فصل: باب الْجَعَائِلِ وَالْحُمْلَانِ فِي السَّبِيلِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ أَخَّرَ الْقِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس‏)‏ أي لأن الرياح تهب غالبا بعد الزوال فيحصل بها تبريد حدة السلاح والحرب وزيادة في النشاط‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكَانَ كَاتِبًا لَهُ قَالَ كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَرَأْتُهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ

الشرح‏:‏

حديث عبد الله بن أبي أوفى بمعنى ما ترجم به؛ لكن ليس فيه ‏"‏ إذا لم يقاتل أول النهار ‏"‏ وكأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه، فعند أحمد من وجه آخر عن موسى بن عقبة بهذا الإسناد ‏"‏ أنه كان صلى الله عليه وسلم يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس ‏"‏ ولسعيد بن منصور من وجه آخر عن ابن أبي أوفى ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمهل إذا زالت الشمس ثم ينهض إلى عدوه ‏"‏ وللمصنف في الجزية من حديث النعمان بن مقرن ‏"‏ كان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات ‏"‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان من وجه آخر وصححاه، وفي روايتهم ‏"‏ حتى تزول الشمس وتهب الأرواح وينزل النصر ‏"‏ فيظهر أن فائدة التأخير لكون أوقات الصلاة مظنة إجابة الدعاء، وهبوب الريح قد وقع النصر به في الأحزاب فصار مظنة لذلك والله أعلم‏.‏

وقد أخرج الترمذي حديث النعمان بن مقرن من وجه آخر عنه لكن فيه انقطاع، ولفظه يوافق ما قلته قال ‏"‏ غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قاتل، فإذا انتصف النهار أمسك حتى تزول الشمس فإذا زالت الشمس قاتل، فإذا دخل وقت العصر أمسك حتى يصليها ثم يقاتل، وكان يقال‏:‏ عند ذلك تهيج رياح النصر ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏‏:‏ وقع في رواية الإسماعيلي من هذا الوجه زيادة في الدعاء، وسيأتي التنبيه عليها في ‏"‏ باب لا تتمنوا لقاء العدو ‏"‏ مع بقية الكلام على شرحه إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب اسْتِئْذَانِ الرَّجُلِ الْإِمَامَ

لِقَوْلِهِ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب استئذان الرجل‏)‏ أي من الرعية ‏(‏الإمام‏)‏ أي في الرجوع أو التخلف عن الخروج أو نحو ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه‏)‏ قال ابن التين‏:‏ هذه الآية احتج بها الحسن على أنه ليس لأحد أن يذهب من العسكر حتى يستأذن الأمير، وهذا عند سائر الفقهاء كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم، كذا قال، والذي يظهر أن الخصوصية في عموم وجوب الاستئذان، وإلا فلو كان ممن عينه الإمام فطرأ له ما يقتضي التخلف أو الرجوع فأنه يحتاج إلى الاستئذان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَتَلَاحَقَ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَى نَاضِحٍ لَنَا قَدْ أَعْيَا فَلَا يَكَادُ يَسِيرُ فَقَالَ لِي مَا لِبَعِيرِكَ قَالَ قُلْتُ عَيِيَ قَالَ فَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَيْ الْإِبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ فَقَالَ لِي كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ قَالَ قُلْتُ بِخَيْرٍ قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ قَالَ أَفَتَبِيعُنِيهِ قَالَ فَاسْتَحْيَيْتُ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غَيْرُهُ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَبِعْنِيهِ فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَرُوسٌ فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَأَذِنَ لِي فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيَنِي خَالِي فَسَأَلَنِي عَنْ الْبَعِيرِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ فِيهِ فَلَامَنِي قَالَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا فَقُلْتُ تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا فَقَالَ هَلَّا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوُفِّيَ وَالِدِي أَوْ اسْتُشْهِدَ وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ فَلَا تُؤَدِّبُهُنَّ وَلَا تَقُومُ عَلَيْهِنَّ فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ قَالَ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ غَدَوْتُ عَلَيْهِ بِالْبَعِيرِ فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ وَرَدَّهُ عَلَيَّ قَالَ الْمُغِيرَةُ هَذَا فِي قَضَائِنَا حَسَنٌ لَا نَرَى بِهِ بَأْسًا

الشرح‏:‏

حديث جابر في قصة جمله وقد تقدم شرحه في كتاب الشروط، والغرض منه هنا قوله ‏"‏ إني عروس فاستأذنته فأذن لي ‏"‏ وسيأتي الكلام على ما يتعلق بتزويجه في النكاح‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله في آخر هذا الحديث ‏"‏ قال المغيرة‏:‏ هذا في قضائنا حسن لا نرى به بأسا ‏"‏ هذا موصول بالإسناد المذكور إلى المغيرة، وهو ابن مقسم الضبي أحد فقهاء الكوفة، ومراده بذلك ما وقع من جابر من اشتراط ركوب جملة إلى المدينة‏.‏

وأعرب الداودي فقال‏:‏ مراده جواز زيادة الغريم على حقه، وأن ذلك ليس خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد تعقبه ابن التين بأن هذه الزيادة لم ترد في هذه الطريق هنا، وهو كما قال‏.‏

*3*باب مَنْ غَزَا وَهُوَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسِهِ

فِيهِ جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من غزا وهو حديث عهد بعرسه‏)‏ بكسر العين أي بزوجته، وبضمها أي بزمان عرسه‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ بعرس ‏"‏ وهو يؤيد الاحتمال الثاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيه جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يشير إلى حديثه المذكور في الباب قبله وأن ذلك في بعض طرقه، وسيأتي في أوائل النكاح من طريق سيار عن الشعبي بلفظ ‏"‏ فقال ما يعجلك‏؟‏ قلت‏:‏ كنت حديث عهد بعرس ‏"‏ الحديث‏.‏

*3*باب مَنْ اخْتَارَ الْغَزْوَ بَعْدَ الْبِنَاءِ

فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من اختار الغزو بعد البناء فيه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يشير إلى حديثه الآتي في الخمس من طريق همام عنه فقال ‏"‏ غزا نبي من الأنبياء‏.‏

فقال‏:‏ لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة ولما يبن بها ‏"‏ الحديث وسيأتي شرحه هناك، وترجم عليه في النكاح ‏"‏ من أحب البناء بعد الغزو ‏"‏ وساق الحديث‏.‏

والغرض هنا من ذلك أن يتفرغ قلبه للجهاد ويقبل عليه بنشاط، لأن الذي يعقد عقده على امرأة يبقى متعلق الخاطر بها، بخلاف ما إذا دخل بها فإنه يصير الأمر في حقه أخف غالبا، ونظيره الاشتغال بالأكل قبل الصلاة‏.‏

‏(‏تنبيهان‏)‏ أحدهما‏:‏ أورد الداودي هذه الترجمة محرفة ثم اعترضها، وذلك أنه وقع عنده ‏"‏ باب من اختار الغزو قبل البناء، فاعترضه بأن الحديث فيه أنه اختار البناء قبل الغزو‏.‏

قلت‏:‏ وعلى تقدير صحة ما وقع عند الداودي فلا يلزمه الاعتراض، لأنه أورد الترجمة مورد الاستفهام فكأنه قال‏:‏ ما حكم من اختار الغزو قبل البناء هل يمنع كما دل عليه الحديث، أو يسوغ‏؟‏ ويحمل الحديث على الأولوية‏.‏

ثانيهما‏:‏ قال الكرماني كأنه اكتفى بالإشارة إلى هذا الحديث لأنه لم يكن على شرطه‏.‏

قلت‏:‏ ولم يستحضر أنه أورده موصولا في مكان آخر كما سيأتي قريبا‏.‏

والجواب الصحيح أنه جرى على عادته الغالبة في أنه لا يعيد الحديث الواحد إذا اتحد مخرجه في مكانين بصورته غالبا، بل يتصرف فيه بالاختصار ونحوه في أحد الموضعين‏.‏

*3*باب مُبَادَرَةِ الْإِمَامِ عِنْدَ الْفَزَعِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب مبادرة الإمام عند الفزع‏)‏ ذكر فيه حديث أنس في ركوب النبي صلى الله عليه وسلم فرس أبي طلحة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ فَقَالَ مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا

الشرح‏:‏

حديث أنس في ركوب النبي صلى الله عليه وسلم فرس أبي طلحة وقد تقدم الكلام عليه في الهبة، ومضى مرارا منها في ‏"‏ باب الشجاعة في الحرب‏"‏‏.‏

*3*باب السُّرْعَةِ وَالرَّكْضِ فِي الْفَزَعِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب السرعة والركض في الفزع‏)‏ ذكر فيه حديث أنس المذكور من وجه آخر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فَزِعَ النَّاسُ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ بَطِيئًا ثُمَّ خَرَجَ يَرْكُضُ وَحْدَهُ فَرَكِبَ النَّاسُ يَرْكُضُونَ خَلْفَهُ فَقَالَ لَمْ تُرَاعُوا إِنَّهُ لَبَحْرٌ فَمَا سُبِقَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ

الشرح‏:‏

حديث أنس المذكور من وجه آخر وقد تقدم، ومحمد المذكور في إسناده هو ابن سيرين‏.‏

*3*باب الْخُرُوجِ فِي الْفَزَعِ وَحْدَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الخروج في الفزع وحده‏)‏ كذا ثبتت هذه الترجمة بغير حديث، وكأنه أراد أن يكتب فيه حديث أنس المذكور من وجه آخر فاخترم قبل ذلك‏.‏

قال الكرماني‏:‏ ويحتمل أن يكون اكتفى بالإشارة إلى الحديث الذي قبله، كذا قال وفيه بعد، وقد ضم أبو علي بن شبويه هذه الترجمة إلى التي بعدها فقال ‏"‏ باب الخروج في الفزع وحده والجعائل إلخ ‏"‏ وليس في أحاديث باب الجعائل مناسبة لذلك أيضا، إلا أنه يمكن حمله على ما قلت أولا‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ جملة ما في هذه التراجم أن الإمام ينبغي له أن يشح بنفسه لما في ذلك من النظر للمسلمين، إلا أن يكون من أهل الغناء الشديد والثبات البالغ فيحتمل أن يسوغ له ذلك، وكان في النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ما ليس في غيره، ولا سيما مع ما علم أن الله يعصمه وينصره‏.‏

*3*باب الْجَعَائِلِ وَالْحُمْلَانِ فِي السَّبِيلِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ الْغَزْوَ قَالَ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُعِينَكَ بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِي قُلْتُ أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيَّ قَالَ إِنَّ غِنَاكَ لَكَ وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِي فِي هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ عُمَرُ إِنَّ نَاسًا يَأْخُذُونَ مِنْ هَذَا الْمَالِ لِيُجَاهِدُوا ثُمَّ لَا يُجَاهِدُونَ فَمَنْ فَعَلَهُ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِمَالِهِ حَتَّى نَأْخُذَ مِنْهُ مَا أَخَذَ وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ إِذَا دُفِعَ إِلَيْكَ شَيْءٌ تَخْرُجُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ وَضَعْهُ عِنْدَ أَهْلِكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الجعائل والحملان في السبيل‏)‏ الجعائل بالجيم جمع جعيلة وهي ما يجعله القاعد من الأجرة لمن يغزو عنه، والحملان بضم المهملة وسكون الميم مصدر كالحمل، تقول حمل حملا وحملانا، قال ابن بطال‏:‏ إن أخرج الرجل من ماله شيئا فتطوع به أو أعان الغازي على غزوه بفرس ونحوها فلا نزاع فيه، وإنما اختلفوا فيما إذا أجر نفسه أو فرسه في الغزو فكره ذلك مالك وكره أن يأخذ جعلا على أن يتقدم إلى الحصن، وكره أصحاب أبي حنيفة الجعائل إلا أن كان بالمسلمين ضعف وليس في بيت المال شيء‏.‏

وقالوا إن أعان بعضهم بعضا جاز لا على وجه البدل‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ لا يجوز أن يغزو بجعل يأخذه، وإنما يجوز من السلطان دون غيره، لأن الجهاد فرض كفاية فمن فعله وقع عن الفرض ولا يجوز أن يستحق على غيره عوضا انتهى‏.‏

ويؤيده ما رواه عبد الرزاق من طريق ابن سيرين عن ابن عمر قال ‏"‏ يمتع القاعد الغازي بما شاء، فأما أنه يبيع غزوه فلا ‏"‏ ومن وجه آخر عن ابن سيرين‏:‏ سئل ابن عمر عن الجعائل فكرهه وقال ‏"‏ أرى الغازي يبيع غزوه، والجاعل يفر من غزوه ‏"‏ والذي يظهر أن البخاري أشار إلى الخلاف فيما يأخذه الغازي‏:‏ هل يستحقه بسبب الغزو فلا يتجاوزه إلى غيره أو يملكه فيتصرف فيه بما شاء كما سيأتي بيان ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد قلت لابن عمر الغزو‏)‏ هو بالنصب على الإغراء والتقدير عليك الغزو، أو على حذف فعل أي أريد الغزو‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ أتغزو ‏"‏ بالاستفهام‏.‏

وهذا الأثر وصله في المغازي في غزوة الفتح بمعناه، وسيأتي بيانه هناك، ونبه به على مراد ابن عمر بالأثر الذي رواه عنه ابن سيرين وأنه لا يكره إعانة الغازي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمر إلخ‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق أبي إسحاق سليمان الشيباني عن عمرو بن قره قال‏:‏ جاءنا كتاب عمر بن الخطاب إن ناسا، فذكر مثله‏.‏

قال أبو إسحاق‏:‏ فقمت إلى أسير بن عمرو فحدثته بما قال، فقال‏:‏ صدق، جاءنا كتاب عمر بذلك‏.‏

وأخرجه البخاري في تاريخه من هذا الوجه وهو إسناد صحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال طاوس ومجاهد إلخ‏)‏ وصله ابن أبي شيبة بمعناه عنهما‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ فَقَالَ زَيْدٌ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَرَأَيْتُهُ يُبَاعُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آشْتَرِيهِ فَقَالَ لَا تَشْتَرِهِ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ

الشرح‏:‏

حديث عمر في قصة الفرس الذي حمل عليه فوجده يباع، الحديث، وقد تقدم شرحه في الهبة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في هذه القصة نفسها وقد تقدم أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ وَلَكِنْ لَا أَجِدُ حَمُولَةً وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ وَيَشُقُّ عَلَيَّ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي وَلَوَدِدْتُ أَنِّي قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقُتِلْتُ ثُمَّ أُحْيِيتُ ثُمَّ قُتِلْتُ ثُمَّ أُحْيِيتُ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في التحريض على الغزو وقد تقدم في أول الجهاد‏.‏

ووجه دخول قصة فرس عمر من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر المحمول عليه على التصرف فيه بالبيع وغيره فدل على تقوية ما ذهب إليه طاوس من أن للآخذ التصرف في المأخوذ‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ كل من أخذ مالا من بيت المال على عمل إذا أهمل العمل يرد ما أخذ، وكذا الأخذ على عمل لا يتأهل له، ويحتاج إلى تأويل ما ذهب إليه عمر في الأمر المذكور بأن يحمل على الكراهة، وقد قال سعيد بن المسيب من أعان بشيء في الغزو فإنه للذي يعطاه إذا بلغ رأس المغزى، أخرجه ابن أبي شيبة وغيره وروى مالك في الموطأ عن ابن عمر ‏"‏ إذا بلغت وادي القرى فشأنك به ‏"‏ أي تصرف فيه، وهو قول الليث والثوري‏.‏

ووجه دخول حديث أبي هريرة أنه متعلق بالركن الثاني من الترجمة وهو الحملان في سبيل الله لقوله أولا ‏"‏ ولا أجد ما أحملهم عليه‏"‏‏.‏

*3*باب الْأَجِيرِ

وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ يُقْسَمُ لِلْأَجِيرِ مِنْ الْمَغْنَمِ وَأَخَذَ عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ فَرَسًا عَلَى النِّصْفِ فَبَلَغَ سَهْمُ الْفَرَسِ أَرْبَعَ مِائَةِ دِينَارٍ فَأَخَذَ مِائَتَيْنِ وَأَعْطَى صَاحِبَهُ مِائَتَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الأجير‏)‏ للأجير في الغزو حالان‏:‏ إما أن يكون استؤجر للخدمة أو استؤجر ليقاتل، فالأول قال الأوزاعي وأحمد إسحاق‏:‏ لا يسهم له‏.‏

وقال الأكثر‏:‏ يسهم له لحديث سلمة ‏"‏ كنت أجيرا لطلحة أسوس فرسه ‏"‏ أخرجه مسلم، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم له‏.‏

وقال الثوري‏:‏ لا يسهم للأجير إلا أن قاتل، وأما الأجير إذا استؤجر ليقاتل فقال المالكية والحنفية‏:‏ لا يسهم له‏.‏

وقال الأكثر‏:‏ له سهمه‏.‏

وقال أحمد‏:‏ واستأجر الإمام قوما على الغزو لم يسهم لهم سوى الأجرة‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ هذا فيمن لم يجب عليه الجهاد، أما الحر البالغ المسلم إذا حضر الصف فإنه يتعين عليه الجهاد فيسهم له ولا يستحق أجرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن وابن سيرين يقسم للأجير من المغنم‏)‏ وصله عبد الرزاق عنهما بلفظ ‏"‏ يسهم للأجير ‏"‏ ووصله ابن أبي شيبة عنهما بلفظ ‏"‏ العبد والأجير إذا شهدا القتال أعطوا من الغنيمة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأخذ عطية بن قيس فرسا على النصف إلخ‏)‏ وهذا الصنيع جائز عند من يجيز المخابرة‏.‏

وقال بصحته هنا الأوزاعي وأحمد خلافا للثلاثة، وقد تقدمت مباحث المخابرة في كتاب المزارعة

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ فَحَمَلْتُ عَلَى بَكْرٍ فَهُوَ أَوْثَقُ أَعْمَالِي فِي نَفْسِي فَاسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا فَقَاتَلَ رَجُلًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ وَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْدَرَهَا فَقَالَ أَيَدْفَعُ يَدَهُ إِلَيْكَ فَتَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ

الشرح‏:‏

حديث صفوان بن يعلى عن أبيه، وهو يعلى بن أمية قال ‏"‏ غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك ‏"‏ الحديث، وسيأتي شرحه في القصاص؛ والغرض منه قوله ‏"‏ فاستأجرت أجيرا ‏"‏ قال المهلب‏:‏ استنبط البخاري من هذا الحديث جواز استئجار الحر في الجهاد، وقد خاطب الله المؤمنين بقوله‏:‏ ‏(‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه‏)‏ الآية فدخل الأجير في هذا الخطاب، قلت‏:‏ وقد أخرج الحديث أبو داود من وجه آخر عن يعلى بن أمية أوضح من الذي هنا ولفظه ‏"‏ أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو وأنا شيخ ليس لي خادم، فالتمست أجيرا يكفيني وأجرى له سهمي، فوجدت رجلا، فلما دنا الرحيل أتاني فقال‏:‏ ما أدرى ما سهمك وما يبلغ، فسم لي شيئا كان السهم أو لم يكن، فسميت له ثلاثة دنانير ‏"‏ الحديث‏.‏

وقوله في هذه الرواية ‏"‏ فهو أوثق أعمالي‏"‏؛ في رواية السرخسي أحمالي بالمهملة، وللمستملي بالجيم، والذي قاتل الأجير هو يعلى بن أمية نفسه كما رواه مسلم من حديث عمران بن حصين‏.‏

‏(‏تنبيهان‏)‏ ‏:‏ الأول وقع في رواية المستملي بين أثر عطية بن قيس وحديث يعلى بن أمية ‏"‏ باب استعارة الفرس في الغزو‏"‏، وهو خطأ لأنه يستلزم أن يخلو باب الأجير من حديث مرفوع، ولا مناسبة بينه وبين حديث يعلى بن أمية، وكأنه وجد هذه الترجمة في الطرة خالية عن حديث فظن أن هذا موضعها‏.‏

وإن كان كذلك فحكمها حكم الترجمة الماضية قريبا وهي ‏"‏ باب الخروج في الفزع وحده ‏"‏ وكأنه أراد أن يورد فيه حديث أنس في قصة فرس أبي طلحة أيضا فلم يتفق ذلك، ويقوى هذا أن ابن شبويه جعل هذه الترجمة مستقلة قبل ‏"‏ باب الأجير ‏"‏ بغير حديث، وأوردها الإسماعيلي عقب باب الأجير وقال‏:‏ لم يذكر فيها حديثا‏.‏

ثانيهما‏:‏ وقع في رواية أبي ذر تقديم ‏"‏ باب الجعائل ‏"‏ وما بعده إلى هنا وأخر ذلك الباقون وقدموا عليه ‏"‏ باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

والخطب فيه قريب‏.‏

*3*باب مَا قِيلَ فِي لِوَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ اللواء بكسر اللام والمد هي الراية، ويسمى أيضا العلم، وكان الأصل أن يمسكها رئيس الجيش ثم صارت تحمل على رأسه‏.‏

وقال أبو بكر بن العربي‏:‏ اللواء غير الراية، فاللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه، والراية ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح‏.‏

وقيل اللواء دون الراية، وقيل اللواء العلم الضخم‏.‏

والعلم علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار، والراية يتولاها صاحب الحرب‏.‏

وجنح الترمذي إلى التفرقة فترجم بالألوية وأورد حديث جابر ‏"‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة ولواؤه أبيض ‏"‏ ثم ترجم للرايات وأورد حديث البراء ‏"‏ أن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء مربعة من نمرة ‏"‏ وحديث ابن عباس ‏"‏ كانت رايته سوداء ولواؤه أبيض ‏"‏ أخرجه الترمذي وابن ماجه‏.‏

وأخرج الحديث أبو داود والنسائي أيضا، ومثله لابن عدي من حديث أبي هريرة، ولأبي يعلى من حديث بريدة، وروى أبو داود من طريق سماك عن رجل من قومه عن آخر منهم ‏"‏ رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء ‏"‏ ويجمع بينها باختلاف الأوقات، وروى أبو يعلى عن أنس رفعه ‏"‏ أن الله أكرم أمتي بالألوية، إسناده ضعيف، وروى الشيخ من حديث ابن عباس ‏"‏ كان مكتوبا على رايته‏:‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله ‏"‏ وسنده واه‏.‏

وقيل كانت له راية تسمى العقاب سوداء مربعة، وراية تسمى الراية البيضاء، وربما جعل فيها شيء أسود‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيُّ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْحَجَّ فَرَجَّلَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ثعلبة بن أبي مالك‏)‏ تقدم ذكره في ‏"‏ باب حمل النساء القرب في الغزو‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن قيس بن سعد‏)‏ أي ابن عبادة الصحابي ابن الصحابي وهو سيد الخزرج ابن سيدهم، وسيأتي للمصنف من حديث أنس في الأحكام أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان صاحب لواء النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي الذي يختص بالخزرج من الأنصار، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مغازيه يدفع إلى رأس كل قبيلة لواء يقاتلون تحته‏.‏

وأخرج أحمد بإسناد قوي من حديث ابن عباس ‏"‏ أن راية النبي صلى الله عليه وسلم كانت تكون مع علي، وراية الأنصار مع سعد ابن عبادة ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أراد الحج فرجل‏)‏ هو بتشديد الجيم وأخطأ من قالها بالمهملة، واقتصر البخاري على هذا القدر من الحديث لأنه موقوف وليس من غرضه في هذا الباب وإنما أراد منه أن قيس بن سعد كان صاحب اللواء النبوي ولا يتقرر في ذلك إلا بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا القدر هو المرفوع من الحديث تاما وهو الذي يحتاج إليه هنا، وقد أخرج الإسماعيلي الحديث تاما من طريق الليث التي أخرجها المصنف منها فقال بعد قوله فرجل أحد شقي رأسه ‏"‏ فقام غلام له فقلد هديه، فنظر قيس هديه وقد قلد فأهل بالحج ولم يرجل شق رأسه الآخر ‏"‏ وأخرجه من طريق أخرى عن الزهري بتمامه نحوه، وفي ذلك مصير من قيس بن سعد إلى أن الذي يريد الإحرام إذا قلد هديه يدخل في حكم المحرم‏.‏

وقرأت في كلام بعض المتأخرين أن بعض الشارحين تحير في شرح القدر الذي وقع في البخاري، وتكلف له وجوها عجيبة، فلينظر المراد بالشارح المذكور فإني لم أقف عليه‏.‏

ثم رأيت ما نقله المتأخر المذكور في كلام صاحب ‏"‏ المطالع ‏"‏ وأبهم الشارح الذي تحير وقال‏:‏ أنه حمل الكلام ما لا يحتمله‏.‏

وذكر الدمياطي في الحاشية أن البخاري ذكر بقية الحديث في آخر الكتاب وليس في الكتاب شيء من ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَخَلَّفَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ وَكَانَ بِهِ رَمَدٌ فَقَالَ أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا فِي صَبَاحِهَا

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ أَوْ قَالَ لَيَأْخُذَنَّ غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ قَالَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ فَقَالُوا هَذَا عَلِيٌّ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

حديث سلمة بن الأكوع في قصه علي يوم خيبر، وسيأتي شرحه في كتاب المغازي، والغرض منه قوله ‏"‏ لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ‏"‏ فإنه مشعر بأن الراية لم تكن خاصة بشخص معين بل كان يعطيها في كل غزوة لمن يريد، وقد أخرجه أحمد من حديث بريدة بلفظ ‏"‏ إني دافع اللواء إلى رجل يحبه الله ورسوله ‏"‏ الحديث، وهذا مشعر بأن الراية واللواء سواء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلْزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هَا هُنَا أَمَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ

الشرح‏:‏

حديث نافع بن جبير ‏"‏ سمعت العباس - أي ابن عبد المطلب - يقول للزبير أي ابن العوام‏:‏ هاهنا أمرك النبي صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية ‏"‏ وهو طرف من حديث أورده المصنف في غزوة الفتح، وسيأتي شرحه مستوفى هناك، وأبين هناك إن شاء الله تعالى ما في سياقه من صورة الإرسال والجواب عن ذلك، وأبين تعيين المكان المشار إليه وأنه الحجون، وهو بفتح المهملة وضم الجيم الخفيفة، قال الطبري‏:‏ في حديث على أن الإمام يؤمر على الجيش من يوثق بقوته وبصيرته ومعرفته، وسيأتي بقية شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏

وقال المهلب‏:‏ وفي حديث الزبير أن الراية لا تركز إلا بإذن الإمام، لأنها علامة على مكانه فلا يتصرف فيها إلا بأمره‏.‏

وفي هذه الأحاديث استحباب اتخاذ الألوية في الحرب‏.‏

وأن اللواء يكون مع الأمير أو من بقيمه لذلك عند الحرب، وقد تقدم حديث أنس ‏"‏ أخذ الراية زيد بن حارثة فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب ‏"‏ الحديث، ويأتي تمام شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى أيضا‏.‏

*3*باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ

وَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ قَالَهُ جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏نصرت بالرعب مسيرة شهر‏)‏ وقول الله عز وجل ‏"‏ سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب ‏"‏ قاله جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يشير إلى حديثه الذي أوله ‏"‏ أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ‏"‏ فإن فيه ‏"‏ ونصرت بالرعب مسيرة شهر ‏"‏ وقد تقدم شرحه في التيمم، ووقع في الطبراني من حديث أبي أمامة ‏"‏ شهرا أو شهرين ‏"‏ وله من حديث السائب بن يزيد ‏"‏ شهرا أمامي وشهرا خلفي ‏"‏ وظهر لي أن الحكمة في الاقتصار على الشهر أنه لم يكن بينه وبين الممالك الكبار التي حوله أكثر من ذلك، كالشام والعراق واليمن ومصر، ليس بين المدينة النبوية للواحدة منها إلا شهر فما دونه، ودل حديث السائب على أن التردد في الشهر والشهرين إما أن يكون الراوي سمعه كما في حديث السائب، وإما أنه لا أثر لتردده، وحديث السائب لا ينافي حديث جابر، وليس المراد بالخصوصية مجرد حصول الرعب بل هو وما ينشأ عنه من الظفر بالعدو‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ فَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة الذي أوله ‏"‏ بعثت بجوامع الكلم ‏"‏ وفيه ‏"‏ ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض ‏"‏ وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى‏.‏

وجوامع الكلم القرآن فإنه تقع فيه المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة، وكذلك يقع في الأحاديث النبوية الكثير من ذلك‏.‏

ومفاتيح خزائن الأرض المراد منها ما يفتح لأمته من بعده من الفتوح، وقيل المعادن، وقول أبي هريرة ‏"‏ وأنتم تنتثلونها ‏"‏ بوزن تفتعلونها - من النثل بالنون والمثلثة - أي تستخرجونها، تقول نثلت البئر إذا استخرجت ترابها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ فَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ

الشرح‏:‏

حديث أبي سفيان في قصة هرقل ذكر طرفا منها، وقد تقدم بهذا الإسناد بطوله في بدء الوحي، والغرض منه هنا قوله ‏"‏ أنه يخافه ملك بني الأصفر ‏"‏ لأنه كان بين المدينة وبين المكان الذي كان قيصر ينزل فيه مدة شهر أو نحوه‏.‏

*3*باب حَمْلِ الزَّادِ فِي الْغَزْوِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب حمل الزاد في الغزو وقول الله عز وجل‏:‏ ‏(‏وتزودوا فإن خير الزاد التقوى‏)‏‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى أن حمل الزاد في السفر ليس منافيا للتوكل، وقد تقدم في الحج في تفسير الآية من حديث ابن عباس ما يؤيد ذلك‏.‏

ثم ذكر فيه أربعة أحاديث

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي وَحَدَّثَتْنِي أَيْضًا فَاطِمَةُ عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ صَنَعْتُ سُفْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَتْ فَلَمْ نَجِدْ لِسُفْرَتِهِ وَلَا لِسِقَائِهِ مَا نَرْبِطُهُمَا بِهِ فَقُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ وَاللَّهِ مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبِطُ بِهِ إِلَّا نِطَاقِي قَالَ فَشُقِّيهِ بِاثْنَيْنِ فَارْبِطِيهِ بِوَاحِدٍ السِّقَاءَ وَبِالْآخَرِ السُّفْرَةَ فَفَعَلْتُ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ

الشرح‏:‏

حديث أسماء بنت أبي بكر في تسميتها ذات النطاقين، والغرض منه قولها ‏"‏ فلم تجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به ‏"‏ فإنه ظاهر في حمل آلة الزاد في السفر، وسيأتي الكلام على شرحه في أبواب الهجرة‏.‏

والنطاق بكسر النون ما تشد به المرأة وسطها ليرتفع به ثوبها من الأرض عند المهنة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ

الشرح‏:‏

حديث جابر ‏"‏ كنا نتزود لحوم الأضاحي ‏"‏ الحديث، وسيأتي شرحه في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ مِنْ خَيْبَرَ وَهِيَ أَدْنَى خَيْبَرَ فَصَلَّوْا الْعَصْرَ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَطْعِمَةِ فَلَمْ يُؤْتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِسَوِيقٍ فَلُكْنَا فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا وَصَلَّيْنَا

الشرح‏:‏

حديث سويدم بن النعمان وفيه ‏"‏ فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالأطعمة ‏"‏ وفي رواية مالك ‏"‏ بالأزواد ‏"‏ وقد تقدم في الطهارة مع الكلام عليه، وقوله في هذه الرواية ‏"‏ فلكنا ‏"‏ بضم اللام أي أدرنا اللقمة في الفم، وقوله ‏"‏وشربنا ‏"‏ قال الداودي‏:‏ لا أراه محفوظا إلا إن كان أراد المضمضمة، كذا قال، ويحتمل أن يكون بعضهم استف السويق وبعضهم جعله في الماء وشربه فلا إشكال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَفَّتْ أَزْوَادُ النَّاسِ وَأَمْلَقُوا فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ إِبِلِهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبِلِكُمْ فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَقَاؤُهُمْ بَعْدَ إِبِلِهِمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادِ فِي النَّاسِ يَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ فَدَعَا وَبَرَّكَ عَلَيْهِ ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ فَاحْتَثَى النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ

الشرح‏:‏

حديث سلمة وهو ابن الأكوع ‏"‏ خفت أزواد الناس وأملقوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحو إبلهم ‏"‏ الحديث‏.‏

وهو ظاهر فيما ترجم به، وقوله‏:‏ ‏(‏أملقوا‏)‏ أي فنى زادهم، ومعنى أملق افتقر، وقد يأتي متعديا بمعنى أفنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحر إبلهم‏)‏ أي بسبب نحر إبلهم، أو فيه حذف تقديره فاستأذنوه في نحر إبلهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ناد في الناس يأتون‏)‏ أي فهم يأتون، ولذلك رفعه، وزاد في الشركة ‏"‏ فبسط لذلك نطع ‏"‏ وقد تقدم أن فيه أربع لغات فتح النون وكسرها وفتح الطاء وسكونها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبرك‏)‏ بالتشديد أي دعا بالبركة وقوله ‏(‏عليهم‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ عليه ‏"‏ أي على الطعام، ومثله في الشركة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاحتثى الناس‏)‏ بمهملة ساكنة ثم مثناة ثم مثلثة أي أخذوا حثية حثية، و قوله‏:‏ ‏(‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهد‏)‏ إلى آخر الشهادتين أشار إلى أن ظهور المعجزة مما يؤيد الرسالة‏.‏

وفي الحديث حسن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجابته إلى ما يلتمس منه أصحابه، وإجراؤهم على العادة البشرية في الاحتياج إلى الزاد في السفر، ومنقبة ظاهرة لعمر دالة على قوة يقينه بإجابة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى حسن نظره للمسلمين‏.‏

على أنه ليس في إجابة النبي صلى الله عليه وسلم لهم على نحر إبلهم ما يتحتم أنهم يبقون بلا ظهر، لاحتمال أن يبعث الله لهم ما يحملهم من غنيمة ونحوها، لكن أجاب عمر إلى ما أشار به لتعجيل المعجزة بالبركة التي حصلت في الطعام‏.‏

وقد وقع لعمر شبيه بهذه القصة في الماء، وذلك فيما أخرجه ابن خزيمة وغيره، وستأتي الإشارة إليه في علامات النبوة، وقول عمر ‏"‏ ما بقاؤكم بعد إبلكم ‏"‏ أي لأن توالي المشي ربما أفضى إلى الهلاك، وكأن عمر أخذ ذلك من النهي عن الحمر الأهلية يوم خيبر استبقاء لظهورها، قال ابن بطال‏:‏ استنبط منه بعض الفقهاء أنه يجوز للإمام في الغلاء إلزام من عنده ما يفضل عن قوته أن يخرجه للبيع لما في ذلك من صلاح الناس، وفي حديث سلمة جواز المشورة على الإمام بالمصلحة وإن لم يتقدم منه الاستشارة‏.‏

*3*باب حَمْلِ الزَّادِ عَلَى الرِّقَابِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب حمل الزاد على الرقاب‏)‏ أي عند تعذر حمله على الدواب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجْنَا وَنَحْنُ ثَلَاثُ مِائَةٍ نَحْمِلُ زَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا فَفَنِيَ زَادُنَا حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا يَأْكُلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَمْرَةً قَالَ رَجُلٌ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْنَ كَانَتْ التَّمْرَةُ تَقَعُ مِنْ الرَّجُلِ قَالَ لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَقَدْنَاهَا حَتَّى أَتَيْنَا الْبَحْرَ فَإِذَا حُوتٌ قَدْ قَذَفَهُ الْبَحْرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَا أَحْبَبْنَا

الشرح‏:‏

حديث جابر في قصة العنبر مقتصرا على بعضه، والغرض منه قوله ‏"‏ ونحن ثلاثمائة نحمل زادنا على رقابنا ‏"‏ وسيأتي شرحه مستوفى في أواخر المغازي‏.‏

*3*باب إِرْدَافِ الْمَرْأَةِ خَلْفَ أَخِيهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إرداف المرأة خلف أخيها‏)‏ ذكر فيه حديث عائشة في ارتدافها في العمرة خلف أخيها عبد الرحمن وحديث عبد الرحمن بن أبي بكر في ذلك، وقد تقدم الكلام عليهما مستوفى في كتاب الحج، ويشبه أن يكون وجه دخوله هنا حديث عائشة المتقدم ‏"‏ جهادكن الحج‏"‏‏.‏

*3*باب الِارْتِدَافِ فِي الْغَزْوِ وَالْحَجِّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الارتداف في الغزو والحج‏)‏ ذكر فيه حديث أنس ‏"‏ كنت رديف أبي طلحة وإنهم ليصرخون بهما ‏"‏ وقد تقدم شرحه في الحج‏.‏

*3*باب الرِّدْفِ عَلَى الْحِمَارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الردف على الحمار‏)‏ ذكر فيه حديث أسامة بن زيد مختصرا في ارتدافه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبقت الإشارة إليه في الصلح، ويأتي شرحه مستوفى في آخر تفسير آل عمران، ويظهر وجه دخوله في أبواب الجهاد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ يُونُسُ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَمَعَهُ بِلَالٌ وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنْ الْحَجَبَةِ حَتَّى أَنَاخَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ الْبَيْتِ فَفَتَحَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أُسَامَةُ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ فَمَكَثَ فِيهَا نَهَارًا طَوِيلًا ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَبَقَ النَّاسُ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ فَوَجَدَ بِلَالًا وَرَاءَ الْبَابِ قَائِمًا فَسَأَلَهُ أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ

الشرح‏:‏

حديث عبد الله وهو ابن عمر في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، وقد تقدم في الصلاة وفي الحج، والغرض منه قوله في أوله ‏"‏ أقبل يوم الفتح مردفا أسامة بن زيد ‏"‏ لكنه كان يومئذ راكبا على راحلة‏.‏