فصل: باب حَمْلِ النِّسَاءِ الْقِرَبَ إِلَى النَّاسِ فِي الْغَزْوِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب السَّبْقِ بَيْنَ الْخَيْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب السبق بين الخيل‏)‏ أي مشروعية ذلك والسبق بفتح المهملة وسكون الموحدة مصدر وهو المراد هنا، وبالتحريك الرهن الذي يوضع لذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَجْرَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ضُمِّرَ مِنْ الْخَيْلِ مِنْ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ وَأَجْرَى مَا لَمْ يُضَمَّرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَكُنْتُ فِيمَنْ أَجْرَى قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ سُفْيَانُ بَيْنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ وَبَيْنَ ثَنِيَّةَ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ

الشرح‏:‏

وقوله في الطريق الأولى ‏(‏من الحفياء‏)‏ بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها تحتانية ومد‏:‏ مكان خارج المدينة من جهة ويجوز القصر، وحكى الحازمي تقديم الياء التحتانية على الفاء وحكى عياض ضم أوله وخطأه، وقوله فيها ‏"‏ أجرى ‏"‏ قال في التي تليها ‏"‏ سابق ‏"‏ وهو بمعناه‏.‏

وقال فيها ‏"‏ قال ابن عمر وكنت فيمن أجرى ‏"‏ وقال في الرواية التي تليها ‏"‏ وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها ‏"‏ وسفيان في الرواية الأولى هو الثوري وشيخه عبيد الله بالتصغير هو ابن عمر العمري، والطريق الثانية عن الليث مختصرة، وقد أخرجها تامة النسائي عن قتيبة عن الليث، وهو عند مسلم لكن لم يسق لفظه، وقوله في الأولى ‏"‏ قال عبد الله قال سفيان حدثني عبيد الله ‏"‏ فعبد الله هو ابن الوليد العدني كذا رويناه في جامع سفيان الثوري من روايته عنه، وأراد بذلك تصريح الثوري عن شيخه بالتحديث، ووهم من قال فيه‏:‏ وقال أبو عبد الله، وزاد الإسماعيلي من طريق إسحاق وهو الأزرق عن الثوري في آخره ‏"‏ قال ابن عمر وكنت فيمن أجرى فوثب بي فرسي جدارا ‏"‏ وأخرجه مسلم من طريق أيوب عن نافع وقال فيه ‏(‏فسبقت الناس، فطفف بي الفرس مسجد بني زريق‏)‏ أي جاوز بي المسجد الذي كان هو الغاية، وأصل التطفيف مجاوزة الحد‏.‏

وقوله في آخر الثانية ‏"‏ قال أبو عبد الله ‏"‏ هو المصنف وقوله ‏"‏ أمدا‏:‏ غاية‏.‏

فطال عليهم الأمد ‏"‏ وقع هذا في رواية المستملي وحده، وهو تفسير أبي عبيدة في ‏"‏ المجاز ‏"‏ وهو متفق عليه عند أهل اللغة قال النابغة‏:‏ سبق الجواد إذا استولى على الأمد‏.‏

ومعاوية في الرواية الثالثة هو ابن عمرو الأزدي، وأبو إسحاق هو الفزاري، وقوله فيها ‏"‏ قال سفيان ‏"‏ هو موصول بالإسناد المذكور، ولم يسند سفيان ذلك‏.‏

وقد ذكر نحوه موسى بن عقبة في الرواية الثالثة، إلا أن سفيان قال في المسافة التي بين الحفياء والثنية خمسة أو ستة‏.‏

وقال موسى ستة أو سبعة وهو اختلاف قريب‏.‏

وقال سفيان في المسافة الثانية ميل أو نحوه، وقد وقع في رواية الترمذي من طريق عبيد الله بن عمر إدراج ذلك في نفس الخبر والخبر بالستة وبالميل، قال ابن بطال‏:‏ إنما ترجم لطريق الليث بالإضمار وأورده بلفظ ‏"‏ سابق بين الخيل التي لم تضمر‏"‏؛ ليشير بذلك إلى تمام الحديث‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ لا يلتزم ذلك في تراجمه بل ربما ترجم مطلقا لما قد يكون ثابتا ولما قد يكون منفيا، فمعنى قوله ‏"‏ إضمار الخيل للسبق ‏"‏ أي هل هو شرط أم لا‏؟‏ فبين بالرواية التي ساقها أن ذلك ليس بشرط، ولو كان غرضه الاقتصار المجرد لكان الاقتصار على الطرف المطابق للترجمة أولى، لكنه عدل عن ذلك للنكتة المذكورة، وأيضا فلإزالة اعتقاد أن التضمير لا يجوز لما فيه من مشقة سوقها والخطر فيه، فبين أنه ليس بممنوع بل مشروع والله أعلم‏.‏

قلت‏:‏ ولا منافاة بين كلامه وكلام ابن بطال بل أفاد النكتة في الاقتصار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أضمرت‏)‏ بضم أوله، وقوله ‏"‏لم تضمر ‏"‏ بسكون الضاد المعجمة، والمراد به أن تعلف الخيل حتى تسمن وتقوى ثم يقال علفها بقدر القوت وتدخل بيتا وتغشى بالجلال حتى تحمى نتعرق فإذا جف عرقها خف لحمها وقويت على الجري، وفي الحديث مشروعية المسابقة، وأنه ليس من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة، وهي دائرة بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث على ذلك، قال القرطبي‏:‏ لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب وعلى الأقدام، وكذا الترامي بالسهام واستعمال الأسلحة لما في ذلك من التدريب على الحرب، وفيه جواز إضمار الخيل، ولا يخفى اختصاص استحبابها بالخيل المعدة للغزو‏.‏

وفيه مشروعية الإعلام بالابتداء والانتهاء عند المسابقة، وفيه نسبة الفعل إلى الآمر به لأن قوله ‏"‏ سابق ‏"‏ أي أمر أو أباح‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏‏:‏ لم يتعرض في هذا الحديث للمراهنة على ذلك، لكن ترجم الترمذي له ‏"‏ باب المراهنة على الخيل ‏"‏ ولعله أشار إلى ما أخرجه أحمد من رواية عبد الله بن عمر المكبر عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل وراهن ‏"‏ وقد أجمع العلماء كما تقدم على جواز المسابقة بغير عوض، لكن قصرها مالك والشافعي على الخف والحافر والنصل، وخصه بعض العلماء بالخيل، وأجازه عطاء في كل شيء، واتفقوا على جوازها بعوض بشرط أن يكون من غير المتسابقين كالإمام حيث لا يكون له معهم فرس وجوز الجمهور أن يكون من أحد الجانبين من المتسابقين، وكذا كان معهما ثالث محلل بشرط أن لا يخرج من عنده شيئا ليخرج العقد عن صورة القمار ‏"‏ وهو أن يخرج كل منهما سبقا فمن غلب أخذ السبقين فاتفقوا على منعه، ومنهم من شرط في المحلل أن يكون لا يتحقق السبق في مجلس السبق وفيه أن المراد بالمسابقة بالخيل كونها مركوبة لا مجرد إرسال الفرسين بغير راكب، لقوله في الحديث ‏"‏ وأن عبد الله بن عمر كان فيمن سابق بها ‏"‏ كذا استدل به بعضهم، وفيه نظر لأن الذي لا يشترط الركوب لا يمنع صورة الركوب، وإنما احتج الجمهور بأن الخيل لا تهتدي بأنفسها لقصد الغاية بغير راكب وربما نفرت، وفيه نظر لأن الاهتداء لا يختص بالركوب فلو أن الفرس كان ماهرا في الجري بحيث لو كان مع كل فرس ساع يهديها إلى الغاية لأمكن، وفيه جواز إضافة المسجد إلى قوم مخصوصين، وقد ترجم له البخاري بذلك في كتاب الصلاة، وفيه جواز معاملة البهائم عند الحاجة بما يكون تعذيبا لها في غير الحاجة كالإجاعة والإجراء، وفيه تنزيل الخلق منازلهم لأنه صلى الله عليه وسلم غاير بين منزلة المضمر وغير المضمر ولو خلطهما لأتعب غير المضمر‏.‏

*3*باب إِضْمَارِ الْخَيْلِ لِلسَّبْقِ

الشرح‏:‏

ثم قال ‏(‏باب إضمار الخيل للسبق‏)‏ إشارة إلى أن السنة في المسابقة أن يتقدم إضمار الخيل وإن كانت التي لا تضمر لا تمتنع المسابقة عليها‏.‏

*3*باب غَايَةِ السَّبْقِ لِلْخَيْلِ الْمُضَمَّرَةِ

الشرح‏:‏

ثم قال ‏(‏باب غاية السباق للخيل المضمرة‏)‏ أي بيان ذلك وبيان غاية التي لم تضمر، وذكر في الأبواب الثلاثة حديث ابن عمر في ذلك‏.‏

*3*باب نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ ابْنُ عُمَرَ أَرْدَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ عَلَى الْقَصْوَاءِ

وَقَالَ الْمِسْوَرُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا أفرد للناقة في الترجمة إشارة إلى أن العضباء والقصواء واحدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عمر‏:‏ أردف النبي صلى الله عليه وسلم أسامة على القصواء‏)‏ هو طرف من حديث وصله المصنف في الحج، وقد تقدم شرحه في حجة الوداع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال المسور ما خلأت القصواء‏)‏ هو طرف من الحديث الطويل الماضي مع شرحه في كتاب الشروط وفيه ضبط القصواء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَتْ نَاقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهَا الْعَضْبَاءُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا معاوية‏)‏ هو ابن عمرو الأزدي وأبو إسحاق هو الفزاري‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةٌ تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ لَا تُسْبَقُ قَالَ حُمَيْدٌ أَوْ لَا تَكَادُ تُسْبَقُ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى عَرَفَهُ فَقَالَ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ طَوَّلَهُ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏طوله موسى عن حماد عن ثابت عن أنس‏)‏ أي رواه مطولا، وهذا التعليق وقع في رواية المستملي وحده هنا، وموسى هو ابن إسماعيل التبوذكي وحماد هو ابن سلمة، ووقع في رواية من عدا الهروي بعد سياق رواية زهير، وقد وصله أبو داود عن موسى بن إسماعيل المذكور وليس سياقه بأطول من سياق زهير بن معاوية عن حميد، نعم هو أطول من سياق أبي إسحاق الفزاري فتترجح رواية المستملي، وكأنه اعتمد رواية أبي إسحاق لما وقع فيها من التصريح بسماع حميد من أنس، وأشار إلى أنه روى مطولا من طريق ثابت ثم وجده من رواية حميد أيضا مطولا فأخرجه والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تسبق، قال حميد أو لا تكاد تسبق‏)‏ شك منه، وهو موصول بالإسناد المذكور، وفي بقية الروايات بغير شك، وقوله‏:‏ ‏(‏أن لا يرتفع شيء من الدنيا‏)‏ وفي رواية موسى بن إسماعيل ‏"‏ أن لا يرفع شيئا ‏"‏ وكذا للمصنف في الرقاق، وكذا قال النفيلي عن زهير عند أبي داود‏.‏

وفي رواية شعبة عند النسائي ‏"‏ أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا ‏"‏ وقوله فجاء أعرابي فسبقها ‏"‏ في رواية ابن المبارك وغيره عن حميد عند أبي نعيم ‏"‏ فسابقها فسبقها‏"‏‏.‏

وفي رواية شعبة ‏"‏ سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي‏"‏، ولم أقف على اسم هذا الأعرابي بعد التتبع الشديد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على قعود‏)‏ بفتح القاف ما استحق الركوب من الإبل، قال الجوهري هو البكر حتى يركب وأقل ذلك أن يكون ابن سنتين إلى أن يدخل السادسة فيسمى جملا‏.‏

وقال الأزهري‏:‏ لا يقال إلا للذكر، ولا يقال للأنثى قعودة وإنما يقال لها قلوص، قال‏:‏ وقد حكى الكسائي في ‏"‏ النوادر ‏"‏ قعودة للقلوص وكلام الأكثر على خلافه‏.‏

وقال الخليل‏:‏ القعودة من الإبل ما يقعده الراعي لحمل متاعه، والهاء فيه للمبالغة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى عرفه‏)‏ أي عرف أثر المشقة‏.‏

وفي رواية المصنف في الرقاق ‏"‏ فلما رأى ما في وجوههم وقالوا سبقت العضباء‏"‏، الحديث‏.‏

والعضباء بفتح المهملة وسكون المعجمة بعدها موحدة ومد هي المقطوعة الأذن أو المشقوقة‏.‏

وقال ابن فارس‏:‏ كان ذلك لقبا لها لقوله تسمى العضباء‏.‏

ولقوله ‏"‏ يقال لها العضباء ‏"‏ ولو كانت تلك صفتها لم يحتج لذلك‏.‏

وقال الزمخشري‏:‏ العضباء منقول من قولهم ناقة عضباء أي قصيرة اليد، واختلف هل العضباء هي القصواء أو غيرها، فجزم الحربي بالأول وقال‏:‏ تسمى العضباء والقصواء والجدعاء، وروى ذلك ابن سعد عن الواقدي‏.‏

وقال غيره بالثاني وقال‏:‏ الجدعاء كانت شهباء وكان لا يحمله عند نزول الوحي غيرها، وذكر له عدة نوق غير هذه تتبعها من اعتنى بجمع السيرة‏.‏

وفي الحديث اتخاذ الإبل للركوب والمسابقة عليها، وفيه التزهيد في الدنيا للإشارة إلى أن كل شيء منها لا يرتفع إلا اتضع‏.‏

وفيه الحث على التواضع‏.‏

وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه وعظمته في صدور أصحابه‏.‏

*3*باب بَغْلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْضَاءِ

قَالَهُ أَنَسٌ

وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء‏)‏ قاله أنس يشير إلى حديثه الطويل في قصة حنين، وسيأتي مصولا مع شرحه في المغازي وفيه ‏"‏ وهو على بغلة بيضاء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو حميد‏:‏ أهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء‏)‏ يشير إلى حديثه الطويل في غزوة تبوك، وقد مضى مصولا في أواخر كتاب الزكاة وفيه هذا القدر وزيادة، وتقدمت الإشارة إلى اسم صاحب أيلة هناك مع بقية شرح الحديث ومما ينبه عليه هنا أن البغلة البيضاء التي كان عليها في حنين غير البغلة البيضاء التي أهداها له ملك أيلة، لأن ذلك كان في تبوك وغزوة حنين كانت قبلها وقد وقع في مسلم من حديث العباس أن البغلة التي كانت تحته في حنين أهداها له فروة بن نفاثة بضم النون بعدها فاء خفيفة ثم مثلثة، وهذا هو الصحيح وذكر أبو الحسين بن عبدوس أن البغلة التي ركبها يوم حنين دلدل وكانت شهباء أهداها له المقوقس، وأن التي أهداها له فروة يقال لها فضة، ذكر ذلك ابن سعد وذكر عكسه، والصحيح ما في مسلم ثم ذكر المصنف في الباب حديثين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ قَالَ مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ وَسِلَاحَهُ وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَةً

الشرح‏:‏

حديث عمرو بن الحارث وهو أخو جويرية أم المؤمنين قال ‏"‏ ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بغلته البيضاء ‏"‏ الحديث، وقد تقدم في أول الوصايا وأن شرحه يأتي في الوفاة آخر المغازي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا أَبَا عُمَارَةَ وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ لَا وَاللَّهِ مَا وَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ وَلَّى سَرَعَانُ النَّاسِ فَلَقِيَهُمْ هَوَازِنُ بِالنَّبْلِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِهَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ

الشرح‏:‏

حديث البراء في قصة حنين وقد تقدم قريبا وفيه ‏"‏ والنبي صلى الله عليه وسلم على بغلة بيضاء ‏"‏ وسيأتي شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى، واستدل به على جواز اتخاذ البغال وإنزاء الحمر على الخيل وأما حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون ‏"‏ أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان فقال الطحاوي‏:‏ أخذ به قوم فحرموا ذلك، ولا حجة فيه لأن معناه الحض على تكثير الخيل لما فيها من الثواب، وكأن المراد الذين لا يعلمون الثواب المرتب على ذلك‏.‏

*3*باب جِهَادِ النِّسَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب جهاد النساء‏)‏ ذكر فيه حديث عائشة ‏"‏ جهادكن الحج‏"‏، وقد تقدم في أول الجهاد، ومضى شرحه في كتاب الحج وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه النسائي بلفظ ‏"‏ جهاد الكبير - أي العاجز الضعيف - والمرأة الجج والعمرة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ جِهَادُكُنَّ الْحَجُّ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بِهَذَا

الشرح‏:‏

قوله فيه ‏(‏وقال عبد الله بن الوليد‏)‏ هو العدني، وروايته موصولة في ‏"‏ جامع سفيان ‏"‏ وقوله في الطريق الأخرى ‏"‏ وعن حبيب بن أبي عمرة ‏"‏ هو موصول من رواية قبيصة المذكورة والحاصل أن عنده فيه عن سفيان إسنادين، وقد وصله الإسماعيلي من طريق هناد بن السري عن قبيصة كذلك وقال ابن بطال دل حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء، ولكن ليس في قوله ‏"‏ جهادكن الحج ‏"‏ أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد وإنما لم يكن عليهن واجبا لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال، فلذلك كان الحج أفضل لهن من الجهاد‏.‏

قلت‏:‏ وقد لمح البخاري بذلك في إيراده الترجمة مجملة وتعقيبها بالتراجم المصرحة بخروج النساء إلى الجهاد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بِهَذَا وَعَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ نِسَاؤُهُ عَنْ الْجِهَادِ فَقَالَ نِعْمَ الْجِهَادُ الْحَجُّ

الشرح‏:‏

قوله فيه ‏(‏وقال عبد الله بن الوليد‏)‏ هو العدني، وروايته موصولة في ‏"‏ جامع سفيان ‏"‏ وقوله في الطريق الأخرى ‏"‏ وعن حبيب بن أبي عمرة ‏"‏ هو موصول من رواية قبيصة المذكورة والحاصل أن عنده فيه عن سفيان إسنادين، وقد وصله الإسماعيلي من طريق هناد بن السري عن قبيصة كذلك وقال ابن بطال دل حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء، ولكن ليس في قوله ‏"‏ جهادكن الحج ‏"‏ أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد وإنما لم يكن عليهن واجبا لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال، فلذلك كان الحج أفضل لهن من الجهاد‏.‏

قلت‏:‏ وقد لمح البخاري بذلك في إيراده الترجمة مجملة وتعقيبها بالتراجم المصرحة بخروج النساء إلى الجهاد‏.‏

*3*باب غَزْوِ الْمَرْأَةِ فِي الْبَحْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب غزو المرأة في البحر‏)‏ ذكر فيه حديث أنس في قصة أم حرام

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الْفَزَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنَةِ مِلْحَانَ فَاتَّكَأَ عِنْدَهَا ثُمَّ ضَحِكَ فَقَالَتْ لِمَ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ الْأَخْضَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَثَلُهُمْ مَثَلُ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مِنْهُمْ ثُمَّ عَادَ فَضَحِكَ فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ أَوْ مِمَّ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَتْ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ وَلَسْتِ مِنْ الْآخِرِينَ قَالَ قَالَ أَنَسٌ فَتَزَوَّجَتْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَرَكِبَتْ الْبَحْرَ مَعَ بِنْتِ قَرَظَةَ فَلَمَّا قَفَلَتْ رَكِبَتْ دَابَّتَهَا فَوَقَصَتْ بِهَا فَسَقَطَتْ عَنْهَا فَمَاتَتْ

الشرح‏:‏

حديث أنس في قصة أم حرام، وقد تقدم قريبا في ‏"‏ باب فضل من يصرع في سبيل الله ‏"‏ ويأتي شرحه في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى وقوله في آخره ‏"‏ قال أنس فتزوجت عبادة بن الصامت ‏"‏ ظاهره أنها تزوجته بعد هذه المقالة، ووقع في رواية إسحاق عن أنس في أول الجهاد بلفظ ‏"‏ وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وظاهره أنها كانت حينئذ زوجته، فإما أن يحمل على أنها كانت زوجته ثم طلقها ثم راجعها بعد ذلك وهذا جواب ابن التين، وإما أن يجعل قوله في رواية إسحاق ‏"‏ وكانت تحت عبادة ‏"‏ جملة معترضة أراد الراوي وصفها به غير مقيد بحال من الأحوال، وظهر من رواية غيره أنه إنما تزوجها بعد ذلك وهذا الثاني أولى لموافقة محمد بن يحيى بن حبان عن أنس على أن عبادة تزوجها بعد ذلك كما سيأتي بعد اثني عشر بابا وقوله في آخره ‏"‏ فركبت البحر مع بنت قرظة ‏"‏ هي زوج معاوية واسمها فاختة وقيل كنود، وكانت تحت عتبة ابن سهل قبل معاوية ويحتمل أن يكون معاوية تزوج الأختين واحدة بعد أخرى، وهذه رواية ابن وهب في موطآته عن ابن لهيعة عمن سمع، قال‏:‏ ومعاوية أول من ركب البحر للغزاة، وذلك في خلافة عثمان وأبوها قرظة بفتح القاف والراء والظاء المعجمة هو ابن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف، وهي قرشية نوفلية، وظن بعض الشراح أنها بنت قرظة بن كعب الأنصاري فوهم، والذي قلته صرح به خليفة بن خياط في تاريخه وزاد أن ذلك كان سنة ثمان وعشرين، والبلاذري في تاريخه أيضا وذكر أن قرظة بن عبد عمرو مات كافرا فيكون لها هي رؤية، وكذا لأخيها مسلم بن قرظة الذي قتل يوم الجمل مع عائشة ‏(‏تنبيهان‏)‏ يتعلقان بهذا الإسناد‏:‏ أحدهما وقع في هذا الإسناد ‏"‏ حدثنا أبو إسحاق هو الفزاري عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري ‏"‏ هكذا هو في جميع الروايات ليس بينهما أحد وزعم أبو مسعود في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ أنه سقط بينهما ‏"‏ زائدة بن قدامة ‏"‏ وأقره المزي على ذلك وقواه بأن المسيب بن واضح رواه عن أبي إسحاق الفزاري عن زائدة عن أبي طوالة، وقد قال أبو علي الجياني‏:‏ تأملته في ‏"‏ السير لأبي إسحاق الفزاري ‏"‏ فلم أجد فيها زائدة، ثم ساقه من طريق عبد الملك بن حبيب عنه عن أبي طوالة ليس بينهما زائدة، ورواية المسيب بن واضح خطأ، وهو ضعيف لا يقتضي بزيادته على خطأ ما وقع في الصحيح، ولا سيما وقد أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن معاوية بن عمرو شيخ شيخ البخاري فيه كما أخرجه البخاري سواء ليس فيه زائدة، وسبب الوهم من أبي مسعود أن معاوية بن عمرو رواه أيضا عن زائدة عن أبي طوالة، فظن أبو مسعود أنه عند معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن زائدة، وليس كذلك بل هو عنده عن أبي إسحاق وزائدة معا، جمعهما تارة وفرقهما أخرى، أخرجه أحمد عنه عاطفا لروايته عن أبي إسحاق على روايته عن زائدة، وأخرجه الإسماعيلي من طريق أبي خيثمة عن معاوية بن عمرو عن زائدة وحده به، وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن جعفر الصائغ عن معاوية فوضحت صحة ما وقع في الصحيح ولله الحمد ثانيهما‏:‏ هذا الحديث، رواه عن أنس إسحاق بن أبي طلحة ومحمد بن يحيى بن حبان وأبو طوالة، فقال إسحاق في روايته عن أنس ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام ‏"‏ وقال أبو طوالة في روايته ‏"‏ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنت ملحان ‏"‏ وكلاهما ظاهر في أنه من مسند أنس، وأما محمد بن يحيى فقال ‏"‏ عن أنس عن خالته أم حرام، وهو ظاهر في أنه من مسند أم حرام وهو المعتد، وكأن أنسا لم يحضر ذلك فحمله عن خالته، وقد حدث به عن أم حرام عمير بن الأسود أيضا كما سيأتي بعد أبواب، وقد أحال المزي برواية أبي طوالة في مسند أنس على مسند أم حرام ولم يفعل ذلك في رواية إسحاق بن أبي طلحة فأوهم خلاف الواقع الذي حررته، والله الهادي‏.‏

*3*باب حَمْلِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فِي الْغَزْوِ دُونَ بَعْضِ نِسَائِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه‏)‏ ذكر فيه طرفا من حديث عائشة في قصة الإفك وهو ظاهر فيما ترجم له‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ كُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ الْحَدِيثِ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ يَخْرُجُ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة الإفك وسيأتي شرح حديث الإفك تاما في التفسير، وفيه التصريح بأن حمل عائشة معه كان بعد القرعة بين نسائه‏.‏

*3*باب غَزْوِ النِّسَاءِ وَقِتَالِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب عزو النساء وقتالهن مع الرجال‏)‏ وقع في هذه الترجمة حديث الربيع بنت معوذ، وسيأتي بعد باب وفي حديث أم عطية الذي مضى في الحيض وفي حديث ابن عباس عند مسلم ‏"‏ كان يغزو بهن فيداوين الجرحى، الحديث، ووقع في حديث آخر مرسل أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال ‏"‏ كان النساء يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد ويسقين المقاتلة ويداوين الجرحى ‏"‏ ولأبى داود من طريق حشرج بن زياد عن جدته أنهن خرجن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حنين وفيه ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهن عن ذلك فقلن‏:‏ خرجنا نغزل الشعر ونعين في سبيل الله ونداوي الجرحى ونناول السهام ونسقى السويق، ولم أر في شيء من ذلك التصريح بأنهن قاتلن، ولأجل ذلك قال ابن المنير‏:‏ بوب على قتالهن وليس هو في الحديث، فإما أن يريد أن إعانتهن للغزاة غزو وإما أن يريد أنهن ما ثبتن لسقى الجرحى ونحو ذلك ألا وهن بصدد أن يدافعن عن أنفسهن، وهو الغالب انتهى وقد وقع عند مسلم من وجه آخر عن أنس ‏"‏ أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين فقالت‏:‏ اتخذته إن دنا منى أحد من المشركين بقرت به بطنه ‏"‏ ويحتمل أن يكون غرض البخاري بالترجمة أن يبين أنهن لا يقاتلن وإن خرجن في الغزو، فالتقدير بقوله ‏"‏ وقتالهن مع الرجال ‏"‏ أي هل هو سائغ، أو إذا خرجن مع الرجال في الغزر ويقتصرن على ما ذكر من مداواة الجرحى ونحو ذلك‏؟‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تَنْقُزَانِ الْقِرَبَ وَقَالَ غَيْرُهُ تَنْقُلَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلَآَنِهَا ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهَا فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ

الشرح‏:‏

حديث أنس ‏"‏ لما كان يوم أحد انهزم الناس ‏"‏ الحديث، والغرض منه قوله فيه ‏"‏ ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان ‏"‏ وقد أخرجه في المغازي بهذا الإسناد بأتم من هذا السياق ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى وقوله ‏"‏ خدم سوقهما ‏"‏ بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة وهي الخلاخيل، وهذه كانت قبل الحجاب، ويحتمل أنها كانت عن غير قصد للنظر، وقوله ‏"‏تنقزان ‏"‏ بضم القاف بعدها زاي، و ‏"‏ القرب ‏"‏ بكسر القاف وبالموحدة جمع قربة، وقوله ‏"‏وقال غيره تنقلان القرب ‏"‏ يعني باللام دون الزاي وهي رواية جعفر بن مهران عن عبد الوارث أخرجها الإسماعيلي، وقوله ‏"‏تنقزان ‏"‏ قال الداودي‏:‏ معناه تسرعان المشي كالهرولة‏.‏

وقال عياض‏:‏ قيل معنى تنقزان تثبان، والنقز‏:‏ الوثب والقفز، كناية عن سرعة السير، وضبطوا القرب بالنصب وهو مشكل على هذا التأويل بخلاف رواية تنقلان، قال‏:‏ وكان بعض الشيوخ يقرؤه برفع القرب على أن الجملة حال، وقد خرج رواية النصب على نزع الخافض كأنه قال تثبان بالقرب، قال‏:‏ وضبطه بعضهم تنقزان بضم أوله أي تحركان القرب لشدة عدوهما، وتصح على هذا رواية النصب وقال الخطابي‏:‏ أحسب الرواية، ‏"‏ تزفران ‏"‏ بدل تنقزان، والزفر حمل القرب الثقال كما في الحديث الذي بعده‏.‏

*3*باب حَمْلِ النِّسَاءِ الْقِرَبَ إِلَى النَّاسِ فِي الْغَزْوِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو‏)‏ أي جواز ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ الْمَدِينَةِ فَبَقِيَ مِرْطٌ جَيِّدٌ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطِ هَذَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي عِنْدَكَ يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ فَقَالَ عُمَرُ أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عُمَرُ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَزْفِرُ لَنَا الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ تَزْفِرُ تَخِيطُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ثعلبة بن أبي مالك‏)‏ في رواية بن وهب عن يونس عند أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ عن ثعلبة القرظي بضم القاف وفتح الراء بعدها معجمة مختلف في صحبته ‏"‏ قال ابن معين له رواية‏.‏

وقال ابن سعد قدم أبو مالك واسمه عبد الله بن سام من اليمن وهو من كندة فتزوج امرأة من بني قريظة فعرف بهم وحالف الأنصار‏.‏

قلت‏:‏ وكانت اليهودية قد فشت في اليمين فلذلك صاهرهم أبو مالك، وكأنه قتل في بني قريظة فقد ذكر مصعب الزبيري أن ثعلبة ممن لم يكن أثبت قوله فترك، وكان ثعلبة إمام قومه، وله حديث مرفوع عند ابن ماجة، لكن جزم أبو حاتم بأنه مرسل، وقد صرح الزهري عنه بالإخبار في حديث آخر سيأتي في ‏"‏ باب لواء النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال له بعض من عنده‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يريدون أم كلثوم‏)‏ كان عمر قد تزوج أم كلثوم بنت علي وأمها فاطمة ولهذا قالوا لها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت قد ولدت في حياته وهي أصغر بنات فاطمة عليها السلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أم سليط‏)‏ كذا فيه بفتح المهملة وكسر اللام وزن رغيف، ولم أر لها في كتب من صنف في الصحابة ذكرا إلا في الاستيعاب فذكرها مختصرة بالذي هنا، وقد ذكرها ابن سعد في طبقات النساء وقال‏:‏ هي أم قيس بنت عبيد بن زياد بن ثعلبة من بني مازن، تزوجها أبو سليط بن أبي حارثة عمرو بن قيس من بني عدى بن النجار فولدت له سليطا وفاطمة، يعني فلذلك يقال لها أم سليط، وذكر أنها شهدت خيبر وحنينا، وغفل عن ذكر شهودها أحدا وهو ثابت بهذا الحديث، وذكر في ترجمة أم عمارة الأنصارية شبيها بهذه القصة من وجه آخر عن عمر لكن فيه ‏"‏ فقال بعضهم أعطه صفية بنت أبي عبيد زوت عبد الله بن عمر ‏"‏ وقال فيه أيضا ‏"‏ لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا وأنا أراها تقاتل دوني ‏"‏ فهذا يشعر بأن القصة تعددت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تزفر‏)‏ بفتح أوله وسكون الزاي وكسر الفاء أي تحمل وزنا ومعنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏:‏ تزفر تخيط‏)‏ كذا في رواية المستملي وحده، وتعقب بأن ذلك لا يعرف في اللغة وإنما الزفر الحمل وهو بوزنه ومعناه، قال الخليل‏:‏ ‏"‏ زفر بالحمل زفرا نهض به ‏"‏ والزفر أيضا القربة نفسها وقيل إذا كانت مملوءة ماء، ويقال للإماء إذا حملن الترب زوافر، والزفر أيضا البحر الفياض، وقيل الزافر الذي يعين في حمل القربة‏.‏

قلت‏:‏ وقع عند أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج‏؟‏ بعد أن أخرجه من طريق عبد الله بن وهب عن يونس قال عبد الله تزفر تحمل‏.‏

وقال أبو صالح كاتب الليث‏:‏ تزفر تخرز‏.‏

قلت‏:‏ فلعل هذا مستند البخاري في تفسيره، وسيأتي بقية الكلام على فوائد هذا الحديث في غزوة أحد إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مُدَاوَاةِ النِّسَاءِ الْجَرْحَى فِي الْغَزْوِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب مداواة النساء الجرحى‏)‏ أى من الرجال وغيرهم ‏(‏في الغزو‏)‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْقِي وَنُدَاوِي الْجَرْحَى وَنَرُدُّ الْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الربيع‏)‏ بالتشديد، وأبوها معوذ بالتشديد أيضا والذال المعجمة لها ولأبيها صحبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي‏)‏ كذا أورده في الأول مختصرا، وأورده في الذي بعده وسياقه أتم وأوفى بالمقصود، وزاد الإسماعيلي من طريق أخرى خالد بن ذكوان ‏"‏ ولا نقاتل ‏"‏ وفيه جواز معالجة المرأة الأجنبية الرجل الأجنبي للضرورة قال ابن بطال‏:‏ ويختص ذلك بذوات المحارم ثم بالمتجالات منهن لأن موضع الجرح لا يلتذ بلمسه بل يقشعر منه الجلد، فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة ولا مس، ويدل على ذلك اتفاقهم على أن المرأة إذا ماتت ولم توجد امرأة تغسلها أن الرجل لا يباشر غسلها بالمس بل يغسلها من وراء حائل في قول بعضهم كالزهري وفي قول الأكثر تيمم‏.‏

وقال الأوزاعي تدفن كما هي، قال ابن المنير‏:‏ الفرق لبين حال المداواة وتغسيل الميت أن الغسل عبادة والمداواة ضرورة، والضرورات تبيح المحظورات‏.‏

*3*باب رَدِّ النِّسَاءِ الْجَرْحَى وَالْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ

الشرح‏:‏

وقوله‏:‏ ‏(‏باب رد النساء الجرحى والقتلى‏)‏ كذا للأكثر وزاد الكشميهني ‏"‏ إلى المدينة‏"‏‏.‏

*3*باب نَزْعِ السَّهْمِ مِنْ الْبَدَنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب نزع السهم من البدن‏)‏ ذكر فيه حديث أبي موسى في قصة عمه أبا عامر باختصار‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ قَالَ انْزِعْ هَذَا السَّهْمَ فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ

الشرح‏:‏

حديث أبي موسى في قصة عمه أبا عامر باختصار، وساقه في غزوة حنين بتمامه، وسيأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى قال المهلب‏:‏ فيه جواز نزع السهم من البدن وإن كان في غبه الموت، وليس ذلك من الإلقاء إلى التهلكة إذا كان يرجو الانتفاع بذلك، قال‏:‏ ومثله البط والكي وغير ذلك من الأمور التي يتداوى بها وقال ابن المنير‏:‏ لعله ترجم بهذا لئلا يتخيل أن الشهيد لا ينزع منه السهم بل يبقى فيه، كما أمر بدفنه بدمائه حتى يبعث كذلك، فبين بهذه الترجمة أن هذا مما شرع انتهى والذي قاله المهلب أول لأن حديث الباب يتعلق بمن أصابه ذلك وهو في الحياة بعد، والذي أبداه ابن المنير يتعلق بنزعه بعد الوفاة‏.‏

*3*باب الْحِرَاسَةِ فِي الْغَزْوِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الحراسة في الغزو في سبيل الله‏)‏ أى بيان ما فيها من الفضل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهِرَ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ لَيْتَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِي صَالِحًا يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ سِلَاحٍ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقَالَ أَنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ جِئْتُ لِأَحْرُسَكَ وَنَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

حديث عائشة قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يحيى بن سعيد‏)‏ هو الأنصاري، وعبد الله بن عامر بن ربيعة هو العنزي له رؤية ولأبيه صحبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى الله عليه وسلم سهر، فلما قدم المدينة قال‏:‏ ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة‏)‏ هكذا في هذه الرواية ولم يبين زمان السهر، وظاهره أن السهر كان قبل القدوم والقول بعده، وقد أخرجه مسلم من طريق الليث عن يحيى بن سعيد وقال فيه ‏"‏ سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة فقال ‏"‏ فذكره، وظاهره أن السهر والقول مها كانا بعد القدوم، وقد أخرجه النسائي من طريق أبي إسحاق الفزاري عن يحيى بن سعيد بلفظ ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة يسهر من الليل ‏"‏ وليس المراد بقدومه المدينة أول قدومه إليها من الهجرة لأن عائشة إذ ذاك لم تكن عنده ولا كان سعد أيضا ممن سبق، وقد أخرجه أحد عن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد بلفظ ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهر ذات ليلة وهي إلى جنبه، قالت فقلت‏:‏ ما شأنك يا رسول الله ‏"‏ الحديث وقد روى الترمذي من طريق عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية‏:‏ ‏"‏ والله يعصمك من الناس ‏"‏ وإسناده حسن واختلف في وصله وإرساله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جئت لأحرسك‏)‏ في رواية الليث المذكورة ‏"‏ فقال وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنام النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد المصنف في التمني من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد ‏"‏ حتى سمعنا غطيطه ‏"‏ وفي الحديث الأخذ بالحذر والاحتراس من العدو، وأن على الناس أن يحرسوا سلطانهم خشية القتل وفيه الثناء على من تبرع بالخير وتسميته صالحا، وإنما عانى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع قوة توكله للاستنان به في ذلك، وقد ظاهر بين درعين مع أنهم كانوا إذا اشتد البأس كان أمام الكل وأيضا فالتوكل لا ينافي تعاطي الأسباب لأن التوكل عمل القلب وهي عمل البدن وقد قال إبراهيم عليه السلام ‏(‏ولكن ليطمئن قلبي‏)‏ وقال عليه الصلاة والسلام ‏"‏ اعقلها وتوكل ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ نسخ ذلك كما دل عليه حديث عائشة؛ وقال القرطبي‏:‏ ليس في الآية ما ينافي الحراسة كما أن إعلام الله نصر دينه وإظهاره ما يمنع الأمر بالقتال وإعداد العدد، وعلى هذا فالمراد العصمة من الفتنة والإضلال أو إزهاق الروح والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ لَمْ يَرْفَعْهُ إِسْرَائِيلُ وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ وَزَادَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ إِنْ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ وَقَالَ فَتَعْسًا كَأَنَّهُ يَقُولُ فَأَتْعَسَهُمْ اللَّهُ طُوبَى فُعْلَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ طَيِّبٍ وَهِيَ يَاءٌ حُوِّلَتْ إِلَى الْوَاوِ وَهِيَ مِنْ يَطِيبُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزاد لنا عمرو‏)‏ ابن مرزوق هكذا، وعمرو هو من شيوخ البخاري وقد صرح بسماعه منه في مواضع أخرى، وجميع الإسناد سواء مدنيون، وفيه تابعيان عبد الله بن دينار وأبو صالح، والمراد بالزيادة قوله في آخره ‏"‏ تعس وانتكس إلخ ‏"‏ وقد وصله أبو نعيم من طريق أبي مسلم الكجي وغيره عن عمرو بن مرزوق وسيأتي مزيدا لهذا في التمني إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تعس عبد الدينار‏)‏ الحديث سيأتي بهذا الإسناد والمتن في كتاب الرقاق ونذكر شرحه هناك إن شاء الله تعالى، والغرض منه هنا قوله في الطريق الثانية ‏"‏ طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه ‏"‏ الحديث لقوله ‏"‏ إن كان في الحراسة كان في الحراسة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تعس‏)‏ بفتح أوله وكسر المهملة ويجوز فتحها وهو ضد سعد، تقول تعس فلان أي شقي، وقيل معنى التعس الكب على الوجه، قال الخليل‏:‏ التعس أن يعثر فلا يفيق من عثرته، وقيل التعس الشر وقيل البعد وقيل الهلاك، وقيل التعس أن يخر على وجهه والنكس أن يخر على رأسه، وقيل تعس أخطأ حجته وبغيته وقوله ‏"‏ وانتكس ‏"‏ بالمهملة أي عاوده المرض، وقيل إذا سقط اشتغل بسقطته حتى يسقط أخرى وحكى عياض أن بعضهم رواه ‏"‏ انتكش ‏"‏ بالمعجمة وفسره بالرجوع، وجعله دعاء له لا عليه، والأول أولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإذا شيك فلا انتقش‏)‏ شيك‏:‏ بكسر المعجمة وسكون التحتانية بعدها كاف، وانتقش‏:‏ بالقاف والمعجمة، والمعنى إذا أصابته الشوكة فلا وجد من يخرجها منه بالمنقاش، تقول نقشت الشوك إذا استخرجته وذكر ابن قتيبة أن بعضهم رواه بالعين المهملة بدل القاف، ومعناه صحيح لكن مع ذكر الشوكة تقوى رواية القاف ووقع في رواية الأصيلي عن أبي زيد المروزي ‏"‏ وإذا شيت ‏"‏ بمثناة فوقانية بدل الكاف وهو تغيير فاحش، وفي الدعاء بذلك إشارة إلى عكس مقصوده لأن من عثر فدخلت في رجله الشوكة فلم يجد من يخرجها يصير عاجزا عن الحركة والسعي في تحصيل الدنيا وفي قوله ‏"‏ طوبى لعبد إلخ ‏"‏ إشارة إلى الحض على العمل بما يحصل به خير الدنيا والآخرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أشعث‏)‏ صفة لعبد وهو مجرور بالفتحة لعدم الصرف و ‏"‏ رأسه ‏"‏ بالرفع الفاعل، قال الطيبي ‏"‏ أشعث رأسه مغبرة قدماه ‏"‏ حالان من قوله ‏"‏ لعبد ‏"‏ لأنه موصوف وقال الكرماني‏:‏ يجوز الرفع ولم يوجهه وقال غيره‏:‏ ويجوز في أشعث الرفع على أنه صفة رأس، أي رأسه أشعث، وكذا قوله ‏"‏ مغبرة قدماه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة‏)‏ هذا من المواضع التي اتحد فيها الشرط والجزاء لفظا لكن المعنى مختلف، والتقدير إن كان المهم في الحراسة كان فيها، وقيل معنى ‏"‏ فهو في الحراسة ‏"‏ أي فهو في ثواب الحراسة، وقيل هو للتعظيم أي إن كان في الحراسة فهو في أمر عظيم، والمراد منه لازمه أي فعليه أن يأتي بلوازمه ويكون مشتغلا بخويصة عمله وقال ابن الجوزي‏:‏ المعنى أنه خامل الذكر لا يقصد السمو، فإن أنفق له السير سار؛ فكأنه قال‏:‏ إن كان في الحراسة استمر فيها، وإن كان في الساقة استمر فيها قوله‏:‏ ‏(‏إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع‏)‏ فيه ترك حب الرياسة والشهرة وفضل الخمول والتواضع، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتعسا كأنه يقول فأتعسهم الله‏)‏ وقع هذا في رواية المستملي، وهي على عادة البخاري في شرح اللفظة التي توافق ما في القرآن بتفسيرها، وهكذا قال أهل التفسير في قوله تعالى ‏(‏والذين كفروا فتعسا لهم‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏طوبى فعلى من كل شيء طيب وهي ياء حولت إلى الواو وهو من يطيب‏)‏ كذا في رواية المستملي أيضا والقول فيه كالقول في الذي قبله‏.‏

وقال غيره‏:‏ المراد الدعاء له بالجنة، لأن طوبى أشهر شجرها وأطيبه، فدعا له أن ينالها، ودخول الجنة ملزوم نيلها‏.‏

‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ ورد في فضل الحراسة عدة أحاديث ليست على شرط البخاري، منها حديث عثمان مرفوعا ‏"‏ حرس ليلة في سبيل الله خير من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها ‏"‏ أخرجه ابن ماجة والحاكم، وحديث سهل بن معاذ عن أبيه مرفوعا ‏"‏ من حرس وراء المسلمين متطوعا لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم ‏"‏ أخرجه أحمد، وحديث أبي ريحانه مرفوع ‏"‏ حرمت النار على عين سهرت في سبيل الله ‏"‏ أخرجه النسائي، ونحوه للترمذي عن ابن عباس، وللطبراني من حديث معاوية بن حيدة، ولأبي يعلى من حديث أنس وإسنادها حسن وللحاكم عن أبي هريرة نحوه‏.‏

*3*باب فَضْلِ الْخِدْمَةِ فِي الْغَزْوِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الخدمة في الغزو‏)‏ أي فضلها، سواء كانت من صغير لكبير أو عكسه أو مع المساواة، وأحاديث الباب الثلاثة يؤخذ منها حكم هذه الأقسام، وثلاثتها عن أنس‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَحِبْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَكَانَ يَخْدُمُنِي وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَنَسٍ قَالَ جَرِيرٌ إِنِّي رَأَيْتُ الْأَنْصَارَ يَصْنَعُونَ شَيْئًا لَا أَجِدُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا أَكْرَمْتُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عرعرة‏)‏ بمهملتين، وقد ذكر الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ أنه تفرد به عن شعبة، وهو من كبار شيوخ البخاري ممن روى عنه الباقون بواسطة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صحبت جرير بن عبد الله‏)‏ في رواية مسلم عن نصر بن على عن محمد بن عرعرة ‏"‏ خرج مع جرير بن عبد الله البجلي في سفر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكان يخدمني وهو أكبر من أنس‏)‏ فيه التفات أو تجريد، لأنه قال ‏"‏ من أنس ‏"‏ ولم يقل مني‏.‏

وفي رواية مسلم عن محمد بن المثنى عن ابن عرعرة ‏"‏ وكان جرير أكبر من أنس ‏"‏ ولعل هذه الجملة من قول ثابت، وزاد مسلم عن نصر بن علي ‏"‏ فقلت لا تفعل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يصنعون شيئا‏)‏ في رواية نصر ‏"‏ يصنعون برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ‏"‏ أي من التعظيم وأبهم ذلك مبالغة في تكثير ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا أجد أحدا منهم إلا أكرمته‏)‏ في رواية نصر ‏"‏ آليت - أي حلفت - أن لا أصحب أحدا منهم إلا خدمته ‏"‏ وفي رواية للإسماعيلي من وجه آخر عن ابن عرعرة ‏"‏ لا أزال أحب الأنصار ‏"‏ وفي هذا الحديث فضل الأنصار وفضل جرير وتواضعه ومحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها المصنف في غير مظنتها، وأليق المواضع بها المناقب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ أَخْدُمُهُ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَبَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا كَتَحْرِيمِ إِبْرَاهِيمَ مَكَّةَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا

الشرح‏:‏

حديث أنس أيضا ‏"‏ خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أخدمه ‏"‏ وسيأتي بأتم من هذا السياق بعد بابين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّاءَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُنَا ظِلًّا الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِكِسَائِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ صَامُوا فَلَمْ يَعْمَلُوا شَيْئًا وَأَمَّا الَّذِينَ أَفْطَرُوا فَبَعَثُوا الرِّكَابَ وَامْتَهَنُوا وَعَالَجُوا

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ

الشرح‏:‏

حديث أنس أيضا‏:‏ وعاصم هو ابن سليمان، ومورق بتشديد الراء المكسورة، وهما تابعيان في نسق والإسناد كله بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد مسلم من وجه آخر عن عاصم ‏"‏ في سفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، قال فنزلنا منزلا في يوم حار‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أكثرنا ظلا من يستظل بكسائه‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ وأكثرنا ظلا صاحب الكساء ‏"‏ وزاد ‏"‏ ومنا من يتقي الشمس بيده‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأما الذين صاموا فلم يصنعوا شيئا‏)‏ في رواية مسلم فسقط الصوام أي عجزوا عن العمل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأما الذين أفطروا فبعثوا الركاب‏)‏ أي أثاروا الإبل لخدمتها وسقيها وعلفها‏.‏

وفي رواية مسلم ‏"‏ فضربوا الأخبية وسقوا الركاب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالأجر‏)‏ أي الوافر، وليس المراد نقص أجر الصوام بل المراد أن المفطرين حصل لهم أجر عملهم ومثل أجر الصوام لتعاطيهم أشغالهم وأشغال الصوام، فلذلك قال ‏"‏ بالأجر كله ‏"‏ لوجود الصفات المقتضية لتحصيل الأجر منهم، قال ابن أبي صفرة‏:‏ فيه أن أجر الخدمة في الغزو أعظم من أجر الصيام‏.‏

قلت‏:‏ وليس ذلك على العموم وفيه الحض على المعاونة في الجهاد، وعلى أن الفطر في السفر أولى من الصيام وأن الصيام في السفر جائز خلافا لمن قال لا ينعقد وليس في الحديث بيان كونه إذ ذاك كان صوم فرض أو تطوع وهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها المصنف أيضا في غير مظنها لكونه لم يذكره في الصيام واقتصر على إيراده هنا والله أعلم‏.‏

*3*باب فَضْلِ مَنْ حَمَلَ مَتَاعَ صَاحِبِهِ فِي السَّفَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر‏)‏ ذكر فيه حديث أبي هريرة، وهو ظاهر فيما ترجم له، لأنه يتناول حالة السفر من هذا الإطلاق بطريق الأولى، والسلامي تقدم تفسيره في الصلح في بعض الكلام عليه، ويأتي بقيته بعد خمسين بابا في ‏"‏ باب من أخذ بالركاب‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ سُلَامَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ

الشرح‏:‏

وقوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق بن نصر‏)‏ هو ابن إبراهيم بن نصر نسب لجده السعدي وهو بالمهملة الساكنة وفتح أوله وقيل بالضم والمعجمة، وقوله ‏(‏كل يوم‏)‏ منصوب على الظرفية، و قوله‏:‏ ‏(‏يعين‏)‏ يأتي توجيه و قوله‏:‏ ‏(‏يحامله‏)‏ أي يساعده في الركوب، وفي الحمل على الدابة قال ابن بطال‏:‏ وبين في الرواية الآتية في ‏"‏ باب من أخذ بالركاب ‏"‏ أن المراد من أعان صاحب الدابة عليها حيث قال ‏"‏ ويعين الرجل على دابته ‏"‏ قال‏:‏ وإذا أجر من فعل ذلك بدابة غيره فإذا حمل غيره على دابة نفسه احتسابا كان أعظم أجرا و قوله‏:‏ ‏(‏دل الطريق‏)‏ بفتح الدال أي بيانه لمن احتاج إليه، وهو بمعنى الدلالة‏.‏

*3*باب فَضْلِ رِبَاطِ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل رباط يوم في سبيل الله، وقول الله عز وجل ‏(‏يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا‏)‏ الآية‏)‏ الرباط بكسر الراء وبالموحدة الخفيفة ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين منهم، قال ابن التين‏:‏ بشرط أن يكون غير الوطن، قاله ابن حبيب عن مالك‏.‏

قلت‏:‏ وفيه نظر في إطلاقه فقد يكون وطنه وينوي بالإقامة فيه دفع العدو، ومن ثم اختار كثير من السلف سكنى الثغور، فبين المرابطة والحراسة عموم وخصوص وجهي، واستدلال المصنف بالآية اختيار لأشهر التفاسير، فعن الحسن البصري وقتادة ‏(‏اصبروا‏)‏ على طاعة الله ‏(‏وصابروا‏)‏ أعداء الله في الجهاد ‏(‏ورابطوا‏)‏ في سبيل الله وعن محمد بن كعب القرظي‏:‏ اصبروا على الطاعة وصابروا لانتظار الوعد ورابطوا العدو واتقوا الله فيما بينكم وعن زيد بن أسلم‏:‏ اصبروا على الجهاد وصابروا العدو ورابطوا الخيل قال ابن قتيبة أصل الرباط أن يربط هؤلاء خيلهم وهؤلاء خيلهم استعدادا للقتال، قال الله تعالى ‏(‏وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل‏)‏ وأخرج ذلك ابن أبي حاتم وابن جرير وغيرهما، وتفسيره برباط الخيل يرجع إلى الأول وفي الموطأ عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ وانتظار الصلاة فذلكم الرباط ‏"‏ وهو في السنن عن أبي سعيد، وفي المستدرك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن الآية نزلت في ذلك، واحتج بأنه لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرو فيه رباط انتهى وحمل الآية على الأول أظهر، وما احتج بأبي سلمة لا حجة ولا سيما مع ثبوت حديث الباب، فعلى تقدير تسليم أنه لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رباط فلا يمنع ذلك من به والترغيب فيه، ويحتمل أن يكون المراد كلا من الأمرين أو ما هو أعم من ذلك، وأما التقييد باليوم في الترجمة وإطلاقه في الآية فكأنه أشار إلى أن مطلقها يقيد بالحديث، فإنه يشعر بأن أقل الرباط يوم لسياقه في مقام المبالغة، وذكره مع موضع سوط يشير إلى ذلك أيضا، ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمع أبا النضر‏)‏ هو هاشم بن القاسم، والتقدير أنه سمع، وهي تحذف من الخط كثيرا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خير من الدنيا وما عليها‏)‏ تقدم في أوائل الجهاد من حديث سهل بن سعد هذا مختصر بلفظ ‏"‏ وما فيها ‏"‏ والتعبير بقوله ‏"‏ وما عليها ‏"‏ أبلغ، وتقدم الكلام هناك في حديث الروحة والغدوة وكذا على حديث ‏"‏ موضع سوط أحدكم ‏"‏ لكن من حديث أنس، وسيأتي من حديث سهل بن سعد أيضا في صفة الجنة، ووقع في حديث سلمان عند أحمد والنسائي وابن حبان ‏"‏ رباط يوم أو ليلة خير من صيام شهر وقيامة ‏"‏ ولأحمد والترمذي وابن ماجه عن عثمان ‏"‏ رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل ‏"‏ قال ابن بزيزة‏:‏ ولا تعارض بينهما لأنه يحمل على الإعلام بالزيادة في الثواب عن الأول، أو باختلاف العاملين‏.‏

قلت‏:‏ أو باختلاف العمل بالنسبة إلى الكثرة والقلة، ولا يعارضان حديث الباب أيضا لأن صيام شهر وقيامه خير من الدنيا وما عليها‏.‏

*3*باب مَنْ غَزَا بِصَبِيٍّ لِلْخِدْمَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من غزا بصبي للخدمة‏)‏ يشير إلى أن الصبي لا يخاطب بالجهاد ولكن يجوز الخروج به بطريق التبعية ويعقوب المذكور في الإسناد هو ابن عبد الرحمن الإسكندراني وعمرو هو ابن أبي عمرو مولى المطلب، وسأذكر معظم شرحه في غزوة خيبر من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى وقد اشتمل على عدة من أحاديث الاستعاذة ويأتي شرحها في الدعوات، وقصة صفية بنت حيي والبناء بها ويأتي شرح ذلك في النكاح، وقوله صلى الله عليه وسلم لأحد ‏"‏ هذا جبل يحبنا ونحبه ‏"‏ وقوله عن المدينة ‏"‏ اللهم إني أحرم ما بين لابتيها ‏"‏ وقد تقدم شرحه في أواخر الحج، وقد تقدم من أصل الحديث شيء يتعلق بستر العورة في كتاب الصلاة لكن ذلك القدر ليس في هذه الرواية، والغرض من الحديث هنا صدره، وقد استشكل من حيث أن ظاهره أن ابتداء خدمة أنس للنبي صلى الله عليه وسلم من أول ما قدم المدينة لأنه صح عنه أنه قال ‏"‏ خدمت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين ‏"‏ وفي رواية ‏"‏ عشر سنين ‏"‏ وخيبر كانت سنة سبع فيلزم أن يكون إنما خدمه أربع سنين قاله الداودي وغيره، وأجيب بأن معنى قوله لأبي طلحة ‏"‏ التمس لي غلاما من غلمانكم ‏"‏ تعيين من يخرج معه في تلك السفرة فعين له أبو طلحة أنسا، فينحط الالتماس على الاستئذان في المسافرة به لا في أصل الخدمة فإنها كانت متقدمة فيجمع بين الحديثين بذلك وفي الحديث جواز استخدام اليتيم بغير أجرة لأن ذلك لم يقع ذكره في هذا الحديث، وحل الصبيان في الغزو كذا قاله بعض الشراح وتبعوه، وفيه نظر لان أنسا حينئذ كان قد زاد على خمسة عشر لأن خيبر كانت سنة سبع من الهجرة وكان عمره عند الهجرة ثمان سنين، ولا يلزم من عدم ذكر الأجرة عدم وقوعها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي طَلْحَةَ الْتَمِسْ غُلَامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى خَيْبَرَ فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ مُرْدِفِي وَأَنَا غُلَامٌ رَاهَقْتُ الْحُلُمَ فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ثُمَّ قَدِمْنَا خَيْبَرَ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَفِيَّةَ ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ نَظَرَ إِلَى أُحُدٍ فَقَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا بِمِثْلِ مَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا جبل يحبنا ونحبه‏)‏ قيل هو على الحقيقة ولا مانع من وقوع مثل ذلك بأن يخلق الله المحبة في بعض الجمادات، وقيل هو على المجاز والمراد أهل أحد، على حد قوله تعالى ‏(‏واسأل القرية‏)‏ وقال الشاعر‏:‏ وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا

*3*باب رُكُوبِ الْبَحْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ركوب البحر‏)‏ كذا أطلق الترجمة، وخصوص إيراده في أبواب الجهاد يشير إلى تخصيصه بالغزو، وقد اختلف السلف في جواز ركوبه، وتقدم في أوائل البيوع قول مطر الوراق‏:‏ ما ذكره الله إلا بحق، واحتج بقوله تعالى ‏(‏هو الذي يسيركم في البر والبحر‏)‏ وفي حديث زهير بن عبد الله يرفعه ‏"‏ من ركب البحر إذا ارتج فقد برئت منه الذمة ‏"‏ وفي رواية ‏"‏ فلا يلومن إلا نفسه ‏"‏ أخرجه أبو عبيد في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ وزهير مختلف في صحبته، وقد أخرج البخاري حديثه في تاريخه فقال في روايته ‏"‏ عن زهير عن رجل من الصحابة ‏"‏ وإسناده حسن وفيه تقييد المنع بالارتجاج، ومفهومه الجواز عند عدمه، وهو المشهور من أقوال العلماء، فإذا غلبت السلامة فالبر والبحر سواء ومنهم من فرق بين الرجل والمرأة وهو عن مالك، فمنعه للمرأة مطلقا، وهذا الحديث حجة للجمهور، وقد تقدم قريبا أن أول من ركبه للغزو معاوية بن أبي سفيان في خلافة عثمان، وذكر مالك أن عمر كان يمنع الناس من ركوب البحر حتى كان عثمان فما زال معاوية يستأذنه حتى أذن له‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَرَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا فِي بَيْتِهَا فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُضْحِكُكَ قَالَ عَجِبْتُ مِنْ قَوْمٍ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ أَنْتِ مِنْهُمْ ثُمَّ نَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَيَقُولُ أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ فَتَزَوَّجَ بِهَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَخَرَجَ بِهَا إِلَى الْغَزْوِ فَلَمَّا رَجَعَتْ قُرِّبَتْ دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَوَقَعَتْ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى‏)‏ هو ابن سعيد الأنصاري وقد سبق الحديث قريبا وأن شرحه سيأتي في كتاب الاستئذان‏.‏

*3*باب مَنْ اسْتَعَانَ بِالضُّعَفَاءِ وَالصَّالِحِينَ فِي الْحَرْبِ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ قَالَ لِي قَيْصَرُ سَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَزَعَمْتَ ضُعَفَاءَهُمْ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب‏)‏ أي ببركتهم ودعائهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس أخبرني أبو سفيان‏)‏ أي ابن حرب فذكر طرفا من الحديث الطويل وقد تقدم موصولا في بدء الوحي، والغرض منه قوله في الضعفاء ‏"‏ وهم أتباع الرسل ‏"‏ وطريق الاحتجاج به حكاية ابن عباس ذلك وتقريره له ثم ذكر في الباب حديثين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن طلحة‏)‏ أي أبو مصرف، ‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏عن طلحة‏)‏ أي ابن مصرف وهو والد محمد بن طلحة الراوي عنه، و ‏"‏ مصعب بن سعد ‏"‏ أي ابن أبي وقاص، و قوله‏:‏ ‏(‏رأى سعد‏)‏ أي ابن أبي وقاص وهو والد مصعب الراوي عنه ثم أن صورة هذا السياق مرسل لأن مصعبا يدرك زمان هذا القول، لكن هو محمول على أنه سمع ذلك من أبيه، وقد وقع التصريح عن مصعب بالرواية له عن أبيه عند الإسماعيلي فأخرجه من طريق معاذ بن هانئ حدثنا محمد بن طلحة فقال فيه ‏"‏ عن مصعب بن سعد عن أبيه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكر المرفوع دون ما في أوله، وكذا أخرجه هو والنسائي من طريق مسعر عن طلحة بن مصرف عن مصعب عن أبيه ولفظه ‏"‏ أنه ظن أن له فضلا على من دونه ‏"‏ الحديث، ورواه عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن أبيه مرفوعا أيضا لكنه اختصره ولفظه ‏"‏ ينصر المسلمون بدعاء المستضعفين ‏"‏ أخرجه أبو نعيم في ترجمته في ‏"‏ الحلية ‏"‏ من رواية عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاني عن عمرو بن مرة وقال‏:‏ غريب من حديث عمرو تفرد به عبد السلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رأى‏)‏ أي ظن وهي رواية النسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على من دونه‏)‏ زاد النسائي ‏"‏ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أي بسبب شجاعته ونحو ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم‏)‏ في رواية النسائي ‏"‏ إنما نصر الله هذه الأمة بضعفتهم، بدعواتهم وصلاتهم وإخلاصهم ‏"‏ وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند أحمد والنسائي بلفظ ‏"‏ إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصا في الدعاء وأكثر خشوعا في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا‏.‏

وقال المهلب‏:‏ أراد صلى الله عليه وسلم بذلك حض سعد على التواضع ونفى الزهو على غيره وترك احتقار المسلم في كل حالة، وقد روى عبد الرزاق من طريق مكحول في قصة سعد هذه زيادة مع إرسالها فقال ‏"‏ قال سعد يا رسول الله أرأيت رجلا يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه كنصيب غيره ‏"‏‏؟‏ فذكر الحديث، وعلى هذا فالمراد بالفضل إرادة الزيادة من الغنيمة، فأعلمه صلى الله عليه وسلم أن سهام القاتلة سواء فإن كان القوي يترجح بفضل شجاعته فإن الضعيف يترجح بفضل دعائه وإخلاصه، وبهذا يظهر السر في تعقب المصنف له بحديث أبي سعيد الثاني‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَأْتِي زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِنْ النَّاسِ فَيُقَالُ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَالُ نَعَمْ فَيُفْتَحُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ فَيُقَالُ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَالُ نَعَمْ فَيُفْتَحُ ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ فَيُقَالُ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ صَاحِبَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَالُ نَعَمْ فَيُفْتَحُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو‏)‏ هو ابن دينار، وجابر هو ابن عبد الله، وروايته عن أبي سعيد من رواية الأقران‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يغزو فئام‏)‏ بكسر الفاء ويجوز فتحها وبهمزة على التحتانية ويجوز تسهيلها أي جماعة، وسيأتي شرحه في علامات النبوة وفضائل الصحابة، قال ابن بطال‏:‏ هو كقوله في الحديث الأخر ‏"‏ خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ‏"‏ لأنه يفتح للصحابة لفضلهم ثم للتابعين لفضلهم لتابعهم لفضلهم، قال ولذلك كان الصلاح والفضل والنصر للطبقة الرابعة أقل فكيف بمن بعدهم والله المستعان‏.‏