولٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ، وَلَا يَدُومُ ضَرَرُهُ بِخِلَافِ الْأَرْضِ ‏(‏وَيُؤْخَذُ غِرَاسٌ وَبِنَاءٌ‏)‏ بِالشُّفْعَةِ ‏(‏تَبَعًا لِأَرْضٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏"‏ قَضَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مُشْتَرَكٍ لَمْ يُقْسَمْ رُبْعُهُ أَوْ حَائِطًا ‏"‏ و‏(‏لَا‏)‏ يُؤْخَذُ ‏(‏ثَمَرٌ‏)‏ ظَاهِرٌ ‏(‏وَزَرْعٌ‏)‏ بِشُفْعَةٍ لَا تَبَعًا وَلَا مُفْرَدًا‏.‏

لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا‏.‏

فَلَا يُؤْخَذَ بِالشُّفْعَةِ كَقُمَاشِ الدَّارِ، وَعَكْسُهُ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ‏.‏

إذْ الشُّفْعَةُ بَيْعٌ حَقِيقَةً، إلَّا أَنَّ لِلشَّفِيعِ سُلْطَانَ الْأَخْذِ بِغَيْرِ رِضَا الْمُشْتَرِي‏.‏

وَمَا بِيعَ مِنْ عُلْوِ مُشْتَرَكٍ دُونَ سُفْلِهِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ مُطْلَقًا وَبِالْعَكْسِ إذَا بَاعَ الشَّرِيكُ الْعُلُوَّ وَحِصَّتَهُ مِنْ السُّفْلِ فَلِلشَّرِيكِ الشُّفْعَةُ فِي السُّفْلِ فَقَطْ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الثَّالِثُ‏:‏ طَلَبُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشُّفْعَةِ ‏(‏سَاعَةَ يَعْلَمُ‏)‏ بِالْبَيْعِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ، وَإِلَّا بَطَلَتْ نَصًّا لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏الشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ‏.‏

وَفِي لَفْظٍ‏:‏ ‏{‏الشُّفْعَةُ كَنَشِطَةِ الْعِقَالِ‏.‏

إنْ قُيِّدَتْ ثَبَتَتْ وَإِنْ تُرِكَتْ فَاللَّوْمُ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا‏}‏ وَحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا‏}‏ قَالَ فِي الْمُغْنِي‏:‏ رَوَاهُ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ، وَلِأَنَّ الْأَخْذَ بِالتَّرَاخِي يَضُرُّ بِالْمُشْتَرِي لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَى الْمَبِيعِ ‏(‏فَإِنْ أَخَّرَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَخَّرَ الشَّفِيعُ طَلَبَ الشُّفْعَةِ ‏(‏لِشِدَّةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ‏)‏ بِهِ ‏(‏حَتَّى يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ‏)‏ أَخَّرَهُ الْمُحْدِثُ ‏(‏لِطَهَارَةٍ أَوْ‏)‏ مَنْ بَابُهُ مَفْتُوحٌ لِ ‏(‏إغْلَاقِ بَابٍ أَوْ لِيَخْرُجَ مِنْ حَمَّامٍ‏)‏ إذَا عَلِمَ وَهُوَ دَاخِلُهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ أَخَّرَ طَلَبَهَا حَاقِنٌ أَوْ حَاقِبٌ ‏(‏لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ أَوْ‏)‏ أَخَّرَهُ مُؤَذِّنٌ ‏(‏لِيُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ‏)‏ الصَّلَاةَ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَخَّرَهُ ‏(‏لِيَشْهَدَ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ يَخَافُ فَوْتَهَا‏)‏ بِاشْتِغَالِهِ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏، كَمَنْ انْخَرَقَ ثَوْبُهُ أَوْ سَقَطَ مِنْهُ مَالٌ فَأَخَّرَهُ إلَى أَنْ يُرَقِّعَ ثَوْبَهُ أَوْ يَلْتَمِسَ مَا سَقَطَ مِنْهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَخَّرَهُ ‏(‏مَنْ عَلِمَ لَيْلًا حَتَّى يُصْبِحَ مَعَ غَيْبَةِ مُشْتَرٍ‏)‏ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ، لِأَنَّهُ مَعَ حُضُورِهِ يُمْكِنُهُ مُطَالَبَتُهُ بِلَا اشْتِغَالٍ عَنْ أَشْغَالِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَخَّرَ الطَّلَبَ ‏(‏لِ‏)‏ فِعْلِ ‏(‏صَلَاةٍ وَسُنَنِهَا وَلَوْ مَعَ حُضُورِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْدِيمُ هَذِهِ الْحَوَائِجِ وَنَحْوِهَا عَلَى غَيْرِهَا فَلَيْسَ الِاشْتِغَالُ بِهَا رِضًا بِتَرْكِ الشُّفْعَةِ، كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ الْإِسْرَاعُ فِي مَشْيِهِ أَوْ تَحْرِيكُ دَابَّتِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَمَضَى عَلَى حَسَبِ عَادَتِهِ إلَى الْمُشْتَرِي إذْ الْفَوْرُ الْمَشْرُوطُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ، ‏(‏أَوْ‏)‏ أَخَّرَ الطَّلَبَ ‏(‏جَهْلًا بِأَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْقِطٌ‏)‏ لِلشُّفْعَةِ ‏(‏وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ‏)‏ لَمْ تَسْقُطْ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ مِمَّا يُعْذَرُ بِهِ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَهَا لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَهُمَا جَهْلًا بِاسْتِحْقَاقِهِ لَهَا أَوْ نِسْيَانًا لِلطَّلَبِ أَوْ الْبَيْعِ كَتَمْكِينِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ زَوْجَهَا مِنْ وَطْئِهَا جَاهِلَةً بِمِلْكِ الْفَسْخِ أَوْ نَاسِيَةً لِلْعِتْقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ يَجْهَلُهُ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ ‏(‏أَوْ أُشْهِدَ بِطَلَبِهِ‏)‏ لِلشُّفْعَةِ ‏(‏غَائِبٌ‏)‏ عَنْ بَلَدِ مُشْتَرٍ ‏(‏أَوْ مَحْبُوسٌ‏)‏ أَوْ مَرِيضٌ ‏(‏لَمْ تَسْقُطْ‏)‏ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ إشْهَادَهُ دَلِيلُ رَغْبَتِهِ وَأَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْهُ إلَّا قِيَامُ الْعُذْرِ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ الطَّلَبَ لِلْعُذْرِ وَقَدْ يَتْرُكُهُ لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى التَّوْكِيلِ فِيهِ أَوْ لَا‏.‏

إذْ الْوَكِيلُ إنْ كَانَ يُجْعَلُ فَفِيهِ غُرْمٌ وَإِنْ تَبَرَّعَ فَفِيهِ مِنَّةٌ وَقَدْ لَا يَثِقُ بِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ، كَالْمُوَفَّقِ أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا كَانَ بِبَلَدِ الْمُشْتَرِي غَيْرَ مَحْبُوسٍ لَا بُدَّ مِنْ مُوَاجِهَتِهِ لَهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ فَلَا يَكْفِي إشْهَادُهُ بِالطَّلَبِ وَقَالَ الْحَارِثِيُّ‏:‏ الْمَذْهَبُ الْإِجْزَاءُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ‏.‏

‏(‏وَتَسْقُطُ‏)‏ شُفْعَةُ غَائِبٍ ‏(‏بِسَيْرِهِ فِي طَلَبِهَا بِلَا إشْهَادٍ‏)‏ عَلَى الطَّلَبِ؛ لِأَنَّ السَّيْرَ يَكُونُ لِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَلِغَيْرِهِ، وَقَدْ قَدَرَ أَنَّهُ يُبَيِّنُ كَوْنَ سَيْرِهِ لِطَلَبِ الشُّفْعَةِ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سَقَطَتْ كَتَارِكِ الطَّلَبِ مَعَ حُضُورِهِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ ‏(‏إنْ أُخِّرَ طَلَبُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَائِبِ بِتَأْخِيرِ قُدُومِهِ أَوْ تَوْكِيلِهِ مَعَ إمْكَانِهِمَا ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْإِشْهَادِ بِطَلَبِهَا؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ ضَرَرًا بِالْتِزَامِهِ كُلْفَتَهُ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ تِجَارَةٌ وَحَوَائِجُ يَنْقَطِعُ عَنْهَا وَتَضِيعُ بِغَيْبَتِهِ وَغَلَّتُهُ فِي التَّوْكِيلِ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ‏.‏

‏(‏وَلَفْظُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَفْظُ الطَّلَبِ مِنْ الْمَعْذُورِ ‏(‏أَنَا طَالِبٌ‏)‏ لِلشُّفْعَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنَا ‏(‏مُطَالِبٌ‏)‏ بِالشُّفْعَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنَا ‏(‏آخُذُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ‏)‏ أَنَا ‏(‏قَائِمٌ عَلَيْهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشُّفْعَةِ ‏(‏وَنَحْوُهُ مِمَّا يُفِيدُ مُحَاوَلَةَ الْأَخْذِ‏)‏ بِالشُّفْعَةِ كَ تَمَلَّكْتُ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ أَوْ انْتَزَعْتُهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ أَوْ ضَمَمْتُهُ إلَى مِلْكِي ‏(‏وَيَمْلِكُ‏)‏ الشِّقْصَ الْمَبِيعَ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الطَّلَبِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ السَّابِقَ سَبَبٌ فَإِذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ كَانَ كَالْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ انْضَمَّ إلَيْهِ الْقَبُولُ ‏(‏فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّفِيعِ فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ لِانْتِقَالِ مِلْكِهِ إلَيْهِ بِالطَّلَبِ ‏(‏وَيُوَرَّثُ‏)‏ عَنْهُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ حَيْثُ كَانَ قَادِرًا عَلَى الثَّمَنِ الْحَالِّ وَلَوْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَيَأْتِي ‏(‏وَلَا يُشْتَرَطُ‏)‏ لِمِلْكِ الشَّفِيعِ لِلشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ لَهُ بِالطَّلَبِ ‏(‏رُؤْيَتُهُ‏)‏ أَيْ مُشَاهَدَةُ مَا مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ ‏(‏لِأَخْذِهِ‏)‏ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ التَّمَلُّكِ، قَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَغَيْرِهِ وَلَعَلَّهُمْ نَظَرُوا إلَى كَوْنِهِ انْتِزَاعًا قَهْرِيًّا كَرُجُوعِ الصَّدَاقِ أَوْ نِصْفِهِ إلَى الزَّوْجِ فِي فُرْقَةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ‏.‏

وَلِذَلِكَ لَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ، وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِالثَّمَنِ وَالشِّقْصِ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ، وَلَهُ الطَّلَبُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالثَّمَنِ ثُمَّ يَتَعَرَّفُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَا الْمَبِيعُ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ وَالْإِقْنَاعِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ لَمْ يَجِدْ‏)‏ شَفِيعٌ عِنْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ ‏(‏مَنْ يُشْهِدُهُ‏)‏ عَلَى الطَّلَبِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا أَوْ وَجَدَ مَنْ لَا أَهْلِيَّةَ فِيهِ أَوْ مَنْ لَا يَقْدَمُ مَعَهُ إلَى مَحِلِّ الْخُصُومَةِ، ‏(‏أَوْ أَخَّرَهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الطَّلَبَ وَالْإِشْهَادَ عَلَيْهِ ‏(‏عَجْزًا كَمَرِيضٍ وَمَحْبُوسٍ ظُلْمًا‏)‏ فَعَلَى شُفْعَتِهِ‏.‏

فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ سَقَطَتْ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَخَّرَهُمَا ‏(‏لِإِظْهَارِ‏)‏ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ مُخْبِرِ الشَّفِيعِ ‏(‏زِيَادَةَ ثَمَنٍ‏)‏ عَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ ‏(‏أَوْ‏)‏ لِإِظْهَارِ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرَ ‏(‏نَقْصَ مَبِيعٍ أَوْ‏)‏ لِإِظْهَارِ ‏(‏هِبَتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَبِيعِ أَيْ‏:‏ أَنَّهُ مَوْهُوبٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ لِإِظْهَارِ ‏(‏أَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ غَيْرُ الْمُشْتَرِي حَقِيقَةً، ‏(‏أَوْ‏)‏ أَخَّرَ شَفِيعٌ الطَّلَبَ أَوْ الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ ‏(‏لِتَكْذِيبِ مُخْبِرٍ‏)‏ لَهُ ‏(‏لَا يُقْبَلُ‏)‏ خَبَرُهُ ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏عَلَى شُفْعَتِهِ‏)‏، فَلَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَعْذُورٌ أَوْ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ مُطْلَقًا؛ وَلِأَنَّ خَبَرَ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ مَعَ عَدَمِ تَصْدِيقِ شَفِيعٍ لَهُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ‏.‏

فَإِنْ صَدَّقَهُ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ لِاعْتِرَافِهِ بِوُقُوعِ الْبَيْعِ وَتَأْخِيرِهِ لَهُ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ فَإِنْ أُخْبِرَ بِثَمَنٍ فَلَمْ يُطَالِبْ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ أَكْثَرُ مِمَّا أُخْبِرَ بِهِ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَرْضَى بِالْقَلِيلِ لَا يَرْضَى بِالْكَثِيرِ‏.‏

وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَرِيضَ مَرَضًا يَسِيرًا لَا يَمْنَعُهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ، وَالْمَحْبُوسَ بِحَقٍّ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ إذَا أَبَاهُ تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِدَرَاهِمَ وَكَانَ اشْتَرَاهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَكَإِظْهَارِ زِيَادَةِ ثَمَنٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْلِكُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ دُونَ الْآخَرِ، ‏"‏ كَمَا لَوْ وَقَعَ بِنَقْدٍ فَأُظْهِرَ أَنَّهُ بِعَرْضٍ، وَمِثْلُ مَا إذَا أُظْهِرَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُهُ مَا لَوْ أُظْهِرَ أَنَّ فُلَانًا اشْتَرَاهُ وَحْدَهُ فَبَانَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ هُوَ وَآخَرُ وَعَكْسُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْضَى بِشَرِكَةِ إنْسَانٍ دُونَ غَيْرِهِ وَقَدْ يُحَابِي إنْسَانًا أَوْ يَخَافُهُ فَيَتْرُكُ الشُّفْعَةَ لِذَلِكَ‏.‏

‏(‏وَتَسْقُطُ‏)‏ شُفْعَتُهُ ‏(‏إنْ كَذَّبَ‏)‏ مُخْبِرًا لَهُ ‏(‏مَقْبُولًا‏)‏ خَبَرُهُ وَلَوْ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ عَدْلٍ يَجِبُ قَبُولُهُ فِي الرِّوَايَةِ وَالْفُتْيَا وَالْأَخْبَارِ الدِّينِيَّةِ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدْلٍ ‏(‏أَوْ قَالَ‏)‏ شَفِيعٌ ‏(‏لِمُشْتَرٍ‏)‏ لِشِقْصٍ ‏(‏‏:‏ بِعْنِيهِ أَوْ أَكْرَنِيهِ‏)‏ أَوْ قَاسِمْنِي ‏(‏أَوْ صَالِحْنِي‏)‏ عَلَيْهِ أَوْ هَبْهُ لِي أَوْ ائْتَمِنِّي عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ اشْتَرَيْتُهُ رَخِيصًا وَنَحْوَهُ‏)‏ كَ اشْتَرَيْتُ غَالِيًا أَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْتُ؛ لِأَنَّ هَذَا وَشِبْهَهُ دَلِيلُ رِضَاهُ بِشِرَائِهِ وَتَرْكِهِ لِلشُّفْعَةِ، وَكَذَا لَوْ قِيلَ لَهُ‏:‏ شَرِيكُكَ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ زَيْدٍ‏.‏

فَقَالَ‏:‏ إنْ بَاعَنِي زَيْدٌ وَإِلَّا فَلِيَ الشُّفْعَةُ قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِمُشْتَرٍ‏:‏ بِعْهُ مِمَّنْ شِئْتَ وَنَحْوُهُ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ ‏(‏إنْ عَمِلَ دَلَّالًا بَيْنَهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ بَيْنَ شَرِيكِهِ وَالْمُشْتَرِي ‏(‏وَهُوَ السَّفِيرُ أَوْ تَوَكَّلَ‏)‏ الشَّفِيعُ ‏(‏لِأَحَدِهِمَا‏)‏ فِي الْبَيْعِ ‏(‏أَوْ جُعِلَ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّفِيعِ ‏(‏الْخِيَارُ‏)‏ فِي الْبَيْعِ ‏(‏فَاخْتَارَ إمْضَاءَهُ أَوْ رَضِيَ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَبِيعِ، ‏(‏أَوْ ضَمِنَ‏)‏ شَفِيعٌ لِبَائِعٍ ‏(‏ثَمَنَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشِّقْصِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِهِ كَالْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ، وَلِأَنَّ الْمُسْقِطَ لَهَا الرِّضَا بِتَرْكِهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا وَلَمْ يُوجَدْ، ‏(‏أَوْ سَلَّمَ‏)‏ الشَّفِيعُ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ طَلَبِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ السُّنَّةُ لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏مَنْ بَدَأَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ‏}‏ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ، ‏(‏أَوْ دَعَا‏)‏ الشَّفِيعُ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِلْمُشْتَرِي بِالْبَرَكَةِ أَوْ غَيْرِهَا ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُ إنْ كَانَ بِالْبَرَكَةِ فِي الْبَيْعِ فَهُوَ دُعَاءٌ لِنَفْسِهِ لِرُجُوعِ الشِّقْصِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ وَاتَّصَلَ بِالسَّلَامِ فَهُوَ مِنْ تَوَابِعِهِ فَلَحِقَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِتَرْكِهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا ‏(‏وَنَحْوُهُ‏)‏ كَمَا لَوْ سَلَّمَ الْمُشْتَرِي عَلَى الشَّفِيعِ فَرَدَّ عَلَيْهِ قَبْلَ الطَّلَبِ لِأَنَّهُ السُّنَّةُ، ‏(‏أَوْ أَسْقَطَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشُّفْعَةَ ‏(‏قَبْلَ بَيْعِ‏)‏ شِقْصٍ أَوْ أَذِنَ فِيهِ فَلَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ قَبْلَ وُجُوبِهِ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ مِمَّا يَسْتَقْرِضُهُ لَهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ تَرَكَ شُفْعَةَ مُوَلِّيهِ‏)‏ أَيْ مَحْجُورِهِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ تَرْكُهُ لَهَا ‏(‏لِعَدَمِ حَظِّ‏)‏ لِلْمَحْجُورِ ‏(‏فَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَوْلَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْبَيْعِ ‏(‏إذَا صَارَ أَهْلًا‏)‏ بِأَنْ بَلَغَ أَوْ عَقَلَ أَوْ رَشَدَ ‏(‏الْأَخْذُ بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشُّفْعَةِ وَلَوْ كَانَ وَلِيُّهُ صَرَّحَ بِالْعَفْوِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِتَرْكِ غَيْرِ الشَّفِيعِ كَالْغَائِبِ يَتْرُكُ وَكِيلُهُ الْأَخْذَ بِهَا‏.‏

وَعُلِمَ مِنْهُ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ وَأَنَّ الْوَلِيَّ يَمْلِكُ الْأَخْذَ بِهَا دُونَ الْعَفْوِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ فِي الْأَخْذِ تَحْصِيلًا وَاسْتِيفَاءً لِلْحَقِّ بِخِلَافِ إسْقَاطِهِ، وَمَتَى رَأَى الْوَلِيُّ الْحَظَّ فِي الْأَخْذِ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الِاحْتِيَاطَ وَالْأَخْذَ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ، فَإِذَا أَخَذَ بِهَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَلَا رَدَّ لَهُ، إذَا صَارَ أَهْلًا، وَلَا غُرْمَ عَلَى الْوَلِيِّ بِتَرْكِهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ‏.‏

وَإِنْ رَأَى الْوَلِيُّ الْحَظَّ فِي تَرْكِهَا فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ‏.‏

الشَّرْطُ الرَّابِعُ ‏(‏أَخْذُ جَمِيعِ‏)‏ الشِّقْصِ ‏(‏الْمَبِيعِ‏)‏ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُشْتَرِي بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ فِي حَقِّهِ بِأَخْذِ بَعْضِ الْمَبِيعِ مَعَ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ دَفْعًا لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ‏.‏

فَإِذَا أَخَذَ الْبَعْضَ لَمْ يَنْدَفِعْ الضَّرَرُ ‏(‏فَإِنْ طَلَبَ‏)‏ الشَّفِيعُ ‏(‏بَعْضَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَبِيعِ ‏(‏مَعَ بَقَاءِ الْكُلِّ‏)‏ أَيْ‏:‏ كُلِّ الْمَبِيعِ ‏(‏سَقَطَتْ‏)‏ شُفْعَتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ إذَا سَقَطَ بِالتَّرْكِ فِي الْبَعْضِ سَقَطَ فِي الْكُلِّ كَعَفْوِهِ عَنْ بَعْضِ قَوَدٍ يَسْتَحِقُّهُ، ‏(‏وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ‏)‏ أَيْ الْمَبِيعِ، كَانْهِدَامِ بَيْتٍ مِنْ دَارٍ بِيعَ بَعْضُهَا بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ كَمَطَرٍ أَوْ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ مُشْتَرٍ أَوْ غَيْرَهُ ‏(‏أَخَذَ‏)‏ الشَّفِيعُ ‏(‏بَاقِيَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَبِيعِ إنْ شَاءَ ‏(‏بِحِصَّتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَبِيعِ بَعْدَ مَا تَلِفَ ‏(‏مِنْ ثَمَنِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ ثَمَنِ جَمِيعِ الشِّقْصِ‏.‏

فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ نِصْفَ الدَّارِ، وَقِيمَةُ الْبَيْتِ الْمُنْهَدِمِ مِنْهَا نِصْفُ قِيمَتِهَا أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ‏.‏

ثُمَّ إنْ بَقِيَتْ الْأَنْقَاضُ أَخَذَهَا مَعَ الْعَرْصَةِ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْبِنَاءِ وَإِنْ عُدِمَتْ أَخَذَ مَا بَقِيَ مِنْ الْبِنَاءِ مَعَ الْعَرْصَةِ بِالْحِصَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَخْذُ كُلِّ الْمَبِيعِ بِتَلَفِ بَعْضِهِ، فَجَازَ لَهُ أَخْذُ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ شَفِيعٌ آخَرُ، وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ مَعَ بَقَاءِ صُورَةِ الْمَبِيعِ كَانْشِقَاقِ الْحَائِطِ وَبَوَرَانِ الْأَرْضِ‏.‏

فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ إلَّا بِكُلِّ الثَّمَنِ وَإِلَّا تَرَكَ ‏(‏فَلَوْ اشْتَرَى دَارًا‏)‏ أَيْ شِقْصًا مِنْهَا ‏(‏بِأَلْفٍ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَبَاعَ بَابَهَا أَوْ هَدَمَهَا، فَبَقِيَتْ بِأَلْفٍ أَخَذَهَا‏)‏ الشَّفِيعُ ‏(‏بِخَمْسِمِائَةٍ‏)‏ بِالْحِصَّةِ مِنْ الثَّمَنِ نَصًّا ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشُّفْعَةُ ‏(‏بَيْنَ شُفَعَاءَ عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ‏)‏ فِيمَا مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَبِيعُ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ يُسْتَفَادُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَكَانَتْ عَلَى قَدْرِ الْأَمْلَاكِ كَالْغَلَّةِ‏.‏

فَدَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ نِصْفٌ وَثُلُثٌ وَسُدُسٌ‏.‏

بَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ نَصِيبَهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، لِصَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنَانِ وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ وَاحِدٌ، ‏(‏وَمَعَ تَرْكِ الْبَعْضِ‏)‏ مِنْ الشُّرَكَاءِ حَقَّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ ‏(‏لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِي‏)‏ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ ‏(‏أَنْ يَأْخُذَ‏)‏ بِالشُّفْعَةِ ‏(‏إلَّا الْكُلَّ‏)‏ أَيْ‏:‏ كُلَّ الْمَبِيعِ ‏(‏أَوْ يَتْرُكَ‏)‏ الْكُلَّ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ فِي أَخْذِ الْبَعْضِ إضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي، ‏(‏وَكَذَا إنْ غَابَ‏)‏ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ إلَّا أَخْذَ الْكُلِّ أَوْ تَرْكُهُ نَصًّا‏.‏

لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لَهُ مُطَالِبٌ سِوَاهُ وَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ حَقِّهِ إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ لِمَا فِيهِ إضْرَارُ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ كَانَ الشُّفَعَاءُ ثَلَاثَةً فَحَضَرَ أَحَدُهُمْ وَأَخَذَ جَمِيعَ الشِّقْصِ مَلَكَهُ‏.‏

‏(‏وَلَا يُؤَخَّرُ بَعْضُ ثَمَنِهِ لِيَحْضُرَ غَائِبٌ‏)‏ فَيُطَالِبَ لِوُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ، ‏(‏فَإِنْ أَصَرَّ‏)‏ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ إيفَائِهِ ‏(‏فَلَا شُفْعَةَ‏)‏ لَهُ كَمَا لَوْ أَبَى أَخْذَ جَمِيعِ الْمَبِيعِ، ‏(‏وَالْغَائِبُ‏)‏ مِنْ الشُّفَعَاءِ ‏(‏عَلَى حَقِّهِ‏)‏ مِنْ الشُّفْعَةِ لِلْعُذْرِ لِلْأَوَّلِ، فَإِنْ حَضَرَ ثَانٍ بَعْدَ أَخْذِ أَوَّلَ قَاسَمَهُ إنْ شَاءَ أَوْ عَفَا وَيَبْقَى، فَإِنْ قَاسَمَهُ ثُمَّ حَضَرَ الثَّالِثُ قَاسَمَهُمَا إنْ أَحَبَّ أَوْ عَفَا‏.‏

فَيَبْقَى لِلْأَوَّلَيْنِ، وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِي بَعْدَ أَخْذِ الْأَوَّلِ جَمِيعَ الشِّقْصِ الِاقْتِصَارَ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ وَهُوَ الثُّلُثُ‏.‏

فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى مُشْتَرٍ، وَالشَّفِيعُ دَخَلَ عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تَتَبَعَّضُ عَلَيْهِ، فَإِذَا قَدِمَ الثَّالِثُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الثَّانِي ثُلُثَ مَا بِيَدِهِ فَيَضُمَّهُ إلَى مَا بِيَدِ الْأَوَّلِ وَيَقْتَسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ‏.‏

فَتَصِحُّ قِسْمَةُ الشِّقْصِ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ ‏(‏وَلَا يُطَالِبُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَا يُطَالِبُ الْغَائِبُ حَاضِرًا ‏(‏بِمَا أَخَذَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَاضِرُ ‏(‏مِنْ غَلَّتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشِّقْصِ مِنْ ثَمَرٍ وَأُجْرَةٍ وَنَحْوِهِمَا، لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مِلْكُهُ كَمَا لَوْ انْفَصَلَ فِي يَدِ مُشْتَرٍ قَبْلَ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ تَرَكَ الْأَوَّلُ الْأَخْذَ تَوَفَّرَتْ لِصَاحِبَيْهِ‏.‏

فَإِذَا قَدِمَ الْأَوَّلُ أَخَذَ الْجَمِيعَ أَوْ تَرَكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ‏.‏

وَإِنْ أَخَذَ الْأَوَّلُ جَمِيعَ الشِّقْصِ ثُمَّ رَدَّهُ لِعَيْبٍ فِيهِ، تَوَفَّرَتْ عَلَى صَاحِبَيْهِ لِرُجُوعِهِ لِمُشْتَرٍ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ عَوْدِهِ إلَيْهِ بِنَحْوِ هِبَةٍ‏.‏

وَإِنْ لَمْ يَقْدَمُ الثَّالِثُ حَتَّى قَاسَمَ الثَّانِي الْأَوَّلَ فَأَخَذَ بِحَقِّهِ مِنْ الشُّفْعَةِ بَطَلَتْ الْقِسْمَةُ‏.‏

وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ الثَّالِثُ حَتَّى غَابَ أَحَدُ شَرِيكَيْهِ أَخَذَ مِنْ الْحَاضِرِ ثُلُثَ مَا بِيَدِهِ‏.‏

ثُمَّ إنْ قُضِيَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ أَخَذَ ثُلُثَ مَا بِيَدِهِ وَإِلَّا انْتَظَرَهُ‏.‏

‏(‏وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي‏)‏ لِلشِّقْصِ ‏(‏شَرِيكًا‏)‏ فِي الْعَقَارِ، وَثَمَّ شَرِيكٌ آخَرُ ‏(‏أَخَذَ‏)‏ أَيْ‏:‏ اسْتَقَرَّ لِمُشْتَرٍ مِنْ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ ‏(‏بِحِصَّتِهِ‏)‏ نَصًّا‏.‏

فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الشَّرِكَةِ‏.‏

كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَهُمَا ‏(‏فَإِنْ عَفَا‏)‏ مُشْتَرٍ عَنْ شُفْعَتِهِ ‏(‏لِيُلْزِمَ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشِّقْصِ جَمِيعَهُ ‏(‏غَيْرَهُ‏)‏ مِنْ الشُّرَكَاءِ ‏(‏لَمْ يَلْزَمْهُ‏)‏ أَخْذُ جَمِيعِهِ، وَلَمْ يَصِحَّ الْإِسْقَاطُ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ كَالْحَاضِرِ مِنْ شَفِيعَيْنِ إذَا أَخَذَ الْجَمِيعَ وَحَضَرَ الْآخَرُ وَطَلَبَ حَقَّهُ مِنْهَا‏.‏

فَقَالَ‏:‏ خُذْ الْكُلَّ أَوْ دَعْهُ‏.‏

‏(‏وَلِشَفِيعٍ فِيمَا بِيعَ عَلَى عَقْدَيْنِ الْأَخْذُ‏)‏ بِالشُّفْعَةِ ‏(‏بِهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَقْدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ شَفِيعٌ فِيهِمَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَهُ الْأَخْذُ ‏(‏بِأَحَدِهِمَا‏)‏ أَيُّهُمَا أَرَادَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَيْعٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَهُوَ يَسْتَحِقُّهُمَا ‏(‏وَيُشَارِكُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّفِيعَ ‏(‏مُشْتَرٍ إذَا أَخَذَ بِ‏)‏ الْعَقْدِ ‏(‏الثَّانِي فَقَطْ‏)‏ أَيْ‏:‏ دُونَ الْأَوَّلِ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِيهِ، فَهُوَ شَرِيكٌ فِي الْبَيْعِ الثَّانِي‏.‏

فَإِنْ أَخَذَا بِالْبَيْعَيْنِ أَوْ بِالْأَوَّلِ لَمْ يُشَارِكْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَسْبِقْ لَهُ شَرِكَةٌ‏.‏

وَإِنْ بِيعَ شِقْصٌ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَقْدَيْنِ فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِالْجَمِيعِ وَبِبَعْضِهَا وَيُشَارِكُهُ مُشْتَرٍ إنْ أَخَذَ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ بِنَصِيبِهِ مِمَّا قَبْلَهُ‏.‏

‏(‏وَإِنْ اشْتَرَى اثْنَانِ حَقَّ وَاحِدٍ‏)‏ صَفْقَةً وَاحِدَةً، ‏(‏أَوْ‏)‏ اشْتَرَى ‏(‏وَاحِدٌ حَقَّ اثْنَيْنِ‏)‏ صَفْقَةً وَاحِدَةً ‏(‏أَوْ‏)‏ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ آخَرَ ‏(‏شِقْصَيْنِ مِنْ عَقَارَيْنِ صَفْقَةً‏)‏ وَاحِدَةً ‏(‏فَلِلشَّفِيعِ‏)‏ فِي الْأُولَتَيْنِ ‏(‏أَخْذُ حَقِّ أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ أَوْ الْبَائِعَيْنِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مَعَ اثْنَيْنِ بَائِعَيْنِ أَوْ مُشْتَرِيَيْنِ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ‏.‏

فَإِنْ بَاعَ اثْنَانِ مِنْ اثْنَيْنِ فَهِيَ أَرْبَعَةُ عُقُودٍ، لِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِالْكُلِّ وَبِمَا شَاءَ مِنْهُمَا‏.‏

وَإِنْ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ، وَغَيْرِهِ بِالْوَكَالَةِ أَوْ بَاعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ شَرِيكِهِ بِالْوَكَالَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ لِتَعَدُّدِ مَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَقْدُ أَوْ مِنْهُ، ‏(‏وَ‏)‏ لِشَفِيعٍ فِيمَا إذَا بَاعَ شَرِيكُهُ شِقْصَيْنِ مِنْ عَقَارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً ‏(‏أَخْذُ الشِّقْصَيْنِ‏)‏ مِنْ أَحَدِ الْعَقَارَيْنِ دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ قَدْ يَلْحَقُهُ بِأَرْضٍ دُونَ أُخْرَى ‏(‏وَ‏)‏ لِشَفِيعٍ ‏(‏أَخْذُ شِقْصٍ‏)‏ مَشْفُوعٍ ‏(‏بِيعَ مَعَ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ‏)‏ كَثَوْبٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ خَاتَمٍ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَيَأْخُذُهُ ‏(‏بِحِصَّتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ قِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ، و‏(‏يُقَسَّمُ الثَّمَنُ‏)‏ الْمُسَمَّى ‏(‏عَلَى قِيمَتِهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ قِيمَةِ الشِّقْصَيْنِ، أَوْ قِيمَةِ الشِّقْصِ وَقِيمَةِ مَا مَعَهُ نَصًّا‏.‏

فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الشِّقْصِ مِائَةٌ وَقِيمَةُ مَا مَعَهُ عِشْرِينَ أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ ‏(‏بِخَمْسَةِ أَسْدَاسٍ‏)‏ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الْخَامِسُ‏:‏ سَبْقُ مِلْكِ شَفِيعٍ لِلرَّقَبَةِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجُزْءِ مِنْ رَقَبَةٍ مَا مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَبِيعُ بِأَنْ يَمْلِكَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ ثَبَتَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّرِيكِ‏.‏

فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ سَابِقٌ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، وَيُعْتَبَرُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فَلَا تَكْفِي الْيَدُ ‏(‏فَتَثْبُتُ‏)‏ الشُّفْعَةُ ‏(‏لِمُكَاتَبٍ‏)‏ كَغَيْرِهِ و‏(‏لَا‏)‏ تَثْبُتُ ‏(‏لِأَحَدِ اثْنَيْنِ اشْتَرَيَا دَارًا صَفْقَةً عَلَى الْآخَرِ‏)‏ إذْ لَا سَبْقَ، ‏(‏وَ‏)‏ كَذَا ‏(‏لَوْ‏)‏ جُهِلَ السَّبْقُ ‏(‏مَعَ ادِّعَاءِ كُلٍّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏السَّبْقَ وَتَحَالَفَا أَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتُهُمَا‏)‏ بِأَنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِسَبْقِ مِلْكِهِ وَتَجَدُّدِ مِلْكِ صَاحِبِهِ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ، ‏(‏وَلَا‏)‏ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِمَالِكٍ ‏(‏بِمِلْكٍ غَيْرِ تَامٍّ كَشَرِكَةِ وَقْفٍ‏)‏ وَلَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ‏.‏

فَلَا يَأْخُذُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ بِالشُّفْعَةِ لِقُصُورِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ بِمِلْكِ ‏(‏الْمَنْفَعَةِ‏.‏

كَبَيْعِ شِقْصٍ مِنْ دَارٍ مُوصًى بِنَفْعِهَا لَهُ‏)‏ فَلَا شُفْعَةَ لِمُوصًى لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ فَلَا تَجِبُ بِهَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏تصرف المشتر في المشفوع بعد الشفيع الشفعة‏]‏

وَتَصَرُّفُ مُشْتَرٍ‏)‏ فِي شِقْصٍ ‏(‏مَشْفُوعٍ‏)‏ ‏(‏بَعْدَ طَلَبِ‏)‏ شَفِيعٍ بِشُفْعَةٍ ‏(‏بَاطِلٌ‏)‏ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ لِلشَّفِيعِ بِالطَّلَبِ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِهِ هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ لِحَقِّهِ‏.‏

وَإِنْ نَهَى شَفِيعٌ مُشْتَرِيًا عَنْ التَّصَرُّفِ بِلَا طَلَبٍ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَمْتَنِعْ تَصَرُّفُهُ وَسَقَطَتْ الشُّفْعَةُ لِتَرَاخِيهِ، ‏(‏وَ‏)‏ تَصَرُّفُ مُشْتَرٍ ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الطَّلَبِ ‏(‏بِوَقْفٍ‏)‏ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بِمَا لَا تَجِبُ بِهِ شُفْعَةٌ ابْتِدَاءً كَجَعْلِهِ مَهْرًا أَوْ عِوَضًا فِي خُلْعٍ‏)‏ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ جَعْلِهِ ‏(‏صُلْحًا عَنْ دَمِ عَمْدٍ يُسْقِطُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشُّفْعَةَ؛ لِأَنَّ فِي الشُّفْعَةِ إضْرَارًا بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ إذَنْ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ إنَّمَا يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ تَسْقُطُ بِتَصَرُّفِ مُشْتَرٍ فِي شِقْصٍ قَبْلَ طَلَبٍ ‏(‏بِرَهْنٍ أَوْ إجَارَةٍ‏)‏ لِبَقَائِهِ فِي مِلْكِ مُشْتَرٍ، وَسَبْقَ تَعَلُّقُ حَقِّ شَفِيعٍ عَلَى حَقِّ مُرْتَهِنٍ وَمُسْتَأْجِرٍ ‏(‏وَيَنْفَسِخَانِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ ‏(‏بِأَخْذِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ الْمَرْهُونَ أَوْ الْمُؤَجَّرَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حِينِ الْأَخْذِ لِسَبْقِ حَقِّهِمَا وَلِخُرُوجِ الشِّقْصِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي قَهْرًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَلِاسْتِنَادِ الْآخِذِ إلَى حَالِ الشِّرَاءِ‏.‏

وَإِنْ وَصَّى بِالشِّقْصِ فَإِنْ أَخَذَ شَفِيعٌ قَبْلَ قَبُولٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَاسْتَقَرَّ الْأَخْذُ‏.‏

وَكَذَا لَوْ طَلَبَ وَلَمْ يَأْخُذْ وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَى الْوَرَثَةِ‏.‏

وَإِنْ قَبِلَ مُوصًى لَهُ قَبْلَ أَخْذِ شَفِيعٍ وَطَلَبِهِ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ‏.‏

وَإِنْ ارْتَدَّ مُشْتَرٍ وَقُتِلَ أَوْ مَاتَ فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ بَاعَ‏)‏ مُشْتَرٍ الشِّقْصَ ‏(‏أَخَذَهُ شَفِيعٌ بِثَمَنِ أَيْ‏:‏ الْبَيْعَيْنِ شَاءَ‏)‏؛ لِأَنَّ سَبَبَ الشُّفْعَةِ الشِّرَاءُ وَقَدْ وُجِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَلِأَنَّهُ شَفِيعٌ فِي الْعَقْدَيْنِ‏.‏

وَكَذَا لَوْ تَعَدَّدَتْ الْبُيُوعُ‏.‏

فَإِنْ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ انْفَسَخَ مَا بَعْدَهُ‏.‏

وَإِنْ أَخَذَ بِالْأَخِيرِ لَمْ يَنْفَسِخْ شَيْءٌ مِنْهَا‏.‏

وَإِنْ أَخَذَ بِالْمُتَوَسِّطِ انْفَسَخَ مَا بَعْدَهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ، ‏(‏وَيَرْجِعُ مَنْ أُخِذَ الشِّقْصُ مِنْهُ بِبَيْعٍ قَبْلَ بَيْعِهِ عَلَى بَائِعِهِ بِمَا أَعْطَاهُ‏)‏ مِنْ ثَمَنِهِ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ الْأَوَّلُ بِعَشَرَةِ أَرَادِبَ شَعِيرٍ، وَالثَّانِي بِعَشَرَةِ أَرَادِبَ فُولٍ، وَالثَّالِثُ بِعَشَرَةِ أَرَادِبَ قَمْحٍ وَأَخَذَ الشَّفِيعُ مِنْ الْأَوَّلِ دَفَعَ لَهُ الْعَشَرَةَ أَرَادِبَ شَعِيرٍ، وَيَرْجِعُ كُلٌّ مِنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَى بَائِعِهِ بِمَا دَفَعَ لَهُ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ رَجَعَ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي دَفَعَ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي عَشَرَةَ أَرَادِبَ فُولٍ، وَيَرْجِعُ الثَّالِثُ عَلَى الثَّانِي بِمَا دَفَعَهُ لَهُ‏.‏

وَإِنْ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الثَّالِثُ دَفَعَ لِلْمُشْتَرِي الثَّالِثِ عَشَرَةَ أَرَادِبَ قَمْحٍ‏.‏

وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَى غَيْرِهِ‏.‏

‏(‏وَلَا تَسْقُطُ‏)‏ الشُّفْعَةُ ‏(‏بِفَسْخِ‏)‏ الْبَيْعِ ‏(‏لِتَحَالُفٍ‏)‏ لِاخْتِلَافِ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ فِي قَدْرِ ثَمَنٍ لِسَبْقِ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ الْفَسْخَ، ‏(‏وَيُؤْخَذُ‏)‏ الشِّقْصُ ‏(‏بِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ بِثَمَنٍ ‏(‏حَلَفَ عَلَيْهِ بَائِعٌ‏)‏؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مُقِرٌّ بِالْبَيْعِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلِلشَّفِيعِ بِاسْتِحْقَاقٍ الشُّفْعَةُ بِهِ، فَإِذَا بَطَلَ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِإِنْكَارِهِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ شَفِيعٍ، فَلَهُ إبْطَالُ فَسْخِهِمَا لِسَبْقِ حَقِّهِ، ‏(‏وَلَا‏)‏ تَسْقُطُ شُفْعَةٌ ‏(‏بِإِقَالَةٍ، أَوْ‏)‏ فَسْخٍ لِ ‏(‏عَيْبٍ فِي شِقْصٍ‏)‏ فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ وَتَبْطُلُ الْإِقَالَةُ وَالْفَسْخُ لِسَبْقِ حَقِّهِ ‏(‏وَ‏)‏ فَسْخُ بَيْعٍ لِعَيْبٍ ‏(‏فِي ثَمَنِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ ‏(‏الْمُعَيَّنِ‏)‏ كَهَذَا الْعَبْدِ، فَوَجَدَهُ أَصَمَّ مَثَلًا، وَفُسِخَ ‏(‏قَبْلَ أَخْذِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ ‏(‏بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشُّفْعَةِ ‏(‏يُسْقِطُهَا‏)‏ لِئَلَّا يَنْضَرَّ الْبَائِعُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الْفَسْخِ وَالشُّفْعَةِ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ فَلَا تَثْبُتُ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلَ بِهِ الضَّرَرُ، وَلِسَبْقِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ لِاسْتِنَادِهِ إلَى وُجُودِ الْعَيْبِ وَهُوَ مَوْجُودٌ حَالَ الْبَيْعِ، وَالشُّفْعَةُ ثَبَتَتْ بِالْبَيْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ فِي الشِّقْصِ‏.‏

فَإِنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي إنَّمَا هُوَ فِي اسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مِنْ الشَّفِيعِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الرَّدِّ‏.‏

وَهُنَا حَقُّ الْبَائِعِ فِي اسْتِرْجَاعِ الشِّقْصِ وَلَا يَحْصُلَ مَعَ الْأَخْذِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِالْفَسْخِ لِعَيْبٍ فِي الثَّمَنِ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ بَعْدَ الْأَخْذِ بِهَا لِمِلْكِ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ بِالْأَخْذِ‏.‏

فَلَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ إبْطَالَ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِأَجْنَبِيٍّ‏.‏

‏(‏وَلِبَائِعٍ‏)‏ فَسْخٌ بَعْدَ أَخْذِ شَفِيعٍ ‏(‏إلْزَامُ مُشْتَرٍ بِقِيمَةِ شِقْصِهِ‏)‏؛ لِفَوَاتِهِ عَلَيْهِ بِيَدِهِ ‏(‏وَبِتَرَاجُعِ مُشْتَرٍ وَشَفِيعٍ بِمَا بَيْنَ قِيمَةِ‏)‏ شِقْصٍ ‏(‏وَثَمَنِهِ‏)‏ وَهُوَ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي الْمِثَالِ‏.‏

لِأَنَّ الشَّفِيعَ أَخَذَهُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى عَيْبِ الْعَبْدِ بِقِيمَتِهِ، وَبَعْدَ الْفَسْخِ اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ عَلَى قِيمَةِ الشِّقْصِ وَالشَّفِيعُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ ‏(‏فَيَرْجِعُ دَافِعُ الْأَكْثَرِ‏)‏ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ‏(‏بِالْفَضْلِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الزَّائِدِ‏.‏

فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الشِّقْصِ ثَمَانِينَ وَالْعَبْدِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ مِائَةً وَكَانَ الْمُشْتَرِي أَخَذَ الْمِائَةَ مِنْ الشَّفِيعِ رَجَعَ الشَّفِيعُ عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ‏.‏

لِأَنَّ الشِّقْصَ إنَّمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ بِثَمَانِينَ‏.‏

‏(‏وَلَا يَرْجِعُ شَفِيعٌ عَلَى مُشْتَرٍ بِأَرْشِ عَيْبٍ فِي ثَمَنٍ عَفَا عَنْهُ بَائِعٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَبْرَأَهُ مِنْهُ كَمَا لَوْ حَطَّ عَنْهُ بَعْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ لُزُومِ بَيْعٍ، وَإِنْ اخْتَارَ بَائِعٌ أَخْذَ أَرْشِ عَيْبِ الثَّمَنِ لَمْ يَرْجِعْ مُشْتَرٍ عَلَى شَفِيعٍ بِشَيْءٍ إنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ الْعَبْدِ غَيْرَ مَعِيبٍ وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ بِبَدَلِ أَرْشِهِ‏.‏

فَإِنْ عَادَ الشِّقْصُ إلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الشَّفِيعِ أَوْ غَيْرِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَمْلِكْ بَائِعٌ اسْتِرْجَاعَهُ بِمُقْتَضَى فَسْخِهِ لِعَيْبِ الثَّمَنِ السَّابِقِ لِزَوَالِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَنْهُ وَانْقِطَاعِ حَقِّهِ مِنْهُ إلَى الْقِيمَةِ، فَإِذَا أَخَذَهَا الْبَائِعُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ بِخِلَافِ مَغْصُوبٍ أُخِذَتْ قِيمَتُهُ لِنَحْوِ إبَاقِهِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ‏.‏

لِأَنَّ مِلْكَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ، وَإِنْ بَانَ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ أَخَذَ بِهَا رَدَّ مَا أَخَذَ عَلَى بَائِعِهِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ الشَّفِيعِ وَالْمُتَبَايِعِينَ، ‏(‏وَإِنْ أَدْرَكَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ ‏(‏شَفِيعٌ وَقَدْ اشْتَغَلَ بِزَرْعِ مُشْتَرٍ، أَوْ‏)‏ أَدْرَكَهُ وَقَدْ ‏(‏ظَهَرَ ثَمَرٌ‏)‏ فِي شَجَرَةٍ بَعْدَ شِرَائِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَدْرَكَهُ شَفِيعٌ وَقَدْ ‏(‏أُبِّرَ طَلْعٌ‏)‏ لِنَخْلٍ بِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَهُ بِلَا تَأْبِيرٍ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ كَظُهُورِ لُقَطَةٍ مِنْ قِثَّاءٍ أَوْ بَاذِنْجَانَ وَنَحْوِهِ بِالشِّقْصِ بِأُصُولِهِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ شَفِيعٌ، ‏(‏فَ‏)‏ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ وَالطَّلْعُ الْمُؤَبَّرُ وَنَحْوُهُ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُشْتَرِي دُونَ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ نَمَاءُ بَذْرِهِ وَالثَّمَرَ وَنَحْوِهِ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ ‏(‏وَيَبْقَى‏)‏ زَرْعٌ ‏(‏لِحَصَادٍ وَ‏)‏ يَبْقَى ثَمَرٌ وَنَحْوُهُ لِ ‏(‏جُذَاذٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَلِقَاطٍ فِي نَحْوِ بَامِيَا وَخِيَارٍ ‏(‏بِلَا أُجْرَةٍ‏)‏ عَلَى مُشْتَرٍ لِشَفِيعٍ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ كَالشِّرَاءِ الثَّانِي مِنْ الْمُشْتَرِي فَحُكْمُهُ كَالْبَيْعِ‏.‏

فَإِنْ كَانَ الطَّلْعُ

مَوْجُودًا حِينَ الشِّرَاءِ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ وَأُبِّرَ عِنْدَ مُشْتَرٍ فَكَذَلِكَ، لَكِنْ يَأْخُذُ شَفِيعٌ أَرْضًا وَنَخْلًا بِحِصَّتِهِمَا مِنْ ثَمَنٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ مَا شَمِلَهُ عَقْدُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ‏.‏

بِخِلَافِ مَا لَوْ نَمَا مَبِيعٌ بِيَدِ مُشْتَرٍ نَمَاءً مُتَّصِلًا كَالشَّجَرِ يَكْبَرُ وَالنَّخْلِ يَطْلُعُ وَلَمْ يُؤَبَّرْ، فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِزِيَادَتِهِ لِتَبَعِهَا لَهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ‏.‏

وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ الزَّوْجُ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ زَائِدًا إذَا طَلَّقَ قَبْلَ دُخُولٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى رُجُوعِهِ بِالْقِيمَةِ إذَا فَاتَهُ الرُّجُوعُ بِالْعَيْنِ‏.‏

وَفِي مَسْأَلَةِ الشَّفِيعِ إنْ لَمْ يَرْجِعْ فِي الشِّقْصِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ قَاسَمَ مُشْتَرٍ شَفِيعًا أَوْ‏)‏ قَاسَمَ ‏(‏‏(‏وَكِيلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّفِيعِ لِإِظْهَارِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُشْتَرِي لِشَفِيعٍ ‏(‏زِيَادَةَ ثَمَنٍ وَنَحْوَهُ‏)‏ كَإِظْهَارِهِ أَنَّ الشَّرِيكَ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ وَنَحْوَهُ ‏(‏ثُمَّ غَرَسَ‏)‏ مُشْتَرٍ ‏(‏أَوْ بَنَى‏)‏ فِيمَا خَرَجَ بِالْقِسْمَةِ ثُمَّ ظَهَرَ الْحَالُ ‏(‏لَمْ تَسْقُطْ‏)‏ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الشَّفِيعِ الطَّلَبَ بِهَا لَيْسَ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهَا بَلْ لِمَا أَظْهَرَهُ الْمُشْتَرِي وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا أَوْ صَغِيرًا وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي الْقِسْمَةَ مِنْ الْحَاكِمِ أَوْ وَلِيِّ الصَّغِيرِ فَقَاسَمَهُ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ وَبَلَغَ الصَّغِيرُ فَلَهُمَا الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ ‏(‏وَلِرَبِّهِمَا‏)‏ أَيْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ إذَا أُخِذَ الشِّقْصُ بِالشُّفْعَةِ ‏(‏أَخَذَهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ قَلْعُ غِرَاسِهِ وَبِنَائِهِ لِأَنَّهُمَا نَمَاءُ مِلْكِهِ عَلَى انْفِرَادِهِ ‏(‏وَلَوْ مَعَ ضَرَرِ‏)‏ أَرْضٍ لِأَنَّهُ تَخْلِيصٌ لِعَيْنِ مَالِهِ مِمَّا كَانَ حِينَ الْوَضْعِ فِي مِلْكِهِ‏.‏

‏(‏وَلَا يَضْمَنُ‏)‏ مُشْتَرٍ قَلْعَ غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهٍ ‏(‏نَقْصًا‏)‏ حَصَلَ فِي أَرْضٍ ‏(‏بِقَلْعٍ‏)‏ لِانْتِفَاءِ عُدْوَانِهِ، ثُمَّ اخْتَارَ شَفِيعٌ أَخْذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ تَرْكَهُ، ‏(‏فَإِنْ أَبَى‏)‏ مُشْتَرٍ قَلْعَ غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهِ ‏(‏فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ مِلْكًا ‏(‏بِقِيمَتِهِ حِينَ تَقْوِيمِهِ‏)‏ لَا بِمَا أَنْفَقَ الْمُشْتَرِي زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ، فَتُقَوَّمُ الْأَرْضُ مَغْرُوسَةً أَوْ مَبْنِيَّةً ثُمَّ تُقَوَّمُ خَالِيَةً مِنْهُمَا فَمَا بَيْنَهُمَا فَقِيمَةُ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فَيَدْفَعُهُ شَفِيعٌ لِمُشْتَرٍ إنْ أَحَبَّ أَوْ مَا نَقَصَ مِنْهُ إنْ اخْتَارَ الْقَلْعَ‏.‏

لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي زَادَ بِالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ‏.‏

جَزَمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ ‏(‏أَوْ بِقَلْعِهِ وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ‏)‏ بِقَلْعِهِ ‏(‏مِنْ قِيمَتِهِ‏)‏ عَلَى مَا سَبَقَ، ‏(‏فَإِنْ أَبَى‏)‏ شَفِيعٌ ذَلِكَ ‏(‏فَلَا شُفْعَةَ‏)‏ أَيْ‏:‏ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُضَارٌّ، ‏(‏وَإِنْ حَفَرَ‏)‏ مُشْتَرٍ فِي أَرْضٍ مِنْهَا الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ ‏(‏بِئْرًا‏)‏ لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ شَفِيعٍ لِإِظْهَارِ زِيَادَةِ ثَمَنٍ وَنَحْوَهُ ثُمَّ عَلِمَ وَأَخَذَ بِالشُّفْعَةِ، وَكَذَا لَوْ قَاسَمَ كَمَا تَقَدَّمَ وَحَفَرَ فِي نَصِيبِهِ بِئْرًا ثُمَّ أَخَذَهُ شَفِيعٌ ‏(‏أَخَذَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْبِئْرَ تَبَعًا لِلشِّقْصِ ‏(‏وَلَزِمَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّفِيعَ لِمُشْتَرٍ ‏(‏أُجْرَةُ مِثْلِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْبِئْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ بِحَفْرِهَا، فَإِنْ طَوَاهَا فَكَالْبِنَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَإِنْ بَاعَ شَفِيعٌ شِقْصَهُ‏)‏ مِنْ أَرْضٍ بِهَا الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ ‏(‏قَبْلَ عِلْمِهِ‏)‏ بِبَيْعِ شَرِيكِهِ ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏عَلَى شُفْعَتِهِ‏)‏ لِثُبُوتِهَا لَهُ حِينَ بَيْعِ شَرِيكِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى عَفْوِهِ عَنْهَا، ‏(‏وَتَثْبُتُ‏)‏ الشُّفْعَةُ ‏(‏لِمُشْتَرٍ‏)‏ لَمْ يَعْلَمْ شَفِيعٌ بِشِرَائِهِ حِينَ بِيعَ شِقْصُهُ ‏(‏فِي ذَلِكَ‏)‏ الَّذِي بَاعَهُ الشَّفِيعُ قَبْلَ عِلْمِهِ، سَوَاءٌ أَخَذَ مِنْهُ مَا اشْتَرَاهُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الرَّقَبَةِ‏.‏

أَشْبَهَ الْمَالِكَ الَّذِي لَمْ يُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ شَفْعُهُ، وَإِنْ بَاعَ شَفِيعٌ جَمِيعَ حِصَّتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِبَيْعِ شَرِيكِهِ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ بَاعَ بَعْضَ حِصَّتِهِ عَالِمًا فَفِي سُقُوطِ الشُّفْعَةِ وَجْهَانِ‏:‏ قَالَ الْحَارِثِيُّ عَنْ عَدَمِ السُّقُوطِ‏:‏ إنَّهُ أَصَحُّ لِقِيَامِ الْمُقْتَضَى وَهُوَ الشَّرِكَةُ، وَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ شُفْعَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي إذَنْ‏؟‏ فِيهِ وَجْهَانِ‏.‏

قَالَ فِي الْمُغْنِي‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ لَهُ الشُّفْعَةُ وَهُوَ الْقِيَاسُ‏.‏

‏(‏وَتَبْطُلُ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَسْقُطُ شُفْعَةٌ ‏(‏بِمَوْتِ شَفِيعٍ‏)‏ قَبْلَ طَلَبٍ مَعَ قُدْرَةٍ أَوْ إشْهَادٍ مَعَ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ خِيَارٍ شُرِعَ لِلتَّمْلِيكِ أَشْبَهَ الْإِيجَابَ قَبْلَ قَبُولٍ، وَلِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بَقَاؤُهُ عَلَى الشُّفْعَةِ لِاحْتِمَالِ رَغْبَتِهِ عَنْهَا فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ مَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِمَوْتِ شَفِيعٍ ‏(‏بَعْدَ طَلَبِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُشْتَرِي بِهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ بَعْدَ ‏(‏إشْهَادٍ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الطَّلَبِ ‏(‏حَيْثُ اُعْتُبِرَ‏)‏ الْإِشْهَادُ لِمَرَضِ شَفِيعٍ وَنَحْوِهِ، ‏(‏وَتَكُونُ‏)‏ الشُّفْعَةُ إذَا مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ ‏(‏لِوَرَثَتِهِ كُلِّهِمْ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ‏)‏؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ يَنْتَقِلُ بِهِ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى مُقَابَلَةِ مُقَرَّرٍ لِلْحَقِّ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا‏.‏

فَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهُمْ وَلَا لِبَعْضِهِمْ رَدٌّ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى مُوَرِّثِهِمْ بِطَلَبِهِ، وَعَلَى الثَّانِي إذَا عَفَا بَعْضُهُمْ تَوَفَّرَ عَلَى الْبَاقِينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ إلَّا أَخْذُ الْكُلِّ أَوْ تَرْكُهُ كَالشُّفَعَاءِ إذَا عَفَا بَعْضُهُمْ ‏(‏فَإِنْ عَدِمُوا‏)‏ أَيْ‏:‏ وَرَثَتُهُ مَنْ مَاتَ بَعْدَ طَلَبِهِ أَوْ إشْهَادٍ عَلَيْهِ ‏(‏فَلِإِمَامٍ الْأَخْذُ بِهَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَقِرٌّ لِمَيِّتٍ لَا وَارِثَ لَهُ، فَمَلَكَ الْإِمَامُ أَخْذَهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ قُلْتُ‏:‏ الْقِيَاسُ أَنَّهُ مِلْكُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ‏.‏

عَلَى وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ إعْطَاؤُهُ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏امتلاك الشقص المشفوع بالأخذ بالشفعة‏]‏

‏(‏وَيَمْلِكُ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ‏)‏ ‏(‏شَفِيعٌ‏)‏ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ ‏(‏مُلِئَ بِقَدْرِ ثَمَنِهِ‏)‏ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ شِرَاؤُهُ بِهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا ‏"‏ هُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجَمِ، وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا اسْتَحَقَّ الشِّقْصَ بِالْبَيْعِ فَكَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ بِالثَّمَنِ كَالْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَخْذُ لِحَاجَتِهِ خَاصَّةً ‏(‏الْمَعْلُومِ‏)‏ لِشَفِيعٍ‏.‏

لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ أَخْذٌ بِعِوَضٍ، فَاشْتُرِطَ عِلْمُ بَاذِلِهِ بِهِ قَبْلَ إقْدَامِهِ عَلَى الْتِزَامِهِ كَمُشْتَرِي الْمَبِيعِ، ‏(‏وَيَدْفَعُ‏)‏ لِمُشْتَرٍ ‏(‏مِثْلَ‏)‏ ثَمَنِ ‏(‏مِثْلِيٍّ‏)‏ كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَحُبُوبٍ وَأَدْهَانٍ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ مِنْ طَرِيقِ الصُّورَةِ وَالْقِيمَةِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِمَّا سِوَاهُ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ بَدَلُ الثَّمَنِ فَكَانَ مِثْلُهُ كَبَدَلِ قَرْضٍ وَمُتْلَفٍ ‏(‏وَ‏)‏ يَدْفَعُ لِمُشْتَرٍ ‏(‏قِيمَةَ‏)‏ ثَمَنٍ ‏(‏مُتَقَوِّمٍ‏)‏ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ نَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ فِي الْإِتْلَافِ وَتُعْتَبَرُ وَقْتَ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ سَوَاءٌ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ بَعْدُ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ خِيَارٌ اُعْتُبِرَتْ عِنْدَ لُزُومِهِ‏.‏

لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ، ‏(‏فَإِنْ تَعَذَّرَ‏)‏ عَلَى شَفِيعٍ ‏(‏مِثْلُ مِثْلِيٍّ‏)‏ لِعَدَمِهِ ‏(‏فَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏قِيمَتُهُ‏)‏ لِأَنَّهَا بَدَلُهُ فِي الْإِتْلَافِ ‏(‏أَوْ‏)‏ تَعَذَّرَتْ ‏(‏مَعْرِفَةُ قِيمَةِ‏)‏ الثَّمَنِ ‏(‏الْمُتَقَوِّمِ‏)‏ بِتَلَفٍ أَوْ نَحْوِهِ ‏(‏فَ‏)‏ عَلَى شَفِيعٍ ‏(‏قِيمَةُ شِقْصٍ‏)‏ مَشْفُوعٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ أَنْ تَكُونَ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهَا بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مُحَابَاةً وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا ‏(‏وَإِنْ جَهِلَ الثَّمَنَ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَدْرَهُ كَصُبْرَةٍ تَلِفَتْ أَوْ اخْتَلَطَتْ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ ‏(‏وَلَا حِيلَةَ‏)‏ فِي ذَلِكَ عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ ‏(‏سَقَطَتْ‏)‏؛ لِأَنَّهَا لَا تُسْتَحَقُّ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا لَا يَدَّعِيهِ وَكَمَا لَوْ عَلِمَ قَدْرَ الثَّمَنِ عِنْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ نَسِيَ، ‏(‏فَإِنْ اتَّهَمَهُ‏)‏ شَفِيعٌ أَنَّهُ فَعَلَهُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِهَا ‏(‏حَلَّفَهُ‏)‏ عَلَى نَفْيِهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الشَّفِيعِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ جَهِلَ الثَّمَنَ ‏(‏مَعَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحِيلَةِ ‏(‏فَ‏)‏ عَلَى شَفِيعٍ ‏(‏قِيمَةُ شِقْصٍ‏)‏ وَيَأْخُذُهُ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ بَيْعٌ بِقِيمَتِهِ ‏(‏وَإِنْ عَجَزَ‏)‏ شَفِيعٌ عَنْ ثَمَنِ شِقْصٍ مَشْفُوعٍ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ عَجْزُهُ ‏(‏عَنْ بَعْضِ ثَمَنِهِ‏)‏ أَيْ الشِّقْصِ ‏(‏بَعْدَ إنْظَارِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّفِيعِ ‏(‏ثَلَاثًا‏)‏ أَيْ‏:‏ ثَلَاثَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا مِنْ حِينِ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ عَجْزُهُ نَصًّا وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَعَهُ نَقْدٌ فَيُمْهَلُ بِقَدْرِ مَا يُعِدُّهُ فِيهِ وَالثَّلَاثُ يُمْكِنُ الْإِعْدَادُ فِيهَا غَالِبًا‏.‏

‏(‏فَلِمُشْتَرٍ الْفَسْخُ‏)‏ بِلَا حَاكِمٍ لِتَعَذُّرِ وُصُولِهِ إلَى الثَّمَنِ كَبَائِعٍ بِثَمَنٍ حَالَ تَعَذُّرِ وُصُولِهِ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْأَخْذَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حَاكِمٍ فَلَا يَتَوَقَّفُ فَسْخُ الْأَخْذِ بِهَا عَلَيْهِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْبُيُوعِ وَكَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ أَتَى‏)‏ شَفِيعٌ ‏(‏بِرَهْنٍ‏)‏ عَلَى ثَمَنٍ وَلَوْ مُحْرَزًا ‏(‏أَوْ‏)‏ أَتَى ‏(‏بِضَامِنٍ‏)‏ لَهُ فِيهِ وَلَوْ مَلِيًّا لِبَقَاءِ ضَرَرِهِ بِتَأْخِيرِ الثَّمَنِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تَسْلِيمُ الشِّقْصِ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ ‏(‏وَمَنْ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَتَى ‏(‏بَقِيَ‏)‏ الثَّمَنُ ‏(‏بِذِمَّتِهِ حَتَّى فَلِسَ‏)‏ أَيْ‏:‏ حَجَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ لِفَلَسٍ ‏(‏خُيِّرَ مُشْتَرٍ بَيْنَ فَسْخٍ‏)‏ لِأَخْذٍ بِشُفْعَةٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ إمْضَائِهِ ‏(‏ضَرْبٍ مَعَ الْغُرَمَاءِ‏)‏ بِالثَّمَنِ كَبَائِعٍ إذَا فَلِسَ مُشْتَرٍ، ‏(‏وَ‏)‏ ثَمَنٍ ‏(‏مُؤَجَّلٍ‏)‏ اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ وَلَمْ يُدْرِكْ شَفِيعٌ الْأَخْذَ حَتَّى حَلَّ عَلَى مُشْتَرٍ ‏(‏كَ‏)‏ ثَمَنٍ ‏(‏حَالٍّ‏)‏ ابْتِدَاءً ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَحِلَّ مُؤَجَّلٌ قَبْلَ أَخْذِ شَفِيعٍ ‏(‏فَ‏)‏ إنَّهُ يَأْخُذُهُ بِهِ ‏(‏إلَى أَجَلِهِ إنْ كَانَ‏)‏ الشَّفِيعُ ‏(‏مَلِيًّا‏)‏ أَيْ‏:‏ قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ ‏(‏أَوْ كَفَلَهُ‏)‏ فِيهِ كَفِيلٌ ‏(‏مَلِيءٌ‏)‏ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ، وَالتَّأْجِيلُ مِنْ صِفَاتِهِ وَيَنْتَفِي عَنْهُ الضَّرَرُ بِكَوْنِهِ مَلِيًّا أَوْ كَفَلَهُ مَلِيءٌ وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي مَعَ الْمَلَاءَةِ وَصْفَ الثِّقَةِ، وَإِذَا أَخَذَ بِالثَّمَنِ مُؤَجَّلًا ثُمَّ مَاتَ هُوَ أَوْ مُشْتَرٍ فَحَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْآخَرِ ‏(‏وَيُعْتَدُّ‏)‏ فِي قَدْرِ ثَمَنٍ ‏(‏بِمَا زِيدَ‏)‏ فِيهِ زَمَنٌ مِنْ خِيَارٍ، ‏(‏أَوْ حُطَّ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏زَمَنُهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ كَحَالَةِ الْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ إنَّمَا يَثْبُتُ إذْ لَزِمَ الْعَقْدُ، وَالزِّيَادَةُ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ هِبَةٌ، وَالنَّقْضُ بَعْدَهُ إبْرَاءٌ فَلَا يَثْبُتَانِ فِي حَقِّ شَفِيعٍ‏.‏

‏(‏وَيُصَدَّقُ مُشْتَرٍ بِيَمِينِهِ‏)‏ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ هُوَ وَشَفِيعٌ ‏(‏فِي قَدْرِ ثَمَنٍ‏)‏ اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ أَعْرَفُ بِالثَّمَنِ، وَالشِّقْصُ مِلْكُهُ فَلَا يُنْزَعُ مِنْهُ بِدُونِ مَا يَدَّعِي بِهِ مِنْ قَدْرِ الثَّمَنِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَيْسَ الشَّفِيعُ بِغَارِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ تَمَلُّكَ الشِّقْصِ بِثَمَنِهِ بِخِلَافِ غَاصِبٍ وَنَحْوِهِ، ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الثَّمَنُ ‏(‏قِيمَةَ عَرْضٍ‏)‏ اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ وَاخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ فَقَوْلُ مُشْتَرٍ فِيهَا حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ الْعَرْضُ مَوْجُودًا عُرِضَ عَلَى الْمُقَوِّمِينَ لِيَشْهَدُوا بِقَدْرِ قِيمَتِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُصَدَّقُ مُشْتَرٍ بِيَمِينِهِ ‏(‏فِي جَهْلٍ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِقَدْرِ الثَّمَنِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ جُزَافًا أَوْ بِثَمَنٍ نَسِيَ مَبْلَغَهُ، ‏(‏وَ‏)‏ يُصَدَّقُ مُشْتَرٍ بِيَمِينِهِ فِي ‏(‏أَنَّهُ غَرَسَ أَوْ بَنَى‏)‏ فِي أَرْضٍ مِنْهَا الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ إذَا أَنْكَرَهُ الشَّفِيعُ وَإِنَّهُ كَانَ بِهَا حَالَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَالشَّفِيعُ يُرِيدُ تَمَلُّكَهُ فَيَضِيعُ عَلَيْهِ ‏(‏إلَّا مَعَ بَيِّنَةِ‏)‏ شَفِيعٍ فَيُعْمَلُ بِهَا، ‏(‏وَتُقَدَّمُ‏)‏ بَيِّنَةُ شَفِيعٍ ‏(‏عَلَى بَيِّنَةِ مُشْتَرٍ‏)‏ إنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ وَالْمُشْتَرِي دَاخِلٌ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَائِعٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ ‏(‏إنْ قَالَ‏)‏ مُشْتَرٍ لِشِقْصٍ‏:‏ ‏(‏اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ وَأَثْبَتَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشِّرَاءَ ‏(‏بَائِعٌ بِأَكْثَرَ‏)‏ مِنْ أَلْفٍ ‏(‏فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ أَيْ‏:‏ الشِّقْصِ‏)‏ ‏(‏بِأَلْفٍ‏)‏ لِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي بِاسْتِحْقَاقِ أَخْذِهِ بِهَا فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّ دَعْوَى الْمُشْتَرِي تَتَضَمَّنُ دَعْوَى كَذِبِ الْبَيِّنَةِ، وَإِنَّ الْبَائِعَ ظَلَمَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا حَكَمَ بِهِ الْبَائِعُ لِأَنَّهُ لَا يُكَذِّبُهَا ‏(‏فَإِنْ قَالَ‏)‏ مُشْتَرٍ صَدَقَتْ الْبَيِّنَةُ و‏(‏خَلَطْتُ‏)‏ أَنَا ‏(‏أَوْ نَسِيتُ أَوْ كَذَبْتُ لَمْ يُقْبَلْ‏)‏ رُجُوعُهُ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ إقْرَارٍ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ‏.‏

‏(‏وَإِنْ ادَّعَى شَفِيعٌ‏)‏ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ شِقْصٌ كَانَ لِشَرِيكِهِ ‏(‏شِرَاءَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشِّقْصِ ‏(‏بِأَلْفٍ‏)‏ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ حَرَّرَ الدَّعْوَى فَيُحَدِّدُ الْمَكَانَ الَّذِي مِنْهُ الشِّقْصُ، وَيَذْكُرُ قَدْرَ الشِّقْصِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ غَرِيمُهُ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فَإِنْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ ‏(‏فَقَالَ بَلْ اتَّهَبْتُهُ أَوْ وَرِثْتُهُ حَلَفَ‏)‏ عَلَيْهِ وَلَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْبَيْعُ الْمُثْبِتُ لِلشُّفْعَةِ، ‏(‏فَإِنْ نَكَلَ‏)‏ عَنْ الْيَمِينِ وَجَبَتْ ‏(‏أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ‏)‏ بِالْبَيْعِ وَجَبَتْ ‏(‏أَوْ أَنْكَرَ‏)‏ مُدَّعًى عَلَيْهِ الشِّرَاءَ ‏(‏وَأَقَرَّ بَائِعٌ بِهِ وَجَبَتْ‏)‏ الشُّفْعَةُ لِثُبُوتِ مُوجِبِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُنْتَزَعُ مِنْهُ الشِّقْصَ وَلَيْسَ لِبَائِعٍ وَلَا شَفِيعٍ مُحَاكَمَةُ مُشْتَرٍ لِإِثْبَاتِ الْبَيْعِ فِي حَقِّهِ، و‏(‏يَبْقَى الثَّمَنُ‏)‏ إنْ أَبَى قَبْضَهُ حَتَّى فِي الْمَسْأَلَةِ ‏(‏الْأَخِيرَةِ إنْ أَقَرَّ بَائِعٌ بِقَبْضِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الثَّمَنِ مِمَّنْ اُنْتُزِعَ مِنْهُ ‏(‏فِي ذِمَّةِ شَفِيعٍ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِيَبْقَى ‏(‏حَتَّى يَدَّعِيَهُ مُشْتَرٍ‏)‏ فَيُدْفَعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ غَيْرُهُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَكُنْ بَائِعٌ فِي الْأَخِيرَةِ أَقَرَّ بِقَبْضِ ثَمَنٍ ‏(‏أَخَذَ‏)‏ الشَّفِيعُ ‏(‏الشِّقْصَ مِنْ بَائِعٍ وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ‏)‏ لِاعْتِرَافِهِ بِالْبَيْعِ الْمُوجِبِ لِلشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِحَقَّيْنِ‏:‏ حَقٍّ لِلشَّفِيعِ، وَحَقٍّ لِلْمُشْتَرِي‏.‏

فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِإِنْكَارِهِ وَثَبَتَ حَقُّ الْآخَرِ ‏(‏وَلَوْ ادَّعَى شَرِيكٌ‏)‏ فِي عَقَارٍ فِيهِ الشُّفْعَةُ ‏(‏عَلَى حَاضِرٍ بِيَدِهِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ الْغَائِبِ أَنَّهُ‏)‏ أَيْ الْحَاضِرَ ‏(‏اشْتَرَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشِّقْصَ ‏(‏مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَائِبِ ‏(‏وَأَنَّهُ‏)‏ أَيْ الْمُدَّعِي ‏(‏يَسْتَحِقُّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشِّقْصَ ‏(‏بِالشُّفْعَةِ فَصَدَّقَهُ‏)‏ مُدَّعًى عَلَيْهِ ‏(‏أَخَذَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشِّقْصَ مُدَّعٍ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ، ‏(‏وَكَذَا لَوْ ادَّعَى‏)‏ شَرِيكٌ عَلَى حَاضِرٍ ‏(‏أَنَّكَ بِعْتَ نَصِيبَ الْغَائِبِ بِإِذْنِهِ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ‏)‏ فَلِمُدَّعٍ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ، ‏(‏فَإِذَا قَدِمَ‏)‏ الْغَائِبُ ‏(‏فَأَنْكَرَ‏)‏ الْإِذْنَ فِي الْبَيْعِ ‏(‏حَلَفَ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَانْتَزَعَ الشِّقْصَ وَطَالَبَ بِالْأُجْرَةِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا ‏(‏وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الشَّفِيعِ‏)‏ لِتَلَفِ الْمَنَافِعِ تَحْتَ يَدِهِ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى مَنْ بِيَدِهِ نَصِيبُ الْغَائِبِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فَأَنْكَرَ وَقَالَ‏:‏ إنَّمَا أَنَا وَكِيلٌ فِيهِ أَوْ مُسْتَوْدَعٌ لَهُ فَقَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ‏؟‏ فِيهِ احْتِمَالَانِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏‏[‏الشفعة في شقص ادعى مشتر شراءه لموليه‏]‏

‏(‏وَتَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ شِقْصٍ ‏(‏ادَّعَى‏)‏ مُشْتَرٍ ‏(‏شِرَاءَهُ لِمُوَلِّيهِ‏)‏ أَيْ مَحْجُورِهِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ حَقٌّ ثَبَتَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ فَاسْتَوَى فِيهِ جَائِزُ التَّصَرُّفِ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَقُبِلَ إقْرَارُ وَلِيِّهِ فِيهِ كَإِقْرَارِهِ بِعَيْبٍ فِي مَبِيعِهِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى شِرَاءَهُ لِغَائِبٍ فَثَبَتَ فِيهِ وَيَأْخُذُهُ حَاكِمٌ وَيَدْفَعُهُ لِشَفِيعٍ وَالْغَائِبُ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قَدِمَ، وَإِنْ أَقَرَّ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ لِمُوَكِّلِهِ الْغَائِبِ أَوْ لِمَحْجُورِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِالشِّرَاءِ بَعْدُ لَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِالشِّرَاءِ أَوْ اعْتِرَافِ غَائِبٍ أَوْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بَعْدَ فَكِّهِ بِالشِّرَاءِ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُمَا بِالْإِقْرَارِ فَإِقْرَارُهُ بَعْدَهُ بِالشِّرَاءِ إقْرَارٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَ الْمِلْكِ لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ وَلَمْ يُطَالَبْ بِبَيَانِهِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ ‏(‏مَعَ خِيَارِ‏)‏ مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطِ الْبَائِعِ أَوْ مُشْتَرٍ ‏(‏قَبْلَ انْقِضَائِهِ‏)‏ نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَسْتَقِرُّ وَلِأَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ الْخِيَارِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ بِالْعَقْدِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَا لَوْ بَاعَ شَفِيعٌ حِصَّتَهُ بَعْدَ بَيْعِ شَرِيكِهِ ‏(‏وَعُهْدَةُ شَفِيعٍ‏)‏ إنْ ظَهَرَ الشِّقْصُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا وَأَرَادَ الشَّفِيعُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ أَوْ الْأَرْشِ فَيَكُونُ ‏(‏عَلَى مُشْتَرٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَلَكَهُ مِنْ جِهَتِهِ فَهُوَ كَبَائِعِهِ ‏(‏إلَّا إذَا أَنْكَرَ‏)‏ مُشْتَرٍ الشِّرَاءَ وَلَا بَيِّنَةَ بِهِ ‏(‏وَأَخَذَ‏)‏ الشِّقْصَ ‏(‏مِنْ بَائِعٍ‏)‏ مُقِرٍّ الْبَيْعَ، ‏(‏فَ‏)‏ الْعُهْدَةُ ‏(‏إذَنْ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْبَائِعِ لِحُصُولِ الْمِلْكِ لِلشَّفِيعِ مِنْ جِهَتِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ ‏(‏كَ‏)‏ مَا أَنَّ ‏(‏عُهْدَةِ مُشْتَرٍ‏)‏ عَلَى بَائِعٍ ‏(‏فَإِنْ أَبَى مُشْتَرٍ‏)‏ لِشِقْصٍ مَشْفُوعٍ ‏(‏قَبْضَ مَبِيعٍ‏)‏ لِيُسَلِّمَهُ لِشَفِيعٍ ‏(‏أَجْبَرَهُ حَاكِمٌ‏)‏ لِوُجُوبِ الْقَبْضِ عَلَيْهِ لِيُسَلِّمَهُ لِلشَّفِيعِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ وَرِثَ اثْنَانِ شِقْصًا‏)‏ عَنْ أَبِيهِمَا أَوْ غَيْرِهِ مَعَ تَسَاوٍ أَوْ تَفَاضُلٍ ‏(‏فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ‏)‏ الَّذِي وَرِثَهُ أَوْ بَعْضَهُ ‏(‏فَالشُّفْعَةُ‏)‏ فِي الْمَبِيعِ ‏(‏بَيْنَ‏)‏ الْوَارِثِ ‏(‏الثَّانِي‏)‏ الَّذِي لَمْ يَبِعْ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ بَيْنَ ‏(‏شَرِيكِ مُوَرِّثِهِ‏)‏ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ حَالَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ مَلَكَاهَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ اشْتَرَى اثْنَانِ نِصْفَهَا الْآخَرَ أَوْ اتَّهَبَاهُ أَوْ وَرِثَاهُ وَنَحْوَهُ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَأَرْضًا وَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنَيْنِ وَبَاعَ أَحَدُ الْعَمَّيْنِ نَصِيبَهُ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَ أَخِيهِ وَابْنَيْ أَخِيهِ‏.‏

‏(‏وَلَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ‏)‏ حَالَ بَيْعٍ وَلَوْ كَانَ كُفْرُهُ بِبِدْعَةٍ كَالدُّعَاةِ ‏(‏عَلَى مُسْلِمٍ‏)‏ نَصًّا، وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدُ لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏لَا شُفْعَةَ لِنَصْرَانِيٍّ‏}‏ وَهَذَا يَخُصُّ عُمُومَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ؛ وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِ الْعَقَارُ أَشْبَهَ الِاسْتِيلَاءَ فِي الْبُنْيَانِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ مِلْكِهِ فَقُدِّمَ دَفْعُ ضَرَرِهِ عَلَى دَفْعِ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي‏.‏

وَحَقُّ الْمُسْلِمِ أَرْجَحُ وَرِعَايَتُهُ أَوْلَى وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَشَمِلَ الْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ وَالْمُرْتَدَّ وَمَنْ كَفَرَ بِبِدْعَةٍ وَتَثْبُتُ لِقَرَوِيٍّ عَلَى بَدْوِيٍّ كَعَكْسِهِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ شُفْعَةَ ‏(‏لِمُضَارِبٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ‏)‏ بِأَنْ اشْتَرَى مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ شِقْصًا مَشْفُوعًا لِلْمُضَارِبِ فِيهِ شَرِكَةٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ ‏(‏إنْ ظَهَرَ رِبْحٌ‏)‏ فِي مَالِ مُضَارَبَةٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ فِيهَا جُزْءٌ فَلَا تَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَظْهَرَ فِيهِ رِبْحٌ ‏(‏وَجَبَتْ‏)‏ أَيْ‏:‏ ثَبَتَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ لَهُ نَصًّا؛ لِأَنَّ مَالِكَ الشِّقْصِ لِرَبِّ الْمَالِ أَشْبَهَ الْوَكِيلَ فِي شِرَائِهِ ‏(‏وَلَا‏)‏ شُفْعَةَ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ رَبِّ الْمَالِ ‏(‏عَلَى مُضَارِبٍ‏)‏ بِأَنْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مِنْ مَالِهَا شِقْصًا شَرِكَةً لِرَبِّ الْمَالِ فَلَا شُفْعَةَ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ‏.‏

لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ ‏(‏وَلَا‏)‏ شُفْعَةَ ‏(‏لِمُضَارِبٍ فِيمَا‏)‏ أَيْ فِي شِقْصٍ ‏(‏بَاعَهُ مِنْ مَالِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُضَارَبَةِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُضَارِبِ ‏(‏فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الَّذِي مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَبِيعُ ‏(‏مِلْكٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ كَشِرَائِهِ مِنْ نَفْسِهِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الْمُضَارِبِ ‏(‏الشُّفْعَةُ فِيمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي شِقْصٍ ‏(‏بِيعَ‏)‏ أَيْ‏:‏ بَاعَهُ مَالِكُهُ الْأَجْنَبِيُّ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ مَكَانٍ فِيهِ الشُّفْعَةُ ‏(‏شَرِكَةٌ لِمَالِ الْمُضَارَبَةِ إنْ كَانَ‏)‏ فِي أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ ‏(‏حَظٌّ‏)‏ نَحْوَ كَوْنِهِ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الرِّبْحِ ‏(‏فَإِنْ أَبَى‏)‏ مُضَارِبٌ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ ‏(‏أَخَذَ بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشُّفْعَةِ ‏(‏رَبُّ الْمَالِ‏)‏؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مِلْكُهُ، وَالشَّرِكَةُ حَقِيقَةٌ لَهُ وَلَا يَنْفُذُ عَفْوُ مُضَارِبٍ عَنْهَا‏.‏

لِأَنَّ الْمِلْكَ لِغَيْرِهِ كَعَبْدٍ مَأْذُونٍ وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِسَيِّدٍ عَلَى مُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَلَا يُزَكِّيهِ، وَلِهَذَا جَازَ لَهُ الشِّرَاءُ مِنْهُ بِخِلَافِ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ وَلَمْ يَرَ أَحْمَدُ فِي أَرْضِ السَّوَادِ شُفْعَةً‏.‏

وَكَذَا مَا وُقِفَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَغَيْرِهِمَا‏.‏

إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِبَيْعِهِمَا حَاكِمٌ أَوْ يَفْعَلَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِمَصْلَحَةٍ‏.‏

بَابُ‏:‏ الْوَدِيعَةِ

مِنْ وَدَعَ الشَّيْءَ إذَا تَرَكَهُ لِتَرْكِهَا عِنْدَ الْمُودَعِ أَوْ مِنْ الدَّعَةِ فَكَأَنَّهَا عِنْدَهُ غَيْرُ مُبْتَذَلَةٍ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا، أَوْ مِنْ وَدُعَ إذَا سَكَنَ وَاسْتَقَرَّ فَكَأَنَّهَا سَاكِنَةٌ عِنْدَ الْمُودَعِ‏.‏

قَالَ الْأَزْهَرِيُّ‏:‏ سُمِّيَتْ وَدِيعَةً بِالْهَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ ذَهَبُوا بِهَا إلَى الْأَمَانَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْإِيدَاعِ‏.‏

لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلْيُؤَدِّ الَّذِي ائْتُمِنَ أَمَانَتَهُ‏}‏ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ‏.‏

وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا‏.‏

الْوَدِيعَةُ شَرْعًا ‏(‏الْمَالُ الْمَدْفُوعُ إلَى مَنْ يَحْفَظُهُ بِلَا عِوَضٍ‏)‏ لِحِفْظِهِ فَخَرَجَ الْكَلْبُ وَالْخَمْرُ وَنَحْوُهُمَا‏.‏

وَمَا أَلْقَتْهُ نَحْوُ رِيحٍ مِنْ نَحْوِ ثَوْبٍ إلَى دَارِ غَيْرِهِ‏.‏

وَمَا تَعَدَّى بِأَخْذِهِ، وَالْعَارِيَّةُ وَنَحْوُهَا وَالْأَجِيرُ عَلَى حِفْظِ مَالٍ ‏(‏وَالْإِيدَاعُ تَوْكِيلُ‏)‏ رَبِّ مَالٍ ‏(‏فِي حِفْظِهِ‏)‏ تَبَرُّعًا مِنْ الْحَافِظِ ‏(‏وَالِاسْتِيدَاعُ تَوَكُّلٌ فِي حِفْظِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَالِ غَيْرِهِ ‏(‏كَذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَبَرُّعًا ‏(‏بِغَيْرِ تَصَرُّفٍ‏)‏ فِيهِ، ‏(‏وَيُعْتَبَرُ لَهَا‏)‏ أَيْ الْوَدِيعَةِ أَيْ‏:‏ لِعَقْدِهَا ‏(‏أَرْكَانُ وَكَالَةٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا جَائِزُ التَّصَرُّفِ وَتَعْيِينُ وَدِيعٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْهَا فَتَبْطُلُ بِمَا يُبْطِلُهَا إلَّا إذَا عَزَلَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَزْلِهِ‏.‏

وَإِنْ عَزَلَ نَفْسَهُ فَهِيَ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ كَثَوْبٍ أَطَارَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ يَجِبُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ‏.‏

وَيُسْتَحَبُّ قَبُولُهَا لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ ثِقَةٌ قَادِرٌ عَلَى حِفْظِهَا‏.‏

وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ، ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ الْوَدِيعَةُ ‏(‏أَمَانَةٌ‏)‏ بِيَدِ وَدِيعٍ ‏(‏لَا تُضْمَنُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى سَمَّاهَا أَمَانَةً، وَالضَّمَانُ يُنَافِي الْأَمَانَةَ ‏(‏وَلَوْ تَلِفَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ‏)‏ وَلَمْ يَذْهَبْ مَعَهَا شَيْءٌ مِنْهُ‏.‏

لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا‏:‏‏:‏ ‏{‏مَنْ أُودِعَ وَدِيعَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَلِئَلَّا يَمْتَنِعَ النَّاسُ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا مَعَ مَسِّ الْحَاجَة إلَيْهَا‏.‏

وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ‏"‏ أَنَّهُ ضَمَّنَ إنْسَانًا وَدِيعَةً ذَهَبَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ ‏"‏ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْرِيطِ‏.‏

‏(‏وَيَلْزَمُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَدِيعَ ‏(‏حِفْظُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَدِيعَةِ ‏(‏فِي حِرْزِ مِثْلِهَا عُرْفًا‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا‏}‏، وَلَا يُمْكِنُ أَدَاؤُهَا بِدُونِ حِفْظِهَا‏.‏

وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِيدَاعِ الْحِفْظُ وَالِاسْتِيدَاعُ الْتِزَامُ ذَلِكَ‏.‏

فَإِذَا لَمْ يَحْفَظْهَا لَمْ يَفْعَلْ مَا الْتَزَمَهُ ‏(‏كَحِرْزِ سَرِقَةٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي كُلِّ مَالٍ بِحَسْبِهِ‏.‏

وَيَأْتِي فِي بَابِهَا ‏(‏فَإِنْ عَيَّنَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحِرْزَ ‏(‏رَبُّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَدِيعَةِ‏.‏

بِأَنْ قَالَ‏:‏ احْفَظْهَا بِهَذَا الْبَيْتِ أَوْ الْحَانُوتِ ‏(‏فَأَحْرَزَهَا بِدُونِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ دُونِ الْمُعَيَّنِ رُتْبَةً فِي الْحِفْظِ فَضَاعَتْ ‏(‏ضَمِنَ‏)‏ لِمُخَالَفَتِهِ‏.‏

وَلِأَنَّ بُيُوتَ الدَّارِ تَخْتَلِفُ‏:‏ فَمِنْهَا مَا هُوَ أَسْهَلُ نَقْبًا وَنَحْوُهُ، ‏(‏وَلَوْ رَدَّهَا إلَى‏)‏ الْحِرْزِ ‏(‏الْمُعَيَّنِ‏)‏ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَلِفَتْ فِيهِ فَيَضْمَنُهَا لِتَعَدِّيهِ بِوَضْعِهَا فِي الدُّونِ فَلَا تَعُودُ أَمَانَةً إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ أَحْرَزَهَا ‏(‏بِمِثْلِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحِرْزِ الْمُعَيَّنِ فِي الْحِفْظِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَحْرَزَهَا فِي حِرْزٍ ‏(‏فَوْقَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحِفْظِ مِنْهُ‏.‏

كَمَا لَوْ أَوْدَعَهُ خَاتَمًا وَقَالَ لَهُ‏:‏ الْبَسْهُ فِي خِنْصَرِكَ فَلَبِسَهُ فِي بِنْصِرِهِ ‏(‏وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لَا يَضْمَنُ‏)‏ الْوَدِيعَةَ إنْ تَلِفَتْ‏.‏

لِأَنَّ تَعْيِينَ الْحِرْزِ يَقْتَضِي الْإِذْنَ فِي مِثْلِهِ كَمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا لِزَرْعِ بُرٍّ لَهُ زَرْعُهَا إيَّاهُ وَمِثْلُهُ ضَرَرًا وَاقْتَضَى الْإِذْنَ فِيمَا هُوَ أَحْفَظُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى‏.‏

كَزَرْعِ مَا هُوَ دُونَ الْبُرِّ ضَرَرًا‏.‏

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَعْلِ أَوَّلًا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَبَيْنَ النَّقْلِ إلَيْهِ‏.‏

قَالَ الْحَارِثِيُّ‏.‏

وَفِي التَّلْخِيصِ‏:‏ وَأَصْحَابُنَا لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ تَلَفِهَا بِسَبَبِ النَّقْلِ وَبَيْنَ تَلَفِهَا بِغَيْرِهِ‏.‏

وَعِنْدِي إذَا حَصَلَ التَّلَفُ بِسَبَبِ النَّقْلِ كَانْهِدَامِ الْبَيْتِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ ضَمِنَ انْتَهَى‏.‏

وَإِنْ كَانَتْ عَيْنٌ فِي بَيْتِ رَبِّهَا وَقَالَ لِآخَرَ‏:‏ احْفَظْهَا فِي مَوْضِعِهَا فَنَقَلَهَا مِنْهُ بِلَا خَوْفٍ ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَدِيعٍ بَلْ وَكِيلٌ فِي حِفْظِهَا فَلَا يُخْرِجُهَا مِنْ مِلْكِ صَاحِبِهَا وَلَا مِنْ مَوْضِعٍ اسْتَأْجَرَهُ لَهَا إلَّا إنْ خَافَ عَلَيْهَا فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا وَقَدْ تَعَيَّنَ حِفْظُهَا فِي إخْرَاجِهَا وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ رَبُّهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ لَأَخْرَجَهَا وَكَالْمُسْتَوْدَعِ إذَا خَافَ عَلَيْهَا، ‏(‏وَإِنْ نَهَاهُ‏)‏ رَبُّهَا ‏(‏عَنْ إخْرَاجِهَا‏)‏ مِنْ مَكَان عَيَّنَهُ لِحِفْظِهَا ‏(‏فَأَخْرَجَهَا‏)‏ وَدِيعٌ مِنْهُ ‏(‏لِغَشَيَانٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ وُجُودِ ‏(‏شَيْءٍ الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكُ‏)‏ كَحَرِيقٍ وَنَهْبٍ فَتَلِفَتْ ‏(‏لَمْ يَضْمَنْ‏)‏ مَا تَلِفَ بِنَقْلِهَا ‏(‏إنْ وَضَعَهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا أَوْ فَوْقَهُ‏)‏ لِتَعَيُّنِ نَقْلِهَا؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهَا تَضْيِيعًا لَهَا، ‏(‏فَإِنْ تَعَذَّرَ‏)‏ عَلَيْهِ مِثْلُ حِرْزِهَا الْأَوَّلِ وَفَوْقَهُ ‏(‏فَأَحْرَزَهَا فِي دُونِهِ‏)‏ فِي الْحِفْظِ فَتَلِفَتْ بِهِ ‏(‏لَمْ يَضْمَنْ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهَا مِنْ تَرْكِهَا بِمَكَانِهَا وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إذَنْ سِوَاهُ ‏(‏وَإِنْ تَرَكَهَا إذَنْ‏)‏ بِمَكَانِهَا مَعَ غَشَيَانِ مَا الْغَالِبُ مَعَهُ الْهَلَاكُ فَتَلِفَتْ ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ وَيَحْرُمُ ‏(‏أَوْ أَخْرَجَهَا‏)‏ مِنْ حِرْزٍ نَهَاهُ مَالِكُهَا عَنْ إخْرَاجِهَا مِنْهُ ‏(‏لِغَيْرِ خَوْفٍ فَتَلِفَتْ‏)‏ بِالْأَمْرِ الْمَخُوفِ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏ضَمِنَ‏)‏، سَوَاءٌ أَخْرَجَهَا إلَى مِثْلِهِ أَوْ أَحْرَزَ مِنْهُ لِمُخَالَفَةِ رَبِّهَا بِلَا حَاجَةٍ وَيَحْرُمُ، ‏(‏فَإِنْ قَالَ‏)‏ لَهُ مَالِكُهَا‏:‏ ‏(‏لَا تُخْرِجْهَا وَإِنْ خِفْتَ عَلَيْهَا فَحَصَلَ خَوْفٌ وَأَخْرَجَهَا‏)‏ خَوْفًا عَلَيْهَا ‏(‏أَوْ لَا‏)‏ أَيْ‏:‏ لَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا مَعَ الْخَوْفِ ‏(‏فَتَلِفَتْ‏)‏ مَعَ إخْرَاجِهَا أَوْ تَرْكِهِ ‏(‏لَمْ يَضْمَنْهَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَهَا فَهُوَ مُمْتَثِلٌ أَمْرَ صَاحِبِهَا لِنَهْيِهِ عَنْ إخْرَاجِهَا مَعَ الْخَوْفِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِإِتْلَافِهَا، وَإِنْ أَخْرَجَهَا فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا وَحِفْظًا كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ‏:‏ أَتْلِفْهَا فَلَمْ يُتْلِفْهَا حَتَّى تَلِفَتْ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا بِلَا خَوْفٍ فَتَلِفَتْ ضَمِنَ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَإِنْ لَمْ يَعْلِفْ‏)‏ وَدِيعٌ ‏(‏بَهِيمَةً‏)‏ أَوْ يُسْقِهَا ‏(‏حَتَّى مَاتَتْ‏)‏ جُوعًا أَوْ عَطَشًا ‏(‏ضَمِنَهَا‏)‏؛ لِأَنَّ عَلَفَهَا وَسَقْيَهَا مِنْ كَمَالِ الْحِفْظِ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِالِاسْتِيدَاعِ بَلْ هُوَ الْحِفْظُ بِعَيْنِهِ، إذْ الْحَيَوَانُ لَا يَبْقَى عَادَةً بِدُونِهِمَا وَيَلْزَمَانِهِ، و‏(‏لَا‏)‏ يَضْمَنُ ‏(‏إنْ نَهَاهُ مَالِكٌ‏)‏ عَنْ عَلْفِهَا وَسَقْيِهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى مَاتَتْ لِامْتِثَالِهِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهَا فَقَتَلَهَا، ‏(‏وَيَحْرُمُ‏)‏ تَرْكُ عَلْفِهَا وَسَقْيِهَا مُطْلَقًا لِحُرْمَتِهَا فِي نَفْسِهَا فَيَجِبُ إحْيَاؤُهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، ‏(‏وَإِنْ أَمَرَهُ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَمَرَ رَبُّهَا الْوَدِيعَ بِعَلْفِهَا ‏(‏لَزِمَهُ‏)‏ لِمَا سَبَقَ؛ وَلِأَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْ مَالِكِهَا عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ رَبُّ وَدِيعَةٍ لِوَدِيعٍ ‏(‏اُتْرُكْهَا فِي جَيْبِكَ فَتَرَكَهَا فِي يَدِهِ أَوْ فِي كُمِّهِ‏)‏ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْجَيْبَ أَحْرَزُ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْسَى فَيَسْقُطُ الشَّيْءُ مِنْ يَدِهِ أَوْ كُمِّهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ لَهُ‏:‏ اُتْرُكْهَا ‏(‏فِي كُمِّكَ فَتَرَكَهَا فِي يَدِهِ أَوْ عَكْسِهِ‏)‏ بِأَنْ قَالَ لَهُ‏:‏ اُتْرُكْهَا فِي يَدِكَ فَتَرَكَهَا فِي كُمِّهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الشَّيْءِ مِنْ الْيَدِ مَعَ النِّسْيَانِ أَكْثَرُ مِنْ سُقُوطِهِ مِنْ الْكُمِّ وَتَسَلُّطَ الطِّرَارَ بِالْبَطِّ عَلَى الْكُمِّ بِخِلَافِ الْيَدِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا أَدْنَى مِنْ الْآخَرِ حِفْظًا مِنْ وَجْهٍ، ‏(‏أَوْ أَخَذَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَدِيعَةَ ‏(‏بِسُوقِهِ وَأُمِرَ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ‏:‏ أَمَرَهُ مَالِكُهَا ‏(‏بِحِفْظِهَا فِي بَيْتِهِ فَتَرَكَهَا إلَى حِينِ مُضِيِّهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ فَوْقَ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْضِيَ فِيهِ ‏(‏فَتَلِفَتْ‏)‏ قَبْلَ مُضِيِّهِ بِهَا إلَى بَيْتِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ أَحْفَظُ وَفِي تَرْكِهَا إلَى مُضِيِّهِ تَفْرِيطٌ ‏(‏أَوْ قَالَ‏)‏ لَهُ رَبُّهَا ‏(‏‏:‏ احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَا تُدْخِلْهُ أَحَدًا فَخَالَفَ‏)‏ وَأَدْخَلَهُ غَيْرَهُ ‏(‏فَتَلِفَتْ بِحَرْقٍ أَوْ نَحْوِهِ‏)‏ كَنَهْبٍ ‏(‏أَوْ سَرِقَةٍ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ دَاخِلٍ‏)‏ إلَى الْبَيْتِ ‏(‏ضَمِنَ‏)‏؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ رُبَمَا شَاهَدَهَا فِي دُخُولِهِ وَعَلِمَ مَوْضِعَهَا وَطَرِيقَ الْوُصُولِ إلَيْهَا فَسَرَقَهَا أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا وَقَدْ خَالَفَ مَالِكُهَا بِإِدْخَالِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ إخْرَاجِهَا فَأَخْرَجَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ و‏(‏لَا‏)‏ يَضْمَنُ ‏(‏إنْ قَالَ‏)‏ لَهُ رَبُّهَا ‏(‏‏:‏ اُتْرُكْهَا فِي كُمِّك أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏يَدِكَ فَتَرَكَهَا فِي جَيْبِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ أَحْرَزُ‏.‏

فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا غَيْرَ مَزْرُورٍ ضَمِنَ‏.‏

ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ‏.‏

وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ حِرْزًا فَتَرَكَهَا فِي جَيْبِهِ الضَّيِّقِ الْفَمِ أَوْ الْمَزْرُورِ أَوْ شَدَّهَا فِي كُمِّهِ أَوْ عَلَى عَضُدِهِ مِنْ جَانِبِ الْجَيْبِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ تَرَكَهَا فِي كُمِّهِ بِلَا شَدٍّ وَهِيَ ثَقِيلَةٌ يَشْعُرُ بِهَا، أَوْ تَرَكَهَا فِي وَسَطِهِ وَشَدَّ عَلَيْهَا سَرَاوِيلَهُ، ‏(‏أَوْ أَلْقَاهَا‏)‏ وَدِيعٌ ‏(‏عِنْدَ هُجُومِ نَاهِبٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَقَاطِعِ طَرِيقٍ ‏(‏إخْفَاءً لَهَا‏)‏ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ النَّاسُ فِي حِفْظِ أَمْوَالِهِمْ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا وَأَطْلَقَ فَشَدَّهَا عَلَى وَسَطِهِ فَهُوَ أَحَرَزُ لَهَا‏.‏

وَكَذَا إنْ تَرَكَهَا بِبَيْتِهِ فِي حِرْزِهَا‏.‏

وَإِنْ أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا فِي صُنْدُوقٍ وَقَالَ‏:‏ لَا تَقْفِلْ عَلَيْهَا وَلَا تَنَمْ فَوْقَهَا فَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ‏.‏

أَوْ قَالَ‏:‏ لَا تَقْفِلْ عَلَيْهَا إلَّا قُفْلًا وَاحِدًا فَجَعَلَ عَلَيْهَا قُفْلَيْنِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي ‏(‏وَإِنْ قَالَ مُودِعُ خَاتَمٍ‏)‏ لِوَدِيعٍ‏:‏ ‏(‏اجْعَلْهُ فِي الْبِنْصِرِ فَجَعَلَهُ فِي الْخِنْصِرِ‏)‏ بِكَسْرِ الصَّادِ فِيهِمَا فَضَاعَ ‏(‏ضَمِنَهُ لَا عَكْسُهُ‏)‏ بِأَنْ قَالَ‏:‏ اجْعَلْهُ فِي الْخِنْصَرِ فَجَعَلَهُ فِي الْبِنْصِرِ فَلَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهَا أَغْلَظُ، فَهِيَ أَحَرَزُ ‏(‏إلَّا إنْ انْكَسَرَ‏)‏ الْخَاتَمُ ‏(‏لِغِلَظِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْبِنْصِرِ فَيَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِمَا لَمْ يُؤْذِنْ فِيهِ مَالِكُهُ‏.‏

فَإِنْ جَعَلَهُ فِي الْوُسْطَى وَأَمْكَنَ إدْخَالُهُ فِي جَمِيعِهَا فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْهُ‏.‏

وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي جَمِيعِهَا فَجَعَلَهُ فِي بَعْضِهَا ضَمِنَ، لِأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ الْمَأْمُورِ بِهِ ‏(‏وَإِنْ دَفَعَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ دَفَعَ مُسْتَوْدِعُ الْوَدِيعَةِ ‏(‏إلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَوْدَعِ ‏(‏عَادَةً كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَخَازِنِهِ فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً أَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَ الْمَاشِيَةَ إلَى الرَّاعِي ‏(‏أَوْ‏)‏ دَفَعَهَا ‏(‏لِعُذْرٍ‏)‏ كَمَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْ أَرَادَ السَّفَرَ‏.‏

وَلَيْسَ أَحْفَظَ لَهَا ‏(‏إلَى أَجْنَبِيٍّ‏)‏ ثِقَةٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ حَاكِمٍ فَتَلِفَتْ ‏(‏لَمْ يَضْمَنْ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ وَلَمْ يُفَرِّطْ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ حِينَ دَفَعَهَا إلَى الْأَجْنَبِيِّ ‏(‏ضَمِنَ‏)‏ لِتَعَدِّيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ بِلَا عُذْرٍ ‏(‏وَلِمَالِكِ‏)‏ الْوَدِيعَةِ إذَنْ ‏(‏مُطَالَبَةُ الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا‏)‏ بِبَدَلِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَا لَيْسَ لَهُ قَبْضُهُ أَشْبَهَ الْمُودِعَ مِنْ الْغَاصِبِ، ‏(‏وَعَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْأَجْنَبِيِّ ‏(‏الْقَرَارُ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَرَارُ الضَّمَانِ ‏(‏إنْ عَلِمَ‏)‏ الْحَالَ لِتَعَدِّيهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَعَلَى وَدِيعٍ أَوَّلَ، لِأَنَّهُ غَيْرُهُ ‏(‏وَإِنْ دَلَّ‏)‏ مُودَعٌ بِفَتْحِ الدَّالِ ‏(‏لِصًّا‏)‏ عَلَى وَدِيعَةٍ فَسَرَقَهَا ‏(‏ضَمِنَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُودَعُ وَاللِّصُّ‏.‏

أَمَّا الْمُودَعُ فَلِمُنَافَاةِ دَلَالَتِهِ لِلْحِفْظِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَهَا لِغَيْرِهِ‏.‏

وَأَمَّا اللِّصُّ فَلِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ لَهَا ‏(‏وَعَلَى اللِّصِّ الْقَرَارُ‏)‏ لِمُبَاشَرَتِهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَرَادَ سَفَرًا‏)‏ وَبِيَدِهِ وَدِيعَةٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ لَمْ يُرِدْ سَفَرًا، بَلْ ‏(‏خَافَ عَلَيْهَا عِنْدَهُ‏)‏ مِنْ نَهْبٍ أَوْ غَرَقٍ وَنَحْوَهُمَا ‏(‏رَدَّهَا إلَى مَالِكهَا أَوْ‏)‏ إلَى ‏(‏مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَالَ مَالِكِهَا ‏(‏عَادَةً‏)‏ كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ إلَى ‏(‏وَكِيلِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَكِيلِ مَالِكِهَا ‏(‏فِي قَبْضِهَا إنْ كَانَ‏)‏؛ لِأَنَّ فِيهِ تَخَلُّصًا لَهُ مِنْ دَرْكِهَا وَإِيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى حَاكِمٍ إذَنْ ضَمِنَ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى رَشِيدٍ حَاضِرٍ‏.‏

وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ رَدِّهَا لِتَعَدِّيهِ، ‏(‏وَلَا يُسَافِرُ‏)‏ الْوَدِيعُ ‏(‏بِهَا‏)‏ مَعَ حُضُورِ مَالِكِهَا أَوْ مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ أَوْ وَكِيلِهِ‏.‏

بِدُونِ إذْنِ رَبِّهَا ‏(‏وَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا‏)‏ فِي السَّفَرِ، ‏(‏أَوْ كَانَ‏)‏ السَّفَرُ ‏(‏أَحْفَظَ لَهَا‏)‏ فَيَضْمَنُ لِتَفْرِيطِهِ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَى مَالِكِهَا إمْكَانَ اسْتِرْجَاعِهَا وَيُخَاطِرُ بِهَا‏.‏

لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏إنَّ الْمُسَافِرَ وَمَالَهُ لَعَلَى فَلْتٍ إلَّا مَا وَقَى اللَّهُ‏}‏ أَيْ‏:‏ عَلَى هَلَاكٍ هَذَا مَا قَوَّاهُ فِي الْمُغْنِي قَالَ فِي الْإِنْصَافِ‏:‏ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ الْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَهُوَ الصَّوَابُ‏.‏

وَقَالَ ‏(‏الْمُنَقِّحُ‏)‏ فِي التَّنْقِيحِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ مَعْنَى مَا سَبَقَ‏:‏ ‏(‏وَالْمَذْهَبُ بَلَى‏)‏ أَيْ‏:‏ لَهُ السَّفَرُ بِهَا ‏(‏وَالْحَالَةُ هَذِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا فِي السَّفَرِ أَوْ كَانَ أَحْفَظَ لَهَا ‏(‏وَنَصَّ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ عَلَى أَنَّ لَهُ السَّفَرَ بِهَا ‏(‏مَعَ حُضُورِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَالِكِهَا ‏(‏انْتَهَى‏)‏، فَلَا يَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ مَعَهُ، سَوَاءٌ كَانَ بِهِ ضَرُورَةٌ إلَى السَّفَرِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ مَأْمُونٍ كَمَا لَوْ نَقَلَهَا فِي الْبَلَدِ‏.‏

وَمَحِلُّهُ إنْ لَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ كَمَا فِي الْفُرُوعِ‏.‏

وَفِي الْمُبْهِجِ وَالْمُوجَزِ وَالْغَالِبُ السَّلَامَةُ‏.‏

وَلَهُ مَا أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ قَالَهُ الْقَاضِي‏.‏

وَفِي الْفُرُوعِ‏.‏

وَيَتَوَجَّهُ كَنَظَائِرِهِ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ يَجِدْ الْوَدِيعُ مَالِكَهَا، وَقَدْ أَرَادَ السَّفَرَ ‏(‏وَلَا‏)‏ وَجَدَ ‏(‏وَكِيلَهُ‏)‏ قُلْتُ‏:‏ وَلَا مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ عَادَةً ‏(‏حَمَلَهَا مَعَهُ‏)‏ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ‏(‏إنْ كَانَ‏)‏ السَّفَرُ ‏(‏أَحْفَظَ‏)‏ لَهَا ‏(‏وَلَمْ يَنْهَهُ‏)‏ مَالِكُهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ‏.‏

فَإِنْ تَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا، فَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ مَالِكُهَا لَمْ يُسَافِرْ بِهَا وَيَضْمَنُ إنْ فَعَلَ إلَّا لِعُذْرٍ كَجَلَاءِ أَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ هُجُومِ عَدُوٍّ أَوْ حَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ فَلَا ضَمَانَ‏.‏

وَيَجِبُ الضَّمَانُ بِالتَّرْكِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَكُنْ السَّفَرُ أَحْفَظَ، وَلَوْ اسْتَوَيَا أَوْ نَهَاهُ الْمَالِكُ عَنْهُ ‏(‏دَفَعَهَا لِحَاكِمٍ‏)‏ لِقِيَامِهِ مَقَامَ صَاحِبِهَا عِنْدَ غَيْبَتِهِ، ‏(‏فَإِنْ تَعَذَّرَ‏)‏ دَفْعُهَا لِحَاكِمٍ ‏(‏فَلِثِقَةٍ كَمَنْ‏)‏ أَيْ‏:‏ كَمُودِعٍ ‏(‏حَضَرَهُ الْمَوْتُ‏)‏؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ السَّفَرِ وَالْمَوْتِ سَبَبٌ لِخُرُوجِ الْوَدِيعَةِ عَنْ يَدِهِ‏.‏

وَرُوِيَ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهُ وَدَائِعُ فَلَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ أَوْدَعَهَا عِنْدَ أُمِّ أَيْمَنَ وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَرُدَّهَا إلَى أَهْلِهَا‏}‏ ‏(‏أَوْ دَفَنَهَا وَأَعْلَمَ‏)‏ بِهَا ‏(‏سَاكِنًا ثِقَةً‏)‏ لِحُصُولِ الْحِفْظِ بِذَلِكَ، ‏(‏فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ‏)‏ فَضَاعَتْ ‏(‏ضَمِنَهَا‏)‏ أَيْ الْمُودَعُ لِتَفْرِيطِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ فِي سَفَرِهِ فَلَا تَصِلُ إلَى صَاحِبِهَا وَرُبَمَا نَسِيَ مَوْضِعَهَا أَوْ أَصَابَتْهَا آفَةٌ وَكَذَا إنْ أَعْلَمَ الْمُودَعَ بِهَا غَيْرَ ثِقَةٍ لِأَنَّهُ رُبَمَا أَخَذَهَا أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا أَوْ أَعْلَمَ بِهَا غَيْرَ سَاكِنٍ فِي الدَّارِ لِأَنَّهُ لَمْ يُودِعْهُ إيَّاهَا وَلَا يُمْكِنُهُ حِفْظُهَا ‏(‏وَلَا يَضْمَنُ مُسَافِرٌ أُودِعَ‏)‏ وَدِيعَةً فِي سَفَرِهِ ‏(‏فَسَافَرَ بِهَا فَتَلِفَتْ بِالسَّفَرِ‏)‏؛ لِأَنَّ إيدَاعَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَقْتَضِي الْإِذْنَ فِي السَّفَرِ بِهَا ‏(‏وَإِنْ تَعَدَّى‏)‏ وَدِيعٌ فِي وَدِيعَةٍ كَأَنْ كَانَتْ دَابَّةً ‏(‏فَرَكِبَهَا لَا لِسَقْيِهَا‏)‏ أَوْ عَلَفِهَا، وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِالْأَجَانِبِ فِي ذَلِكَ وَفِي الْحَمْلِ وَالنَّقْلِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَتْ ثِيَابًا فَ ‏(‏لَبِسَهَا لَا لِخَوْفٍ‏)‏ عَلَيْهَا ‏(‏مِنْ عُثٍّ‏)‏ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ عُثَّةٍ‏:‏ سُوسَةٌ تَلْحَسُ الصُّوفَ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ كَافْتِرَاشِ فُرُشٍ لَا لِخَوْفٍ مِنْ عُثٍّ وَكَاسْتِعْمَالِ آلَةِ صِنَاعَةٍ مِنْ خَشَبٍ لَا لِخَوْفٍ مِنْ الْأَرَضَةِ ‏(‏وَيَضْمَنُ‏)‏ مُودَعُ ثِيَابٍ نَقْصَهَا بِعُثٍّ ‏(‏إنْ لَمْ يَنْشُرْهَا‏)‏ لِتَفْرِيطِهِ ‏(‏أَوْ أَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ‏)‏ أَوْ الدَّنَانِيرَ الْمُودَعَةَ ‏(‏لِيُنْفِقَهَا أَوْ لِيَنْظُرَ إلَيْهَا ثُمَّ رَدَّهَا‏)‏ إلَى وِعَائِهَا وَلَوْ بِنِيَّةِ الْأَمَانَةِ ‏(‏أَوْ كَسَرَ خَتْمَهَا أَوْ حَلَّ كِيسَهَا‏)‏ بِلَا إخْرَاجٍ ضَمِنَهَا لِهَتْكِهِ الْحِرْزَ بِتَعَدِّيهِ ‏(‏أَوْ جَحَدَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَدِيعَةَ مُودَعٌ ‏(‏ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا‏)‏ ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ بِجَحْدِهِ خَرَجَ عَنْ الِاسْتِئْمَانِ فِيهَا فَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ الضَّمَانُ بِإِقْرَارِهِ بِهَا لِعُدْوَانِ يَدِهِ ‏(‏أَوْ خَلَطَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَدِيعَةَ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ عَنْهُ ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ صَيَّرَهَا فِي حُكْمِ التَّالِفِ وَفَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ رَدَّهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ أَلْقَاهَا فِي لُجَّةِ بَحْرٍ‏.‏

وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَلْطُ بِمَالِ غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ بِنَظِيرِهَا أَوْ أَجْوَدَ أَوْ أَدْنَى مِنْهَا و‏(‏لَا‏)‏ يَضْمَنُهَا إنْ خَلَطَ ‏(‏بِمُتَمَيِّزٍ‏)‏ كَدَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْجَزُ بِهِ عَنْ رَدِّهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَهَا بِصُنْدُوقٍ فِيهِ أَكْيَاسٌ لَهُ، ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ التَّعَدِّي أَوْ الْجَحْدُ أَوْ الْخَلْطُ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ عَنْهُ ‏(‏فِي إحْدَى عَيْنَيْنِ‏)‏ بِأَنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ كِيسَيْنِ فَفَعَلَ ذَلِكَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ‏(‏بَطَلَتْ‏)‏ الْأَمَانَةُ ‏(‏فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي الْكِيسِ مَثَلًا الَّذِي تَعَدَّى فِيهِ دُونَ الْآخَرِ، ‏(‏وَوَجَبَ رَدُّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَدِيعَةِ حَيْثُ بَطَلَتْ ‏(‏فَوْرًا‏)‏؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ مَحْضَةٌ وَقَدْ زَالَتْ بِالتَّعَدِّي ‏(‏وَلَا تَعُودُ وَدِيعَةً‏)‏ بِغَيْرِ عَقْدٍ مُتَجَدِّدٍ، ‏(‏وَصَحَّ‏)‏ قَوْلُ مَالِكٍ لِمُودَعٍ ‏(‏كُلَّمَا خُنْتَ ثُمَّ عُدْتَ إلَى الْأَمَانَةِ فَأَنْتَ أَمِينٌ‏)‏ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْإِيدَاعِ عَلَى الشَّرْطِ كَالْوَكَالَةِ وَإِنْ خَلَطَ إحْدَى وَدِيعَتَيْ زَيْدٍ بِالْأُخْرَى بِلَا إذْنٍ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فَوَجْهَانِ‏.‏

ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ الْوَدِيعَةُ بِلَا فِعْلِهِ ثُمَّ ضَاعَ الْبَعْضُ جُعِلَ مِنْ مَالِ الْمُودَعِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ‏.‏

ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ‏(‏وَإِنْ أَخَذَ‏)‏ مُودَعٌ مِنْ دَرَاهِمَ مُودَعَةٍ ‏(‏دِرْهَمًا ثُمَّ رَدَّهُ‏)‏ بِعَيْنِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ رَدَّ ‏(‏بَدَلَهُ مُتَمَيِّزًا أَوْ أَذِنَ‏)‏ مَالِكُهَا ‏(‏فِي أَخْذِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الدِّرْهَمِ ‏(‏فَرَدَّ‏)‏ الْآخِذُ ‏(‏بَدَلَهُ بِلَا إذْنِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَالِكِ ‏(‏فَضَاعَ الْكُلُّ‏)‏ أَيْ‏:‏ كُلُّ الدَّرَاهِمِ الْمُودَعَةِ ‏(‏ضَمِنَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الدِّرْهَمَ الْمَأْخُوذُ الْمُودَعُ ‏(‏وَحْدَهُ‏)‏ لِتَعَلُّقِ الضَّمَانِ بِالْأَخْذِ فَلَا يَضْمَنُ غَيْرَ مَا أَخَذَهُ كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ رَدِّهِ ‏(‏مَا لَمْ تَكُنْ‏)‏ الدَّرَاهِمُ ‏(‏مَخْتُومَةً أَوْ مَشْدُودَةً أَوْ‏)‏ يَكُنْ ‏(‏الْبَدَلُ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ فَيَضْمَنُ الْجَمِيعَ‏)‏ لِهَتْكِهِ الْحِرْزَ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ وَلِخَلْطِهِ الْوَدِيعَةَ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ فِي الثَّالِثَةِ، ‏(‏وَيَضْمَنُ‏)‏ وَدِيعٌ ‏(‏بِخَرْقِ كِيسٍ‏)‏ فِيهِ وَدِيعَةٌ ‏(‏مِنْ فَوْقِ شَدٍّ‏)‏ أَيْ‏:‏ رِبَاطِ ‏(‏أَرْشِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ ‏(‏الْكِيسِ فَقَطْ‏)‏ أَيْ‏:‏ دُونَ مَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ حِرْزَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَضْمَنُ بِخَرْقِهِ ‏(‏مِنْ تَحْتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّدِّ ‏(‏أَرْشَهُ وَمَا فِيهِ‏)‏ إنْ ضَاعَ لِهَتْكِ الْحِرْزِ، وَلَا يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ التَّعَدِّي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ ‏(‏وَمَنْ أَوْدَعَهُ صَغِيرٌ وَدِيعَةً لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِرَدِّهَا لِوَلِيِّهِ‏)‏ فِي مَالٍ كَدَيْنِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ ‏(‏وَيَضْمَنُهَا‏)‏ قَابِضُهَا مِنْ الصَّغِيرِ ‏(‏إنْ تَلِفَتْ‏)‏ لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذِهَا ‏(‏مَا لَمْ يَكُنْ‏)‏ الصَّغِيرُ ‏(‏مَأْذُونًا لَهُ‏)‏ فِي الْإِيدَاعِ ‏(‏أَوْ يَخَفْ‏)‏ قَابِضُهَا مِنْ الصَّغِيرِ ‏(‏هَلَاكَهَا مَعَهُ‏)‏ إنْ تَرَكَهَا ‏(‏كَضَائِعٍ وَمَوْجُودٍ فِي مَهْلَكَةٍ فَلَا‏)‏ ضَمَانَ عَلَيْهِ بِأَخْذِهِ لِقَصْدِهِ بِهِ التَّخْلِيصَ مِنْ الْهَلَاكِ فَالْحَظُّ فِيهِ لِمَالِكِهِ ‏(‏وَمَا أُودِعَ أَوْ أُعِيرَ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ‏:‏ أَوْدَعَهُ مَالِكُهُ أَوْ أَعَارَهُ وَهُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ ‏(‏لِصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ أَوْ قِنٍّ لَمْ يَضْمَنْ بِتَلَفٍ‏)‏ فِي يَدِ قَابِضِهِ ‏(‏وَلَوْ بِتَفْرِيطٍ‏)‏ لِتَفْرِيطِ مَالِكِهِ بِدَفْعِهِ إلَى أَحَدِ هَؤُلَاءِ ‏(‏وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ مُكَلَّفٌ غَيْرُ حُرٍّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْفَاظُهُ وَدَخَلَ فِيهِ الْقِنُّ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ‏(‏فِي رَقَبَتِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ إتْلَافَهُ مِنْ جِنَايَتِهِ، وَأَمَّا إتْلَافُ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ لِمَا أُودِعُوهُ أَوْ أُعِيرُوهُ فَهَدَرٌ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ سَلَّطَهُمْ عَلَى مَالٍ كَمَا لَوْ دَفَعَ لِصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ سِكِّينًا فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَمَاتَ فَإِنَّ دِيَتَهُ عَلَى عَاقِلَةِ الدَّافِعِ‏.‏

‏[‏فصل‏:‏ المودع أمين‏]‏

لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا أَمَانَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا‏}‏ ‏(‏وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي رَدِّ‏)‏ الْوَدِيعَةِ إلَى مَالِكِهَا أَوْ مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي قَبْضِهَا‏.‏

أَشْبَهَ الْوَكِيلَ بِلَا جَعْلٍ، ‏(‏وَلَوْ‏)‏ ادَّعَى الْوَدِيعُ الرَّدَّ ‏(‏عَلَى يَدِ قِنِّهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ قِنِّ مُدَّعِي الرَّدِّ ‏(‏أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ خَازِنِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ حِفْظُهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَانَ لَهُ دَفْعُهَا كَذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الرَّدَّ لِزَوْجَةِ رَبِّ الْمَالِ أَوْ مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ عَادَةً ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَتْ دَعْوَى الرَّدِّ مِنْ الْوَدِيعِ ‏(‏بَعْدَ مَوْتِ رَبِّهَا إلَيْهِ‏)‏ فَتُقْبَلُ بِيَمِينِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي حَيَاتِهِ ‏(‏وَ‏)‏ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ ‏(‏فِي قَوْلِهِ‏)‏ لِمَالِكِهَا‏:‏ ‏(‏أَذِنْتَ لِي فِي دَفْعِهَا إلَى فُلَانٍ وَفَعَلْتُ‏)‏ أَيْ‏:‏ دَفَعْتُهَا لَهُ مَعَ إنْكَارِ مَالِكِهَا الْإِذْنَ نَصًّا لِأَنَّهُ ادَّعَى دَفْعًا يَبْرَأُ بِهِ مِنْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَى مَالِكِهَا‏.‏

وَلَا يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمَالِكِ غَيْرُ الْيَمِينِ مَا لَمْ يُقِرَّ بِالْقَبْضِ، وَكَذَا إنْ اعْتَرَفَ الْمَالِكُ بِالْإِذْنِ فِي الدَّفْعِ لَهُ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ دَفَعَ لَهُ إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ وَدِيعًا، وَإِنْ كَانَ دَائِنًا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الضَّمَانِ مَا فِيهِ‏.‏

وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ‏:‏ إنْ رَدَّ إلَى رَسُولِ مُوَكِّلٍ وَمُودِعٍ فَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ ضَمِنَ لِتَعَلُّقِ الدَّفْعِ بِثَالِثٍ‏.‏

وَيُحْتَمَلُ لَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُصَدَّقُ مُودَعٌ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى ‏(‏تَلَفِ‏)‏ وَدِيعَةٍ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَلِئَلَّا يَمْتَنِعَ النَّاسُ مِنْ قَبُولِ الْأَمَانَاتِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ التَّلَفَ ‏(‏بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ، كَحَرِيقٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَنَهْبِ جَيْشٍ ‏(‏إلَّا مَعَ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِوُجُودِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّبَبِ ثُمَّ يَحْلِفُ أَنَّهَا ضَاعَتْ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِالسَّبَبِ الظَّاهِرِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ‏.‏

لَا تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُصَدَّقُ مُودَعٌ بِيَمِينِهِ فِي ‏(‏عَدَمِ خِيَانَةٍ وَ‏)‏ عَدَمِ ‏(‏تَفْرِيطٍ‏)‏ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ ‏(‏وَإِنْ ادَّعَى‏)‏ مُودَعٌ ‏(‏رَدَّهَا‏)‏ أَيْ الْوَدِيعَةَ ‏(‏لِحَاكِمٍ أَوْ وَرَثَةِ مَالِكٍ‏)‏ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتَمِنُوهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ ادَّعَى ‏(‏رَدًّا بَعْدَ مَطْلِهِ‏)‏ أَيْ تَأْخِيرِ دَفْعِهَا إلَى مُسْتَحِقِّهِ ‏(‏بِلَا عُذْرٍ أَوْ‏)‏ ادَّعَى رَدًّا بَعْدَ ‏(‏مَنْعِهِ‏)‏ مِنْهَا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْغَاصِبِ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ ادَّعَى ‏(‏وَرَثَةُ‏)‏ مُودَعٍ ‏(‏رَدًّا‏)‏ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ مُوَرِّثِهِمْ ‏(‏وَلَوْ لِمَالِكٍ لَمْ يُقْبَلْ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏إلَّا بِبَيِّنَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُؤْتَمَنِينَ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ مَالِكِهَا، وَكَذَا لَوْ ادَّعَاهُ مُلْتَقِطٌ، أَوْ مَنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبًا وَنَحْوَهُ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ‏.‏

‏(‏وَإِنْ‏)‏ أَنْكَرَ مُودَعٌ الْوَدِيعَةَ فَ ‏(‏قَالَ‏:‏ لَمْ تُودِعْنِي ثُمَّ أَقَرَّ‏)‏ بِالْإِيدَاعِ ‏(‏أَوْ ثَبَتَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏بِبَيِّنَةٍ فَادَّعَى رَدًّا أَوْ تَلَفًا سَابِقَيْنِ لِجُحُودِهِ لَمْ يُقْبَلْ‏)‏ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا بِجُحُودِهِ مُعْتَرِفًا عَلَى نَفْسِهِ بِالْكَذِبِ الْمُنَافِي لِلْأَمَانَةِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ أَتَى عَلَيْهِ ‏(‏بِبَيِّنَةٍ‏)‏ فَلَا تُسْمَعُ لِتَكْذِيبِهِ لَهَا بِجُحُودِهِ ‏(‏وَيَقْبَلَانِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرَّدَّ وَالتَّلَفَ إذَا ادَّعَاهُمَا ‏(‏بِهَا‏)‏ أَيْ بِالْبَيِّنَةِ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجُحُودِ لِعَدَمِ تَكْذِيبِهِ لَهَا إذَنْ‏.‏

فَإِذَا شَهِدَا بِرَدٍّ أَوْ تَلَفٍ وَلَمْ يُعَيِّنَا هَلْ هُوَ قَبْلَ جُحُودِهِ أَوْ بَعْدَهُ‏؟‏ لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ مُتَحَقِّقٌ فَلَا يَنْتَفِي بِأَمْرٍ مُتَرَدِّدٍ فِيهِ‏.‏

وَمَتَى ثَبَتَ التَّلَفُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ حَيْثُ كَانَ بَعْدَ الْجُحُودِ كَالْغَاصِبِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ قَالَ‏)‏ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِوَدِيعَةٍ لِمُدَّعِيهَا‏:‏ ‏(‏مَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ‏)‏‏.‏

أَوْ لَا حَقَّ لَكَ قِبَلِي وَنَحْوَهُ‏.‏

ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا وَادَّعَى تَلَفًا، أَوْ رَدًّا ‏(‏قُبِلَا‏)‏ مِنْهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُنَافٍ لِجَوَابِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَوْدَعَهُ ثُمَّ تَلِفَ عِنْدَهُ بِلَا تَفْرِيطٍ، أَوْ رَدَّهَا فَلَا يَكُونُ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ تُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى ‏(‏وُقُوعُهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الرَّدِّ أَوْ التَّلَفِ ‏(‏بَعْدَ إنْكَارِهِ‏)‏ لِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ بِالْجُحُودِ فَيُشْبِهُ الْغَاصِبَ وَيَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ وَلَوْ أَقَرَّ بِوَدِيعَةٍ، ثُمَّ ادَّعَى ظَنَّ بَقَائِهَا ‏(‏وَإِنْ تَلِفَتْ‏)‏ الْوَدِيعَةُ ‏(‏عِنْدَ وَارِثِ‏)‏ وَدِيعٍ ‏(‏قَبْلَ إمْكَانَ رَدِّ‏)‏ هَا إلَى رَبِّهَا لِنَحْوِ جَهْلٍ بِهَا أَوْ بِهِ ‏(‏لَمْ يَضْمَنْهَا‏)‏ إذَا لَمْ يُفَرِّطْ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ تَلِفَتْ بَعْدَ إمْكَانَ رَدِّهَا ‏(‏ضَمِنَ‏)‏ لِتَأَخُّرِ رَدِّهَا مَعَ إمْكَانِهِ مَعَ حُصُولِهَا بِيَدِهِ بِلَا إيدَاعٍ، كَمَنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبًا وَنَحْوَهُ، وَبِخِلَافِ عَبْدٍ وَحَيَوَانٍ دَخَلَ دَارِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهُ لِيَذْهَبَ كَمَا جَاءَ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِمَا‏.‏

ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَوَاعِدِ ‏(‏وَمَنْ أَخَّرَ رَدَّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَدِيعَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَخَّرَ ‏(‏مَالًا أُمِرَ بِدَفْعِهِ بَعْدَ طَلَبٍ‏)‏ مِنْ مُسْتَحِقِّهَا ‏(‏بِلَا عُذْرٍ‏)‏ فِي تَأْخِيرٍ ‏(‏ضَمِنَ‏)‏ مَا تَلِفَ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا بِإِمْسَاكِهِ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ، أَشْبَهَ الْغَاصِبَ ‏(‏وَيُمْهَلُ‏)‏ مَنْ طُولِبَ بِوَدِيعَةٍ أَوْ بِمَالٍ أُمِرَ بِدَفْعِهِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ ‏(‏لِأَكْلٍ وَنَوْمٍ وَهَضْمِ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَصَلَاةٍ وَطَهَارَةٍ ‏(‏بِقَدْرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَذْكُورِ‏.‏

فَلَا يَضْمَنُ إنْ تَلِفَتْ زَمَنَ عُذْرِهِ، لِعَدَمِ عُدْوَانِهِ‏.‏

وَإِنْ أَمَرَهُ بِالرَّدِّ إلَى وَكِيلِهِ فَتَمَكَّنَ وَأَبَى ضَمِنَهَا‏.‏

وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا وَكِيلُهُ‏.‏

وَإِنْ طَلَبَهَا فِي وَقْتٍ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا لِبُعْدِهَا أَوْ مَخَافَةً فِي طَرِيقِهَا، أَوْ عَجْزٍ عَنْ حَمْلِهَا وَنَحْوَهُ‏.‏

لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِتَرْكِ تَسْلِيمِهَا‏.‏

لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا‏.‏

وَإِنْ تَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا لِعَدَمِ عُدْوَانِهِ‏.‏

وَلَيْسَ عَلَى وَدِيعٍ مُؤْنَةُ حَمْلِهَا وَرَدِّهَا لِمَالِكِهَا، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ‏.‏

وَمَنْ اسْتَأْمَنَهُ أَمِيرٌ عَلَى مَالِ فَخَشَى مِنْ حَاشِيَتِهِ إنْ مَنَعَهُمْ مِنْ عَادَتِهِمْ الْمُتَقَدِّمَةِ لَزِمَهُ فِعْلُ مَا يُمْكِنُهُ وَهُوَ أَصْلُحُ لِلْأَمِيرِ مِنْ تَوَلِّيهِ غَيْرُهُ فَيَرْتَعُ مَعَهُمْ‏.‏

لَا سِيَّمَا وَلِلْآخِذِ شُبْهَةٌ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَتَثْبُتُ وَدِيعَةٌ بِإِقْرَارِ وَدِيعٍ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِإِقْرَارِ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ ‏(‏وَ يَعْمَلُ‏)‏ وَارِثٌ وُجُوبًا ‏(‏بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ عَلَى كِيسٍ وَنَحْوَهُ‏)‏ كَصُنْدُوقٍ أَوْ كِتَابٍ ‏(‏هَذَا وَدِيعَةٌ، أَوْ‏)‏ هَذَا ‏(‏لِفُلَانٍ‏)‏ نَصًّا و‏(‏وَيَعْمَلُ بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ‏)‏ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ ‏(‏وُجُوبًا‏)‏ فَيَجِبُ دَفْعُهُ إلَى مَنْ هُوَ مَكْتُوبٌ بِاسْمِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ بِدَيْنٍ ‏(‏لَهُ عَلَى فُلَانٍ‏)‏ فَيَعْمَلُ بِخَطِّ أَبِيهِ فِيهِ ‏(‏وَ‏)‏ يَجُوزُ لَهُ أَنْ ‏(‏يَحْلِفَ‏)‏ إذَا أَقَامَ بِهِ شَاهِدًا، إذَا عَلِمَ مِنْ مُوَرِّثِهِ الصِّدْقَ وَالْأَمَانَةَ، وَأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ إلَّا حَقًّا‏.‏

فَيَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ ‏(‏وَإِنْ ادَّعَاهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَدِيعَةَ ‏(‏اثْنَانِ فَأَقَرَّ‏)‏ الْوَدِيعُ ‏(‏لِأَحَدِهِمَا‏)‏ بِهَا ‏(‏فَ‏)‏ هِيَ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِلْمُقَرِّ لَهُ ‏(‏بِيَمِينِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِلْمُودَعِ‏.‏

وَقَدْ نَقَلَهَا إلَى الْمُدَّعِي، فَصَارَتْ الْيَدُ لَهُ‏.‏

فَقُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ‏.‏

فَلَوْ قَالَ الْوَدِيعُ‏:‏ أَوْدَعَنِيهَا الْمَيِّتُ، وَقَالَ هِيَ لِفُلَانٍ فَقَالَ وَرَثَتُهُ‏:‏ بَلْ هِيَ لَهُ، فَقَوْلُ وَدِيعٍ مَعَ يَمِينِهِ‏.‏

أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ‏(‏وَيَحْلِفُ‏)‏ الْمُودَعُ ‏(‏لِلْآخَرِ‏)‏ الَّذِي أَنْكَرَهُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِدَعْوَاهُ وَتَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ‏.‏

قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ‏.‏

فَإِنْ حَلَفَ انْقَطَعَتْ خُصُومَتُهُ مَعَهُ، وَإِلَّا غَرِمَ لَهُ بَدَلَهَا لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ‏.‏

وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بَعْدَ أَنْ أَقَرَّ بِهَا لِلْأَوَّلِ فَيُسَلِّمُهَا لِلْأَوَّلِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِلثَّانِي نَصًّا، ‏(‏وَ‏)‏ إنْ أَقَرَّ بِهَا ‏(‏لَهُمَا فَ‏)‏ هِيَ ‏(‏لَهُمَا‏)‏ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِأَيْدِيهِمَا وَتَدَاعَيَاهَا ‏(‏وَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا‏)‏ يَمِينًا عَلَى نِصْفِهَا‏.‏

فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ عِوَضُهَا، يَقْتَسِمَانِهِ‏.‏

وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَزِمَهُ لِمَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَهُ عِوَضُ نِصْفِهَا ‏(‏وَإِنْ قَالَ‏)‏ جَوَابًا لِدَعْوَاهُمَا ‏(‏لَا أَعْرِفُ صَاحِبَهَا‏)‏ مِنْكُمَا ‏(‏وَصَدَّقَاهُ‏)‏ عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهَا ‏(‏أَوْ سَكَتَا فَلَا يَمِينَ‏)‏ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ، وَتُسَلَّمُ لِأَحَدِهِمَا بِقُرْعَةٍ مَعَ يَمِينِهِ ‏(‏وَإِنْ كَذَّبَاهُ‏)‏ فَقَالَا‏:‏ بَلْ تَعْرِفُ أَيَّنَا صَاحِبَهَا، ‏(‏حَلَفَ‏)‏ لَهُمَا ‏(‏يَمِينًا وَاحِدَةً أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَكَذَا إنْ كَذَّبَهُ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ نَكَلَ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ الْقِيمَةُ وَالْعَيْنُ، فَيَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِمَا أَوْ يَتَّفِقَانِ‏.‏

هَذِهِ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَجَمَاعَةٍ وَقَدَّمَهَا الْحَارِثِيُّ، ‏(‏وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالَتَيْنِ‏)‏ أَيْ‏:‏ حَالَةِ مَا إذَا صَدَّقَاهُ وَحَالَةِ مَا إذَا كَذَّبَاهُ وَحَلَفَ، ‏(‏فَمَنْ قَرَعَ‏)‏ أَيْ‏:‏ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ ‏(‏حَلَفَ‏)‏ أَنَّهَا لَهُ لِاحْتِمَالِ عَدَمِهِ ‏(‏وَأَخَذَهَا‏)‏ بِمُقْتَضَى الْقُرْعَةِ، وَكَذَا حُكْمُ عَارِيَّةٍ وَرَهْنٍ وَمَبِيعٍ مَرْدُودٍ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا‏.‏

وَيَأْتِي بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا فِي بَابِ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ ‏(‏وَإِنْ أَوْدَعَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَوْدَعَ اثْنَانِ وَاحِدًا ‏(‏مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا يَنْقَسِمُ‏)‏ إجْبَارًا ‏(‏فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِغَيْبَةِ شَرِيكَهُ أَوْ‏)‏ مَعَ حُضُورِهِ ‏(‏وَامْتِنَاعِهِ‏)‏ مِنْ أَخْذِ نَصِيبِهِ وَمِنْ الْإِذْنِ لِشَرِيكِهِ فِي أَخْذِ نَصِيبِهِ ‏(‏سَلَّمَ إلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الطَّالِبِ نَصِيبَهُ وُجُوبًا‏.‏

لِأَنَّهُ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ يُمْكِنُ فِيهِ تَمْيِيزُ نَصِيبِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ بِغَيْرِ غَبْنٍ وَلَا ضَرَرٍ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مُتَمَيِّزًا‏.‏

وَقَالَ الْقَاضِي‏:‏ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ حَاكِمٍ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ‏.‏

لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى قِسْمَةٍ وَيَفْتَقِرُ إلَى حُكْمٍ أَوْ اتِّفَاقٍ‏.‏

فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ غَيْرَ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ، أَوْ كَانَ كَذَلِكَ، لَكِنْ لَا يَنْقَسِمُ لِصِنَاعَةٍ فِيهِ كَآنِيَةِ نُحَاسٍ وَنَحْوِهَا وَحُلِيٍّ مُبَاحٍ أَوْ مُخْتَلِفِ الْأَجْزَاءِ وَنَحْوِهِ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ حَاكِمٍ‏.‏

لِأَنَّ قِسْمَتَهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا الْحَيْفُ لِافْتِقَارِهَا إلَى التَّقْوِيمِ وَهُوَ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ ‏(‏وَلِمُودِعٍ وَمُضَارِبٍ وَمُرْتَهِنٍ وَمُسْتَأْجِرٍ‏)‏ قُلْتُ‏:‏ وَمِثْلُهُمْ الْعَدْلُ بِيَدِهِ الرَّهْنُ وَالْأَجِيرُ عَلَى حِفْظِ عَيْنٍ وَالْوَكِيلُ فِيهِ وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُجَاعِلُ عَلَى عَمَلِهَا ‏(‏إنْ غُصِبَتْ الْعَيْنُ‏)‏ أَيْ الْوَدِيعَةُ أَوْ مَالُ الْمُضَارَبَةِ أَوْ الرَّهْنُ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةُ ‏(‏الْمُطَالَبَةُ بِهَا‏)‏ مِنْ غَاصِبِهَا‏.‏

لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ حِفْظِهَا الْمَأْمُورِ بِهِ ‏(‏وَلَا يَضْمَنُ مُودَعٌ أُكْرِهَ عَلَى دَفْعِهَا‏)‏ أَيْ الْوَدِيعَةِ ‏(‏لِغَيْرِ رَبِّهَا‏)‏ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا مِنْهُ قَهْرًا‏.‏

لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عُذْرٌ يُبِيحُ لَهُ دَفْعَهَا‏.‏

وَإِنْ صَادَرَهُ سُلْطَانٌ لَمْ يَضْمَنْ‏.‏

قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ‏.‏

وَضَمَّنَّهُ أَبُو الْوَفَاءِ إنْ فَرَّطَ‏.‏

وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ‏:‏ مَنْ صَادَرَهُ سُلْطَانٌ وَنَادَى بِتَهْدِيدِ مَنْ لَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَنَحْوُهَا وَلَمْ يَحْمِلْهَا إنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ أَوْ عَيَّنَهُ وَهَدَّدَهُ وَلَمْ يَنَلْهُ بِعَذَابٍ أَثِمَ وَضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ، ‏(‏فَإِنْ طَلَبَ يَمِينِهِ‏)‏ أَيْ الْمُسْتَوْدَعَ أَنْ لَا وَدِيعَةَ لِفُلَانٍ عِنْدَهُ ‏(‏وَلَمْ يَجِدْ بُدًّا‏)‏ مِنْ الْحَلِفِ لِتَغَلُّبِ الطَّالِبِ عَلَيْهِ بِسَلْطَنَةٍ أَوْ تَلَصُّصٍ وَلَا يُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ مِنْهُ إلَّا بِالْحَلِفِ، ‏(‏حَلَفَ مُتَأَوِّلًا‏)‏ وَلَمْ يَحْنَثْ لِتَأَوُّلِهِ، ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حَتَّى أُخِذَتْ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏ضَمِنَهَا‏)‏ لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْحَلِفِ، كَمَا لَوْ سَلَّمَهَا إلَى غَيْرِ رَبِّهَا ظَانًّا أَنَّهُ هُوَ فَتَبَيَّنَ خَطَؤُهُ، ‏(‏وَيَأْثَمُ إنْ‏)‏ حَلَفَ و‏(‏لَمْ يَتَأَوَّلْ‏)‏ لِكَذِبِهِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ إثْمُ حَلِفِهِ بِدُونِ تَأْوِيلٍ ‏(‏دُونَ إثْمِ إقْرَارِهِ بِهَا‏)‏ لِأَنَّ حِفْظَ مَالِ الْغَيْرِ عَنْ الضَّيَاعِ آكَدُ مِنْ بِرِّ الْيَمِينِ، ‏(‏وَيُكَفِّرُ‏)‏ كَفَّارَةَ يَمِينٍ وُجُوبًا إنْ حَنِثَ وَلَمْ يَتَأَوَّلْ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ‏.‏

فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ‏:‏ لَا تَنْعَقِدُ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ وَتَقَدَّمَ فِي الْمُضَارَبَةِ‏:‏ لَوْ مَاتَ وَعِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَجُهِلَتْ فِي مَالِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ بَقَاؤُهَا، فَإِنَّ رَبَّهَا يَكُونُ غَرِيمًا بِهَا‏.‏

‏[‏فصل‏:‏ إحياء الموات‏]‏

قَالَ فِي الْقَامُوسِ‏:‏ الْمَوَاتُ‏:‏ كَغُرَابِ الْمَوْتِ‏.‏

وَكَسَحَابٍ‏:‏ مَا لَا رُوحَ فِيهِ، وَأَرْضٌ لَا مَالِكَ لَهَا، وَالْمَوَتَانُ بِالتَّحْرِيكِ خِلَافُ الْحَيَوَانِ، أَوْ أَرْضٌ لَمْ تُحْي بَعْدُ، وَبِالضَّمِّ مَوْتٌ يَقَعُ بِالْمَاشِيَةِ، وَيُفْتَحُ‏.‏

وَفِي الْمُغْنِي‏:‏ الْمَوَاتُ هُوَ الْأَرْضُ الْخَرَابُ الدَّارِسَةُ وَتُسَمَّى مَيِّتَةً وَمَوَاتًا وَمَوْتَى بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْوَاوِ‏.‏

وَالْمَوْتَانُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ‏:‏ الْمَوْتُ الذَّرِيعُ، وَرَجَلٌ مَوْتَانِ الْقَلْبِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ يَعْنِي عَمِيُّ الْقَلْبِ لَا يَفْهَمُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْمَوَاتُ اصْطِلَاحًا‏:‏ ‏(‏هِيَ الْأَرْضُ الْمُنْفَكَّةُ عَنْ الِاخْتِصَاصَاتِ وَمِلْكِ مَعْصُومٍ‏)‏ وَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ‏.‏

وَالْأَصْلُ فِي إحْيَائِهِ‏:‏ حَدِيثُ جَابِرٍ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ‏}‏ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ‏}‏ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ‏.‏

وَرَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ وَأَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ‏:‏ وَهُوَ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ مُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ عَنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

قَالَ فِي الْمُغْنِي‏:‏ وَعَامَّةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْمَوَاتَ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي شُرُوطِهِ ‏(‏فَيُمْلَكُ بِإِحْيَاءِ كُلِّ مَا‏)‏ أَيْ مَوَاتٍ ‏(‏لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ أَثَرُ عِمَارَةٍ‏)‏ قَالَ فِي الْمُغْنِي‏:‏ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِالْإِحْيَاءِ انْتَهَى لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ مَلَكَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْخِرَابَ ‏(‏مَنْ لَهُ حُرْمَةٌ‏)‏ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ ‏(‏أَوْ شُكَّ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ‏(‏فِيهِ‏)‏ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مَالِكٌ وَشَكَّ فِي حَالِهِ هَلْ هُوَ مُحْتَرَمٌ أَوْ لَا‏؟‏ ‏(‏فَإِنْ وُجِدَ‏)‏ مَالِكُهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ وُجِدَ ‏(‏أَحَدٌ مِنْ وَرَثَتِهِ لَمْ يُمْلَكْ بِإِحْيَاءٍ‏)‏ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا‏.‏

وَالْمُرَادُ فِي غَيْرِ مَا مُلِكَ بِالْإِحْيَاءِ ‏(‏وَكَذَا إنْ جُهِلَ‏)‏ مَالِكُهُ بِأَنْ لَمْ تُعْلَمْ عَيْنُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِجَرَيَانِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ لِذِي حُرْمَةٍ‏.‏

فَلَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ نَصًّا‏.‏

لِمَفْهُومِ حَدِيثِ عَائِشَةَ‏:‏ ‏{‏مَنْ أَحْيَا أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ‏}‏ وَلِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَلَا يُمْلَكُ بِإِحْيَاءٍ، كَمَا لَوْ كَانَ مَالِكُهُ مُعَيَّنًا ‏(‏وَإِنْ عُلِمَ‏)‏ مَالِكُهُ وَمَوْتُهُ ‏(‏وَلَمْ يُعَقِّبْ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ لَمْ يُمْلَكْ بِإِحْيَاءٍ، و‏(‏أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ‏)‏ لِمَنْ شَاءَ‏.‏

لِأَنَّهُ فَيْءٌ ‏(‏وَإِنْ مُلِكَ بِإِحْيَاءٍ ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى دَثَرَ وَعَادَ مَوَاتًا لَمْ يُمْلَكْ بِإِحْيَاءٍ إنْ كَانَ لِمَعْصُومٍ‏)‏ لِمَفْهُومِ حَدِيث ‏{‏مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً لَيْسَتْ لِأَحَدٍ‏}‏ وَهُوَ مُقَيِّدٌ لِحَدِيثِ ‏{‏مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ‏}‏ وَلِأَنَّ مِلْكَ الْمُحْيِي أَوَّلًا لَمْ يَزُلْ عَنْهَا بِالتَّرْكِ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ ‏(‏وَإِنْ عُلِمَ مِلْكُهُ لِمُعَيَّنٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ‏)‏، وَهُوَ الْكَافِرُ الَّذِي لَا أَمَانَ لَهُ ‏(‏فَإِنْ‏)‏ كَانَ ‏(‏أَحْيَاهُ بِدَارِ حَرْبٍ وَانْدَرَسَ كَانَ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏كَمَوَاتٍ أَصْلِيٍّ‏)‏ مَلَكَهُ مَنْ أَحْيَاهُ،؛ لِأَنَّ مِلْكَ مَنْ لَا عِصْمَةَ لَهُ كَعَدَمِهِ ‏(‏وَإِنْ‏)‏ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرُ مِلْكٍ، ولَكِنْ ‏(‏تَرَدَّدَ فِي جَرَيَانِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ‏)‏ مُلِكَ بِإِحْيَاءٍ‏.‏

لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جَرَيَانِ الْمِلْكِ فِيهِ ‏(‏أَوْ كَانَ بِهِ أَثَرُ مِلْكٍ غَيْرِ جَاهِلِيٍّ كَالْخَرِبِ‏)‏ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَالْعَكْسِ، وَكِلَاهُمَا جَمْعُ خِرْبَةٍ بِسُكُونِ الرَّاءِ، وَهِيَ مَا تَهَدَّمَ مِنْ الْبُنْيَانِ ‏(‏الَّتِي ذَهَبَتْ أَنْهَارُهَا وَانْدَرَسَتْ آثَارُهَا وَلَمْ يُعْلَمْ لَهَا مَالِكٌ‏)‏ الْآنَ، مُلِكَ بِإِحْيَاءٍ لِلْخَبَرِ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَرْبِ‏.‏

وَصَحَّحَ الْحَارِثِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْإِنْصَافِ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا وَتَبِعَهُمَا فِي الْإِقْنَاعِ، ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ بِهِ أَثَرُ مِلْكٍ ‏(‏جَاهِلِيٍّ قَدِيمٍ أَوْ‏)‏ أَثَرُ مِلْكٍ جَاهِلِيٍّ ‏(‏قَرِيبٍ‏)‏ ‏(‏مُلِكَ بِإِحْيَاءٍ‏)‏؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْمِلْكِ الَّذِي بِهِ لَا حُرْمَةَ لَهُ‏.‏

وَالْجَاهِلِيُّ الْقَدِيمُ كَدِيَارِ عَادٍ وَثَمُودَ وَآثَارِ الرُّومِ‏.‏

وَفِي الْحَدِيثِ ‏{‏عَادِيُّ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ثُمَّ هُوَ بَعْدُ لَكُمْ‏}‏ رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ ‏(‏وَمَنْ أَحْيَا‏)‏ مِمَّا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْإِحْيَاءُ ‏(‏بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ‏)‏ كَانَ الْمُحْيِي ‏(‏ذِمِّيًّا مَوَاتًا سِوَى مَوَاتِ الْحَرَمِ وَعَرَفَاتٍ، وَ‏)‏ سِوَى ‏(‏مَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَرْضِ كُفَّارٍ صُولِحُوا عَلَى أَنَّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَرْضَ ‏(‏لَهُمْ وَلَنَا الْخَرَاجُ عَنْهَا، وَ‏)‏ سِوَى ‏(‏مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ‏)‏ عُرْفًا ‏(‏وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ كَطُرُقِهِ وَفِنَائِهِ وَمَسِيلِ مَائِهِ وَمَرْعَاهُ وَمُحْتَطَبِهِ وَحَرِيمِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ‏)‏ كَمَدْفِنِ مَوْتَاهُ وَمَطْرَحِ تُرَابِهِ ‏(‏مَلَكَهُ‏)‏ جَوَابُ ‏"‏ مَنْ ‏"‏، أَمَّا كَوْنُ الْإِحْيَاءِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ فَلِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّ الْمَوَاتَ عَيْنٌ مُبَاحَةٌ فَلَمْ يَفْتَقِرْ تَمَلُّكُهَا إلَى إذْنِ الْإِمَامِ، كَأَخْذِ الْمُبَاحِ‏.‏

وَأَمَّا كَوْنُ الذِّمِّيِّ فِيهِ كَالْمُسْلِمِ فَلِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَمَلَكَ بِالْإِحْيَاءِ كَالشِّرَاءِ وَكَتَمَلُّكِهِ مُبَاحَاتِهَا مِنْ حَشِيشٍ وَحَطَبٍ وَغَيْرِهِمَا‏.‏

وَأَمَّا مَنْعُ الْإِحْيَاءِ فِي مَوَاتِ الْحَرَمِ وَعَرَفَاتٍ، فَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى الْحُجَّاجِ وَاخْتِصَاصِهِ بِمَا يَسْتَوِي فِيهِ النَّاسُ‏.‏

وَأَمَّا مَنْعُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْإِحْيَاءِ بِأَرْضِ كُفَّارٍ صُولِحُوا عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ فَلِأَنَّهُمْ صُولِحُوا فِي بِلَادِهِمْ فَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لِشَيْءٍ مِنْهَا عَامِرًا كَانَ أَوْ مَوَاتًا لِتَبَعِيَّةِ الْمَوَاتِ لِلْبَلَدِ، بِخِلَافِ دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهَا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ‏.‏

وَأَمَّا مَنْعُ الْإِحْيَاءِ فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ فَلِمَفْهُومِ حَدِيثِ ‏{‏مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ لَهُ‏}‏ وَلِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمُلُوكِ فَأُعْطِيَ حُكْمَهُ وَيَمْلِكُهُ مُحْيِهِ ‏(‏بِمَا فِيهِ مِنْ مَعْدِنٍ جَامِدٍ‏)‏ بَاطِنٍ ‏(‏كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ‏)‏ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ ‏(‏وَ‏)‏ مِنْ مَعْدِنٍ جَامِدٍ ‏(‏ظَاهِرٍ كَجَصٍّ وَكُحْلٍ‏)‏ وَكِبْرِيتٍ وَزِرْنِيخٍ، لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَتَبِعَهَا فِي الْمِلْكِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا، بِخِلَافِ الرِّكَازِ؛ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا لِلنَّقْلِ وَلَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهَا‏.‏

وَهَذَا فِي الْمَعْدِنِ الظَّاهِرِ إذَا ظَهَرَ بِإِظْهَارِهِ أَوْ حَفْرِهِ‏.‏

وَأَمَّا مَا كَانَ ظَاهِرًا فِيهَا قَبْلَ إحْيَائِهَا فَلَا يَمْلِكُ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِنَفْعٍ كَانَ وَاصِلًا لِلْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ مَا ظَهَرَ بِإِظْهَارِهِ فَلَمْ يَقْطَعْ عَنْهُمْ شَيْئًا ‏(‏وَعَلَى ذِمِّيٍّ خَرَاجُ مَا أَحْيَا مِنْ مَوَاتٍ عَنْوَةً‏)‏؛ لِأَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا تَقَرُّ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ بِدُونِ خَرَاجٍ‏.‏

وَأَمَّا غَيْرُ الْعَنْوَةِ كَأَرْضِ الصُّلْحِ وَمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ فَالذِّمِّيُّ فِيهِ كَالْمُسْلِمِ ‏(‏وَيُمْلَكُ بِإِحْيَاءٍ وَيُقْطَعُ‏)‏ بِبِنَاءِ الْفِعْلَيْنِ لِلْمَفْعُولِ ‏(‏مَا قَرُبَ مِنْ السَّاحِلِ مِمَّا إذَا حَصَلَ فِيهِ الْمَاءُ صَارَ مِلْحًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا تَضْيِيقَ فِي تَمْهِيدِهِ وَفَتْحِ قَنَاةٍ إلَيْهِ تُصَبُّ الْمَاءَ فِيهِ لِيَتَهَيَّأَ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَيَمْلِكُ بِإِحْيَاءِ مَا قَرُبَ ‏(‏مِنْ الْعَامِرِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَصَالِحِهِ‏)‏ لِعُمُومِ ‏{‏مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ‏}‏‏:‏ ‏{‏وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ الْعَقِيقَ‏}‏ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ بَيْنَ عِمَارَةِ الْمَدِينَةِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ تُمْلَكُ وَلَا تُقْطَعُ ‏(‏مَعَادِنُ مُنْفَرِدَةٌ‏)‏، أَمَّا الظَّاهِرَةُ وَهِيَ الَّتِي يُتَوَصَّلُ إلَى مَا فِيهَا بِلَا مُؤْنَةٍ كَمَقَاطِعِ الطِّينِ وَالْمِلْحِ وَالْكُحْلِ فَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمُسْلِمِينَ وَتَضْيِيقًا عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ الَّتِي يُحْتَاجُ فِي إخْرَاجِهَا إلَى حَفْرٍ وَمُؤْنَةٍ كَمَعْدِنِ الْجَوَاهِرِ فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا ‏(‏وَلَا يُمْلَكُ مَا‏)‏ أَيْ‏:‏ مَكَانَ ‏(‏نَضَبَ‏)‏ أَيْ غَارَ ‏(‏مَاؤُهُ‏)‏ مِنْ الْجَزَائِرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا، وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ يَرْجِعُ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ‏.‏

فَإِذَا وَجَدَهُ مَبْنِيًّا رَجَعَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَأَضَرَّ بِأَهْلِهِ، وَلِأَنَّ الْجَزَائِرَ مَنْبَتُ الْكَلَإِ وَالْحَطَبِ، فَجَرَتْ مَجْرَى الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ‏.‏

وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ‏"‏ أَنَّهُ أَبَاحَ الْجَزَائِرَ ‏"‏ أَيْ‏:‏ مَا نَبَتَ فِيهَا‏.‏

وَإِنْ غَلَبَ الْمَاءُ عَلَى مِلْكِ إنْسَانٍ ثُمَّ نَضَبَ عَنْهُ فَلَهُ أَخْذُهُ‏.‏

وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِغَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ‏.‏

وَإِنْ جَعَلَ مَا نَضَبَ مَاؤُهُ مَزْرَعَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ لِتَحَجُّرِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ ظَهَرَ فِيمَا أَحْيَا‏)‏ مِنْ مَوَاتٍ ‏(‏عَيْنُ مَاءٍ أَوْ مَعْدِنٍ جَارٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ كُلَّمَا أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ خَلَفَهُ غَيْرُهُ ‏(‏كَنَفْطٍ وَقَارٍ أَوْ‏)‏ ظَهَرَ فِيهِ ‏(‏كَلَأٌ أَوْ شَجَرٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ أَحَدٌ فَهُوَ لَهُ‏}‏‏.‏

رَوَاهُ أَبُو دَاوُد‏.‏

وَفِي لَفْظٍ ‏"‏ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ‏"‏ ‏(‏وَلَا يَمْلِكُهُ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ، فِي‏:‏ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ‏}‏ رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَادَ ‏"‏ فِيهِ ‏{‏وَثَمَنُهُ حَرَامٌ‏}‏ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَلَمْ تُمْلَكْ بِمِلْكِهَا كَالْكَنْزِ ‏(‏وَمَا فَضَلَ مِنْ مَائِهِ‏)‏ الَّذِي لَمْ يُحَرِّزْهُ ‏(‏عَنْ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ عِيَالِهِ وَمَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ يَجِبُ بَذْلُهُ لِبَهَائِمِ غَيْرِهِ وَزَرْعِهِ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلَأَ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا ‏{‏مِنْ مَنَعَ فَضْلَ مَائِهِ أَوْ فَضْلَ كَلَئِهِ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَا يَتَوَعَّدُ عَلَى مَا يَحِلُّ ‏(‏مَا لَمْ يَجِدْ‏)‏ رَبُّ الْبَهَائِمِ أَوْ الزَّرْعِ مَاءً ‏(‏مُبَاحًا‏)‏ فَيَسْتَغْنِي بِهِ فَلَا يَجِبُ الْبَذْلُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ‏(‏أَوْ يَتَضَرَّرُ بِهِ‏)‏ الْبَاذِلُ، فَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ ‏(‏أَوْ يُؤْذِيهِ‏)‏ طَالِبُ الْمَاءِ ‏(‏بِدُخُولِهِ‏)‏ فِي أَرْضِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ يَكُونُ ‏(‏لَهُ فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْبِئْرِ ‏(‏مَاءُ السَّمَاءِ فَيَخَافُ عَطَشًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمْنَعَهُ‏)‏ دَفْعًا لِلْأَذَى وَحَيْثُ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ مَدُّ حَبْلٍ وَدَلْوٍ، لِأَنَّهُمَا يَتْلَفَانِ بِالِاسْتِعْمَالِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا بِمَوَاتٍ لِلسَّابِلَةِ‏)‏ أَيْ‏:‏ نَفْعِ الْمُجْتَازِينَ بِهَا كَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا فَالنَّاسُ مُشْتَرِكُونَ فِي مَائِهَا وَالْحَافِرُ لَهَا كَأَحَدِهِمْ ‏(‏فِي سَقْيِ زَرْعٍ وَشُرْبٍ‏)‏ لِعَدَمِ الْمُخَصِّصِ ‏(‏وَمَعَ ضِيقٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَزَاحُمٍ ‏(‏بِسَقْيِ آدَمِيٍّ‏)‏ أَوْ لَا لِحُرْمَتِهِ ‏(‏فَحَيَوَانٍ‏)‏؛ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً ‏(‏فَزَرْعٍ، وَ‏)‏ إنْ حَفَرَهَا فِي مَوَاتٍ ‏(‏ارْتِفَاقًا‏)‏ بِهَا ‏(‏كَالسِّفَارَةِ‏)‏ وَالْمُنْتَجِعِينَ يَحْفِرُونَ بِئْرًا ‏(‏لِشُرْبِهِمْ وَ‏)‏ شُرْبِ ‏(‏دَوَابِّهِمْ فَهُمْ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَافِرُونَ لَهَا ‏(‏أَحَقُّ بِمَائِهَا‏)‏ أَيْ الْبِئْرِ الَّتِي حَفَرُوهَا ‏(‏وَقَامُوا‏)‏ عَلَيْهَا‏.‏

وَلَا يَمْلِكُونَهَا لِجَزْمِهِمْ بِانْتِقَالِهِمْ عَنْهَا وَتَرْكِهَا لِمَنْ يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُمْ، بِخِلَافِ الْمُتَمَلِّكِ ‏(‏وَعَلَيْهِمْ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَافِرِينَ لَهَا ‏(‏بَذْلُ فَاضِلٍ‏)‏ عَنْهُمْ مِنْ مَائِهَا ‏(‏لِشَارِبٍ فَقَطْ‏)‏ أَيْ‏:‏ دُونَ نَحْوِ زَرْعٍ، ‏(‏وَبَعْدَ رَحِيلِهِمْ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَافِرِينَ لَهَا ‏(‏تَكُونُ سَابِلَةً لِلْمُسْلِمِينَ‏)‏ لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدٍ مِنْ غَيْرِ الْحَافِرِينَ عَلَى غَيْرِهِ ‏(‏فَإِنْ عَادُوا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَافِرُونَ لَهَا ‏(‏كَانُوا أَحَقَّ بِهَا‏)‏ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا حَفَرُوهَا لِأَنْفُسِهِمْ‏.‏

وَمِنْ عَادَتِهِمْ الرَّحِيلُ وَالرُّجُوعُ‏.‏

فَلَا تَزُولُ أَحَقِّيَّتُهُمْ بِهِ وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا بِمَوَاتٍ ‏(‏تَمَلُّكًا فَ‏)‏ هِيَ ‏(‏مِلْكٌ لِحَافِرٍ‏)‏ كَمَا لَوْ حَفَرَهَا بِمِلْكِ الْحَيِّ سَوَاءٌ أَرَادَهَا لِبِنَاءٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ حَظِيرَةٍ لِغَنَمٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا نَصًّا‏.‏

لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَلَهُمَا عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ؛ وَلِأَنَّ الْحَائِطَ حَاجِزٌ مَنِيعٌ وَلَا اعْتِبَارَ لِلْقَصْدِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَرَادَهَا حَظِيرَةً فَبَنَاهَا بِجِصٍّ وَآجُرٍّ وَقَسَّمَهَا بُيُوتًا، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ مَنِيعًا ‏"‏ أَيْ‏:‏ يَمْنَعُ مَنْ وَرَاءَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ تَسْقِيفٌ وَلَا تَرْكِيبُ بَابٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْخَبَرِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَيَحْصُلُ إحْيَاؤُهَا ‏(‏بِإِجْرَاءِ مَاءٍ‏)‏ بِأَنْ يَسُوقَهُ إلَيْهَا مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ ‏(‏لَا تُزْرَعُ إلَّا بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِالْمَاءِ الْمَسُوقِ إلَيْهَا ‏(‏أَوْ مَنْعِ مَاءٍ لَا تُزْرَعُ مَعَهُ‏)‏ كَأَرْضِ الْبَطَائِحِ الَّتِي يُفْسِدُهَا غَرَقُهَا بِالْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ، فَإِحْيَاؤُهَا بِسَدِّهِ عَنْهَا وَجَعْلِهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ زَرْعُهَا؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِيمَا أَرَادَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى تَكْرَارِ ذَلِكَ فِي كُلِّ عَامٍ ‏(‏أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ‏)‏ أَوْ نَهْرٍ نَصًّا‏.‏

وَيَصِلُ إلَى مَاءِ الْبِئْرِ‏.‏

قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ‏:‏ وَإِنْ خَرَجَ الْمَاءُ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى طَيٍّ، فَتَمَامُ الْإِحْيَاءِ طَيُّهَا ‏(‏أَوْ غَرْسُ شَجَرٍ فِيهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَوَاتِ بِأَنْ كَانَتْ لَا تَصْلُحُ لِغَرْسٍ لِكَثْرَةِ أَحْجَارِهَا وَنَحْوِهَا فَيُنَقِّيهَا وَيَغْرِسُهَا؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْبَقَاءِ كَبِنَاءِ الْحَائِطِ‏.‏

وَلَا يَحْصُلُ إحْيَاءٌ بِحَرْثٍ وَزَرْعٍ‏.‏

‏(‏وَبِحَفْرِ بِئْرٍ‏)‏ بِمَوَاتٍ وَاسْتِخْرَاجِ مَائِهَا ‏(‏يَمْلِكُ‏)‏ حَافِرٌ ‏(‏حَرِيمَهَا وَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ حَرِيمِ الْبِئْرِ ‏(‏مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فِي قَدِيمَةٍ‏)‏ وَتُسَمَّى الْعَادِيَّةَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ نِسْبَةً لِعَادٍ، وَلَمْ يُرِدْ عَادًا بِعَيْنِهَا، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ عَادٌ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ وَكَانَتْ لَهَا آثَارٌ فِي الْأَرْضِ نُسِبَ إلَيْهَا كُلُّ قَدِيمٍ ‏(‏خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَ‏)‏ الْحَرِيمُ ‏(‏فِي‏)‏ بِئْرٍ ‏(‏غَيْرِهَا‏)‏ أَيْ الْقَدِيمَةِ ‏(‏خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا‏)‏ نَصًّا‏.‏

لِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏"‏ السُّنَّةُ فِي حَرِيمِ الْقَلِيبِ الْعَادِيِّ خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَالْبَدِيءُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ‏"‏، وَرَوَى الْخَلَّالُ وَالدَّارَقُطْنِيّ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا‏.‏

وَالْبِئْرُ الَّتِي لَهَا مَاءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ لَيْسَ لِأَحَدٍ احْتِجَازُهُ كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ ‏(‏وَحَرِيمُ عَيْنٍ وَقَنَاةٍ‏)‏ حُفِرَتَا بِمَوَاتٍ ‏(‏خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ و‏)‏ حَرِيمُ ‏(‏نَهْرٍ‏)‏ بِمَوَاتٍ ‏(‏مِنْ جَانِبَيْهِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِطَرْحِ كِرَايَتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَا يُلْقَى مِنْهُ لِيُسْرِعَ جَرْيُهُ ‏(‏وَطَرِيقِ شَاوِيهِ‏)‏ أَيْ قَيِّمُهُ‏.‏

قَالَ فِي شَرْحِهِ‏:‏ وَالْكِرَايَةُ وَالشَّاوِي لَمْ أَجِدْ لَهُمَا أَصْلًا فِي اللُّغَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَعَلَّهُمَا مُوَلَّدَتَانِ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الشَّامِ ‏(‏وَنَحْوِهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ نَحْوِ مَطْرَحِ كِرَايَتِهِ وَطَرِيقِ شَاوِيهِ مِنْ مَرَافِقِهِ وَمَا يَسْتَضِرُّ صَاحِبُهُ بِتَمَلُّكِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَثُرَ‏.‏

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ‏:‏ وَإِنْ كَانَ بِجَنْبِهِ مُثَنَّاةٌ لِغَيْرِهِ ارْتَفَقَ بِهَا فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً‏.‏

وَلَهُ عَمَلُ أَحْجَارِ طَحْنٍ عَلَى النَّهْرِ وَنَحْوِهِ وَمَوْضِعِ غَرْسٍ وَزَرْعٍ وَنَحْوِهِمَا ‏(‏وَ‏)‏ حَرِيمُ ‏(‏شَجَرَةٍ‏)‏ غُرِسَتْ بِمَوَاتٍ ‏(‏قَدْرُ مَدِّ أَغْصَانِهَا‏)‏ حَوَالَيْهَا‏.‏

لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ ‏{‏اُخْتُصِمَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرِيمِ نَخْلَةٍ، فَأَمَرَ بِجَرِيدَةٍ مِنْ جَرَائِدِهَا فَذُرِعَتْ فَكَانَتْ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ أَوْ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ فَقَضَى بِذَلِكَ‏}‏ ‏(‏وَ‏)‏ حَرِيمُ ‏(‏أَرْضٍ تُزْرَعُ‏)‏ مِنْ مَوَاتٍ ‏(‏مَا‏)‏ أَيْ‏:‏ مَحَلٍّ ‏(‏تَحْتَاجُ‏)‏ إلَيْهِ ‏(‏لِسَقْيِهَا وَرَبْطِ دَوَابِّهَا وَطَرْحِ سَبَخِهَا وَنَحْوِهِ‏)‏ مِنْ مَرَافِقِ زُرَّاعِهَا كَمَصْرِفِ مَائِهَا عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ حَرِيمُ ‏(‏دَارٍ مِنْ مَوَاتٍ حَوْلَهَا مَطْرَحُ تُرَابٍ وَكُنَاسَةٍ وَثَلْجٍ وَمَاءِ مِيزَابٍ وَمَمَرٍّ لِبَابٍ‏)‏؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ مَرَافِقِ سَاكِنِهَا ‏(‏وَلَا حَرِيمَ لِدَارٍ مَحْفُوفَةٍ بِمِلْكٍ‏)‏ لِغَيْرِهِ مِنْ جَوَانِبِهَا؛ لِأَنَّ الْحَرِيمَ مِنْ الْمَرَافِقِ وَلَا يَرْتَفِقُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ ‏(‏وَيَتَصَرَّفُ كُلٌّ مِنْهُمْ‏)‏ أَيْ‏:‏ مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْلَاكِ الْمُتَلَاصِقَةِ ‏(‏بِحَسَبِ عَادَةٍ‏)‏ فَإِنْ تَعَدَّاهَا مُنِعَ ‏(‏وَإِنْ وَقَعَ فِي‏)‏ قَدْرِ ‏(‏الطَّرِيقِ نِزَاعٌ وَقْتَ الْإِحْيَاءِ فَلَهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ‏)‏ لِلْخَبَرِ ‏(‏وَلَا تُغَيَّرُ بَعْدَ وَضْعِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ ‏(‏وَمَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا بِأَنْ أَدَارَ حَوْلَهُ أَحْجَارًا‏)‏ أَوْ تُرَابًا أَوْ شَوْكًا أَوْ حَائِطًا غَيْرَ مَنِيعٍ لَمْ يَمْلِكْهُ، ‏(‏أَوْ حَفَرَ بِئْرًا لَمْ يَصِلْ مَاءَهَا‏)‏ لَمْ يَمْلِكْهَا نَصًّا ‏(‏أَوْ سَقَى شَجَرًا مُبَاحًا‏)‏ كَالزَّيْتُونِ وَالْخَرْنُوبِ‏.‏

قَالَ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ‏:‏ الصَّوَابُ شَفَّا بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ‏:‏ قَطْعِ الْأَغْصَانِ الرَّدِيئَةَ لِتَخْلُفَهَا أَغْصَانٌ جَيِّدَةٌ ‏(‏وَأَصْلَحَهُ وَلَمْ يُرْكِبْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ يُطْعِمْهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، فَإِنْ طَعَّمَهُ مَلَكَهُ بِذَلِكَ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ بِأَنْ حَرَثَ الْأَرْضَ أَوْ خَنْدَقَ حَوْلَهَا لَمْ يَمْلِكْهَا؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ يَنْزِلُ مَنْزِلًا وَيُحَوِّطُ عَلَى رَحْلِهِ بِنَحْوِ ذَلِكَ ‏(‏أَوْ أَقْطَعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ مَوَاتًا لِيُحْيِيَهُ ‏(‏لَمْ يَمْلِكْهُ‏)‏ قَبْلَ إحْيَائِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوَاتَ إنَّمَا يُمْلَكَ بِالْإِحْيَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ‏.‏

وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ لِلْإِمَامِ إقْطَاعَ الْمَوَاتِ لِمَنْ يُحْيِيهِ وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْإِقْطَاعِ بَلْ بِإِحْيَائِهِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَنْ تَحَجَّرَ الْمَوَاتَ أَوْ حَفَرَ الْبِئْرَ وَلَمْ يَصِلْ مَاءَهَا أَوْ سَقَى الشَّجَرَ الْمُبَاحَ وَلَمْ يَرْكَبْهُ وَنَحْوُهُ أَوْ أُقْطِعَهُ ‏(‏أَحَقُّ بِهِ‏)‏ مِنْ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ ‏{‏مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ‏}‏‏"‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَذَا ‏(‏وَارِثُهُ‏)‏ مِنْ بَعْدِهِ بِهِ أَحَقُّ لِحَدِيثِ ‏{‏مَنْ تَرَكَ حَقًّا أَوْ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ‏}‏؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَوْرُوثِ فَقَامَ فِيهِ وَارِثُهُ مُقَامَهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، ‏(‏و‏)‏ كَذَا ‏(‏مَنْ يَنْقُلُهُ‏)‏ الْمُتَحَجِّرُ وَنَحْوُهُ وَالْمُقَطَّعُ ‏(‏إلَيْهِ‏)‏ أَحَقُّ بِهِ مِمَّنْ سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَهُ فِيهِ ‏(‏وَكَذَا مَنْ نَزَلَ عَنْ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ بِيَدِهِ لِغَيْرِهِ أَوْ عَنْ وَظِيفَةٍ لِأَهْلٍ‏)‏ فَالْمَنْزُولُ لَهُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَتَقَرَّرُ غَيْرُهُ أَيْ‏:‏ إذَا كَانَ النُّزُولُ مُتَوَقِّفًا عَلَى الْإِمْضَاءِ لِشَرْطِ وَاقِفٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَالنُّزُولُ إذَا لَمْ يَتِمَّ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمُتَحَجِّرِ إذْ الْمُتَحَجِّرُ لَا يَتِمُّ مِلْكُهُ إلَّا بِالْإِحْيَاءِ وَالنُّزُولُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْإِمْضَاءِ، وَحَقُّ الْمَنْزُولِ لَهُ قَائِمٌ بِهِ يَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى الْإِمْضَاءِ‏.‏

فَإِنْ وُجِدَ انْبَرَمَ وَتَمَّ النُّزُولُ لَهُ وَإِلَّا كَانَ الْمَنْزُولُ عَنْهُ لِلنَّازِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْغَبْ عَنْهُ رَغْبَةً مُطْلَقَةً بَلْ مُقَيَّدَةً بِحُصُولِهِ لِلْمَنْزُولِ لَهُ وَلَمْ يَحْصُلْ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ التَّقْرِيرُ فِي مِثْلِ هَذَا إنَّمَا يُقَرِّرُ فِيمَا هُوَ خَالٍ عَنْ يَدِ مُسْتَحِقٍّ أَوْ فِي يَدِ مَنْ يَمْلِكُ انْتِزَاعَهُ مِنْهُ لِمُقْتَضًى شَرْعِيٍّ‏.‏

وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ النُّزُولُ مَشْرُوطًا بِالْإِمْضَاءِ وَكَانَ الْمَنْزُولُ لَهُ أَهْلًا فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ عَاجِلًا بِقَبُولِهِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَقْرِيرِ نَاظِرٍ وَلَا مُرَاجَعَتِهِ؛ إذْ هُوَ حَقٌّ لَهُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ فِي حُقُوقِهِ قَالَهُ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ ‏(‏أَوْ آثَرَ شَخْصًا بِمَكَانِهِ فِي الْجُمُعَةِ‏)‏، فَالْمُؤْثَرُ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ أَحَقُّ بِهِ ‏(‏وَلَيْسَ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِمَنْ قُلْنَا إنَّهُ أَحَقُّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ السَّابِقِ ‏(‏بَيْعُهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْأَخْذِ، وَكَمَنْ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ لَكِنَّ النُّزُولَ عَنْهُ بِعِوَضٍ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ جَائِزٌ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ قِيَاسًا عَلَى الْخُلْعِ ‏(‏فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ‏)‏ أَيْ مُدَّةُ التَّحَجُّرِ وَنَحْوَهُ ‏(‏عُرْفًا وَلَمْ يَتِمَّ إحْيَاؤُهُ وَحَصَلَ مُتَشَوِّقٍ لِإِحْيَائِهِ قِيلَ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَالَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِلْمُتَحَجِّرِ وَنَحْوِهِ‏:‏ ‏(‏إمَّا أَنْ تُحْيِيَهُ أَوْ تَتْرُكَهُ‏)‏ لِغَيْرِكَ يُحْيِيهِ لِتَضْيِيقِهِ عَلَى النَّاسِ فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ‏.‏

أَشْبَهَ مَنْ وَقَفَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّق ‏(‏فَإِنْ طَلَبَ‏)‏ الْمُتَحَجِّرُ ‏(‏الْمُهْلَةَ لِعُذْرٍ أُمْهِلَ مَا يَرَاهُ حَاكِمٌ مِنْ نَحْوِ شَهْرٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ‏)‏ لِيَحْصُلَ مَا يَحْتَاجُهُ لِإِحْيَائِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ قِيلَ لَهُ‏:‏ إمَّا أَنْ تُعَمِّرَ أَوْ تَرْفَعَ يَدَكَ، فَإِنْ لَمْ يُعَمِّرْهَا كَانَ لِغَيْرِهِ عِمَارَتُهَا ‏(‏وَلَا يَمْلِكُ‏)‏ الْمُتَحَجِّرُ ‏(‏بِإِحْيَاءِ غَيْرِهِ فِيهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ مُدَّةَ الْمُهْلَةِ لِأَنَّهُ إحْيَاءٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ‏.‏

أَشْبَهَ إحْيَاءَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُتَحَجِّرِ أَسْبَقُ فَكَانَ أَوْلَى‏.‏

فَإِنْ أَحْيَاهُ غَيْرُهُ بَعْدَ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ مَلَكَهُ ‏(‏وَكَذَا لَا يُقَرِّرُ‏)‏ فِي أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ أَوْ وَظِيفَةٍ مَنْزُولٍ عَنْهَا لِأَهْلٍ ‏(‏غَيْرُ مَنْزُولٍ لَهُ‏)‏ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِذَلِكَ، ‏(‏وَ‏)‏ كَذَا ‏(‏لَا‏)‏ يَجُوزُ ‏(‏لِغَيْرِ الْمُؤْثَرِ‏)‏ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ ‏(‏أَنْ يَسْبِقَ‏)‏ إلَى الْمَكَانِ الْمُؤْثَرِ بِهِ غَيْرُهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُؤْثَرِ بِهِ وَيَنْقَسِمُ الْإِقْطَاعُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ‏:‏ إقْطَاعُ تَمْلِيكٍ، وَإِقْطَاعُ اسْتِغْلَالٍ، وَإِقْطَاعُ إرْفَاقٍ‏.‏

وَقَسَّمَ الْقَاضِي الْأَوَّلَ إلَى‏:‏ مَوَاتٍ وَعَامِرٍ وَمَعَادِنِ، وَجَعَلَ الثَّانِي عَلَى ضَرْبَيْنِ‏:‏ خَرَاجٍ وَعُشْرٍ‏.‏

وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى الْأَخِيرِ بِقَوْلِهِ ‏(‏‏:‏ وَلِلْإِمَامِ إقْطَاعُ جُلُوسٍ بِطَرِيقٍ وَاسِعَةٍ وَرَحْبَةِ مَسْجِدٍ غَيْرِ مَحُوطَةٍ مَا لَمْ يَضِقْ عَلَى النَّاسِ‏)‏؛ لِأَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ اجْتِهَادًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجُلُوسُ إلَّا فِيمَا لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ فِيهَا، فَلَهُ أَنْ يُجْلِسَ فِيهَا مَنْ لَا يَرَى أَنَّهُ يَضُرُّ بِجُلُوسِهِ ‏(‏وَلَا يَمْلِكُهُ مُقْطَعٌ‏)‏ بِهِ ‏(‏بَلْ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِالْجُلُوسِ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَزُولُ حَقُّهُ بِنَقْلِ مَتَاعِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهِ، بِخِلَافِ السَّابِقِ إلَيْهَا بِلَا إقْطَاعٍ كَمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لَهَا يَسْبِقُهُ إلَيْهَا‏.‏

فَإِذَا انْتَقَلَ عَنْهَا زَالَ اسْتِحْقَاقُهُ، وَهُنَا اسْتِحْقَاقُهُ بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ لَهُ فَلَا يَزُولُ ‏(‏مَا لَمْ يَعُدْ الْإِمَامُ فِي إقْطَاعِهِ‏)‏ فَيُقْطَعُ بِعَوْدِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ اجْتِهَادًا فِي قَطْعِهِ كَمَا لَهُ اجْتِهَادٌ فِي ابْتِدَائِهِ‏.‏

فَإِنْ كَانَتْ رَحْبَةُ الْمَسْجِدِ مَحُوطَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ إقْطَاعُ الْجُلُوسِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَسْجِدِ ‏(‏وَإِنْ لَمْ يُقْطِعْ‏)‏ الْإِمَامُ الْجُلُوسَ بِطَرِيقٍ وَاسِعَةٍ أَوْ رَحْبَةِ مَسْجِدٍ غَيْرِ مَحُوطَةٍ، ‏(‏فَالسَّابِقُ‏)‏ إلَى الْجُلُوسِ فِيهَا ‏(‏أَحَقُّ‏)‏ بِهِ ‏(‏مَا لَمْ يَنْقُلْ قُمَاشَهُ عَنْهَا‏)‏؛ لِحَدِيثِ ‏{‏مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ‏}‏؛ وَلِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ بِمُبَاحٍ بِلَا إضْرَارٍ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَالِاجْتِيَازِ‏.‏

فَإِنْ قَامَ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ إزَالَتَهُ، وَإِنْ نَقَلَ مَتَاعَهُ كَانَ لِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ اللَّيْلُ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى إذْنِ إمَامٍ ‏(‏فَإِنْ أَطَالَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجُلُوسَ بِلَا إقْطَاعٍ ‏(‏أُزِيلَ‏)‏ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالتَّمَلُّكِ‏.‏

وَيَخْتَصُّ بِنَفْعٍ يُسَاوِيهِ غَيْرُهُ فِيهِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَالِسِ بِطَرِيقٍ وَاسِعٍ وَرَحْبَةِ مَسْجِدٍ غَيْرِ مَحُوطَةٍ بِإِقْطَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏أَنْ يَسْتَظِلَّ بِمَا لَا يَضُرُّ كَكِسَاءٍ‏)‏ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ‏(‏وَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ إلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ طَرِيقٍ أَوْ رَحْبَةٍ ‏(‏أَوْ إلَى خَانٍ مُسْبَلٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ أَوْ خَانِكَاهْ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ‏)‏ الِانْتِفَاعُ ‏(‏بِهَا إلَى تَنْزِيلِ نَاظِرٍ‏)‏ وَضَاقَ الْمَكَانُ عَنْ انْتِفَاعِ جَمِيعِهِمْ ‏(‏أُقْرِعَ‏)‏ لِاسْتِوَائِهِمْ، وَالْقُرْعَةُ مُمَيِّزَةٌ ‏(‏وَالسَّابِقُ إلَى مَعْدِنٍ أَحَقُّ بِمَا يَنَالُهُ‏)‏ مِنْهُ بَاطِنًا كَانَ أَوْ ظَاهِرًا لِلْخَبَرِ ‏(‏وَلَا يُمْنَعُ إذَا طَالَ مُقَامُهُ‏)‏ لِلْخَبَرِ ‏(‏وَإِنْ سَبَقَ عَدَدٌ‏)‏ إلَى مَعْدِنٍ ‏(‏وَضَاقَ الْمَحِلُّ عَنْ الْآخِذِ جُمْلَةً أُقْرِعَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا ‏(‏وَالسَّابِقُ إلَى‏)‏ أَخْذِ ‏(‏مُبَاحٍ كَصَيْدٍ وَعَنْبَرٍ وَحَطَبٍ وَثَمَرٍ‏)‏ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَمَنْبُوذٍ رَغْبَةً عَنْهُ‏)‏ كَالنِّثَارِ فِي الْأَعْرَاسِ وَنَحْوِهَا، وَمَا يَتْرُكُهُ حَصَّادٌ وَنَحْوُهُ مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرٍ رَغْبَةً عَنْهُ وَكِسْرَةٍ وَلَحْمٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عَظْمٍ ‏(‏أَحَقُّ بِهِ‏)‏ فَيَمْلِكُهُ بِأَخْذِهِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا ‏(‏وَيُقَسَّمُ بَيْنَ عَدَدٍ‏)‏ أَخَذُوهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً ‏(‏بِالسَّوِيَّةِ‏)‏ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي السَّبَبِ وَإِمْكَانَ الْقِسْمَةِ ‏(‏وَلِلْإِمَامِ لَا غَيْرِهِ إقْطَاعُ غَيْرِ مَوَاتٍ تَمْلِيكًا وَانْتِفَاعًا لِلْمَصْلَحَةِ‏)‏ لِفِعْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ‏.‏

وَمَعْنَى الِانْتِفَاعِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِالزَّرْعِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ بَقَائِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ إقْطَاعُ الِاسْتِغْلَالِ ‏(‏وَ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِإِمَامٍ ‏(‏حَمْيُ مَوَاتٍ لِرَعْيِ دَوَابِّ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَقُومُ بِهَا مَا لَمْ يُضَيِّق‏)‏ عَلَى النَّاسِ، لِقَوْلِ عُمَرَ الْمَالُ مَالُ اللَّهِ وَالْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ وَاَللَّهِ لَوْلَا مَا أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ مِنْ الْأَرْضِ شِبْرًا فِي شِبْرٍ ‏"‏ قَالَ مَالِكٌ ‏"‏ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ فِي كُلِّ عَامٍ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ الظَّهْرِ‏"‏‏.‏

وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ عُثْمَانَ حَمَى، وَاشْتُهِرَ وَلَمْ يُنْكَرْ‏.‏

وَلِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ تَقُومُ فِيهِ الْأَئِمَّةُ مُقَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدِيثِ ‏{‏لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أُجِيبُ عَنْهُ‏:‏ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا يَحْمِيهِ الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ ضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ حُرِمَ لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ‏.‏

وَالْحِمَى الْمَنْعُ، يُقَالُ‏:‏ حَمَى الْمَكَانَ إذَا جَعَلَهُ حِمًى لَا يُقْرَبُ‏.‏

وَلَمْ يَحْمِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا حَمَى لِلْمُسْلِمِينَ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْإِمَامِ إذَا حَمَى مَحِلًّا ‏(‏نَقْضُ مَا حَمَاهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَلَهُ نَقْضُ مَا حَمَاهُ ‏(‏غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ فَلَهُ نَقْضُهُ بِاجْتِهَادٍ آخَرَ‏.‏

فَلَوْ أَحْيَاهُ إنْسَانٌ مَلَكَهُ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ، بَلْ عَمَلٌ بِكُلٍّ مِنْ الِاجْتِهَادَيْنِ فِي مَحِلِّهِ كَالْحَادِثَةِ إذَا حَكَمَ فِيهَا قَاضٍ بِحُكْمٍ ثُمَّ وَقَعَتْ مَرَّةً أُخْرَى وَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ كَقَضَاءِ عُمَرَ فِي الْمُشَرَّكَةِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَنْقُضُ أَحَدٌ ‏(‏مَا حَمَاهُ النَّبِيُّ‏)‏؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ ‏(‏وَلَا يُمَلَّكُ‏)‏ مَا حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏بِإِحْيَاءٍ وَلَوْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ‏)‏، وَإِنْ كَانَ الْحِمَى لِكَافَّةِ النَّاسِ تَسَاوَى فِيهِ جَمِيعُهُمْ‏.‏

فَإِنْ خُصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ اشْتَرَكَ فِيهِ غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ وَمُنِعَ مِنْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَإِنْ خُصَّ بِهِ الْفُقَرَاءُ مُنِعَ مِنْهُ الْأَغْنِيَاءُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ، وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْأَغْنِيَاءِ أَوْ أَهْلِ الذِّمَّةِ‏.‏

وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَرْبَابِ الدَّوَابِّ عِوَضًا عَنْ مَرْعَى مَوَاتٍ أَوْ حِمًى لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَكَ النَّاسَ فِيهِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏حكم من في أعلى ماء غير مملوك‏]‏

وَلِمَنْ فِي أَعْلَى مَاءٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ كَالْأَمْطَارِ وَالْأَنْهَارِ الصِّغَارِ أَنْ يَسْقِيَ وَيَحْبِسَهُ أَيْ‏:‏ الْمَاءَ ‏(‏حَتَّى يَصِلَ إلَى كَعْبِهِ، ثُمَّ يُرْسِلَهُ إلَى مَنْ يَلِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّاقِي أَوَّلًا ‏(‏ثُمَّ هُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الَّذِي يَلِي الْأَعْلَى يَفْعَلُ ‏(‏كَذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ يَسْقِي وَيَحْبِسُ حَتَّى يَصِلَ إلَى كَعْبِهِ، ثُمَّ يُرْسِلَهُ إلَى مَنْ يَلِيهِ، وَهَكَذَا ‏(‏مُرَتَّبًا‏)‏ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى إلَى انْتِهَاءِ الْأَرَاضِي ‏(‏إنْ فَضَلَ شَيْءٌ‏)‏ عَمَّنْ لَهُ السَّقْيُ وَالْحَبْسُ ‏(‏وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لِلْبَاقِي‏)‏ أَيْ لِمَنْ بَعْدَهُ‏.‏

إذْ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا فَضَلَ كَالْعَصَبَةِ مَعَ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ فِي الْمِيرَاثِ‏.‏

لِحَدِيثِ عُبَادَةَ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي شُرْبِ النَّخْلِ مِنْ السَّيْلِ أَنَّ الْأَعْلَى يَشْرَبُ قَبْلَ الْأَسْفَلِ، وَيَتْرُكُ الْمَاءَ إلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسِلُ الْمَاءَ إلَى الْأَسْفَلِ الَّذِي يَلِيهِ وَكَذَلِكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَوَائِطُ أَوْ يَفْنَى الْمَاءُ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ‏.‏

وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏(‏فَإِنْ كَانَ لِأَرْضِ أَحَدِهِمْ أَعْلَى وَأَسْفَلُ‏)‏ بِأَنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي ذَلِكَ ‏(‏سُقِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ انْفِرَادِهِ فِي مَحِلِّهِ، ‏(‏وَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فَأَكْثَرُ فِي قُرْبٍ‏)‏ مِنْ أَوَّلِ نَهْرٍ ‏(‏قُسِّمَ‏)‏ الْمَاءُ بَيْنَهُمْ ‏(‏عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ‏)‏ فَلَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ جَرِيبٌ وَلِآخَرَ جَرِيبَانِ وَلِثَالِثٍ ثَلَاثَةٌ، فَلِلْأَوَّلِ سُدُسٌ وَلِلثَّانِي ثُلُثٌ وَلِلثَّالِثِ نِصْفٌ كَمَا لَوْ كَانُوا سِتَّةً لِكُلِّ وَاحِدٍ جَرِيبٌ، ‏(‏إنْ أَمْكَنَ‏)‏ قَسْمُهُ بَيْنَهُمْ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يُمْكِنُ قَسْمُهُ ‏(‏أُقْرِعَ‏)‏ بَيْنَهُمْ فَيَسْقِي مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ بِقَدْرِ حَقِّهِ ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْآخَرِينَ فَيَسْقِي مِنْ قُرِعَ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَيَتْرُكُهُ لِلْآخَرِ، ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ‏)‏ الْمَاءُ ‏(‏عَنْ وَاحِدٍ‏)‏ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْقُرْبِ ‏(‏سَقَى الْقَارِعُ بِقَدْرِ حَقِّهِ‏)‏ لِمُسَاوَاتِهِ مَنْ لَمْ تَخْرُجْ لَهُ الْقُرْعَةُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ لِلتَّقْدِيمِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ لَا فِي أَصْلِ الْحَقِّ بِخِلَافِ الْأَعْلَى مَعَ الْأَسْفَلِ ‏(‏وَإِنْ أَرَادَ إنْسَانٌ إحْيَاءَ أَرْضٍ يَسْقِيهَا مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّيْلِ أَوْ النَّهْرِ الصَّغِيرِ ‏(‏لَمْ يُمْنَعْ‏)‏ مِنْ الْإِحْيَاءِ؛ لِأَنَّ حَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ فِي الْمَاءِ لَا فِي الْمَوَاتِ ‏(‏مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ‏)‏ فَإِنْ ضَرَّهُمْ فَلَهُمْ مَنْعُهُ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ عَنْهُمْ ‏(‏وَلَا يَسْقِي قَبْلَهُمْ‏)‏ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِمْ وَأَحْيَى لِسَبْقِهِمْ لَهُ إلَى النَّهْرِ؛ وَلِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الْأَرْضَ بِحُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا قَبْلَهُ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حُقُوقِهَا وَسَبْقِهِمْ إيَّاهُ بِالسَّقْيِ مِنْ حُقُوقِهَا ‏(‏وَلَوْ أَحْيَا سَابِقٌ‏)‏ مَوَاتًا ‏(‏فِي أَسْفَلِهِ‏)‏ أَيْ النَّهْرِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ أَحْيَا ‏(‏آخَرُ‏)‏ مَحِلًّا ‏(‏فَوْقَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَوَّلِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ أَحْيَا ‏(‏ثَالِثٌ‏)‏ مَحِلًّا ‏(‏فَوْقَ ثَانٍ سَقَى الْمُحْيِي أَوَّلًا‏)‏ وَهُوَ الْأَسْفَلُ‏.‏

ثُمَّ سَقَى ثَانٍ فِي الْإِحْيَاءِ، وَهُوَ الَّذِي فَوْقَ الْأَسْفَلِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ سَقَى ‏(‏ثَالِثٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ الَّذِي فَوْقَ الثَّانِي اعْتِبَارًا بِالسَّبْقِ إلَى الْإِحْيَاءِ لَا إلَى أَوَّلِ النَّهْرِ‏.‏

لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْأَرْضَ مَلَكَهَا بِحُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا ‏(‏وَإِنْ حُفِرَ نَهْرٌ صَغِيرٌ وَسِيقَ مَاؤُهُ مِنْ نَهْرٍ كَبِيرٍ مَلَكَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَلَكَ الْحَافِرُ الْمَاءَ الدَّاخِلَ فِيهِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ النَّهْرُ ‏(‏بَيْنَ جَمَاعَةٍ‏)‏ اشْتَرَكُوا فِي حَفْرِهِ ‏(‏عَلَى حَسَبِ عَمَلٍ وَنَفَقَةٍ‏)‏ لِأَنَّهُ مُلِكَ بِالْعِمَارَةِ‏.‏

وَهِيَ الْعَمَلُ وَالنَّفَقَةُ ‏(‏فَإِنْ‏)‏ كَفَاهُمْ لِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِيهَا فَلَا كَلَامَ‏.‏

وَإِنْ ‏(‏لَمْ يَكْفِهِمْ وَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ‏)‏ بِمُهَايَأَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ‏(‏جَازَ‏)‏ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ وَتَشَاحُّوا ‏(‏قَسَمَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَاءَ بَيْنَهُمْ ‏(‏حَاكِمٌ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ‏)‏ فِي النَّهْرِ، وَتَأْتِي الْقِسْمَةُ ‏(‏فَمَا حَصَلَ لِأَحَدِهِمْ فِي سَاقِيَتِهِ تَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا أَحَبَّ‏)‏ لِانْفِرَادِهِ بِمِلْكِهِ، وَلَهُ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْأَرْضِ‏.‏

سَوَاءٌ كَانَ لَهُمْ رَسْمُ شُرْبٍ مِنْهُ أَوْ لَا‏.‏

كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِهِ مِنْ أَصْلِهِ وَلَهُ عَمَلُ رَحًى عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَ‏)‏ الْمَاءُ ‏(‏الْمُشْتَرَكُ‏.‏

لَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِذَلِكَ‏)‏ بِلَا إذْنِ شُرَكَائِهِ لَكِنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ الْمَمْلُوكَ وَغَيْرَهُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ لِشُرْبِهِ وَوُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ وَغَسْلِ ثِيَابِهِ وَانْتِفَاعٍ بِهِ فِي أَشْبَاهِ ذَلِكَ‏.‏

مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ بِلَا إذْنِ مَالِكِهِ مَا لَمْ يَدْخُلْ إلَيْهِ فِي مَكَان مَحُوطٍ عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ الْمَنْعُ مِنْهُ‏.‏

لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏:‏ رَجُلٌ كَانَ يَفْضُلُ مَائَهُ فِي الطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ ابْنَ السَّبِيلِ‏}‏ الْحَدِيثُ ‏"‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِخِلَافِ مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ‏.‏

كَسَقْيِ مَاشِيَةٍ كَثِيرَةٍ وَنَحْوِهِ‏.‏

فَإِنْ فَضَلَ الْمَاءُ عَنْ حَاجَةِ رَبِّهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا وَتَقَدَّمَ ‏(‏وَمَنْ سَبَقَ إلَى قَنَاةٍ لَا مَالِكَ لَهَا فَسَبَقَ آخَرُ إلَى بَعْضِ أَفْوَاهِهَا مِنْ فَوْقُ أَوْ‏)‏ مِنْ ‏(‏أَسْفَلُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا سَبَقَ إلَيْهِ‏)‏ لِلْخَبَرِ ‏(‏وَلِمَالِكِ أَرْضٍ مَنْعُهُ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ بِأَرْضِهِ ‏(‏وَلَوْ كَانَتْ رُسُومُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقَنَاةِ ‏(‏فِي أَرْضِهِ‏)‏ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ‏.‏

كَمَنْعِهِ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ ‏(‏وَلَا يَمْلِكُ‏)‏ رَبُّ أَرْضٍ ‏(‏تَضْيِيقَ مَجْرَى قَنَاةٍ فِي أَرْضِهِ خَوْفَ لِصٍّ‏)‏ نَصًّا‏.‏

لِأَنَّهُ لِصَاحِبِهَا وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ بِتَقْلِيلِ الْمَاءِ وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ ‏(‏وَمَنْ سُدَّ لَهُ مَاءٌ لِجَاهِهِ‏)‏ يَسْقِي بِهِ أَرْضَهُ ‏(‏فَلِغَيْرِهِ السَّقْيُ مِنْهُ لِحَاجَةِ‏)‏ السَّقْيِ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ ‏(‏مَا لَمْ يَكُنْ تَرْكُهُ يَرُدُّهُ عَلَى مَنْ سَدَّ عَنْهُ‏)‏ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَتَسَبَّبُ فِي ظُلْمِ مَنْ سَدَّ عَنْهُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ‏.‏

بَابُ‏:‏ الْجَعَالَةِ

بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ، ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ‏:‏ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْجُعْلِ، بِمَعْنَى التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ الْجَاعِلَ يُسَمِّي الْجُعْلَ لِلْعَامِلِ، أَوْ مِنْ الْجَعْلِ بِمَعْنَى الْإِيجَابِ‏.‏

يُقَالُ‏:‏ جَعَلْتُ لَهُ كَذَا أَيْ‏:‏ أَوْجَبْتُ، وَيُسَمَّى مَا يُعْطَاهُ الْإِنْسَانُ عَلَى أَمْرٍ يَفْعَلُهُ‏:‏ جُعْلًا وَجَعَالَةً وَجَعِيلَةً‏.‏

قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ‏.‏

وَيَدُلُّ لِمَشْرُوعِيَّتِهَا قَوْله تَعَالَى ‏{‏وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ‏}‏ وَحَدِيثُ اللَّدِيغِ‏.‏

وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَهِيَ شَرْعًا ‏(‏جَعْلُ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَسْمِيَةُ ‏(‏مَالٍ مَعْلُومٍ‏)‏ فَلَا يَصِحُّ‏:‏ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ نِصْفُهُ وَنَحْوُهُ ‏(‏لَا‏)‏ إنْ كَانَ ‏(‏مِنْ مَالِ مُحَارِبٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ حَرْبِيٍّ ‏(‏فَيَصِحُّ مَجْهُولًا‏)‏ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ ‏(‏لِمَنْ يَعْمَلُ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِجَعْلٍ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ الْجَاعِلِ ‏(‏عَمَلًا‏)‏ مُبَاحًا، بِخِلَافِ نَحْوِ زَمْرٍ وَزِنًا، ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْعَمَلُ ‏(‏مَجْهُولًا‏)‏ كَمَنْ خَاطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ فَلَهُ كَذَا ‏(‏أَوْ‏)‏ لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ ‏(‏مُدَّةً وَلَوْ مَجْهُولَةً‏)‏ كَمَنْ حَرَسَ زَرْعِي‏.‏

أَوْ أَذَّنَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَلَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا‏.‏

وَ‏(‏كَمَنْ رَدَّ لُقَطَتِي أَوْ بَنَى لِي هَذَا الْحَائِطَ أَوْ‏)‏ مَنْ ‏(‏أَقْرَضَنِي زِيدَ بِجَاهِهِ أَلْفًا‏.‏

أَوْ أَذَّنَ بِهَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا‏.‏

فَلَهُ كَذَا‏.‏

أَوْ مَنْ فَعَلَهُ مِنْ مَدِينِي‏)‏ أَيْ‏:‏ مِمَّنْ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ ‏(‏فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ كَذَا‏)‏؛ لِأَنَّ الْجِعَالَةَ جَائِزَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهَا فَلَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَلْزَمَهُ مَجْهُولٌ، وَالْجِعَالَةُ نَوْعُ إجَارَةٍ لِوُقُوعِ الْعِوَضِ فِي نَظِيرِ النَّفْعِ، وَتَتَمَيَّزُ بِكَوْنِ الْعَامِلِ لَمْ يَلْتَزِمْ الْعَمَلَ، وَكَوْنِ الْعَقْدِ قَدْ يَقَعُ مُبْهَمًا لَا مَعَ مُعَيَّنٍ، وَبِجَوَازِ الْجَمْعِ فِيهَا بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ‏.‏

وَصَحَّ مَا ذَكَرَ مَعَ كَوْنِهِ تَعْلِيقًا‏.‏

لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ‏.‏

لَا تَعْلِيقَ مَحْضٍ وَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَ فِي الْجُعْلِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ‏.‏

لِأَنَّهُ يَسْتَقِرُّ بِتَمَامِ الْعَمَلِ كَالْأُجْرَةِ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ فِي قَوْلِهِ‏:‏ مَنْ أَقْرَضَنِي زِيدَ بِجَاهِهِ أَلْفًا‏.‏

لِأَنَّ الْجُعْلَ فِي مُقَابَلَةِ مَا بَذَلَهُ مِنْ جَاهِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقٍ لَهُ بِالْقَرْضِ، وَاشْتِرَاطُ كَوْنِ الْعَمَلِ لِلْجَاعِلِ احْتِرَازٌ عَمَّنْ رَكِبَ دَابَّتَهُ وَنَحْوَهُ فَلَهُ كَذَا‏.‏

فَلَا يَصِحُّ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ لَهُ الْأَمْرَانِ ‏(‏فَمَنْ بَلَغَهُ‏)‏ الْجُعْلُ ‏(‏قَبْلَ فِعْلِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَمَلِ الْمَجْعُولِ لَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْعِوَضُ ‏(‏اسْتَحَقَّهُ‏)‏ أَيْ الْجُعْلَ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَمَلِ بَعْدَهُ لِاسْتِقْرَارِهِ بِتَمَامِ الْعَمَلِ كَالرِّبْحِ فِي الْمُضَارَبَةِ‏.‏

فَإِنْ تَلِفَ فَلَهُ مِثْلُ مِثْلِهِ وَقِيمَةُ غَيْرِهِ، وَلَا يَحْبِسُ الْعَامِلُ الْعَيْنَ حَتَّى يَأْخُذَهُ ‏(‏وَ‏)‏ مَنْ بَلَغَهُ الْجَعْلُ ‏(‏فِي أَثْنَائِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَمَلِ ‏(‏فَ‏)‏ لَهُ مِنْ الْجُعْلِ ‏(‏حِصَّةُ تَمَامِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِقِسْطِ مَا عَمِلَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ ‏(‏إنْ أَتَمَّهُ بِنِيَّةِ الْجُعْلِ‏)‏؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ‏.‏

فَلَا يَسْتَحِقُّ عَنْهُ عِوَضًا لِتَبَرُّعِهِ بِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ بَلَغَهُ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ ‏(‏لَمْ يَسْتَحِقَّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجُعْلَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ لِمَا سَبَقَ ‏(‏وَحُرِّمَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏أَخْذُهُ‏)‏ إلَّا إنْ تَبَرَّعَ لَهُ بِهِ رَبُّهُ بَعْدَ إعْلَامِهِ بِالْحَالِ، وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي الْعَمَلِ اشْتَرَكُوا فِي الْجَعْلِ بِخِلَافِ مَنْ دَخَلَ هَذَا النَّقْبَ فَلَهُ دِينَارٌ‏.‏

فَكُلُّ مَنْ دَخَلَهُ اسْتَحَقَّ دِينَارًا لِدُخُولِهِ كَامِلَا‏.‏

بِخِلَافِ نَحْوِ رَدِّ لُقَطَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَامِلًا‏.‏

كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ نَقَبَ السُّوَرَ فَلَهُ دِينَارٌ فَنَقَبَهُ ثَلَاثَةٌ اشْتَرَكُوا فِي الدِّينَارِ، وَإِنْ نَقَبَ كُلُّ وَاحِدٍ نَقْبًا اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ دِينَارًا، وَإِنْ جَعَلَ لِزَيْدٍ عَلَى رَدِّ آبِقِهِ دِينَارًا، وَلِعَمْرٍو عَلَى رَدِّهِ دِينَارَيْنِ، وَلِبَكْرٍ ثَلَاثَةً‏.‏

فَرَدُّوهُ فَلِكُلٍّ ثُلُثُ مَا جُعِلَ لَهُ، وَإِنْ جَعَلَ لِزَيْدٍ عَلَى رَدِّهِ مَعْلُومًا وَلِآخَرَيْنِ مَجْهُولًا وَرَدُّوهُ فَلِزَيْدٍ ثُلُثُ مَا جَعَلَ لَهُ، وَلِلْآخَرَيْنِ أُجْرَةُ عَمَلِهِمَا، وَإِنْ جَعَلَ لِزَيْدٍ عَلَى رَدِّهِ مَعْلُومًا فَرَدَّهُ هُوَ وَآخَرَانِ مَعَهُ‏.‏

فَإِنْ قَصَدَا إعَانَةَ زَيْدٍ اسْتَحَقَّ زَيْدٌ الْجُعْلَ كُلَّهُ، فَإِنْ عَمِلَ غَيْرُهُ بِقَصْدِ الْجُعْلِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلِزَيْدٍ ثُلُثُ جُعْلِهِ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ مَنْ دَاوَى لِي هَذَا حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ جُرْحِهِ أَوْ رَمَدِهِ فَلَهُ كَذَا‏.‏

لَمْ يَصِحَّ مُطْلَقًا ‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ رَبُّ آبِقٍ ‏(‏مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسَمَّى ‏(‏أَقَلُّ مِنْ دِينَارٍ أَوْ‏)‏ أَقَلُّ ‏(‏مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا‏)‏ فِضَّةً ‏(‏اللَّذَيْنِ قَدَّرَهُمَا الشَّارِعُ‏)‏ فِي رَدِّ الْآبِقِ ‏(‏فَقِيلَ‏:‏ يَصِحُّ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرَّادُّ ‏(‏بِرَدِّهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْآبِقِ ‏(‏الْجُعْلُ فَقَطْ‏)‏ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ رَدَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ لَا‏)‏ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ ‏(‏وَلِلرَّادِّ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ‏)‏ قَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ‏.‏

وَفِي الْمُبْدِعِ وَالْإِقْنَاعِ‏:‏ لِاسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ كَامِلًا بِوُجُودِ سَبَبِهِ‏.‏

وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الشَّارِعَ قَدَّرَ فِي رَدِّ الْآبِقِ دِينَارًا أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا‏.‏

قَالَ فِي الْإِنْصَافِ‏:‏ إنَّهُ الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ كَانَ يُسَاوِيهِمَا أَوْ لَا لِئَلَّا يَلْتَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ يَشْتَغِلَ بِالْفَسَادِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ مُرْسَلًا ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِي رَدِّ الْآبِقِ إذَا جَاءَ بِهِ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ دِينَارًا‏}‏ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ‏:‏ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ جُعْلِ الْآبِقِ، فَقَالَ‏:‏ لَا أَدْرِي‏.‏

قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ‏.‏

لَمْ يَكُنْ عِنْدِي فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ‏(‏وَيَسْتَحِقُّ مَنْ‏)‏ سُمِّيَ لَهُ جُعْلٌ عَلَى رَدِّ آبِقٍ و‏(‏رَدَّهُ مِنْ دُونِ‏)‏ مَسَافَةٍ ‏(‏مُعَيَّنَةِ الْقِسْطَ‏)‏ مِنْ الْمُسَمَّى‏.‏

فَإِنْ كَانَ الْمَرْدُودُ مِنْهُ نِصْفَ الْمَسَافَةِ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمُسَمَّى‏.‏

وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَبِحِسَابِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ رَدَّهُ ‏(‏مِنْ أَبْعَدَ‏)‏ مِنْ الْمُسَمَّى‏.‏

‏(‏فَلَهُ الْمُسَمَّى فَقَطْ‏)‏ لِتَبَرُّعِهِ بِالزَّائِدِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ ‏(‏وَ‏)‏ يَسْتَحِقُّ ‏(‏مَنْ رَدَّ أَحَدَ آبِقَيْنِ‏)‏ جُعِلَ عَلَى رَدِّهِمَا ‏(‏نِصْفَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجُعْلِ عَنْ رَدِّهِمَا‏.‏

لِأَنَّهُ رَدَّ نِصْفَهُمَا وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْجِعَالَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ‏.‏

‏(‏وَبَعْدَ شُرُوعِ عَامِلٍ‏)‏ فِي عَمَلٍ ‏(‏إنْ فَسَخَ جَاعِلٌ فَعَلَيْهِ‏)‏ لِعَامِلٍ ‏(‏أُجْرَةٌ‏)‏ مِثْلُ ‏(‏عَمَلِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ لِمَا يَعْمَلُهُ بَعْدَ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ فَسَخَ عَامِلٌ‏)‏ قَبْلَ تَمَامِ عَمَلِهِ ‏(‏فَلَا شَيْءَ لَهُ‏)‏ لِإِسْقَاطِهِ حَقَّ نَفْسِهِ، حَيْثُ لَمْ يُوفِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ زَادَ جَاعِلٌ فِي جُعْلٍ أَوْ نَقَصَ مِنْهُ قَبْلَ شُرُوعٍ فِي عَمَلٍ جَازَ وَعَمِلَ بِهِ‏.‏

لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ كَالْمُضَارَبَةِ ‏(‏وَيَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ وَعَمَلٍ‏)‏ فِي جِعَالَةٍ كَمَنْ بَنَى لِي هَذَا الْحَائِطَ فِي يَوْمٍ فَلَهُ كَذَا، لِجَوَازِهَا مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَالْعَمَلِ لِلْحَاجَةِ، وَإِنْ نَادَى غَيْرُ رَبِّ الضَّالَّةِ‏:‏ مَنْ رَدَّ ضَالَّةَ فُلَانٍ فَلَهُ كَذَا فَرُدَّتْ فَالْعِوَضُ عَلَى الْمُنَادِي‏.‏

لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ قَالَ رَبُّهَا‏:‏ مَنْ رَدَّهَا فَلَهُ كَذَا ‏(‏وَإِنْ اخْتَلَفَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَاعِلُ وَالْعَامِلُ ‏(‏فِي أَصْلِ جُعْلٍ فَ‏)‏ الْقَوْلُ ‏(‏قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ‏)‏ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، ‏(‏وَ‏)‏ إنْ اخْتَلَفَا ‏(‏فِي قَدْرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجُعْلِ ‏(‏أَوْ‏)‏ فِي قَدْرِ ‏(‏مَسَافَتِهِ‏)‏ بِأَنْ قَالَ‏:‏ جَاعِلٌ جَعَلْتُهُ لِمَنْ رَدَّهُ مِنْ بَرِيدَيْنِ‏.‏

وَقَالَ عَامِلٌ‏:‏ بَلْ مِنْ بَرِيدٍ ‏(‏فَقَوْلُ جَاعِلٍ‏)‏ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِمَّا لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ‏.‏

وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْمُجَاعَلِ عَلَيْهِ ‏(‏وَإِنْ عَمِلَ‏)‏ شَخْصٌ ‏(‏وَلَوْ الْمُعَدُّ لِأَخْذِ أُجْرَةٍ‏)‏ عَلَى عَمَلِهِ ‏(‏لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِلَا إذْنٍ‏.‏

أَوْ‏)‏ بِلَا ‏(‏جُعْلٍ‏)‏ مِمَّنْ عَمِلَ لَهُ ‏(‏فَلَا شَيْءَ لَهُ‏)‏ لِتَبَرُّعِهِ بِعَمَلِهِ حَيْثُ بَذَلَهُ بِلَا عِوَضٍ وَلِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِنْسَانُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَلَمْ تَطِبْ بِهِ نَفْسُهُ ‏(‏إلَّا فِي تَخْلِيصِ مَتَاعِ غَيْرِهِ‏.‏

وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْمَتَاعُ ‏(‏قِنًّا مِنْ بَحْرٍ‏)‏ أَوْ فَمِ سَبُعٍ ‏(‏أَوْ فَلَاةٍ‏)‏ يُظَنُّ هَلَاكُهُ فِي تَرْكِهِ ‏(‏فَ‏)‏ لَهُ ‏(‏أُجْرَةُ مِثْلِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَخْشَى هَلَاكَهُ وَتَلَفَهُ عَلَى مَالِكِهِ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ‏.‏

وَفِيهِ حَثٌّ وَتَرْغِيبٌ فِي إنْقَاذِ الْأَمْوَالِ مِنْ الْهَلَكَةِ ‏(‏وَ‏)‏ إلَّا فِي ‏(‏رَدِّ آبِقٍ مِنْ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ إنْ لَمْ يَكُنْ‏)‏ الرَّادُّ ‏(‏الْإِمَامُ فَ‏)‏ لِرَادِّهِ ‏(‏مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ‏)‏، سَوَاءٌ رَدَّهُ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ خَارِجِهِ، قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ، وَلَوْ كَانَ الرَّادُّ زَوْجًا لِلرَّقِيقِ أَوْ ذَا رَحِمٍ فِي عِيَالِ الْمَالِكِ وَتَقَدَّمَ لِلْحَثِّ عَلَى حِفْظِهِ عَلَى سَيِّدِهِ وَصِيَانَتِهِ عَمَّا يَخَافُ مِنْهُ مِنْ لِحَاقِهِ بِدَارِ حَرْبٍ وَالسَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالْمَتَاعِ ‏(‏مَا لَمْ يَمُتْ سَيِّدُ مُدَبَّرٍ‏)‏ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ‏(‏أَوْ أُمُّ وَلَدٍ قَبْلَ وُصُولٍ‏.‏

فَيُعْتَقَا وَلَا شَيْءَ لَهُ‏)‏؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يَتِمَّ إذْ الْعَتِيقُ لَا يُسَمَّى آبِقًا ‏(‏أَوْ يَهْرُبُ‏)‏ الْآبِقُ مِنْ آخِذِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا‏.‏

وَكَذَا لَوْ جُعِلَ لَهُ عَلَى رَدِّ الْآبِقِ جُعْلٌ فَهَرَبَ مِنْهُ وَنَحْوُهُ أَوْ مَاتَ بِيَدِهِ‏.‏

فَلَا شَيْءَ لَهُ كَسَائِرِ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَمَلَهُ ‏(‏وَيَأْخُذُ‏)‏ وَاجِدُهُ ‏(‏مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى دَابَّةٍ‏)‏ يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا ‏(‏فِي قُوتٍ وَلَوْ هَرَبَ‏)‏ أَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ جُعْلًا لِرَدِّهِ ‏(‏مِنْ غَيْرِ بَلَدٍ سَمَّاهُ أَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ مَالِكًا مَعَ قُدْرَتِهِ‏)‏ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا‏.‏

وَلَا يَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُ بِنَفَقَتِهِ كَالْمَرْهُونِ ‏(‏وَيُؤْخَذَانِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجُعْلُ وَالنَّفَقَةُ ‏(‏مِنْ تَرِكَةِ‏)‏ سَيِّدٍ ‏(‏مَيِّتٍ‏)‏ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ ‏(‏مَا لَمْ يَنْوِ‏)‏ الرَّادُّ ‏(‏التَّبَرُّعَ‏)‏ بِالْفِعْلِ وَالنَّفَقَةِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ ‏(‏وَلَهُ ذَبْحُ مَأْكُولٍ خِيفَ مَوْتُهُ وَلَا يَضْمَنُ مَا نَقَصَهُ‏)‏؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي مَالِ الْغَيْرِ مَتَى كَانَ إنْقَاذًا لَهُ مِنْ التَّلَفِ الْمُشْرِفِ عَلَيْهِ كَانَ جَائِزًا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُتَصَرِّفِ إنْ حَصَلَ بِهِ النَّقْصُ‏.‏

وَمَنْ وَجَدَ فَرَسًا لِغَيْرِهِ مَعَ الْبَدْوِ فَأَخَذَهُ مِنْهُمْ فَلَهُ بَيْعُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا مَرِضَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْيِ وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ لِرَبِّهِ ذَكَرَهُ فِي الْإِقْنَاعِ عَنْ الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ ‏(‏وَمَنْ وَجَدَ آبِقًا أَخَذَهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ لِحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَارْتِدَادُهُ وَاشْتِغَالُهُ بِالْفَسَادِ بِخِلَافِ الضَّوَالِّ الَّتِي تَحْفَظُ نَفْسَهَا ‏(‏وَهُوَ أَمَانَةٌ‏)‏ عِنْدَ آخِذِهِ إنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ لَا ضَمَانَ فِيهِ‏.‏

وَلَيْسَ لِوَاجِدِهِ بَيْعُهُ وَلَا يَمْلِكُهُ بِتَعْرِيفِهِ لِأَنَّهُ يَتَحَفَّظُ بِنَفْسِهِ كَضَوَالِّ الْإِبِلِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ ادَّعَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْآبِقَ أَيْ‏:‏ أَنَّهُ مِلْكُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ ‏(‏فَصَدَّقَهُ الْآبِقُ‏)‏ الْمُكَلَّفُ ‏(‏أَخَذَهُ‏)‏ مِنْ وَاجِدِهِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِوَصْفِهِ فَبِتَصْدِيقِهِ أَوْلَى ‏(‏وَلِنَائِبِ إمَامٍ‏)‏ عِنْدَهُ آبِقٌ ‏(‏بَيْعُهُ لِمَصْلَحَةٍ‏)‏ لِانْتِصَابِهِ لِذَلِكَ ‏(‏فَلَوْ قَالَ‏)‏ سَيِّدُهُ ‏(‏كُنْتُ أَعْتَقْتُهُ‏)‏ قَبْلَ بَيْعِهِ ‏(‏عَمِلَ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِقَوْلِهِ هَذَا وَيَلْغُو الْبَيْعَ لِأَنَّهُ لَا يَجُرُّ بِهِ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا يَدْفَعُ عَنْهَا ضَرَرًا وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يُنَافِيهِ‏.‏

بَابُ‏:‏ اللُّقَطَةِ

مُحَرَّكَةً وَكَحُزْمَةٍ وَهُمَزَةٍ وَثُمَامَةٍ مَا اُلْتُقِطَ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ وَقَوْلُهُ مُحَرَّكَةً أَيْ‏:‏ مَفْتُوحَةَ اللَّامِ وَالْقَافِ، وَعُرْفًا ‏(‏مَالٌ‏)‏ كَنَقْدٍ وَمَتَاعٍ ‏(‏أَوْ مُخْتَصٌّ‏)‏ كَخَمْرِ خِلَالٍ ‏(‏ضَاعَ‏)‏ كَسَاقِطٍ بِلَا عِلْمٍ ‏(‏أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ‏)‏ أَيْ الضَّائِعِ كَمَتْرُوكٍ قَصْدًا لِمَعْنًى يَقْتَضِيهِ، وَمَدْفُونٍ مَنْسِيٍّ ‏(‏لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ‏)‏ فَإِنْ كَانَ لِحَرْبِيٍّ فَلِآخِذِهِ، كَمَا لَوْ ضَلَّ الْحَرْبِيُّ الطَّرِيقَ فَلِآخِذِهِ هُوَ وَمَا مَعَهُ‏.‏

وَالْأَصْلُ فِي الِالْتِقَاطِ‏:‏ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ ‏{‏سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُقَطَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَادْفَعْهَا إلَيْهِ، وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ‏؟‏ فَقَالَ مَا لَكَ وَمَا لَهَا‏؟‏ فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا وَسَأَلَهُ عَنْ الشَّاةِ فَقَالَ‏:‏ خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ ‏"‏ مَعَهَا حِذَاءَهَا ‏"‏ أَيْ‏:‏ خُفَّهَا لِأَنَّهُ لِقُوَّتِهِ وَصَلَابَتِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْحِذَاءِ ‏"‏ وَسِقَاءَهَا ‏"‏ بَطْنَهَا تَأْخُذُ فِيهِ كَثِيرًا فَيَبْقَى مَعَهَا يَمْنَعُهَا الْعَطَشَ‏.‏

وَيَشْتَمِلُ الِالْتِقَاطُ عَلَى اكْتِسَابٍ وَائْتِمَانٍ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُغَلَّبِ مِنْهُمَا وَصَحَّحَ الْحَارِثِيُّ أَنَّهُ الِائْتِمَانُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيصَالُ الشَّيْءِ إلَى أَهْلِهِ، وَلِأَجْلِهِ شُرِعَ الْحِفْظُ وَالتَّعْرِيفُ أَوَّلًا وَالتَّمَلُّكُ آخِرًا عِنْدَ ضَعْفِ رَجَاءِ الْمَالِكِ ‏(‏وَمَنْ أُخِذَ مَتَاعُهُ‏)‏ فِي نَحْوِ حَمَّامٍ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ مَدَاسٍ وَنَحْوَهُ ‏(‏وَتُرِكَ‏)‏ بِبِنَاءِ الْفِعْلَيْنِ لِلْمَجْهُولِ ‏(‏بَدَلُهُ فِي‏)‏ الْمَتْرُوكِ ‏(‏كَلُقَطَةٍ‏)‏ نَصًّا؛ لِأَنَّ سَارِقَ الثِّيَابِ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهَا مُعَاوَضَةٌ وَقِيلَ‏:‏ لَا تَعْرِيفَ مَعَ دَلَالَةِ قَرِينَةٍ عَلَى الرِّقَّةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ ‏(‏وَيَأْخُذُ‏)‏ الْمَأْخُوذُ مَتَاعَهُ ‏(‏حَقَّهُ مِنْهُ‏)‏ أَيْ الْمَتْرُوكِ بَدَلَ مَتَاعِهِ ‏(‏بَعْدَ تَعْرِيفِهِ‏)‏ بِلَا رَفْعٍ لِحَاكِمٍ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الرِّفْقِ بِالنَّاسِ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْمَسْرُوقِ ثِيَابُهُ بِحُصُولِ عِوَضِهَا، وَنَفْعٌ لِلْآخِذِ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُ وَحِفْظِ هَذِهِ الثِّيَابِ عَنْ الضَّيَاعِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ تَصَدَّقَ بِهِ‏.‏

‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ‏:‏ اللُّقَطَةُ ‏(‏ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ‏)‏ بِالِاسْتِقْرَاءِ‏:‏ الْأَوَّلُ ‏(‏مَا لَا تَتْبَعُهُ هِمَّةُ أَوْسَاطِ النَّاسِ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَا يَهْتَمُّونَ فِي طَلَبِهِ ‏(‏كَسَوْطٍ وَشِسْعٍ‏)‏ بِتَقْدِيمِ الْمُعْجَمَةِ أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ الَّذِي يَدْخُلُ بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ ‏(‏وَرَغِيفٍ‏)‏ وَثَمَرَةٍ وَكُلِّ مَا لَا خَطَرَ لَهُ ‏(‏فَيُمْلَكُ بِأَخْذِهِ‏)‏ وَيُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ نَصًّا لِحَدِيثِ جَابِرٍ ‏{‏رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعِصِيِّ وَالسَّوْطِ وَالْحَبْلِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ‏(‏وَلَا يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهُ‏)‏ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحَاتِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَلْزَمُهُ ‏(‏بَدَلُهُ إنْ وَجَدَ رَبَّهُ‏)‏ الَّذِي سَقَطَ مِنْهُ لِمِلْكِ مُلْتَقِطِهِ لَهُ بِأَخْذِهِ‏.‏

وَظَاهِرُهُ إنْ بَقِيَ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ لِرَبِّهِ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ ‏(‏وَكَذَا لَوْ لَقِيَ كَنَّاسٌ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ‏)‏ كَمُقْلِشٍ ‏(‏قِطَعًا صِغَارًا مُتَفَرِّقَةً‏)‏ مِنْ فِضَّةٍ فَيَمْلِكُهَا بِأَخْذِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهَا وَلَا بَدَلُهَا إنْ وَجَدَ رَبَّهَا ‏(‏وَلَوْ كَثُرَتْ‏)‏ بِضَمِّهَا لِأَنَّ وُجُودَهَا مُتَفَرِّقَةً يَدُلُّ عَلَى تَعْدَادِ أَرْبَابِهَا ‏(‏وَمَنْ تَرَكَ دَابَّةً‏)‏ لَا عَبْدًا أَوْ مَتَاعًا ‏(‏بِمَهْلَكَةٍ أَوْ فَلَاةٍ لِانْقِطَاعِهَا‏)‏ بِعَجْزِهَا عَنْ مَشْيٍ ‏(‏أَوْ عَجْزِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَالِكِهَا ‏(‏عَنْ عَلَفِهَا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَعْلِفُهَا فَتَرَكَهَا ‏(‏مَلَكَهَا آخِذُهَا‏)‏ لِحَدِيثِ الشَّعْبِيِّ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ وَجَدَ دَابَّةً قَدْ عَجَزَ عَنْهَا أَهْلُهَا فَسَيَّبُوهَا فَأَخَذَهَا فَأَحْيَاهَا فَهِيَ لَهُ‏}‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ‏:‏ فَقُلْتُ يَعْنِي لِلشَّعْبِيِّ ‏"‏ مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا‏؟‏ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ‏.‏

وَفِي الْقَوْلِ يَمْلِكُهَا إحْيَاؤُهَا وَإِنْقَاذُهَا وَلِأَنَّهَا تُرِكَتْ رَغْبَةً عَنْهَا‏.‏

أَشْبَهَ سَائِرَ مَا يُتْرَكُ رَغْبَةً عَنْهُ ‏(‏وَكَذَا مَا يُلْقَى‏)‏ مِنْ سَفِينَةٍ ‏(‏خَوْفَ غَرَقٍ‏)‏ فَيَمْلِكُهُ آخِذُهُ لِإِلْقَاءِ صَاحِبِهِ لَهُ اخْتِيَارًا فِيمَا يَتْلَفُ بِتَرْكِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَلْقَاهُ رَغْبَةً عَنْهُ‏.‏

الْقِسْمُ ‏(‏الثَّانِي‏:‏ الضَّوَالُّ‏)‏ جَمْعُ ضَالَّةٍ اسْمٌ لِلْحَيَوَانِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ اللُّقَطَةِ وَيُقَالُ لَهَا‏:‏ الَهَوَامِي وَالْهَوَافِي وَالْهَوَامِلُ ‏(‏الَّتِي تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ‏)‏ كَذِئْبٍ وَابْنِ آوَى وَأَسَدٍ صَغِيرٍ وَامْتِنَاعِهَا إمَّا لِكِبَرِ جُثَّتِهَا ‏(‏كَإِبِلٍ وَبَقَرٍ وَخَيْلٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ‏)‏ أَهْلِيَّةٍ خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ فِيهَا ‏(‏وَ‏)‏ إمَّا لِسُرْعَةِ عَدْوِهَا كَ ‏(‏ظِبَاءٍ وَ‏)‏ إمَّا بِطَيَرَانِهَا كَ ‏(‏طَيْرٍ وَ‏)‏ إمَّا بِنَابِهَا كَ ‏(‏فَهْدٍ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَنَعَامَةٍ وَفِيلٍ وَزَرَافَةٍ وَقِرْدٍ وَهِرٍّ وَقِنٍّ كَبِيرٍ، ‏(‏فَغَيْرُ‏)‏ الْقِنِّ ‏(‏الْآبِقِ يَحْرُمُ الْتِقَاطُهُ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏مَا لَكَ وَلَهَا دَعْهَا فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا‏}‏ وَلِحَدِيثِ ‏{‏لَا يُؤْوِي الضَّالَّةَ إلَّا ضَالٌّ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ‏(‏وَلَا يُمْلَكُ‏)‏ مَا حَرُمَ الْتِقَاطُهُ ‏(‏بِتَعْرِيفٍ‏)‏ لِعُدْوَانِهِ لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ وَالشَّارِعِ فِيهِ‏.‏

أَشْبَهَ الْغَاصِبَ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِزَمَنِ الْأَمْنِ أَوْ الْفَسَادِ وَالْإِمَامُ غَيْرُهُ ‏(‏وَلِإِمَامٍ وَنَائِبِهِ أَخْذُهُ لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ‏)‏ لَا عَلَى أَنَّهُ لُقَطَةٌ؛ لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا فِي حِفْظِ مَالِ الْغَائِبِ‏.‏

وَفِي أَخْذِهِ لَهَا لِذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِرَبِّهَا لِصِيَانَتِهَا ‏(‏وَلَا يَلْزَمُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ ‏(‏تَعْرِيفُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَا أَخَذَهُ مِنْهَا لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يُعَرِّفْ الضَّوَالَّ، وَلِأَنَّ رَبَّهَا يَجِيءُ إلَى مَوْضِعِ الضَّوَالِّ فَإِذَا عَرَفَهَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا وَأَخَذَهَا ‏(‏وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الضَّوَالِّ لِحِفْظِهِ ‏(‏بِوَصْفٍ‏)‏ فَلَا يَكْفِي فِي الضَّالَّةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ ظَاهِرَةً لِلنَّاسِ حِينَ كَانَتْ بِيَدِ رَبِّهَا، فَلَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَةِ صِفَاتِهَا، وَتَمَكُّنِهِ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا لِظُهُورِهَا لِلنَّاسِ‏.‏

وَيَشْهَدُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ عَلَى مَا يَحْصُلُ عِنْدَهُ مِنْ الضَّوَالِّ وَيُسَمِّهَا‏.‏

ثُمَّ إنْ كَانَ لَهُ حِمًى تَرَكَهَا تَرْعَى فِيهِ، وَإِنْ رَأَى مَصْلَحَةً فِي بَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمًى بَاعَهَا بَعْدَ أَنْ يُحَلِّيَهَا وَيَحْفَظَ صِفَاتِهَا، وَحِفْظُ ثَمَنِهَا لِرَبِّهَا وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهَا لِيَحْفَظَهَا لِرَبِّهَا لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ ‏(‏وَيَجُوزُ الْتِقَاطُ صَيُودٍ مُتَوَحِّشَةٍ لَوْ تُرِكَتْ رَجَعَتْ إلَى الصَّحْرَاءِ بِشَرْطِ عَجْزِ رَبِّهَا‏)‏ عَنْهَا؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا إذَنْ أَضْيَعُ لَهَا مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَالْمَقْصُودُ حِفْظُهَا لِمَالِكِهَا لَا حِفْظُهَا فِي نَفْسِهَا ‏(‏وَلَا يَمْلِكُهَا‏)‏ آخِذُهَا ‏(‏بِالتَّعْرِيفِ‏)‏ لِأَنَّهُ يَحْفَظُهَا لِرَبِّهَا فَهُوَ كَالْوَدِيعِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ يَجُوزُ الْتِقَاطُ ‏(‏أَحْجَارِ طَوَاحِينَ وَقُدُورٍ ضَخْمَةٍ وَأَخْشَابٍ كَبِيرَةٍ‏)‏ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَتَحَفَّظُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تَضِيعُ عَنْ صَاحِبِهَا وَلَا تَبْرَحُ مِنْ مَكَانِهَا فَهِيَ أَوْلَى بِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهَا مِنْ الضَّوَالِّ لِتَعَرُّضِهَا فِي الْجُمْلَةِ لِلتَّلَفِ إمَّا بِسُبُعٍ أَوْ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ هَذَا ‏(‏وَمَا حُرِّمَ الْتِقَاطُهُ‏)‏ إنْ أَخَذَهُ ‏(‏ضَمِنَهُ آخِذُهُ إنْ تَلِفَ أَوْ نَقَصَ كَغَاصِبٍ‏)‏ لِعَدَمِ إذْنِ الشَّارِعِ فِيهِ و‏(‏لَا‏)‏ يَضْمَنُ ‏(‏كَلْبًا‏)‏ مَعَ تَحْرِيمِ الْتِقَاطِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ ‏(‏وَمَنْ‏)‏ الْتَقَطَ مَا لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ و‏(‏كَتَمَهُ‏)‏ عَنْ رَبِّهِ ثُمَّ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ ‏(‏فَتَلِفَ ف‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏قِيمَتُهُ مَرَّتَيْنِ‏)‏ لِرَبِّهِ نَصًّا‏.‏

لِحَدِيثِ ‏{‏فِي الضَّالَّةِ الْمَكْتُومَةِ غَرَامَتُهَا وَمِثْلُهَا مَعَهَا‏}‏ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ‏:‏ وَهَذَا حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُرَدُّ ‏(‏وَيَزُولُ ضَمَانُهُ‏)‏ أَيْ الْمُحَرَّمِ الْتِقَاطُهُ ‏(‏بِدَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا فِي مَالِ الْغَائِبِ ‏(‏أَوْ رَدَّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَأْخُوذِ مِنْ ذَلِكَ ‏(‏إلَى مَكَانِهِ‏)‏ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ ‏(‏بِأَمْرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لِقَوْلِ عُمَرَ لِرَجُلٍ وَجَدَ بَعِيرًا ‏"‏ أَرْسِلْهُ حَيْثُ وَجَدْتَهُ ‏"‏ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَلِأَنَّ أَمْرَهُ بِرَدِّهِ كَأَخْذِهِ مِنْهُ‏.‏

فَإِنْ رَدَّهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ كَالْمَسْرُوقِ وَالْمَغْصُوبِ‏.‏

الْقِسْمُ ‏(‏الثَّالِث‏:‏ مَا عَدَاهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْقِسْمَيْنِ السَّابِقَيْنِ ‏(‏مِنْ ثَمَنٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ نَقْدٍ ‏(‏وَمَتَاعٍ‏)‏ كَثِيَابٍ وَكُتُبٍ وَفُرُشٍ وَأَوَانٍ وَآلَاتِ حَرْثٍ وَنَحْوِهَا ‏(‏وَغَنَمٍ وَفُصْلَانِ‏)‏ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا جَمْعُ فَصِيلٍ وَلَدُ النَّاقَةِ إذَا فُصِلَ عَنْ أُمِّهِ ‏(‏وَعَجَاجِيلَ‏)‏ جَمْعُ عِجْلٍ وَلَدُ الْبَقَرَةِ ‏(‏وَأَفْلَاءٍ‏)‏ بِالْمَدِّ جَمْعُ فِلْوٍ، بِوَزْنِ سِحْرٍ وَجَرْوٍ وَعَدُوٍّ وَسُمُوٍّ‏.‏

وَهُوَ الْجَحْشُ وَالْمُهْرُ إذَا فُطِمَا أَوْ بَلَغَا السَّنَةَ‏.‏

قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ ‏(‏وَقِنٍّ صَغِيرٍ‏)‏ وَمَرِيضٍ مِنْ كِبَارِ إبِلٍ وَنَحْوِهَا كَالصَّغِيرِ ‏(‏وَنَحْوِ ذَلِكَ‏)‏ كَخَشَبَةٍ صَغِيرَةٍ وَقِطْعَةِ حَدِيدٍ وَنَحْوِهِ وَزِقِّ دُهْنٍ أَوْ عَسَلٍ وَغِرَارَةِ نَحْوِ بُرٍّ ‏(‏فَيُحَرَّمُ عَلَى مَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ اللُّقَطَةِ مِمَّا ذَكَرَ ‏(‏أَخْذُهَا‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِهَا عَلَى رَبِّهَا كَإِتْلَافِهَا وَكَمَا لَوْ نَوَى تَمَلُّكَهَا فِي الْحَالِ أَوْ كِتْمَانَهَا ‏(‏وَيَضْمَنُهَا بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِأَخْذِهَا مَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا إنْ تَلِفَتْ، فَرَّطَ أَوْ لَا، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ‏.‏

أَشْبَهَ الْغَاصِبَ ‏(‏وَلَمْ يَمْلِكْهَا‏)‏ مَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا ‏(‏وَلَوْ عَرَّفَهَا‏)‏ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُحَرِّمَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ كَالسَّرِقَةِ، وَالْخَبَرُ مَخْصُوصٌ ‏(‏وَإِنْ أَمِنَ‏)‏ الْمُلْتَقِطُ ‏(‏نَفْسَهُ‏)‏ عَلَيْهَا ‏(‏وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا فَلَهُ أَخْذُهَا‏)‏ لِلْخَبَرِ فِي النَّقْدَيْنِ وَالشَّاةِ، وَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَسَوَاءٌ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ‏.‏

فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَعْرِيفِهَا فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا، وَإِنْ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ الْأَمَانَةِ ثُمَّ طَرَأَ قَصْدُ الْخِيَانَةِ فَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ لَا يَضْمَنُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ ‏(‏وَالْأَفْضَلُ‏)‏ لِمَنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا ‏(‏تَرْكُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ اللُّقَطَةِ‏.‏

فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا‏.‏

رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ وَجَدَهَا ‏(‏بِمَضْيَعَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لِنَفْسِهِ لِأَكْلِ الْحَرَامِ وَتَضْيِيعِ الْأَمَانَةِ فِيهَا ‏(‏وَمَنْ أَخَذَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا أَوْ فَرَّطَ‏)‏ فِيهَا فَتَلِفَتْ ‏(‏ضَمِنَهَا‏)‏ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ فَلَزِمَهُ حِفْظُهَا كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ‏.‏

وَتَرْكُهَا وَالتَّفْرِيطُ فِيهَا تَضْيِيعٌ لَهَا ‏(‏إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِرَدِّهَا‏)‏ إلَى مَوْضِعِهَا فَيَبْرَأُ بِهِ‏.‏

وَكَذَا لَوْ دَفَعَهَا لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا فِي الْمَالِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ مَالِكُهُ‏.‏

فَإِنْ تَلِفَتْ مِنْهُ فِي حَوْلِ التَّعْرِيفِ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏ما يباح التقاطه ولا يملك به‏]‏

‏(‏وَمَا أُبِيحَ الْتِقَاطُهُ وَلَمْ يُمْلَكْ بِهِ‏)‏ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِث ‏(‏ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ‏)‏ أَحَدُهَا ‏(‏حَيَوَانٌ‏)‏ مَأْكُولٌ كَفَصِيلٍ وَشَاةٍ وَدَجَاجَةٍ ‏(‏فَيَلْزَمُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُلْتَقِطَ ‏(‏فِعْلُ الْأَصْلَحِ‏)‏ لِمَالِكِهِ ‏(‏مِنْ‏)‏ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ ‏(‏أَكْلِهِ بِقِيمَتِهِ‏)‏ فِي الْحَالِ لِحَدِيثِ ‏{‏هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ‏}‏ فَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّئْبِ وَهُوَ لَا يَسْتَأْنِي بِأَكْلِهَا‏.‏

وَلِأَنَّ فِيهِ إغْنَاءً عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَحِرَاسَةً لِمَالِيَّتِهِ عَلَى رَبِّهِ إذَا جَاءَ‏.‏

وَإِذَا أَرَادَ أَكْلَهُ حَفِظَ صِفَتَهُ فَمَتَى جَاءَ رَبُّهُ فَوَصَفَهُ غَرِمَ لَهُ قِيمَتَهُ ‏(‏أَوْ بَيْعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَيَوَانِ ‏(‏وَحِفْظِ ثَمَنِهِ‏)‏ وَلَوْ بِلَا إذْنِ إمَامٍ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَكْلُهُ بِلَا إذْنٍ فَبَيْعُهُ أَوْلَى‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ‏:‏ كُلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَيَوَانِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي بَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا أَوْ بَيْعِ الْبَعْضِ فِي مُؤْنَةِ مَا يَبْقَى أَوْ أَنْ يَسْتَقْرِضَ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ يُؤَجِّرَهُ فِي الْمُؤْنَةِ فَعَلَ ‏(‏أَوْ حِفْظِهِ وَيُنْفِقُ‏)‏ مُلْتَقِطٌ ‏(‏عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ‏)‏ لِيَحْفَظَهُ لِمَالِكِهِ فَإِنْ تَرَكَهُ بِلَا إنْفَاقٍ عَلَيْهِ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ لِتَفْرِيطِهِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُلْتَقِطِ ‏(‏الرُّجُوعُ‏)‏ عَلَى رَبِّهِ إنْ وَجَدَهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ ‏(‏بِنِيَّتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرُّجُوعِ نَصًّا‏.‏

لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ لِحِفْظِهِ فَكَانَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ كَمُؤْنَةِ تَجْفِيفِ عِنَبٍ وَرُطَبٍ ‏(‏فَإِنْ اسْتَوَتْ‏)‏ الْأُمُورُ ‏(‏الثَّلَاثَةُ‏)‏ فِي نَظَرِ مُلْتَقِطٍ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَنَّ أَحَدَهَا أَحَظُّ ‏(‏خُيِّرَ‏)‏ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، الضَّرْبُ ‏(‏الثَّانِي‏:‏ مَا يُخْشَى فَسَادُهُ‏)‏ بِإِبْقَائِهِ كَخَضْرَاوَاتٍ وَنَحْوِهَا ‏(‏فَيَلْزَمُهُ‏)‏ أَيْ الْمُلْتَقِطَ ‏(‏فِعْلُ الْأَحَظِّ مِنْ بَيْعِهِ‏)‏ بِقِيمَتِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏أَوْ أَكْلُهُ بِقِيمَتِهِ‏)‏ قِيَاسًا لَهُ عَلَى الشَّاةِ وَلِحِفْظِ مَالِيَّتِهِ عَلَى رَبِّهِ ‏(‏أَوْ تَجْفِيفِ مَا يُجَفَّفُ‏)‏ كَعِنَبٍ وَرُطَبٍ‏.‏

لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُ الْأَحَظِّ فِيهِ‏.‏

فَإِنْ احْتَاجَ فِي تَجْفِيفِهِ إلَى مُؤْنَةٍ بَاعَ بَعْضَهُ فِيهِ ‏(‏فَإِنْ اسْتَوَتْ‏)‏ الثَّلَاثَةُ ‏(‏خُيِّرَ‏)‏ مُلْتَقِطٌ بَيْنَهَا فَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى تَلِفَ ضَمِنَهُ‏.‏

الضَّرْبُ ‏(‏الثَّالِث‏:‏ بَاقِي الْمَالِ‏)‏ الْمُبَاحِ الْتِقَاطُهُ مِنْ أَثْمَانٍ وَمَتَاعٍ وَنَحْوِهِمَا ‏(‏وَيَلْزَمُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُلْتَقِطَ ‏(‏حِفْظُ الْجَمِيعِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَمَانَةً بِيَدِهِ بِالْتِقَاطِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَلْزَمُهُ ‏(‏تَعْرِيفُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْجَمِيعِ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ أَرَادَ تَمَلُّكًا أَوْ حِفْظًا لِرَبِّهِ‏.‏

لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَمَرَ بِهِ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ ولَمْ يُفَرِّقْ‏}‏، وَلِأَنَّ حِفْظَهَا لِرَبِّهَا إنَّمَا يُفِيدُ بِإِيصَالِهَا إلَيْهِ وَطَرِيقَةِ التَّعْرِيفِ ‏(‏فَوْرًا‏)‏ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْأَمْرِ‏.‏

وَلِأَنَّ صَاحِبَهَا يَطْلُبُهَا عَقِبَ ضَيَاعِهَا ‏(‏نَهَارًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ النَّاسِ وَمُلْتَقَاهُمْ ‏(‏أَوَّلَ كُلِّ يَوْمٍ‏)‏ قَبْلَ اشْتِغَالِ النَّاسِ بِمَعَاشِهِمْ ‏(‏أُسْبُوعًا‏)‏ أَيْ‏:‏ سَبْعَةَ أَيَّامٍ‏.‏

لِأَنَّ الطَّلَبَ فِيهَا أَكْثَرُ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يُعَرِّفُهَا ‏(‏عَادَةً‏)‏ أَيْ‏:‏ كَعَادَةِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَقِيلَ يُعَرِّفُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ أُسْبُوعًا فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً شَهْرًا ثُمَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ‏(‏حَوْلًا مِنْ الْتِقَاطِهِ‏)‏ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ؛ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِعَامٍ وَاحِدٍ وَلِأَنَّ السَّنَةَ لَا تَتَأَخَّرُ عَنْهَا الْقَوَافِلُ وَيَمْضِي فِيهَا الزَّمَانُ الَّذِي تُقْصَدُ فِيهِ الْبِلَادُ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالِاعْتِدَالِ كَمُدَّةِ الْعِنِّينِ ‏(‏بِأَنْ يُنَادِي‏:‏ مَنْ ضَاعَ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ نَفَقَةٌ‏)‏ وَلَا يَصِفُهَا لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَدَّعِيَهَا بَعْضُ مَنْ سَمِعَ صِفَاتِهَا فَتَضِيعُ عَلَى مَالِكِهَا فَإِنْ وَصَفَهَا فَأَخَذَهَا غَيْرُ رَبِّهَا ضَمِنِهَا مُلْتَقِطٌ كَوَدِيعٍ دَلَّ لِصًّا عَلَى وَدِيعَةٍ ‏(‏فِي الْأَسْوَاقِ‏)‏ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ، ‏(‏وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ‏)‏ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ‏.‏

لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إشَاعَةُ ذِكْرِهَا، وَيُكْثِرُ مِنْهُ فِي مَوْضِعِ وِجْدَانِهَا، وَالْوَقْتِ الَّذِي يَلِي الْتِقَاطَهَا‏.‏

وَإِنْ كَانَ فِي صَحْرَاءَ عَرَّفَهَا فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهَا ‏(‏وَكُرِهَ‏)‏ تَعْرِيفُهَا ‏(‏دَاخِلَهَا‏)‏ أَيْ الْمَسَاجِدِ‏.‏

لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ‏:‏ لَا رَدَّهَا اللَّهُ إلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا ‏}‏ وَلِمُلْتَقِطٍ تَعْرِيفُهَا بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ مُتَبَرِّعًا أَوْ بِأُجْرَةٍ ‏(‏، وَأُجْرَةُ مُنَادٍ عَلَى مُلْتَقَطٍ‏)‏ نَصًّا‏.‏

لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي الْعَمَلِ، وَالتَّعْرِيفُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُلْتَقِطِ فَأُجْرَتُهُ عَلَيْهِ ‏(‏وَيُنْتَفَعُ بِمُبَاحٍ مِنْ كِلَابٍ وَلَا تُعَرَّفُ‏)‏ وَظَاهِرُهُ‏:‏ جَوَازُ الْتِقَاطِهَا‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، قَالَ الْحَارِثِيُّ‏:‏ وَهُوَ أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي الْمَنْعِ‏.‏

وَلَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَمْنُوعِ، وَفِي أَخْذِهِ حِفْظٌ عَلَى مُسْتَحَقِّهِ، أَشْبَهَ الْأَثْمَانَ وَأَوْلَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مَالًا فَهُوَ أَخَفُّ‏.‏ وَأَدْخَلَهُ الْمُوَفَّقُ فِيمَا يُمْتَنَعُ الْتِقَاطُهُ اعْتِبَارًا بِمَنَعَتِهِ بِنَابِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَبَقَ ‏(‏وَإِنْ أَخَّرَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّعْرِيفَ فِيهِ ‏(‏الْحَوْلَ‏)‏ كُلَّهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَخَّرَهُ ‏(‏بَعْضَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَثِمَ‏)‏ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ ‏(‏وَلَمْ يَمْلِكْهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ اللُّقَطَةَ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّعْرِيفِ ‏(‏بَعْدَ‏)‏ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمِلْكِ التَّعْرِيفُ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَرَبُّهَا بَعْدَهُ يَسْلُوهَا وَيَتْرُكُ طَلَبَهَا فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ غَالِبًا، وَلِذَلِكَ يَسْقُطُ التَّعْرِيفُ فِيهِ لِتَأْخِيرِهِ عَنْ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ نَصًّا، وَإِنْ تَرَكَهُ بَعْضَ الْحَوْلِ عَرَّفَ فِي بَقِيَّتِهِ فَقَطْ‏.‏

فَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَحَبْسٍ مَلَكَهَا بِتَعْرِيفِهَا حَوْلًا بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ، هَذَا مَفْهُومُ كَلَامِهِ تَبَعًا لِلتَّنْقِيحِ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَمْلِكُهَا لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ وَهُوَ التَّعْرِيفُ فِي الْحَوْلِ سَوَاءٌ أَهْمَلَهُ لِعُذْرِهِ أَوْ غَيْرِهِ‏.‏

قَالَ فِي الْإِنْصَافِ‏:‏ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالصَّغِيرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ‏(‏كَالْتِقَاطِهِ بِنِيَّةِ تَمَلُّكٍ‏)‏ بِلَا تَعْرِيفٍ ‏(‏وَلَمْ يُرِدْ‏)‏ بِهِ ‏(‏تَعْرِيفًا‏)‏ وَلَا تَمَلُّكًا لِلُقَطَةٍ فَلَا يَمْلِكُهَا وَلَوْ عَرَّفَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ‏.‏

أَشْبَهَ الْغَاصِبَ ‏(‏وَلَيْسَ خَوْفُهُ‏)‏ أَيْ الْمُلْتَقِطِ ‏(‏بِأَنْ يَأْخُذَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ اللُّقَطَةَ ‏(‏سُلْطَانٌ جَائِرٌ أَوْ‏)‏ خَوْفُ مُلْتَقِطٍ أَنْ ‏(‏يُطَالِبَهُ‏)‏ سُلْطَانٌ جَائِرٌ ‏(‏بِأَكْثَرَ‏)‏ مِمَّا وَجَدَ ‏(‏عُذْرًا‏)‏ لَهُ ‏(‏فِي تَرْكِ تَعْرِيفِهَا حَتَّى يَمْلِكَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ اللُّقَطَةَ ‏(‏بِدُونِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِلَا تَعْرِيفٍ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلِهَذَا جَزَمَ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِتَعْرِيفِهِ بَعْدُ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ خَوْفَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ‏.‏ وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ‏:‏ تَبْقَى بِيَدِهِ، فَإِذَا وَجَدَ أَمْنًا عَرَّفَهَا حَوْلًا انْتَهَى‏.‏

قَالَ فِي شَرْحِهِ‏:‏ فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا مَا يُرَجِّحُ أَنَّ تَأْخِيرَ التَّعْرِيفِ لِلْعُذْرِ لَا يُؤَثِّرُ ‏(‏وَمَنْ عَرَّفَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ اللُّقَطَةَ حَوْلًا ‏(‏فَلَمْ تُعَرَّفْ‏)‏ فِيهِ وَهِيَ مَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ ‏(‏دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ‏)‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ ‏{‏فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا‏}‏ وَفِي لَفْظٍ‏:‏ ‏"‏وَإِلَّا فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِكٍ‏"‏ وَفِي لَفْظٍ‏:‏ ‏"‏ثُمَّ كُلْهَا‏"‏، وَفِي لَفْظٍ ‏"‏ فَانْتَفِعْ بِهَا ‏"‏ وَفِي لَفْظٍ ‏"‏ ‏"‏ فَشَأْنُكَ بِهَا ‏"‏ وَفِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ‏"‏ فَاسْتَنْفِقْهَا ‏"‏ وَفِي لَفْظٍ ‏"‏ فَاسْتَمْتِعْ بِهَا ‏"‏ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ‏(‏حُكْمًا‏)‏ كَالْمِيرَاثِ نَصًّا‏.‏

فَلَا يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ لِحَدِيثِ ‏{‏ وَإِلَّا فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِكَ ‏}‏ وَقَوْلُهُ ‏"‏ فَاسْتَنْفِقْهَا ‏"‏ وَلَوْ وَقَفَ مِلْكُهَا عَلَى تَمَلُّكِهَا لِبَيِّنَةٍ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ قَبْلَهُ وَلِأَنَّ الِالْتِقَاطَ وَالتَّعْرِيفَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ‏.‏

فَإِذَا تَمَّا وَجَبَ بِثُبُوتِهِ حُكْمًا كَالْإِحْيَاءِ وَالِاصْطِيَادِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَتْ اللُّقَطَةُ ‏(‏عَرْضًا‏)‏ فَتُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ قَهْرًا كَالْأَثْمَانِ، لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ‏.‏

وَإِنْ رُوِيَ فِي الْأَثْمَانِ نَصٌّ خَاصٌّ فَقَدْ رُوِيَ خَبَرٌ عَامٌّ فَيُعْمَلُ بِهِمَا، بَلْ فِي الْعُرُوضِ نَصٌّ خَاصٌّ أَيْضًا، ثُمَّ لَا مَانِعَ مِنْ قِيَاسِ الْعُرُوضِ عَلَى الْأَثْمَانِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَتْ اللُّقَطَةُ ‏(‏لُقَطَةَ الْحَرَمِ‏)‏ فَتُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ كَلُقَطَةِ الْحِلِّ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ وَكَحَرَمِ الْمَدِينَةِ وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهَا بِالْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْوَدِيعَةِ، وَحَدِيثِ ‏{‏ لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ ‏}‏ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ إلَّا لِمَنْ عَرَّفَهَا عَامًا وَتَخْصِيصُهَا بِذَلِكَ لِتَأَكُّدِهَا كَحَدِيثِ ‏{‏ ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ ‏}‏ ‏(‏أَوْ لَمْ يَخْتَرْ‏)‏ الْمُلْتَقِطُ تَمَلُّكَهَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ حُكْمًا وَتَقَدَّمَ ‏(‏أَوْ أَخَّرَهُ‏)‏ أَيْ التَّعْرِيفَ ‏(‏لِعُذْرٍ‏)‏ ثُمَّ عَرَّفَهَا فَيَمْلِكُهَا وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ‏.‏

‏(‏أَوْ ضَاعَتْ‏)‏ اللُّقَطَةُ مِنْ وَاجِدِهَا بِلَا تَفْرِيطٍ فَالْتَقَطَهَا آخَرُ ‏(‏فَعَرَّفَهَا الثَّانِي مَعَ عِلْمِهِ بِالْأَوَّلِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِأَنَّهَا ضَاعَتْ مِنْ الْمُلْتَقِطِ الْأَوَّلِ ‏(‏أَوْ لَمْ يُعْلِمْهُ‏)‏ أَيْ يُعْلِمْ الثَّانِي الْأَوَّلَ بِاللُّقَطَةِ ‏(‏أَوْ أَعْلَمَهُ‏)‏ وَعَرَّفَهَا الثَّانِي ‏(‏وَقَصَدَ بِتَعْرِيفِهَا‏)‏ تَمَلُّكَهَا ‏(‏لِنَفْسِهِ‏)‏ فَتَدْخُلُ فِي مِلْكِ الثَّانِي حُكْمًا بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ الَّذِي عَرَّفَهَا فِيهِ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا لِنَفْسِهِ‏.‏

وَفِي شَرْحِهِ أَنَّهَا لِلْأَوَّلِ‏.‏

وَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسِيَاقِ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ عَرَّفَهَا، وَالْأَصْحَابُ حَكَوْا وَجْهَيْنِ‏:‏ هَلْ يَمْلِكُهَا الثَّانِي أَوْ لَا ‏؟‏ وَلَمْ يَذْكُرُوا مِلْكَ الْأَوَّلِ لَهَا‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

يَجِبُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ الثَّانِي إذَا عَلِمَ بِالْحَالِ رَدُّهَا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ التَّمَوُّلِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الثَّانِي حَتَّى عَرَّفَهَا حَوْلًا مَلَكَهَا، وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ التَّمَلُّكِ‏.‏

وَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا مِنْ الثَّانِي، وَلَا طَلَبَ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ، وَإِنْ عَلِمَ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ، وَقَالَ لَهُ الْأَوَّلُ عَرِّفْهَا وَيَكُونُ مِلْكُهَا لِي فَقَدْ اسْتَنَابَهُ فِي التَّعْرِيفِ وَيَمْلِكُهَا الْأَوَّلُ بِهِ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ عَرِّفْهَا وَتَكُونُ بَيْنَنَا، فَفَعَلَ صَحَّ أَيْضًا، وَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ غَصَبَهَا مِنْ الْمُلْتَقِطِ وَعَرَّفَهَا لَمْ يَمْلِكْهَا الْغَاصِبُ‏.‏