فصل: فَصْلُ: (البيع والشراء لكل من الشريكين)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


كِتَابُ‏:‏ الشَّرِكَةِ

بِفَتْحِ الشِّينِ مَعَ كَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا وَبِكَسْرِ الشِّينِ مَعَ سُكُونِ الرَّاءِ وَتَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ‏}‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَإِذَا خَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهِيَ ‏(‏قِسْمَانِ‏)‏‏:‏ أَحَدُهُمَا ‏(‏اجْتِمَاعٌ فِي اسْتِحْقَاقٍ‏)‏ وَهُوَ أَنْوَاعٌ أَحَدُهَا فِي الْمَنَافِعِ وَالرِّقَابِ كَعَبْدٍ وَدَارٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ بِإِرْثٍ أَوْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ‏.‏

الثَّانِي‏:‏ فِي الرِّقَابِ كَعَبْدٍ مُوصًى بِنَفْعِهِ وَرِثَهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ فِي الْمَنَافِعِ كَمَنْفَعَةٍ مُوصًى بِهَا لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ‏.‏

الرَّابِعُ‏:‏ فِي حُقُوقِ الرِّقَابِ كَحَدِّ قَذْفٍ إذَا قَذَفَ جَمَاعَةً يُتَصَوَّرُ الزِّنَا مِنْهُمْ عَادَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةِ فَإِذَا طَالَبُوا كُلُّهُمْ وَجَبَ لَهُمْ حَدٌّ وَاحِدٌ‏.‏

وَالْقِسْمُ ‏(‏الثَّانِي‏)‏‏:‏ اجْتِمَاعٌ ‏(‏فِي تَصَرُّفٍ‏)‏ وَهِيَ شَرِكَةُ الْعُقُودِ الْمَقْصُودَةِ هُنَا‏.‏

‏(‏وَتُكْرَهُ‏)‏ شَرِكَةُ مُسْلِمٍ ‏(‏مَعَ كَافِرٍ‏)‏ كَمَجُوسِيٍّ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مُعَامَلَتَهُ بِالرِّبَا وَبَيْعِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ و‏(‏لَا‏)‏ تُكْرَهُ الشَّرِكَةُ مَعَ ‏(‏كِتَابِيٍّ لَا يَلِي التَّصَرُّفَ‏)‏ بَلْ يَلِيه الْمُسْلِمُ لِحَدِيثِ الْخَلَّالِ عَنْ عَطَاءٍ‏.‏

قَالَ ‏{‏نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُشَارَكَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ بِيَدِ الْمُسْلِمِ‏}‏؛ وَلِانْتِفَاءِ الْمَحْظُورِ بِتَوَلِّي الْمُسْلِمِ التَّصَرُّفَ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏"‏ أَكْرَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْمُسْلِمُ الْيَهُودِيَّ ‏"‏ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَلِيَ التَّصَرُّفَ‏.‏

وَمَا يَشْتَرِيهِ كَافِرٌ مِنْ نَحْوِ خَمْرٍ بِمَالِ الشَّرِكَةِ أَوْ الْمُضَارَبَةِ فَفَاسِدٌ وَيَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ لِلْمُسْلِمِ، وَلَا يَثْبُتُ مِلْكُ الْمُسْلِمِ عَلَى خَمْرٍ أَشْبَهَ شِرَاءَهُ مَيْتَةً وَمُعَامَلَتَهُ بِالرِّبَا وَمَا خَفِيَ أَمْرُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَالْأَصْلُ حِلُّهُ‏.‏

‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الِاجْتِمَاعُ فِي التَّصَرُّفِ خَمْسَةُ‏:‏ ‏(‏أَضْرُبٍ‏)‏ جَمْعُ ضَرْبٍ أَيْ‏:‏ صِنْفٌ‏.‏

أَحَدُهَا‏:‏ ‏(‏شَرِكَةُ عِنَانٍ‏)‏ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهَا بَلْ فِي بَعْضِ شُرُوطِهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاسْتِوَائِهَا فِي الْمَالِ وَالتَّصَرُّفِ كَالْفَارِسَيْنِ يَسْتَوِيَانِ فِي السَّيْرِ فَإِنْ عِنَانَيْ فَرَسَيْهِمَا يَكُونَانِ سَوَاءٌ أَوْ لِمِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ فِي كُلِّ الْمَالِ كَمَا يَتَصَرَّفُ الْفَارِسُ فِي عِنَانِ فَرَسِهِ، أَوْ مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ إذَا عَرَضَ؛ لِأَنَّهُ عَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُشَارَكَةُ صَاحِبِهِ أَوْ مِنْ الْمُعَانَّةِ وَهِيَ الْمُعَارَضَةُ؛؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُعَارِضٌ لِصَاحِبِهِ بِمَالِهِ وَعَمَلِهِ‏.‏

‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ‏:‏ شَرِكَةُ الْعِنَانِ ‏(‏أَنْ يُحْضِرَ كُلُّ‏)‏ وَاحِدٍ ‏(‏مِنْ عَدَدِ‏)‏ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ‏(‏جَائِزُ التَّصَرُّفِ‏)‏ فَلَا تُعْقَدُ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ وَلَا مَعَ صَغِيرٍ وَلَا سَفِيهٍ ‏(‏مِنْ مَالِهِ‏)‏ فَلَا تُعْقَدُ بِنَحْوِ مَغْصُوبٍ ‏(‏نَقْدًا‏)‏ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً ‏(‏مَضْرُوبًا‏)‏ أَيْ‏:‏ مَسْكُوكًا وَلَوْ بِسِكَّةِ كُفَّارٍ ‏(‏مَعْلُومًا‏)‏ قَدْرًا وَصِفَةً ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ النَّقْدُ ‏(‏مَغْشُوشًا قَلِيلًا‏)‏ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ لَا كَثِيرًا ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ النَّقْدُ ‏(‏مِنْ جِنْسَيْنِ‏)‏ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏مُتَفَاوِتًا‏)‏ بِأَنْ أَحْضَرَ أَحَدُهُمَا مِائَةً وَالْآخَرُ مِائَتَيْنِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏شَائِعًا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ إنْ عَلِمَ كُلٌّ‏)‏ مِنْهُمْ ‏(‏قَدْرَ مَالِهِ‏)‏ كَمَا لَوْ وَرِثُوهُ، لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَلِآخَرَ السُّدُسُ وَاشْتَرَكُوا فِيهِ قَبْلَ قِسْمَتِهِ‏.‏

وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عَلَى عَرْضٍ نَصًّا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إمَّا أَنْ تَقَعَ عَلَى عَيْنِ الْعَرْضِ أَوْ قِيمَتِهِ أَوْ ثَمَنِهِ وَعَيْنُهَا لَا يَجُوزُ عَقْدُ الشَّرِكَةِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الرُّجُوعَ عِنْدَ فَسْخِهَا بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِثْلِهِ وَلَا مِثْلَ لَهَا يُرْجَعُ إلَيْهِ وَقِيمَتُهَا لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَزِيدُ فِي أَحَدِهِمَا قَبْلَ بَيْعِهِ فَيُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِي الْعَيْنِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ وَثَمَنُهَا مَعْدُومٌ حَالَ الْعَقْدِ وَغَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُمَا‏.‏

وَاشْتُرِطَ كَوْنُ النَّقْدِ مَضْرُوبًا دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ؛ لِأَنَّهَا قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَأَثْمَانُ الْمَبِيعَاتِ وَغَيْرُ الْمَضْرُوبِ كَالْعُرُوضِ‏.‏

وَاشْتُرِطَ إحْضَارُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ لِتَقْدِيرِ الْعَمَلِ وَتَحْقِيقِ الشَّرِكَةِ كَالْمُضَارَبَةِ‏.‏

وَالْعِلْمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الرُّجُوعِ بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا يُمْكِنُ مَعَ جَهْلِهِ ‏(‏لِيَعْمَلَ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ ب يُحْضِرَ ‏(‏فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَالِ جَمِيعَهُ ‏(‏كُلٌّ‏)‏ مِمَّنْ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ ‏(‏عَلَى أَنَّ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ كُلِّ مَنْ لَهُ فِي الْمَالِ شَيْءٌ ‏(‏مِنْ الرِّبْحِ بِنِسْبَةِ مَالِهِ‏)‏ بِأَنْ شَرَطُوا لِرَبِّ النِّصْفِ نِصْفَ الرِّبْحِ وَلِرَبِّ الثُّلُثِ ثُلُثَ الرِّبْحِ وَلِرَبِّ السُّدُسِ سُدُسَ الرِّبْحِ مَثَلًا ‏(‏أَوْ‏)‏ عَلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ ‏(‏جُزْءًا مُشَاعًا مَعْلُومًا‏)‏ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ نِسْبَةِ مَالِهِ، كَأَنْ جُعِلَ لِرَبِّ السُّدُسِ نِصْفُ الرِّبْحِ لِقُوَّةِ حَذِقِهِ ‏(‏أَوْ يُقَالُ‏)‏‏:‏ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ ‏(‏بَيْنَنَا فَيَسْتَوُونَ فِيهِ‏)‏ لِإِضَافَتِهِ إلَيْهِمْ إضَافَةً وَاحِدَةً بِلَا تَرْجِيحٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ لِيَعْمَلَ فِيهِ ‏(‏الْبَعْضُ‏)‏ مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ ‏(‏عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَامِلِ مِنْهُمْ ‏(‏أَثَرٌ مِنْ رِبْحِ مَالِهِ‏)‏ كَأَنْ تَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ رَبُّ السُّدُسِ وَلَهُ ثُلُثُ الرِّبْحِ أَوْ نِصْفُهُ وَنَحْوُهُ ‏(‏وَتَكُونُ‏)‏ الشَّرِكَةُ إذَا تَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بَعْضُهُمْ كَذَلِكَ ‏(‏عِنَانًا‏)‏ مِنْ حَيْثُ إحْضَارُ كُلٍّ مِنْهُمْ لِمَا لَهُ ‏(‏وَمُضَارَبَةً‏)‏؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ زَائِدًا عَنْ رِبْحِ مَالِهِ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ‏.‏

‏(‏وَلَا تَصِحُّ‏)‏ إنْ أَحْضَرَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَالًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَلَهُ مِنْ الرِّبْحِ ‏(‏بِقَدْرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَدْرِ مَالِهِ ‏(‏لِأَنَّهُ إبْضَاعٌ‏)‏ لَا شَرِكَةٌ، وَهُوَ دَفْعُ الْمَالِ لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهِ بِلَا عِوَضٍ ‏(‏وَلَا‏)‏ تَصِحُّ إنْ عَقَدُوهَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ أَحَدُهُمْ ‏(‏بِدُونِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ دُونِ رِبْحِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ لَا يَسْتَحِقُّ رِبْحَ مَالِ غَيْرِهِ وَلَا بَعْضَهُ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَوْضُوعِ الشَّرِكَةِ‏.‏

‏(‏وَتَنْعَقِدُ‏)‏ الشَّرِكَةُ ‏(‏بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا‏)‏ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى إذْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ وَائْتِمَانِهِ ‏(‏وَيُغْنِي لَفْظُ الشَّرِكَةِ عَنْ إذْنٍ صَرِيحٍ بِالتَّصَرُّفِ‏)‏؛ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَيَنْفُذُ‏)‏ التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ جَمِيعِهِ ‏(‏مِنْ كُلٍّ‏)‏ مِنْ الشُّرَكَاءِ ‏(‏بِحُكْمِ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ وَ‏)‏ بِحُكْمِ ‏(‏الْوَكَالَةِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْأَمَانَةِ ‏(‏وَلَا يُشْتَرَطُ‏)‏ لِلشَّرِكَةِ ‏(‏خَلْطُ‏)‏ أَمْوَالِهَا وَلَا أَنْ تَكُونَ بِأَيْدِي الشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى التَّصَرُّفِ كَالْوَكَالَةِ، وَلِذَلِكَ صَحَّتْ عَلَى جِنْسَيْنِ و‏(‏لِأَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ الْعَمَلُ وَبِإِعْلَامِ الرِّبْحِ بِعِلْمِ‏)‏ الْعَمَلِ ‏(‏وَالرِّبْحُ نَتِيجَتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ ‏(‏وَالْمَالُ تَبَعٌ‏)‏ لِلْعَمَلِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ خَلْطُهُ ‏(‏فَمَا تَلِفَ‏)‏ مِنْ أَمْوَالِ الشُّرَكَاءِ ‏(‏قَبْلَ خَلْطٍ ف‏)‏ هُوَ ‏(‏مِنْ ضَمَانِ الْجَمِيعِ‏)‏ أَيْ‏:‏ جَمِيع الشُّرَكَاءِ كَمَا لَوْ زَادَ؛ لِأَنَّ مِنْ مُوجِبِ الشَّرِكَةِ تَعَلُّقَ الضَّمَانِ وَالزِّيَادَةِ بِالشُّرَكَاءِ خُلِطَ الْمَالُ أَوْ لَا لِصِحَّةِ قَسْمِ الْمَالِ ‏(‏بِ‏)‏ مُجَرَّدِ ‏(‏لَفْظٍ كَخَرْصِ‏)‏ ثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ مُشْتَرَكٍ فَكَذَلِكَ الشَّرِكَةُ، احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ‏.‏

‏(‏وَلَا تَصِحُّ‏)‏ الشَّرِكَةُ ‏(‏إنْ لَمْ يُذْكَرْ الرِّبْحُ‏)‏ فِي الْعَقْدِ كَالْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَلَا تَصِحُّ إنْ ‏(‏شُرِطَ لِبَعْضِهِمْ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشُّرَكَاءِ ‏(‏جُزْءًا‏)‏ مِنْ الرِّبْحِ ‏(‏مَجْهُولًا‏)‏ كَحِصَّةٍ أَوْ نَصِيبٍ، أَوْ مِثْلِ مَا شُرِطَ لِفُلَانٍ مَعَ جَهْلِهِ أَوْ ثُلُثِ الرِّبْحِ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَمْنَعُ تَسْلِيمَ الْوَاجِبِ؛ وَلِأَنَّ الرِّبْحَ هُوَ الْمَقْصُودِ فَلَا تَصِحُّ مَعَ جَهْلِهِ كَثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ شُرِطَ لِبَعْضِهِمْ ‏(‏دَرَاهِمُ مَعْلُومَةٌ‏)‏ كَمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ قَدْ لَا يَرْبَحُ غَيْرَهُ فَيَخْتَصُّ بِهِ مَنْ سُمِّيَ لَهُ وَهُوَ مُنَافٍ لِمَوْضُوعِ الشَّرِكَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ شُرِطَ لِبَعْضِهِمْ ‏(‏رِبْحُ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ‏)‏ كَثَوْبٍ بِعَيْنِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ رِبْحُ عَيْنٍ ‏(‏مَجْهُولَةٍ‏)‏ كَرِبْحِ ثَوْبٍ، وَكَذَا لَوْ شُرِطَ لِأَحَدِهِمْ رِبْحُ إحْدَى السَّفْرَتَيْنِ أَوْ مَا يَرْبَحُ الْمَالَ فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْبَحُ فِي ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ فَيَخْتَصُّ بِهِ مَنْ شُرِطَ لَهُ وَهُوَ مُنَافٍ لِمُقْتَضَى الشَّرِكَةِ ‏(‏وَكَذَا مُسَاقَاةٌ وَمُزَارَعَةٌ‏)‏ فَلَا يَصِحَّانِ إنْ شُرِطَ لِعَامِلٍ جُزْءٌ مَجْهُولٌ أَوْ آصُعٌ مَعْلُومَةٌ أَوْ ثَمَرَةُ شَجَرَةِ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَجْهُولَةٍ أَوْ زَرْعُ نَاحِيَةٍ بِعَيْنِهَا وَنَحْوِهِ ‏(‏وَمَا يَشْتَرِيهِ الْبَعْضُ‏)‏ مِنْ الشُّرَكَاءِ ‏(‏بَعْدَ عَقْدِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّرِكَةِ ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏لِلْجَمِيعِ‏)‏؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ وَكِيلُ الْبَاقِينَ وَأَمِينُهُمْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ فَيَخْتَصُّ بِهِ ‏(‏وَمَا أَبْرَأَهُ‏)‏ الْبَعْضُ ‏(‏مِنْ مَالِهَا‏)‏ فَمِنْ نَصِيبِهِ ‏(‏أَوْ أَقَرَّ بِهِ‏)‏ الْبَعْضُ ‏(‏قَبْلَ الْفُرْقَةِ‏)‏ أَيْ‏:‏ فَسْخِ الشَّرِكَةِ ‏(‏مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ‏)‏ لِلشَّرِكَةِ ‏(‏ف‏)‏ هُوَ ‏(‏مِنْ نَصِيبِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ لَا يَتَضَمَّنَهُ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَقَرَّ‏)‏ بَعْضُهُمْ ‏(‏بِمُتَعَلِّقٍ بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّرِكَةِ كَأُجْرَةِ دَلَّالٍ وَجِمَالٍ وَمَخْزَنٍ وَنَحْوَهُ ‏(‏ف‏)‏ هُوَ ‏(‏مِنْ‏)‏ مَالِ ‏(‏الْجَمِيعِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ ‏(‏وَالْوَضِيعَةُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْخُسْرَانُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ ‏(‏بِقَدْرِ مَالِ كُلٍّ‏)‏ مِنْ الشُّرَكَاءِ، سَوَاءٌ كَانَتْ لِتَلَفٍ أَوْ نُقْصَانِ ثَمَنٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْمَالِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ قَالَ‏)‏ مِنْ شَرِيكَيْنِ ‏(‏عَزَلْتُ شَرِيكِي صَحَّ تَصَرُّفُ الْمَعْزُولِ فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ‏)‏ مِنْ الْمَالِ فَقَطْ، وَصَحَّ تَصَرُّفُ الْعَازِلِ فِي جَمِيع الْمَالِ؛ لِعَدَمِ رُجُوعِ الْمَعْزُولِ عَنْ إذْنِهِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ‏)‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ ‏(‏فَسَخْت الشَّرِكَةَ‏)‏ ‏(‏انْعَزَلَا‏)‏ فَلَا يَتَصَرَّفُ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَّا فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي عَزْلَ نَفْسِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ صَاحِبِهِ وَعَزْلَ صَاحِبِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ نَقْدًا أَوْ عَرَضًا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ وَكَالَةٌ وَالرِّبْحُ يَدْخُلُ ضِمْنًا، وَحَقُّ الْمُضَارَبِ أَصْلِيٌّ‏.‏

‏(‏وَيُقْبَلُ قَوْلُ رَبِّ الْيَدِ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَاضِعِ يَدِهِ عَلَى شَيْءٍ‏:‏ ‏(‏إنَّ مَا بِيَدِهِ لَهُ‏)‏؛ لِظَاهِرِ الْيَدِ ‏(‏وَ‏)‏ يُقْبَلُ ‏(‏قَوْلُ مُنْكِرٍ لِلْقِسْمَةِ‏)‏ إذَا دَعَاهَا الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا‏.‏

‏(‏وَلَا تَصِحُّ‏)‏ شَرِكَةُ عِنَانٍ ‏(‏وَلَا مُضَارَبَةٍ بِنُقْرَةٍ‏)‏ وَهِيَ الْفِضَّةُ‏.‏

وَكَذَا مِنْ الذَّهَبِ ‏(‏الَّتِي لَمْ تُضْرَبْ‏)‏؛ لِأَنَّهَا كَالْعُرُوضِ ‏(‏وَلَا بِمَغْشُوشَةٍ‏)‏ غِشًّا ‏(‏كَثِيرًا وَ‏)‏ لَا ب ‏(‏فُلُوسٍ وَلَوْ‏)‏ كَانَتْ الْمَغْشُوشَةُ كَثِيرًا وَالْفُلُوسُ ‏(‏نَافِقَتَيْنِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا كَالْعُرُوضِ، بَلْ الْفُلُوسُ عُرُوضٌ مُطْلَقًا‏.‏

فَصْلُ‏:‏ ‏[‏البيع والشراء لكل من الشريكين‏]‏

‏(‏وَلِكُلٍّ‏)‏ مِنْ الشُّرَكَاءِ ‏(‏أَنْ يَبِيعَ‏)‏ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ‏(‏وَيَشْتَرِيَ‏)‏ بِهِ مُسَاوَمَةً وَمُرَابَحَةً وَمُوَاضَعَةً وَتَوْلِيَةً وَكَيْفَمَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ التُّجَّارِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏يَأْخُذَ‏)‏ ثَمَنًا وَمُثَمَّنًا ‏(‏وَيُعْطِيَ‏)‏ ثَمَنًا وَمُثَمَّنًا ‏(‏وَيُطَالِبَ‏)‏ بِالدَّيْنِ ‏(‏وَيُخَاصِمَ‏)‏ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ قَبْضَ شَيْءٍ مَلَكَ الطَّلَبَ بِهِ وَالْخُصُومَةَ فِيهِ ‏(‏وَيُحِيلَ وَيَحْتَالَ‏)‏؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا‏.‏

‏(‏وَيَرُدَّ بِعَيْبٍ لِلْحَظِّ‏)‏ فِيمَا وَلِيَ هُوَ أَوْ شَرِيكُهُ شِرَاءَهُ ‏(‏وَلَوْ رَضِيَ شَرِيكُهُ‏)‏ كَمَا لَوْ رَضِيَ بِإِهْمَالِ الْمَالِ بِلَا عَمَلٍ فَلِشَرِيكِهِ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الرِّبْحِ، مَا لَمْ يَفْسَخْ الشَّرِكَةَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏يُقِرَّ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَيْبِ فِيمَا بِيعَ مِنْ مَالِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا وَلَهُ إعْطَاءُ أَرْشِهِ وَأَنْ يَحُطَّ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ يُؤَخِّرَهُ لِلْعَيْبِ ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏يُقَايِلَ‏)‏ فِيمَا بَاعَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ حَظٌّ ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏يُؤَجِّرَ وَيَسْتَأْجِرَ‏)‏ مِنْ مَالِهَا لِجَرَيَانِ الْمَنَافِعِ مَجْرَى الْأَعْيَانِ‏.‏

وَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ أُجْرَةَ الْمُؤَجَّرَةِ وَيُعْطِيَ أُجْرَةَ الْمُسْتَأْجَرَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏يَبِيعَ نَسَاءً‏)‏ وَيَشْتَرِيَ مَعِيبًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الرِّبْحُ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏يَفْعَلُ كُلَّ مَا فِيهِ حَظٌّ‏)‏ لِلشَّرِكَةِ ‏(‏كَحَبْسِ غَرِيمٍ وَلَوْ أَبَى‏)‏ الشَّرِيكُ ‏(‏الْآخَرُ‏)‏ حَبَسَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏يُودِعَ‏)‏ مَالَ الشَّرِكَةِ ‏(‏لِحَاجَةٍ‏)‏ إلَى الْإِيدَاعِ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ التُّجَّارِ ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏يَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَنْ يَأْخُذَ رَهْنًا بِدَيْنِ الشَّرِكَةِ ‏(‏عِنْدَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يُرَادُ لِلْإِيفَاءِ، وَالِارْتِهَانَ يُرَادُ لِلِاسْتِيفَاءِ، وَهُوَ يَمْلِكُهُمَا فَكَذَا مَا يُرَادُ لَهُمَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏يُسَافِرَ‏)‏ بِالْمَالِ ‏(‏مَعَ أَمْنٍ‏)‏ لِانْصِرَافِ الْإِذْنِ الْمُطْلَقِ إلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَعَادَةُ التُّجَّارِ جَارِيَةٌ بِالتِّجَارَةِ سَفَرًا وَحَضَرًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمْنٌ لَمْ يَجُزْ‏.‏

وَضَمِنَ لِتَعَدِّيهِ ‏(‏وَمَتَى لَمْ يَعْلَمْ‏)‏ شَرِيكٌ سَافَرَ بِالْمَالِ خَوْفَهُ لَمْ يَضْمَنْ ‏(‏أَوْ‏)‏ لَمْ يَعْلَمْ ‏(‏وَلِيُّ يَتِيمٍ‏)‏ سَافَرَ بِمَالِهِ إلَى مَحَلٍّ مَخُوفٍ ‏(‏خَوْفَهُ‏)‏ لَمْ يَضْمَنْ ‏(‏أَوْ‏)‏ شَرِيكٌ أَوْ وَلِيُّ يَتِيمٍ لِمُفْلِسٍ وَلَمْ ‏(‏يَعْلَمَا فَلَسَ مُشْتَرٍ‏)‏ فَفَاتَ الثَّمَنُ ‏(‏يَضْمَنُ‏)‏ أَحَدُهُمَا مَا فَاتَ بِسَبَبِهِ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ‏.‏

وَالْغَالِبُ السَّلَامَةُ ‏(‏بِخِلَافِ شِرَائِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّرِيكِ أَوْ وَلِيِّ الْيَتِيمِ ‏(‏خَمْرًا‏)‏ لِلشَّرِكَةِ أَوْ لِلْيَتِيمِ ‏(‏جَاهِلًا‏)‏ بِهِ فَيَضْمَنُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى غَالِبًا ‏(‏وَإِنْ عَلِمَ‏)‏ شَرِيكٌ أَوْ وَلِيِّ يَتِيمٍ ‏(‏عُقُوبَةَ سُلْطَانٍ بِبَلَدٍ بِأَخْذِ مَالٍ فَسَافَرَ فَأَخَذَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَخَذَ السُّلْطَانُ مَالَ الشَّرِكَةِ أَوْ الْيَتِيمِ ‏(‏ضَمِنَ‏)‏ الْمُسَافِرُ مَا أُخِذَ مِنْهُ؛ لِتَفْرِيطِهِ بِالْأَخْذِ‏.‏

و‏(‏لَا‏)‏ يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ ‏(‏أَنْ يُكَاتِبَ قِنًّا‏)‏ مِنْ الشَّرِكَةِ ‏(‏أَوْ يُزَوِّجَهُ أَوْ يُعْتِقَهُ‏)‏ وَلَوْ ‏(‏بِمَالٍ‏)‏ إلَّا بِإِذْنٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ الْمَقْصُودَةِ بِالشَّرِكَةِ ‏(‏وَلَا أَنْ يَهَبَ‏)‏ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا بِإِذْنٍ‏.‏

وَنَقَلَ حَنْبَلٌ‏:‏ يَتَبَرَّعُ بِبَعْضِ الثَّمَنِ لِمَصْلَحَةٍ ‏(‏أَوْ يُقْرِضَ‏)‏ مِنْهُ، وَظَاهِرُهُ‏:‏ وَلَوْ بِرَهْنٍ ‏(‏أَوْ يُحَابِيَ‏)‏ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَ الشَّرِكَةِ وَهُوَ طَلَبُ الرِّبْحِ‏.‏

‏(‏أَوْ يُضَارِبَ أَوْ يُشَارِكَ بِالْمَالِ‏)‏ لِإِثْبَاتِهِ فِي الْمَالِ حُقُوقًا وَاسْتِحْقَاقِ رِبْحِهِ لِغَيْرِهِ ‏(‏أَوْ يَخْلِطَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَالَ ‏(‏بِغَيْرِهِ‏)‏ مِنْ مَالِ الشَّرِيكِ نَفْسِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ لِتَضَمُّنِهِ إيجَابَ حُقُوقٍ فِي الْمَالِ‏.‏

‏(‏أَوْ يَأْخُذَ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَالِ الشَّرِكَةِ ‏(‏سَفْتَجَة بِأَنْ يَدْفَعَ‏)‏ الشَّرِيكُ ‏(‏مِنْ مَالِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّرِكَةِ ‏(‏إلَى إنْسَانٍ وَيَأْخُذَ مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ ‏(‏كِتَابًا إلَى وَكِيلٍ بِبَلَدٍ آخَرَ يَسْتَوْفِي مِنْهُ‏)‏ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ مُوَكِّلُهُ ‏(‏أَوْ يُعْطِيَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّفْتَجَةَ ‏(‏بِأَنْ يَشْتَرِيَ الشَّرِيكُ عَرَضًا‏)‏ لِلشَّرِكَةِ ‏(‏وَيُعْطِيَ بِثَمَنِهِ كِتَابًا إلَى وَكِيلِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُشْتَرِي ‏(‏بِبَلَدٍ آخَرَ لِيَسْتَوْفِيَ‏)‏ الْبَائِعُ ‏(‏مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ فِيهِ خَطَرًا لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ لِلشَّرِيكِ ‏(‏أَنْ يُبْضِعَ‏)‏ مِنْ الشَّرِكَةِ ‏(‏وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ مَالِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّرِكَةِ ‏(‏إلَى مَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ وَيَكُونَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِلدَّافِعِ وَشَرِيكِهِ‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ ‏(‏وَلَا أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَيْهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّرِكَةِ ‏(‏بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَر مِنْ الْمَالِ أَوْ‏)‏ يَشْتَرِيَ ‏(‏بِثَمَنٍ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ جِنْسِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ فِيهَا أَكْثَر مِمَّا رَضِيَ الشَّرِيكُ بِالشَّرِكَةِ فِيهِ، أَشْبَهَ ضَمَّ شَيْءٍ إلَيْهَا مِنْ مَالِهِ ‏(‏إلَّا فِي النَّقْدَيْنِ‏)‏ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِفِضَّةٍ وَمَعَهُ ذَهَبٌ أَوْ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ التُّجَّارِ، وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ ‏(‏ إلَّا بِإِذْنِ‏)‏ شَرِيكِهِ ‏(‏فِي الْكُلِّ‏)‏ أَيْ‏:‏ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ، فَإِنْ أَذِنَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا جَازَ ‏(‏وَلَوْ قِيلَ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَالَ شَرِيكُهُ لَهُ‏:‏ ‏(‏اعْمَلْ بِرَأْيِك وَرَأَى مَصْلَحَةً‏)‏ فِيمَا تَقَدَّمَ ‏(‏جَازَ الْكُلُّ‏)‏ أَيْ‏:‏ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالتِّجَارَةِ مِنْ الْإِبْضَاعِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُشَارَكَةِ بِالْمَالِ وَالْمُزَارَعَةِ وَنَحْوِهَا، لِدَلَالَةِ الْإِذْنِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ التَّبَرُّعِ وَالْقَرْضِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهَا لِلْقَرِينَةِ كَمَا يَأْتِي فِي الْمُضَارِبِ‏.‏

‏(‏وَمَا اسْتَدَانَ‏)‏ شَرِيكٌ ‏(‏بِدُونِ إذْنِ‏)‏ شَرِيكِهِ بِاقْتِرَاضٍ أَوْ شِرَاءِ بِضَاعَةٍ ضَمَّهَا إلَى مَالِ الشَّرِكَةِ أَوْ بِثَمَنٍ نَسِيئَةً لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِهِ غَيْرُ النَّقْدَيْنِ ‏(‏فَعَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَدِينِ وَحْدَهُ الْمُطَالَبَةُ بِمَا اسْتَدَانَهُ ‏(‏وَرِبْحُهُ لَهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لِلشَّرِكَةِ ‏(‏وَإِنْ أَخَّرَ‏)‏ أَحَدُهُمَا ‏(‏حَقَّهُ مِنْ دَيْنٍ‏)‏ ‏(‏جَازَ‏)‏ لِصِحَّةِ انْفِرَادِهِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الطَّلَبِ بِهِ، كَالْإِبْرَاءِ بِخِلَافِ حَقِّ شَرِيكِهِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الَّذِي أَخَّرَ حَقَّهُ مِنْ الدَّيْنِ ‏(‏مُشَارَكَةُ شَرِيكِهِ‏)‏ الَّذِي لَمْ يُؤَخِّرْ ‏(‏فِيمَا يَقْبِضُهُ مِنْ الدَّيْنِ مِمَّا لَمْ يُؤَخِّرْ‏)‏ لِاشْتِرَاكِهِ بَيْنَهُمَا ‏(‏وَإِنْ تَقَاسَمَا دَيْنًا فِي ذِمَّةِ‏)‏ شَخْصٍ ‏(‏أَوْ أَكْثَرَ‏)‏ ‏(‏لَمْ يَصِحَّ‏)‏ نَصًّا؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ لَا تَتَكَافَأُ وَلَا تَتَعَادَلُ، وَالْقِسْمَةُ تَقْتَضِيهِمَا؛ لِأَنَّهَا بِغَيْرِ تَعْدِيلٍ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ وَبَيْعُ الدَّيْنِ غَيْرُ جَائِزٍ‏.‏

فَإِنْ تَقَاسَمَا ثُمَّ هَلَكَ بَعْضُ الدَّيْنِ فَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا وَالْهَالِكُ عَلَيْهِمَا‏.‏

‏(‏وَعَلَى كُلٍّ‏)‏ مِنْ الشُّرَكَاءِ تَوَلِّي ‏(‏مَا جَرَتْ عَادَةٌ بِتَوَلِّيهِ، مِنْ نَشْرِ ثَوْبٍ وَطَيِّهِ وَخَتْمٍ وَإِحْرَازٍ‏)‏ لِمَالِهَا وَقَبْضِ نَقْدِهِ، لِحَمْلِ إطْلَاقِ الْإِذْنِ عَلَى الْعُرْفِ‏.‏

وَمُقْتَضَاهُ تَوَلِّي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِنَفْسِهِ ‏(‏فَإِنْ فَعَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ فَعَلَ مَا عَلَيْهِ تَوَلِّيهِ بِنَائِبٍ ‏(‏بِأُجْرَةٍ‏)‏ ‏(‏ف‏)‏ هِيَ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ بَدَّلَهَا عِوَضًا عَمَّا عَلَيْهِ ‏(‏وَمَا جَرَتْ‏)‏ عَادَةٌ ‏(‏بِأَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ‏)‏ كَالنِّدَاءِ عَلَى الْمَتَاعِ ‏(‏فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ‏)‏ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إنْسَانًا ‏(‏حَتَّى شَرِيكِهِ لِفِعْلِهِ إذَا كَانَ‏)‏ فِعْلُهُ ‏(‏مِمَّا لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَتَهُ إلَّا بِعَمَلٍ كَنَقْلِ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَكَيْلِهِ، وَاسْتِئْجَارُ غَرَائِرَ شَرِيكِهِ لِنَقْلِهِ فِيهَا، أَوْ دَارِهِ لِيُحْرِزَ فِيهَا نَصًّا ‏(‏وَلَيْسَ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّرِيكِ ‏(‏فِعْلُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِعَدَمِ تَوَلِّيهِ بِنَفْسِهِ ‏(‏لِيَأْخُذَ أُجْرَتَهُ‏)‏ بِلَا اسْتِئْجَارِ صَاحِبِهِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَرَّعَ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، كَالْمَرْأَةِ الَّتِي تَسْتَحِقُّ الِاسْتِخْدَامَ إذَا خَدَمَتْ نَفْسَهَا‏.‏

وَيَحْرُمُ عَلَى شَرِيكٍ فِي زَرْعٍ فَرْكُ شَيْءٍ مِنْ سُنْبُلِهِ يَأْكُلُهُ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ ‏(‏وَبَذْلُ خِفَارَةٍ وَعُشْرٍ عَلَى الْمَالِ‏)‏ فَيَحْتَسِبُهُ الشَّرِيكُ أَوْ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ مَا أُنْفِقَ عَلَى الْمَالِ فَعَلَى الْمَالِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ مَا يُبْذَلُ ‏(‏لِمُحَارِبٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ وَظَاهِرُهُ‏:‏ وَلَوْ مِنْ مَالِ يَتِيمٍ وَلَا يُنْفِقُ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ بِدُونِ إذْنِهِ‏.‏

وَالْأَحْوَطُ‏:‏ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّفَقَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏الشروط في الشركة‏]‏

‏(‏وَالِاشْتِرَاطُ فِيهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّرِكَةِ ‏(‏نَوْعَانِ‏)‏‏:‏ نَوْعٌ ‏(‏صَحِيحٌ، كَأَنْ‏)‏ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ ‏(‏أَنْ لَا يَتَّجِرَ إلَّا فِي نَوْعِ كَذَا‏)‏ كَالْحَرِيرِ وَالْبَزِّ وَثِيَابِ الْكَتَّانِ وَنَحْوِهَا، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَعُمُّ وُجُودُهُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ لَا ‏(‏أَوْ‏)‏ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَتَّجِرَ إلَّا فِي ‏(‏بَلَدٍ بِعَيْنِهِ‏)‏ كَمَكَّةَ أَوْ دِمَشْقَ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنْ ‏(‏لَا يَبِيعَ إلَّا بِنَقْدِ كَذَا‏)‏ كَدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ صِفَتُهَا كَذَا ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ وَلَا يَبِيعَ إلَّا ‏(‏مِنْ فُلَانٍ، أَوْ‏)‏ أَنْ ‏(‏لَا يُسَافِرَ بِالْمَالِ‏)‏؛ لِأَنَّ الشَّرِكَة تَصَرُّفٌ بِإِذْنٍ فَصَحَّ تَخْصِيصُهَا بِالنَّوْعِ وَالْبَلَدِ وَالنَّقْدِ وَالشَّخْصِ كَالْوَكَالَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ نَوْعٌ ‏(‏فَاسِدٌ وَهُوَ قِسْمَانِ‏)‏‏:‏ قِسْمٌ ‏(‏مُفْسِدٌ لَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّرِكَةِ ‏(‏وَهُوَ مَا يَعُودُ بِجَهَالَةِ الرِّبْحِ‏)‏ كَشَرْطِ دِرْهَمٍ لِزَيْدٍ الْأَجْنَبِيِّ وَالْبَاقِي مِنْ الرِّبْحِ لَهُمَا، أَوْ اشْتِرَاطِ رِبْحِ مَا يُشْتَرَى مِنْ رَقِيقٍ لِأَحَدِهِمَا وَمَا يُشْتَرَى مِنْ ثِيَابٍ لِلْآخَرِ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا رِبْحُ هَذَا الْكِيسِ وَلِلْآخَرِ رِبْحُ الْكِيسِ الْآخَرِ‏.‏

وَتَقَدَّمَ أَشْيَاءُ مِنْ نَظَائِرِهِ فَتَفْسُدُ الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ بِذَلِكَ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى جَهْلِ حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الرِّبْحِ أَوْ إلَى فَوَاتِهِ؛ وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَتُفْضِي إلَى التَّنَازُعِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ قِسْمٌ فَاسِدٌ ‏(‏غَيْرُ مُفْسِدٍ‏)‏ لِلشَّرِكَةِ نَصًّا ‏(‏كَ‏)‏ اشْتِرَاطِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ‏(‏ضَمَانَ الْمَالِ‏)‏ إنْ تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ ‏(‏أَوْ أَنَّ عَلَيْهِ مِنْ الْوَضِيعَةِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْخَسَارَةِ ‏(‏أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ مَالِهِ، أَوْ أَنْ يُوَلِّيَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَنْ يُعْطِيَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ ‏(‏مَا يَخْتَارُ مِنْ السِّلَعِ‏)‏ الَّتِي يَشْتَرِيهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنْ ‏(‏يَرْتَفِقَ بِهَا‏)‏ كَلُبْسِ ثَوْبٍ أَوْ اسْتِخْدَامِ عَبْدٍ أَوْ رُكُوبِ دَابَّةٍ‏.‏

أَوْ يَشْتَرِطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ فِي الْمُضَارَبَةِ أَنْ يُضَارِبَ فِي مَالٍ آخَرَ، أَوْ يَأْخُذَهُ بِضَاعَةً أَوْ قَرْضًا، أَوْ يَخْدُمَهُ فِي كَذَا أَوْ أَنَّهُ مَتَى بَاعَ السِّلْعَةَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنْ ‏(‏لَا يَفْسَخَ الشَّرِكَةَ مُدَّةَ كَذَا‏)‏ أَوْ أَبَدًا أَوْ أَنْ لَا يَبِيعَ إلَّا بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ أَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَى مِنْهُ، أَوْ أَنْ لَا يَبِيعَ فِيهَا وَلَا يَشْتَرِيَ وَنَحْوَهُ‏.‏

فَهَذِهِ الشُّرُوطُ كُلُّهَا فَاسِدَةٌ؛ لِتَفْوِيتِهَا الْمَقْصُودَ مِنْ عَقْدِ الشَّرِكَةِ، أَوْ مَنْعَ الْفَسْخِ الْجَائِزِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ، وَالشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةٌ كَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِمَا‏.‏

‏(‏وَإِذَا فَسَدَتْ‏)‏ الشَّرِكَةُ بِجَهَالَةِ الرِّبْحِ أَوْ غَيْرِهَا ‏(‏قُسِّمَ رِبْحُ شَرِكَةِ عِنَانٍ‏)‏ وَرِبْحُ شَرِكَةِ وُجُوهٍ عَلَى ‏(‏قَدْرِ الْمَالَيْنِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُمَا كَمَا لَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكَيْنِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ قُسِّمَ ‏(‏أَجْرُ مَا تَقَبَّلَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّرِيكَانِ مِنْ عَمَلٍ ‏(‏فِي شَرِكَةِ أَبْدَانٍ‏)‏ عَلَيْهِمَا ‏(‏بِالسَّوِيَّةِ‏)‏ اُسْتُحِقَّ بِالْعَمَلِ وَهُوَ مِنْهُمَا ‏(‏وَوُزِّعَتْ‏)‏ أَيْ‏:‏ قُسِّمَتْ ‏(‏وَضِيعَةٌ عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلٍّ‏)‏ مِنْ الشُّرَكَاءِ ‏(‏وَرَجَعَ كُلٌّ مِنْ شَرِيكَيْنِ فِي‏)‏ شَرِكَةِ ‏(‏عِنَانٍ وَ‏)‏ شَرِكَةِ ‏(‏وُجُوهٍ وَ‏)‏ شَرِكَةِ ‏(‏أَبْدَانٍ بِأُجْرَةِ نِصْفِ عَمَلِهِ‏)‏؛ لِعَمَلِهِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ بِعَقْدٍ يَبْتَغِي بِهِ الْفَضْلَ فِي ثَانِي الْحَالِ فَوَجَبَ أَنْ يُقَابِلَ الْعَمَلَ فِيهِ عِوَضٌ كَالْمُضَارَبَةِ‏.‏

فَإِذَا كَانَ عَمَلُ أَحَدِهِمَا مَثَلًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَالْآخَرِ خَمْسَةً تَقَاصَّا بِدِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ وَرَجَعَ ذُو الْعَشَرَةِ بِدِرْهَمَيْنِ ونِصْفٍ ‏(‏وَ‏)‏ يَرْجِعُ كُلٌّ ‏(‏مِنْ ثَلَاثَةِ‏)‏ شُرَكَاءَ عَلَى شَرِيكِهِ ‏(‏بِأُجْرَةِ ثُلُثَيْ عَمَلِهِ‏)‏ وَمِنْ أَرْبَعَةٍ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ‏.‏

وَهَكَذَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الشَّرِيكَيْنِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ تَعَدَّى‏)‏ مِنْ الشُّرَكَاءِ بِمُخَالَفَةٍ وَإِتْلَافٍ ‏(‏ضَمِنَ‏)‏ أَيْ‏:‏ صَارَ ضَامِنًا لِمَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ، صَحَّتْ الشَّرِكَةُ أَوْ فَسَدَتْ لِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ كَالْغَاصِبِ ‏(‏وَرِبْحِ مَالٍ‏)‏ تَعَدَّى فِيهِ ‏(‏لِرَبِّهِ‏)‏ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالٍ تَصَرَّفَ فِيهِ غَيْرُ مَالِكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَكَانَ لِمَالِكِهِ كَمَا لَوْ غَصَبَهُ حِنْطَةً وَزَرَعَهَا‏.‏

‏(‏وَعَقْدٌ فَاسِدٌ فِي كُلِّ أَمَانَةٍ وَتَبَرُّعٍ كَمُضَارَبَةٍ وَشَرِكَةٍ وَوَكَالَةٍ الْوَدِيعَةٍ وَرَهْنٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَهَدِيَّةٍ وَوَقْفٍ ‏(‏كَ‏)‏ عَقْدٍ ‏(‏صَحِيحٍ فِي ضَمَانٍ وَعَدَمِهِ‏)‏ فَلَا يَضْمَنُ مِنْهَا مَا لَا يَضْمَنُ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ؛ لِدُخُولِهِمَا عَلَى ذَلِكَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ قَابِضُ الزَّكَاةِ إذَا كَانَ غَيْرَ أَهْلٍ لِقَبْضِهَا مَا قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِهِ، وَهُوَ مُفَرِّطٌ بِقَبْضِ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَبْضُهُ، فَهُوَ مِنْ الْقَبْضِ الْبَاطِلِ لَا الْفَاسِدِ ‏(‏وَكُلُّ‏)‏ عَقْدٍ ‏(‏لَازِمٍ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ يَجِبُ فِي فَاسِدِهِ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَنِكَاحٍ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَقَرْضٍ‏.‏

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْعُقُودِ إنْ أَوْجَبَ الضَّمَانَ فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُهُ فَكَذَلِكَ فَاسِدُهُ‏.‏

وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ حَالٍ ضَمِنَ فِيهَا فِي الصَّحِيحِ ضَمِنَ فِيهَا فِي الْفَاسِدِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ لَا تُضْمَنُ فِيهِ الْمَنْفَعَةُ بَلْ الْعَيْنُ بِالثَّمَنِ، وَالْمَقْبُوضُ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ يَجِبُ ضَمَانُ الْأُجْرَةِ، وَالْإِجَارَةُ الصَّحِيحَةُ تَجِبُ فِيهَا الْأُجْرَةُ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا، انْتَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ، وَفِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ رِوَايَتَانِ، وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ يَسْتَقِرُّ فِيهِ الْمَهْرُ بِالْخَلْوَةِ دُونَ الْفَاسِدِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏المضاربة‏]‏

الضَّرْبُ الثَّانِي‏:‏ الْمُضَارَبَةُ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ أَيْ‏:‏ السَّفَرِ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ، أَوْ مِنْ ضَرَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِسَهْمٍ فِي الرِّبْحِ، وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونَهَا قَرْضًا مِنْ قَرَضَ الْفَأْرُ الثَّوْبَ أَيْ‏:‏ قَطَعَهُ كَأَنَّ رَبَّ الْمَالِ اقْتَطَعَ لِلْعَامِلِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ وَسَلَّمَهَا لَهُ، وَاقْتَطَعَ لَهُ قِطْعَةً مِنْ رِبْحِهَا، أَوْ مِنْ الْمُقَارَضَةِ بِمَعْنَى الْمُوَازَنَةِ، يُقَالُ‏:‏ تَقَارَضَ الشَّاعِرَانِ إذَا تَوَازَنَا‏.‏

وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِهَا‏.‏

وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا‏.‏

‏(‏وَهِيَ‏)‏ شَرْعًا ‏(‏دَفْعُ مَالٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ نَقْدٍ مَضْرُوبٍ غَيْرِ مَغْشُوشٍ كَثِيرًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي الشَّرِكَةِ ‏(‏وَمَا فِي مَعْنَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَعْنَى الدَّفْعِ، كَوَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ وَغَصْبٍ إذَا قَالَ رَبُّهَا لِمَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ‏:‏ ضَارِبْ بِهَا عَلَى كَذَا ‏(‏مُعَيَّنٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَالِ‏.‏

فَلَا يَصِحُّ‏:‏ ضَارِبْ بِإِحْدَى هَذَيْنِ الْكِيسَيْنِ، تَسَاوَى مَا فِيهِمَا أَوْ اخْتَلَفَ، عَلِمَا مَا فِيهِمَا أَوْ جَهِلَاهُ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ تَمْنَعُ صِحَّتَهُ الْجَهَالَةُ فَلَمْ تَجُزْ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْبَيْعِ ‏(‏مَعْلُومٍ قَدْرُهُ‏)‏ فَلَا تَصِحُّ بِصُبْرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى رَأْسِ الْمَالِ عِنْدَ الْفَسْخِ؛ لِيُعْلَمَ الرِّبْحُ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مَعَ الْجَهْلِ ‏(‏لِمَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَالِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِ ‏"‏ دَفْعُ ‏"‏ ‏(‏بِجُزْءٍ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ ب يَتَّجِرُ ‏(‏مَعْلُومٍ مِنْ رِبْحِهِ‏)‏ كَنِصْفِهِ أَوْ عُشْرِهِ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِلْمُتَّجِرِ فِيهِ ‏(‏أَوْ لِقِنِّهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لِقِنِّهِ لَهُ‏.‏

فَلَوْ جَعَلَاهُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ عَبْدِ أَحَدِهِمَا أَثْلَاثًا كَانَ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ الثُّلُثَانِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَكَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرَاهُ أَيْ‏:‏ الْعَبْدَ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ‏(‏أَوْ‏)‏ لِلْمُتَّجِرِ فِيهِ ‏(‏وَلِأَجْنَبِيٍّ مَعَ عَمَلٍ مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَجْنَبِيِّ‏.‏

كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ خُذْهُ فَاتَّجِرْ بِهِ أَنْتَ وَفُلَانٌ وَمَا رُبِحَ فَلَكُمَا نِصْفُهُ، فَيَكُونَانِ عَامِلَيْنِ فِي الْمَالِ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا عَمَلًا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لَمْ تَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ يَعُودُ إلَى الرِّبْحِ كَشَرْطِ دَرَاهِمَ وَإِنْ قَالَ‏:‏ لَك الثُّلُثَانِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَ امْرَأَتَكَ نِصْفَهُ فَكَذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ هُنَا غَيْرُ قِنِّهِمَا، وَلَوْ وَالِدًا أَوْ وَلَدًا لِأَحَدِهِمَا ‏(‏وَتُسَمَّى‏)‏ الْمُضَارَبَةُ ‏(‏قَرْضًا‏)‏ وَتَقَدَّمَ ‏(‏وَ‏)‏ تُسَمَّى أَيْضًا ‏(‏مُعَامَلَةً‏)‏ مِنْ الْعَمَلِ ‏(‏وَهِيَ أَمَانَةٌ‏)‏ بِدَفْعِ الْمَالِ ‏(‏وَوَكَالَةٌ‏)‏ بِالْإِذْنِ فِي الصَّرْفِ ‏(‏فَإِنْ رَبِحَ‏)‏ الْمَالُ بِالْعَمَلِ ‏(‏فَشَرِكَةٌ‏)‏ لِصَيْرُورَتِهِمَا شَرِيكَيْنِ فِي رِبْحِ الْمَالِ ‏(‏وَإِنْ فَسَدَتْ‏)‏ الْمُضَارَبَةُ ‏(‏فَإِجَارَةٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ تَعَدَّى‏)‏ عَامِلٌ فِي الْمَالِ فَفَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ ‏(‏ف‏)‏ ك ‏(‏غَصْبٍ‏)‏ فِي الضَّمَانِ لِتَعَدِّيهِ وَيَرُدُّ الْمَالَ وَرِبْحَهُ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى‏:‏ وَإِنْ تَعَدَّى الْمُضَارِبُ الشَّرْطَ أَوْ فِعْلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ أَوْ تَرْكُ مَا يَلْزَمُهُ ضَمِنَ الْمَالَ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَرِبْحُهُ لِرَبِّهِ، وَعَنْهُ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ‏.‏

‏(‏وَلَا يُعْتَبَرُ‏)‏ لِمُضَارَبَةٍ ‏(‏قَبْضُ‏)‏ عَامِلٍ ‏(‏رَأْسَ الْمَالِ‏)‏ فَتَصِحُّ وَإِنْ كَانَ بِيَدِ رَبِّهِ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ الْعَمَلُ ‏(‏وَلَا الْقَوْلُ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَوْلُ‏:‏ قَبِلْتُ وَنَحْوُهُ ‏(‏فَتَكْفِي مُبَاشَرَتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَامِلِ ‏(‏لِلْعَمَلِ‏)‏ وَيَكُونُ قَبُولًا لَهَا كَالْوَكَالَةِ‏.‏

‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ الْمُضَارَبَةُ ‏(‏مِنْ مَرِيضٍ‏)‏ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ يَبْتَغِي الْفَضْلَ أَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ ‏(‏وَلَوْ سَمَّى‏)‏ فِيهَا ‏(‏لِعَامِلِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ‏)‏ فَيَسْتَحِقُّهُ ‏(‏وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ مِنْ مَالِ رَبِّ الْمَالِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ بِعَمَلِ الْمُضَارِبِ فِي الْمَالِ، فَمَا يَحْصُلُ مِنْ الرِّبْحِ الْمَشْرُوطِ يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْعَامِلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَابَى أَجِيرًا فِي الْأَجْرِ فَإِنَّ الْأَجْرَ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ، أَوْ سَاقَى أَوْ زَارَعَ مُحَابَاةً، فَتُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ لِخُرُوجِ الْمَشْرُوطِ فِيهِمَا مِنْ عَيْنِ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ الرِّبْحِ فِي الْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْعَمَلِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ قَوْلُ رَبِّ مَالٍ لِآخَرَ ‏(‏اتَّجِرْ بِهِ وَكُلُّ رِبْحِهِ لِي إبْضَاعٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ بِهِ حُكْمَ الْإِبْضَاعِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ ‏(‏لَا حَقَّ لِلْعَامِلِ فِيهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ‏:‏ وَعَلَيْكَ ضَمَانُهُ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ لِآخَرَ ‏(‏اتَّجِرْ بِهِ وَكُلُّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرِّبْحِ ‏(‏لَك قَرْضٌ‏)‏ لَا مُضَارَبَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ بِهِ حُكْمَ الْقَرْضِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ مَعَهُ‏:‏ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْكَ لَمْ يَنْتَفِ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ ‏(‏لَا حَقَّ لِرَبِّهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الدَّافِعِ ‏(‏فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرِّبْحِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ‏:‏ اتَّجِرْ بِهِ وَالرِّبْحُ ‏(‏بَيْنَنَا‏)‏ صَحَّ مُضَارَبَةً و‏(‏يَسْتَوِيَانِ فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرِّبْحِ لِإِضَافَتِهِ إلَيْهِمَا إضَافَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَتَرَجَّحْ بِهِ أَحَدُهُمَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ ‏(‏خُذْهُ مُضَارَبَةً وَلَك‏)‏ رِبْحُهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً ‏(‏وَلِي رِبْحُهُ لَمْ يَصِحَّ‏)‏ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ الصَّحِيحَةَ تَقْتَضِي كَوْنَ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِذَا شُرِطَ اخْتِصَاصُ أَحَدِهِمَا بِهِ فَقَدْ شُرِطَ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَفَسَدَ، كَمَا لَوْ شُرِطَ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَقُلْ‏:‏ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِمَا أُثْبِتَ حُكْمُهُ مِنْ الْإِبْضَاعِ وَالْقَرْضِ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ اتَّجِرْ بِهِ ‏(‏وَلِي‏)‏ ثُلُثُ الرِّبْحِ يَصِحُّ وَبَاقِيهِ لِلْآخَرِ، ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ‏:‏ اتَّجِرْ بِهِ ‏(‏وَلَك ثُلُثُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرِّبْحِ ‏(‏يَصِحُّ‏)‏ مُضَارَبَةً ‏(‏وَبَاقِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرِّبْحِ ‏(‏لِلْآخَرِ‏)‏ الَّذِي لَمْ يُسَمِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُمَا‏.‏

وَإِنْ قُدِّرَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا مِنْهُ فَالْبَاقِي لِلْآخَرِ بِمَفْهُومِ اللَّفْظِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ‏}‏ لِمَا لَمْ يَذْكَرْ نَصِيبُ الْأَبِ عُلِمَ أَنَّ الْبَاقِي لَهُ وَكَذَا لَوْ وَصَّى بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَقَالَ‏:‏ لِزَيْدٍ مِنْهَا ثَلَاثُونَ فَالْبَاقِي لِعَمْرٍو، أَوْ اتَّجِرْ بِهِ وَلَك نِصْفٌ وَلِي ثُلُثٌ وَسَكَتَ عَنْ السُّدُسِ صَحَّ وَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ، وَخُذْهُ مُضَارَبَةً عَلَى الثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ أَوْ بِالثُّلُثِ وَنَحْوَهُ صَحَّ وَالْمُقَدَّرُ لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يُرَادُ لِأَجْلِهِ وَرَبُّ الْمَالِ يَسْتَحِقُّ بِمَالِهِ لَا بِالشَّرْطِ، وَالْعَامِلُ يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ وَهُوَ يَكْثُرُ وَيَقِلُّ وَإِنَّمَا تَتَقَدَّرُ حِصَّتُهُ بِالشَّرْطِ ‏(‏وَإِنْ أَتَى مَعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الثُّلُثِ وَنَحْوِهِ ‏(‏بِرُبُعِ عُشْرِ الْبَاقِي‏)‏ بِأَنْ قَالَ‏:‏ اتَّجِرْ بِهِ وَلَك الثُّلُثُ وَرُبُعُ عُشْرِ الْبَاقِي مِنْ الرِّبْحِ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ كَاتَّجِرْ بِهِ عَلَى الرُّبُعِ وَخُمُسِ ثُمُنِ الْبَاقِي ‏(‏صَحَّ‏)‏ وَإِنْ جَهِلَا الْحِسَابَ؛ لِأَنَّهَا أَجْزَاءٌ مَعْلُومَةٌ مُقَدَّرَةٌ تَخْرُجُ بِالْحِسَابِ لَا تَخْتَصُّ بِهِمَا‏.‏

‏(‏وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُضَارَبَةِ لِمَنْ الْمَشْرُوطُ‏؟‏ فَلِعَامِلٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ اخْتَلَفَا ‏(‏فِي مُسَاقَاةٍ أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏مُزَارَعَةٍ لِمَنْ‏)‏ الْجُزْءُ ‏(‏الْمَشْرُوطُ‏؟‏ ف‏)‏ هُوَ ‏(‏لِعَامِلٍ‏)‏؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمَالِهِ لِكَوْنِهِ نَمَاءَهُ وَفَرْعَهُ، وَالْعَامِلُ يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ ‏(‏وَمُضَارَبَةٍ فِيمَا لِعَامِلٍ أَنْ يَفْعَلُهُ‏)‏ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَأَخْذٍ وَإِعْطَاءٍ وَرَدٍّ بِعَيْبٍ وَبَيْعِ نَسَاءٍ وَبِعَرَضٍ وَشِرَاءِ مَعِيبٍ وَإِيدَاعٍ لِحَاجَةٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ‏(‏أَوْ لَا‏)‏ يَفْعَلُهُ كَعِتْقٍ وَكِتَابَةٍ وَقَرْضٍ وَأَخْذِ سَفْتَجَةٍ وَإِعْطَائِهَا وَنَحْوِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏مَا يَلْزَمُهُ‏)‏ مِنْ نَشْرٍ وَطَيٍّ وَخَتْمٍ وَحِرْزٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَفِي شُرُوطٍ‏)‏ صَحِيحَةٍ وَمُفْسِدَةٍ وَفَاسِدَةٍ ‏(‏كَشَرِكَةِ عِنَانٍ‏)‏ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ بِالْإِذْنِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ قِيلَ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِعَامِلٍ ‏(‏اعْمَلْ بِرَأْيِكَ‏)‏ أَوْ بِمَا أَرَاك اللَّهُ تَعَالَى ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَامِلُ ‏(‏مُضَارِبٌ بِالنِّصْفِ فَدَفَعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَالَ ‏(‏ل‏)‏ عَامِلٍ ‏(‏آخَرَ‏)‏ لِيَعْمَلَ بِهِ ‏(‏بِالرُّبُعِ‏)‏ مِنْ رِبْحِهِ صَحَّ، و‏(‏عُمِلَ بِهِ‏)‏ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى دَفْعَهُ إلَى أَبْصَرَ مِنْهُ‏.‏

وَإِنْ قَالَ‏:‏ أَذَنْتُك فِي دَفْعِهِ مُضَارَبَةً صَحَّ، وَالْمَقُولُ لَهُ وَكِيلٌ لِرَبِّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ دَفَعَهُ لِآخَرَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ صَحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ مَالٌ وَلَا عَمَلٌ وَالرِّبْحُ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا‏.‏

‏(‏وَمَلَكَ‏)‏ الْعَامِلُ أَيْضًا إذَا قِيلَ لَهُ‏:‏ اعْمَلْ بِرَأْيِك أَوْ بِمَا أَرَاك اللَّهُ ‏(‏الزِّرَاعَةَ‏)‏؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يُبْتَغَى بِهَا النَّمَاءُ فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ فِي الْمُزَارَعَةِ لَمْ يَضْمَنْهُ و‏(‏لَا‏)‏ يَمْلِكُ مَنْ قِيلَ لَهُ‏:‏ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ أَوْ بِمَا أَرَاك اللَّهُ ‏(‏التَّبَرُّعَ وَنَحْوَهُ‏)‏ كَقَرْضٍ وَمُكَاتَبَةِ رَقِيقٍ وَعِتْقِهِ بِمَالٍ وَتَزْوِيجِهِ ‏(‏إلَّا بِإِذْنٍ‏)‏ صَرِيحٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُبْتَغَى بِهِ التِّجَارَةُ‏.‏

‏(‏وَإِنْ فَسَدَتْ‏)‏ الْمُضَارَبَةُ ‏(‏فَلِعَامِلٍ أُجْرَةُ مِثْلِهِ‏)‏ نَصًّا ‏(‏وَلَوْ خَسِرَ‏)‏ الْمَالُ وَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الْمُضَارَبَةِ وَحَيْثُ فَاتَهُ الْمُسَمَّى وَجَبَ رَدُّ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ إلَّا لِيَأْخُذَ عِوَضَهُ، وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ وَهِيَ أُجْرَةُ مِثْلِهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى مَنْ تَلِفَ بِيَدِهِ إذَا تَقَابَضَا وَتَلِفَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ‏.‏

لَكِنْ لَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ‏:‏ خُذْهُ مُضَارَبَةً وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ لِتَبَرُّعِهِ بِعَمَلِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَعَانَهُ أَوْ تَوَكَّلَ لَهُ بِلَا جُعْلٍ‏.‏

‏(‏وَإِنْ رَبِحَ‏)‏ فِي مُضَارَبَةٍ فَاسِدَةٍ ‏(‏ف‏)‏ الرِّبْحُ ‏(‏لِلْمَالِكِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ‏.‏

‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ الْمُضَارَبَةُ ‏(‏مُؤَقَّتَةً‏)‏ كَضَارِبْ بِهَذَا الْمَالِ سَنَةً؛ لِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ يَتَقَيَّدُ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَالِ فَجَازَ تَقْيِيدُهُ بِالزَّمَانِ كَالْوَكَالَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ‏:‏ ضَارِبْ بِهَذَا الْمَالِ و‏(‏إذَا مَضَى كَذَا فَلَا تَشْتَرِ‏)‏ شَيْئًا ‏(‏أَوْ فَهُوَ قَرْضٌ فَإِذَا مَضَى‏)‏ الْوَقْتُ الْمُعَيَّنُ لَمْ يَشْتَرِ فِي الْأُولَى وَإِنْ مَضَى فِي الثَّانِيَةِ ‏(‏وَهُوَ مَتَاعٌ فَلَا بَأْسَ‏)‏ بِهِ ‏(‏إذَا بَاعَهُ كَانَ قَرْضًا‏)‏ نَصًّا نَقَلَهُ مُهَنَّا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ ‏(‏مُعَلَّقَةً‏)‏؛ لِأَنَّهَا إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ فَجَازَ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ كَالْوَكَالَةِ ‏(‏كَإِذَا جَاءَ زَيْدٌ فَضَارِبْ بِهَذَا‏)‏ الْمَالِ ‏(‏أَوْ اقْبِضْ دَيْنِي‏)‏ مِنْ فُلَانٍ ‏(‏وَضَارِبْ بِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ وَمَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ، فَجَازَ جَعْلُهُ مُضَارَبَةً إذَا قَبَضَهُ كَاقْبِضْ أَلْفًا مِنْ غُلَامِي وَضَارِبْ بِهِ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ تَصِحُّ إنْ قَالَ‏:‏ ‏(‏ضَارِبْ بِدَيْنِي عَلَيْكَ أَوْ‏)‏ ضَارِبْ بِدَيْنِي ‏(‏عَلَى زَيْدٍ فَاقْبِضْهُ‏)‏؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ مِلْكٌ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَلَا يَمْلِكُهُ رَبُّهُ إلَّا بِقَبْضِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَإِنْ قَالَ‏:‏ اعْزِلْ دَيْنِي عَلَيْكَ وَقَدْ قَارَضْتُك بِهِ فَفَعَلَ وَاشْتَرَى بِعَيْنِهِ شَيْئًا لِلْمُضَارَبَةِ فَالشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ فَحَصَلَ الشِّرَاءُ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْقَرْضَ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَإِذَا قَبَضْته فَقَدْ جَعَلْتُهُ بِيَدِكَ مُضَارَبَةً فَفَعَلَ صَحَّ لِصِحَّةِ قَبْضِ الْوَكِيلِ مِنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِهِ‏.‏

‏(‏وَيَصِحُّ‏)‏ إنْ قَالَ‏:‏ ضَارِبْ ‏(‏بِوَدِيعَةٍ‏)‏ لِي عِنْدَ زَيْدٍ أَوْ عِنْدَك مَعَ عِلْمِهِمَا قَدْرَهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ فَجَازَ أَنْ يُضَارِبَهُ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ فَإِنْ كَانَتْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ عَلَى وَجْهٍ يَضْمَنُهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَارِبَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ مُضَارَبَةٌ إذَا قَالَ‏:‏ ضَارِبْ ب ‏(‏غَصْبٍ‏)‏ لِي ‏(‏عِنْدَ زَيْدٍ أَوْ عِنْدَك‏)‏ مَعَ عِلْمِهِمَا قَدْرَهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يَصِحُّ بَيْعُهُ مِنْ غَاصِبِهِ، وَقَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ فَأَشْبَهَ الْوَدِيعَةَ وَكَذَا بِعَارِيَّةٍ ‏(‏وَيَزُولُ الضَّمَانُ‏)‏ عَنْ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُمْسِكًا لَهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ لَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ وَلَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَبَضَهُ مَالِكُهُ ثُمَّ أَقَبَضَهُ لَهُ فَإِنْ تَلِفَا فَكَمَا تَقَدَّمَ ‏(‏كَ‏)‏ مَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ ‏(‏بِثَمَنِ عَرَضٍ‏)‏ بَاعَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ ثُمَّ ضَارَبَهُ عَلَى ثَمَنِهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ عَمِلَ مَعَ مَالِكِ‏)‏ نَقْدٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ أَرْضٍ وَحَبٍّ فِي تَنْمِيَةِ ذَلِكَ بِأَنْ عَاقَدَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ فِيهِ ‏(‏وَالرِّبْحُ‏)‏ فِي الْمُضَارَبَةِ أَوْ الثَّمَرِ فِي الْمُسَاقَاةِ أَوْ الزَّرْعِ فِي الْمُزَارَعَة ‏(‏بَيْنَهُمَا‏)‏ أَنْصَافًا أَوْ أَثْلَاثًا وَنَحْوَهُ ‏(‏صَحَّ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏وَكَانَ مُضَارَبَةً‏)‏ فِي مَسْأَلَةِ النَّقْدِ نَصًّا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْمُضَارَبَةِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِهِمَا مَعَ وُجُودِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ ‏(‏وَ‏)‏ كَانَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّجَرِ ‏(‏مُسَاقَاةً وَ‏)‏ فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْضِ وَالْحَبِّ ‏(‏مُزَارَعَةً‏)‏ قِيَاسًا عَلَى الْمُضَارَبَةِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ شَرَطَ‏)‏ الْعَامِلُ ‏(‏فِيهِنَّ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ ‏(‏عَمَلَ مَالِكٍ أَوْ‏)‏ عَمَلَ ‏(‏غُلَامِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ رَقِيقِهِ ‏(‏مَعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَامِلِ بِأَنْ شَرَطَ أَنْ يُعِينَهُ فِي الْعَمَلِ ‏(‏صَحَّ، ك‏)‏ شَرْطِهِ عَلَيْهِ عَمَلَ ‏(‏بَهِيمَتِهِ‏)‏ بِأَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا وَنَحْوِهِ‏.‏

وَيَجُوزُ دَفْعُ مُضَارَبَةٍ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَمَا شُرِطَ مِنْ الرِّبْحِ فِي نَظِيرِ الْعَمَلِ فَعَلَى عَدَدِهِمْ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَإِنْ فُوضِلَ بَيْنَهُمْ فِيهِ جَازَ‏.‏

وَإِنْ قَارَضَ اثْنَانِ وَاحِدًا بِأَلْفٍ لَهُمَا عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ الرِّبْحِ مَثَلًا جَازَ، وَإِنْ جَعَلَ لَهُ أَحَدُهُمَا نِصْفَ رِبْحِ حِصَّتِهِ وَالْآخَرُ الثُّلُثَ أَوْ نَحْوَهُ صَحَّ وَبَاقِي رِبْحِ كُلِّ مَالٍ لِرَبِّهِ، وَإِنْ جَعَلَا الْبَاقِي مِنْ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَشْتَرِطُ جُزْءًا مِنْ رِبْحِ مَالِ الْآخَرِ بِلَا عَمَلٍ مِنْهُ، وَإِنْ دَفَعَ وَاحِدٌ لِآخَرَ أَلْفَيْنِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي أَحَدِهِمَا بِالنِّصْفِ، وَفِي الْآخَرِ بِالثُّلُثِ وَنَحْوَهُ صَحَّ، حَيْثُ عَيَّنَ كُلًّا مِنْهُمَا، بِخِلَافِ اعْمَلْ فِي هَذَا بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ فِي الْآخَرِ بِالثُّلُثِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏شراء من يعتق على رب المال‏]‏

وَلَيْسَ لِعَامِلٍ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَظَاهِرُهُ لِقَرَابَةٍ أَوْ تَعْلِيقٍ أَوْ إقْرَارٍ بِحُرِّيَّتِهِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرًا وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ الرِّبْحُ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا ‏(‏فَإِنْ فَعَلَ‏)‏ أَيْ‏:‏ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ‏(‏صَحَّ‏)‏ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ قَابِلٌ لِلْعُقُودِ، فَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ كَغَيْرِهِ ‏(‏وَعَتَقَ‏)‏ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِهِ ‏(‏وَضَمِنَ‏)‏ عَامِلٌ ‏(‏ثَمَنَهُ‏)‏ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ لِمُخَالَفَتِهِ ‏(‏وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ‏)‏ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ انْفَسَخَتْ فِي قَدْرِ ثَمَنِهِ؛ لِتَلَفِهِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ كُلَّ الْمَالِ انْفَسَخَتْ كُلُّهَا، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ اشْتَرَى‏)‏ عَامِلٌ ‏(‏وَلَوْ بَعْضَ زَوْجٍ أَوْ‏)‏ بَعْضَ ‏(‏زَوْجَةٍ لِمَنْ لَهُ فِي الْمَالِ مِلْكٌ‏)‏ وَلَوْ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ ‏(‏صَحَّ‏)‏ الشِّرَاءُ لِوُقُوعِهِ عَلَى مَا يُمْكِنُ طَلَبُ الرِّبْحِ فِيهِ كَالْأَجْنَبِيِّ ‏(‏وَانْفَسَخَ نِكَاحُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُشْتَرِي كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُجَامِعُ الْمِلْكَ، وَيَتَنَصَّفُ الْمَهْرُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِشِرَاءِ زَوْجَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْعَامِلِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ اشْتَرَى زَوْجَ رَبَّةِ الْمَالِ فِيمَا يَفُوتُهَا مِنْ مَهْرٍ وَنَفَقَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى الْمُضَارَبَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ الْمَالِ أَوْ فِي ذِمَّتِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ اشْتَرَى‏)‏ عَامِلُ الْمُضَارَبَةِ ‏(‏مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُضَارِبِ، كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ ‏(‏وَظَهَرَ رِبْحٌ‏)‏ فِي الْمُضَارَبَةِ بِحَيْثُ يَخْرُجُ ثَمَنُ الْأَبِ وَالْأَخِ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ سَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ ظَاهِرًا حِينَ الشِّرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بَاقٍ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ ‏(‏عَتَقَ‏)‏ كُلُّهُ؛ لِمِلْكِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ بِالظُّهُورِ وَكَذَا إنْ لَمْ يَخْرُجْ كُلُّ ثَمَنِهِ مِنْ الرِّبْحِ لَكِنَّهُ مُوسِرٌ بِقِيمَةِ بَاقِيهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بِفِعْلِهِ فَعِتْقُهُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِمَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ حَتَّى بَاعَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ‏(‏فَلَا‏)‏ يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ‏.‏

‏(‏وَلَيْسَ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَامِلِ ‏(‏الشِّرَاءُ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِنَفْسِهِ ‏(‏مِنْ مَالِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُضَارَبَةِ ‏(‏إنْ ظَهَرَ رِبْحٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَرِيكًا فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ صَحَّ شِرَاؤُهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَوْ بِإِذْنِهِ كَالْوَكِيلِ ‏(‏وَيَحْرُمُ‏)‏ عَلَى الْعَامِلِ ‏(‏أَنْ يُضَارِبَ‏)‏ أَيْ‏:‏ يَأْخُذَ مُضَارَبَةً ‏(‏لِآخَرَ إنْ أَضَرَّ‏)‏ اشْتِغَالُهُ بِالْعَمَلِ فِي مَالِ الثَّانِي رَبِّ الْمَالِ ‏(‏الْأَوَّلِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ مَقْصُودَ الْمُضَارَبَةِ مِنْ طَلَبِ النَّمَاءِ وَالْحَظِّ، فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ الْأَوَّلَ، بِأَنْ كَانَ مَالُ الثَّانِي يَسِيرًا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ الْعَمَلِ فِي مَالِ الْأَوَّلِ جَازَ ‏(‏فَإِنْ فَعَلَ‏)‏ أَيْ‏:‏ ضَارَبَ لِآخَرَ حَيْثُ يَضُرُّ الْأَوَّلَ ‏(‏رَدَّ‏)‏ الْعَامِلُ ‏(‏مَا خَصَّهُ‏)‏ مِنْ رِبْحِ الْمُضَارَبَةِ الثَّانِيَةِ فِي شَرِكَةِ الْأَوَّلِ نَصًّا، فَيَدْفَعُ لِرَبِّ الْمُضَارَبَةِ الثَّانِيَةِ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَيَأْخُذُ نَصِيبَ الْعَامِلِ، فَيُضَمُّ لِرِبْحِ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى وَيَقْتَسِمُهُ مَعَ رَبِّهَا عَلَى مَا اشْتَرَطَاهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِالْمَنْفَعَةِ الَّتِي اُسْتُحِقَّتْ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَرَدَّهُ فِي الْمُغْنِي كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ‏.‏

‏(‏وَلَا يَصِحُّ لِرَبِّ الْمَالِ الشِّرَاءُ مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ‏(‏لِنَفْسِهِ‏)‏ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ كَشِرَائِهِ مِنْ وَكِيلِهِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ، ‏(‏وَإِنْ اشْتَرَى شَرِيكٌ نَصِيبَ شَرِيكِهِ صَحَّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَائِعُهُ شَرِيكًا ‏(‏وَإِنْ اشْتَرَى الْجَمِيعَ‏)‏ أَيْ‏:‏ حِصَّتَهُ وَحِصَّةَ شَرِيكِهِ ‏(‏صَحَّ‏)‏ الشِّرَاءُ ‏(‏فِي نَصِيبِ مَنْ بَاعَهُ فَقَطْ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَلَا نَفَقَةَ لِعَامِلٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْعَمَلِ بِجُزْءٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ وَلَوْ اسْتَحَقَّهَا لَأَفْضَى إلَى اخْتِصَاصِهِ بِالرِّبْحِ إذَا لَمْ يَرْبَحْ غَيْرَهَا ‏(‏إلَّا بِشَرْطٍ‏)‏ نَصًّا كَوَكِيلٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ أَوْ عَادَةٍ‏:‏ وَيَصِحُّ شَرْطُهَا سَفَرًا أَوْ حَضَرًا؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ ‏(‏فَإِنْ اُشْتُرِطَتْ‏)‏ نَفَقَةُ الْعَامِلِ ‏(‏مُطْلَقَةً وَاخْتَلَفَا‏)‏ أَيْ‏:‏ تَشَاحَّا فِيهَا ‏(‏فَلَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ عُرْفًا مِنْ طَعَامٍ وَكِسْوَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهَا يَقْتَضِي جَمِيعَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ الْمُعْتَادَةِ كَالزَّوْجَةِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ لَقِيَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَقِيَ رَبُّ الْمَالِ الْعَامِلَ ‏(‏بِبَلَدٍ وَأَذِنَ‏)‏ لَهُ ‏(‏فِي سَفَرِهِ إلَيْهِ‏)‏ بِالْمَالِ ‏(‏وَقَدْ نَضَّ‏)‏ الْمَالُ بِأَنْ صَارَ الْمَتَاعُ نَقْدًا ‏(‏فَأَخَذَهُ‏)‏ رَبُّهُ مِنْهُ ‏(‏فَلَا نَفَقَةَ‏)‏ لِعَامِلٍ ‏(‏لِرُجُوعِهِ‏)‏ إلَى بَلَدِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ مَا دَامَ فِي الْقِرَاضِ، وَقَدْ زَالَ وَلَوْ مَاتَ لَمْ يُكَفَّنْ مِنْهُ وَلَوْ اشْتَرَطَ النَّفَقَةَ‏.‏

‏(‏وَإِنْ تَعَدَّدَ رَبُّ الْمَالِ‏)‏ بِأَنْ كَانَ عَامِلًا لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ أَوْ عَامِلًا لِوَاحِدٍ وَمَعَهُ مَالٌ لِنَفْسِهِ أَوْ بِضَاعَةٌ لِآخَرَ وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ نَفَقَةَ السَّفَرِ ‏(‏فَهِيَ‏)‏ أَيْ‏:‏ النَّفَقَةُ ‏(‏عَلَى قَدْرِ مَالِ كُلٍّ‏)‏ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَجَبَتْ لِأَجْلِ عَمَلِهِ فِي الْمَالِ فَكَانَتْ عَلَى قَدْرِ مَالِ كُلٍّ فِيهِ ‏(‏إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا بَعْضُ‏)‏ أَرْبَابِ الْمَالِ ‏(‏مِنْ مَالِهِ عَالِمًا بِالْمَالِ‏)‏ وَهُوَ كَوْنُ الْعَامِلِ يَعْمَلُ فِي مَالِ آخَرَ مَعَ مَالِهِ، فَيَخْتَصُّ بِهَا لِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَالَ فَعَلَيْهِ بِالْحِصَّةِ‏.‏

‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَامِلِ ‏(‏الشِّرَاءُ‏)‏ مِنْ مَالِ مُضَارَبَةٍ ‏(‏بِإِذْنِ‏)‏ رَبِّ الْمَالِ ‏(‏فَإِنْ اشْتَرَى أَمَةً‏)‏ لِلتَّسَرِّي بِهَا ‏(‏مَلَكَهَا‏)‏؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُبَاحُ إلَّا بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ ‏(‏وَصَارَ ثَمَنُهَا قَرْضًا‏)‏ عَلَى الْعَامِلِ؛ لِخُرُوجِهِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّبَرُّعِ بِهِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ وَطِئَ عَامِلٌ أَمَةً مِنْ الْمَالِ عُزِّرَ نَصًّا؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الرِّبْحِ يَنْبَنِي عَلَى التَّقْوِيمِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ السِّلْعَةَ تُسَاوِي أَكْثَرَ مِمَّا قُوِّمَتْ بِهِ فَهُوَ شُبْهَةٌ فِي دَرْءِ الْحَدِّ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ‏.‏

وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ إنْ لَمْ يَطَأْ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَظَهَرَ رِبْحٌ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَوَلَدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَهِيَ وَوَلَدُهَا مِلْكٌ لِرَبِّ الْمَالِ ‏(‏وَلَا يَطَأُ رَبُّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَالِ ‏(‏أَمَةً‏)‏ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ‏(‏وَلَوْ عَدِمَ الرِّبْحَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يُنْقِصُهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ يُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ خَرَجَتْ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَحُسِبَتْ قِيمَتُهَا عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ فَلِلْعَامِلِ مِنْهُ حِصَّتُهُ‏.‏

‏(‏و لَا رِبْحَ لِعَامِلٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ الْمَالِ‏)‏ أَيْ‏:‏ يُسَلِّمَهُ لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ هُوَ الْفَاضِلُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَمَا لَمْ يَفْضُلْ فَلَيْسَ بِرِبْحٍ ‏(‏فَإِنْ رَبِحَ فِي إحْدَى سِلْعَتَيْنِ‏)‏ وَخَسِرَ فِي الْأُخْرَى ‏(‏أَوْ‏)‏ رَبِحَ فِي إحْدَى ‏(‏سَفْرَتَيْنِ وَخَسِرَ فِي الْأُخْرَى أَوْ تَعَيَّبَتْ‏)‏ سِلْعَةٌ وَزَادَتْ أُخْرَى ‏(‏أَوْ نَزَلَ السِّعْرُ أَوْ تَلِفَ بَعْضُ‏)‏ الْمَالِ ‏(‏بَعْدَ عَمَلِ‏)‏ عَامِلٍ فِي الْمُضَارَبَةِ ‏(‏فَالْوَضِيعَةُ‏)‏ فِي بَعْضِ الْمَالِ تُجْبَرُ ‏(‏مِنْ رِبْحِ بَاقِيهِ قَبْلَ قَسْمِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرِّبْحِ ‏(‏نَاضًّا‏)‏ أَيْ‏:‏ نَقْدًا ‏(‏أَوْ‏)‏ قَبْلَ ‏(‏تَنْضِيضِهِ مَعَ مُحَاسَبَتِهِ‏)‏ نَصًّا فَإِنْ تَقَاسَمَا الرِّبْحَ وَالْمَالُ نَاضٌّ، أَوْ تَحَاسَبَا بَعْدَ تَنْضِيضِ الْمَالِ وَأَبْقَيَا الْمُضَارَبَةَ فَهِيَ مُضَارَبَةٌ ثَانِيَةٌ‏.‏

فَمَا رُبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُجْبَرُ بِهِ وَضِيعَةُ الْأَوَّلِ، إجْرَاءً لِلْمُحَاسَبَةِ مَجْرَى الْقِسْمَةِ وَلَا يَحْتَسِبَانِ عَلَى الْمَتَاعِ نَصًّا؛ لِأَنَّ سِعْرَهُ يَنْحَطُّ وَيَرْتَفِعُ، وَلَوْ اقْتَسَمَ رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ الرِّبْحَ أَوْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ شَيْئًا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ خَسِرَ، كَانَ عَلَى الْعَامِلِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِرِبْحٍ مَا لَمْ تَنْجَبِرْ الْخَسَارَةُ نَصًّا‏.‏

وَلَوْ دَفَعَ مِائَةً مُضَارَبَةً فَخَسِرَتْ عَشَرَةً ثُمَّ أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ مِنْهَا، عَشَرَةً فَالْخُسْرَانُ لَا يَنْقُصُ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْبَحُ فَجُبِرَ الْخُسْرَانُ، لَكِنَّهُ نَقَصَ بِمَا أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ وَقِسْطُهَا مِنْ الْخُسْرَانِ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَتُسْعُ دِرْهَمٍ‏.‏

وَيَبْقَى رَأْسُ الْمَالِ ثَمَانِينَ وَثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ وَثَمَانِيَةَ أَتْسَاعِ دِرْهَمٍ، وَإِنْ أَخَذَ نِصْفَ التِّسْعِينَ الْبَاقِيَةَ بَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ خَمْسِينَ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَ خَمْسِينَ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَأَرْبَعَةُ أَتْسَاعِ دِرْهَمٍ، وَكَذَلِكَ إذَا رَبِحَ الْمَالُ ثُمَّ أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ بَعْضَهُ كَانَ مَا أَخَذَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ، فَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِائَةً وَرَبِحَ عِشْرِينَ فَأَخَذَهَا رَبُّ الْمَالِ فَقَدْ أَخَذَ سُدُسَ الْمَالِ، فَنَقَصَ رَأْسُ الْمَالِ سُدُسَهُ وَهُوَ سِتَّةُ عَشَرَ وَثُلُثَانِ، يَبْقَى ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ، وَإِنْ أَخَذَ سِتِّينَ بَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ خَمْسِينَ، وَإِنْ أَخَذَ خَمْسِينَ بَقِيَ ثَمَانِيَةٌ وَخَمْسُونَ وَثُلُثٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ رُبُعَ الْمَالِ وَسُدُسَهُ، فَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَرُبُعُهُ وَهُوَ مَا ذُكِرَ لَنَا‏.‏

‏(‏وَيَنْفَسِخُ‏)‏ مُضَارَبَةً ‏(‏فِيمَا تَلِفَ‏)‏ مِنْ مَالِهَا ‏(‏قَبْلَ عَمَلِ‏)‏ الْعَامِلِ فِي مَالِهَا وَيَصِيرُ الْبَاقِي رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْعَمَلِ لَمْ يُصَادِفْ إلَّا الْبَاقِيَ فَكَانَ هُوَ رَأْسَ الْمَالِ بِخِلَافِ مَا تَلِفَ بَعْدَ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ دَارَ بِالتَّصَرُّفِ فَوَجَبَ إكْمَالُهُ لِاسْتِحْقَاقِهِ الرِّبْحَ، لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الشَّرْطِ‏.‏

‏(‏فَإِنْ تَلِفَ الْكُلُّ‏)‏ أَيْ‏:‏ كُلُّ مَالِ الْمُضَارَبَةِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ ‏(‏ثُمَّ اشْتَرَى‏)‏ الْعَامِلُ ‏(‏لِلْمُضَارَبَةِ شَيْئًا مِنْ السِّلَعِ ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏كَفُضُولِيٍّ‏)‏ لِانْفِسَاخِ الْمُضَارَبَةِ بِتَلَفِ الْمَالِ فَبَطَلَ الْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ فَقَدْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ أَيْ‏:‏ فَمَا اشْتَرَاهُ لَهُ وَثَمَنُهُ عَلَيْهِ، عَلِمَ بِالتَّلَفِ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ لَا مَا لَمْ يُجِزْ رَبُّ الْمَالِ شِرَاءَهُ‏.‏

‏(‏وَإِنْ تَلِفَ‏)‏ مَالُ الْمُضَارَبَةِ ‏(‏بَعْدَ شِرَائِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَامِلِ ‏(‏فِي ذِمَّتِهِ وَقَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِ‏)‏ مَا اشْتَرَاهُ‏.‏

فَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ تَلِفَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ الْعَمَلِ ‏(‏مَعَ مَا اشْتَرَاهُ‏)‏ لَهَا ‏(‏فَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا‏)‏ لِوُقُوعِ تَصَرُّفِهِ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ ‏(‏وَيُطَالَبَانِ‏)‏ أَيْ‏:‏ رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ ‏(‏بِالثَّمَنِ‏)‏ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْعَامِلُ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِرَبِّ الْمَالِ وَمُبَاشَرَةِ الْعَامِلِ ‏(‏وَيَرْجِعُ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الثَّمَنِ ‏(‏عَامِلٌ‏)‏ إنْ دَفَعَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ لِلُزُومِهِ لَهُ أَصَالَةً وَالْعَامِلُ بِمَنْزِلَةِ الضَّامِنِ، وَرَأْسُ الْمَالِ هُوَ الثَّمَنُ دُونَ التَّالِفِ لِتَلَفِهِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِيهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَتْلَفَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَتْلَفَ الْعَامِلُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ ‏(‏ثُمَّ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِلَا إذْنِ‏)‏ رَبِّ الْمَالِ ‏(‏لَمْ يَرْجِعْ رَبُّ الْمَالِ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَامِلِ ‏(‏بِشَيْءٍ‏)‏ وَالْعَامِلُ بَاقٍ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ‏.‏

ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ‏.‏

‏(‏وَإِنْ قَتَلَ قِنَّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُضَارَبَةِ عَمْدًا ‏(‏فَلِرَبِّ الْمَالِ‏)‏ أَنْ يَقْتَصّ بِشَرْطِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْمَقْتُولِ‏.‏

وَتَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ لِذَهَابِ رَأْسِ الْمَالِ وَلَهُ ‏(‏الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ وَيَكُونُ‏)‏ الْمَالُ الْمَعْفُوُّ عَلَيْهِ ‏(‏كَبَدَلِ الْمَبِيعِ‏)‏ أَيْ‏:‏ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْهُ ‏(‏وَالزِّيَادَةُ‏)‏ فِي الْمَالِ الْمَعْفُوِّ عَلَيْهِ ‏(‏عَلَى قِيمَتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَقْتُولِ ‏(‏رِبْحٌ‏)‏ فِي الْمُضَارَبَةِ ‏(‏وَمَعَ رِبْحٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَإِنْ كَانَ ظَهَرَ رِبْحٌ فِي الْمُضَارَبَةِ وَقُتِلَ قِنُّهَا عَمْدًا ف ‏(‏الْقَوَدُ‏)‏ إلَيْهِمَا أَيْ‏:‏ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَالْعَامِلِ كَالْمُصَالَحَةِ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا شَرِيكَيْنِ بِظُهُورِ الرِّبْحِ ‏(‏وَيَمْلِكُ عَامِلٌ حِصَّتَهُ مِنْ رِبْحٍ ب‏)‏ مُجَرَّدِ ‏(‏ظُهُورِهِ قَبْلَ قِسْمَةٍ كَمَالِكِ‏)‏ الْمَالِ وَكَمَا فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ‏.‏

فَيَثْبُتُ مُقْتَضَاهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ جُزْءٌ مِنْ الرِّبْحِ فَإِذَا وُجِدَ وَجَبَ أَنْ يَمْلِكَهُ بِحُكْمِ الشَّرْطِ‏.‏

وَأَيْضًا فَهَذَا الْجُزْءُ مَمْلُوكٌ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَالِكٍ وَرَبُّ الْمَالِ لَا يَمْلِكُهُ اتِّفَاقًا‏.‏

فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُضَارِبِ وَلِمِلْكِهِ الطَّلَبُ بِالْقِسْمَةِ‏.‏

وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَمْلِكَهُ وَيَكُونَ وِقَايَةً لِرَأْسِ الْمَالِ كَنَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ، وَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ الْمُضَارِبُ إلَّا أَنَّهُ صَرَفَ الذَّهَبَ بِوَرِقٍ فَارْتَفَعَ الصَّرْفُ اسْتَحَقَّهُ نَصًّا‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ ‏(‏الْأَخْذَ مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرِّبْحِ ‏(‏إلَّا بِإِذْنِ‏)‏ رَبِّ الْمَالِ‏.‏

لِأَنَّ نَصِيبَهُ مُشَاعٌ فَلَا يُقَاسِمُ نَفْسَهُ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ لَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ‏.‏

وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ‏.‏

‏(‏وَتَحْرُمُ قِسْمَتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرِّبْحِ ‏(‏وَالْعَقْدُ‏)‏ أَيْ‏:‏ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ ‏(‏بَاقٍ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ فَلَا يُجْبَرُ رَبُّهُ عَلَى الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْخُسْرَانَ‏.‏

فَيَجْبُرُهُ بِالرِّبْحِ وَلَا الْعَامِلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَلْزَمَهُ مَا أَخَذَهُ فِي وَقْتٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى قِسْمَتِهِ أَوْ بَعْضِهِ جَازَ، لِأَنَّهُ مِلْكُهُمَا كَالشَّرِيكَيْنِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَبَى مَالِكٌ الْبَيْعَ‏)‏ بَعْدَ فَسْخِ الْمُضَارَبَةِ وَالْمَالُ عَرَضٌ وَطَلَبَهُ عَامِلٌ ‏(‏أُجْبِرَ‏)‏ رَبُّ الْمَالِ عَلَيْهِ ‏(‏إنْ كَانَ‏)‏ فِيهِ ‏(‏رِبْحٌ‏)‏ نَصًّا‏.‏

لِأَنَّ حَقَّ الْعَامِلِ فِي الرِّبْحِ لَا يَظْهَرُ إلَّا بِالْبَيْعِ، فَأُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ لِتَوْفِيَتِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ لَمْ يُجْبَرْ مَالِكٌ عَلَى بَيْعٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْعَامِلِ فِيهِ وَرَبُّهُ رَضِيَهُ عَرَضًا ‏(‏وَمِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرِّبْحِ ‏(‏مَهْرُ‏)‏ أَمَتِهَا إنْ زُوِّجَتْ أَوْ وُطِئَتْ وَلَوْ مُطَاوِعَةً‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏ثَمَرَةُ‏)‏ شَجَرِهَا ‏(‏وَأُجْرَةُ‏)‏ شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا أَوْ جُزْءٍ اُسْتُعْمِلَ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُهَا ‏(‏وَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏أَرْشُ‏)‏ جِنَايَةٍ عَلَى رَقِيقِهَا ‏(‏وَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏نِتَاجٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهَا كَكَسْبِ عَبْدِهَا‏.‏

‏(‏وَإِتْلَافُ مَالِكٍ‏)‏ مَالَ الْمُضَارَبَةِ ‏(‏كَقِسْمَةٍ فَيَغْرَمُ حِصَّةَ عَامِلٍ‏)‏ مِنْ رِبْحٍ ‏(‏كَ‏)‏ مَا لَوْ تَلِفَ بِفِعْلِ ‏(‏أَجْنَبِيٍّ‏)‏‏.‏

‏(‏وَحَيْثُ فُسِخَتْ‏)‏ الْمُضَارَبَةُ ‏(‏وَالْمَالُ عَرَضٌ أَوْ دَرَاهِمُ وَكَانَ دَنَانِيرَ أَوْ عَكْسَهُ‏)‏ بِأَنْ كَانَ دَنَانِيرَ وَأَصْلُهُ دَرَاهِمَ ‏(‏فَرَضِيَ رَبُّهُ بِأَخْذِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَلَى صِفَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا ‏(‏قَوَّمَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَالَ الْمُضَارَبَةِ ‏(‏وَدَفَعَ حِصَّتَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي ظَهَرَ بِتَقْوِيمِهِ ‏(‏وَمِلْكُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ مَا قَابَلَ حِصَّةَ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ عَنْ الْعَامِلِ الْبَيْعَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ بِلَا حَظٍّ لِلْعَامِلِ فِيهِ‏.‏

فَإِنْ ارْتَفَعَ السِّعْرُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُطَالِبْ الْعَامِلُ رَبَّ الْمَالِ بِقِسْطِهِ كَمَا لَوْ ارْتَفَعَ بَعْدَ بَيْعِهِ ‏(‏إنْ لَمْ يَكُنْ‏)‏ فَعَلَ رَبُّ الْمَالِ ذَلِكَ ‏(‏حِيلَةً عَلَى قَطْعِ رِبْحِ عَامِلٍ كَشِرَائِهِ خَزًّا فِي الصَّيْفِ لِيَرْبَحَ فِي الشِّتَاءِ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَرَجَاءِ دُخُولِ مَوْسِمٍ أَوْ قَفْلٍ ‏(‏فَيَبْقَى حَقُّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَامِلِ ‏(‏فِي رِبْحِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْحِيلَةَ لَا أَثَرَ لَهَا نَصًّا ‏(‏وَإِنْ لَمْ يَرْضَ‏)‏ رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ فَسْخِ مُضَارَبَةٍ بِأَخْذِ الْعُرُوضِ أَوْ الدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ عَكْسِهِ ‏(‏فَعَلَى عَامِلٍ بَيْعُهُ وَقَبْضُ ثَمَنِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ رَدَّ الْمَالِ نَاضًّا كَمَا أَخَذَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ أَوْ لَا‏.‏

فَإِنْ نَضَّ لَهُ قَدْرُ رَأْسِ الْمَالِ لَزِمَهُ أَنْ يَنِضَّ الْبَاقِي‏.‏

وَلَوْ كَانَ صِحَاحًا فَنَضَّ قُرَاضَةً أَوْ مُكَسَّرَةً لَزِمَ الْعَامِلَ رَدُّهُ إلَى الصِّحَاحِ بِطَلَبِ رَبِّهَا، فَيَبِيعُهَا بِصِحَاحٍ أَوْ بِعَرَضٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِهِ‏.‏

‏(‏كَ‏)‏ مَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ بَعْدَ فَسْخِ الْمُضَارَبَةِ ‏(‏تَقَاضِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَالُ الْمُضَارَبَةِ ‏(‏لَوْ كَانَ دَيْنًا مِمَّنْ‏)‏ هُوَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ ظَهَرَ رِبْحٌ أَوْ لَا‏:‏ لِاقْتِضَاءِ الْمُضَارَبَةِ رَدَّ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى صِفَتِهِ وَالدَّيْنُ لَا يَجْرِي مَجْرَى النَّاضِّ، فَلَزِمَهُ أَنْ يَنِضَّهُ كُلَّهُ لَا قَدْرَ رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ‏.‏

لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا عِنْدَ وُصُولِهِ إلَيْهِمَا عَلَى وَجْهٍ تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ‏.‏

وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ تَقَاضِيهِ‏.‏

‏(‏وَلَا يَخْلِطُ‏)‏ عَامِلٌ ‏(‏رَأْسَ مَالٍ قَبَضَهُ‏)‏ مِنْ وَاحِدٍ ‏(‏فِي وَقْتَيْنِ‏)‏ بِلَا إذْنِهِ نَصًّا‏.‏

لِإِفْرَادِهِ كُلَّ مَالٍ بِعَقْدٍ فَلَا تُجْبَرُ وَضِيعَةُ أَحَدِهِمَا بِرِبْحِ الْآخَرِ كَمَا لَوْ نَهَاهُ عَنْهُ ‏(‏وَإِنْ أَذِنَ لَهُ‏)‏ رَبُّ الْمَالَيْنِ فِي خَلْطِهِمَا ‏(‏قَبْلَ تَصَرُّفِهِ فِي‏)‏ الْمَالِ ‏(‏الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ بَعْدَ تَصَرُّفِهِ فِي الْأَوَّلِ ‏(‏وَقَدْ نَضَّ‏)‏ أَيْ‏:‏ صَارَ نَقْدًا كَمَا أَخَذَهُ جَازَ وَصَارَ مُضَارَبَةً وَاحِدَةً، كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً‏.‏

وَإِنْ كَانَ إذْنُهُ فِيهِ بَعْدَ تَصَرُّفِهِ فِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يَنِضَّ حُرِّمَ الْخَلْطُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ اسْتَقَرَّ فَرِبْحُهُ وَخُسْرَانُهُ يَخْتَصُّ بِهِ‏.‏

فَضَمُّ الثَّانِي إلَيْهِ يُوجِبُ جُبْرَانَ خُسْرَانِ أَحَدِهِمَا بِرِبْحِ الْآخَرِ، فَإِذَا شَرَطَ ذَلِكَ فِي الثَّانِي فَسَدَ ‏(‏أَوْ قَضَى‏)‏ الْعَامِلُ ‏(‏بِرَأْسِ الْمَالِ دَيْنَهُ ثُمَّ اتَّجَرَ بِوَجْهِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ بِجَاهِهِ وَبَاعَ يَحْصُلُ رِبْحٌ ‏(‏وَأَعْطَى رَبَّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ رَبَّ الْمَالِ الَّذِي قَضَى بِهِ دَيْنَهُ ‏(‏حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ‏)‏ مِنْ تِجَارَتِهِ بِوَجْهِهِ ‏(‏مُتَبَرِّعًا بِهَا‏)‏ لِرَبِّ الْمَالِ ‏(‏جَازَ‏)‏ نَصًّا ‏(‏وَإِنْ مَاتَ عَامِلُ‏)‏ مُضَارَبَةٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَاتَ ‏(‏مُودَعٌ‏)‏ بِفَتْحِ الدَّالِ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَاتَ ‏(‏وَصِيٌّ‏)‏ عَلَى صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ ‏(‏وَجُهِلَ بَقَاءُ مَا بِيَدِهِمْ‏)‏ مِنْ مُضَارَبَةٍ الْوَدِيعَةٍ وَمَالِ مَحْجُورِهِ ‏(‏ف‏)‏ هُوَ ‏(‏دَيْنٌ فِي التَّرِكَةِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَالِ بِيَدِ الْمَيِّتِ وَاخْتِلَاطُهُ بِجُمْلَةِ التَّرِكَةِ‏.‏

وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ فَكَانَ دَيْنًا؛ وَلِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إسْقَاطِ حَقِّ الْمَالِكِ وَلَا إلَى إعْطَائِهِ عَيْنًا مِنْ التَّرِكَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ عَيْنِ مَالِهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَعَلُّقُهُ بِالذِّمَّةِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَخْفَاهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ، فَكَأَنَّهُ غَاصِبٌ فَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ قُلْتُ‏:‏ وَقِيَاسُهُ‏:‏ وَكِيلٌ وَأَجِيرٌ وَعَامِلُ وَقْفٍ وَنَاظِرُهُ وَنَحْوُهُ‏.‏

‏(‏وَإِذَا أَرَادَ الْمَالِكُ‏)‏ لِمَالِ الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ مَوْتِ عَامِلِهِ ‏(‏تَقْرِيرَ وَارِثِ‏)‏ عَامِلٍ مَكَانَهُ ‏(‏ف‏)‏ تَقْرِيرُهُ ‏(‏مُضَارَبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ‏)‏ لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى نَقْدٍ مَضْرُوبٍ‏.‏

‏(‏وَلَا يَبِيعُ‏)‏ وَارِثُ عَامِلٍ ‏(‏عَرَضًا‏)‏ لِلْمُضَارَبَةِ ‏(‏بِلَا إذْنِ‏)‏ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْهُ‏.‏

وَكَذَا رَبُّ الْمَالِ لَا يَبِيعُ إلَّا بِإِذْنِ وَارِثِ عَامِلٍ؛ لِحَقِّهِ فِي الرِّبْحِ ‏(‏فَيَبِيعُهُ حَاكِمٌ‏)‏ إنْ لَمْ يَأْذَنْ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ ‏(‏وَيَقْسِمُ الرِّبْحَ‏)‏ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا ‏(‏وَوَارِثُ الْمَالِكِ‏)‏ بَعْدَ مَوْتِهِ ‏(‏كَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ كَالْمَالِكِ لَوْ انْفَسَخَتْ الْمُضَارَبَةُ وَهُوَ حَيٌّ‏.‏

وَتَقَدَّمَ ‏(‏فَيَتَقَرَّرُ مَا لِمُضَارِبٍ‏)‏ مِنْ الرِّبْحِ وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ‏.‏

‏(‏وَلَا يَشْتَرِي‏)‏ عَامِلٌ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ إلَّا بِإِذْنِ وَرَثَتِهِ فَيَكُونُ وَكِيلًا عَنْهُمْ؛ لِبُطْلَانِ الْمُضَارَبَةِ بِمَوْتِهِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَامِلُ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ ‏(‏فِي بَيْعِ‏)‏ عَرَضٍ ‏(‏وَاقْتِضَاءِ دَيْنٍ‏)‏ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَلْزَمُ الْمُضَارِبَ ‏(‏كَفَسْخِ‏)‏ مُضَارَبَةٍ ‏(‏وَالْمَالِكُ حَيٌّ‏)‏ وَتَقَدَّمَ‏.‏

فَإِنْ أَرَادَ الْوَارِثُ أَوْ وَلِيُّهُ إتْمَامَ مُضَارَبَةٍ وَالْمَالُ نَاضٌّ جَازَ‏.‏

وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ مُوَرِّثُهُ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ رَأْسَ مَالِ الْوَارِثِ‏.‏

وَحِصَّةُ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ شَرِكَةٌ لَهُ مُشَاعٌ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَرَادَ‏)‏ وَارِثُ رَبِّ الْمَالِ ‏(‏الْمُضَارَبَةَ وَالْمَالُ عَرَضٌ فَمُضَارَبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ‏)‏ فَلَا تَجُوزُ عَلَى الْعُرُوضِ‏.‏

فَصْلٌ وَالْعَامِلُ أَمِينٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَلَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ أَشْبَهَ الْوَكِيلَ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ‏.‏

فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِنَفْعِ الْعَارِيَّةِ ‏(‏وَيُصَدَّقُ‏)‏ عَامِلٌ ‏(‏بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ رَأْسِ مَالٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ زَايِدًا‏.‏

وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ‏.‏

وَلَوْ كَانَ ثُمَّ رِبْحٌ مُتَنَازَعٌ فِيهِ كَمَا لَوْ جَاءَ الْعَامِلُ بِأَلْفَيْنِ وَقَالَ‏:‏ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفٌ وَالرِّبْحُ أَلْفٌ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ‏:‏ بَلْ هُمَا رَأْسُ الْمَالِ فَقَوْلُ عَامِلٍ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ قُلْتُ‏:‏ فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ‏.‏

وَلَوْ دَفَعَ لِاثْنَيْنِ قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ فَنَضَّاهُ وَهُوَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ‏:‏ رَأْسُهُ أَلْفَيْنِ وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا، وَقَالَ الْآخَرُ‏:‏ بَلْ أَلْفٌ‏.‏

فَقَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ‏:‏ فَإِذَا حَلَفَ أَخَذَ نَصِيبَهُ خَمْسَمِائَةٍ وَيَبْقَى أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ يَأْخُذُ رَبُّ الْمَالِ أَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ يُصَدِّقُهُ يَبْقَى خَمْسُمِائَةٍ رِبْحًا يَقْتَسِمُهَا رَبُّ الْمَالِ مَعَ الْآخَرِ أَثْلَاثًا لِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثَاهَا وَلِلْعَامِلِ ثُلُثُهَا؛ لِأَنَّ نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ نِصْفُهُ، وَنَصِيبَ هَذَا الْعَامِلِ رُبْعُهُ فَيُقْسَمُ بَاقِي الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ وَمَا أَخَذَهُ الْحَالِفُ زَائِدًا كَالتَّالِفِ مِنْهُمَا فَهُوَ مَحْسُوبٌ عَلَى الرِّبْحِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُصَدَّقُ عَامِلٌ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ ‏(‏رِبْحٍ وَعَدَمِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الرِّبْحِ ‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏هَلَاكٍ وَخُسْرَانٍ‏)‏ إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى تَأْمِينِهِ ‏(‏وَ‏)‏ يُصَدَّقُ عَامِلٌ بِيَمِينِهِ ‏(‏فِيمَا يَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُضَارَبَةِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَكَذَا ‏(‏فِي‏)‏ شَرِكَةِ ‏(‏عِنَانٍ وَوُجُوهٍ‏)‏ وَكَذَا فِي مُفَاوَضَةٍ وَفِي شَرِكَةِ أَبْدَانٍ إذَا ذَكَرَ أَنَّهُ تَقَبَّلَ الْعَمَلَ لِنَفْسِهِ دُونَ الشَّرِكَةِ فَيُصَدَّقُ الشَّرِيكُ فِيمَا يَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلشَّرِكَةِ‏:‏ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَا تُعْلَمُ نِيَّتُهُ إلَّا مِنْهُ أَشْبَهَ الْوَكِيلَ قُلْتُ، وَكَذَا وَلِيُّ يَتِيمٍ وَوَكِيلٍ وَنَحْوِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُصَدَّقُ عَامِلٌ بِيَمِينِهِ فِي نَفْيِ ‏(‏مَا يُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ خِيَانَةٍ‏)‏ أَوْ تَفْرِيطٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا‏.‏

وَإِذَا شَرَطَ الْعَامِلُ النَّفَقَةَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ فَلَهُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ بِيَدِهِ أَوْ رَجَعَ إلَى رَبِّهِ كَالْوَصِيِّ إذَا ادَّعَى النَّفَقَةَ عَلَى الْيَتِيمِ‏.‏

وَإِذَا اشْتَرَى الْعَامِلُ شَيْئًا وَقَالَ الْمَالِكُ‏:‏ كُنْتُ نَهَيْتُك عَنْهُ وَأَنْكَرَ عَامِلٌ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ‏.‏

‏(‏وَلَوْ أَقَرَّ‏)‏ عَامِلٌ ‏(‏بِرِبْحٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِأَنَّهُ رَبِحَ ‏(‏ثُمَّ ادَّعَى تَلَفًا أَوْ خَسَارَةً‏)‏ بَعْدَ الرِّبْحِ ‏(‏قُبِلَ‏)‏ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ‏.‏

‏(‏ولَا‏)‏ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ ادَّعَى ‏(‏غَلَطًا أَوْ كَذِبًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ‏)‏ ادَّعَى ‏(‏اقْتِرَاضًا تَمَّمَ بِهِ رَأْسَ الْمَالِ بَعْدَ إقْرَارِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَامِلِ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ رَأْسِ الْمَالِ ‏(‏لِرَبِّهِ‏)‏ بِأَنْ قَالَ عَامِلٌ‏:‏ هَذَا رَأْسُ مَالِ مُضَارَبَتِك فَفَسَخَ رَبُّهَا وَأَخَذَهُ فَادَّعَى الْعَامِلُ أَنَّ الْمَالَ كَانَ خَسِرَ وَأَنَّهُ خَشِيَ إنْ وَجَدَهُ نَاقِصًا يَأْخُذْهُ مِنْهُ فَاقْتَرَضَ مَا تَمَّمَهُ بِهِ لِيَعْرِضَهُ عَلَيْهِ تَامًّا‏.‏

فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَامِلِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارٍ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ‏.‏

وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُقْرِضِ لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَرَّ نَفْعٍ لَهُ وَلَا طَلَبَ لَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ مَلَكَهُ بِالْقَرْضِ ثُمَّ سَلَّمَهُ لِرَبِّ الْمَالِ‏.‏

فَيَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَى الْعَامِلِ لَا غَيْرُ، لَكِنْ إنْ عَلِمَ رَبُّ الْمَالِ بَاطِنَ الْأَمْرِ وَأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِمَا لَا يَضْمَنُهُ الْمُضَارِبُ لَزِمَهُ الدَّفْعُ لَهُ بَاطِنًا‏.‏

‏(‏وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي‏)‏ عَدَمِ ‏(‏رَدِّهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إنْ ادَّعَى عَامِلٌ رَدَّهُ إلَيْهِ وَلَا بَيِّنَةَ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْعٍ لَهُ فِيهِ أَشْبَهَ الْمُسْتَعِيرَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُقْبَلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ‏(‏صِفَةِ خُرُوجِهِ عَنْ يَدِهِ‏)‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ أَعْطَيْتُكَ أَلْفًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ رِبْحِهِ، وَقَالَ الْعَامِلُ‏:‏ بَلْ قَرْضًا لَا شَيْءَ لَكَ مِنْ رِبْحِهِ‏.‏

فَقَوْلُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ قُسِمَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ خَسِرَ الْمَالُ أَوْ تَلِفَ فَقَالَ رَبُّهُ‏:‏ كَانَ قَرْضًا، وَقَالَ الْعَامِلُ‏:‏ كَانَ قِرَاضًا أَوْ بِضَاعَةً‏.‏

فَقَوْلُ رَبِّهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَابِضِ لِمَالٍ غَيْرُ الضَّمَانِ ‏(‏فَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ ‏(‏قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ عَامِلٍ‏)‏؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ عَنْ الْأَصْلِ وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ‏:‏ وَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ‏:‏ كَانَ بِضَاعَةً وَقَالَ الْعَامِلُ‏:‏ كَانَ قَرْضًا حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى إنْكَارِ مَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ وَكَانَ لَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ لَا غَيْرُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُقْبَلُ قَوْلُ مَالِكٍ ‏(‏بِقَدْرِ رِبْحِ‏)‏ مَالِ مُضَارَبَةٍ ‏(‏فِي قَدْرِ مَا شُرِطَ لِعَامِلٍ‏)‏ فَإِذَا قَالَ الْعَامِلُ‏:‏ شَرَطْتُ لِي النِّصْفَ، وَقَالَ الْمَالِكُ‏:‏ بَلْ الثُّلُثَ مَثَلًا فَقَوْلُ مَالِكٍ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ السُّدُسَ الزَّائِدَ وَاشْتِرَاطُهُ لَهُ‏.‏

فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ عَامِلٍ‏.‏

‏(‏وَيَصِحُّ دَفْعُ عَبْدٍ أَوْ‏)‏ دَفْعُ ‏(‏دَابَّةٍ‏)‏ أَوْ قِرْبَةٍ أَوْ قِدْرٍ أَوْ آلَةِ حَرْثٍ أَوْ نَوْرَجٍ أَوْ مِنْجَلٍ وَنَحْوَهُ ‏(‏لِمَنْ يَعْمَلُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ أُجْرَتِهِ‏.‏

وَ‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏خِيَاطَةُ ثَوْبٍ وَنَسْجٍ غَزْلٍ وَحَصَادُ زَرْعٍ وَرَضَاعُ قِنٍّ وَاسْتِيفَاءُ مَالٍ وَنَحْوُهُ‏)‏ كَبِنَاءِ دَارٍ وَطَاحُونٍ وَنَجْرِ بَابٍ وَطَحْنِ نَحْوِ بُرٍّ ‏(‏بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهُ‏)‏؛ لِأَنَّهَا عَيْنٌ تُنَمَّى بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا‏.‏

فَصَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بِبَعْضِ نَمَائِهَا كَالشَّجَرِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْأَرْضِ فِي الْمُزَارَعَةِ‏.‏

وَلَا يَصِحُّ تَخْرِيجُهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِالْعُرُوضِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بِالتِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي رَقَبَةِ الْمَالِ وَهَذَا بِخِلَافِهِ‏.‏

وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ، وَعَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ‏}‏ لِحَمْلِهِ عَلَى قَفِيزٍ مِنْ الْمَطْحُونِ‏.‏

فَلَا يُدْرَى الْبَاقِي بَعْدَهُ فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ مَجْهُولَةً وَإِنْ جَعَلَ لَهُ مَعَ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ دِرْهَمًا فَأَكْثَرَ لَمْ يَصِحَّ نَصًّا ‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏بَيْعٌ وَنَحْوَهُ‏)‏ كَإِيجَارٍ ‏(‏لِمَتَاعٍ وَغَزْوٍ بِدَابَّةٍ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَتَاعِ ‏(‏أَوْ‏)‏ بِجُزْءٍ مِنْ ‏(‏سَهْمِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الدَّابَّةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ أَعْطَى فَرَسَهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْغَنِيمَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ‏:‏ بِعْ عَبْدِي أَوْ أَجِّرْهُ وَالثَّمَنُ أَوْ الْأُجْرَةُ بَيْنَنَا‏.‏

فَلَا يَصِحُّ وَالثَّمَنُ أَوْ الْأُجْرَةُ لِرَبِّهِ وَلِلْآخَرِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏دَفْعُ دَابَّةٍ أَوْ نَحْلٍ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَعَبْدٍ وَأَمَةٍ ‏(‏لِمَنْ يَقُومُ بِهِمَا مُدَّةً مَعْلُومَةً‏)‏ كَسَنَةٍ وَنَحْوِهَا ‏(‏بِجُزْءٍ مِنْهُمَا‏)‏ كَرُبْعِهِمَا أَوْ خُمْسِهِمَا ‏(‏وَالنَّمَاءُ‏)‏ لِلدَّابَّةِ أَوْ النَّحْلِ وَنَحْوِهِمَا ‏(‏مِلْكٌ لَهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الدَّافِعِ وَالْمَدْفُوعِ إلَيْهِ عَلَى حَسَبِ مِلْكِهِمَا؛ لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ‏.‏

و‏(‏لَا‏)‏ يَجُوزُ دَفْعُ دَابَّةٍ وَنَحْلٍ وَنَحْوِهِمَا لِمَنْ يَقُومُ بِهِمَا مُدَّةً وَلَوْ مَعْلُومَةً ‏(‏بِجُزْءٍ مِنْ نَمَاءٍ كَدَرٍّ وَنَسْلٍ وَصُوفٍ وَعَسَلٍ وَنَحْوَهُ‏)‏ كَمِسْكٍ وَزَبَّادٍ؛ لِحُصُولِ نَمَائِهِ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَعَنْهُ بَلَى وَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏شركة الوجوه‏]‏

وَالضَّرْبُ ‏(‏الثَّالِثُ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ‏)‏ وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا بِلَا مَالٍ ‏(‏فِي رِبْحِ مَا يَشْتَرِيَانِ فِي ذِمَمِهِمَا بِجَاهِهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ بِوُجُوهِهِمَا وَثِقَةِ التُّجَّارِ بِهِمَا‏.‏

سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يُعَامِلَانِ فِيهِمَا بِوُجُوهِهِمَا‏.‏

وَالْجَاهُ وَالْوَجْهُ وَاحِدٌ‏.‏

يُقَالُ‏:‏ فُلَانٌ وَجِيهٌ أَيْ‏:‏ ذُو جَاهٍ‏.‏

وَتَجُوزُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مَصْلَحَةٍ بِلَا مَضَرَّةٍ ‏(‏وَلَا يُشْتَرَطُ‏)‏ لِصِحَّتِهَا ‏(‏ذِكْرُ جِنْسِ مَا يَشْتَرِيَانِهِ، وَلَا‏)‏ ذِكْرُ ‏(‏قَدْرِهِ، وَلَا‏)‏ ذِكْرُ ‏(‏وَقْتِ‏)‏ الشَّرِكَةِ ‏(‏فَلَوْ قَالَ‏)‏ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ‏:‏ ‏(‏كُلُّ مَا اشْتَرَيْتُ مِنْ شَيْءٍ فَبَيْنَنَا‏)‏ وَقَالَ لَهُ آخَرُ‏:‏ كَذَلِكَ ‏(‏صَحَّ‏)‏ الْعَقْدُ وَلَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ شُرُوطِ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ بِدَلِيلِ الْمُضَارَبَةِ‏.‏

وَشَرِكَةِ الْعِنَانِ ‏(‏وَكُلٌّ‏)‏ مِنْ شَرِيكَيْ الْوُجُوهِ ‏(‏وَكِيلُ الْآخَرِ‏)‏ فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ ‏(‏وَكَفِيلُهُ بِالثَّمَنِ‏)‏؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ ‏(‏وَمِلْكٍ‏)‏ فِيمَا يَشْتَرِيَانِ كَمَا شَرَطَا؛ لِحَدِيثِ ‏{‏الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ‏}‏؛ وَلِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ فَتَتَقَيَّدُ بِمَا وَقَعَ الْإِذْنُ وَالْقَبُولُ فِيهِ ‏(‏وَرِبْحٍ كَمَا شَرَطَا‏)‏ مِنْ تَسَاوٍ وَتَفَاضُلٍ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ أَوْثَقَ عِنْدَ التُّجَّارِ وَأَبْصَرَ بِالتِّجَارَةِ مِنْ الْآخَرِ؛ وَلِأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ عَلَى عَمَلٍ وَغَيْرِهِ‏.‏

فَكَانَ رِبْحُهَا عَلَى مَا شُرِطَ كَشَرِكَةِ الْعِنَانِ ‏(‏وَالْوَضِيعَةُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْخُسْرَانُ بِتَلَفٍ، أَوْ بَيْعٍ يَنْقُصَانِ عَمَّا اشْتَرَى بِهِ ‏(‏عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ‏)‏ فَمَنْ لَهُ فِيهِ ثُلُثَانِ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الْوَضِيعَةِ وَمَنْ لَهُ الثُّلُثُ فَعَلَيْهِ ثُلُثُهَا سَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ أَوْ لَا،؛ لِأَنَّ الْوَضِيعَةَ نَقْصُ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمُلَّاكِهِ، فَيُوَزَّعُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ ‏(‏وَتَصَرُّفُهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ شَرِيكَيْ الْوُجُوهِ فِيمَا يَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ‏.‏

وَيَجِبُ وَشُرُوطٌ وَإِقْرَارٌ وَخُصُومَةٌ وَغَيْرُهَا ‏(‏كَ‏)‏ تَصَرُّفِ ‏(‏شَرِيكَيْ عِنَانٍ‏)‏ عَلَى مَا سَبَقَ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏شركة الأبدان‏]‏

الضَّرْبُ الرَّابِعُ شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عَمَلِ أَبْدَانِهِمَا ‏(‏وَهِيَ‏)‏ نَوْعَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا ‏(‏أَنْ يَشْتَرِكَا فِيمَا يَتَمَلَّكَانِ بِأَبْدَانِهِمَا مِنْ مُبَاحٍ كَاحْتِشَاشٍ وَاصْطِيَادٍ وَتَلَصُّصٍ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَسَلْبِ مَنْ يَقْتُلَانِهِ بِدَارِ حَرْبٍ‏.‏

وَاحْتُجَّ بِأَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَشْرَكَ بَيْنَ عَمَّارٍ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ وَلَمْ يَجِيئَا بِشَيْءٍ‏}‏ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْأَثْرَمُ‏.‏

وَكَانَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَكَانَتْ غَنَائِمُهَا لِمَنْ أَخَذَهَا قَبْلَ أَنْ يُشْرِكَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمْ‏.‏

وَلِهَذَا نُقِلَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ‏}‏ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحَاتِ؛ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ أَحَدُ جِهَتَيْ الْمُضَارَبَةِ فَصَحَّتْ الشَّرِكَةُ عَلَيْهِ كَالْمَالِ‏.‏

النَّوْعُ الثَّانِي‏:‏ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيمَا ‏(‏يَتَقَبَّلَانِ فِي ذِمَمِهِمَا مِنْ عَمَلٍ‏)‏ كَحِدَادَةٍ وَقِصَارَةٍ وَخِيَاطَةٍ‏.‏

وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَا أَتَقَبَّلُ وَأَنْتَ تَعْمَلُ وَالْأُجْرَةُ بَيْنَنَا‏.‏

صَحَّ؛ لِأَنَّ تَقَبُّلَ الْعَمَلِ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ وَيَسْتَحِقُّ بِهِ الرِّبْحَ، فَصَارَ كَتَقَبُّلِهِ الْمَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ، وَالْعَمَلُ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعَامِلُ الرِّبْحَ كَعَمَلِ الْمُضَارِبِ فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمُضَارَبَةِ ‏(‏وَيُطَالِبَانِ بِمَا يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا‏)‏ مِنْ عَمَلٍ ‏(‏وَيَلْزَمُهُمَا عَمَلُهُ‏)‏؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الضَّمَانِ فَكَأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ ضَمَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ مَا يَلْزَمُهُ ‏(‏وَلِكُلٍّ‏)‏ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ‏(‏طَلَبُ أُجْرَةِ‏)‏ عَمَلٍ وَلَوْ تَقَبَّلَهُ صَاحِبُهُ وَيَبْرَأُ مُسْتَأْجِرٌ بِدَفْعِهَا لِأَحَدِهِمَا‏.‏

‏(‏وَتَلَفُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأُجْرَةِ ‏(‏بِلَا تَفْرِيطٍ بِيَدِ أَحَدِهِمَا‏)‏ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا وَكِيلُ الْآخَرِ فِي قَبْضِهَا وَالطَّلَبِ بِهَا ‏(‏وَإِقْرَارُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ إقْرَارُ أَحَدِهِمَا ‏(‏بِمَا فِي يَدِهِ‏)‏ يُقْبَلُ ‏(‏عَلَيْهِمَا‏)‏؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ فَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِمَا فِيهَا بِخِلَافِ مَا فِي يَدِ شَرِيكِهِ أَوْ دَيْنٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَالْحَاصِلُ‏)‏ مُبَاحٌ تَمَلَّكَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ مِنْ أُجْرَةِ عَمَلٍ تَقَبَّلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا ‏(‏كَمَا شَرَطَاهُ‏)‏ عِنْدَ الْعَقْدِ مِنْ تَسَاوٍ أَوْ تَفَاضُلٍ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَمَلِ وَيَجُوزُ تَفَاضُلُهُمَا فِيهِ‏.‏

‏(‏وَلَا يُشْتَرَطُ‏)‏ لِصِحَّتِهَا ‏(‏اتِّفَاقُ صَنْعَةِ‏)‏ الشَّرِيكَيْنِ‏.‏

فَلَوْ اشْتَرَكَ حَدَّادٌ وَنَجَّارٌ أَوْ خَيَّاطٌ وَقَصَّارٌ فِيمَا يَتَقَبَّلَانِ فِي ذِمَمِهِمَا مِنْ عَمَلٍ صَحَّ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَسْبٍ مُبَاحٍ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ اتَّفَقَتْ الصَّنَائِعُ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْذَقَ مِنْ الْآخَرِ مَعَ اتِّفَاقِ الصَّنْعَةِ‏.‏

فَرُبَّمَا تَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا مَا لَا يُمْكِنُ الْآخَرُ عَمَلَهُ‏.‏

وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّتُهَا فَكَذَا اخْتِلَافُ الصَّنْعَةِ وَمَنْ لَا يَعْرِفُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ غَيْرِهِ بِأُجْرَةٍ أَوْ مَجَّانًا‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الشَّرِكَةِ ‏(‏مَعْرِفَتُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّنْعَةِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَوْ اشْتَرَكَ شَخْصَانِ لَا يَعْرِفَانِ الْخِيَاطَةَ فِي تَقَبُّلِهَا، وَيَدْفَعَانِ مَا تَقَبَّلَاهُ لِمَنْ يَعْمَلُهُ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْأُجْرَةِ لَهُمَا صَحَّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَيَلْزَمُ غَيْرَ عَارِفٍ إقَامَةُ عَارِفٍ‏)‏ لِلصَّنْعَةِ ‏(‏مَقَامَهُ‏)‏ فِي الْعَمَلِ لِيَعْمَلَ مَا يَلْزَمُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الشَّرِيكَيْنِ فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا ‏(‏أَوْ تَرَكَ‏)‏ أَحَدُهُمَا ‏(‏الْعَمَلَ‏)‏ مَعَ شَرِيكِهِ ‏(‏لِعُذْرٍ أَوْ لَا‏)‏ لِعُذْرٍ بِأَنْ كَانَ حَاضِرًا صَحِيحًا ‏(‏فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا‏)‏ عَلَى مَا شَرَطَا‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ هَذَا بِمَنْزِلَةِ حَدِيثِ عَمَّارٍ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ؛ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِمَا وَبِضَمَانِهِمَا لَهُ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ فَتَكُونُ لَهُمَا وَيَكُونُ الْعَامِلُ مِنْهُمَا عَوْنًا لِصَاحِبِهِ فِي حِصَّتِهِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقَهُ‏.‏

‏(‏وَيَلْزَمُ مِنْ عَدُوٍّ‏)‏ بِنَحْوِ مَرَضٍ فِي تَرْكِ عَمَلٍ مَعَ شَرِيكِهِ ‏(‏بِطَلَبِ شَرِيكِهِ‏)‏ لَهُ ‏(‏أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ‏)‏ فِي الْعَمَلِ؛ لِدُخُولِهِمَا عَلَى الْعَمَلِ فَلَزِمَهُ أَنْ يَفِيَ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلِلْآخَرِ الْفَسْخُ إنْ امْتَنَعَ أَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ‏.‏

‏(‏وَيَصِحُّ أَنْ يَحْمِلَا عَلَى دَابَّتَيْهِمَا مَا يَتَقَبَّلَانِهِ‏)‏ مِنْ شَيْءٍ مَعْلُومٍ إلَى مَوْضِع مَعْلُومٍ ‏(‏فِي ذِمَمِهِمَا‏)‏؛ لِأَنَّ تَقَبُّلَهُمَا الْحَمْلَ أَثْبَتَ الضَّمَانَ فِي ذِمَّتَيْهِمَا وَلَهُمَا أَنْ يَحْمِلَا عَلَى أَيِّ ظَهْرٍ كَانَ وَالشَّرِكَةُ تَنْعَقِدُ عَلَى الضَّمَانِ كَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏أَنْ يَشْتَرِكَا فِي أُجْرَةِ عَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ أَوْ‏)‏ فِي إجَارَةِ ‏(‏أَنْفُسِهِمَا إجَارَةً خَاصَّةً‏)‏ بِأَنْ أَجَّرَا الدَّابَّتَيْنِ لِحَمْلِهِ أَوْ أَجَّرَا أَنْفُسَهُمَا يَوْمًا فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ الْمُكْتَرِي مَنْفَعَةَ الْبَهِيمَةِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا أَوْ مَنْفَعَةَ الشَّخْصِ الَّذِي أَجَّرَ نَفْسَهُ‏.‏

وَلِهَذَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ الْمُسْتَأْجَرِ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَالْإِنْسَانِ ‏(‏وَلِكُلٍّ‏)‏ مِنْ مَالِكَيْ الدَّابَّتَيْنِ ‏(‏أُجْرَةُ دَابَّتِهِ‏)‏ فِيمَا إذَا أَجَّرَا عَيْنَ الدَّابَّتَيْنِ ‏(‏وَ‏)‏ لِكُلٍّ أُجْرَةُ ‏(‏نَفْسِهِ‏)‏ فِيمَا إذَا أَجَّرَا أَنْفُسَهُمَا لِبُطْلَانِ الشَّرِكَةِ‏.‏

‏(‏وَتَصِحُّ شَرِكَةُ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا آلَةُ قِصَارَةٍ وَلِلْآخَرِ بَيْتٌ‏)‏ عَلَى أَنَّهُمَا ‏(‏يَعْمَلَانِ‏)‏ الْقِصَارَةَ ‏(‏فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْبَيْتِ ‏(‏بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْآلَةِ وَمَا حَصَلَ فَبَيْنَهُمَا لِوُقُوعِ الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلِهِمَا‏.‏

وَالْعَمَلُ يُسْتَحَقُّ بِهِ الرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ، وَالْآلَةُ وَالْبَيْتُ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْعَمَلِ الْمُشْتَرَكِ فَهُمَا كَالدَّابَّتَيْنِ يَحْمِلَانِ عَلَيْهِمَا مَا تَقَبَّلَاهُ فِي ذِمَمِهِمَا‏.‏

وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا آلَةٌ أَوْ بَيْتٌ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ وَاتَّفَقَا أَنْ يَعْمَلَا بِالْآلَةِ أَوْ فِي الْبَيْتِ وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا جَازَ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

و‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِكَ ‏(‏ثَلَاثَةٌ لِوَاحِدٍ‏)‏ مِنْهُمْ ‏(‏دَابَّةٌ وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ وَثَالِثٍ يَعْمَلُ‏)‏ بِالرَّاوِيَةِ عَلَى الدَّابَّةِ وَمَا حَصَلَ فَبَيْنَهُمْ ‏(‏أَوْ أَرْبَعَةٌ لِوَاحِدٍ دَابَّةٌ وَلِلْآخَرِ رَحًى وَلِثَالِثٍ دُكَّانٍ وَرَابِعٍ يَعْمَلُ‏)‏ أَيْ‏:‏ يَطْحَنُ بِالدَّابَّةِ وَالرَّحَى فِي الدُّكَّانِ وَمَا رَبِحُوا فَبَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ وَلَا مُضَارَبَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُ رَأْسِ مَالِهِمَا عُرُوضًا وَلَا إجَارَةً؛ لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَأَجْرٍ مَعْلُومٍ ‏(‏وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مَا تَقَبَّلَهُ‏)‏ مِنْ عَمَلٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَأْجَرُ لِحَمْلِ الْمَاءِ أَوْ الطَّحْنِ‏.‏

‏(‏وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ آلَةِ رُفْقَتِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهَا بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُمْ ‏(‏وَمَنْ اسْتَأْجَرَ مِنْهُمْ مَا ذُكِرَ لِلطَّحْنِ‏)‏ أَيْ‏:‏ طَحْنِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ أَوْ أَيَّامًا مَعْلُومَةً ‏(‏صَحَّ‏)‏ الْعَقْدُ ‏(‏وَالْأُجْرَةُ‏)‏ لِلْأَرْبَعَةِ ‏(‏بِقَدْرِ الْقِيمَةِ‏)‏ أَيْ‏:‏ تُوَزَّعُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أُجْرَةِ مِثْلِ الْأَعْيَانِ الْمُؤَجَّرَةِ تُوَزَّعُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَجْرِ مِثْلِ الْأَعْيَانِ الْمُؤَجَّرَةِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ بِصَدَاقٍ وَاحِدٍ ‏(‏وَإِنْ تَقَبَّلُوهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَقَبَّلَ الْأَرْبَعَةُ الْعَمَلَ ‏(‏فِي ذِمَمِهِمْ‏)‏ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُمْ رَبُّ حَبٍّ لِطَحْنِهِ وَقَبِلُوهُ ‏(‏صَحَّ‏)‏ الْعَقْدُ ‏(‏وَالْأُجْرَةُ‏)‏ بَيْنَهُمْ ‏(‏أَرْبَاعًا‏)‏؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَزِمَهُ طَحْنُ رُبُعِهِ بِرُبُعِ الْأُجْرَةِ ‏(‏وَيَرْجِعُ كُلٌّ‏)‏ مِنْهُمْ ‏(‏عَلَى رُفْقَتِهِ‏)‏ الثَّلَاثَةِ ‏(‏لِتَفَاوُتِ الْعَمَلِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أَجْرِ الْمِثْلِ‏)‏ فَيَرْجِعُ رَبُّ الدَّابَّةِ عَلَى رُفْقَتِهِ الثَّلَاثَةِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أُجْرَةِ مِثْلِهَا‏.‏

وَهَكَذَا يَسْقُطُ الرُّبْعُ الرَّابِعُ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَزِمَهُ مِنْ الْعَمَلِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ قَالَ لِآخَرَ ‏(‏أَجِّرْ عَبْدِي أَوْ‏)‏ أَجِّرْ ‏(‏دَابَّتِي وَالْأُجْرَةُ بَيْنَنَا‏)‏ فَفَعَلَ ‏(‏ف‏)‏ الْأُجْرَةُ لِرَبِّ الْعَبْدِ أَوْ الدَّابَّةِ و‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُؤَجِّرُ ‏(‏أُجْرَةُ مِثْلِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ‏.‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ تَصِحُّ شَرِكَةُ ‏(‏دَلَّالِينَ‏)‏؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَالضَّمَانِ، وَلَا وَكَالَةَ هُنَا‏.‏

لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوْكِيلُ أَحَدِهِمَا عَلَى بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ وَلَا ضَمَانٌ؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ بِذَلِكَ يَصِيرُ فِي ذِمَّةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا‏.‏

وَلَا يُقْبَلُ عَمَلٌ‏.‏

وَفِي الْمُوجَزِ تَصِحُّ‏:‏ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ وَتَسْلِيمُ الْأَمْوَالِ إلَيْهِمْ مَعَ الْعِلْمِ بِالشَّرِكَةِ إذْنٌ لَهُمْ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا أَخَذَ وَلَمْ يُعْطِ غَيْرَهُ وَاشْتَرَكَا فِي الْكَسْبِ جَازَ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ كَالْمُبَاحِ وَقَالَ‏:‏ تَصِحُّ شَرِكَةُ الشُّهُودِ‏.‏

‏(‏وَمُوجِبُ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ‏)‏ فِي شَرِكَةٍ وَجَعَالَةٍ وَإِجَارَةٍ ‏(‏التَّسَاوِي فِي عَمَلٍ وَأَجْرٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمْ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْفَضْلَ ‏(‏وَلِذِي زِيَادَةِ عَمَلٍ لَمْ يَتَبَرَّعْ‏)‏ بِالزِّيَادَةِ ‏(‏طَلَبُهَا‏)‏ مِنْ رَفِيقِهِ لِيَحْصُل التَّسَاوِي ‏(‏وَيَصِحُّ جَمْعٌ بَيْنَ شَرِكَةِ عِنَانٍ وَأَبْدَانٍ وَوُجُوهٍ وَمُضَارَبَةٍ‏)‏ لِصِحَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا فَصَحَّتْ مَعَ غَيْرِهَا قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا‏:‏ وَكَمَا لَوْ ضَمَّ مَاءَ طَهُورٍ إلَى مِثْلِهِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏شركة المفاوضة‏]‏

وَالضَّرْبُ الْخَامِسُ‏:‏ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ لُغَةً‏:‏ الِاشْتِرَاكُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَشَرْعًا ‏(‏قِسْمَانِ‏)‏‏:‏ أَحَدُهُمَا ‏(‏صَحِيحٌ‏.‏

وَهُوَ‏)‏ نَوْعَانِ‏:‏ الْأَوَّلُ ‏(‏تَفْوِيضُ كُلٍّ‏)‏ مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ‏(‏إلَى صَاحِبِهِ شِرَاءً وَبَيْعًا فِي الذِّمَّةِ وَمُضَارَبَةً وَتَوْكِيلًا وَمُسَافَرَةً بِالْمَالِ وَارْتِهَانًا وَضَمَانًا‏)‏ أَيْ‏:‏ تَقَبُّلَ ‏(‏مَا يَرَى مِنْ الْأَعْمَالِ‏)‏ وَالنَّوْعُ الثَّانِي‏:‏ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏أَوْ يَشْتَرِكَانِ فِي كُلِّ مَا يَثْبُتُ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا إنْ لَمْ يُدْخِلَا‏)‏ فِي ذَلِكَ ‏(‏كَسْبًا نَادِرًا أَوْ غَرَامَةً‏)‏؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ أَضْرُبِ الشَّرِكَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْقِسْمُ الثَّانِي‏:‏ ‏(‏فَاسِدٌ، وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَا‏)‏ فِي الشَّرِكَةِ ‏(‏كَسْبًا نَادِرًا كَوِجْدَانِ لُقَطَةٍ، أَوْ رِكَازٍ، أَوْ‏)‏ يُدْخِلَا فِيهَا ‏(‏مَا يَحْصُلُ‏)‏ لَهُمَا ‏(‏مِنْ مِيرَاثٍ، أَوْ‏)‏ يُدْخِلَا فِيهَا ‏(‏مَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا مِنْ ضَمَانِ غَصْبٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ‏)‏ كَضَمَانِ عَارِيَّةٍ وَلُزُومِ مَهْرٍ بِوَطْءٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِمِثْلِهِ؛ وَلِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْزَمُ فِيهِ مَا لَا يَقْدِرُ الشَّرِيكُ عَلَيْهِ ‏(‏وَلِكُلٍّ‏)‏ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي هَذَا الْقِسْمِ ‏(‏مَا يَسْتَفِيدُهُ وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏رِبْحُ مَالِهِ‏.‏

وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏أُجْرَةُ عَمَلِهِ‏)‏ لَا يَشْرُكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ لِفَسَادِ الشَّرِكَةِ ‏(‏وَيَخْتَصُّ‏)‏ كُلٌّ مِنْهُمَا ‏(‏بِضَمَانِ مَا غَصَبَهُ أَوْ جَنَاهُ أَوْ ضَمِنَهُ عَنْ الْغَيْرِ‏)‏؛ لِأَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏.‏