فصل: فَصْلٌ: (حكم الحج والعمرة من القن)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


كِتَابُ‏:‏ الْحَجِّ

بِفَتْحِ الْحَاءِ لَا كَسْرِهَا فِي الْأَشْهَرِ وَعَكْسُهُ شَهْرُ الْحِجَّةِ ‏(‏فَرْضُ كِفَايَةٍ كُلَّ عَامٍ‏)‏ عَلَى مَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ عَيْنًا نَقَلَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى عَنْ الرِّعَايَةِ، وَقَالَ‏:‏ هُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِ الْأَصْحَابِ انْتَهَى وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إنَّمَا هُوَ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ بِالْحَجِّ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالنَّفْلِ وَيَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ بُطْلَانُ تَقْسِيمِ الْأَئِمَّةِ الْحَجَّ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ، فَالْمَلْزُومُ كَذَلِكَ نَصًّا لِلتَّعْظِيمِ لِلْبَيْتِ فُرِضَ سَنَةَ تِسْعٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا‏}‏‏.‏

‏(‏وَهُوَ لُغَةً‏)‏ الْقَصْدُ إلَى مَنْ يُعَظِّمُهُ أَوْ كَثْرَةُ الْقَصْدِ إلَيْهِ وَشَرْعًا ‏(‏قَصْدُ مَكَّةَ لِعَمَلٍ مَخْصُوصٍ فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ‏)‏ يَأْتِي بَيَانُهُ وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَمَبَانِيهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ‏(‏وَ الْعُمْرَةُ‏)‏ لُغَةً‏:‏ الزِّيَارَةُ وَشَرْعًا ‏(‏زِيَارَةُ الْبَيْتِ‏)‏ الْحَرَامِ ‏(‏عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ‏)‏ يَأْتِي بَيَانُهُ وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَهُ الْمُبَادَرَةُ وَالِاجْتِهَادُ فِي رَفِيقٍ حَسَنٍ، وَيَكُونُ خُرُوجُهُ يَوْمَ خَمِيسٍ أَوْ اثْنَيْنِ بُكْرَةً وَيَقُولُ إذَا خَرَجَ أَوْ نَزَلَ مَنْزِلًا وَنَحْوَهُ‏:‏ مَا وَرَدَ قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ وَيُصَلِّي فِي مَنْزِلِهِ رَكْعَتَيْنِ ‏(‏وَيَجِبَانِ‏)‏ أَيْ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ قُلْت ‏{‏يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ، الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَإِذَا ثَبَتَ فِي النِّسَاءِ فَالرِّجَالُ أَوْلَى وَلِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏"‏ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ‏(‏فِي الْعُمْرِ مَرَّةً‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏{‏خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ‏:‏ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ ‏(‏بِشُرُوطٍ‏)‏ خَمْسَةٍ ‏(‏وَهِيَ إسْلَامٌ وَعَقْلٌ‏)‏ وَهُمَا شَرْطَانِ لِلْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ فَلَا يَصِحَّانِ مِنْ كَافِرٍ وَمَجْنُونٍ، وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ ‏(‏وَبُلُوغٌ، وَكَمَالُ حُرِّيَّةٍ‏)‏ وَهُمَا شَرْطَانِ لِلْوُجُوبِ وَالْإِجْزَاءِ دُونَ الصِّحَّةِ وَتَأْتِي الِاسْتِطَاعَةُ وَهِيَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ دُونَ الْإِجْزَاءِ ‏(‏وَيَجْزِيَانِ‏)‏ أَيْ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ‏(‏مِنْ‏)‏ أَيْ كَافِرٍ ‏(‏أَسْلَمَ‏)‏ وَهُوَ حُرٌّ مُكَلَّفٌ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ قَبْلَ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ، إنْ عَادَ فَوَقَفَ فِي وَقْتِهِ، أَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ طَافَ وَسَعَى لَهَا ‏(‏أَوْ أَفَاقَ‏)‏ مِنْ جُنُونٍ وَهُوَ حُرٌّ بَالِغٌ ‏(‏ثُمَّ أَحْرَمَ‏)‏ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَفَعَلَ مَا تَقَدَّمَ ‏(‏أَوْ بَلَغَ‏)‏ وَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ مُحْرِمًا قَبْلَ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ، إنْ عَادَ فَوَقَفَ فِي وَقْتِهِ ‏(‏أَوْ عَتَقَ‏)‏ قِنٌّ مُكَلَّفٌ ‏(‏مُحْرِمًا بِحَجٍّ قَبْلَ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الدَّفْعِ مِنْهَا ‏(‏إنْ عَادَ‏)‏ إلَى عَرَفَةَ ‏(‏فَوَقَفَ‏)‏ بِهَا ‏(‏فِي وَقْتِهِ‏)‏ أَيْ الْوُقُوفِ، فَيُجْزِيهِ حَجُّهُ وَيَلْزَمُهُ الْعَوْدُ حَيْثُ أَمْكَنَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ بَلَغَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ ‏(‏قَبْلَ طَوَافِ عُمْرَةٍ‏)‏ ثُمَّ طَافَ وَسَعَى لَهَا فَتُجْزِيهِ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَيَكُونُ صَغِيرٌ بَلَغَ وَقِنٌّ عَتَقَ مُحْرِمًا ‏(‏كَمَنْ أَحْرَمَ إذَنْ‏)‏ أَيْ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَعِتْقِهِ، لِأَنَّهَا حَالٌ تَصْلُحُ لِتَعْيِينِ الْإِحْرَامِ كَحَالِ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ ‏(‏وَإِنَّمَا يُعْتَدُّ بِإِحْرَامٍ وَوُقُوفٍ مَوْجُودَيْنِ إذَنْ‏)‏ أَيْ حَالَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ ‏(‏وَأَنَّ مَا قَبْلَهُ تَطَوُّعٌ لَمْ يَنْقَلِبْ فَرْضًا‏)‏ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَابَعَهُ وَقَدَّمَهُ فِي التَّنْقِيحِ ‏(‏ وَقَالَ جَمَاعَةٌ‏)‏ صَاحِبُ الْخِلَافِ وَالِانْتِصَارِ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ ‏(‏يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ‏)‏ أَيْ الصَّغِيرُ وَالْقِنُّ ‏(‏مَوْقُوفًا فَإِذَا تَغَيَّرَ حَالُهُ‏)‏ إلَى بُلُوغٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ ‏(‏تَبَيَّنَ فَرْضِيَّتُهُ‏)‏ أَيْ الْإِحْرَامِ كَزَكَاةٍ مُعَجَّلَةٍ ‏(‏وَلَا يُجْزِئُ‏)‏ حَجُّ مَنْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ مُحْرِمًا قَبْلَ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ إذَا عَادَ وَوَقَفَ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ ‏(‏مَعَ سَعْيِ قِنٍّ وَصَغِيرٍ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ قَبْلَ وَقُوفٍ وَلَوْ أَعَادَهُ‏)‏ أَيْ السَّعْيَ صَغِيرٌ أَوْ قِنٌّ ثَانِيًا ‏(‏بَعْدَ‏)‏ بُلُوغِهِ أَوْ عِتْقِهِ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا تُشْرَعُ مُجَاوَزَةُ عَدَدِهِ وَلَا تَكْرَارِهِ، بِخِلَافِ الْوُقُوفِ فَاسْتِدَامَتُهُ مَشْرُوعَةٌ وَلَا قَدْرَ لَهُ مَحْدُودٌ وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ‏:‏ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ بَعْدَ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ وَلَمْ يَعُدْ أَوْ عَادَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ تُجْزِئْهُ حَجَّتُهُ، أَوْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ فِي أَثْنَاءِ طَوَافِ عُمْرَةٍ، لَمْ تُجْزِئْهُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏حكم الحج والعمرة من الصغير‏]‏

وَيَصِحَّانِ أَيْ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ‏(‏مِنْ صَغِيرٍ‏)‏ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ وُلِدَ لَحْظَةً لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبِيًّا فَقَالَتْ‏:‏ أَلِهَذَا حَجٌّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ‏(‏وَيُحْرِمُ وَلِيٌّ‏)‏ فِي مَالٍ عَمَّنْ لَا يُمَيِّزُ لِتَعَذُّرِ النِّيَّةِ مِنْهُ وَوَلِيُّ الْمَالِ‏:‏ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ وَالْحَاكِمُ وَظَاهِرُهُ‏:‏ لَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِمْ بِلَا إذْنِهِمْ قُلْتُ‏:‏ إنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيٌّ فَمَنْ يَلِي الصَّغِيرَ يَعْقِدُهُ لَهُ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ فِي قَبُولِ زَكَاةٍ وَهِبَةٍ وَمَعْنَى إحْرَامِهِ عَنْهُ‏:‏ أَنْ يَعْقِدَ لَهُ الْإِحْرَامَ فَيَصِيرَ الصَّغِيرُ مُحْرِمًا فَيَصِحَّ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْوَلِيُّ ‏(‏مُحْرِمًا أَوْ لَمْ يَحُجَّ‏)‏ الْوَلِيُّ، كَعَقْدِ النِّكَاحِ لَهُ وَيَقَعُ لَازِمًا وَحُكْمُهُ كَالْمُكَلَّفِ نَصًّا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُحْرِمُ ‏(‏مُمَيِّزٌ بِإِذْنِهِ‏)‏ أَيْ الْوَلِيِّ ‏(‏عَنْ نَفْسِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ فَيَصِحُّ إحْرَامُهُ كَالْبَالِغِ وَلَا يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ وَحُكْمُهُ حُكْمُهُ فِي الضَّمَانِ ‏(‏وَ‏)‏ يَجْتَنِبُ الطِّيبَ وُجُوبًا وَ‏(‏يَفْعَلُ وَلِيٌّ‏)‏ عَنْ مُمَيِّزٍ وَغَيْرِهِ ‏(‏مَا يُعْجِزُهُمَا‏)‏ مِنْ أَفْعَالِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الرَّمْيِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ طَافَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فِي خِرْقَةٍ رَوَاهُمَا الْأَثْرَمُ وَعَنْ جَابِرٍ ‏{‏حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَلَبَّيْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُجَرِّدُ الصِّبْيَانَ لِلْإِحْرَامِ ‏(‏لَكِنْ لَا يَبْدَأُ‏)‏ وَلِيٌّ ‏(‏فِي رَمْيِ‏)‏ جَمَرَاتٍ ‏(‏إلَّا بِنَفْسِهِ‏)‏ كَنِيَابَةِ حَجٍّ فَإِنْ رَمَى عَنْ مُوَلِّيهِ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِفَرْضِهِ ‏(‏وَلَا يُعْتَدُّ بِرَمْيِ حَلَالٍ‏)‏ لَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَا غَيْرِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ مُنَاوَلَةُ صَغِيرٍ نَائِبًا الْحَصَا نَاوَلَهُ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ وَضْعُهُ فِي كَفِّهِ ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُ وَيَرْمِيَ عَنْهُ وَإِنْ وَضَعَهَا نَائِبٌ فِي يَدِ صَغِيرٍ وَرَمَى بِهَا فَكَانَتْ يَدُهُ كَالْآلَةِ، فَحَسَنٌ ‏(‏وَيُطَافُ بِهِ‏)‏ أَيْ الصَّغِيرِ ‏(‏لِعَجْزِهِ‏)‏ عَنْ طَوَافِ نَفْسِهِ ‏(‏رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا‏)‏ كَكَبِيرٍ عَاجِزٍ ‏(‏وَيُعْتَبَرُ‏)‏ لِطَوَافِ صَغِيرٍ ‏(‏نِيَّةُ طَائِفٍ بِهِ‏)‏ لِتَعَذُّرِ النِّيَّةِ مِنْهُ قُلْت‏:‏ إنْ لَمْ يَكُنْ مُمَيِّزًا ‏(‏وَكَوْنَهُ‏)‏ أَيْ الطَّائِفِ بِهِ ‏(‏يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَ لَهُ الْإِحْرَامَ‏)‏ بِأَنْ يَكُونَ وَلِيَّهُ أَوْ نَائِبَهُ لِتَتَأَتَّى نِيَّتُهُ عَنْهُ وَ‏(‏لَا‏)‏ يُعْتَبَرُ ‏(‏كَوْنُهُ‏)‏ أَيْ الطَّائِفِ بِهِ ‏(‏طَائِفًا عَنْ نَفْسِهِ وَلَا‏)‏ كَوْنَهُ ‏(‏مُحْرِمًا‏)‏ لِوُجُودِ الطَّوَافِ مِنْ الصَّغِيرِ، كَمَحْمُولٍ مَرِيضٍ، فَلَمْ يُوجَدْ مِنْ طَائِفٍ بِهِ إلَّا النِّيَّةُ، بِخِلَافِ الرَّمْيِ ‏(‏وَكَفَّارَةُ حَجٍّ‏)‏ صَغِيرٍ فِي مَالِ وَلِيِّهِ، إنْ أَنْشَأَ السَّفَرَ بِهِ تَمْرِينًا عَلَى الطَّاعَةِ ‏(‏وَمَا زَادَ‏)‏ مِنْ نَفَقَةِ السَّفَرِ ‏(‏عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ فِي مَالِ وَلِيِّهِ إنْ أَنْشَأَ‏)‏ وَلِيُّهُ ‏(‏السَّفَرَ بِهِ‏)‏ أَيْ الصَّغِيرِ ‏(‏تَمْرِينًا‏)‏ لَهُ ‏(‏عَلَى الطَّاعَةِ‏)‏ لِأَنَّهُ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِيهِ، وَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِتَرْكِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يُنْشِئْ السَّفَرَ بِهِ تَمْرِينًا عَلَى الطَّاعَةِ بَلْ سَافَرَ بِهِ لِتِجَارَةٍ أَوْ خِدْمَةٍ أَوْ لِيَسْتَوْطِنَ مَكَّةَ، أَوْ يُقِيمَ بِهَا لِنَحْوِ عِلْمٍ مِمَّا يُبَاحُ السَّفَرُ لَهُ فِي وَقْتِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ، وَمَعَ الْإِحْرَامِ وَعَدَمِهِ ‏(‏فَلَا‏)‏ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْوَلِيِّ بَلْ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةٍ ‏(‏وَعَمْدُ صَغِيرٍ‏)‏ خَطَأٌ وَعَمْدُ ‏(‏مَجْنُونٍ‏)‏ لِمَحْظُورٍ ‏(‏خَطَأٌ لَا يَجِبُ فِيهِ إلَّا مَا يَجِبُ فِي خَطَإِ مُكَلَّفٍ، أَوْ فِي نِسْيَانِهِ‏)‏ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ قَصْدِهِ قَالَ الْمَجْدُ‏:‏ أَوْ فَعَلَهُ بِهِ الْوَلِيُّ لِمَصْلَحَتِهِ، كَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ لِبَرْدٍ، أَوْ تَطْيِيبِهِ لِمَرَضٍ، فَأَمَّا إنْ فَعَلَهُ الْوَلِيُّ لَا لِعُذْرٍ فَكَفَّارَتُهُ عَلَيْهِ، كَحَلْقِ رَأْسِ مُحْرِمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ ‏(‏وَإِنْ وَجَبَ فِي كَفَّارَةٍ عَلَى وَلِيٍّ‏)‏ بِأَنْ أَنْشَأَ السَّفَرَ بِهِ تَمْرِينًا عَلَى الطَّاعَةِ ‏(‏صَوْمٌ صَامَ‏)‏ الْوَلِيُّ ‏(‏عَنْهُ‏)‏ لَوْ جَوَّبَهَا عَلَيْهِ ابْتِدَاء كَصَوْمِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَوْ لَمْ تَجِبْ عَلَى الْوَلِيِّ وَدَخَلَهَا صَوْمٌ لَمْ يَصُمْ الْوَلِيُّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ ‏(‏وَوَطْؤُهُ‏)‏ أَيْ الصَّغِيرُ وَلَوْ عَمْدًا ‏(‏كَ‏)‏ وَطْءِ ‏(‏بَالِغٍ نَاسِيًا، يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ وَيَقْضِيهِ‏)‏ أَيْ الْحَجُّ ‏(‏إذَا بَلَغَ‏)‏ كَالْبَالِغِ وَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ قَبْلَهُ نَصًّا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ، وَنَظِيرُهُ‏:‏ نَحْو وَطْءِ مَجْنُونٍ يُوجِبُ الْغُسْلَ عَلَيْهِ، لِوُجُودِ سَبَبِهِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ إفَاقَتِهِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏حكم الحج والعمرة من القن‏]‏

وَيَصِحَّانِ أَيْ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ‏(‏مِنْ قِنٍّ‏)‏ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّغِيرِ الْحُرِّ، لِعَدَمِ الْمَانِعِ ‏(‏وَيَلْزَمَانِهِ‏)‏ أَيْ يَلْزَمُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ الْقِنَّ الْبَالِغَ ‏(‏بِنَذْرِهِ‏)‏ لَهُمَا لِعُمُومِ حَدِيثِ ‏{‏مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ‏}‏ وَلَا يَجُوزُ أَنْ ‏(‏يُحْرِمَ‏)‏ قِنٌّ بِنَذْرٍ ولَا نَفْلٍ وَمِثْلُهُ‏:‏ مُدَبَّرٌ وَأُمُّ وَلَدٍ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مُكَاتَبٍ وَمُبَعَّضٍ ‏(‏وَلَا‏)‏ أَنْ تُحْرِمَ ‏(‏زَوْجَةٌ بِنَفْلٍ‏)‏ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ‏(‏إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدٍ وَزَوْجٍ‏)‏ لِتَفْوِيتِ حَقِّهِمَا بِالْإِحْرَامِ ‏(‏فَإِنْ عَقَدَاهُ‏)‏ أَيْ عَقَدَ قِنٌّ وَامْرَأَةٌ الْإِحْرَامَ بِنَفْلٍ بِلَا إذْنِ سَيِّدٍ وَزَوْجٍ ‏(‏فَلَهُمَا‏)‏ أَيْ السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ ‏(‏تَحْلِيلُهُمَا‏)‏ أَيْ الْقِنِّ وَالزَّوْجَةِ لِتَفْوِيتِ حَقِّهِمَا ‏(‏وَيَكُونَانِ‏)‏ أَيْ الْقِنُّ وَالزَّوْجَةُ ‏(‏كَمُحْصَرٍ‏)‏ عَلَى مَا يَأْتِي ‏(‏وَيَأْثَمُ مَنْ لَمْ يَمْتَثِلْ‏)‏ مِنْ قِنٍّ وَزَوْجَةٍ وَلَهُ وَطْءُ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ أَحْرَمَتَا بِلَا إذْنِهِ بِنَفْلٍ إذَا أَمَرَهُمَا بِالتَّحَلُّلِ وَخَالَفَتَا وَ‏(‏لَا‏)‏ يَجُوزُ لِسَيِّدٍ وَزَوْجٍ تَحْلِيلُهُمَا ‏(‏مَعَ إذْنِهِ‏)‏ لَهُمَا فِي إحْرَامٍ، لِوُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ ‏(‏وَيَصِحُّ‏)‏ مِنْ سَيِّدٍ وَزَوْجٍ ‏(‏رُجُوعٌ فِيهِ‏)‏ أَيْ الْإِذْنِ بِإِحْرَامٍ ‏(‏قَبْلَ إحْرَامٍ‏)‏ كَوَاهِبِ إذْنٍ لِمَوْهُوبٍ لَهُ فِي قَبْضِ هِبَةٍ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَهُ وَمَتَى عَلِمَا بِرُجُوعٍ امْتَنَعَ عَلَيْهِمَا الْإِحْرَامُ كَمَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعٌ فِي إذْنٍ بَعْدَ إحْرَامٍ لِلُزُومِهِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَجُوزُ لِسَيِّدٍ وَزَوْجٍ تَحْلِيلُ قِنٍّ وَزَوْجَةٍ أَحْرَمَا ‏(‏بِنَذْرٍ أَذِنَ فِيهِ‏)‏ زَوْجٌ وَسَيِّدٌ ‏(‏لَهُمَا‏)‏ أَيْ الْقِنِّ وَالزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي نَذْرِهِ إذْنٌ فِي فِعْلِهِ ‏(‏أَوْ لَمْ يَأْذَنَ فِيهِ‏)‏ أَيْ النَّذْرُ ‏(‏لَهَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَةِ فَلَا يُحَلِّلُهَا مِنْهُ لِوُجُوبِهِ كَالْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ‏.‏

‏(‏وَلَا يَمْنَعُهَا‏)‏ الزَّوْجُ ‏(‏مِنْ حَجِّ فَرْضٍ كَمُلَتْ شُرُوطُهُ‏)‏ كَبَقِيَّةِ الْوَاجِبَاتِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُمَا اسْتِئْذَانُهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا كَتَبَتْ إلَيْهِ فَإِنْ أَذِنَ وَإِلَّا حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ ‏(‏فَلَوْ لَمْ تَكْمُلْ‏)‏ شُرُوطُهُ فَلَهُ مَنْعُهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ ‏(‏أَحْرَمَتْ بِهِ بِلَا إذْنِهِ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا‏)‏ لِوُجُوبِ تَمَامِهِ بِشُرُوعِهَا فِيهِ ‏(‏وَمَنْ أَحْرَمَتْ بِوَاجِبٍ‏)‏ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ أَوْ النَّذْرِ ‏(‏فَحَلَفَ زَوْجُهَا، وَلَوْ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا تَحُجَّ الْعَامَ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَحِلَّ‏)‏ مِنْ إحْرَامِهَا لِلُزُومِهِ وَعَنْهُ‏:‏ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ وَنَقَلَهُ عَنْ عَطَاءٍ ‏(‏وَإِنْ أَفْسَدَ قِنٌّ حَجَّهُ بِوَطْءٍ‏)‏ فِيهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ ‏(‏مَضَى‏)‏ فِي فَاسِدِهِ ‏(‏وَقَضَاهُ‏)‏ كَحُرٍّ ‏(‏وَيَصِحُّ الْقَضَاءُ‏)‏ مِنْ قِنٍّ مُكَلَّفٍ ‏(‏فِي رِقِّهِ‏)‏ كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ فَإِنْ عَتَقَ بَدَأَ بِحِجَّةِ الْإِسْلَامِ ‏(‏وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ‏)‏ مِنْ قَضَاءٍ ‏(‏إنْ‏)‏ كَانَ ‏(‏شَرَعَ فِيمَا أَفْسَدَهُ‏)‏ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ‏(‏بِإِذْنِهِ‏)‏ أَيْ السَّيِّدِ، لِأَنَّ إذْنَهُ فِيهِ إذْنٌ فِي مُوجَبِهِ وَمِنْهُ قَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ عَلَى الْفَوْرِ ‏(‏وَإِنْ عَتَقَ‏)‏ قِنٌّ فِي الْحِجَّةِ الْفَاسِدَةِ ‏(‏أَوْ بَلَغَ الْحُرُّ فِي الْحِجَّةِ الْفَاسِدَةِ‏)‏ وَكَانَ عِتْقُهُ أَوْ بُلُوغُهُ ‏(‏فِي حَالٍ يُجْزِئُهُ عَنْ حِجَّةِ الْفَرْضِ لَوْ كَانَتْ‏)‏ الْحِجَّةُ الْفَاسِدَةُ ‏(‏صَحِيحَة‏)‏ عَلَى مَا تَقَدَّمَ آنِفًا ‏(‏مَضَى‏)‏ فِيهَا وَقَضَاهَا ‏(‏وَأَجْزَأَتْهُ حَجَّةُ الْقَضَاءِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَ‏)‏ حِجَّةُ ‏(‏الْقَضَاءِ‏)‏ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ ‏(‏وَقِنٌّ فِي جِنَايَتِهِ‏)‏ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ فِي إحْرَامِهِ ‏(‏كَحُرٍّ مُعْسِرٍ‏)‏ فِي الْفِدْيَةِ بِالصَّوْمِ عَلَى مَا يَأْتِي ‏(‏وَإِنْ تَحَلَّلَ‏)‏ قِنٌّ ‏(‏بِحَصْرِ‏)‏ عُدُولِهِ ‏(‏أَوْ حَلَّلَهُ سَيِّدُهُ‏)‏ لِإِحْرَامِهِ بِلَا إذْنِهِ ‏(‏لَمْ يَتَحَلَّلْ قَبْلَ الصَّوْمِ‏)‏ كَحُرٍّ أُحْصِرَ وَأَعْسَرَ، فَيَصُومُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ ثُمَّ يَتَحَلَّلُ ‏(‏وَلَا يُمْنَعُ‏)‏ الْقِنُّ ‏(‏مِنْهُ‏)‏ أَيْ الصَّوْمِ نَصًّا كَقَضَاءِ رَمَضَانَ ‏(‏وَإِنْ مَاتَ‏)‏ قِنٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمٌ بِسَبَبِ إحْرَامِهِ ‏(‏ وَلَمْ يَصُمْ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ‏)‏ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، بَلْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ يُسَنُّ وَلَا يَصُومُ عَنْهُ ‏(‏وَإِنْ أَفْسَدَ‏)‏ قِنٌّ ‏(‏حَجَّهُ صَامَ‏)‏ عَنْ الْبَدَنَةِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ كَحُرٍّ مُعْسِرٍ ‏(‏وَكَذَا إنْ تَمَتَّعَ‏)‏ قِنٌّ ‏(‏أَوْ قَرَنَ‏)‏ أَوْ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ صَامَ مِنْ الدَّمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَمُشْتَرِي‏)‏ الْقِنِّ ‏(‏الْمُحْرِمِ كَبَائِعِهِ فِي تَحْلِيلِهِ‏)‏ إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِلَا إذْنٍ ‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏عَدَمِهِ‏)‏ إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِإِذْنٍ، لِقِيَامِ الْمُشْتَرِي مَقَامَ بَائِعِهِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الْمُشْتَرِي ‏(‏الْفَسْخُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ‏)‏ بِإِحْرَامِ الْقِنِّ ‏(‏وَلَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهُ‏)‏ لِتَعَطُّلِ مَنَافِعِهِ عَلَيْهِ زَمَنَ إحْرَامِهِ فَإِنْ مَلَكَ مُشْتَرٍ تَحْلِيلَهُ فَلَا فَسْخَ لَهُ لِأَنَّ إبْقَاءَهُ فِي الْإِحْرَامِ كَإِذْنِهِ لَهُ فِيهِ ابْتِدَاء وَكَذَا لَا فَسْخَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُحْرِمٌ ‏(‏وَلِكُلٍّ مِنْ أَبَوَيْ‏)‏ حُرٍّ ‏(‏مَنْعُهُ‏)‏ أَيْ وَلَدِهِمَا الْبَالِغِ ‏(‏مِنْ إحْرَامٍ بِنَفْلِ‏)‏ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ‏(‏كَ‏)‏ مَنْعِهِ مِنْ نَفْلِ ‏(‏جِهَادٍ‏)‏ لِلْإِخْبَارِ وَمَا يَفْعَلُهُ فِي الْحَضَرِ مِنْ نَفْلٍ نَحْو صَلَاةٍ وَصَوْمٍ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنٌ وَكَذَا السَّفَرُ لِوَاجِبٍ كَحَجٍّ وَعِلْمٍ لِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ، كَالصَّلَاةِ وَتَجِبُ طَاعَتُهُمَا فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ‏.‏

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ فِيمَا فِيهِ نَفْعٌ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ شَقَّ عَلَيْهِ ‏(‏وَلَا يُحَلِّلَانِهِ‏)‏ أَيْ الْبَالِغِ إذَا أَحْرَمَ ‏(‏وَلَا‏)‏ يُحَلِّلُ ‏(‏غَرِيمٌ مَدِينًا‏)‏ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لِوُجُوبِهِمَا بِالشُّرُوعِ ‏(‏وَلَيْسَ لِوَلِيٍّ سَفِيهٍ‏)‏ مُبَذِّرٍ ‏(‏بَالِغٍ‏)‏ مَنْعُهُ مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ ‏(‏وَعُمْرَتِهِ وَلَا تَحْلِيلُهُ‏)‏ مِنْ إحْرَامٍ بِأَحَدِهِمَا لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ ‏(‏وَيَدْفَعُ نَفَقَتَهُ إلَى ثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ‏)‏ يَقُومُ مَقَامَهُ ‏(‏وَيَتَحَلَّلُ‏)‏ سَفِيهٌ ‏(‏بِصَوْمٍ‏)‏ كَحُرٍّ مُعْسِرٍ ‏(‏إذَا أَحْرَمَ بِنَفْلٍ‏)‏ لِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالٍ ‏(‏إنْ زَادَتْ نَفَقَتُهُ ‏)‏ أَيْ السَّفَرِ ‏(‏عَلَى نَفَقَةِ الْإِقَامَةِ، وَلَمْ يَكْتَسِبْهَا‏)‏ السَّفِيهُ فِي سَفَرِهِ فَإِنْ كَانَتْ بِقَدْرِ نَفَقَةِ الْحَضَرِ - أَوْ زَادَتْ، وَكَانَ يَكْتَسِبُ الزَّائِدَ لَمْ يَحْلِلْ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ الشَّرْطُ الْخَامِسُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ

‏(‏الِاسْتِطَاعَةُ‏)‏ لِلْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ ‏(‏وَلَا تَبْطُلُ‏)‏ الِاسْتِطَاعَةُ ‏(‏بِجُنُونٍ‏)‏ وَلَوْ مُطْبِقًا، فَيَحُجُّ عَنْهُ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ الِاسْتِطَاعَةُ ‏(‏مِلْكُ زَادٍ يَحْتَاجُهُ‏)‏ فِي سَفَرِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَكِسْوَةٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مِلْكُ ‏(‏وِعَائِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ ‏(‏وَلَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهُ‏)‏ أَيْ الزَّادُ ‏(‏إنْ وَجَدَهُ‏)‏ بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ زَائِدًا يَسِيرًا ‏(‏بِالْمَنَازِلِ‏)‏ فِي طُرُقِ الْحَاجِّ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ‏(‏وَمِلْكُ رَاحِلَةٍ‏)‏ لِرُكُوبِهِ ‏(‏بِآلَتِهَا‏)‏ بِشِرَاءٍ ‏(‏أَوْ كِرَاءٍ يَصْلُحَانِ‏)‏ أَيْ الرَّاحِلَةُ وَآلَتُهَا ‏(‏لِمِثْلِهِ‏)‏ لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ الْحَسَنِ ‏{‏لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ‏{‏‏"‏ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا ‏"‏‏}‏ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السَّبِيلُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ‏}‏ وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا مَعْنَاهُ ‏(‏فِي مَسَافَةِ قَصْرٍ‏)‏ عَنْ مَكَّةَ، مُتَعَلِّقٌ بِمِلْكِ رَاحِلَةٍ وَ‏(‏لَا‏)‏ يُعْتَبَرُ مِلْكُ رَاحِلَةٍ ‏(‏فِي دُونِهَا‏)‏ أَيْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ عَنْ مَكَّةَ، لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ فِيهَا غَالِبًا وَلِأَنَّ مَشَقَّتَهَا يَسِيرَةٌ وَلَا يُخْشَى فِيهَا عَطَبٌ لَوْ انْقَطَعَ بِهَا، بِخِلَافِ الْبَعِيدَةِ ‏(‏إلَّا لِعَاجِزٍ‏)‏ عَنْ مَشْيٍ، كَشَيْخٍ كَبِيرٍ، فَيُعْتَبَرُ لَهُ مِلْكُ الرَّاحِلَةِ بِآلَتِهَا حَتَّى فِي دُونِهَا ‏(‏وَلَا يَلْزَمُهُ‏)‏ السَّيْرُ ‏(‏حَبْوًا وَلَوْ أَمْكَنَهُ‏)‏ وَأَمَّا الزَّادُ فَيُعْتَبَرُ، قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَلَكَ ‏(‏مَا يَقْدِرُ بِهِ‏)‏ مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ ‏(‏عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ بِآلَتَيْهِمَا فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ وَالْكَسْبُ بِالصَّنْعَةِ وَيُكْرَهُ لِمَنْ حِرْفَتُهُ الْمَسْأَلَةُ ‏(‏فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ مِنْ كُتُبِ‏)‏ عِلْمٍ فَإِنْ اسْتَغْنَى بِإِحْدَى نُسْخَتَيْنِ مِنْ كِتَابٍ بَاعَ الْأُخْرَى‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مِنْ ‏(‏مَسْكَنٍ‏)‏ لِمِثْلِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مِنْ ‏(‏خَادِمٍ‏)‏ لِنَفْسِهِ ‏(‏وَ‏)‏ عَنْ ‏(‏مَا لَا بُدَّ مِنْهُ‏)‏ مِنْ لِبَاسِ مِثْلِهِ وَغِطَاءٍ وَوِطَاءٍ وَأَوَانٍ وَنَحْوِهَا ‏(‏لَكِنْ إنْ فَضَلَ عَنْهُ‏)‏ الْمَسْكَنُ، أَوْ كَانَ الْخَادِمُ نَفِيسًا ‏(‏وَأَمْكَنَ بَيْعُهُ‏)‏ أَيْ الْمَسْكَنُ أَوْ الْخَادِمُ ‏(‏وَ‏)‏ أَمْكَنَ ‏(‏شِرَاءُ مَا يَكْفِيهِ وَيَفْضُلُ مَا يَحُجُّ بِهِ لَزِمَهُ‏)‏ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ مَا يَحُجُّ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ‏(‏وَ‏)‏ يُعْتَبَرُ كَوْنُ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ وَآلَتَيْهِمَا أَوْ ثَمَنُ ذَلِكَ فَاضِلًا عَنْ ‏(‏قَضَاءِ دَيْنٍ‏)‏ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ، لِتَضَرُّرِهِ بِبَقَائِهِ بِذِمَّتِهِ ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ ‏(‏مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ‏}‏ ‏(‏عَلَى الدَّوَامِ‏)‏ حَتَّى بَعْدَ رُجُوعِهِ ‏(‏عَنْ عَقَارٍ أَوْ بِضَاعَةٍ‏)‏ يَتَّجِرُ فِيهَا ‏(‏أَوْ صِنَاعَةٍ وَنَحْوهَا‏)‏ كَعَطَاءٍ مِنْ دِيوَانٍ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ لِتَضَرُّرِهِ بِإِنْفَاقِ مَا فِي يَدِهِ إذْنٌ ‏(‏وَلَا يَصِيرُ‏)‏ مَنْ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ ‏(‏مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ لَهُ‏)‏ مَا يَحْتَاجُهُ لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ، وَلَوْ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ لِلْمِنَّةِ كَبَذْلِ رَقَبَةٍ لِمُكَفِّرٍ، وَكَبَذْلِ إنْسَانٍ نَفْسَهُ لِيَحُجَّ عَنْ نَحْوِ مَرِيضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَلَيْسَ لَهُ مَا يَسْتَنِيبُ بِهِ ‏(‏وَمِنْهَا‏)‏ أَيْ الِاسْتِطَاعَةِ ‏(‏سَعَةُ وَقْتٍ‏)‏ بِأَنْ يَكُونَ مُتَّسِعًا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ وَالسَّيْرُ فِيهِ حَسَبَ الْعَادَةِ، لِعُذْرِ الْحَجِّ مَعَ ضِيقِ وَقْتِهِ فَلَوْ شَرَعَ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِهِ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ بَيَّنَّا عَدَمَ وُجُوبِهِ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ الِاسْتِطَاعَةِ ‏(‏وَ‏)‏ مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ ‏(‏أَمْنُ طَرِيقٍ يُمْكِنُ سُلُوكُهُ‏)‏ لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْحَجِّ مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ ضَرَرًا، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الطَّرِيقُ الْمُمْكِنُ سُلُوكُهُ ‏(‏بَحْرًا‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏لَا تَرْكَبُوا الْبَحْرَ إلَّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَعِيدٌ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ رُكُوبُهُ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ لِلتِّجَارَةِ فِيهِ حَتَّى بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ رُكُوبِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَغْلِبْ فِيهِ السَّلَامَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الطَّرِيقُ ‏(‏غَيْرَ مُعْتَادٍ‏)‏ لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنَّهُ مُشِقٌّ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبُ، كَبُعْدِ الْبَلَدِ جِدًّا وَيُشْتَرَطُ فِي الطَّرِيقِ إمْكَانُ سُلُوكِهِ ‏(‏بِلَا خِفَارَةٍ‏)‏ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سُلُوكُهُ إلَّا بِهَا لَمْ يَجِبْ وَلَوْ يَسِيرَةً فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، لِأَنَّهَا رِشْوَةٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْأَمْنُ بِبَذْلِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏يُوجَدَ فِيهِ الْمَاءُ وَالْعَلَفُ عَلَى الْمُعْتَادِ‏)‏ بِالْمَنَازِلِ فِي الْأَسْفَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كُلِّفَ بِحَمْلِ مَائِهِ وَعَلَفِ بَهَائِمِهِ فَوْقَ الْمُعْتَادِ مِنْ ذَلِكَ أَدَّى إلَى مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ فَإِنْ وَجَدَ عَلَى الْعَادَةِ وَلَوْ بِحَمْلٍ مِنْ مَنْهَلٍ إلَى آخَرَ أَوْ الْعَلَفِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ لَزِمَهُ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ ‏(‏دَلِيلٌ لِجَاهِلٍ‏)‏ طَرِيقَ مَكَّةَ ‏(‏وَ‏)‏ مِنْهَا ‏(‏قَائِدٌ لِأَعْمَى‏)‏ لِأَنَّ فِي إيجَابِهِ عَلَيْهِمَا بِلَا دَلِيلٍ وَقَائِدٍ‏:‏ ضَرَرًا عَظِيمًا وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا ‏(‏وَيَلْزَمُهُمَا‏)‏ أَيْ الْجَاهِلَ وَالْأَعْمَى ‏(‏أُجْرَةُ مِثْلِهِمَا‏)‏ أَيْ الدَّلِيلِ وَالْقَائِدِ لِتَمَامِ الْوَاجِبِ بِهِمَا ‏(‏فَمَنْ كَمُلَ لَهُ ذَلِكَ‏)‏ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ ‏(‏وَجَبَ السَّعْيُ عَلَيْهِ‏)‏ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ‏(‏فَوْرًا‏)‏ نَصًّا فَيَأْثَمُ إنْ أَخَّرَهُ بِلَا عُذْرٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْفَوْرِ وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ‏{‏تَعَجَّلُوا الْحَجَّ يَعْنِي الْفَرِيضَةَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَرْضُ الْعُمْرِ أَشْبَهَا الْإِيمَانَ وَأَمَّا تَأْخِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِعُذْرٍ، كَخَوْفِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ، أَوْ نَحْوِهِ ‏(‏وَ الْعَاجِزُ‏)‏ عَنْ سَعْيٍ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ‏(‏لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ‏)‏ لِنَحْوِ زَمَانَةٍ ‏(‏أَوْ لِثِقَلٍ‏)‏ بِحَيْثُ ‏(‏لَا يَقْدِرُ مَعَهُ‏)‏ أَيْ الثِّقَلِ عَلَى ‏(‏رُكُوبِ‏)‏ رَاحِلَةٍ وَلَوْ فِي مَحْمَلٍ ‏(‏إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ‏)‏ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ ‏(‏أَوْ لِكَوْنِهِ‏)‏ أَيْ وَاجِدِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَآلَتَيْهِمَا ‏(‏نِضْوَ الْخِلْقَةِ‏)‏ بِكَسْرِ النُّونِ ‏(‏لَا يَقْدِرُ ثُبُوتًا عَلَى رَاحِلَةٍ إلَّا بِمَشَقَّةٍ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ عَنْهُ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ شَيْخًا كَبِيرًا، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ حُجِّي عَنْهُ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعُلِمَ مِنْ الْخَبَرِ‏:‏ جَوَازُ نِيَابَةِ الْمَرْأَةِ عَنْ الرَّجُلِ فَعَكْسُهُ أَوْلَى ‏(‏فَوْرًا مِنْ بَلَدِهِ‏)‏ أَيْ الْعَاجِزِ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ وَيَكْفِي أَنْ يَنْوِيَ النَّائِبُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ لَفْظًا وَإِنْ نَسِيَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ نَوَى مَنْ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ لِيَحُجَّ عَنْهُ ‏(‏وَأَجْزَأَ‏)‏ فِعْلُ نَائِبٍ ‏(‏عَمَّنْ عُوفِيَ‏)‏ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أُبِيحَ لِأَجْلِهِ الِاسْتِنَابَةُ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ فَخَرَجَ مِنْ عُهْدَتِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْرَأْ وَالْمُعْتَبَرُ لِجَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ‏:‏ الْيَأْسُ ظَاهِرًا، وَسَوَاءٌ عُوفِيَ قَبْلَ فَرَاغِ نَائِبِهِ مِنْ النُّسُكِ أَوْ بَعْدَهُ وَ‏(‏لَا‏)‏ يُجْزِئُ مُسْتَنِيبًا إنْ عُوفِيَ ‏(‏قَبْلَ إحْرَامِ نَائِبِهِ‏)‏ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمُبْدَلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْبَدَلِ وَمَنْ يُرْجَى بُرْؤُهُ لَا يَسْتَنِيبُ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِئْهُ ‏(‏وَيَسْقُطَانِ‏)‏ أَيْ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ‏(‏عَمَّنْ يَجِدُ نَائِبًا‏)‏ مَعَ عَجْزِهِ عَنْهُمَا لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ بِنَفْسِهِ، وَنَائِبِهِ ‏(‏وَمَنْ لَزِمَهُ‏)‏ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ بِأَصْلِ الشَّرْعِ أَوْ إيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ ‏(‏فَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ وَلَوْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ‏)‏ مِنْ فِعْلِهِ، لِنَحْوِ حَبْسٍ أَوْ أَسْرٍ أَوْ عِدَّةٍ‏:‏ وَكَانَ اسْتَطَاعَ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ، وَخَلَّفَ مَالًا ‏(‏أُخْرِجَ عَنْهُ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ حِجَّةً وَعُمْرَةً‏)‏ أَيْ مَا يُفْعَلَانِ بِهِ ‏(‏مِنْ حَيْثُ وَجَبَا‏)‏ أَيْ بَلَدِ الْمَيِّتِ نَصًّا لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ، أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ‏؟‏ اقْضُوا اللَّهَ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ‏}‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ‏(‏وَيُجْزِئُ‏)‏ أَنْ يُسْتَنَابَ عَنْ مَعْضُوبٍ، أَوْ مَيِّتٍ لَهُ وَطَنَانِ ‏(‏مِنْ أَقْرَبِ وَطَنَيْهِ‏)‏ لِتَخْيِيرِ الْمَنُوبِ عَنْهُ لَوْ أَدَّى بِنَفْسِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُجْزِئُ أَنْ يُسْتَنَابَ عَنْهُ ‏(‏مِنْ خَارِجِ بَلَدِهِ إلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ‏)‏ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ ‏(‏وَيَسْقُطُ‏)‏ حَجٌّ عَمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَهُ ‏(‏بِحَجِّ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ‏)‏ بِدُونِ مَالٍ وَدُونِ إذْنِ وَارِثٍ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ وَكَذَا عُمْرَةٌ وَ‏(‏لَا‏)‏ يَسْقُطُ حَجٌّ ‏(‏عَنْ‏)‏ مَعْضُوبٍ ‏(‏حَيٍّ بِلَا إذْنِهِ‏)‏ وَلَوْ مَعْذُورًا كَدَفْعِ زَكَاةِ مَالِ حَيٍّ عَنْهُ بِلَا إذْنِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ ‏(‏وَيَقَعُ‏)‏ حَجُّ مَنْ حَجَّ عَنْ حَيٍّ بِلَا إذْنِهِ ‏(‏عَنْ نَفْسِهِ‏)‏ أَيْ الْحَاجِّ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْحَجُّ ‏(‏نَفْلًا‏)‏ عَنْ مَحْجُوجٍ عَنْهُ بِلَا إذْنٍ، لَكِنَّ قِيَاسَ مَا سَبَقَ آخِرَ الْجَنَائِزِ‏:‏ يَصِحُّ جَعْلُ ثَوَابِهِ لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ ‏(‏وَ‏)‏ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ نُسُكٌ وَمَاتَ قَبْلَهُ، وَ‏(‏ضَاقَ مَالُهُ‏)‏ عَنْ أَدَائِهِ مِنْ بَلَدِهِ اُسْتُنِيبَ بِهِ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ ‏(‏أَوْ لَزِمَهُ دَيْنٌ‏)‏ وَعَلَيْهِ حَجٌّ وَضَاقَ مَالُهُ عَنْهُمَا ‏(‏أَخَذَ‏)‏ مِنْ مَالِهِ ‏(‏لِحَجٍّ بِحِصَّتِهِ‏)‏ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ‏(‏وَحَجَّ بِهِ‏)‏ أَيْ بِمَا أَخَذَ لِلْحَجِّ ‏(‏مِنْ حَيْثُ بَلَغَ‏)‏ لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ‏(‏وَإِنْ مَاتَ‏)‏ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَجٌّ بِطَرِيقِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَاتَ ‏(‏نَائِبُهُ بِطَرِيقِهِ حَجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ‏)‏ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ لِأَنَّ الِاسْتِنَابَةَ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَالْمَنُوبُ عَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى وَطَنِهِ، ثُمَّ الْعَوْدُ لِلْحَجِّ مِنْهُ فَيُسْتَنَابُ عَنْهُ ‏(‏فِيمَا بَقِيَ‏)‏ نَصًّا ‏(‏مَسَافَةً وَقَوْلًا وَفِعْلًا‏)‏ لِوُقُوعِ مَا فَعَلَهُ قَبْلَ مَوْقِعِهِ وَأَجْزَأَهُ ‏(‏وَإِنْ صَدَّ‏)‏ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَجٌّ أَوْ نَائِبُهُ بِطَرِيقٍ ‏(‏فَعَلَ مَا بَقِيَ‏)‏ مَسَافَةً وَفِعْلًا وَقَوْلًا لِأَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ الْوَاجِبِ ‏(‏وَإِنْ وَصَّى‏)‏ شَخْصٌ ‏(‏بِ‏)‏ نُسُكٍ ‏(‏نَفْلٍ وَأَطْلَقَ‏)‏ فَلَمْ يَقُلْ‏:‏ مِنْ مَحَلِّ كَذَا ‏(‏جَازَ‏)‏ أَنْ يَفْعَلَ عَنْهُ ‏(‏مِنْ مِيقَاتِهِ‏)‏ أَيْ مِيقَاتِ بَلَدِ الْمُوصَى نَصًّا ‏(‏مَا لَمْ تَمْنَعْ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏قَرِينَةٌ‏)‏ كَجَعْلِ مَالٍ يُمْكِنُ الْحَجُّ بِهِ مِنْ بَلَدِهِ فَيُسْتَنَابُ بِهِ مِنْهُ، كَحَجٍّ وَجَبَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَفِ ثُلُثُهُ بِحَجٍّ مِنْ مَحَلِّ وَصِيَّتِهِ حَجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ، أَوْ يُعَانُ بِهِ فِي الْحَجِّ نَصًّا ‏(‏وَلَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ‏)‏ وَكَذَا مَنْ عَلَيْهِ حَجُّ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ ‏(‏حَجٌّ عَنْ‏)‏ فَرْضِ ‏(‏غَيْرِهِ، وَلَا عَنْ نَذْرِهِ، وَلَا‏)‏ عَنْ ‏(‏نَافِلَتِهِ‏)‏ حَيًّا كَانَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ أَوْ مَيِّتًا ‏(‏فَإِنْ فَعَلَ‏)‏ أَيْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ نَفْسِهِ ‏(‏انْصَرَفَ إلَى حِجَّةِ الْإِسْلَامِ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ‏:‏ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ قَالَ‏:‏ حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا قَالَ‏:‏ حُجَّ عَنْ نَفْسِك ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ‏:‏ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ ‏{‏حُجَّ عَنْ نَفْسِك‏}‏ أَيْ اسْتَدِمْهُ عَنْ نَفْسِك كَقَوْلِك لِلْمُؤْمِنِ‏:‏ آمِنْ، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ فِيهِمَا ضَعْفٌ ‏{‏هَذِهِ عَنْك وَحُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ‏}‏ وَكَذَا حُكْمُ مَنْ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ وَمَنْ أَدَّى أَحَدَ النُّسُكَيْنِ فَقَطْ صَحَّ أَنْ يَنُوبَ فِيهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْآخَرِ وَأَنْ يَفْعَلَ نَذْرَهُ وَنَفْلَهُ ‏(‏وَلَوْ أَحْرَمَ بِنَذْرِ‏)‏ حَجٍّ ‏(‏أَوْ نَفْلٍ مَنْ عَلَيْهِ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ وَقَعَ‏)‏ حَجُّهُ ‏(‏عَنْهَا‏)‏ دُونَ النَّذْرِ وَالنَّفَلِ نَصًّا لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَتَبْقَى الْمَنْذُورَةُ فِي ذِمَّتِهِ وَكَذَا عُمْرَةٌ ‏(‏وَالنَّائِبُ كَالْمَنُوبِ عَنْهُ‏)‏ فَلَوْ أَحْرَمَ بِنَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ عَمَّنْ عَلَيْهِ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ وَقَعَ حَجُّهُ عَنْهَا وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حِجَّةُ قَضَاءٍ، وَأَحْرَمَ بِنَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ وَقَعَ عَنْ الْقَضَاءِ دُونَ مَا نَوَاهُ ‏(‏وَيَصِحُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ مَعْضُوبٍ‏)‏ وَاحِدٌ فِي فَرْضِهِ وَآخَرُ فِي نَذْرِهِ فِي عَامٍ وَالْمَعْضُوبُ‏:‏ الْعَاجِزُ عَنْ الْحَجِّ لِكِبَرٍ أَوْ نَحْوه مِنْ الْعَضْبِ بِمُهْمَلَةٍ فَمُعْجَمَةٍ وَهُوَ الْقَطْعُ، كَأَنَّهُ قُطِعَ عَنْ كَمَالِ الْحَرَكَةِ وَالتَّصَرُّفِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ ‏(‏مَيِّتٍ وَاحِدٌ فِي فَرْضِهِ وَآخَرُ فِي نَذْرِهِ فِي عَامٍ‏)‏ وَاحِدٍ لِأَنَّ كُلًّا عِبَادَةٌ مُفْرَدَةٌ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ نَوْعُهُمَا ‏(‏وَأَيُّهُمَا‏)‏ أَيْ النَّائِبَيْنِ ‏(‏أَحْرَمَ أَوَّلًا‏)‏ قَبْلَ الْآخَرِ ‏(‏فَعَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ‏)‏ الْحِجَّةُ ‏(‏الْأُخْرَى‏)‏ الَّتِي تَأَخَّرَ إحْرَامُ نَائِبِهَا ‏(‏عَنْ نَذْرِهِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ‏)‏ أَيْ الثَّانِي عَنْ النَّذْرِ لِأَنَّ الْحَجَّ يُعْفَى فِيهِ عَنْ التَّعْيِينِ ابْتِدَاء لِانْعِقَادِهِ مُبْهَمًا ثُمَّ يُعَيَّنُ، وَالْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ كَالْحَجِّ ‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏أَنْ يَجْعَلَ قَارِنٌ‏)‏ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهَا ثُمَّ بِهِ عَلَى مَا يَأْتِي ‏(‏الْحَجَّ عَنْ شَخْصٍ‏)‏ اسْتَنَابَهُ فِي الْحَجِّ ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ يَجْعَلَ ‏(‏الْعُمْرَةَ عَنْ‏)‏ شَخْصٍ ‏(‏آخَرَ‏)‏ اسْتَنَابَهُ فِيهَا ‏(‏بِإِذْنِهِمَا‏)‏ أَيْ الشَّخْصَيْنِ لِأَنَّ الْقِرَانَ نُسُكٌ مَشْرُوعٌ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنَا وَقَعَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ لِلنَّائِبِ، وَرَدَّ لَهُمَا مَا أَخَذَهُ مِنْهُمَا، كَمَنْ أُمِرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ أَوْ عَكْسِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ‏:‏ يَقَعُ عَنْهُمَا وَيَرُدُّ مِنْ نَفَقَةِ كُلٍّ نِصْفَهَا فَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا رَدَّ عَلَى غَيْرِ الْآذَنِ نِصْفَ نَفَقَتِهِ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي صِفَتِهِ فَإِنْ أُمِرَ بِتَمَتُّعٍ فَقَرَنَ وَجَعَلَ النُّسُكَ الْآخَرَ لِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ وَدَمُ الْقِرَانِ عَلَى النَّائِبِ، إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ فَإِنْ أَذِنَا فَعَلَيْهِمَا وَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ نِصْفُهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏أَنْ يَسْتَنِيبَ قَادِرٌ‏)‏ عَلَى حَجٍّ ‏(‏وَغَيْرُهُ‏)‏ أَيْ غَيْرُ الْقَادِرِ عَلَيْهِ ‏(‏فِي نَفْلِ حَجٍّ، وَ‏)‏ فِي ‏(‏فَرْضِهِ‏)‏ كَالصَّدَقَةِ، وَكَذَا عُمْرَةٌ، وَيَصِحُّ نُسُكُ نَفْلٍ عَنْ مَيِّتٍ وَيَقَعُ عَنْهُ وَكَانَ مُهْدِيًا إلَيْهِ ثَوَابَهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ وَيُقَدِّمُ أُمَّهُ، لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالْبِرِّ، وَيُقَدِّمُ وَاجِبَ أَبِيهِ عَلَى نَفْلِهَا نَصًّا ‏(‏وَالنَّائِبُ‏)‏ فِي فِعْلِ نُسُكٍ ‏(‏أَمِينٌ فِيمَا أُعْطِيهِ‏)‏ مِنْ مَالٍ ‏(‏لِيَحُجَّ مِنْهُ‏)‏ أَوْ يَعْتَمِرَ فَيَرْكَبُ، وَيُنْفِقُ مِنْهُ بِمَعْرُوفٍ ‏(‏وَيَضْمَنُ‏)‏ نَائِبٌ ‏(‏مَا زَادَ‏)‏ أَيْ أَنْفَقَهُ زَائِدًا ‏(‏عَلَى نَفَقَةِ الْمَعْرُوفِ أَوْ‏)‏ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ ‏(‏طَرِيقٍ أَقْرَبَ‏)‏ مِنْ الطَّرِيقِ الْبَعِيدِ إذَا سَلَكَهُ ‏(‏بِلَا ضَرَرٍ‏)‏ فِي مَسْلُوكٍ أَقْرَبَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ عَلَيْهِ ‏(‏أَنْ يَرُدَّ مَا فَضَلَ‏)‏ عَنْ نَفَقَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ لَهُ الْمُسْتَنِيبُ وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ النَّفَقَةَ مِنْهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ لَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ مَاتَ مُسْتَنِيبٌ أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ وَضَمِنَ مَا أَنْفَقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَيَتَوَجَّهُ‏:‏ لَا لِلُّزُومِ مَا أُذِنَ فِيهِ، وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ‏:‏ فِي‏:‏ حُجَّ عَنِّي بِهَذَا، فَمَا فَضَلَ فَهُوَ لَك‏:‏ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ تِجَارَةً قَبْلَ حَجِّهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُحْسَبُ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ النَّائِبِ ‏(‏نَفَقَةُ رُجُوعِهِ‏)‏ بَعْدَ أَدَاءِ النُّسُكِ، إلَّا أَنْ يَتَّخِذَهَا دَارًا، وَلَوْ سَاعَةً فَلَا لِسُقُوطِهَا فَلَمْ تَعُدْ اتِّفَاقًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُحْسَبُ لَهُ نَفَقَةُ ‏(‏خَادِمِهِ إنْ لَمْ يَخْدِمْ نَفْسَهُ مِثْلُهُ‏)‏ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَإِنْ مَاتَ، أَوْ ضَلَّ، أَوْ صُدَّ، أَوْ مَرِضَ، أَوْ تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ أَوْ أَعْوَزَ بَعْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَيُصَدَّقُ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَمْرًا ظَاهِرًا، فَبَيِّنَةٌ قَالَ‏:‏ وَيَتَوَجَّهُ لَهُ صَرْفُ نَقْدٍ بِآخَرَ لِمَصْلَحَتِهِ، وَشِرَاءُ مَاءٍ لِطَهَارَتِهِ وَتَدَاوٍ وَدُخُولِ حَمَّامٍ ‏(‏وَيَرْجِعُ‏)‏ نَائِبٌ ‏(‏بِمَا اسْتَدَانَهُ لِعُذْرٍ‏)‏ عَلَى مُسْتَنِيبِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَرْجِعُ ‏(‏بِمَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ بِنِيَّةِ رُجُوعٍ‏)‏ وَظَاهِرُهُ‏:‏ وَلَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ حَاكِمًا لِأَنَّهُ قَامَ عَنْهُ بِوَاجِبٍ ‏(‏وَمَا لَزِمَ نَائِبًا بِمُخَالَفَتِهِ‏)‏ كَفِعْلٍ مَحْظُورٍ ‏(‏ضَمِنَهُ‏)‏ أَيْ النَّائِبُ لِأَنَّهُ بِجِنَايَتِهِ وَكَذَا نَفَقَةُ نُسُكٍ فَسَدَ، وَقَضَائِهِ وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ؛ لِأَنَّ النُّسُكَ لَمْ يَقَعْ عَلَى مُسْتَنِيبِهِ لِجِنَايَتِهِ وَتَفْرِيطِهِ وَدَمُ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ عَلَى مُسْتَنِيبٍ بِإِذْنٍ، وَشَرْطُ أَحَدِهِمَا الدَّمَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عَلَى الْآخَرِ لَا يَصِحُّ كَشَرْطِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏أحكام حج المرأة‏]‏

وَشُرِطَ لِوُجُوبِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ ‏(‏عَلَى أُنْثَى‏:‏ مَحْرَمٌ‏)‏ نَصًّا قَالَ‏:‏ الْمَحْرَمُ مِنْ السَّبِيلِ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ لَمْ يَلْزَمْهَا الْحَجُّ بِنَفْسِهَا وَلَا بِنَائِبِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ نَصًّا وَلَا بَيْنَ طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ‏:‏ اُخْرُجْ مَعَهَا‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ‏.‏

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا قَالَ‏:‏ انْطَلَقَ فَحُجَّ مَعَهَا‏}‏ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَجِّ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِلْهُ عَنْ حَجِّهَا وَلَوْ اخْتَلَفَ لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَفِي ‏(‏أَيِّ مَوْضِعٍ اُعْتُبِرَ‏)‏ الْمَحْرَمُ ‏(‏فَلِمَنْ لِعَوْرَتِهَا حُكْمٌ، وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ‏)‏ لِأَنَّهَا الَّتِي يُخَافُ أَنْ يَنَالَهَا الرِّجَالُ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْمَحْرَمُ الْمُعْتَبَرُ لِوُجُوبِ النُّسُكِ وَجَوَازِ السَّفَرِ ‏(‏زَوْجٌ‏)‏ وَسُمِّيَ مَحْرَمًا مَعَ حِلِّهَا لَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ صِيَانَتِهَا وَحِفْظِهَا بِهِ مَعَ إبَاحَةِ الْخَلْوَةِ بِهَا ‏(‏أَوْ ذَكَرٌ‏)‏ فَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ لَيْسَ مَحْرَمًا ‏(‏مُسْلِمٌ‏)‏ فَأَبٌ وَنَحْوُهُ كَافِرٌ، لَيْسَ مَحْرَمًا لِمُسْلِمَةٍ نَصًّا لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا كَالْحَضَانَةِ خُصُوصًا الْمَجُوسِيُّ يَعْتَقِدُ حِلَّهَا ‏(‏مُكَلَّفٌ‏)‏ فَلَا مَحْرَمِيَّةَ لِصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ ‏(‏تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا‏)‏ فَالْعَبْدُ لَيْسَ مَحْرَمًا لِسَيِّدَتِهِ نَصًّا لِأَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا وَكَذَا زَوْجُ أُخْتِهَا وَنَحْوه ‏(‏لِحُرْمَتِهَا‏)‏ فَلَيْسَ مُلَاعَنٌ مَحْرَمًا لِلْمُلَاعَنَةِ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ أَبَدًا تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ ‏(‏ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ‏)‏ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، بِخِلَافِ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَزِنًا لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ نِعْمَةٌ فَاعْتُبِرَ إبَاحَةُ سَبَبِهَا، كَسَائِرِ الرُّخَصِ ‏(‏سِوَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ فَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فِي التَّحْرِيمِ دُونَ الْمَحْرَمِيَّةِ ‏(‏أَوْ بِنَسَبٍ‏)‏ كَابْنِهِ وَبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ وَخَالَتِهِ وَ‏(‏نَفَقَتُهُ‏)‏ أَيْ الْمَحْرَمِ زَمَنَ سَفَرِهِ مَعَهَا لِأَدَاءِ نُسُكِهَا ‏(‏عَلَيْهَا‏)‏ أَيْ الْمَرْأَةِ ‏(‏لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِهَا فَيُشْتَرَطُ لَهَا‏)‏ أَيْ لِوُجُوبِ النُّسُكِ عَلَيْهَا ‏(‏مِلْكُ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ‏)‏ بِآلَتِهِمَا ‏(‏لَهُمَا‏)‏ أَيْ لِلْمَرْأَةِ وَمَحْرَمِهَا؛ وَأَنْ تَكُونَ الرَّاحِلَةُ وَآلَتِهَا صَالِحِينَ لَهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ لَمْ تَمْلِكْ ذَلِكَ لَهُمَا لَمْ يَلْزَمْهَا ‏(‏وَلَا يَلْزَمُهُ‏)‏ أَيْ الْمَحْرَمَ ‏(‏مَعَ بَذْلِهَا ذَلِكَ‏)‏ أَيْ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ لَهُ وَمَا يَحْتَاجُهُ ‏(‏سَفَرُهُ مَعَهَا‏)‏ لِلْمَشَقَّةِ، كَحَجِّهِ عَنْ نَحْو كَبِيرَةٍ عَاجِزَةٍ وَأَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا سَبَقَ الزَّوْجَ بِسَفَرِهِ مَعَهَا إمَّا بَعْدَ الْحَظْرِ، أَوْ أَمْرُ تَخْيِيرٍ لِعِلْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يُعْجِبُهُ السَّفَرُ مَعَهَا ‏(‏وَتَكُونُ‏)‏ إنْ امْتَنَعَ مَحْرَمُهَا مِنْ سَفَرٍ مَعَهَا ‏(‏كَمَنْ لَا مَحْرَمَ لَهَا‏)‏ فَلَا وُجُوبَ عَلَيْهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَلْزَمُهَا أُجْرَتُهُ‏.‏

وَفِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَجِبَ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فَقَطْ لَا النَّفَقَةُ، كَقَائِدِ الْأَعْمَى وَلَا دَلِيلَ يَخُصُّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ ‏(‏وَمَنْ أَيِسَتْ مِنْهُ‏)‏ أَيْ الْمَحْرَمِ ‏(‏اسْتَنَابَتْ‏)‏ مَنْ يَفْعَلُ النُّسُكَ عَنْهَا، كَكَبِيرٍ عَاجِزٍ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدُ فَحُكْمُهَا كَالْمَعْضُوبِ وَالْمُرَادُ أَيِسَتْ بَعْدَ أَنْ وَجَدَتْ الْمَحْرَمَ وَفَرَّطَتْ بِالتَّأْخِيرِ حَتَّى فُقِدَ؛ لِمَا قَدَّمَاهُ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ ‏(‏وَإِنْ حَجَّتْ امْرَأَةٌ بِدُونِهِ‏)‏ أَيْ الْمَحْرَمِ ‏(‏حَرُمَ‏)‏ سَفَرُهَا بِدُونِهِ ‏(‏وَأَجْزَأَهَا‏)‏ حَجُّهَا كَمَنْ حَجَّ وَتَرَكَ حَقًّا يَلْزَمُهُ مِنْ نَحْوِ دَيْنٍ قُلْت‏:‏ فَلَا تَتَرَخَّصُ ‏(‏وَإِنْ مَاتَ‏)‏ مَحْرَمٌ سَافَرَتْ ‏(‏مَعَهُ بِالطَّرِيقِ مَضَتْ فِي حَجِّهَا‏)‏ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَفِيدُ بِرُجُوعِهَا شَيْئًا لِأَنَّهُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ ‏(‏وَلَمْ تَصِرْ مُحْصَرَةً‏)‏ إذْ لَا تَسْتَفِيدُ بِالتَّحَلُّلِ زَوَالَ مَا بِهَا كَالْمَرِيضِ وَيَصِحُّ حَجُّ مَغْصُوبٍ وَأَجِيرِ خِدْمَةٍ بِأُجْرَةٍ وَدُونِهَا وَتَاجِرٍ وَلَا إثْمَ نَصًّا قَالَ فِي الْفُصُولِ وَالْمُنْتَخَبِ‏:‏ وَالثَّوَابُ بِحَسَبِ الْإِخْلَاصِ قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَكَ تِجَارَةٌ كَانَ أَخْلَصَ‏.‏

بَابُ‏:‏ الْمَوَاقِيتِ

جَمْعُ مِيقَاتٍ وَهُوَ لُغَةً الْحَدُّ، وَعُرْفًا ‏(‏مَوَاضِعُ وَأَزْمِنَةٌ مُعَيَّنَةٌ لِعِبَادَةٍ مَخْصُوصَةٍ‏)‏ مِنْ حَجٍّ وَغَيْرِهِ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ‏(‏فَمِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ‏:‏ ذُو الْحُلَيْفَةِ‏)‏ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ عَشْرُ مَرَاحِلَ وَتُعْرَفُ الْآنَ بِأَبْيَارِ عَلِيٍّ ‏(‏وَ‏)‏ مِيقَاتُ ‏(‏أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ‏:‏ الْجُحْفَةُ‏)‏ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ خَرِبَةٌ قُرْبَ رَابِغَ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ لِمَكَّةَ تُعْرَفُ الْآنَ بِالْمَقَابِرِ كَانَ اسْمُهَا مَهْيَعَةَ؛ فَجَحَفَ السَّيْلُ بِأَهْلِهَا فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ وَتَلِي ذَا الْحُلَيْفَةِ فِي الْبُعْدِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَمَانِ مَرَاحِلِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ أَوْ أَرْبَعَةٌ وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ رَابِغٍ فَقَدْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ بِيَسِيرٍ ‏(‏وَ‏)‏ مِيقَاتُ أَهْلِ ‏(‏الْيَمَنِ‏:‏ يَلَمْلَمُ‏)‏ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ ثَلَاثُونَ مِيلًا قَالَهُ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ‏(‏وَ‏)‏ مِيقَاتُ أَهْلِ ‏(‏نَجْدٍ الْحِجَازُ، وَأَهْلُ الطَّائِفِ‏:‏ قَرْنُ‏)‏ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَيُقَالُ لَهُ‏:‏ قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَقَرْنُ الثَّعَالِبِ، عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ مَكَّةَ ‏(‏وَ‏)‏ مِيقَاتُ أَهْلِ ‏(‏الْمَشْرِقِ‏)‏ أَيْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَبَاقِي الشَّرْقِ ‏(‏ذَاتُ عِرْقٍ‏)‏ مَنْزِلٌ مَعْرُوفٌ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِعِرْقٍ فِيهِ أَيْ جَبَلٍ صَغِيرٍ أَوْ أَرْضٍ سَبْخَةٍ تُنْبِتُ الطَّرْفَاءَ ‏(‏هَذِهِ لِأَهْلِهَا‏)‏ الْمَذْكُورِينَ ‏(‏وَلِمَنْ مَرَّ عَلَيْهَا‏)‏ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا كَالشَّامِيِّ يَمُرُّ بِالْمَدِينَةِ ‏(‏وَمَنْ مَنْزِلُهُ دُونَهَا‏)‏ أَيْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ كَأَهْلِ عُسْفَانَ ‏(‏فَمِيقَاتُهُ مِنْهُ‏)‏ أَيْ مِنْ مَنْزِلِهِ ‏(‏لِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَكَذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ عَائِشَةَ‏:‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ جَابِرٍ نَحْوه مَرْفُوعًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ ‏(‏وَيُحْرِمُ مَنْ بِمَكَّةَ لِحَجٍّ مِنْهَا‏)‏ أَيْ مَكَّةَ لِلْخَبَرِ ‏(‏وَيَصِحُّ‏)‏ أَنْ يُحْرِمَ مَنْ بِمَكَّةَ لِحَجٍّ ‏(‏مِنْ الْحِلِّ‏)‏ كَعَرَفَةَ ‏(‏وَلَا دَمَ عَلَيْهِ‏)‏ كَمَا لَوْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ وَكَالْعُمْرَةِ ‏(‏وَ‏)‏ يُحْرِمُ مَنْ بِمَكَّةَ ‏(‏لِعُمْرَةٍ مِنْ الْحِلِّ‏)‏ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ ‏{‏أَنْ يُعْمِرَ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ أَفَعَالَ الْعُمْرَةِ كُلَّهَا فِي الْحَرَمِ فَلَمْ يَكُنْ بُدَّ مِنْ الْحِلِّ لِيَجْمَعَ فِي إحْرَامِهِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إلَى عَرَفَةَ فَيَحْصُلُ الْجَمْعَ ‏(‏وَيَصِحُّ‏)‏ إحْرَامُهُ لِعُمْرَةٍ ‏(‏مِنْ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ‏)‏ أَيْ مَنْ أَحْرَمَ لِعُمْرَةٍ مِنْ مَكَّةَ ‏(‏دَمٌ‏)‏ لِتَرْكِهِ وَاجِبًا كَمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتًا بِلَا إحْرَامٍ ‏(‏وَتُجْزِئُهُ‏)‏ عُمْرَةٌ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ مَكَّةَ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْحِلِّ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّتِهَا وَكَالْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ قَبْلَ إحْلَالٍ مِنْهَا ‏(‏وَمَنْ لَمْ يَمُرَّ بِمِيقَاتٍ‏)‏ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ ‏(‏أَحْرَمَ‏)‏ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وُجُوبًا ‏(‏إذَا عَلِمَ أَنَّهُ حَاذَى أَقْرَبَهَا‏)‏ أَيْ الْمَوَاقِيتِ ‏(‏مِنْهُ‏)‏ لِقَوْلِ عُمَرَ ‏"‏ اُنْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ ‏"‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ‏(‏وَسُنَّ لَهُ أَنْ يَحْتَاطَ‏)‏ لِيَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَذْوَ الْمِيقَاتِ أَحْرَمَ مِنْ بَعْدُ؛ إذْ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ جَائِزٌ وَتَأْخِيرُهُ عَنْهُ حَرَامٌ ‏(‏وَإِذَا تَسَاوَيَا‏)‏ أَيْ الْمِيقَاتَانِ ‏(‏قُرْبًا‏)‏ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ ‏(‏مِنْ أَبْعَدِهِمَا‏)‏ مِنْ مَكَّةَ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَإِذَا لَمْ يُحَاذِ مِيقَاتًا‏)‏ كَاَلَّذِي يَجِيءُ مِنْ سَوَاكِنَ إلَى جُدَّةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمُرَّ بِرَابِغٍ وَلَا يَلَمْلَمُ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ أَمَامَهُ، فَيَصِلُ جُدَّةَ قَبْلَ مُحَاذَاتِهِمَا ‏(‏أَحْرَمَ عَنْ مَكَّةَ بِقَدْرِ مَرْحَلَتَيْنِ‏)‏ فَيُحْرِمُ فِي الْمِثَالِ مِنْ جُدَّةَ لِأَنَّهَا عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْمَوَاقِيتِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏تجاوز الميقات بلا إحرام‏]‏

وَلَا يَحِلُّ لِمُكَلَّفٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ أَرَادَ مَكَّةَ نَصًّا أَوْ أَرَادَ الْحَرَمَ أَوْ أَرَادَ نُسُكًا ‏(‏تَجَاوُزُ مِيقَاتٍ بِلَا إحْرَامٍ‏)‏ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ الْمَوَاقِيتَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ تَجَاوَزَ مِيقَاتًا بِلَا إحْرَامٍ وَعُلِمَ مِنْهُ‏:‏ أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِحْرَامُ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ وَآخِرِهِ لَكِنَّ أَوَّلَهُ أَوْلَى ‏(‏إلَّا‏)‏ إنْ تَجَاوَزَهُ ‏(‏لِقِتَالٍ مُبَاحٍ‏)‏ لِدُخُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ مُحْرِمًا ذَلِكَ الْيَوْمَ ‏(‏أَوْ لِخَوْفٍ أَوْ حَاجَةٍ تَتَكَرَّرُ كَحَطَّابٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَنَاقِلِ مِيرَةٍ وَحَشَّاشٍ فَلَهُمْ الدُّخُولُ بِلَا إحْرَامٍ لِمَا رَوَى حَرْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏"‏ لَا يَدْخُلُ إنْسَانٌ مَكَّةَ إلَّا مُحْرِمًا إلَّا الْحَمَّالِينَ وَالْحَطَّابِينَ وَأَصْحَابَ مَنَافِعِهَا ‏"‏ احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ ‏(‏وَكَمَكِّيٍّ يَتَرَدَّدُ لِقَرْيَتِهِ بِالْحِلِّ‏)‏ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ وَالضَّرَرِ، لِتَكَرُّرِهِ‏.‏

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ‏:‏ وَكَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِي حَقِّ قِيمَةٍ لِلْمَشَقَّةِ ‏(‏ثُمَّ إنْ بَدَا لَهُ‏)‏ أَيْ لِمَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ مِنْ أُولَئِكَ أَنْ يُحْرِمَ ‏(‏أَوْ بَدَا لِمَنْ لَمْ يَرِدْ الْحَرَمَ‏)‏ كَقَاصِدِ عُسْفَانَ وَنَحْوِهِ ‏(‏أَنْ يُحْرِمَ‏)‏ فَمِنْ مَوْضِعِهِ ‏(‏أَوْ لَزِمَ‏)‏ الْإِحْرَامُ ‏(‏مَنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ كَافِرًا أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ أَوْ رَقِيقًا‏)‏ بِأَنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ وَكُلِّفَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَعَتَقَ رَقِيقٌ، أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ ‏(‏أَوْ تَجَاوَزَهَا‏)‏ أَيْ الْمَوَاقِيتَ ‏(‏غَيْرَ قَاصِدٍ مَكَّةَ ثُمَّ بَدَا لَهُ قَصْدُهَا فَمِنْ مَوْضِعِهِ‏)‏ يَحْرُمُ لِأَنَّهُ حَصَلَ دُونَ الْمِيقَاتِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ فَأَشْبَهَ أَهْلَ ذَلِكَ الْمَكَانِ ‏(‏وَلَا دَمَ عَلَيْهِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ حَالَ وُجُوبِ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ‏(‏وَأُبِيحَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ دُخُولُ مَكَّةَ مُحِلِّينَ سَاعَةً‏)‏ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ ‏(‏وَهِيَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ لَا قَطْعَ شَجَرٍ‏)‏ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ ‏{‏إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا‏:‏ إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا كَحُرْمَتِهَا فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الْغَائِبَ‏}‏ ‏(‏وَمَنْ تَجَاوَزَهُ‏)‏ أَيْ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ ‏(‏يُرِيدُ نُسُكًا‏)‏ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا ‏(‏أَوْ كَانَ‏)‏ النُّسُكُ ‏(‏فَرْضَهُ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏جَاهِلًا‏)‏ أَنَّهُ الْمِيقَاتُ أَوْ حُكْمُهُ ‏(‏أَوْ نَاسِيًا لَزِمَهُ أَنْ يَرْجِعَ‏)‏ إلَى الْمِيقَاتِ ‏(‏فَيُحْرِمَ مِنْهُ‏)‏ حَيْثُ أَمْكَنَ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ ‏(‏إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ حَجٍّ أَوْ غَيْرِهِ‏)‏ كَعَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ لِصًّا أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ خَافَ لَمْ يَلْزَمْهُ رُجُوعٌ وَيُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ ‏(‏وَيَلْزَمُهُ إنْ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ دَمٌ‏)‏ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ‏}‏ وَقَدْ تَرَكَ وَاجِبًا وَسَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏وَلَا يَسْقُطُ‏)‏ الدَّمُ ‏(‏إنْ أَفْسَدَهُ‏)‏ أَيْ النُّسُكُ نَصًّا لِأَنَّهُ كَالصَّحِيحِ ‏(‏أَوْ رَجَعَ‏)‏ إلَى الْمِيقَاتِ بَعْدَ إحْرَامِهِ نَصًّا كَدَمٍ مَحْظُورٍ ‏(‏وَكُرِهَ إحْرَامٌ‏)‏ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ‏(‏قَبْلَ مِيقَاتٍ‏)‏ وَيَنْعَقِدُ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، أَحْرَمَ مِنْ مِصْرِهِ فَبَلَغَ عُمَرَ فَغَضِبَ، وَقَالَ‏:‏ يَتَسَامَعُ النَّاسُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنْ مِصْرِهِ ‏"‏ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ‏:‏ كَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ كَرْمَانِ وَلِحَدِيثِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا ‏{‏يَسْتَمْتِعُ أَحَدُكُمْ بِحِلِّهِ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ فِي إحْرَامِهِ‏}‏ ‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ إحْرَامٌ ‏(‏بِحَجٍّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ‏)‏ قَالَ فِي الشَّرْحِ‏:‏ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ أَشْهُرُ الْحَجِّ ‏(‏شَوَّالُ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ‏)‏ مِنْهَا يَوْمُ النَّحْرِ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا ‏{‏يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ‏}‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ‏}‏ الْآيَةَ أَيْ فِي أَكْثَرِهِنَّ وَإِنَّمَا فَاتَ الْحَجُّ بِفَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لِفَوَاتِ الْوُقُوفِ، لَا لِخُرُوجِ وَقْتِ الْحَجِّ ثُمَّ الْجَمْعُ يَقَعُ عَلَى اثْنَيْنِ وَبَعْضِ آخَرَ وَالْعَرَبُ تُغَلِّبُ التَّأْنِيثَ فِي الْعَدَدِ خَاصَّةً لِسَبْقِ اللَّيَالِي فَتَقُولُ‏:‏ سِرْنَا عَشْرًا ‏(‏وَيَنْعَقِدُ‏)‏ إحْرَامُ الْحَجِّ بِحَجٍّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ‏}‏ الْآيَةِ وَكُلُّهَا مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ فَكَذَا الْحَجُّ، وَكَالْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ وَقَوْلِهِ ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ‏}‏ الْآيَةَ أَيْ مُعْظَمُهُ فِيهَا كَحَدِيثِ ‏{‏الْحَجُّ عَرَفَةَ‏}‏ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏"‏ السُّنَّةُ أَنْ لَا يُحْرَمَ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ‏"‏ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَالْإِحْرَامُ تَتَرَاخَى الْأَفْعَالُ عَنْهُ فَهُوَ كَالطَّهَارَةِ وَنِيَّةُ الصَّوْمِ، بِخِلَافِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ‏.‏

بَابُ‏:‏ الْإِحْرَامِ

قَالَ ابْنُ فَارِسٍ‏:‏ هُوَ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي التَّحْرِيمِ، كَأَنَّهُ يُحَرِّمُ عَلَى نَفْسِهِ الطِّيبَ وَالنِّكَاحَ وَأَشْيَاءَ مِنْ اللِّبَاسِ كَمَا يُقَالُ‏:‏ أَشْتَى إذَا دَخَلَ فِي الشِّتَاءِ، وَأَرْبَعَ إذَا دَخَلَ فِي الرَّبِيعِ وَشَرْعًا ‏(‏نِيَّةُ النُّسُكِ‏)‏ أَيْ الدُّخُولِ فِيهِ، لَا نِيَّتُهُ لِيَحُجَّ ‏"‏ أَوْ ‏"‏ يَعْتَمِرَ ‏(‏وَسُنَّ لِمُرِيدِهِ‏)‏ أَيْ الْإِحْرَامِ ‏(‏غُسْلٌ‏)‏ وَلَوْ نُفَسَاءَ أَوْ حَائِضًا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَمَرَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَهِيَ نُفَسَاءُ أَنْ تَغْتَسِلَ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

‏{‏وَأَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تَغْتَسِلَ لِإِهْلَالِ الْحَجِّ، وَهِيَ حَائِضٌ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنْ رَجَتَا الطُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْمِيقَاتِ أَخَّرَتَاهُ حَتَّى تَطْهُرَ ‏(‏أَوْ تَيَمُّمٌ لِعَدَمِ مَاءٍ‏)‏ أَوْ عَجْزٍ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ لِنَحْوِ مَرَضٍ لِعُمُومِ ‏{‏فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا‏}‏ ‏(‏وَلَا يَضُرُّ حَدَثُهُ بَيْنَ غُسْلٍ وَإِحْرَامٍ‏)‏ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ ‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ لَهُ ‏(‏تَنَظُّفٌ‏)‏ بِأَخْذِ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ، وَقَطْعِ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ كَالْجُمُعَةِ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ أَخْذَ الشُّعُورِ وَالْأَظْفَارِ فَاسْتُحِبَّ فِعْلُهُ قَبْلَهُ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ فِيهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ لَهُ ‏(‏تَطَيُّبٌ فِي بَدَنِهِ‏)‏ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ، كَمِسْكٍ، أَوْ أَثَرُهُ كَمَاءِ وَرْدٍ وَيَجُوزُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ ‏{‏كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَقَالَتْ‏:‏ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ‏:‏ لَا خِلَافَ بَيْنَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ وَالْآثَارِ أَنَّ قِصَّةَ صَاحِبِ الْجُبَّةِ كَانَتْ عَامَ حُنَيْنٌ وَالْجِعْرَانَةَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ أَيْ فَهُوَ نَاسِخٌ ‏(‏وَكُرِهَ‏)‏ لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ تَطَيُّبٌ ‏(‏فِي ثَوْبِهِ‏)‏ وَلَهُ اسْتِدَامَةُ لُبْسِهِ فِي إحْرَامِهِ، مَا لَمْ يَنْزِعْهُ، فَإِنْ نَزَعَهُ لَمْ يَلْبِسْهُ حَتَّى يَغْسِلَ طِيبَهُ لُزُومًا لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ الطِّيبَ وَلُبْسَ الْمُطَيَّبِ، دُونَ الِاسْتِدَامَةِ وَمَتَى تَعَمَّدَ مُحْرِمٌ مَسَّ طِيبٍ عَلَى بَدَنِهِ، أَوْ نَحَّاهُ عَنْ مَوْضِعِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ، أَوْ نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَدَى لَا إنْ سَالَ بِعَرَقٍ أَوْ شَمْسٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ لِمُرِيدِهِ ‏(‏لُبْسُ إزَارٍ وَرِدَاءٍ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفَيْنِ‏)‏ جَدِيدَيْنِ أَوْ خَلِقَيْنِ ‏(‏وَنَعْلَيْنِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ‏:‏ ثَبَتَ ذَلِكَ وَالنَّعْلَانِ التسومة وَلَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ سرموذة وَنَحْوهَا إنْ وَجَدَ النَّعْلَيْنِ وَيَكُونُ لُبْسُهُ ذَلِكَ ‏(‏بَعْدَ تَجَرُّدِ ذَكَرٍ عَنْ مَخِيطٍ‏)‏ كَقَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ وَخُفٍّ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏تَجَرَّدَ لِإِهْلَالٍ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏إحْرَامُهُ عَقِبَ صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَهَلَّ فِي دُبُرِ صَلَاةٍ‏}‏ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ‏(‏وَلَا يَرْكَعُهُمَا‏)‏ أَيْ رَكْعَتَيْ النَّفْلِ ‏(‏وَقْتَ نَهْيٍ‏)‏ لِتَحْرِيمِ النَّفْلِ إذَنْ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَرْكَعُهُمَا ‏(‏مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ‏}‏ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ إحْرَامِهِ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ لَهُ ‏(‏أَنْ يُعَيِّنَ نُسُكًا‏)‏ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ مِنْ عُمْرَةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ قِرَانٍ ‏(‏وَيَلْفِظُ بِهِ‏)‏ أَيْ بِمَا عَيَّنَهُ لِلْأَخْبَارِ ‏(‏وَأَنْ يَشْتَرِطَ‏)‏ لِحَدِيثِ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ حِينَ قَالَتْ لَهُ ‏{‏إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَجِدُنِي وَجِعَةً فَقَالَ‏:‏ حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقَوْلِي‏:‏ اللَّهُمَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ زَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ إسْنَادُهَا جَيِّدٌ ‏{‏فَإِنَّ لَك عَلَى رَبِّك مَا اسْتَثْنَيْتَ‏}‏ ‏(‏فَيَقُولَ‏:‏ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي‏)‏ وَلَمْ يَذْكُرْ مِثْلَهُ فِي الصَّلَاةِ لِقِصَرِ مُدَّتِهَا وَتَيَسُّرِهَا عَادَةً ‏(‏وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي‏)‏ فَيَسْتَفِيدُ‏:‏ أَنَّهُ مَتَى حُبِسَ بِمَرَضٍ أَوْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ حَلَّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ نَصًّا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ‏:‏ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ هَدْيٌ فَيَلْزَمَهُ نَحْوه وَلَوْ قَالَ‏:‏ فَلِي أَنْ أَحِلَّ، خُيِّرَ ‏(‏وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَحِلَّ مَتَى شَاءَ، أَوْ إنْ أَفْسَدَهُ لَمْ يَقْضِهِ لَمْ يَصِحَّ‏)‏ شَرْطُهُ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِيهِ وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ‏:‏ أَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ اشْتِرَاطُهُ بِقَلْبِهِ ‏(‏وَيَنْعَقِدُ إحْرَامٌ حَالَ جِمَاعٍ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِهِ إنْ وَقَعَ فِي أَثْنَائِهِ وَإِنَّمَا يُفْسِدُهُ وَيَلْزَمُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ ‏(‏وَيَبْطُلُ‏)‏ إحْرَامٌ بِرِدَّةٍ ‏(‏وَيَخْرُجُ‏)‏ مُحْرِمٌ ‏(‏مِنْهُ بِرِدَّةٍ‏)‏ فِيهِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ‏}‏ وَ‏(‏لَا‏)‏ يَبْطُلُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ ‏(‏بِجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ وَسُكْرٍ كَمَوْتٍ‏)‏ وَيَأْتِي حُكْمُ مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ فِي الْإِحْصَارِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَيِّتٍ ‏(‏وَلَا يَنْعَقِدُ إحْرَامٌ مَعَ وُجُودِ أَحَدِهَا‏)‏ أَيْ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَصْدِ إذَنْ ‏(‏وَيُخَيَّرُ مُرِيدُ‏)‏ إحْرَامٍ ‏(‏بَيْنَ‏)‏ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ‏(‏تَمَتُّعٌ وَهُوَ أَفْضَلُهَا‏)‏ نَصًّا قَالَ‏:‏ لِأَنَّهُ آخِرُ مَا أَحْرَمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ لَمَّا طَافُوا وَسَعَوْا أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ سَاقَ هَدْيًا وَثَبَتَ عَلَى إحْرَامِهِ لِسَوْقِهِ الْهَدْيَ وَتَأَسَّفَ بِقَوْلِهِ‏:‏ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَا حَلَلْتُ مَعَكُمْ‏}‏ وَلَا يَنْقُلُ أَصْحَابَهُ إلَّا إلَى الْأَفْضَلِ وَلَا يَتَأَسَّفُ إلَّا عَلَيْهِ وَمَا أُجِيبَ بِهِ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ لِاعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوهُ ثُمَّ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخُصَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ لِأَنَّهُمْ سَوَاءٌ فِي الِاعْتِقَادِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَأَسَّفْ هُوَ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَجَعَلَ الْعِلَّةَ فِيهِ سَوْقَ الْهَدْيِ وَلِمَا فِي التَّمَتُّعِ مِنْ الْيُسْرِ وَالسُّهُولَةِ مَعَ كَمَالِ أَفْعَالِ النُّسُكَيْنِ ‏(‏فَإِفْرَادٌ‏)‏ لِأَنَّ فِيهِ كَمَالُ أَفْعَالِ النُّسُكَيْنِ ‏(‏فَقِرَانٌ‏)‏ وَاخْتُلِفَ فِي حَجَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ لَا أَشُكُّ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَالْمُتْعَةُ أَحَبُّ إلَيَّ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ صِفَةُ ‏(‏التَّمَتُّعِ‏:‏ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ‏)‏ نَصًّا قَالَ الْأَصْحَابُ‏:‏ وَيَفْرُغُ مِنْهَا‏.‏

وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ‏:‏ وَيَتَحَلَّلُ ‏(‏وَ‏)‏ يُحْرِمُ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ الْحَجِّ ‏(‏فِي عَامِهِ مُطْلَقًا‏)‏ أَيْ مِنْ مَكَّةَ أَوْ قُرْبِهَا أَوْ بَعِيدٍ مِنْهَا ‏(‏بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا‏)‏ أَيْ الْعُمْرَةِ فَلَوْ كَانَ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ أَتَمَّ أَفَعَالَهَا فِي أَشْهُرِهِ وَإِنْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ صَارَ قَارِنًا ‏(‏وَ‏)‏ صِفَةُ ‏(‏الْإِفْرَادِ‏:‏ أَنْ يُحْرِمَ ابْتِدَاءً بِحَجٍّ ثُمَّ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ‏)‏ أَيْ الْحَجِّ مُطْلَقًا ‏(‏وَ‏)‏ صِفَةُ ‏(‏الْقِرَانِ‏:‏ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا أَوْ يُحْرِمَ بِهَا‏)‏ أَيْ الْعُمْرَةِ ‏(‏ثُمَّ يُدْخِلُهُ‏)‏ أَيْ الْحَجَّ ‏(‏عَلَيْهَا‏)‏ أَيْ الْعُمْرَةِ وَيَصِحُّ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَهُ وَقَالَ ‏{‏هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏}‏ وَيَكُونُ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا ‏(‏قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي طَوَافِهَا‏)‏ أَيْ الْعُمْرَةِ فَلَا يَصِحُّ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لِمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ، كَمَا لَوْ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا بَعْدَ سَعْيِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا ‏(‏وَيَصِحُّ‏)‏ إدْخَالُ حَجٍّ عَلَى عُمْرَةٍ ‏(‏مِمَّنْ مَعَهُ هَدْيٌ وَلَوْ بَعْدَ سَعْيِهَا‏)‏ بَلْ يَلْزَمُهُ كَمَا يَأْتِي لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ‏}‏ قَالَ فِي شَرْحِهِ هُنَا‏:‏ وَيَصِيرُ قَارِنًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَرَدَّهُ فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ بَعْدُ ‏(‏وَمَنْ أَحْرَمَ بِهِ‏)‏ أَيْ الْحَجِّ ‏(‏ثُمَّ أَدْخَلَهَا‏)‏ أَيْ الْعُمْرَةَ ‏(‏عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ بِهَا‏)‏ أَيْ الْعُمْرَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ أَثَرٌ، وَلَا يُسْتَفَادُ بِهِ فَائِدَةٌ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَلَا يَصِيرُ قَارِنًا، وَعَمَلُ قَارِنٍ كَمُفْرِدٍ نَصًّا وَيَسْقُطُ تَرْتِيبُهَا وَيَصِيرُ التَّرْتِيبُ لِلْحَجِّ فَيَتَأَخَّرَ حِلَاقٌ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَوَطْؤُهُ قَبْلَ طَوَافِهِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ لَا يُفْسِدُ عُمْرَتَهُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏أحكام التمتع‏]‏

وَيَجِبُ عَلَى مُتَمَتِّعٍ دَمٌ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ وَيَجِبُ ‏(‏عَلَى قَارِنٍ دَمٌ‏)‏ لِأَنَّهُ تَرَفَّهَ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ كَالتَّمَتُّعِ وَهُوَ دَمُ ‏(‏نُسُكٍ‏)‏ لَا دَمُ جُبْرَانٍ؛ إذْ لَا نَقْصَ فِي التَّمَتُّعِ يُجْبَرُ بِهِ ‏(‏بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ‏)‏ أَيْ الْمُتَمَتِّعُ وَالْقَارِنُ ‏(‏مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏ وَهَذَا فِي التَّمَتُّعِ، وَالْقِرَانُ مَقِيسٌ عَلَيْهِ ‏(‏وَهُمْ‏)‏ أَيْ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ‏(‏أَهْلُ الْحَرَمِ وَمَنْ هُوَ مِنْهُ‏)‏ دُونَ ‏(‏مَسَافَةِ قَصْرٍ‏)‏ لِأَنَّ حَاضِرِي الشَّيْءِ مَنْ حَلَّ فِيهِ أَوْ قَرُبَ مِنْهُ أَوْ جَاوَرَهُ بِدَلِيلِ رُخَصِ السَّفَرِ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْزِلَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ فَلَا دَمَ ‏(‏فَلَوْ اسْتَوْطَنَ أَفَقِيٌّ‏)‏ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ ‏(‏مَكَّةَ فَحَاضِرٌ‏)‏ لَا دَمَ عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِي الْعُمُومِ ‏(‏وَمَنْ دَخَلَهَا‏)‏ أَيْ مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا ‏(‏وَلَوْ نَاوِيًا لِإِقَامَةٍ‏)‏ بِهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الدَّاخِلُ ‏(‏مَكِّيًّا اسْتَوْطَنَ بَلَدًا بَعِيدًا‏)‏ مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ عَنْ الْحَرَمِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا ‏(‏مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا لَزِمَهُ دَمٌ‏)‏ وَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا لِأَنَّهُ حَالَ أَدَاءِ نُسُكِهِ لَمْ يَكُنْ مُقِيمًا ‏(‏وَيُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ دَمِ مُتَمَتِّعٍ وَحْدَهُ‏)‏ أَيْ دُونَ الْقَارِنِ زِيَادَةً عَمَّا تَقَدَّمَ سِتَّةُ شُرُوطٍ ‏(‏أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ‏}‏ ‏(‏وَأَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ‏)‏ فَلَوْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامٍ آخَرَ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ لِلْآيَةِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ فَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَبَاعُدًا ‏(‏وَأَنْ لَا يُسَافِرَ بَيْنَهُمَا‏)‏ أَيْ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ ‏(‏مَسَافَةَ قَصْرٍ فَإِنْ فَعَلَ‏)‏ أَيْ سَافَرَ بَيْنَهُمَا الْمَسَافَةَ ‏(‏فَأَحْرَمَ‏)‏ بِالْحَجِّ ‏(‏فَلَا دَمَ‏)‏ نَصًّا لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ‏"‏ إذَا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، فَإِنْ خَرَجَ وَرَجَعَ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ ‏"‏ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ وَلِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ أَوْ مَا دُونَهُ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ بَعِيدًا فَقَدْ أَنْشَأَ سَفَرًا بَعِيدًا لِحَجِّهِ فَلَمْ يَتَرَفَّهْ بِتَرْكِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ ‏(‏فَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ وَأَنْ يَحِلَّ مِنْهَا‏)‏ أَيْ الْعُمْرَةِ ‏(‏قَبْلَ إحْرَامِهِ بِهِ‏)‏ أَيْ الْحَجِّ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَحِلُّ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ بِأَنْ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا كَمَا فَعَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏(‏صَارَ قَارِنًا‏)‏ فَيَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ وَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَظَاهِرُهُ‏:‏ وَلَوْ بَعْدَ سَعْيِهِ لِمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ ‏(‏وَأَنْ يُحْرِمَ بِهَا‏)‏ أَيْ الْعُمْرَةِ ‏(‏مِنْ مِيقَاتٍ أَوْ مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ مَكَّةَ‏)‏ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ دُونِهَا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لَكِنْ إنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ فِي حَالٍ يَجِبُ فِيهَا ‏(‏لَزِمَهُ‏)‏ دَمٌ لِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ ‏(‏وَأَنْ يَنْوِيَ التَّمَتُّعَ فِي ابْتِدَائِهَا‏)‏ أَيْ الْعُمْرَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏أَثْنَائِهَا‏)‏ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَحُصُولِ التَّرَفُّهِ وَرَدَّهُ الْمُوَفِّقُ ‏(‏وَلَا يُعْتَبَرُ‏)‏ لِوُجُوبِ دَمِ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ ‏(‏وُقُوعُهُمَا‏)‏ أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ‏(‏عَنْ‏)‏ شَخْصٍ ‏(‏وَاحِدٍ فَلَوْ اعْتَمَرَ عَنْ وَاحِدٍ وَحَجَّ عَنْ آخَرَ وَجَبَ الدَّمُ بِشَرْطِهِ‏)‏ وَ‏(‏لَا‏)‏ تُعْتَبَرُ ‏(‏هَذِهِ الشُّرُوطُ‏)‏ جَمِيعُهَا ‏(‏فِي كَوْنِهِ‏)‏ أَيْ الْآتِي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يُسَمَّى ‏(‏مُتَمَتِّعًا‏)‏ فَإِنَّ الْمُتْعَةَ تَصِحُّ مِنْ الْمَكِّيِّ كَغَيْرِهِ وَرِوَايَةُ الْمَرْوَزِيِّ ‏{‏لَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ مُتْعَةٌ‏}‏ أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ دَمٌ ‏(‏وَ يَلْزَمُ الدَّمُ‏)‏ أَيْ دَمُ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ ‏(‏ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ‏}‏ أَيْ فَلْيُهْدِ، وَحَمْلُهُ عَلَى أَفْعَالِهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى إحْرَامِهِ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏الْحَجُّ عَرَفَةَ‏}‏ و‏{‏يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ‏}‏ وَلَا يَسْقُطُ دَمُ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ بِفَسَادِ ‏(‏نُسُكِهِمَا‏)‏ لِأَنَّ مَا وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي الصَّحِيح وَجَبَ فِي الْفَاسِدِ كَالطَّوَافِ وَغَيْرِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَلَا يَسْقُطُ دَمُهُمَا ‏(‏بِفَوَاتِهِ‏)‏ أَيْ الْحَجِّ كَمَا لَوْ فَسَدَ ‏(‏وَإِذَا قَضَى الْقَارِنُ قَارِنًا لَزِمَهُ دَمَانِ‏)‏ دَمٌ لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ وَدَمٌ لِقِرَانِهِ الثَّانِي‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَضَى الْقَارِنُ ‏(‏مُفْرِدًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ‏)‏ لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَتَى بِنُسُكٍ أَفْضَلَ مِنْ نُسُكِهِ ‏(‏وَيُحْرِمُ‏)‏ قَارِنٌ قَضَى مُفْرِدًا ‏(‏مِنْ الْأَبْعَدِ‏)‏ مِنْ مِيقَاتَيْهِ اللَّذَيْنِ أَحْرَمَ مِنْهُمَا قَارِنًا وَمُفْرِدًا إنْ تَفَاوَتَا ‏(‏بِعُمْرَةٍ إذَا فَرَغَ‏)‏ مِنْ حَجِّهِ ‏(‏وَإِذَا قَضَى الْقَارِنُ مُتَمَتِّعًا أَحْرَمَ بِهِ‏)‏ أَيْ الْحَجِّ ‏(‏مِنْ الْأَبْعَدِ‏)‏ مِنْ الْمِيقَاتَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحْرَمَ مِنْ أَحَدِهِمَا قَارِنًا وَمِنْ الْآخَرِ بِالْعُمْرَةِ ‏(‏إذَا فَرَغَ مِنْهَا‏)‏ أَيْ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَبْعَدُ الْأَوَّلَ فَالْقَضَاءُ يَحْكِيهِ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ قِصَاصٌ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ بِحُلُولٍ فِيهِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَوْرِ ‏(‏وَسُنَّ لِمُفْرِدٍ وَقَارِنٍ فَسْخُ نِيَّتِهِمَا بِحَجٍّ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏أَمَرَ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ أَفْرَدُوا الْحَجَّ وَقَرَنُوا أَنْ يَحِلُّوا كُلُّهُمْ وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ لِأَحْمَدَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ إلَّا خُلَّةً وَاحِدَةً قَالَ مَا هِيَ‏؟‏ قَالَ تَقُولُ‏:‏ بِفَسْخِ الْحَجِّ، قَالَ‏:‏ كُنْتُ أَرَى أَنَّ لَكَ عَقْلًا، عِنْدِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا صِحَاحًا جِيَادًا، كُلُّهَا فِي فَسْخِ الْحَجِّ، أَتْرُكُهَا لِقَوْلِكَ‏؟‏ وَلَيْسَ الْفَسْخُ إبْطَالًا لِلْإِحْرَامِ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ نَقْلَهُ بِالْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ ‏(‏وَيَنْوِيَانِ‏)‏ أَيْ الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ ‏(‏بِإِحْرَامِهِمَا بِذَلِكَ‏)‏ الَّذِي هُوَ إفْرَادٌ أَوْ قِرَانٌ ‏(‏عُمْرَةً مُفْرَدَةً‏)‏ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمَا قَدْ طَافَ وَسَعَى قَصَّرَ وَحَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَافَ وَسَعَى فَإِنَّهُ يَطُوفُ وَيَسْعَى وَيُقَصِّرُ وَيَحِلُّ ‏(‏فَإِذَا خَلَا‏)‏ مِنْ الْعُمْرَةِ ‏(‏أَحْرَمَا بِهِ‏)‏ أَيْ الْحَجِّ ‏(‏لِيَصِيرَا مُتَمَتِّعَيْنِ وَيُتِمَّانِ‏)‏ أَفَعَالَ الْحَجِّ ‏(‏مَا لَمْ يَسُوقَا هَدْيًا‏)‏ فَإِنْ سَاقَاهُ لَمْ يُصْبِحْ الْفَسْخُ لِلْخَبَرِ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ‏:‏ الْهَدْيُ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَفِي الْعَشْرِ وَغَيْرِهِ ‏(‏أَوْ يَقِفَا بِعَرَفَةَ‏)‏ فَإِنْ وَقَفَا بِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا فَسْخُهُ، لِعَدَمِ وُرُودِ مَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ وَلَا يُسْتَفَادُ بِهِ فَضِيلَةُ التَّمَتُّعِ وَإِنْ سَاقَهُ أَيْ الْهَدْيَ ‏(‏مُتَمَتِّعٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحِلَّ‏)‏ مِنْ عُمْرَتِهِ ‏(‏فَيُحْرِمُ بِحَجٍّ إذَا طَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ تَحَلُّلٍ بِحَلْقٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ‏{‏تَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَقَالَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ‏}‏ ‏(‏فَإِذَا ذَبَحَهُ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْهُمَا‏)‏ أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ‏(‏مَعًا‏)‏ نَصًّا لِأَنَّ التَّمَتُّعَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَالْقِرَانِ وَلَا يَصِيرُ قَارِنًا لِاضْطِرَارِهِ لِإِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى عُمْرَتِهِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي شَرْحِهِ هُنَا وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ‏(‏وَالْمُتَمَتِّعَةُ إنْ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَخَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ أَوْ خَشِي غَيْرُهَا فَوَاتَ الْحَجِّ أَحْرَمْت بِهِ‏)‏ وُجُوبًا كَغَيْرِهَا فَمَنْ خَشِيَ فَوَاتَهُ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ وَهَذَا طَرِيقُهُ ‏(‏وَصَارَتْ قَارِنَةً‏)‏ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ ‏{‏أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ مُتَمَتِّعَةً فَحَاضَتْ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهِلِّي بِالْحَجِّ‏}‏ ‏(‏وَلَمْ تَقْضِ طَوَافَ الْقُدُومِ‏)‏ لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ كَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ ‏(‏وَيَجِبُ عَلَى قَارِنٍ وَقَفَ‏)‏ بِعَرَفَةَ زَمَنَهُ ‏(‏قَبْلَ طَوَافٍ وَسَعْيٍ‏:‏ دَمُ قِرَانٍ‏)‏ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ، كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَطَافَ وَسَعَى لَهَا ثُمَّ أَدْخَلَ الْحَجِّ عَلَيْهَا لِسَوْقِهِ الْهَدْيَ فَعَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ، وَلَيْسَ بِقَارِنٍ كَمَا سَبَقَ ‏(‏وَتَسْقُطُ الْعُمْرَةُ‏)‏ عَنْ الْقَارِنِ فَتَنْدَرِجُ أَفْعَالُهَا فِي الْحَجِّ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏{‏مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا‏}‏ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏من أحرم ولم يعين نسكا‏]‏

وَمَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا فَلَمْ يُعَيِّنْ نُسُكًا ‏(‏صَحَّ‏)‏ إحْرَامُهُ لِتَأَكُّدِهِ وَكَوْنِهِ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِمَحْظُورَاتِهِ ‏(‏وَصَرْفُهُ‏)‏ أَيْ الْإِحْرَامَ ‏(‏لِمَا شَاءَ‏)‏ مِنْ الْأَنْسَاكِ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ بِالنِّيَّةِ دُونَ اللَّفْظِ ‏(‏وَمَا عَمِلَ‏)‏ مَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا ‏(‏قَبْلَ‏)‏ صَرْفِهِ لِأَحَدِهِمَا ‏(‏فَهُوَ لَغْوٌ‏)‏ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ ‏(‏أَوْ‏)‏ إنْ أَحْرَمَ ‏(‏بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ وَعَلِمَ‏)‏ ‏(‏بِمَا‏)‏ أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ قَبْلَ إحْرَامِهِ أَوْ بَعْدَهُ ‏(‏انْعَقَدَ‏)‏ إحْرَامُهُ ‏(‏بِمِثْلِهِ‏)‏ لِحَدِيثِ جَابِرٍ ‏{‏أَنَّ عَلِيًّا قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ بِمَ أَهْلَلْت‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا‏}‏ وَعَنْ أَبِي مُوسَى نَحْوه مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَإِذَا تَبَيَّنَ إطْلَاقُهُ‏)‏ أَيْ إحْرَامُ فُلَانٍ، بِأَنْ كَانَ أَحْرَمَ وَأَطْلَقَ ‏(‏فَلِلثَّانِي‏)‏ الَّذِي أَحْرَمَ بِمِثْلِهِ ‏(‏صَرْفُهُ‏)‏ أَيْ الْإِحْرَامَ ‏(‏إلَى مَا شَاءَ‏)‏ مِنْ الْأَنْسَاكِ وَلَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَى مَا يَصْرِفُهُ إلَيْهِ الْأَوَّلُ وَلَا، إلَى مَا كَانَ صَرْفُهُ إلَيْهِ بَعْدَ إحْرَامِهِ مُطْلَقًا وَيَعْمَلُ الثَّانِي بِقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ ‏(‏وَإِنْ جَهِلَ‏)‏ مَنْ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ أَوْ بِمِثْلِهِ ‏(‏إحْرَامَهُ‏)‏ أَيْ فُلَانٍ ‏(‏فَلَهُ‏)‏ أَيْ الثَّانِي ‏(‏جَعْلُهُ عُمْرَةً‏)‏ لِصِحَّةِ فَسْخِ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ إلَيْهَا ‏(‏وَلَوْ شَكَّ‏)‏ الَّذِي أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ فُلَانٌ أَوْ بِمِثْلِهِ ‏(‏هَلْ أَحْرَمَ الْأَوَّلُ‏؟‏ فَكَمَا لَوْ لَمْ يُحْرِمْ‏)‏ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ‏(‏فَيَنْعَقِدُ‏)‏ إحْرَامُهُ ‏(‏مُطْلَقًا‏)‏ فَصَرَفَهُ لِمَا شَاءَ ‏(‏وَلَوْ كَانَ إحْرَامُ الْأَوَّلِ فَاسِدًا‏)‏ بِأَنْ وَطِئَ فِيهِ ‏(‏فَكَنَذْرِهِ عِبَادَةٌ فَاسِدَةٌ‏)‏ فَيَنْعَقِدُ إحْرَامُ الثَّانِي بِمِثْلِهِ مِنْ الْأَنْسَاكِ؛ وَيَأْتِي بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ ‏(‏وَيَصِحُّ‏)‏ وَيَنْعَقِدُ إحْرَامُ قَائِلٍ ‏(‏أَحْرَمْت يَوْمًا أَوْ أَحْرَمْت بِنِصْفِ نُسُكٍ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ ك أَحْرَمْت مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ أَوْ بِثُلُثِ نُسُكٍ لِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ زَمَنًا لَمْ يَصِرْ حَلَالًا فِيمَا بَعْدَهُ، حَتَّى يُؤَدِّيَ نُسُكَهُ، وَلَوْ رَفَضَ إحْرَامَهُ وَإِذَا دَخَلَ فِي نُسُكٍ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ فَيَقَعُ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا وَيَصْرِفُهُ لِمَا شَاءَ و‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ إحْرَامُ قَائِلٍ ‏(‏إنْ أَحْرَمَ زَيْدٌ مَثَلًا فَأَنَا مُحْرِمٌ‏)‏ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِتَعْلِيقِهِ إحْرَامَهُ وَكَذَا إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْت، فَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا لِعَدَمِ جَزْمِهِ ‏(‏وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ‏)‏ انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُمَا ‏(‏أَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُمَا‏)‏ لِأَنَّ الزَّمَنَ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ فَصَحَّ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا مَعًا كَبَقِيَّةِ أَفْعَالِهِمَا، وَكَنَذْرِهِمَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا، وَكَنِيَّةِ صَوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ فَإِنْ فَسَدَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَى قَضَائِهَا ‏(‏وَمَنْ أَحْرَمَ بِنُسُكِ‏)‏ تَمَتُّعٍ أَوْ إفْرَادٍ ‏(‏أَوْ قِرَانٍ‏)‏ وَنَسِيَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَحْرَمَ ‏(‏بِنَذْرٍ وَنَسِيَهُ‏)‏ أَيْ مَا نَذَرَهُ ‏(‏قَبْلَ طَوَافٍ صَرَفَهُ إلَى عُمْرَةٍ‏)‏ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّهَا الْيَقِينُ ‏(‏وَيَجُوزُ‏)‏ صَرْفُ إحْرَامِهِ ‏(‏إلَى غَيْرِهَا‏)‏ أَيْ الْعُمْرَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمَانِعِ فَإِنْ صَرَفَهُ ‏(‏إلَى قِرَانٍ أَوْ‏)‏ إلَى ‏(‏إفْرَادٍ يَصِحُّ حَجًّا فَقَطْ‏)‏ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْسِيُّ حَجًّا مُفْرَدًا فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُ عُمْرَةٍ عَلَيْهِ فَلَا تَسْقُطُ بِالشَّكِّ ‏(‏وَلَا دَمَ‏)‏ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَلَا قَارِنٍ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ صَرَفَهُ إلَى ‏(‏تَمَتُّعٍ فَكَفَسْخِ حَجٍّ إلَى عُمْرَةٍ‏)‏ فَيَصِحُّ إنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ وَلَمْ يَسُقْ هَدْيًا لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا، وَفَسْخُهُمَا صَحِيحٌ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَيَلْزَمُهُ دَمُ مُتْعَةٍ بِشُرُوطِهِ لِلْآيَةِ ‏(‏وَيُجْزِئُهُ تَمَتُّعُهُ عَنْهُمَا‏)‏ أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِصِحَّتِهِمَا بِكُلِّ حَالٍ‏.‏

‏(‏ وَ‏)‏ إنْ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ نَذَرَهُ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الطَّوَافِ ‏(‏وَلَا‏)‏ هَدْيَ مَعَهُ أَيْ النَّاسِي ‏(‏يَتَعَيَّنُ‏)‏ صَرْفُهُ ‏(‏إلَيْهَا‏)‏ أَيْ الْعُمْرَةِ؛ لِامْتِنَاعِ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَيْهَا إذَنْ لِمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ وَإِذَا حَلَقَ‏)‏ بَعْدَ سَعْيِهِ ‏(‏مَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الْوُقُوفِ‏)‏ بِعَرَفَةَ ‏(‏يُحْرِمُ بِحَجٍّ وَيُتِمُّهُ‏)‏ أَيْ الْحَجَّ ‏(‏وَعَلَيْهِ لِلْحَلْقِ دَمٌ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَاجًّا‏)‏ مُفْرِدًا، أَوْ قَارِنًا لِحَلْقِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ قُلْت‏:‏ لَكِنْ إنْ فَسَخَ نِيَّتَهُ لِلْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ حَلْقِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ كَانَ حَاجًّا ‏(‏فَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏دَمُ مُتْعَةٍ‏)‏ بِشُرُوطِهِ ‏(‏وَمَعَ مُخَالَفَتِهِ‏)‏ مَا سَبَقَ بِأَنْ صَرَفَهُ مَعَ نِسْيَانِهِ بَعْدَ طَوَافٍ وَلَا هَدْيَ مَعَهُ ‏(‏إلَى حَجٍّ أَوْ إلَى قِرَانٍ يَتَحَلَّلُ بِفِعْلِ حَجٍّ‏)‏ كَمَا يَأْتِي ‏(‏وَلَمْ يُجْزِئْهُ فِعْلُهُ ذَلِكَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا‏)‏ أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْسِيُّ عُمْرَةً، فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا بَعْدَ طَوَافِهَا، أَوْ يَكُونَ الْمَنْسِيُّ حَجًّا، فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهَا عَلَيْهِ ‏(‏وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ‏)‏ لِلشَّكِّ فِي سَبَبِهِمَا ‏(‏وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ‏)‏ وَطَافَ ثُمَّ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ ‏(‏صَرَفَهُ إلَى الْحَجِّ‏)‏ وُجُوبًا ‏(‏وَأَجْزَأَهُ‏)‏ حَجُّهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ لِصِحَّتِهِ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ قَبْلَ تَمَامِ نُسُكِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ اثْنَيْنِ‏)‏ اسْتَنَابَاهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَحْرَمَ عَنْ ‏(‏أَحَدِهِمَا‏)‏ لَا بِعَيْنِهِ وَقَعَ إحْرَامُهُ وَنُسُكُهُ ‏(‏عَنْ نَفْسِهِ دُونَهُمَا‏)‏ لِعَدَمِ إمْكَانِ وُقُوعِهِ عَنْهُمَا، وَلِأَمْرِ حَجٍّ لِأَحَدِهِمَا، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ بِالْأَوْلَى ‏(‏وَمَنْ أَحْرَمَ لِعَامَيْنِ‏)‏ بِأَنْ قَالَ‏:‏ لَبَّيْكَ لِعَامٍ وَعَامٍ قَابِلٍ ‏(‏حَجِّ مِنْ عَامِهِ وَاعْتَمَرَ مِنْ قَابِلٍ‏)‏ قَالَهُ عَطَاءٌ حَكَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ وَلَمْ يُخَالِفْهُ ‏(‏وَمَنْ أَخَذَ مِنْ اثْنَيْنِ حَجَّتَيْنِ لِيَحُجَّ عَنْهُمَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ أُدِّبَ‏)‏ عَلَى فِعْلِهِ ذَلِكَ، لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا نَصًّا ‏(‏وَمَنْ اسْتَنَابَهُ اثْنَانِ بِعَامٍ فِي نُسُكٍ فَأَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَنْسَهُ صَحَّ‏)‏ إحْرَامُهُ عَنْهُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ ‏(‏وَلَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ لِلْآخَرِ بَعْدَهُ‏)‏ نَصًّا فِي ذَلِكَ الْعَامِ بِحَجٍّ، وَلَوْ بَعْدَ طَوَافِهِ لِلزِّيَارَةِ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، لِبَقَاءِ تَوَابِعِ الْإِحْرَامِ لِلْأَوَّلِ مِنْ رَمْيٍ وَغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ بَاقٍ، وَلَا يَدْخُلُ إحْرَامٌ عَلَى إحْرَامٍ ‏(‏وَإِنْ نَسِيَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُعَيَّنُ بِالْإِحْرَامِ مِنْ مُسْتَنِيبِهِ ‏(‏وَتَعَذَّرَ عِلْمُهُ، فَإِنْ فَرَّطَ‏)‏ نَائِبٌ، كَأَنْ أَمْكَنَهُ كِتَابَةُ اسْمِهِ أَوْ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ ‏(‏أَعَادَ الْحَجَّ عَنْهُمَا‏)‏ لِتَفْرِيطِهِ، وَلَا يَكُونُ الْحَجُّ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّتِهِ ‏(‏وَإِنْ فَرَّطَ مُوصًى إلَيْهِ‏)‏ فَلَمْ يُسَمِّهِ لِلنَّائِبِ ‏(‏غَرِمَ‏)‏ مُوصًى إلَيْهِ ‏(‏ذَلِكَ‏)‏ أَيْ نَفَقَةُ إعَادَةِ الْحَجِّ عَنْهُمَا ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يُفَرِّطُ نَائِبٌ وَلَا مُوصًى إلَيْهِ، فَالْغُرْمُ لِذَلِكَ ‏(‏مِنْ تَرِكَةِ مُوصِيهِ‏)‏ بِالْحَجِّ عَنْهُمَا، لِأَنَّ الْحَجَّ عَنْهُمَا، فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا وَلَا مُوجِبَ لِضَمَانٍ عَنْهُمَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏التلبية‏]‏

وَيُسَنُّ لِمَنْ أَحْرَمَ، عَيَّنَ نُسُكًا أَوْ أَطْلَقَ ‏(‏مِنْ عَقِبِ إحْرَامِهِ تَلْبِيَةٌ‏)‏ لِقَوْلِ جَابِرٍ‏:‏ فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ ‏{‏لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك‏}‏ الْحَدِيثِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏(‏حَتَّى عَنْ أَخْرَسَ وَمَرِيضٍ‏)‏ زَادَ بَعْضُهُمْ‏:‏ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ زَادَ بَعْضُهُمْ‏:‏ وَنَائِمٍ وَأَنْ تَكُونَ ‏(‏كَتَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ‏}‏ وَهِيَ ‏(‏لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ‏)‏ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ نَصًّا لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ وَيَجُوزُ الْفَتْحُ بِتَقْدِيرِ اللَّامِ ‏(‏وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ‏)‏ لِلْخَبَرِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالتَّلْبِيَةُ مِنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ إذَا لَزِمَهُ، كَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك وَأَمْرِك، وَثُنِّيَتْ وَكُرِّرَتْ لِإِرَادَةِ إقَامَةٍ بَعْدَ إقَامَةٍ وَلَفْظُ ‏"‏ لَبَّيْكَ ‏"‏ مُثَنًّى لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَمَعْنَاهُ‏:‏ التَّكْثِيرُ، وَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَزِيدُ‏:‏ ‏"‏ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ ‏"‏ ‏(‏وَسُنَّ ذِكْرُ نُسُكِهِ فِيهَا‏)‏ أَيْ التَّلْبِيَةِ ‏(‏وَسُنَّ بَدْءُ قَارِنٍ بِذِكْرِ الْعُمْرَةِ‏)‏ لِحَدِيثِ أَنَسٍ ‏{‏سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏(‏وَسُنَّ إكْثَارُ تَلْبِيَةٍ‏)‏ لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُضَحِّي لِلَّهِ وَيُلَبِّي حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، إلَّا غَابَتْ بِذُنُوبِهِ فَعَادَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ‏(‏وَتَتَأَكَّدُ التَّلْبِيَةُ إذَا عَلَا نَشَزًا‏)‏ بِالتَّحْرِيكِ أَيْ عَالِيًا، ‏(‏أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، أَوْ صَلَّى مَكْتُوبَةً، أَوْ أَقْبَلَ لَيْلٌ، أَوْ أَقْبَلَ نَهَارٌ، أَوْ الْتَقَتْ الرِّفَاقُ، أَوْ سَمِعَ مُلَبِّيًا، أَوْ أَتَى مَحْظُورًا نَاسِيًا، أَوْ رَكِبَ دَابَّتَهُ، أَوْ نَزَلَ عَنْهَا، أَوْ رَأَى الْبَيْتَ‏)‏ أَيْ الْكَعْبَةَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ ‏{‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي فِي حَجَّتِهِ إذَا لَقِيَ رَاكِبًا، أَوْ عَلَا أَكَمَةً، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَفِي آخِرِ اللَّيْلِ‏}‏ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ ‏"‏ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَإِذَا هَبَطَ وَادِيًا، وَإِذَا عَلَا نَشَزًا، وَإِذَا لَقِيَ رَاكِبًا، وَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ ‏"‏ ‏(‏وَسُنَّ جَهْرُ ذِكْرٍ بِهَا‏)‏ لِقَوْلِ أَنَسٍ ‏"‏ سَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهَا صُرَاخًا ‏"‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَخَبَرُ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ ‏{‏أَتَانِي جَبْرَائِيلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ‏}‏ أَسَانِيدُهُ جَيِّدَةٌ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ‏(‏فِي غَيْرِ مَسَاجِدِ الْحِلِّ وَأَمْصَارِهِ‏)‏ بِخِلَافِ الْبَرَارِي وَعَرَفَاتٍ وَالْحَرَمِ وَمَكَّةَ قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ إذَا أَحْرَمَ فِي مِصْرِهِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُلَبِّيَ حَتَّى يَبْرُزَ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَنْ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْمَدِينَةِ ‏"‏ إنَّ هَذَا الْمَجْنُونُ‏:‏ إنَّمَا التَّلْبِيَةُ إذَا بَرَزْت ‏"‏ ‏(‏وَ‏)‏ فِي غَيْرِ ‏(‏طَوَافِ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ‏)‏ لِئَلَّا يَخْلِطَ عَلَى الطَّائِفِينَ وَالسَّاعِينَ ‏(‏وَتُشْرَعُ تَلْبِيَةٌ بِالْعَرَبِيَّةِ لِقَادِرٍ‏)‏ عَلَيْهَا كَأَذَانٍ ‏(‏وَأَلَّا‏)‏ يَقْدِرَ عَلَيْهَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَيُلَبِّي ‏(‏بِلُغَتِهِ‏)‏ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَعْنَى ‏(‏وَسُنَّ دُعَاءٌ‏)‏ بَعْدَهَا، فَيَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَيَسْتَعِيذُ بِهِ مِنْ النَّارِ، وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ سَأَلَ اللَّهَ مَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ، وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏صَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهَا‏)‏ أَيْ التَّلْبِيَةِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ شُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ فَشُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ رَسُولِهِ كَالْأَذَانِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏تَكْرَارُهَا‏)‏ أَيْ التَّلْبِيَةِ ‏(‏فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ‏)‏‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ‏:‏ تَكْرَارُهَا ثَلَاثًا بِدُبُرِ الصَّلَاةِ حَسَنٌ ‏(‏وَكُرِهَ لِأُنْثَى جَهْرٌ بِتَلْبِيَةٍ؛ بِأَكْثَرَ مَا تُسْمِعُ رَفِيقَتَهَا‏)‏ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ بِهَا و‏(‏لَا‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏لِحَلَالٍ تَلْبِيَةٌ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ‏)‏‏.‏