فصل: الفصل الثاني في الممالك والبلدان الغربية عن مملكة الديار المصرية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الفصل الثاني من الباب الرابع من المقالة الثانية في الممالك والبلدان الغربية عن مملكة الديار المصرية

وما سامت ذلك و والأه من الجهة الشمالية‏.‏ وفيه ست ممالك المملكة الأولى مملكة تونس وما أضيف إليه وفيه اثنتان وعشرون جملة الجملة الأولى في بيان موقعها من الأقاليم السبعة وحدودها أما موقعها من الأقاليم السبعة فإن أكثرها واقع في الإقليم الثالث وبعضها واقعٌ في أواخر الثاني‏.‏

وأما حدودها فعلى ما أشار إليه في التعريف‏:‏ حدها من الشرق العقبة الفاصلة بينها وبين الديار المصرية ومن الشمال البحر الرومي ومن الغرب جزائر بني مزغنان الأتي ذكرها ومـن قـال فـي مسالـك الأبصـار‏:‏ وحدهـا من الجنوب الصحراء الفاصلة بينها وبين بلاد جباوة المسكونة بأمـمٍ مـن السـودان‏.‏

وحدهـا مـن الشـرق آخـر حـدود أطرابلس وهي داخلة في التحديد‏.‏

وحدها مـن الشمال البحر الشامي‏:‏ وهو الرومي‏.‏

وحدها من الغرب آخر حدود بدليس المجاورة لجزائر بني مزغنان آخر عمالة صاحب بر العدوة‏.‏

وقـد نقـل فـي تقويـم البلدان في الكلام على بونة عن ابن سعيد أن آخر سلطنة بجاية من الشرق مدينـة بونة الأتي ذكرها وأنها أول سلطنة أفريقية من الغرب‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وطولها خمس وثلاثون يوماً وعرضها عشرون يوماً‏.‏

الجملة الثانية في بيان ما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال وما انطوى عليه كل عمل وهذه المملكة تشتمل على عملين‏:‏ العمل الأول أفريقية قال في تقويم البلدان بفتح الهمزة وسكون الفاء وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة تحت وكسر القاف ومثناة تحـت بعدها هاء في الآخر‏.‏

وقد اختلف في سبب تسميتها أفريقية‏.‏

فقيل إن أفريقس أحد تبابعة اليمن افتتحهـا واستولـى عليهـا فسميـت بذلـك‏.‏

وقيـل إنمـا سميـت بفـارق بـن بيصـر بـن حـام بـن نوح عليه السلام‏.‏

وكانـت قاعدتهـا القديمة سبيطلة بضم السين المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون المثناة من تحتها وفتح الطاء المهملة واللام وفي آخرها هاء‏.‏

وهي مدينةٌ أزلية في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعـة حيـث الطـول ثلاثـون درجـة والعـرض ثلاثـون درجـة وثلاثون دقيقة‏.‏

وبها آثار عظيمة تدل على عظم أمرها‏.‏

قال الأدريسي‏:‏ وكانت قبل الأسلام مدينة أفريسيس ملك الروم الأفارقة فتحها المسلمون في صدر الأسلام وقتلوا ملكها المذكور‏.‏

ثم صارت قاعدتها في أول الأسلام القيروان‏.‏

بفتح القاف وسكون المثناة تحت وفتح الراء المهملة و واو وألفٍ وفي آخرها نون‏.‏

وهي مدينةٌ في الإقليم الثالث أيضاً حيث الطول ثمانٌ وعشـرون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة بنيت في صدر الأسلام بعد فتح أفريقية في جنوبي جبل شماليها وهي في صحراء وشرب أهلها من ماء الأبار وقال في العزيزي‏:‏ من ماء المطر وليـس لهـا مـاءٌ جـارٍ ولهـا وادٍ فـي قبلـة المدينـة بـه مـاءٌ مالـحٌ يستعملـه الناس فيما يحتاجونه‏.‏

قال في العزيـزي‏:‏ وهـي أجـل مـدن الغـرب يعنـي في القديم‏.‏

وكان عليها سور عظيم هدمه زيادة الله بن الأغلب‏.‏

قال الأدريسي‏:‏ وبينها وبين سبيطلة سبعون ميلاً‏.‏

ثم صارت قاعدتها بعد ذلك المهدية بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الدال المهملة نسبة إلى المهـدي‏.‏

وهـي مدينـةٌ بناهـا عبيـد اللـه المهـدي جـد الخلفـاء الفاطميين بمصر في سنة ثلاث وثلثمائة وموقعها في الإقليم الثالث أيضاً من الأقاليم السبعة حيث الطول ثلاثون درجة وأربعون دقيقة والعـرض اثنتـان وثلاثـون درجـة فيمـا ذكره ابن سعيد‏.‏

وهي على طرفٍ داخلٍ في البحر كهيئة كفٍّ متصلٍ بزند والبحر محيطٌ بها غير مدخلها وهو مكانٌ ضيقٌ كما في سبتة‏.‏

ولها سورٌ حصيـن شاهـقٌ فـي الهواء مبني بالحجر الأبيض بأبراجٍ عظام‏.‏

وبها القصور الحسنة المطلة على البحر‏.‏

ثـم صـارت قاعدتهـا بعـد ذلـك تونـس بضـم المثنـاة من فوق وسكون الواو وضم النون وفي آخرها سينٌ مهملة وهي قاعدة هذه المملكة الآن ومستقر سلطانها‏.‏

وهي مدينةٌ قديمة البناء واقعةٌ في الإقليم الثالث قال ابن سعيد‏:‏ حيث الطول اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثلـاثٌ وثلاثـون درجـة وإحدى وثلاثون دقيقة‏.‏

وهي على بحيرةٍ مالحةٍ خارجةٍ من البحر الرومي قـال البكـري‏:‏ ودور هـذه البحيرة نحو أربعة وعشرين ميلاً‏.‏

قال في العزيزي‏:‏ وهي مدينةٌ جليلة لها مياهٌ ضعيفةٌ جاريةٌ يزرع عليها وفيها الخصب وكثرة الغلات‏.‏

وهي في وطاءةٍ الأرض في سفح جبلٍ يعرف بأم عمرو يستدير بها خندقٌ وسور حصين ولها ثلاثة أرباضٍ كبيرة من جهاتها وأرضها سبخة وجميع بنائها بالحجر والأجرّ وأبنيتها مسقفة بالأخشاب ودور أكابرها مفروشةٌ بالرخام وذم في الروض المعطار بيوتها فقال هي كما يقال‏:‏ ظاهرها رخـام وباطنها سخام‏.‏

وشرب أهلها من الأبار وبيوتها صهاريج يجمع فيها ماء المطر لغسل القماش ونحوه وبها الحمّامات والأسواق الجليلة وبها ثلاث مدارس‏:‏ وهي الشماعية والفرضية ومدرسة الهواء وبها البساتين البعيدة والقريبة منها والبساتين محيطة ببحيرتها المقدم ذكرها من جنوبيها‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ ومذ خلا الأندلس من أهله وأووا إلى جناح ملوكها مصروا إقليمها ونوعوا بعا الغراس فكثرت مستنزهاتها وامتد بسيط بساتينها‏.‏

قال‏:‏ وبها يعمل القماش الأفريقي‏:‏ وهو ثياب رفاع من القطن والكتان معاً ومن الكتان وحده وهو أمتع من النصافي البغدادي وأحسن ومنه جلٌ كساوى أهل المغرب‏.‏

وللسلطان بها قلعةٌ جليلةٌ يسكنها يعبرون عنها بالقصبة كما هو مصطلح المغاربة في تسمية القلعة بالقصبة وللسلطان بها بستانان‏:‏ أحدهما ملاصق أرباض البلـد بـرأس الطابيـة والثانـي بعيـدٌ مـن البساتيـن يسمـى بأبـي فهـر بينـه وبيـن البلـد نحـو ثلاثـة أميـال والمـاء منساقٌ إليهما من ساقية بجبـل يعـرف بجبـل زغـوان بفتـح الـزاي وسكـون الغين المعجمتين ونونٍ في الآخر على مسيرة يومين من تونس‏.‏

وأما ما اشتملت عليه من المدن سوى القواعد المتقدمة الذكر‏.‏

فمن مشارق تونس سوسة بضم السين المهملة وسكون الواو وفتح السين الثانية ثم هاء‏.‏

وهي مدينة على ساحل البحر واقعةٌ في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة حيث الطول أربع وثلاثون درجةً وعشر دقائق والعرض اثنتان وثلاثون درجة وأربعون دقيقة‏.‏

وهي في جنوبي تونس وشرقيها في طرفٍ داخل في البحر‏.‏

قال في العزيزي‏:‏ وهي مدينة أزلية بها سوقٌ وفنادقٌ وحمامات‏.‏

قال الأدريسي‏:‏ وهي عامرةٌ بالنـاس كثيـرة المتاجـر والمسافـرون إليهـا قاصـدون وعنهـا صـادرون وعليهـا سـورٌ من حجرٍ حصينٌ‏.‏

وذكر في مسالك الأبصار‏:‏ أن عليها سوراً من لبن وأنها قليلة العمارة لاستيلاء العرب عليها‏.‏

ومنها صفاقس بفتح الصاد المهملة ثم فاء والف وقافٍ مضمومة وفي أخرها سين مهملة‏.‏

وهـي مدينـة علـى ساحـل البحـر فـي شرقـي المهديـة واقعـةٌ فـي الإقليـم الثالـث قال ابن سعيد حيث الطول خمسٌ وثلاثون درجةً وثلاثون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون درجةً وخمسون دقيقة‏.‏

قال في تقويم البلدان‏:‏ وهي مدينةٌ صغيرةٌ في مستو من الأرض وجنوبيها جبل يسمى جبل السبع بفتح السين المهملة والباء الموحدة وعينٍ مهملة في الآخر‏.‏

يستدير عليها سورٌ وشرب أهلها من الأبار ولها بساتين قليلة ومن بحرها يستخرج الصوف المعروف عند العامة يصوف السمك المتخذ منه الثياب النفسية‏.‏

قـال ابـن سعيـد‏:‏ أنـا رأيتـه كيـف يخـرج يغـوص الغواصـون في البحر فيخرجون كمائم شبيهةً بالبصل بأعناق في أعلاها زويرة فتنشر في الشمس فتنفتح تلك الكمائم عن وبر فيمشط ويؤخذ صوفه فيغزل ويعمل منه طعمة لقيام من الحرير وتنسج منه الثياب‏.‏

ومنها قابسٌ بفتح القاف وألف ثم باء موحدة وفي آخرها سين مهملة‏.‏

وهي مدينة في الإقليم الثالث حيث الطول اثنتان وثلاثون درجة وأربعون دقيقـة والعـرض اثنتان وثلاثون درجة على ثلاثة أميال من البحر‏.‏

قـال فـي العزيـزي‏:‏ وعليها سور وخندق‏.‏

قال في تقويم البلدان‏:‏ وهي في أفريقية كدمشق في الشـام ينـزل إليهـا نهران من الجبل في جنوبيها يخترقان غوطتها قال‏:‏ وقد خصت من بلاد أفريقية ومنها أطرابلس بفتح الهمزة وسكون الطاء وفتح الراء المهملتين وألفٍ وباء موحدة بعدها لام مضمومتان وسينٍ مهملة في الآخر‏.‏

وهـي مدينـة شرقـيٌ تونـس علـى البحـر واقعـةٌ فـي الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول ثمانٌ وثلاثون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة‏.‏

قـال فـي تقويـم البلدان‏:‏ وهي آخر المدن التي شرقي القيروان وإذا فارقها المسافر مشرقاً لا يجد مدينةً فيها حمام حتى يصل الإسكندرية‏.‏

وبناؤهـا بالصخـر وهـي واسعـة الكـورة وبهـا الخصـب الكثيـر وليـس بهـا مـاءٌ جـارٍ بـل بها جباب عليها سواق‏.‏

قال في العزيزي‏:‏ وبها مرسى للمراكب‏.‏

ومنها قصر أحمد وضبطه معروف وموقعه في أول الإقليم الرابع حيث الطول إحدى وأربعون درجة واثنتان وعشرون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون دلرجة وسبعٌ وثلاثون دقيقة‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ وهو حد أفريقية من الشرق وحد برقةً من الغرب‏.‏

وهو قرية صغيرة وحوله قصور نحو اثني عشر ميلاً وهي بلاد زيتون ونخيلٍ وأهلها يجلبون للإسكندرية ومنها يركب المسافر البرية إلى الشرق‏.‏

ومـن مغـارب تونس على مسيرة يومين باجة قال في المشترك بفتح الباء الموحدة وألف وتخفيف الجيم ثم هاء‏.‏

وهـي مدينـةٌ بالأقليـم الثالـث قـال فـي الأطـوال حيـث الطـول تسـع وعشـرون درجة وخمسٌ وزأربعون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون درجة‏.‏

وهي مدينة كبيرة ولها بساتين قليلة وعيون ماء عليها سور حصين‏.‏

مبنية في مستوٍ من الأرض على نحو يوم من البحر ويقابلها على البحر مرسى الخرز‏.‏

ومنها بنزرت بفتح النون وسكون الباء الموحدة وفتح الزاي المعجمة والراء المهملة وفي آخرها تـاء مثنـاة مـن فـوق وقيـل هي بتقديم الموحدة على النون وهي مرسى تونس وموقعها في الإقليم الثالـث قـال ابـن سعيد حيث الطول ثلاثون درجة وخمسون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجةً وثلاثون دقيقةً‏.‏

وهي مدينةٌ على نهر يجري في شرقيها وعليه مستنزهاتها‏.‏

قال في تقويم البلدان‏:‏ ولها بحيرةٌ حلوةٌ في جنوبيها بحيرة مالحةٌ في شرقيها تصب كل واحدةٍ منهما في الأخرى ستة أشهر فلا الحلوة تفسد بالمالحة ولا المالحة تعذب بالحلوة‏.‏

قال الشيخ عبد الواحد‏:‏ أما زيادة الحلوة فبكثرة السيول أيام الشتاء وتقل عنها السيول في أيام ومنها بونة قال في اللباب بضم الباء الموحدة وسكون الواو ثم نون وهاء‏.‏

قـال فـي مسالـك الأبصـار‏:‏ وهـي المسمـاة الـآن بلد العناب وهي مدينةٌ على ساحل البحر في أول الإقليم الرابع قال ابن سعيد حيث الطول ثمانٌ وعشرون درجة والعرض ثلاثٌ وثلاثون درجة وخمسون دقيقة‏.‏

قال في العزيزي‏:‏ وهي مدينة جليلةٌ عامرة خصبة الزرع كثيرة الفواكه رخية بظاهرها معادنٌ الحديد ويزرع بها الكتان الكثير‏.‏

قال‏:‏ وحدث بها عن قريب مغاص مرجانٍ ولكن ليس كمرجان مرسى الخرز‏.‏

ومن قبلي تونس للجنوب بلاد الجريد‏.‏

ومنهـا تـورز‏.‏

قتـال فـي تقويـم البلـدان عـن الشيـخ عبـد الواحـد‏:‏ بضم المثناة من فوق وسكون الواو وفتح الزاي المعجمة وراء مهملة في الآخر‏.‏

وموقهعا في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول ستٌ وثلاثون درجة وسبع دقائـق والعرض تسعٌ وعشرون درجة وثمان دقائق‏.‏

وهـي قاعـدة بلـاد الجريـد وبهـا بساتيـن ومحمضـات ونخيـلٌ وزيتـونٌ ولهـا نهـر يسقـي بساتينهـا والمطر بها قليل ويزرع بها الكتان والحناء‏.‏

قـال فـي تقويـم البلـدان‏:‏ وبذلـك وبقلـة المطـر تشبـه مصـر‏.‏

وقـد عابها في الروض المعطار بأن أهلها يبيعون ما يتحصل في مراحيضهم من رجيع الناس يفحلون به بقولهم وبساتينهـم ولكنهـم لا يرغبـون فيـه إلا إذا كـان جافـاً فيحملهـم ذلـك علـى عدم الأستنجاء في مراحيضهم ويخرج أحدهم مـن بيتـه حتـى يأتـي القناة فيستنجي من مائها وربما اتخذ أحدهم المراحيض على قارعة الطريق للواردين عليها ليأخذ ما يتحصل من ذلك فيبيعه‏.‏

ومنها قفصة بفتح القاف وسكون الفاء ثم صادٍ مهملة وهاء في الآخر‏.‏

وموقعهـا فـي الإقليـم الثالث قال في الأطوال حيث الطول إحدى وثلاثون درجةً والعرض ثلاثون درجة وخمسون دقيقة‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ وهي قاعدة مشهورةٌ من بلاد الجريد بها النخيل والفستق‏.‏

قال‏:‏ ولا يكون الفستق ببلاد المغرب إلا في قفصة‏.‏

وبها من الفواكه والمشمومات أنواع كثيـرة ومنها يجلب دهن البنفسج وخل العنصل وإليها ينسب جلد الأروى المتخذ منه النعال الشديدة الليونة‏.‏

ومنهـا المسيلـة قـال فـي تقويم البلدان عن الشيخ عبد الواحد بكسر الميم والسين المهملة وسكون المثناة من تحت وفي آخرها لام ألف والجاري على الألسنة فتح الميم وهاء في الآخر وهي مدينةٌ من بلاد الجريد موقعها في الإقليم الثالث قال ابن سسعيد حيث الطول ثلاثٌ وعشرون درجـة وأربعـون دقيقـة والعـرض تسعٌ وعشرون درجةً وخمس وأربعون دقيقةً‏.‏

قال في العزيزي‏:‏ وهـي مدينة محدثة بناها القائم الفاطمي سنة خمس عشرة وثلاثمائة‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ ولها نهر يمر بغربيها ويغوص في رمال الصحارى‏.‏

ومنهـا بسكـرة قـال فـي اللبـاب بكسـر البـاء الموحـدة وقيـل بفتحهـا وسكون السين المهملة وكافٍ وراء مهملـة بعدها هاء‏.‏

وهي مدينةٌ من بلاد الجريد في أواخر الإقليم الثاني قال ابن سعيد حيث الطول أربعٌ وعشرون درجةً وخمسٌ وعشرون دقيقة والعرض سبعٌ وعشرون درجةً وثلاثون دقيقةً‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ وهي قاعدة بلاد الـزاب ولهـا بلـادٌ ذات نخيـلٍ وفواكـه وزروع كثيـرة ومنها يجلب الثمر الطيب إلى تونس وبجاية‏.‏

ومنهـا طـرا قـال فـي تقويـم البلـدان عـن عبـد الواحـد‏:‏ بضـم الطـاء وتشديـد الـراء المهملتيـن وفـي آخرهـا ألـف ونقـل عـن بعضعهـم إبـدال الألـف هاء وهي مدينةٌ من بلاد الجريد في الإقليم الثالث قال ابن سعيد‏:‏ حيث الطول سبعٌ وثلاثون درجةً وعشرون دقيقة والعرض تسعٌ وعشرون درجة قال في تقويم البلدان‏:‏ وبها يعمل الزجاج الصافي وتفاصيل الصوف ومنها يجلب إلى الإسكندرية‏.‏

ومنهـا غذامـس بفتـح الغيـن والـذال المعجمتيـن وألـف وميـم مكسورة وسينٍ مهملة‏.‏

وهي مدينةٌ في الصحـراء جنوبـي بلـاد الجريـد علـى طريـق السـودان المعروفيـن بالكانم قال في العزيزي‏:‏ وهي مدينةٌ جليلةٌ عامرة وفي وسطها عينٌ أزلية عليها أثر بنيان رومي عجيب يفيض الماء منها ويقتسمه أهل المدينة بأقساطٍ معلومة وعليه يزرعون‏.‏

وأهلها قومٌ من البربر مسلمون قال في تقويم البلدان‏:‏ وبها الجلود المفضلة وليس لهم رئيس سوى مشايخهم‏.‏

ومنهـا قلعة سنان قال في مسالك الأبصار‏:‏ وهو قصرٌ لا يعرف على وجه الأرض أحصن منه علـى رأس جبـلٍ منقطـع عـن سائـر الجبـال فـي غايـة العلو بحيث يقصر سهم العقار عن الوصول إليه مـن سلـمٍ نقـر فـي الحجـر طولـه مائـة وتسعـون درجـة وبـه مصانع يجتمع فيها ماء المطر وبأسفله عين ماءٍ علها أشجار كثيرة الفواكه‏.‏

العمل الثاني بلاد بجاية وبجايـة بكسـر البـاء الموحـدة وفتـح الجيـم وألـفٍ ثم ياءٍ مثناة تحت وهاءٍ في الآخر مدينةٌ من مدن الغرب الأوسط واقعةٌ في أوائل الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد‏:‏ حيث الطول اثنتان وعشرون درجة والعرض أربعٌ وثلاثون درجة وخمسٌ وخمسون دقيقة‏.‏

قال في تقويم البلدان‏:‏ هي قاعدة الغرب الأوسط وهي مقابل طرطوشة من الأندلس وعرض البحر بينهما ثلاث مجارٍ‏.‏

قال في مساك الأبصار‏:‏ وهي مدينةٌ قديمةٌ مستورةٌ أضيف إلى جانبها ربضٌ أديرعليه سورٌ ضـامٌ لنطـاق المدينـة فصـارا كالشيء الواحد‏.‏

قال‏:‏ والربض في وطاءة والمدينة القديمة في سفح جبـل يدخل إليها خورٌ من البحر الرومي تدخل منه المراكب إليها‏.‏

قال في تقويم البلدان‏:‏ ولها نهر في شرقيها على شاطئه البساتين والمنازه‏.‏

قـال فـي مسالـك الأبصـار‏:‏ وبهـا عينـان مـن الماء‏:‏ إحداهما كبيرةٌ ومنها شرب أهلها ولها نهر جارٍ على نحو ميلين منها تحف به البساتين والمناظر على ضفتيه ممتدة نحو اثني عشر ميلاً متصل بعضها ببعض لا انفصال بينهما إلا ما يسلك عليه من البساتين إلى أن يصب في بحر الروم‏.‏

وبضفتيه للسلطان بستانان متقابلان شرقاً وغرباً الشرقي منهما يسمى الربيع‏.‏

وغربـي بجايـة جزائـر بنـي مزغنـان بفتـح الميـم وسكـون الزاي وكسر الغين المعجمتين ثم نونان بينهما ألف الأولى منهما مشددة كما في تقويم البلدان عن الشيخ شعيـب وبعضهـم يسقـط النـون الأخيـرة وفـي مسالـك الأبصـار‏:‏ مزغنانـة بزيـادة هـاء فـي الآخـر‏.‏

وهـي فرضةٌ مشهورةٌ هنالك‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وهي بلدةٌ حسنة على ساحل البحر تقابل ميورقة من بلاد الأندلس ومـن المـدن التـي بأعمـال البجايـة قسطينـة قـال فـي تقويـم البلـدان‏:‏ بضـم القـاف وسكـون السين وكسر الطـاء المهملتيـن وسكـون المثنـاة مـن تحت ثم نون وهاء‏.‏

قال‏:‏ وعن بعض المتأخرين أن بعد السين وقبـل الطـاء نونـاً وحينئـذٍ فتكـون بضم السين وسكون النون وهي مدينةٌ من الغرب الأوسط في أواخـر الإقليـم الثالـث قـال ابـن سعيـد حيـث الطول ست وعشرون درجة وأربعون دقيقةً والعرض ثلـاثٌ وثلاثـون درجـةً واثنتـان وعشـرون دقيقـة‏.‏

قـال فـي تقويـم البلـدان‏:‏ وهـي على آخر مملكة بجاية وأول مملكة أفريقية‏.‏

قال الأدريسي‏:‏ وهي على قطعة جبلٍ منقطعٍ مربعٍ فيه بعض استدارة لا يتوصـل إليـه إلا مـن جهـة بابٍ من غربيها ليس بكثير السعة ويحيط بها الوادي من جميع جهاتها‏.‏

قـال فـي تقويـم البلـدان‏:‏ ولهـا نهـر يصـب فـي خندقهـا يسمـع لـه دويٌ هائـل ويـرى النهـر فـي قعر الخندق مثـل ذؤابـة النجـم لشـدة ارتفاع البلد عن الخندق قال الأدريسي‏:‏ وهي مدينة عامرة وبها أسواقٌ وتجـاراتٌ‏.‏

قـال‏:‏ وتقيـم الحنطـة فـي مطاميرهـا مائـة سنـة لا تفسـد‏.‏

وشرقـي قسطينـة فـي آخـر مملكة بجايـة مرسى الخرز بفتح الخاء المعجمة والراء املمهملة وزاي معجمة في الآخر‏.‏

ومنه يستخرج المرجـان مـن قعر البحر على ما تقدم في الكلام على الأحجار النفيسة فيما يحتاج الكاتب إلى وصفه من المقالة الأولى‏.‏

ومنهـا سطيـف بفتـح السيـن وكسـر الطـاء المهملتيـن ثـم يـاءٍ مثنـاة مـن تحت ساكنة بعدها فاء‏.‏

وهي مدينـة مـن المغـرب الأوسـط فـي الإقليـم الثالـث قـال فـي الأطـوال حيث الطول سبعٌ وعشرون درجةً والعـرض إحدى وثلاثون درجة‏.‏

وهي مدينةٌ حصينة بينها وبين قسطينة أربع مراحل وزلهخا حصنٌ في جهة الجنوب عن بجاية على مرحلتين منها ولها كورة تشتمل على قرىً كثيرةٍ غزيرة المياه كثيرة الشجر المثمر بضروب من الفواكه وبها الجوز الكثير ومنها يحمل إلى شائر البلاد‏.‏

ومنها تاهرت - قال في اللباب‏:‏ بفتح التاء المثناة فوق وألفٍ وهاءٍ وسكون الراء المهملة وفي آخرهـا تـاء ثانيـة‏.‏

قـال فـي تقويـم البلـدان‏:‏ ونقلـت مـن خـط ابـن سعيد عوض الألف ياء مثناة تحت قال وهو الأصح لأن ابن سعيد مغربي فاضلٌ‏.‏

وهي مدينةٌ من الغرب الأوسط وقسل من أفريقية في الإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول خمسٌ وعشرون درجةً وثلاثون دقيقةً والعرض تسعٌ وعشرون درجة‏.‏

قال ابن حوقل‏:‏ وهي مدينةٌ كبيرةٌ خصبة كثيرة الزرع كانت قاعدة الغرب الأوسط وبها كان مقام ملوك بني رستم حتى انقرضت دولتهم بدولة الفاطميين خلفاء مصر‏.‏

وذكـر الأدريسـي أنهـا كانـت في القديم مدينتين‏:‏ القديمة منهما على رأس جبل ليس بالعالي‏.‏

قال في العزيزي‏:‏ وتاهرت القديمة تسمى تاهرت عبد الخالق وهي مدينة جليلة كانت قديماً تسمى بغداد المغرب وتاهرت الجديدة على مرحلة منها وهي أعظم من تاهرت القديمة والمياه تخترق وهي ذوات أسواق عامرة وبأرضها مزارع وضياع جمة ويمر بها نهر يأتيها مـن جهـة المغـرب ولها نهر آخر يجري من عيون تجتمع فيه منه شرب أهلها وبها البساتين الكثيرة المونقة والفواكه الحسنة والسفرجل الذي ليس له نظير‏:‏ طعماً وشماً ولها قلعةٌ عظيمة مشرفةٌ على سوقها‏.‏

وتاهرت كثيرة البرد كير الغيوم والثلج وسورها من الحجر ولها ثلاثة أبواب باب الصفا وهو باب الأندلس وباب النازل وباب المطاحن‏.‏

وأمـا الطريـق الموصـل إليهـا فقد ذكر صاحب الذيل على كامل ابن الأثير في التاريخ عن إيدغدي التليلـي وايدغدي الخوارزمي حين توجها رسولين إلى الغرب في سنة ست وسبعمائة‏:‏ أن من إسكندرية إلى طليمثا ومنها إلى سـرت ومنهـا إلـى سراتـة ومنهـا إلـى طهجـورة ومنهـا إلـى طرابلس ومنها إلى قابس ومنها إلى صفاقس ومنها إلى المهدية ومنها إلى سوسة ومنها إلى تونس‏.‏

وأما طريقها في البحر فمن إسكندرية إلى تونس‏.‏

  الجملة الثالثة في ذكر زروعها وحبوبها

أما زروعها فقد ذكر في مسالك الأبصار أنها تزرع على الأمطار وأن بها من الحبوب القمح والشعير والحمص والفول والعدس والذرة والدخن والجلبـان والبسـلا واسمهـا عندهـم البسين‏.‏

أما الأرز فمجلوب إليها‏.‏

وأما فواكهها فبها من الفواكه العنب والتين كل منهما على أنـواع مختلفـة والرمـان‏:‏ الحلـو والمـز والحامض والسفرجل والتفاح والكمثرى والعناب والزعرور والخوخ والمشمش على أنواع والتـوت الأبيـض والفرصـاد وهـو التوت الأسود والقراصيا والزيتون والأترج والليمون والليم والنارنج أما الجوز بها فقليل وكذلك النخيل والفستق والبندق مفقود بها وكذلك الموز‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وبها فاكهة تسمى مصغ وفق قدر البندقة لونها بين الحمرة والصفرة وطعمهـا بيـن الحموضة والقبض شبيهٌ بطعم السفرجل يوجد في الشتاء يقطف من شجره غضاً فيدفى ويثقل كما يفعل بالموز فينضج ويؤكل حينئذ‏.‏

وتوجد بها قصب السكر على قلة ولا يعتصر بها‏.‏

وبها البطيخ الأصفر على أنواع والبطيخ الأخضر مع قلة واسمه عندهم الدلاع وكذلك الخيار والقثاء وبها اللوبيـاء واللفـت والباذنجان والقنبيط والكرنب والرجلة والبقلة اليمانية واسمها عندهم بلندس والخس والهندباء على أنواع وسائر البقول والملوخيا على قلة والهليون والصعتر‏.‏

وبها من الرياحين الأس والورد ومعظمه أبيض والياسمين والنرجس واللينوفر الأصفر والترنجاني والمنثور والمرزنجوش والبنفسج والسوسن والزعفران والحبق والنمام‏.‏

الجملة الرابعة في مواشيها ووحوشها وطيورها أمـا مواشيهـا ففيهـا الخيـل العـراب المشابهـة لخيـل برقـة والبغـال والحميـر والأبل والبقر وغنم الضأن والمعز‏.‏

وأما وحوشها ففيها الغزلان وبقر الوحش وحمره والنعام وغير ذلك‏.‏

وأما طيورها ففيها الدجاج والحمام كثيراً والأوز بقلة وبها الكراكي وهي صيـد الملـوك كمـا بمصر وكذلك غيرها من طيور الصيد‏.‏

الجملة الخامسة فيما يتعلق بمعاملاتها من الدنانير والدراهم والأرطال والمكاييل والأسعار أما الدنانير فإنها تضرب باسم ملكهم وزنة كل دينـار مـن دنانيرهـم‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

ويعبـرون وأما الدراهم فقد ذكر في مسالك الأبصار عن أبي عبد الله بن القويع‏:‏ أن دراهمهم على نوعين‏:‏ أحدهما يعـرف بالقديـم والأخـر بالجديـد ووزنهمـا واحـدٌ إلا أن الجديـد منهمـا خالـص الفضة والقديم مغشوش بالنحاس للمعاملة وتفاوت ما بينها أن كل عشرة دراهم عتيقة بثمانية دراهم جديدة وإذا أطلق الدرهم عندهم فالمراد به القديم دون الجديد ثم مصطلحهم أن كل عشرة دراهم عتيقة بدينار وهذا الدينار عندهم مسمى لا حقيقة له كالدينار الجيشي بمصر والرائج بإيران‏.‏

وأمـا أرطالهـا فزنـه كـل رطلٍ ست عشرة أوقيةً كل أوقية أحد وعشرون درهماً من دراهمهما‏.‏

وأما كيلها فلهم كيلان‏:‏ أحدهما يسمى القفيز وهو ست عشرة ويبةً كل ويبة اثنا عشر مداً قروياً وهو يقارب المد النبوي علـى صاحبـه أفضـل الصلـاة والسلـام والتحيـة والأكـرام‏.‏

وهـو أيضاً ثمانية أمدادٍ بالكيل الحفصي‏:‏ وهو كيلٌ قدره ملوكها الحفصيون‏:‏ آباء ملوكها القائمين بها الـآن بقـدر مـد ونصـف من المد المقدم ذكره‏.‏

والثاني يسمى الصحفة وكل صحفة اثنا عشر مداً بالحفصي‏.‏

في ذكر أسعارها قـد ذكـر في مسالك الأبصار‏:‏ أن أوسط الأسعار بها في غالب الأوقات أن يكون كل قفيز من القمح بخمسين درهماً والشعير دون ذلك‏.‏

قال‏:‏ وغالب سحر اللحم الضأن عندهم كل رطل أفريقي بدرهم قديم وبقية اللحوم دونه في القيمة وفي الربيع ينحط السعر عن هذا القدر‏.‏

وذكـر أن الدجاجـة الجيـدة عندهـم بدرهمين جديدين‏.‏

ثم قال‏:‏ وأحوالها مقاربة في ذلك للديار المصرية لقرب المجاورة وقد ذكـر فـي مسالـك الأبصـار‏:‏ أن تونـس وبجايـة فـي المعملـة ولسعـر متقاربتان‏.‏

الجملة السابعة في صفات أهل هذه المملكة في الجملة قـال فـي مسالـك الأبصـار‏:‏ ولأهـل أفريقيـة لطف أخلاق وشمائل بالنسبة إلى أهل بر العدوة وسائر بلاد المغرب بمجاورتهم مصر وقربهم من أهلها ومخالطتهم إياهم ومخالطة مـن سكـن عندهـم من أهل إشبيلية من الأندلس‏.‏

وهم من هم‏!‏ خفة روح وحلاوة بادرةٍ‏.‏

قال‏:‏ وهم عى كل حال أهل انطبـاع وكـرم طبـاع مواطننا في دهرهـن عجائـب وأزماننـا لـم تعدهـن الغرائب مواطن لم تحـك التواريـخ مثلهـا ولا حدثت عنها الليالي الذواهب وقوله‏:‏ بسيط‏.‏

انظر إلينا تجدنا ما بنـا دهـشٌ وكيف يطرق أسد الغابة الدهش لا تعرف الحادث المرهوب أنفسنا‏!‏ فإننا بإرتكاب الموت ننتعش‏!‏ وقوله‏:‏ طويل‏.‏

عسى الله يدني للمحبين أوبـةً فتشفى قلـوبٌ منهـم وصـدور وكم من قصي الدار أمسى بحزنه فأعقبـه عنـد الصباح سرور وإذا كان هذا رقة طبع السلطان فما ظنك بغيره من العلماء والأدباء الجملة الثامنة في ذكر من ملكها جاهليةً وإسلاماً أما ملوكها في الجاهلية قبل الأسلام فإن بلاد المغرب كلها كانت مع البررة ثـم غلبهـم الـروم الكيتم عليها وافتتحوا قاعدتها قرطاجنة وملوكها ثم جرى بين الروم والبربر فتنٌ كثيرة كان آخرها أن وقع الصلح بينهم على أن تكون المدن والبلاد الساحلية للروم والجبـال والصحـارى للبربر ثم زاحم الفرنج الروم في البلاد وجاء الأسلام والمستولي على بلاد المغرب مـن ملـوك الفرنجة جرجيس ملكهم وكان ملكه متصلاً من طرابلس من جهة الشرق إلى البحر المحيط من جهـة الغـرب وكرسـي ملكـه بمدينة سبيطلة وبقيت في يده حتى انتزعها المسلمون منه في سرية عبد الله بن أبي سرح في خلافة عثمان بن عفان‏.‏

وأما ملوكها في الأسلام فعلى أربع طبقات‏:‏ الطبقة الأولى الخلفاء قـد تقـدم أن أول مـن افتتحهـا عبـد اللـه بـن أبـي سرح في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه زحف إليها في عشرين ألفاً من الصحابة وكبار العرب ففرق جموع النصرانية الذين كانوا بها‏:‏ من الفرنجة والروم والبربر وهدم سبيطلة قاعدتها وخربها وعاثت خيول العرب في ديارهـم إلـى أن صالحـوا عبـد اللـه بـن أبـي سـرح بثلثمائـة قنطـار مـن الذهـب وقفـل عنهم سنة سبع وعشرين من الهجرة بعد فتح مصر بسبع سنين أو ثمانٍ‏.‏

ثم أغزاها معاوية بن أبي سفيان ‏"‏ معاوية بن حديج السكوني ‏"‏ سنة أربع وثلاثين‏.‏

ثم ولى معاوية عقبة بن نافع بن عبد قيس الفهري سنة خمس وأربعين فبنى عقبة القيروان‏.‏

ثـم استعمـل معاويـة علـى مصر وأفريقية مسلمة بن مخلد فعزل عقبة عن أفريقية وولى عليها مولاه أبـا المهاجـر دينـاراً سنة خمس وخمسين‏.‏

ولما استقل يزيد بن معاوية الخلافة رجع عقبة بن نافع إلى أفريقية سنة اثنتين وستين‏.‏

ثم ولي عبد الملك بن مروان عليها زهير بن قيـس البلـوي فـي سنـة سبـع وستيـن إلـى أن قتـل فـي سنـة تسع وستين فولى عليها حسان بن النعمان الغساني فسار ودخل القيروان وافتتح قرطاجنة عنوة وخربها فخرجت عليه الكاهنة ملكة الغرب فهزمته ثم عاد إليها وقتلها واستولى على بلادها ثم رجع إلى عبد الملك واستخلف على أفريقية رجلاً اسمه صالح‏.‏

ثم ولى الوليد بن عبد الملك موسى بن نصير بضم النون فقدم القيروان وبها صالحٌ ثم قفل موسى إلى المشرق واستخلف على أفريقية ابنه عبد الله‏.‏

ثم عزله سليمان بن عبد الملك في خلافته وولى مكانه محمد بن يزيد‏.‏

ثم ولى عمر بن عبد العزيز في خلافته إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر‏.‏

ثم ولى يزيد بن عبد الملك يزيد بن أبي مسلم مولى الحجاج وكاتبه فقدمها سنة إحدى ومائة فقتلـه البربـر وردوا محمـد بـن يزيـد الـذي كان عليهم قبله إلى ولايته وكتبوا إلى يزيد بن عبد الملك بذلك فأقره عليهم‏.‏

ثم ولى يزيد بن عبد الملك بشر بن صفوان الكلبي فقدمها سنة ثلاث ومائة ومات سنة تسع ومائة‏.‏

ثم عزله هشام بن عبد الملك وولى مكانه عبيدة بن عبد الرحمن السلمي فقدمها سنة عشر ومائـة ثـم عـزل هشـام عبيـدة وولـى مكانـه عبـد الله بن الحباب مولى بني سلول فقدمها سنة أربع عشرة ومائة وبنى جامع تونس واتخذ بها دار الصناعة للمراكب البحرية‏.‏

ثـم عزلـه هشـام بـن عبـد الملـك وولى مكانه كلثوم بن عياض ثم قتل فبعث هشام بن عبد الملك علـى أريقيـة حنظلـة بـن صفـوان الكلبـي فقدمهـا سنـة أربع وعشرين ومائة فخرج عليه عبد الرحمن بن حبيب سنة ست وعشرين ومائة فقفل حنظلة إلى المشرق سنة سبع وعشرين واستقل عبد الرحمن بملك أفريقية‏.‏

وولي مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية فكتب له بولايتها‏.‏

ثم كانت دولة بني العباس فأقره عليها السفاح ثم المنصور ثم قتل سنة سبع وثلاثين لعشر سنين من إمارته واشترك في إمارتها حبيب بن عبد الرحمن وعمه عمران بن حبيب وأخوه إليـاس بـن عبـد الرحمـن ثـم قتلـه عبـد الملك بن أبي الجعد ثم غلب عليها عبد الأعلى بن السمح المعافري‏.‏

ثـم ولـى أبـو جعفـر المنصـور محمد بن الأشعث الخزاعي فقدم القيروان سنة خمس وأربعين ومائة وبنى سورها‏.‏

ثم ثارت عليه المضرية وأخرجوه منها سنـة ثمـان وأربعيـن وولـوا عليهـم عيسـى بـن موسـى الخراساني‏.‏

ثـم ولـى أبـو جعفـر المنصـور عليها الأغلب بن سالم بن عقال بن خفاجة بن سوادة التميمي بعده فقدم القيروان وسكن الناس ثم قتل سنة خمسين ومائة وقام بأمر أفريقية المخارق بن غفار‏.‏

ولما بلغ المنصور قتل الأغلب بعث مكانه عمر بن حفص بن قبيصة ابن أبي صفرة التميمي أخـي المهلـب فقدمهـا سنة إحدى وخمسين‏.‏

ثم انتقضت عليه البربر فضعف أمره فولى يزيد بن حاتـم بـن قبيصـة بـن المهلـب بـن أبـي صفرة التميمي ودخل القيروان منتصف سنة خمس وخمسين وهلك سنة سبعين ومائة في خلافة هارون الرشيد وأقام بأمره بعده ابنه داود‏.‏

ثم ولى الرشيد أخاه روح بن حاتم فقدمها منتصف سنة إحدى وسبعين ومائة ومات في رمضان سنة أربع وسبعين فقام حبيب بن نصر مكانه وسار ابنه الفضل إلى الرشيد فولاه مكان أبيـه فعـاد إلـى القيـروان فـي المحـرم سنـة سبـع وسبعيـن ومائـة ثـم قتلـه ابـن الجـارود فـي منتصـف سنـة ثملـن وسبعيـن ومائـة فولـى الرشيـد مكانـه هرثمـة بـن أعيـن فسـار إلـى القيـروان وقدمهـا سنـة تسع وولـى مكانـه محمـد بـن مقاتل الكعبي فقدم القيروان في رمضان سنة إحدى وثمانين وكان سيء السيرة‏.‏

ثـم ولـى الرشيـد إبراهيـم بـن الأغلـب فقدم أفريقية منتصف سنة أربع وثمانين ومائة وابتنى مدينة العباسيـة بالقـرب مـن القيـروان وانتقـل إليها‏.‏

وفي ولايته ظهرت دعوة الأدارسة من العلوية بالمغرب الأقصى‏.‏

ثم مات إبراهيم في شـوال سنـة سـت وتسعيـن ومائـة بعـد أن عهـد لابنـه أبـي العبـاس عبـد اللـه بـن إبراهيـم بـن الأغلـب بالولايـة فقـدم القيـروان فـي صفـر سنـة سبـع وتسعيـن ومائـة‏.‏

ثـم مـات في ذي الحجة سنة إحدى ومائتين‏.‏

وولى مكانه أخوه زيادة الله بن إبراهيم وجاءه التقليد من قبل المأمون وفي ولايته كان ابتداء فتح صقلية على يد أسد بن الفرات وتوفي في رجب سنة ثلاث وعشرين ومائتين لاحدى وعشرين سنةً ونصفٍ من ولايته‏.‏

وولـي مكانـه أخـوه أبـو عقـال الأغلـب بـن إبراهيم بن الأغلب وتوفي في ربيع سنة ست وعشرين ومائتين‏.‏

وولي بعده ابنه أبو العباس محمد بن الأغلب بن إبراهيم فدانت له أفريقية وبنى مدينةً بقرب تاهرت وسماها العباسية سنة سبع وثلاثين ومائتين وبنى قصر سوسه وجامعها سنة ست وولـي مكانـه ابنـه أبو إبراهيم أحمد بن أبي العباس محمد بن الأغلب فأحسن السيرة وكان مولعاً بالعمـارة فبنـى بأفريقية نحواً من عشرة الأف حصن وتوفي آخر سنة تسع وأربعين لثمان سنين من ولايته‏.‏

وولي مكانه ابنه زياد الله الأصغر بن أبي إبراهيم أحمد وتوفي آخر سنة خمسين ومائتين‏.‏

وولي مكانه أخوه محمد أبو الغرانيق بن أبي إبراهيم أحمد ففتح جزيـرة مالطـة سنـة خمـس وخمسيـن ومائتيـن وبنـى حصونـاً ومحارس على مسيرة خمسة عشر يوماً من برقة من جهة المغرب وهي الآن معروفةٌ به‏.‏

وفـي أيامـه كـان أكثـر فتـوح صقليـة‏.‏

فلمـا مـات حمـل أهل القيروان أخاه إبراهيم بن أحمد أخي أبي الغرانيق على الولاية عليهم لحسن سيرته فامتنع ثم أجاب وانتقل إلى قصر الأمارة وقام بالأمر أحسن قيام‏.‏

وكان عادلاً حازماً فقطع أهل البغي والفساد وجلس لسمـاع الظلامـات وبنـى الحصون والمحارس بسواحل البحر حتى كانت النار توقد في ساحل سبتة للإنذار بالعدوة فيتصـل إيقادها بالأسكندرية في الليلة الواحدة وبنى سور سوسة وانتقل إلى تونس فسكنها‏.‏

وفي أيامه ظهرت دعوة العبيدين بالغرب ثم مات سنة تسع وثمانين ومائتين‏.‏

وولي ابنه أبو العباس عبد الله بن إبراهيم أخي محمدٍ أبي الغرانيق وكان عادلاً حسن السيرة بصيراً بالحـروب فنـزل تونـس مكـان أبيـه ودخلـوا فـي أمـره جملـةً وجـرى بينـه وبينـه حـروب ثـم قتـل فـي شعبان سنة تسعين ومائتين‏.‏

وولي ابنه أبو مضر زيادة الله فأقبل على اللذات واللهو وأهمل أمور الملك وقتل أخاه وعمومته وأخواتـه وقـوي حـال الدعـاة لعبيـد الله المهدي جد الخلفاء الفاطميين بمصر فحمل زيادة الله أمواله وأثقاله ولحق بمصر فمنعه عاملها من الدخول إليها إلا بأمر المقتدر الخليفة فسار إلى العراق فاستأذن عليه فأتاه كتاب المقتدر بالرجـوع إلـى القيـروان وإظهـار الدعـوة فوصـل إلـى مصـر فأصابه بها علة سقط منها شعره ورجع إلى القدس فمات بها وانقرضت دولة بني الأغلب بالمغرب‏.‏

الصبقة الثانية العبيديون وكان مبدأ أمرهم أن محمداً الحبيب بن جعفر المصدق بن محمد المكتوم بن إسماعيل الأمام بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان مقيماً بسلمية من أعمال حمص وكان أهل شيعتهم بالعراق واليمن وغيرهما يتعاهدونه بالزيارة إذا زاروا قبر الحسين عليه السلام فلما أدركته الوفاة عهد إلى ابنه عبيـد اللـه وقـال لـه‏:‏ أنـت المهـدي وتهاجـر بعدي هجرةً بعيدة وتلقى محنة شديدةً وشاع خبر ذلك فـي الناس واتصل بالمكتفي خليفة بني العباس ببغداد فطلبه ففر من الشام إلى العراق ثم لحق بمصـر ومعـه ابنـه أبـو القاسـم غلامـاً حدثـاً وخاصتـه وكـان أبـو عبـد اللـه الشيعي قد بعث إليه بخبره بما فتح الله عليهم من البلاد الغربية فعزم عل اللحوق به وخرج من مصر إلى أفريقية في زي التجار وسار حتى وصل إلى سجلماسة من بلاد المغرب فورد على عاملها كتابٌ بالقبض عليه فقبض عليه وحبسه هو وابنه أبا القاسم‏.‏

ولما استفحل أمر أبي عبد الله الشيعي استخلف على أفريقية أخاه أبا العباس وارتحل إلى سجلماسـة فأخـرج المهـدي وابنـه مـن الحبس وبايع للمهدي ثم ارتحلوا إلى أفريقية ونزلوا رقادة في ربيع سنة سبع وتسعين ومائتين وبويع للمهدي البيعة العامة واستقام أمره وبعث العمال على النواحي‏.‏

وولى عهده ابنه أبا القاسم محمداً ويقال نزار وبنى مدينة المهدية وجعلها دار ملكه‏.‏

ولما فرغ منها صعد على سورها ورمى بسهم في جهة المغرب وقال‏:‏ إلى هنا ينتهي صاحب الحمار فكان الأمر كذلك‏.‏

وذلك أنه خرج بالمغرب خارجي اسمه أبو يزيد يعرف بصاحب الحمار وتبعـه النـاس فقصـد مدينـة المهدية يريد فتحها فانتهى إلى حيث انتهى سهم المهدي ثم رجع من حيـث أتى فعظم أمر المهدي واستولى على فاس ودخل ملوكها من الأدراسة تحت طاعته في سنـة ثمان وثلثمائة ومهد المغرب ودوخ أقطاره وتوفي في ربيع الأول سنة ثنتين وعشرين لأربعٍ وعشرين سنة من خلافته‏.‏

وولي بعده ابنه القائم بأمر الله أبو القاسم المتقدم ذكره وفي أيامه خرج أبـو يزيـد صاحـب الحمار‏.‏

وتوفي سنة أربع وثلاثين وثلثمائة وكان قد عهد إلى ابنه المنصور بالله إسماعيل فقام بالأمر بعده وكتم موت أبيه فلم يتسم بالخليفة ولا غير السكة والخطبة والبنود وتوفي سلخ رمضان سنة إحدى وأربعين وثلثمائة لسبع سنين من خلافته‏.‏

وولي الأمر بعده ابنه المعز لدين الله معد فاستقام له الأمر وانتهت مملكته بالغرب إلى البحر المحيط وافتتح مصر على يد قائده جوهر في منتصف شعبان سنة ثمان وخمسين وثلثمائة واختط له القاهرة ثم قدم المعز من مصر ودخل القاهرة لخمس من رمضان سنة ثنتين وستين وثلثمائة على ما سبق في الكلام على مملكة الديار المصرية‏.‏

الطبقة الثالثة ملوكها من بني زيري كـان المعـز معـد الفاطمـي حيـن قـدم مصـر على ما تقدم استخلف على أفريقية والمغرب بلكين بن زيري بن مياد البربري ويقال‏:‏ الحميري وأنزله القيروان وسمـاه يوسـف وكنـاه أبـا الفتـوح ولقبـه سيـف الدولـة وبقـي حتـى توفـي سنـة ثلاث وسبعين وثلثمائة ومات المعز بالقاهرة وانتقلت الخلافة بعـده إلـى ابنـه العزيـز نـزار فولـى علـى أفريقيـة والمغـرب بعـد بلكيـن ابنـه المنصـور بـن بلكيـن بولايـة عهـد من أبيه وبقي حتى توفي سنة خمس وثمانين وثلثمائة‏.‏

وقـام بأمـره بعده ابنه باديس بن المنصور فبقي حتى توفي سنة ست وأربعمائة بمعسكره فجأة وهو نائم بين أصحابه‏.‏

وبويع ابنه المعز بن باديس وهو ابن ثماني سنين واستمر ملكه بأفريقية وعظم ملكه بها وكان المعز منحرفاً عن الرفض والتشيع منتحلاً للسنة وأعلن بذلك في أول ولايته ثم كان آخر أمره أن خلع طاعة العبيدين وقطع الخطبة لهم بأفريقية سنة أربعين وأربعمائة على عهد المستنصر العبيدي خليفة مصر وخطب للقائم القـادر الخليفـة العباسـي ببغـداد فاضطـرب لذلـك ملكـه وثارت عليه الثوار وملكوا منه النواحي ومات المعز سنة أربع وخمسين وأربعمائة‏.‏

وقام بأمره من بعد ابنه تميم بن المعز بن باديس وغلبه العرب على أفريقية فلم يكن له إلا ما ضمه السور واستمرت الثوار في أيامه وبقي حتى هلك سنة احدى وخمسمائة‏.‏

وملك بعده ابنه يحيى بن تميم فراجع طاعة العبيدين خلفاء مصر ووصلته منهم المخاطبات والهدايا والتحف وأكثر في غزو النصارى من الفرنجة وغيرهم حتى لقبـوه بالجريـة مـن وراء وملـك بعـده ابنـه علي بن يحيى وقام بالأمر على طاعة خلفاء العبيدين بمصر ومات سنة خمس عشرة وخمسمائة‏.‏

وملك بعده ابنه الحسن بن علي وهو ابن اثنتي عشرة سنةً وقام بأمره مولاه صندل ثم مولاه موفـق وغلبـه النصارى على المهدية وبلاد الساحل كلها إلى ان استنقذها منهم عبد المؤمن شيخ الموحدين ولحق الحسن بالجزائر ونزل بهـا إلـى أن فتـح الموحـدون الجزائـر سنـة سبـع وأربعيـن وخمسمائة بعد ملكهم المغرب والأندلس فخرج إلى عبد المؤمن فأحسن إليه وبقي معه حتى افتتـح المهديـة فأنزلـه بهـا فأقـام بهـا ثماني سنين‏.‏

ثم سار إلى مراكش فمات في طريقه وانقرضت دولة بني باديس من أفريقية في أيامهم عند وقوع الفتن‏.‏

الطبقة الرابعة الموحدون أصحاب المهدي بن تومرت وهم القائمون بها إلى الآن وكـان أول مـن افتتحهـا منهـم عبـد المؤمـن بـن علي أحد أصحاب ابن تومرت والخليفة بعده‏.‏

وذلك أنه لما وقع بها ما تقدم من الأضطراب وقيام الثوار واستيلائهم على النواحي وكان الموحدون قـد استولـوا علـى الأندلـس والغـرب الأقصى والغرب الأوسط إلى بجاية بعث عبد المؤمن المذكور العساكـر إلـى أفريقيـة مـع ابنـه عبـد اللـه فـي سنـة سبـع وأربعين وخمسمائة فافتتح أفريقية واستكمل فتحها سنـة سـت وخمسيـن‏.‏

وولـى عليهـا ابنـه السيـد أبـا موسـى عمـران بـن عبـد المؤمـن وأسـره علـي بن يحيى المعروف بابن غانية عند فتحه بجاية واعتقله بها في صفـر سنـة إحـدى وثمانيـن وخمسمائة‏.‏

ولمـا ولـي المنصـور يعقـوب بـن عبـد المؤمـن بعـد أبيـه عبـد المؤمـن ولى على أفريقية في أول ولايته أبا سعيد ابن الشيخ أبي حفص عمر ثم غلب ابن غانية على أكثر بلاد أفريقية واستولى على تونس وخطب للخليفة العباسي ببغداد ثم جهز الناصر بن المنصور بن عبد المؤمن الشيخ أبا محمـد عبـد الواحـد ابـن الشيـخ أبـي حفـص مـن مراكـش إلـى أفريقيـة سنـة ثنتين وستمائة فانتزعها من ابن غانية ثم وصل الناصر بن المنصور إلى أفريقية بعد ذلك ودخل تونـس وأقـام بهـا إلـى منتصـف سنـة ثلاث وستمائة وعزم على الرحيل إلى مراكش فروى نظره فيمن يوليه أمرها فوقع اختياره على الشيخ أبي محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص ورحل الناصر إلى المغرب وقعـد مقعد الأمارة بقصبة تونس يوم السبت العاشر من شوال سنة ثلاث وستمائة وبقي حتى توفي مفتتح سنة ثمان عشرة وستمائة‏.‏

وولـي بعـده ابنـه الأميـر أبـو زيـد عبـد الرحمـن وقعـد بمجلس أبيه في الأمارة وورد كتاب المستنصر بن الناصر خليفة بني عبد المؤمن بعزله لثلاثة أشهر من ولايته‏.‏

وولـى المستنصـر مكانـه السيـد أبا العلى إدريس بن يوسف بن عبد المؤمن ودخل إلى تونس في ذي القعـدة من السنة المذكورة فنزل بالقصبة ورتب الأمور ومات بتونس سنة عشرين وستمائة‏.‏

ثم مات المستنصر وصار الأمر لعبد الواحد المخلوع ابن يوسف بن عبد المؤمن فبعث بولاية أفريقية إلى أبي زيد بن أبي العلي‏.‏

ثم صار الأمر إلى العادل فولى أبا محمد عبد الله بن أبي محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفـص ودخـل تونـس سنة ثلاث وعشرين وستمائة وأقام في إمارته إلى أن ثار عليه أخوه الأمير أبو زكريا يحيى بن أبي محمد عبد الواحد وولي مكانه ودخل تونس في رجب سنة خمس وعشرين وستمائة وافتتح قسنطينة وبجاية سنة ست وعشرين وانتزعهما من بني عبد المؤمن‏.‏

ثم ملك تلمسان من يدهم بعد ذلك وبايعه أهل الأندلس ومات ببونة لسبع بقين من جمادى الأخرة سنة سبع وأربعين وستمائة لثنتين وعشرين من سنة ولايته‏.‏

وبويـع بعـده ابنـه وولـي عهـده المستنصـر باللـه أبـو عبـد اللـه محمـد ودخل تونس في رجب من السنة المذكـورة فجدد بيعته بها وهو أول من تلقب من الحفصيين بألقاب الخلافة كما سيأتي‏.‏

وأنتهى أمره إلى أن بويع له بمكة المعظمة وبعث بالبيعة إليه واستولى على ما كان بيد أبيه من الغرب الأوسط ببجاية وقسنطينة وفتح الجزائر وبقي حتى مات يوم الأضحى سنة خمس وسبعين وستمائة‏.‏

وبويـع بعـده ابنـه الواثـق يحيـى بـن المستنصـر ليلـة مـوت أبيه فأحسن السيرة وبسط في الرعية العدل والعطاء وبعث إليه أهل بجاية بالبيعة وخرج عليه عمه أبو إسحاق أخـو المستنصـر ودخـل بجايـة وبايعـه أهلهـا فـي ذي القعـدة سنة سبع وسبعين واستولى على قسنطينة وقوي أمره ببجاية وما معها وبلغ ذلك الواثق بن المستنصر قتيقن ذهاب الملك منه فانخلع عن الأمر لعمه أبي إسحاق إبراهيم بن يحيى ومن هنالك عرف بالمخلوع وأشهد على نفسه بذلك في أول ربيع الـأول سنة ثمان وسبعين وستمائة وبلغ ذلك السلطان أبا إسحاق فسار إلى تونس ودخلها في نصـف ربيـع الآخـر مـن السنـة المذكورة واستولى على المملكة جميعها واعتقل الواثق وبنيه ثم دس عليهـم مـن ذبحهـم فـي الليـل فـي صفـر سنـة تسـع وسبعيـن وستمائـة وبقـي حتـى خـرج عليه أحمد بن روق بن أبي عمارة من بيوتات بجاية الطارئين عليها من المسيلة سنة إحدى وثمانين وستمائة وكـان شبيهـاً بالفضـل بـن يحيـى المخلوع فعرف بالدعي واستولى على تونس بعد خروج السلطان أبـي إسحـاق منهـا ولحـق أبـو إسحاق ببجاية فمنعه ابنه الأمير أبو فارس عبد العزيز من الدخول إليها فانخلع له عنها وأشهد عليه بذلك ودعا الناس إلى بيعته في آخر ذي القعدة من السنة المذكـورة فبايعـوه وتلقـب بالمعتمـد ثـم كـان بيـن الدعـي والأميـر أبي فارس واقعة قتل فيها الأمير أبو فـارس فـي سنـة ثنتين وثمانين وستمائة‏.‏

وخرج السلطان أبو إسحاق فلحق بتلمسان ومعه ابنه الأمير أبو زكريا ودخل أهل بجاية في طاعة الدعي‏.‏

ثم خرج على الدعي الأمير أبو حفص عمر بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص فكانت بينهما حرب انهزم الدعي في آخرها‏.‏

واستولى أبو حفص على تونس وسائر المملكة وتلقب بالمستنصـر واختفـى الدعـي ثـم ظفـر به أبو حفص بعد ذلك وقتله وبايعه أهل تلمسان وطرابلس وما بينهما‏.‏

وخـرج الأميـر أبـو زكريـا يحيـى ابـن السلطـان أبـي إسحـاق علـى بجايـة وقسنطينة فملكهما واقتطعهمـا عـن مملكـة أفريقيـة وقسـم دولـة الموحدين بدولتين ولم يزل السلطان أبو حفص في ملكه إلـى أن مـرض فـي ذي الحجـة سنـة أربـع وستيـن وستمائـة ومـات آخر ذي الحجة من السنة المذكورة ‏.‏

وكان الواثق بن المستنصر لما قتل هو وأبوه ترك جاريةً حاملاً فسماه الشيخ محمد المرجاني محمـداً وأطعـم الفقـراء يومئـذٍ عصيدةً من عصيدة البر فلقب بأبي عصيدة فلما مات السلطان أبو حفص بايع الناس أبا عصيدة المتقدم ذكره‏.‏

وقام بعده في تلك الناحية ولي عهده ابنه أبو البقاء خالد فاستمر في تلك الناحية وبقي السلطـان أبـو عصيـدة فـي مملكـة أفريقيـة حتـى مـات فـي ربيـع الآخـر سنـة تسع وسبعمائة ولم يخلف ابناً‏.‏

وكـان بالقصـر أبـو بكـر بـن عبـد الرحمـن بـن أبي بكر بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص في كفالـة السلطـان أبـي عصيـدة فلما مات أبو عصيدة بايعه أهل تونس ثم ارتحل السلطان أبو البقاء خالـد‏:‏ صاحـب بجايـة إلـى جهـة تونس طالباً ملكها بعد أبي عصيدة فخرج أبو بكر الشهيد في أهل تونس للقائه فانهزموا عنه وقبض على أبي بكر الشهيد واعتقل ثم قتل بعد ذلك فسمي الشهيـد واستقـل السلطـان أبـو البقـاء خالـد بملـك تونـس وبجايـة وحـاز جميـع المملكـة وتقلـب الناصـر لدين الله وبقي حتى بويع أبو يحيى زكرياً بن أحمد بن محمد اللحياني ابن عبد الواحد ابـن الشيـخ أبـي حفص‏:‏ فبويع بطرابلس وخرج على أبي البقاء خالد فخافه فخلع نفسه فاعتقل وجـاء السلطان أبو يحيى على أثره في رجب سنة إحدى عشرة وسبعمائة فبويع البيعة العامة ودخـل تونـس واستولى عليها ثم اضطرب عليه أمره فخرج من تونس إلى قابس أول سنة سبع عشـرة وسبعمائـة بعـد أن استخلـف بتونـس وانتهـى إلـى قابـس فأقـام بها وصرف العمال في جهاتها وقصد السلطان أبو بكر صاحب بجاية تونس وكان بينه وبين أهلها وقعةٌ انتهى الحال في آخرهـا الـى أن السلطـان أبـا بكـر رجـع إلـى بجايـة‏.‏

وبايـع أهـل تونـس محمـداً المعروف بأبي ضربة ابن السلطان أبي يحيى في سنة سبع عشرة المذكورة‏.‏

ثم قصد السلطان أبو بكر صاحب بجاية تونس وبها أبو ضربة فغلبه عليها ودخلها في ربيع الآخر سنة ثمان عشرة وسبعمائة وبويع بها البيعة العامة‏.‏

ولحـق السلطـان أبـو يحيـى اللحيانـي بمصـر فـي أيـام الملـك الناصـر محمد بن قلاوون فأحسن نزله وأقام عنـده الـى أن مـات ولحـق ابنـه أبـو ضربـة بتلمسـان فأقام بها إلى أن مات واستقل السلطان أبو بكر بأفريقيـة وبجايـة الـى أن غلبـه علـى تونـس إبراهيـم بـن أبـي بكر الشهيد المتقدم ذكره أولاً ودخلها في رجب سنة خمس وعشرين وسبعمائة‏.‏

ثـم غلبـه عليهـا السلطان أبو بكر وانتزعها من يده في شوال من السنة المذكورة واستقر في يده ملك أفريقية وبجاية إلـى أن مـات فجـأة فـي جـوف الليـل فـي ليلـة الأربعـاء ثانـي رجـب الفـرد سنـة سبـع وأربعين وسبعمائة بمدينة تونس‏.‏

وبويع ابنه أبو حفص عمر بن أبي بكر من ليلته وجلس من الغد وبويع البيعة العامة‏.‏

وكان أبوه قد عهد إلى ابنه الآخر أبي العباس أحمد وكان ببلاد الجريد فاستجاش على أخيه وقدم عليه تونس وكانت بينهما واقعة قتل فيها أبو العباس واستقر السلطان أبو حفص على وكـان للسلطـان أبـو بكـر حيـن عهـد لابنـه أبـي العبـاس أرسـل العهـد الـى السلطـان أبـي الحسـن المريني‏:‏ صاحب تلمسان وسأله في الكتابة عليه فلما قتل أبو العباس المذكور ثقل ذلك على السلطان أبـي الحسـن وخـرج الـى أفريقيـة فـي سنـة ثمـان وأربعيـن وسبعمائـة ووصـل إلـى بجايـة ثـم الـى قسنطينـة فملكهمـا ثـم سـار الـى تونـس فلقيـه السلطان أبو حفص عمر وكانت بينهما واقعة قبض فيها على أبي حفص ثم قتل‏.‏

ودخل السلطان أبو الحسن الى تونس واستولي على جميع المملكة مضافةً إلى مملكته وكمل له ذلك ملك جميع المغرب‏.‏

ثم غلب أبو العباس الفضل ابن السلطـان أبـي بكـر علـى بجايـة وقسنطينـة ومملكهمـا وسـار السلطـان أبـو الحسـن إلـى المغـرب واستخلـف علـى تونـس ابنـه أبا الفضل فسار الفضل ابن السلطان أبـي بكـر مـن بجايـة إلـى تونـس فخـرج منهـا أبـو الفضـل بـن أبـي الحسن فاراً إلى أبيه بالمغرب ودخلها الفضـل ابـن السلطان أبي بكر وملكها سنة تسع وأربعين وسبعمائة واستولى على جميع المملكة وبقي الى أن قبض عليه في جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة‏.‏

وبويع بعده أخوه أبو إسحاق إبراهيم ابن السلطان أبي بكر وهو يومئذ غلام قد ناهز الحلم وقتـل الفضـل فـي جـوف الليـل مـن الليلـة القابلـة خنقاً واستولى على أفريقية وبجاية وقسنطينة وبقي حتـى غلبـه بنـو مريـن علـى بجايـة وقسطنينة وملكهما منه أبو عنان سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة ‏.‏

ثـم استولـى السلطـان أبـو العبـاس أحمـد بـن محمد بن أبي بكر على قسنطينة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة وبويع بها‏.‏

ثـم غلبـه عليهـا أبـو عنـان وقفـل إلـى المغـرب سنـة سبـع وخمسيـن وقـد استخلـف بها فتجهز اليها أبو إسحـاق إبراهيـم صاحـب تونـس وملكهـا مـن يـد عامـل أبـي عنان سنة إحدى وستين ثم قوي أمر السلطان أبي العباس وعاد إلى قسنطينة وملكها في السنة المذكورة‏.‏

ثـم استولـى أبـو عبـد اللـه محمـد بن محمد ابن السلطان أبي بكر في رمضان سنة خمس وستين وسبعمائة فأساء السيرة بها فسار إليه السلطان أبو العباس من تونس فقتله ودخل بجاية تاسع عشـر شعبـان سنـة سبـع وستيـن وسبعمائـة وملكهـا وبقيـت بيـده وتونـس بيـد السلطان أبي إسحاق إبراهيـم ابـن السلطـان أبـي بكـر إلـى أن توفـي السلطـان أبـو إسحـاق فجاءه في الليل في سنة سبع وسبعين وسبعمائة‏.‏

وبويـع بعـده ابنـه أبو البقاء خالد واستبد عليه منصور مولى أبيه وابن الباليقي حاجب أبيه فلم يكون له في الدولة تحكم‏.‏

ثم رحل السلطان أبو العباس من بجاية إلى تونس وقبض على السلطان أبي البقاء خالد بن إبراهيم بعد حصاره أياماً واعتقله وملك تونس وانتظم في ملكه أفريقيـة وبجايـة وقسنطينـة وأعمالها وبقي حتى مات في شعبان سنة ست وثمانين وسبعمائة‏.‏

وكان أبو العباس هذا له شعر رائق طلب مرةً كاتب إنشائه يحيى بن أجاد وكان يحيى ثملاً فخافه على نفسه إن طلع إليه على تلك الحالة فكتب إليه مجزوء الخفيف‏.‏

أصبح العبد يحيـى كصباح ابن أكثم شغلته الحميا وهو بالأمر مهتم فخشي من رقيبٍ فـرأى الدار أكتم فلما قرأها وقع بخطه تحت خطه‏:‏ مجزوء الخفيف قر عيناً بعيـشٍ صفـوه بك قد تم أأنت أزكى عبيدي هـا هنـا كنـت أوثـم فكان ذلك سبب توبة يحيى‏.‏

وبويـع بعـده ابنـه أبـو فـارس عـزوز فـي رابـع شعبـان مـن السنـة المذكورة واستولى على تونس وبجاية وقسنطينة وسائر أعمالها‏.‏

وهو السلطان أبو فارس عزوز ابن السلطان أبي العباس أحمد ابن قلـت‏:‏ وهـو بـاقٍ إلـى زماننـا فـي سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وقد شاع ذكر شجاعته وعدله حتى إنه دوخ البلاد ومهدها وقتل العرب وأبادهم ودخل من بقي منهم في طاعته بعد أن لم يدينوا لطاعة غيره وقطع المكوس من بلاده وأزال الحانـات مـن تونـس مـع تواضـع وقـرب مـن الفقـراء وأخـذ بيـده المظلوميـن ووجـوه بـر رتبهـا وقررها لم تعهد لأحد ممن قبله إلى غير ذلك من صفات الملوك المحمودة التي امتاز بها عن الملوك ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء‏.‏