فصل: ابن الصلاح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأنباء في طبقات الأطباء (نسخة منقحة)



.أبو الفضل بن أبي الوقار:

هو الشيخ الأجل العالم أبو الفضل إسماعيل بن أبي الوقار، أصله من المعرة، وأقام بدمشق، وسافر إلى بغداد، وقرأ على أفاضل الأطباء من أهلها، واجتمع بجماعة من العلماء بها، وأخذ عنهم، ثم عاد إلى دمشق وكان متميزًا في صناعة الطب علمها وعملها، كثير الخير، محمود الطريقة، حسن السيرة وافر الذكاء، وكان في خدمة السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، ويعتمد عليه في صناعة الطب، وكان لايفارقه في السفر والحضر، وله الحظ الوافر والإنعام الكثيرة، وتوفي الملك العادل نور الدين، وهو في حلب، في العشر الأول من شهر ربيع الأول سنة أربع وخمسين وخمسمائة.

.مهذب الدين بن النقاش:

هو الشيخ الإمام العالم أبو الحسن علي بن أبي عبد اللَّه عيسى بن هبة اللَّه النقاش، مولده ومنشؤه ببغداد، عالم بعلم العربية والأدب، وكان يتكلم الفارسي، واشتغل بصناعة الطب على الأجل أمين الدولة هبة اللَّه بن صاعد بن التلميذ، ولازمه مدة واشتغل بعلم الحديث، سمع ببغداد من أبي القاسم عمر بن الحصين، وحدث عنه، سمع منه القاضي عمر بن القرشي وروى عنه حديثًا في معجمه، وكان أبو عبد اللَّه عيسى بن هبة اللَّه بن النقاش بزازًا أديباً، قال عماد الدين أبو عبد اللَّه محمد بن حامد الأصبهاني الكاتب في كتاب الخريدة أنشدني مهذب الدين أبو الحسن علي بن النقاش لوالده:
إذا وجد الشيخ في نفسه ** نشاطًا فذلك موت خفي

ألست ترى أن ضوء السراج ** له لهب قبل أن ينطفي

قال وأنا لقيت أبا عبد اللَّه بن النقاش ببغداد، وتوفي رحمه اللَّه في العشرين من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة بها بعد مسيري إلى أصبهان قال وقرأت بخط السمعاني أنشدني أبو عبد اللّه النقاش لنفسه:
رزقت يسارًا فوافيت من ** قدرت به حين لم يرزق

وأملقت من بعده فاعتذرت ** إليه اعتذار أخ مملق

وإن كان يشكر فيما مضى ** بذا فسيعذر فيما بقي

قال، قال، وأنشدني لنفسه أيضًا من قطعة:
وكذا الرئيس فإنه ** عندي كمجرى الروح يجري

أنكرت في دلف ** عليه تهتكا من بعد ستر

كيف السلو وقد تملك ** مهجتي من غير أمري

قمر تراه إذا استمر ** كمثل أربعة وعشر

يرفو بنجلاوين يسقم ** من سقامهما ويبري

وإذا تبسم في دجا ** ليل شهدت له بفجر

وبورد وجنته وحسن ** عذاره قد قام عذري

أقول ولما وصل مهذب الدين بن النقاش إلى دمشق بقي بها يطلب، وكان أوحد زمانه في صناعة الطب، وله مجلس عام للمشتغلين عليه، ثم توجه إلى الديار المصرية، وأقام بالقاهرة مدة، ثم رجع إلى دمشق، ولم يزل مقيمًا إلى حين وفاته، وخدم بصناعة الطب الملك العادل نور الدين بن محمود بن زنكي، وكان يعاني أيضًا كتابة الإنشاء وكتب كثيرًا لنور الدين المراسلات والكتب إلى سائر النواحي، وكان مكينًا عنده، وخدم أيضًا في البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بدمشق، وبقي به سنين، وكتب الأمير مؤيد الدولة أبو المظفر أسامة بن منقذ إلى مهذب الدين بن النقاش يستهدي دهن بلسان:
ركبتي تخدم المهذب في ** العلم وفي كل حكمة وبيان

وهي تشكو إليه تأثير طول ** العمر في ضعفها وطول الزمان

فلها فاقة إلى ما ** يقويها على مشيها من البلسان

كل هذا علالة من لمن جا ** ز الثمانين بالنهوض يدان

رغبة في الحياة من بعد طول ** العمر والموت غاية الإنسان

فبعث إليه ما أراد من ذلك، ولم يزل في خدمة نور الدين إلى أن توفي رحمه اللَّه، وكانت وفاة نور الدين في شوال سنة تسع وستين وخمسمائة بدمشق، وخدم مهذب الدين ابن النقاش أيضًا بصناعة الطب بعد ذلك للملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، لما ملك دمشق، وحظي عنده، وكان مهذب الدين بن النقاش كثير الإحسان محبًا للجميل يؤثر التخصص، ولم يتخذ امرأة ولا خلف ولداًًً، وكانت وفاته رحمه اللَّه بدمشق في يوم السبت ثاني عشر محرم سنة أربع وسبعين وخمسمائة ودفن بها في جبل قاسيون.

.أبو زكريا يحيى البياسي:

هو أمين الدين أبو زكريا يحيى بن إسماعيل الأندلسي البياسي من الفضلاء المشهورين والعلماء المذكورين، قد أتقن الصناعة الطبية، وتميز في العلوم الرياضية، وصل من المغرب إلى ديار مصر، وأقام بالقاهرة مدة، ثم توجه إلى دمشق وقطن بها، وقرأ على مهذب الدين أبي الحسن علي بن علي بن هبة اللَّه المعروف بابن النقاش البغدادي، ولازمه وكتب الستة عشر لجالينوس وقرأها عليه، وكتب بخطه كتبًا كثيرة جدًا في الطب وغيره، وكان يعرف النجارة، وعمل لابن النقاش آلات كثيرة تتعلق بالهندسة، وكان أبو زكريا يحيى البياسي جيد اللعب بالعود، وعمل الأرغن أيضاً، وحاول اللعب به، وكان يقرأ عليه علم الموسيقا، وخدم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بصناعة الطب، وبقي معه مدة في البيكار ثم استعفى من ذلك، وطلب المقام بدمشق فأطلق له الملك الناصر جامكية وبقي مقيمًا في دمشق وهو يتناولها إلى أن توفي رحمه اللّه.

.سكرة الحلبي:

كان شيخًا قصيرًا من يهود مدينة حلب، وكانت له دربة بالعلاج، وتصرف في المداواة، حدثني الشيخ صفي الدين خليل بن أبي الفضل بن منصور التنوخي الكاتب اللاذقي قال كان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بحلب، وكانت له في القلعة بها حظية يميل إليها كثيراً، ومرضت مرضًا صعباً، وتوجه الملك العادل إلى دمشق وبقي قلبه عندها، وكل وقت يسأل عنها فتطاول مرضها، وكان يعالجها جماعة من أفاضل الأطباء، وأحضر إليها الحكيم سكرة فوجدها قليلة الأكل متغيرة المزاج، لم تزل جنبها إلى الأرض، فتردد إليها مع الجماعة، ثم استأذن الخادم في الحضور إليها وحده فأذنت له، فقال لها يا ستي أنا أعالجك بعلاج تبرئي به في أسرع وقت إن شاء اللّه تعالى، وما تحتاجي معه إلى شيء آخر، فقالت افعل، فقال أشتهي إن مهما أسألك عنه تخبريني به ولا تخفيني، فقالت نعم، وأخذ منها أمانًا فقال تعرفيني ما جنسك؟ فقالت علانية، فقال العلان في بلادهم نصارى، فعرفيني أيش كان أكثر أكلك في بلدك؟ فقالت لحم البقر، فقال يا ستي، وما كنت تشربين من النبيذ الذي عندهم فقالت كذا كان، فقال أبشري بالعافية، وراح إلى بيته واشترى عجلًا وذبحه وطبخ منه، وجاب معه في زبدية منه قطع لحم مسلوق، وقد جعلها في لبن وثوم، وفوقها رغيف خبز فأحضره بين يديها وقال كلي، فمالت نفسها إليه، وصارت تجعل اللحم في اللبن والتوم وتأكل حتى شبعت، ثم بعد ذلك أخرج من كمه برنية صغيرة، وقال ياستي هذا شراب ينفعك فتناوليه فشربته، وطلبت النوم، وغطيت بقرجة فرو سنجاب، فعرقت عرقًا كثيرًا وأصبحت في عافية، وصار يجيب لها من ذلك الغذاء والشراب يومين آخرين، فتكاملت عافيتها فأنعمت عليه، وأعطته صينية مملوءة حلياً، فقال أريد مع هذا أن تكتبي لي كتابًا إلى السلطان وتعرفيه ما كنت فيه من المرض وأنك تعافيت على يدي، فوعدته بذلك وكتبت إلى السلطان تشكر منه، وتقول له فيها أنها كانت قد أشرفت على الموت وأن فلانًا عالجني وما وجدت العافية إلا على يديه، وجميع الأطباء الذين كانوا عندي ما عرفوا مرضي، وطلبت منه أن يحسن إليه، فلما قرأ الكتاب استدعاه واحترمه، وقال له هم شاكرون من مداواتك، فقال يا مولانا كانت من الهالكين، وإنما اللَّه، عز وجل، جعل عافيتها على يدي لبقية أجل كان لها، فاستحسن قوله، وقال أيش تريد أعطيك، فقال يا مولانا تطلق لي عشر فدادين خمسة في قرية صمع وخمسة في قرية عندان، فقال نطلقها لك بيعاَ وشراء حتى تبقى مؤبدة لك، وكتب له بذلك وخلع عليه، وعاد إلى حلب وكثرت أمواله بها، ولم يزل في نعمة طائلة بها وأولاده بعده.

.عفيف بن سكرة:

هو عفيف بن عبد القاهر سكرة يهودي من أهل حلب، عارف بصناعة الطب، مشهور بأعمالها وجودة النظر فيها، له أولاد وأهل أكثرهم مشتغلون بصناعة الطب، ومقامهم بمدينة حلب ولعفيف بن سكرة من الكتب مقالة في القولنج ألفها للملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وذلك في سنة أربع وثمانين وخمسمائة.

.ابن الصلاح:

هو الشيخ العالم نجم الدين أبو الفتوح أحمد بن محمد بن السري، وكان يعرف بابن الصلاح فاضل في العلوم الحكمية جيد المعرفة بها مطلع على دقائقها وأسرارها، فصيح اللسان قوي العبارة مليح التصنيف متميز في علم صناعة الطب، وكان أعجميًّا أصله من همدان، وقطن ببغداد واستدعاه حسام الدين تمرتاش بن الغازي بن أرتق إليه وأكرمه غاية الإكرام، وبقي في صحبته مدة، ثم توجه ابن الصلاح إلى دمشق، ولم يزل بها إلى أن توفي، وكانت وفاته رحمه اللّه بدمشق ليلة الأحد سنة نيف وأربعين خمسمائة ودفن في مقابر الصوفية عند نهر بانياس بظاهر دمشق.
ونقلت من خط الشيخ الحكيم أمين الدين أبي زكريا يحيى بن إسمعيل البياسي رحمه اللّه قال كان قد ورد إلى دمشق الشيخ الإمام العالم الفيلسوف أبو الفتوح بن الصلاح من بغداد، ونزل عند الشيخ الحكيم أبي الفضل إسمعيل بن أبو الوقار الطبيب، وارد ابن الصلاح أن يستعمل له تمشكا بغداديا، وسأل عن صانع مجيد لعمل ذلك، فدل على رجل يقال له سعدان الإسكاف، فاستعمل التمشك عنده، ولما فرغ منه بعد مدة وجده ضيق الصدر زائد الطول رديء الصنعة، فبقي في أكثر أوقاته يعيبه، ويستقبح صنعته، ويلوم الذي استعمله، وبلغ ذلك الشيخ أبا الحكم المغربي الطبيب، فقال على لسان الفيلسوف هذه القصيدة على سبيل المجون، وذكر فيها أشياء كثيرة من اصطلاحات المنطق والألفاظ الحكمية والهندسية وهي:
مصابي مصاب تاه في وصفه عقلي ** وأمري عجيب شرحه يا أبا الفضل

أبثك ما بي من أسى وصبابة ** وما قد لقيت في دمشق من الذل

قدمت إليها جاهلًا بأمورها ** على أنني حوشيت في العلم من جهل

وقد كان في رجلي تمشك فخانني ** عليه زمان ليس يحمد في فعل

فقلت عسى أن يخلف الدهر مثله ** وهيهات أن ألقاه في الحزن والسهل

ولاحقني نذل دهيت بقربه ** فلله ما قاسيت من ذلك النذل

فقلت له يا سعد جد لي بحاجة ** تحوز بها شكر امرئ عالم مثلي

بحقي عسى تستنخب اليوم قطعة ** من الأدم المدبوغ بالعفص والخل

فقال على رأسي وحقك واجب ** على كل إنسان يرى مذهب العقل

فناولته في الحال عشرين درهما ** وسوفني شهرين بالدفع والمطل

فلما قضى الرحمن لي بنجازه ** وقلت ترى سعدان أنجز لي شغلي

أتى بتمشك ضيق الصدر أحنف ** بكعب غدا حتفًا على الكعب والرجل

وبشتيكه بشتيك سوء مقارب ** أضيف إلى نعل شبيه به فسل

بشكل على الأذهان يعسر حله ** ويعي ذوي الألباب والعقد والحل

وكعب إلى القطب الشمالي مائل ** ووجه إلى القطب الجنوبي مستعلي

وما كان في هندامه لي صحة ** ولكن فساد شاع في الفرع والأصل

موازاة خطي جانبيه تخالفا ** فجزء إلى علو وجزء إلى سفل

وكم فيه من عيب وخرز مفتق ** يعاف ومن قطع من الزيج والنعل

بوصل ضروري وقد كان ممكنًا ** لعمرك أن يأتي التمشك بلا وصل

وفيه اختلال من قياس مركب ** فلا ينتج الشرطي منه ولا الحملي

ومن عظم ما قاسيت من ضيق ** بأسه أخاف على جسمي من السقم والسل

فيا لتمشك مذ تأملت شكله ** علمت يقينًا أنه موجب قتلي

وينشد من يأتيه نعيي بجلق بنا ** منك فوق الرمل ما بك في الرمل

فلا تعجبوا مهما دهاني فإنني ** وجدت به ما لم يجد أحد قبلي

ولابن الصلاح من الكتب مقالة في الشكل الرابع من أشكال القياس الحملي، وهذا الشكل المنسوب إلى جالينوس، كتاب في الفوز الأصغر في الحكمة.