فصل: باب إِذَا بَعَثَ بِهَدْيِهِ لِيُذْبَحَ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَنْ ذَبَحَ الْأَضَاحِيَّ بِيَدِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من ذبح الأضاحي بيده‏)‏ أي وهل يشترط ذلك أو هو الأولى، وقد اتفقوا على جواز التوكيل فيها للقادر، لكن عند المالكية رواية بعدم الإجزاء مع القدرة، وعند أكثرهم يكره لكن يستحب أن يشهدها، ويكره أن يستنيب حائضا أو صبيا أو كتابيا، وأولهم أولى ثم ما يليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَرَأَيْتُهُ وَاضِعاً قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ضحى‏)‏ كذا في رواية شعبة بصيغة الفعل الماضي وكذا في رواية أبي عوانة الآتية قريبا عن قتادة‏.‏

وفي رواية همام الآتية قريبا أيضا عن قتادة ‏"‏ كان يضحي ‏"‏ وهو أظهر في المداومة على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بكبشين أملحين‏)‏ زاد في رواية أبي عوانة وفي رواية همام كلاهما عن قتادة ‏"‏ أقرنين ‏"‏ وسيأتيان قريبا، وتقدم مثله في رواية أبي قلابة قبل باب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرأيته واضعا قدمه على صفاحهما‏)‏ أي على صفاح كل منهما عند ذبحه، والصفاح بكسر الصاد المهملة وتخفيف الفاء وآخره حاء مهملة الجوانب، والمراد الجانب الواحد من وجه الأضحية، وإنما ثنى إشارة إلى أنه فعل في كل منهما، فهو من إضافة الجمع إلى المثنى بإرادة التوزيع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يسمي ويكبر‏)‏ في رواية أبي عوانة ‏"‏ وسمى وكبر ‏"‏ والأول أظهر في وقوع ذلك عند الذبح‏.‏

وفي الحديث غير ما تقدم مشروعية التسمية عند الذبح، وقد تقدم في الذبائح بيان من اشترطها في صفة الذبح، وفيه استحباب التكبير مع التسمية واستحباب وضع الرجل على صفحة عنق الأضحية الأيمن، واتفقوا على أن إضجاعها يكون على الجانب الأيسر فيضع رجله على الجانب الأيمن ليكون أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها بيده اليسار‏.‏

*3*باب مَنْ ذَبَحَ ضَحِيَّةَ غَيْرِهِ

وَأَعَانَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ فِي بَدَنَتِهِ وَأَمَرَ أَبُو مُوسَى بَنَاتِهِ أَنْ يُضَحِّينَ بِأَيْدِيهِنَّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من ذبح ضحية غيره‏)‏ أراد بهذه الترجمة بيان أن التي قبلها ليست للاشتراط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأعان رجل ابن عمر في بدنته‏)‏ أي عند ذبحها، وهذا وصله عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال ‏"‏ رأيت ابن عمر ينحر بدنة بمنى وهي باركة معقولة، ورجل يمسك بحبل في رأسها وابن عمر يطعن‏"‏‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ هذا الأثر لا يطابق الترجمة إلا من جهة أن الاستعانة إذا كانت مشروعة التحقت بها الاستنابة، وجاء في نحو قصة ابن عمر حديث مرفوع أخرجه أحمد من حديث رجل من الأنصار ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أضجع أضحيته فقال‏:‏ أعني على أضحيتي‏.‏

فأعانه ‏"‏ ورجاله ثقات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأمر أبو موسى بناته أن يضحين بأيديهن‏)‏ وصله الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ ووقع لنا بعلو في خبرين كلاهما من طريق المسيب بن رافع ‏"‏ أن أبا موسى كان يأمر بناته أن يذبحن نسائكهن بأيديهن ‏"‏ وسنده صحيح، قال ابن التين‏:‏ فيه جواز ذبيحة المرأة، ونقل محمد عن مالك كراهته‏.‏

قلت‏:‏ وقد سبق في الذبائح مبينا‏.‏

وهذا الأثر مباين للترجمة، فيحتمل أن يكون محله في الترجمة التي قبلها أو أراد أن الأمر في ذلك على اختيار المضحي، وعن الشافعية الأولى للمرأة أن توكل في ذبح أضحيتها ولا تباشر الذبح بنفسها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَرِفَ وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ مَا لَكِ أَنَفِسْتِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ وَضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ

الشرح‏:‏

حديث عائشة لما حاضت بسرف وفيه ‏"‏ هذا أمر كتبه الله على بنات آدم - وفي آخره - وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر ‏"‏ ولمسلم من حديث جابر ‏"‏ نحر النبي صلى الله عليه وسلم عن نسائه بقرة في حجة الوداع‏"‏‏.‏

*3*باب الذَّبْحِ بَعْدَ الصَّلَاةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الذبح بعد الصلاة‏)‏ ذكر فيه حديث البراء في قصة أبي بردة، وقد تقدم شرحه قريبا، وسأذكر ما يتعلق بهذه الترجمة في التي بعدها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي زُبَيْدٌ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ نَحَرَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ يُقَدِّمُهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ فَقَالَ اجْعَلْهَا مَكَانَهَا وَلَنْ تَجْزِيَ أَوْ تُوفِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ

الشرح‏:‏

‏"‏ ولن تجزي أو توفي ‏"‏ شك من الراوي، ومعنى توفي أي تكمل الثواب وعند أحمد من طريق يزيد بن البراء عن أبيه ‏"‏ ولن تفي ‏"‏ بغير واو ولا شك، يقال وفى إذا أنجز فهو بمعنى تجزي بفتح أوله‏.‏

*3*باب مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَعَادَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من ذبح قبل الصلاة أعاد‏)‏ أي أعاد الذبح‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ فَقَالَ رَجُلٌ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ وَذَكَرَ هَنَةً مِنْ جِيرَانِهِ فَكَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَذَرَهُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْنِ فَرَخَّصَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَدْرِي بَلَغَتْ الرُّخْصَةُ أَمْ لَا ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ يَعْنِي فَذَبَحَهُمَا ثُمَّ انْكَفَأَ النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ فَذَبَحُوهَا

الشرح‏:‏

قوله فيه‏:‏ ‏(‏وذكر هنة‏)‏ بفتح الهاء والنون الخفيفة بعدها هاء تأنيث أي حاجة من جيرانه إلى اللحم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكأن النبي صلى الله عليه وسلم عذره‏)‏ بتخفيف الذال المعجمة من العذر أي قبل عذره، ولكن لم يجعل ما فعله كافيا ولذلك أمره بالإعادة‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏‏:‏ فيه دليل على أن المأمورات إذا وقعت على خلاف مقتضى الأمر لم يعذر بالجهل، والفرق بين المأمورات والمنهيات أن المقصود من المأمورات إقامة مصالحها، وذلك لا يحصل إلا بالفعل‏.‏

والمقصود من المنهيات الكف عنها بسبب مفاسدها، ومع الجهل والنسيان لم يقصد المكلف فعلها فيعذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعندي جذعة‏)‏ هو معطوف على كلام الرجل الذي عنى عنه الراوي بقوله ‏"‏ وذكر هنة من جيرانه ‏"‏ تقديره هذا يوم يشتهى فيه اللحم ولجيراني حاجة فذبحت قبل الصلاة، وعندي جذعة‏.‏

وقد تقدمت مباحثه قبل ثلاثة أبواب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ سَمِعْتُ جُنْدَبَ بْنَ سُفْيَانَ الْبَجَلِيَّ قَالَ شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ

الشرح‏:‏

حديث جندب بن سفيان أورده مختصرا، وتقدم في الذبائح من طريق أبي عوانة عن الأسود بن قيس أتم منه وأوله ‏"‏ ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحاة، فإذا ناس ذبحوا ضحاياهم قبل الصلاة ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن لم يذبح فليذبح‏)‏ في رواية أبي عوانة ‏"‏ ومن كان لم يذبح حتى صلينا فليذبح على اسم الله ‏"‏ وفي رواية لمسلم ‏"‏ فليذبح بسم الله ‏"‏ أي فليذبح قائلا بسم الله أو مسميا، والمجرور متعلق بمحذوف، وهو حال من الضمير في قوله ‏"‏ فليذبح ‏"‏ وهذا أولى ما حمل عليه الحديث وصححه النووي، ويؤيده ما تقدم في حديث أنس ‏"‏ وسمى وكبر ‏"‏ وقال عياض‏:‏ يحتمل أن يكون معناه فليذبح لله، والباء تجيء بمعنى اللام، ويحتمل أن يكون معناه بتسمية الله، ويحتمل أن يكون معناه متبركا باسمه كما يقال سر على بركة الله، ويحتمل أن يكون معناه فليذبح بسنة الله‏.‏

قال‏:‏ وأما كراهة بعضهم افعل كذا على اسم الله لأنه اسمه على كل شيء فضعيف‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل وجها خامسا أن يكون معنى قوله ‏"‏ بسم الله ‏"‏ مطلق الإذن في الذبيحة حينئذ، لأن السياق يقتضي المنع قبل ذلك والإذن بعد ذلك، كما يقال للمستأذن بسم الله أي ادخل، وقد استدل بهذا الأمر في قوله ‏"‏ فليذبح مكانها أخرى ‏"‏ من قال بوجوب الأضحية، قال ابن دقيق العيد‏:‏ صيغة ‏"‏ من ‏"‏ في قوله ‏"‏ من ذبح ‏"‏ صيغة عموم في حق كل من ذبح قبل أن يصلي، وقد جاءت لتأسيس قاعدة، وتنزيل صيغة العموم إذا وردت لذلك على الصورة النادرة يستنكر، فإذا بعد تخصيصه بمن نذر أضحية معينة بقي التردد هل الأولى حمله على من سبقت له أضحية معينة أو حمله على ابتداء أضحية من غير سبق تعيين‏؟‏ فعلى الأولى يكون حجة لمن قال بالوجوب على من اشترى الأضحية كالمالكية، فإن الأضحية عندهم تجب بالتزام اللسان وبنية الشراء وبنية الذبح، وعلى الثاني يكون لا حجة لمن أوجب الضحية مطلقا، لكن حصل الانفصال ممن لم يقل بالوجوب بالأدلة الدالة على عدم الوجوب فيكون الأمر للندب‏.‏

واستدل به من اشترط تقدم الذبح من الإمام بعد صلاته وخطبته، لأن قوله ‏"‏ من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ‏"‏ إنما صدر منه بعد صلاته وخطبته وذبحه فكأنه قال‏:‏ من ذبح قبل فعل هذه الأمور فليعد، أي فلا يعتد بما ذبحه‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهذا استدلال غير مستقيم، لمخالفته التقييد بلفظ الصلاة والتعقيب بالفاء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَلَا يَذْبَحْ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلْتُ فَقَالَ هُوَ شَيْءٌ عَجَّلْتَهُ قَالَ فَإِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّتَيْنِ آذْبَحُهَا قَالَ نَعَمْ ثُمَّ لَا تَجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ قَالَ عَامِرٌ هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْهِ

الشرح‏:‏

حديث البراء، أورده من طريق فراس بن يحيى عن الشعبي، وقد تقدمت مباحثه قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا‏)‏ المراد من كان على دين الإسلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا يذبح‏)‏ أي الأضحية ‏(‏حتى ينصرف‏)‏ تمسك به الشافعية في أن أول وقت الأضحية قدر فراغ الصلاة والخطبة، وإنما شرطوا فراغ الخطيب لأن الخطبتين مقصودتان مع الصلاة في هذه العبادة، فيعتبر مقدار الصلاة والخطبتين على أخف ما يجزي بعد طلوع الشمس، فإذا ذبح بعد ذلك أجزأه الذبح عن الأضحية، سواء صلى العيد أم لا، وسواء ذبح الإمام أضحيته أم لا، ويستوي في ذلك أهل المصر والحاضر والبادي ونقل الطحاوي عن مالك والأوزاعي والشافعي‏:‏ لا تجوز أضحية قبل أن يذبح الإمام، وهو معروف عن مالك والأوزاعي لا الشافعي، قال القرطبي‏:‏ ظواهر الأحاديث تدل على تعليق الذبح بالصلاة، لكن لما رأى الشافعي أن من لا صلاة عيد عليه مخاطب بالتضحية حمل الصلاة على وقتها‏.‏

وقال أبو حنيفة والليث‏:‏ لا ذبح قبل الصلاة، ويجوز بعدها ولو لم يذبح الإمام، وهو خالص بأهل المصر، فأما أهل القرى والبوادي فيدخل وقت الأضحية في حقهم إذا طلع الفجر الثاني‏.‏

وقال مالك‏:‏ يذبحون إذا نحر أقرب أئمة القرى إليهم، فإن نحروا قبل أجزأهم‏.‏

وقال عطاء وربيعة‏:‏ يذبح أهل القرى بعد طلوع الشمس‏.‏

وقال أحمد وإسحاق‏:‏ إذا فرغ الإمام من الصلاة جازت الأضحية، وهو وجه للشافعية قوي من حيث الدليل وإن ضعفه بعضهم، ومثله قول الثوري‏:‏ يجوز بعد صلاة الإمام قبل خطبته وفي أثنائها، ويحتمل أن يكون قوله ‏"‏ حتى ينصرف ‏"‏ أي من الصلاة، كما في الروايات الأخر‏.‏

وأصرح من ذلك ما وقع عند أحمد من طريق يزيد بن البراء عن أبيه رفعه ‏"‏ إنما الذبح بعد الصلاة ‏"‏ ووقع في حديث جندب عند مسلم ‏"‏ من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ‏"‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ هذا اللفظ أظهر في اعتبار فعل الصلاة من حديث البراء، أي حيث جاء فيه ‏"‏ من ذبح قبل الصلاة ‏"‏ قال‏:‏ لكن إن أجريناه على ظاهره اقتضى أن لا تجزئ الأضحية في حق من لم يصل العيد، فإن ذهب إليه أحد فهو أسعد الناس بظاهر هذا الحديث، وإلا وجب الخروج عن الظاهر في هذه الصورة ويبقى ما عداها في محل البحث‏.‏

وتعقب بأنه قد وقع في صحيح مسلم في رواية أخرى ‏"‏ قبل أن يصلي أو نصلي ‏"‏ بالشك قال النووي‏:‏ الأولى بالياء والثانية بالنون، وهو شك من الراوي، فعلى هذا إذا كان بلفظ ‏"‏ يصلي ‏"‏ ساوى لفظ حديث البراء في تعليق الحكم بفعل الصلاة‏.‏

قلت‏:‏ وقد وقع عند البخاري في حديث جندب في الذبائح بمثل لفظ البراء، وهو خلاف ما يوهمه سياق صاحب العمدة، فإنه ساقه على لفظ مسلم، وهو ظاهر في اعتبار فعل الصلاة، فإن إطلاق لفظ الصلاة وإرادة وقتها خلاف الظاهر، وأظهر من ذلك قوله ‏"‏ قبل أن نصلي ‏"‏ بالنون، وكذا قوله ‏"‏ قبل أن ننصرف ‏"‏ سواء قلنا من الصلاة أم من الخطبة‏.‏

وادعى بعض الشافعية أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ‏"‏ أي بعد أن يتوجه من مكان هذا القول، لأنه خاطب بذلك من حضره فكأنه قال‏:‏ من ذبح قبل فعل هذا من الصلاة والخطبة فليذبح أخرى، أي لا يعتد بما ذبحه ولا يخفى ما فيه‏.‏

وأورد الطحاوي ما أخرجه مسلم من حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم النحر بالمدينة، فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر فأمرهم أن يعيدوا ‏"‏ قال ورواه حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر بلفظ ‏"‏ أن رجلا ذبح قبل أن يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى أن يذبح أحد قبل الصلاة ‏"‏ وصححه ابن حبان‏.‏

ويشهد لذلك قوله في حديث البراء ‏"‏ أن أول ما نصنع أن نبدأ بالصلاة، ثم نرجع فننحر ‏"‏ فإنه دال على أن وقت الذبح يدخل بعد فعل الصلاة، ولا يشترط التأخير إلى نحر الإمام‏.‏

ويؤيده - من طريق النظر - أن الإمام لو لم ينحر لم يكن ذلك مسقطا عن الناس مشروعية النحر، ولو أن الإمام نحر قبل أن يصلي لم يجزئه نحره، فدل على أنه هو والناس في وقت الأضحية سواء‏.‏

وقال المهلب‏:‏ إنما كره الذبح قبل الإمام لئلا يشتغل الناس بالذبح عن الصلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقام أبو بردة بن نيار فقال‏:‏ يا رسول الله فعلت‏)‏ أي ذبحت قبل الصلاة‏.‏

ووقع عند مسلم من هذا الوجه ‏"‏ نسكت عن ابن لي ‏"‏ وقد تقدم توجيهه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هي خير من مسنتين‏)‏ كذا وقع هنا بالتثنية، وهي مبالغة‏.‏

ووقع في رواية غيره ‏"‏ من مسنة ‏"‏ بالإفراد وتقدم توجيهه أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عامر هي خير نسيكتيه‏)‏ كذا فيه بالتثنية، وفيه ضم الحقيقة إلى المجاز بلفظ واحد، فإن النسيكة، هي التي أجزأت عنه وهي الثانية، والأولى لم تجز عنه، لكن أطلق عليها نسيكة لأنه نحرها على أنها نسيكة أو نحرها في وقت النسيكة، وإنما كانت خيرهما لأنها أجزأت عن الأضحية بخلاف الأولى، وفي الأولى خير في الجملة باعتبار القصد الجميل، ووقع عند مسلم من هذا الوجه ‏"‏ قال ضح بها فإنها خير نسيكة ‏"‏ ونقل ابن التين عن الشيخ أبي الحسن يعني ابن القصار أنه استدل بتسميتها نسيكة على أنه لا يجوز بيعها ولو ذبحت قبل الصلاة، ولا يخفى وجه الضعف عليه‏.‏

*3*باب وَضْعِ الْقَدَمِ عَلَى صَفْحِ الذَّبِيحَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وضع القدم على صفح الذبيحة‏)‏ ذكر فيه حديث أنس ‏"‏ ويضع رجله على صفحتهما ‏"‏ وقد تقدمت مباحثه قريبا‏.‏

*3*باب التَّكْبِيرِ عِنْدَ الذَّبْحِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التكبير عند الذبح‏)‏ ذكر فيه حديث أنس أيضا، وقد تقدم أيضا‏.‏

*3*باب إِذَا بَعَثَ بِهَدْيِهِ لِيُذْبَحَ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا بعث بهديه ليذبح لم يحرم عليه شيء‏)‏ ذكر فيه حديث عائشة، وقد تقدمت مباحثه في كتاب الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ أَتَى عَائِشَةَ فَقَالَ لَهَا يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَجُلاً يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إِلَى الْكَعْبَةِ وَيَجْلِسُ فِي الْمِصْرِ فَيُوصِي أَنْ تُقَلَّدَ بَدَنَتُهُ فَلَا يَزَالُ مِنْ ذَلِكِ الْيَوْمِ مُحْرِماً حَتَّى يَحِلَّ النَّاسُ قَالَ فَسَمِعْتُ تَصْفِيقَهَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ فَقَالَتْ لَقَدْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَبْعَثُ هَدْيَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِمَّا حَلَّ لِلرِّجَالِ مِنْ أَهْلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ

الشرح‏:‏

أحمد بن محمد شيخه هو المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك، وإسماعيل هو ابن أبي خالد‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ إن رجلا يبعث بالهدي ‏"‏ هو زياد بن أبي سفيان، وقد تقدم نقله عن ابن عباس وغيره‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ فسمعت تصفيقها من وراء الحجاب ‏"‏ أي ضربت إحدى يديها على الأخرى تعجبا أو تأسفا على وقوع ذلك‏.‏

واستدل الداودي بقولها ‏"‏ هديه ‏"‏ على أن الحديث الذي روته ميمونة مرفوعا ‏"‏ إذا دخل عشر ذي الحجة فمن أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره ‏"‏ يكون منسوخا بحديث عائشة أو ناسخا‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ ولا يحتاج إلى ذلك، لأن عائشة إنما أنكرت أن يصير من يبعث هديه محرما بمجرد بعثه، ولم تتعرض على ما يستحب في العشر خاصة من اجتناب إزالة الشعر والظفر‏.‏

ثم قال‏:‏ لكن عموم الحديث يدل على ما قال الداودي، وقد استدل به الشافعي على إباحة ذلك في عشر ذي الحجة‏.‏

قال‏:‏ والحديث المذكور أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي‏.‏

قلت‏:‏ هو من حديث أم سلمة لا من حديث ميمونة، فوهم الداودي في النقل وفي الاحتجاج أيضا، فإنه لا يلزم من دلالته على عدم اشتراط ما يجتنبه المحرم على المضحي أنه لا يستحب فعل ما ورد به الخبر المذكور لغير المحرم، والله أعلم‏.‏

*3*باب مَا يُؤْكَلُ مِنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ وَمَا يُتَزَوَّدُ مِنْهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي‏)‏ أي من غير تقييد بثلث ولا نصف ‏(‏وما يتزود منها‏)‏ أي للسفر وفي الحضر‏.‏

وبيان التقييد بثلاثة أيام إما منسوخ وإما خاص بسبب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ غَيْرَ مَرَّةٍ لُحُومَ الْهَدْيِ

الشرح‏:‏

حديث جابر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لحوم الأضاحي‏)‏ تقدم البحث في قوله ‏"‏ إلى المدينة ‏"‏ في باب ما كان السلف يدخرون من كتاب الأطعمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غير مرة لحوم الهدي‏)‏ فاعل ‏"‏ قال ‏"‏ هو سفيان بن عيينة، وقائل ذلك الراوي عنه علي بن عبد الله وهو ابن المديني بين أن سفيان كان تارة يقول لحوم الأضاحي ومرارا يقول لحوم الهدي، ووقع في رواية الكشميهني هنا ‏"‏ وقال غيره ‏"‏ وهو تصحيف‏.‏

وقد تقدم في الباب المذكور من رواية أخرى عن سفيان ‏"‏ لحوم الهدي‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ أَنَّ ابْنَ خَبَّابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ كَانَ غَائِباً فَقَدِمَ فَقُدِّمَ إِلَيْهِ لَحْمٌ قَالُوا هَذَا مِنْ لَحْمِ ضَحَايَانَا فَقَالَ أَخِّرُوهُ لَا أَذُوقُهُ قَالَ ثُمَّ قُمْتُ فَخَرَجْتُ حَتَّى آتِيَ أَخِي أَبَا قَتَادَةَ وَكَانَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ وَكَانَ بَدْرِيّاً فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ بَعْدَكَ أَمْرٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن أبي أويس، وسليمان هو ابن بلال، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري، والقاسم هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق، وابن خباب بمعجمة وموحدتين الأولى ثقيلة اسمه عبد الله، والإسناد كله مدنيون، وفيه ثلاثة من التابعين في نسق‏:‏ يحيى والقاسم وشيخه، وفيه صحابيان‏:‏ أبو سعيد وقتادة بن النعمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقدم‏)‏ أي من السفر ‏(‏فقدم‏)‏ بضم القاف وتشديد الدال المكسورة أي وضع بين يديه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال أخروه‏)‏ فعل أمر من التأخير ‏(‏لا أذوقه‏)‏ أي لا آكل منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ثم قمت فخرجت‏)‏ قد تقدم في غزوة بدر من كتاب المغازي من رواية الليث عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد بلفظ ‏"‏ أن أبا سعيد قدم من سفر فقدم إليه أهله لحما من لحوم الأضاحي، فقال‏:‏ ما أنا بآكله حتى أسأل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فخرجت حتى آتي أخي أبا قتادة، وكان أخاه لأمه‏)‏ كذا لأبي ذر ووافقه الأصيلي والقابسي في روايتهما عن أبي زيد المروزي وأبي أحمد الجرجاني، وهو وهم‏.‏

وقال الباقون ‏"‏ حتى آتي أخي قتادة ‏"‏ وهو الصواب، وقد تقدم في رواية الليث ‏"‏ فانطلق إلى أخيه لأمه قتادة بن النعمان ‏"‏ وزعم بعض من لم يمعن النظر في ذلك أنه وقع في كل النسخ أبا قتادة وليس كما زعم، وقد نبه على اختلاف الرواة في ذلك أبو علي الجياني في تقييده وتبعه عياض وآخرون، وأم أبي سعيد وقتادة المذكور أنيسة بنت أبي خارجة عمرو بن قيس بن مالك من بني عدي بن النجار، ذكر ذلك ابن سعد قوله‏:‏ ‏(‏حدث بعدك أمر‏)‏ زاد الليث ‏"‏ نقض لما كانوا ينهون عنه من أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام‏"‏، وقد أخرجه أحمد من رواية محمد بن إسحاق قال ‏"‏ حدثني أبي ومحمد بن علي بن حسين عن عبد الله بن خباب ‏"‏ مطولا ولفظه عن أبي سعيد ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا أن نأكل لحوم نسكنا فوق ثلاث، قال فخرجت في سفر ثم قدمت على أهلي - وذلك بعد الأضاحي بأيام - فأتتني صاحبتي بسلق قد جعلت فيه قديدا فقالت‏:‏ هذا من ضحايانا، فقلت لها‏:‏ أولم ينهنا‏؟‏ فقالت‏:‏ إنه رخص للناس بعد ذلك، فلم أصدقها حتى بعثت إلى أخي قتادة بن النعمان - فذكره وفيه - قد أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين في ذلك‏"‏‏.‏

وأخرجه النسائي وصححه ابن حبان من طريق زينب بنت كعب عن أبي سعيد فقلب المتن جعل راوي الحديث أبا سعيد والممتنع من الأكل قتادة بن النعمان، وما في الصحيحين أصح‏.‏

وأخرجه أحمد من وجه آخر فجعل القصة لأبي قتادة وأنه سأل قتادة بن النعمان عن ذلك أيضا، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في حجة الوداع فقال ‏"‏ إني كنت أمرتكم ألا تأكلوا الأضاحي فوق ثلاثة أيام لتسعكم وإني أحله لكم فكلوا منه ما شئتم ‏"‏ الحديث‏.‏

فبين في هذا الحديث وقت الإحلال، وأنه كان في حجة الوداع، وكأن أبا سعيد ما سمع ذلك‏.‏

وبين فيه أيضا السبب في التقييد وأنه لتحصيل التوسعة بلحوم الأضاحي لمن لم يضحي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَبَقِيَ فِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا عَامَ الْمَاضِي قَالَ كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا

الشرح‏:‏

حديث سلمة بن الأكوع وهو من ثلاثياته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما كان العام المقبل قالوا‏:‏ يا رسول الله نفعل كما فعلنا في العام الماضي‏)‏ ‏؟‏ يستفاد منه أن النهي كان سنة تسع لما دل عليه الذي قبله أن الإذن كان في سنة عشر، قال ابن المنير‏:‏ وجه قولهم هل نفعل كما كنا نفعل‏؟‏ مع أن النهي يقتضي الاستمرار، لأنهم فهموا أن ذلك النهي ورد على سبب خاص، فلما احتمل عندهم عموم النهي أو خصوصه من أجل السبب سألوا، فأرشدهم إلى أنه خاص بذلك العام من أجل السبب المذكور، وقوله ‏"‏كلوا وأطعموا ‏"‏ تمسك به من قال بوجوب الأكل من الأضحية، ولا حجة فيه لأنه أمر بعد حظر فيكون للإباحة، واستدل به على أن العام إذا ورد على سبب خاص ضعفت دلالة العموم حتى لا يبقى على أصالته، لكن لا يقتصر فيه على السبب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وادخروا‏)‏ بالمهملة، وأصله من ذخر بالمعجمة دخلت عليها تاء الافتعال ثم أدغمت، ومنه قوله تعالى ‏(‏وادكر بعد أمة‏)‏ ويؤخذ من الإذن في الادخار الجواز خلافا لمن كرهه، وقد ورد في الادخار ‏"‏ كان يدخر لأهله قوت سنة ‏"‏ وفي رواية ‏"‏ كان لا يدخر لغد ‏"‏ والأول في الصحيحين والثاني في مسلم، والجمع بينهما أنه كان لا يدخر لنفسه ويدخر لعياله، أو أن ذلك كان باختلاف الحال فيتركه عند حاجة الناس إليه ويفعله عند عدم الحاجة‏.‏

قوله ‏(‏كان بالناس جهد‏)‏ بالفتح أي مشقة من جهد قحط السنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأردت أن تعينوا فيها‏)‏ كذا هنا من الإعانة‏.‏

وفي رواية مسلم عن محمد بن المثنى عن أبي عاصم شيخ البخاري فيه ‏"‏ فأردت أن تفشوا فيهم ‏"‏ وللإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن أبي عاصم ‏"‏ فأردت أن تقسموا فيهم كلوا وأطعموا وادخروا ‏"‏ قال عياض‏:‏ الضمير في تعينوا فيها للمشقة المفهومة من الجهد أو من الشدة أو من السنة لأنها سبب الجهد، وفي ‏"‏ تفشوا فيهم ‏"‏ أي في الناس المحتاجين إليها، قال في المشارق‏:‏ ورواية البخاري أوجه‏.‏

وقال في شرح مسلم‏:‏ ورواية مسلم أشبه‏.‏

قلت قد عرفت أن مخرج الحديث واحد ومداره على أبي عاصم وأنه تارة قال هذا وتارة قال هذا، والمعنى في كل صحيح فلا وجه للترجيح‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ الضَّحِيَّةُ كُنَّا نُمَلِّحُ مِنْهُ فَنَقْدَمُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَا تَأْكُلُوا إِلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إسماعيل بن عبد الله‏)‏ هو ابن أبي أويس الذي روى عنه حديث أبي سعيد وقوله ‏"‏ حدثني أخي ‏"‏ هو أبو بكر عبد الحميد، وسليمان هو ابن بلال، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري‏.‏

فإسماعيل في حديث أبي سعيد يروي عن سليمان بن بلال بغير واسطة، وفي حديث عائشة هذا يروي عنه بواسطة، وقد تكرر له هذا في عدة أحاديث، وذلك يرشد إلى أنه كان لا يدلس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الضحية‏)‏ بفتح المعجمة وكسر الحاء المهملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نملح منه‏)‏ أي من لحم الأضحية، في رواية الكشميهني ‏"‏ منها ‏"‏ أي من الأضحية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنقدم‏)‏ بسكون القاف وفتح الدال من القدوم وفي رواية بفتح القاف وتشديد الدال أي نضعه بين يديه وهو أوجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏:‏ لا تأكلوا‏)‏ أي منه، هذا صريح في النهي عنه‏.‏

ووقع في رواية الترمذي من طريق عابس بن ربيعة عن عائشة أنها سئلت‏:‏ أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الأضاحي‏؟‏ فقالت‏:‏ لا‏.‏

والجمع بينهما أنها نفت نهي التحريم لا مطلق النهي، ويؤيده قوله في هذه الرواية ‏"‏ وليست بعزيمة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليست بعزيمة، ولكن أراد أن نطعم منه‏)‏ بضم النون وسكون الطاء أي نطعم غيرنا قال الإسماعيلي بعد أن أخرج هذا الحديث عن علي بن العباس عن البخاري بسنده إلى قوله ‏"‏ بالمدينة ‏"‏‏:‏ كأن الزيادة من قوله بالمدينة الخ من كلام يحيى بن سعيد‏.‏

قلت‏:‏ بل هو من جملة الحديث فقد أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن البخاري بتمامه، وتقدم في الأطعمة من طريق عابس بن ربيعة ‏"‏ قلت لعائشة أنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤكل من لحوم الأضاحي فوق ثلاث‏؟‏ قالت‏:‏ ما فعله إلا في عام جاع الناس فيه، فأراد أن يطعم الغني الفقير ‏"‏ وللطحاوي من هذا الوجه ‏"‏ أكان يحرم لحوم الأضاحي فوق ثلاث‏؟‏ قالت‏:‏ لا، ولكنه لم يكن يضحي منهم إلا القليل، ففعل ليطعم من ضحى منهم من لم يضح ‏"‏ وفي رواية مسلم من طريق عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عمرة ‏"‏ إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت، فكلوا وتصدقوا وادخروا ‏"‏ وأول الحديث عند مسلم ‏"‏ دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ادخروا لثلاث، وتصدقوا بما بقي ‏"‏ فلما كان بعد ذلك قيل‏:‏ يا رسول الله لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم فقال ‏"‏ إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت، فكلوا وتصدقوا وادخروا ‏"‏ قال الخطابي‏:‏ الدف يعني بالمهملة والفاء الثقيلة السير السريع، والدافة من يطرأ من المحتاجين، واستدل بإطلاق هذه الأحاديث على أنه لا تقييد في القدر الذي يجزي من الإطعام، ويستحب للمضحي أن يأكل من الأضحية شيئا ويطعم الباقي صدقة وهدية‏.‏

وعن الشافعي‏:‏ يستحب قسمتها أثلاثا لقوله ‏"‏ كلوا وتصدقوا وأطعموا ‏"‏ قال ابن عبد البر‏:‏ وكان غيره يقول‏:‏ يستحب أن يأكل النصف ويطعم النصف‏.‏

وقد أخرج أبو الشيخ في ‏"‏ كتاب الأضاحي ‏"‏ من طريق عطاء بن يسار عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ من ضحى فليأكل من أضحيته ‏"‏ ورجاله ثقات لكن قال أبو حاتم الرازي‏:‏ الصواب عن عطاء مرسل‏.‏

قال النووي‏:‏ مذهب الجمهور أنه لا يجب الأكل من الأضحية، وإنما الأمر فيه للإذن‏.‏

وذهب بعض السلف إلى الأخذ بظاهر الأمر، وحكاه الماوردي عن أبي الطيب بن سلمة من الشافعية‏.‏

وأما الصدقة منها فالصحيح أنه يجب التصدق من الأضحية يما يقع عليه الاسم، والأكمل أن يتصدق بمعظمها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ أَنَّهُ شَهِدَ الْعِيدَ يَوْمَ الْأَضْحَى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَاكُمْ عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ الْعِيدَيْنِ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيَوْمٌ تَأْكُلُونَ مِنْ نُسُكِكُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ ثُمَّ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي فَلْيَنْتَظِرْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ ثُمَّ شَهِدْتُهُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا لُحُومَ نُسُكِكُمْ فَوْقَ ثَلَاثٍ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ نَحْوَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد، وأبو عبيد مولى ابن أزهر أي عبد الرحمن بن أزهر بن عوف ابن أخي عبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيد اسمه سعد بن عبيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد نهاكم عن صيام هذين العيدين‏)‏ تقدمت مباحثه في أواخر كتاب الصيام واستدل به على أن النهي عن الشيء إذا اتحدت جهته لم يجز فعله كصوم يوم العيد فإنه لا ينفك عن الصوم فلا يتحقق فيه جهتان فلا يصح، بخلاف ما إذا تعددت الجهة كالصلاة في الدار المغصوبة فإن الصلاة تتحقق في غير المغصوب مع التحريم، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبيد‏)‏ هو موصول بالسند المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم شهدت العيد‏)‏ لم يبين كونه أضحى أو فطرا، والظاهر أنه الأضحى الذي قدمه في حديثه عن عمر فتكون اللام فيه للعهد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان ذلك يوم الجمعة‏)‏ أي يوم العيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد اجتمع لكم فيه عيدان‏)‏ أي يوم الأضحى ويوم الجمعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أهل العوالي‏)‏ جمع العالية وهي قرى معروفة بالمدينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلينتظر‏)‏ أي يتأخر إلى أن يصلي الجمعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له‏)‏ استدل به من قال بسقوط الجمعة عمن صلى العيد إذا وافق العيد يوم الجمعة، وهو محكي عن أحمد‏.‏

وأجيب بأن قوله ‏"‏ أذنت له ‏"‏ ليس فيه تصريح بعدم العود، وأيضا فظاهر الحديث في كونهم من أهل العوالي أنهم لم يكونوا ممن تجب عليهم الجمعة لبعد منازلهم عن المسجد، وقد ورد في أصل المسألة حديث مرفوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم شهدته‏)‏ أي العيد، ودل السياق على أن المراد به الأضحى، وهو يؤيد ما تقدم في حديث عثمان، وأصرح من ذلك ما وقع في رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي عبيد أنه سمع عليا يقول ‏"‏ يوم الأضحى ‏"‏ وللنسائي من طريق غندر عن معمر بسنده ‏"‏ شهدت عليا في يوم عيد بدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة - ثم قال - سمعت ‏"‏ فذكر المرفوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث‏)‏ زاد عبد الرزاق في روايته ‏"‏ فلا تأكلوها بعدها ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ اختلف في أول الثلاث التي كان الادخار فيها جائزا، فقيل أولها يوم النحر، فمن ضحى فيه جاز له أن يمسك يومين بعده، ومن ضحى بعده أمسك ما بقي له من الثلاثة، وقيل أولها يوم يضحي، فلو ضحى في آخر أيام النحر جاز له أن يمسك ثلاثا بعدها، ويحتمل أن يؤخذ من قوله ‏"‏ فوق ثلاث ‏"‏ أن لا يحسب اليوم الذي يقع فيه النحر من الثلاث، وتعتبر الليلة التي تليه وما بعدها‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيده ما في حديث جابر ‏"‏ كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى ‏"‏ فإن ثلاث منى تتناول يوما بعد يوم النحر لأهل النفر الثاني، قال الشافعي‏:‏ لعل عليا لم يبلغه النسخ‏.‏

وقال غيره‏:‏ يحتمل أن يكون الوقت الذي قال علي فيه ذلك كان بالناس حاجة كما وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك جزم ابن حزم فقال‏:‏ إنما خطب علي بالمدينة في الوقت الذي كان عثمان حوصر فيه، وكان أهل البوادي قد ألجأتهم الفتنة إلى المدينة فأصابهم الجهد، فلذلك قال علي ما قال‏.‏

قلت‏:‏ أما كون علي خطب به وعثمان محصورا فأخرجه الطحاوي من طريق الليث عن عقيل عن الزهري في هذا الحديث ولفظه ‏"‏ صليت مع علي العيد وعثمان محصور ‏"‏ وأما الحمل المذكور فلما أخرج أحمد والطحاوي أيضا من طريق مخارق بن سليم عن علي رفعه ‏"‏ إني كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فادخروا ما بدا لكم ‏"‏ ثم جمع الطحاوي بنحو ما تقدم‏.‏

وكذلك يجاب عما أخرج أحمد من طريق أم سليمان قالت ‏"‏ دخلت على عائشة فسألتها عن لحوم الأضاحي، فقالت‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها ثم رخص فيها، فقدم علي من السفر فأتته فاطمة بلحم من ضحاياها فقال‏:‏ أو لم ننه عنه‏؟‏ قالت‏:‏ إنه قد رخص فيها ‏"‏ فهذا علي قد اطلع على الرخصة، ومع ذلك خطب بالمنع، فطريق الجمع ما ذكرته‏.‏

وقد جزم به الشافعي في الرسالة في آخر باب العلل في الحديث فقال ما نصه‏:‏ فإذا دفت الدافة ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، وإن لم تدف دافة فالرخصة ثابتة بالأكل والتزود والادخار والصدقة، قال الشافعي ويحتمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث منسوخا في كل حال‏.‏

قلت‏:‏ وبهذا الثاني أخذ المتأخرون من الشافعية، فقال الرافعي‏:‏ الظاهر أنه لا يحرم اليوم بحال، وتبعه النووي فقال في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏‏:‏ الصواب المعروف أنه لا يحرم الادخار اليوم بحال، وحكى في شرح مسلم عن جمهور العلماء أنه من نسخ السنة بالسنة، قال‏:‏ والصحيح نسخ النهي مطلقا وأنه لم يبق تحريم ولا كراهة، فيباح اليوم الادخار فوق ثلاث والأكل إلى متى شاء ا هـ وإنما رجح ذلك لأنه يلزم من القول بالتحريم إذا دفت الدافة إيجاب الإطعام، وقد قامت الأدلة عند الشافعية أنه لا يجب في المال حق سوى الزكاة، ونقل ابن عبد البر ما يوافق ما نقله النووي فقال‏:‏ لا خلاف بين فقهاء المسلمين في إجازة أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث، وأن النهي عن ذلك منسوخ، كذا أطلق، وليس بجيد، فقد قال القرطبي‏:‏ حديث سلمة وعائشة نص على أن المنع كان لعلة، فلما ارتفعت ارتفع لارتفاع موجبه فتعين الأخذ به، وبعود الحكم تعود العلة، فلو قدم على أهل بلد ناس محتاجون في زمان الأضحى ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعة يسدون بها فاقتهم إلا الضحايا تعين عليهم ألا يدخروها فوق ثلاث‏.‏

قلت‏:‏ والتقييد بالثلاث واقعة حال، وإلا فلو لم تستد الخلة إلا بتفرقة الجميع لزم على هذا التقرير عدم الإمساك ولو ليلة واحدة، وقد حكى الرافعي عن بعض الشافعية أن التحريم كان لعلة فلما زالت زال الحكم لكن لا يلزم عود الحكم عند عود العلة‏.‏

قلت‏:‏ واستبعدوه وليس ببعيد، لأن صاحبه قد نظر إلى أن الخلة لم تستد يومئذ إلا بما ذكر فأما الآن فإن الخلة تستد بغير لحم الأضحية فلا يعود الحكم إلا لو فرض أن الخلة لا تستد إلا بلحم الأضحية، وهذا في غاية النذور‏.‏

وحكى البيهقي عن الشافعي أن النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث كان في الأصل للتنزيه، قال‏:‏ وهو كالأمر في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فكلوا منها وأطعموا القانع‏)‏ وحكاه الرافعي عن أبي علي الطبري احتمالا‏.‏

وقال المهلب‏:‏ إنه الصحيح، لقول عائشة ‏"‏ وليس بعزيمة ‏"‏ والله أعلم‏.‏

واستدل بهذه الأحاديث على أن النهي عن الأكل فوق ثلاث خاص بصاحب الأضحية، فأما من أهدي له أو تصدق عليه فلا، لمفهوم قوله ‏"‏ من أضحيته ‏"‏ وقد جاء في حديث الزبير بن العوام عند أحمد وأبي يعلى ما يفيد ذلك ولفظه ‏"‏ قلت يا نبي الله، أرأيت قد نهي المسلمون أن يأكلوا من لحم نسكهم فوق ثلاث فكيف نصنع بما أهدي لنا‏؟‏ قال‏:‏ أما ما أهدي إليكم فشأنكم به ‏"‏ فهذا نص في الهدية، وأما الصدقة فإن الفقير لا حجر عليه في التصرف فيما يهدى له لأن القصد أن تقع المواساة من الغني للفقير وقد حصلت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن معمر عن الزهري عن أبي عبيد نحوه‏)‏ هذا ظاهره أنه معطوف على السند المذكور، فيكون من رواية حبان بن موسى عن ابن المبارك عن معمر، وبهذا جزم أبو العباس الطرقي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ وهو مقتضى صنيع المزي، لكن أخرجه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق الحسن بن سفيان عن حبان بن موسى فساق رواية يونس بتمامها‏.‏

ثم أخرجه من رواية يزيد بن زريع عن معمر وقال‏:‏ أخرجه البخاري عقب رواية ابن المبارك عن يونس قلت‏:‏ فاحتمل على هذا أن تكون رواية معمر معلقة، وقد بينت ما فيها من فائدة زائدة قبل، ويؤيده أن الإسماعيلي أخرجه عن الحسن بن سفيان عن حبان بسنده‏.‏

ومن طريق ابن وهب عن يونس ومالك كلاهما عن ابن شهاب، ثم قال‏:‏ قال البخاري وعن معمر عن الزهري عن أبي عبيد نحوه ولم يذكر الخبر، أي لم يوصل السند إلى معمر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُوا مِنْ الْأَضَاحِيِّ ثَلَاثاً وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَأْكُلُ بِالزَّيْتِ حِينَ يَنْفِرُ مِنْ مِنًى مِنْ أَجْلِ لُحُومِ الْهَدْيِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏محمد بن عبد الرحيم‏)‏ هو المعروف بصاعقة، وابن أخي ابن شهاب اسمه محمد بن عبد الله بن مسلم، وسالم هو ابن عبد الله بن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كلوا من الأضاحي ثلاثا‏)‏ أي فقط، ولمسلم من طريق معمر ‏"‏ نهى أن تؤكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث ‏"‏ وله من طريق نافع عن ابن عمر ‏"‏ لا يأكل أحد من أضحيته فوق ثلاثة أيام‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان عبد الله‏)‏ أي ابن عمر ‏(‏يأكل بالزيت‏)‏ سيأتي بيانه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حين ينفر من منى‏)‏ هذا هو الصواب، ووقع في رواية الكشميهني وحده ‏"‏ حتى ‏"‏ بدل ‏"‏ حين ‏"‏ وهو تصحيف يفسد المعنى، فإن المراد أن ابن عمر كان لا يأكل من لحم الأضحية بعد ثلاث، فكان إذا انقضت ثلاث منى ائتدم بالزيت ولا يأكل اللحم تمسكا بالأمر المذكور ويدل عليه قوله في آخر الحديث ‏"‏ من أجل لحوم الهدي‏"‏، وكأنه أيضا لم يبلغه الإذن بعد المنع، وعلى رواية الكشميهني ينعكس الأمر ويصير المعنى‏.‏

كان يأكل بالزيت إلى أن ينفر، فإذا نفر أكل بغير الزيت‏.‏

فيدخل فيه لحم الأضحية‏.‏

وأما تعبيره في الحديث بالهدي فيحتمل أن يكون ابن عمر كان يسوي بين لحم الهدي ولحم الأضحية في الحكم، ويحتمل أن يكون أطلق على لحم الأضحية لحم الهدي لمناسبة أنه كان بمنى‏.‏

وفي هذه الأحاديث من الفوائد غير ما تقدم نسخ الأثقل بالأخف، لأن النهي عن ادخار لحم الأضحية بعد ثلاث مما يثقل على المضحين، والإذن في الادخار أخف منه‏.‏

وفيه رد على من يقول إن النسخ لا يكون إلا بالأثقل للأخف، وعكسه ابن العربي زاعما أن الإذن في الادخار نسخ بالنهي، وتعقب بأن الادخار كان مباحا بالبراءة الأصلية، فالنهي عنه ليس نسخا، وعلى تقدير أن يكون نسخا ففيه نسخ الكتاب بالسنة لأن في الكتاب الإذن في أكلها من غير تقييد لقوله تعالى ‏(‏فكلوا منها وأطعموا‏)‏ ، ويمكن أن يقال إنه تخصيص لا نسخ وهو الأظهر‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب الأضاحي من الأحاديث المرفوعة على أربعة وأربعين حديثا، المعلق منها خمسة عشر والبقية موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى تسعة وثلاثون حديثا والخالص خمسة، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث قتادة بن النعمان في الباب الأخير، وسوى زيادة معلقة في حديث أنس وهي قوله ‏"‏ بكبشين سمينين ‏"‏ فإن أصل الحديث عند مسلم سوى قوله ‏"‏ سمينين‏"‏‏.‏

وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة آثار‏.‏

والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏