فصل: النسخ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: غاية الوصول إلى شرح لب الأصول



.البيان:

بمعنى التبيين لغة الإظهار أو الفصل واصطلاحا. (إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي) أي الإيضاح، فالإتيان بالظاهر من غير سبق إشكال لا يسمى بيانا اصطلاحا. (وإنما يجب) البيان (لمن أريد فهمه) المشكل لحاجته إليه بأن يعمل به أو يفتى به بخلاف غيره. (والأصح أنه) أي البيان قد (يكون بالفعل) كالقول بل أولى، لأنه أدل بيانا لمشاهدته، وإن كان القول أدلّ حكما لما يأتي، وقيل لا لطول زمنه فيتأخر البيان به مع إمكان تعجيله بالقول وذلك ممتنع. قلنا لا نسلم امتناعه والبيان بالقول كقوله تعالى: {صفراء فاقع لونها} بيان لقوله بقرة وبالفعل كخبر: «صلوا كما رأيتموني أصلي». ففعله بيان لقوله تعالى: {أقيموا الصلاة} وقوله صلوا إلخ. ليس بيانا، وإنما دل على أن الفعل بيان ومن الفعل التقرير والإشارة والكتابة، وقد قال صاحب الواضح من الحنفية في الأخيرين لا أعلم خلافا في أن البيان يقع بهما. (و) الأصح أن (المظنون يبين المعلوم). وقيل لا لأنه دونه فكيف يبينه. قلنا لوضوحه. (و) الأصح أن (المتقدم) وإن جهلنا عينه. (من القول والفعل هو البيان) أي المبين والآخر تأكيد له وإن كان دونه قوّة، وقيل إن كان كذلك فهو البيان، لأن الشيء لا يؤكد بما هو دونه. قلنا هذا في التأكيد بغير المستقل أما بالمستقل فلا، ألا ترى أن الجملة تؤكد بجملة دونها. (هذا إن اتفقا) أي القول والفعل في البيان كأن طاف صلى الله عليه وسلّم بعد نزول آية الحج المشتملة على الطواف طوافا واحدا أو أمر بطواف واحد. (وإلا) بأن زاد الفعل على مقتضى القول، كأن طاف صلى الله عليه وسلّم بعد نزول آية الحج طوافين، وأمر بواحد، أو بأن نقص الفعل عن مقتضى القول كأن طاف واحدا وأمر باثنين. (فالقول) أي فالبيان القول لأنه يدل عليه بنفسه والفعل يدل عليه بواسطة القول (وفعله مندوب أو واجب) في حقه دون أمته وإن زاد على مقتضى قوله (أو تخفيف) في حقه أن نقص عنه سواء أكان القول متقدما على الفعل أو متأخرا عنه جمعا بين الدليلين، وقيل البيان المتقدم منهما كما لو اتفقا، فإن كان المتقدم القول فحكم الفعل ما مر أو الفعل، فالقول ناسخ للزائد منه وطالب لما زاده عليه. قلت عدم النسخ بما قلناه أولى، والقول أقوى دلالة وذكر التخفيف من زيادتي.

.(مسألة تأخير البيان) لمجمل أو ظاهر لم يرد ظاهره بقرينة ما يأتي. (عن وقت الفعل غير واقع وإن جاز) وقوعه عند أئمتنا المجوّزين تكليف ما لا يطاق:

(و) تأخيره عن وقت الخطاب (إلى وقته) أي الفعل جائز (واقع في الأصحّ سواء أكان للمبين) ببنائه للمفعول. (ظاهر) وهو غير المجمل كعام يبين تخصيصه ومطلق يبين مقيده ودالّ على حكم يبين نسخه أم لا. وهو المجمل المشترك يبين أحد معنييه مثلًا ومتواطئ يبين أحد ما صدقاته مثلًا، وقيل يمتنع تأخيره مطلقا لإخلاله بفهم المراد عند الخطاب، وقيل يمتنع فيما له ظاهر لإيقاعه المخاطب في فهم غير المراد بخلافه في المجمل، وقيل يمتنع تأخير البيان الإجمالي دون التفصيلي فيما هو ظاهر مثل هذا العام مخصوص، وهذا المطلق مقيد، وهذا الحكم منسوخ لوجود المحذور قبله بخلاف المجمل، فيجوز تأخير بيانه الإجمالي كالتفصيلي، وقيل غير ذلك.
ومما يدل على الوقوع آية: {واعلموا أنما غنمتم من شيء} فإنها عامة فيما يغنم مخصوصة عموما بخبر الصحيحين: «من قتل قتيلًا له عليه بينة فله سلبه». وبلا عموم بخبرهما أنه صلى الله عليه وسلّم قضى بسلب أبي جهل لمعاذ بن عمرو بن الجموح، وآية: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} فإنها مطلقة ثم بين تقييدها بما في أجوبة أسئلتهم. (و) يجوز (للرسول) صلى الله عليه وسلّم (تأخير التبليغ) لما أوحي إليه من قرآن أو غيره. (إلى الوقت) أي وقت العمل ولو على القول بامتناع تأخير البيان عن وقت الخطاب لانتفاء المحذور السابق عنه، ولأن وجوب معرفته إنما هو للعمل ولا حاجة له قبل العمل، وقيل لا يجوز على القول بذلك لقوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك} أي فورا لأن وجوب التبليغ معلوم بالعقل فلا فائدة للأمر به إلى إلا الفور. قلنا لا نسلم أن وجوبه معلوم بالعقل بل بالشرع ولو سلم. قلنا ففائدته تأيد العقل بالنقل. (ويجوز أن لا يعلم) المكلف (الموجود) عند وجود المخصص (بالمخصص) بكسر الصاد. (ولا بأنه مخصص) أي يجوز أن لا يعلم قبل وقت العمل بذات المخصص ولا بوصف أنه مخصص مع علمه بذاته كأن يكون المخصص العقل بأن لا يسبب الله العلم بذلك. (ولو على المنع) أي على القول بامتناع تأخير البيان، وقيل لا يجوز على القول بذلك في المخصص السمعي لما فيه من تأخير إعلامه بالبيان. قلنا المحذور إنما هو تأخير البيان وهو منتف هنا وعدم علم المكلف بالمخصص بأن لم يبحث عنه تقصير منه، أما العقلي فاتفقوا على جواز أن يسمع الله المكلف العام من غير أن يعلمه بذات العقل بأن فقد ما يخصصه وكولا إلى نظره، وقد وقع أن بعض الصحابة لم يسمع المخصص السمعي إلا بعد حين منهم فاطمة بنت النبيّ صلى الله عليه وسلّم طلبت ميراثها مما تركه أبوها لعموم قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} فاحتج عليها أبو بكر رضي الله عنه بما رواه لها من خبر الصحيحين: «لا نورث ما تركناه صدقة». وبما تقرر علم أن قولي ولو على المنع راجع إلى المسألتين.

.النسخ:

لغة الإزالة كنسخت الشمس الظلّ أي أزالته والنقل مع بقاء الأول كنسخت الكتاب أي نقلته واصطلاحا. (رفع) تعلق (حكم شرعي) بفعل (بدليل شرعي)، والقول بأنه بيان لانتهاء أمد حكم شرعي يرجع إلى ذلك فلا خلاف في المعنى، وإن فرق بينهما بأنه في الأول زال به، وفي الثاني زال عنده وما فرق به من أن الأول يشمل النسخ قبل التمكن دون الثاني مردود كما بينته مع زيادة في الحاشية. قال البرماوي فإن قلت سيأتي أن من أقسام النسخ ما ينسخ لفظه دون حكمه ولا رفع فيه لحكم. قلت رفع اللفظ يتضمن رفع أحكام كثيرة كتعبد بتلاوته وإجراء حكم القرآن عليه من منع الجنب ونحوه من قراءته، ومسّ المحدث وحمله له وغير ذلك، وخرج بالشرعي أي المأخوذ من الشرع رفع البراءة الأصلية أي المأخوذة من العقل، وبدليل شرعي الرفع بالموت والجنون والغفلة والعقل والإجماع، لأنه إنما ينعقد بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلّم كما سيأتي. ومخالفة المجمعين للنص تتضمن ناسخا له وهو مستند إجماعهم، وأما جعل الإمام الرازي رفع غسل الرجلين بالعقل عن قطعهما نسخا فتسمح وتعبيري بذلك يشمل الكتاب والسنة قولًا وفعلًا، وبه صرّح التفتازاني فهو أولى من قول الأصل بخطاب لقصوره على القول، وشمل التعريف الإباحة الأصلية، فإنها عندنا ثابتة بالشرع فرفعها يكون نسخا كما ذكره التفتازاني.
(ويجوز في الأصح نسخ بعض القرآن) تلاوة وحكما أو أحدهما دون الآخر والثلاثة واقعة. روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها: كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات. فهذا منسوخ التلاوة والحكم. وروى الشافعي وغيره عن عمر رضي الله عنه: لولا أن تقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها: الشيخ والشيخة- أي المحصنان- إذا زنيا فارجموهما البتة فإنا قد قرأناها. فهذا منسوخ التلاوة دون الحكم لأمره صلى الله عليه وسلّم برجم المحصن رواه الشيخان. وعكسه كثير كقوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية} إلى آخره نسخ قوله: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن} إلى آخره لتأخره في النزول عن الأول وإن تقدمه في التلاوة، وقيل لا يجوز نسخ بعضه كما لا يجوز نسخ كله وقيل لا يجوز نسخ التلاوة دون الحكم وعكسه، لأن الحكم مدلول اللفظ، فإذا قدّر انتفاء أحدهما لزم انتفاء الآخر، قلنا إنما يلزم إذا روعي وصف الدلالة وما نحن فيه لم يراع فيه ذلك.
(و) يجوز في الأصح نسخ (الفعل قبل التمكن) منه بأن لم يدخل وقته أو دخل ولم يمض منه ما يسعه، وقيل لا لعدم استقرار التكليف، قلنا يكفي للنسخ وجود أصل التكليف فينقطع به، وقد وقع ذلك في قصة الذبيح فإن الخليل أمر بذبح ابنه عليهما الصلاة والسلام لقوله تعالى حكاية عنه: {يا بنيّ إني أرى في المنام أني أذبحك} إلى آخره ثم نسخ ذبحه قبل التمكن منه بقوله: {وفديناه بذبح عظيم} واحتمال كونه بعد التمكن خلاف الظاهر من حال الأنبياء في امتثال الأمر من مبادرتهم إلى فعل المأمور به.
(و) يجوز في الأصح (نسخ السنة بالقرآن) كنسخ تخريم مباشرة الصائم أهله ليلًا بالسنة بقوله تعالى: {أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} وقيل لا يجوز نسخها به لقوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} جعله مبينا للقرآن فلا يكون القرآن مبينا لسنته. قلنا لا مانع لأنهما من عند الله قال تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} ويدل للجواز قوله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء} (كهو) أي كما يجوز نسخ القرآن (به) جزما كما مرّ التمثيل له بآيتي عدّة الوفاة وتعبيري بذلك أولى مما عبر به لإيهامه أن الخلاف جار في النسخ بالقرآن لقرآن، وليس كذلك عند من جوّز نسخ بعضه. (و) يجوز في الأصح (نسخه) أي القرآن (بها) أي بالسنة متواترة أو آحادا قال تعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم} وقيل لا يجوز لقوله تعالى: {قل ما يكون لي أن أبدّله من تلقاء نفسي} والنسخ بالسنة تبديل من تلقاء نفسه قلنا ممنوع. وما ينطق عن الهوى، وقيل لا يجوز نسخ القرآن بالآحاد لأن القرآن مقطوع والآحاد مظنون. قلنا محل النسخ الحكم ودلالة للقرآن عليه ظنية. (و) لكن نسخ القرآن بالسنة (لم يقع إلا بالمتواترة في الأصح). وقيل وقع بالآحاد كنسخ خبر الترمذي وغيره: «لا وصية لوارث» لآية: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية}. قلنا لا نسلم عدم تواتر ذلك ونحوه للمجتهدين الحاكمين بالنسخ لقربهم من زمن الوحي وسكت كالأصل عن نسخ السنة بها للعلم به من نسخ القرآن به، فيجوز نسخ المتواترة بمثلها والآحاد بمثلها وبالمتواترة، وكذا المتواترة بالآحاد على الأصح كما مرّ من نسخ القرآن بالآحاد. (وحيث وقع) نسخ القرآن (بالسنة فمعها قرآن عاضد لها) على النسخ يبين توافقهما لتقوم الحجة على الناس بهما معا، ولئلا يتوهم انفراد أحدهما عن الآخر، إذ كل منهما من عند الله. (أو نسخ السنة بالقرآن فمعه سنة) عاضدة له تبين توافقهما لما مرّ، كما في نسخ التوجه في الصلاة إلى بيت المقدس الثابت بفعله صلى الله عليه وسلّم بقوله تعالى: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} وقد فعله صلى الله عليه وسلّم.
(و) يجوز في الأصح (نسخ القياس) الموجود (في زمن النبي) صلى الله عليه وسلّم (بنص أو قياس أجلي) من القياس المنسوخ به، فالأول كأن يقول صلى الله عليه وسلّم: «الفاضلة في البرّ حرام لأنه مطعوم». فيقاس به الأرز، ثم يقول: «بيعوا الأرز بالأرز متفاضلًا». والثاني كأن يأتي بعد القياس المذكور نص بجواز بيع الذرة بالذرة متفاضلًا فيقاس به بيع الأرز بالأرز متفاضلًا، وقيل لا يجوز نسخه لأنه مستند إلى نص فيدوم بدوامه. قلنا لا نسلم لزوم دوامه كما لا يلزم دوام حكم النص بأن ينسخ وخرج بالأجلي غيره، فلا يكفي الأدون لانتفاء المقاومة ولا الساري لانتفاء المرجح، وقيل يكفيان كالأجلي.
(و) يجوز في الأصح (نسخ الفحوى) أي مفهوم الموافقة بقسميه الأولى والمساوي (دون أصله) أي المنطوق بقيد زدته بقولي (إن تعرض لبقائه) أي بقاء أصله (وعكسه) أي أصل الفحوى دونه إن تعرض لبقائه لأنهما مدلولان متغايران فجاز فيهما ذلك كنسخ تحريم الضرب دون تحريم التأفيف والعكس، وقيل لا فيهما لأن الفحوى لازم لأصله فلا ينسخ أحدهما دون الآخر لمنافاة ذلك اللزوم بينهما، وقيل يمتنع الأول لامتناع بقاء الملزوم مع نفي اللازم بخلاف الثاني لجواز بقاء اللازم مع نفي الملزوم، أما نسخهما معا فيجوز اتفاقا، فإن لم يتعرض للبقاء فعن الأكثر الامتناع بناء على أن نسخ كل منهما يستلزم نسخ الآخر، لأن الفحوى لازم لأصله وتابع له، ورفع اللازم يستلزم رفع الملزوم، ورفع المتبوع يستلزم رفع التابع، وقيل لا يستلزم نسخ كل منهما ذلك، لأن رفع التابع لا يستلزم رفع الملزوم، ورفع المتبوع لا يستلزم رفع اللازم، وقيل نسخ الفحوى لا يستلزم بخلاف عكسه، وقيل عكسه لما عرف مما قبلهما وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به لإيهامه التنافي، وقد أوضحت لك مع الجواب عنه في الحاشية.
(و) يجوز في الأصح (النسخ به) أي بالفحوى كأصله، وقيل لا بناء على أنه قياس وأن القياس لا يكون ناسخا، وذكر الخلاف في هذه من زيادتي. (لا نسخ النص بالقياس) فلا يجوز في الأصح حذرا من تقديم القياس على النص الذي هو أصل له في الجملة، وعلى هذا جمهور أصحابنا. ونقله أبو إسحاق المروزي عن النصّ. وقال القاضي حسين إنه المذهب، وقيل وصححه الأصل يجوز لاستناده إلى النص، فكأنه الناسخ، وقيل يجوز بالقياس الجليّ دون الخفي، وقيل غير ذلك.
(ويجوز نسخ) مفهوم (المخالفة دون أصلها) كنسخ مفهوم خبر: «إنما الماء من الماء» بخبر: «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» (لا عكسه) أي لا نسخ الأصل دونها، فلا يجوز في الأصح لأنها تابعة له فترتفع بارتفاعه ولا يرتفع هو بارتفاعها، وقيل يجوز وتبعيتها له من حيث دلالة اللفظ عليها معه لا من حيث ذاته أما نسخهما معا فجائز اتفاقا، كنسخ وجوب الزكاة في السائمة ونفيه في المعلوفة، ويرجع الأمر فيها إلى ما كان قبله مما دل عليه الدليل العام بعد الشرع من تحريم الفعل إن كان مضرة، أو إباحته إن كان منفعة، ويرجع في السائمة إلى ما مرّ في مسألة إذا نسخ الوجوب بقي الجواز. (ولا) يجوز (النسخ بها) أي بالمخالفة (في الأصح) لضعفها عن مقاومة النص، وقيل يجوز كالمنطوق وذكر الخلاف في هذه من زيادتي. (ويجوز نسخ الإنشاء) الذي الكلام فيه. (ولو) كان (بلفظ قضاء). وقيل لا بناء على أن القضاء إنما يستعمل فيما لا يتغير نحو: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} أي أمر. (أو بصيغة خبر) نحو: {والمطلقات يتربصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء} أي ليتربصن نظرا للمعنى وقيل لا يجوز نظرا للفظ. (أو قيد بتأبيد أو نحوه) كصوموا أبدا صوموا حتما صوموا دائما، الصوم واجب مستمر أبدا إذا قاله إنشاء، وقيل لا لمنافاة النسخ التقييد بذلك. قلنا لا نسلم ويتبين بورود الناسخ أن المراد افعلوا إلى وجوده كما يقال لازم غريمك أبدا أي إلى أن يعطي الحق.
(و) يجوز نسخ إيجاب (الإخبار بشيء ولو مما لا يتغير بإيجاب الإخبار بنقيضه) كأن يوجب الإخبار بقيام زيد ثم بعدم قيامه قبل الإخبار بقيامه لجواز أن يتغير حاله من القيام إلى عدمه، ومنعت المعتزلة ذلك فيما لا يتغير كحدوث العالم لأنه تكليف بالكذب فينزه الباري عنه لقولهم بالتقبيح العقلي. قلنا لا نقول به وقد يدعو إلى الكذب غرض صحيح فلا يكون التكليف به قبيحا بل حسنا، كما لو طالبه ظالم بوديعة عنده أو بمظلوم خبأه عنده فيجب عليه إنكاره، ويجوز له الحلف عنه ويكفر عن يمينه، ولو أكره على الكذب وجب، والإشارة إلى هذا الخلاف بقولي ولو مما لا يتغير من زيادتي. (لا) نسخ (الخبر) أي مدلوله فلا يجوز (وإن كان مما يتغير) لأنه يوهم الكذب حيث يخبر بالشيء ثم بنقيضه، وذلك محال على الله تعالى، وقيل يجوز في المتغير إن كان خبرا عن مستقبل بناء على القول بأن الكذب لا يكون في المستقبل لجواز المحو لله فيما يقدّره. قال الله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت} والإخبار يتبعه بخلاف الخبر عن ماض، وقيل يجوز فيه عن الماضي أيضا لجواز أن يقول الله لبث نوح في قومه ألف سنة، ثم يقول لبث ألف سنة إلا خمسين عاما، وإلى الخلاف أشرت بقولي وإن إلى آخره.
(ويجوز عندنا النسخ ببدل أثقل) كما يجوز بمساوٍ وبأخف. وقال بعض المعتزلة لا إذ لا مصلحة في الانتقال من سهل إلى عسر. قلنا لا نسلم ذلك بعد تسليم رعاية المصلحة وقد وقع كنسخ وجوب الكف عن الكفار الثابت بقوله تعالى: {ودع أذاهم} بقوله اقتلوا المشركين. (و) يجوز عندنا النسخ (بلا بدل) وقال بعض المعتزلة لا إذ لا مصلحة في ذلك. قلنا لا نسلم ذلك بعدما ذكر. (و) لكنه (لم يقع في الأصح) وقيل وقع كنسخ وجوب تقديم الصدقة على مناجاة النبي الثابت بقوله: {إذا ناجيتم الرسول} الآية. إذ لا بدل لوجوبه فيرجع الأمر إلى ما كان قبله مما دل عليه الدليل العام من تحريم الفعل إن كان مضرة أو إباحته إن كان منفعة. قلنا لا نسلم أنه لا بدل للوجوب بل بدله الجواز الصادق هنا بالإباحة أو الندب وقولي عندنا من زيادتي.