فصل: باب عُمْرَةِ الْقَضَاءِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب استعمال النبي صلى الله عليه وسلم على أهل خيبر‏)‏ أي بعد فتحها لتنمية الثمار‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا فَقَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ فَقَالَ لَا تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ مِنْ الْأَنْصَارِ إِلَى خَيْبَرَ فَأَمَّرَهُ عَلَيْهَا وَعَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ مِثْلَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن أبي أويس، وسبق الحديث وشرحه في أواخر البيوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد العزيز بن محمد‏)‏ هو الدراوردي، وقد وصله أبو عوانة والدار قطني من طريقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد المجيد‏)‏ هو ابن سهل شيخ مالك فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد‏)‏ هو ابن المسيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعث أخا بني عدي من الأنصار‏)‏ في رواية أبي عوانة والدار قطني ‏"‏ سواد بن غزية ‏"‏ وهو من بني عدي بن النجار، وسواد بتخفيف الواو، وشذ السهيلي فشددها، ولعله اعتمد على بعض ما في نسخ الدار قطني سوار آخره راء، لكن ذكر أبو عمر أنها تصحيف‏.‏

وروى الخطيب من وجه آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل على خيبر فلان ابن صعصعة فلعلها قصة أخرى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن عبد المجيد‏)‏ هو معطوف على الذي قبله، وهو عن عبد العزيز الدراوردي عن عبد المجيد، فلعبد المجيد فيه شيخان والله أعلم‏.‏

*3*باب مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عمر مختصرا وقد تقدم في المزارعة مع شرحه واضحا‏.‏

*3*باب الشَّاةِ الَّتِي سُمَّتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ

رَوَاهُ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر‏)‏ أي جعل فيها السم، والسم مثلث السين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رواه عروة عن عائشة‏)‏ لعله يشير إلى الحديث الذي ذكره في الوفاة النبوية من هذا الوجه معلقا أيضا، وسيأتي ذكره هناك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني سعيد‏)‏ هو ابن سعيد المقبري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم‏)‏ هكذا أورده مختصرا، وقد سبق مطولا في أواخر الجزية فذكر هذا الطرف وراد ‏"‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ اجمعوا لي من كان ها هنا من يهود ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

وسيأتي شرح ما يتعلق بذلك في كتاب الطب‏.‏

قال أبي إسحاق‏:‏ لما اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مشوية، وكانت سألت‏:‏ أي عضو من الشاة أحب إليه‏؟‏ قيل لها‏:‏ الذراع، فأكثرت فيها من السم، فلما تناول الذراع لاك منها مضغه ولم يسغها، وأكل معه بشر بن البراء فأساغ لقمته، فذكر القصة، وأنه صفح عنها، وأن بشر بن البراء مات منها‏.‏

وروى البيهقي من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة ‏"‏ أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأكل، فقال لأصحابه‏:‏ أمسكوا فإنها مسمومة‏.‏

وقال لها‏:‏ ما حملك على ذلك‏؟‏ قالت‏.‏

أردت إن كنت نبيا فيطلعك الله، وإن كنت كاذبا فأريح الناس منك، قال فما عرض لها ‏"‏ ومن طريق أبي نضرة عن جابر نحوه فقال‏:‏ ‏"‏ فلما يعاقبها ‏"‏ وروى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري عن أبي بن كعب مثله وزاد ‏"‏ فاحتجم على الكاهل ‏"‏ قال قال الزهري‏.‏

‏"‏ فأسلمت فتركها ‏"‏ قال معمر‏:‏ والناس يقولون قتلها‏.‏

وأخرج ابن سعد عن شيخه الواقدي بأسانيد متعددة له هذه القصة مطولة وفي آخره ‏"‏ قال فدفعها إلى ولاة بشر بن البراء فقتلوها ‏"‏ قال الواقدي‏:‏ وهو الثبت‏.‏

وأخرج أبو داود من طريق يونس عن الزهري عن جابر نحو رواية معمر عنه، وهذا منقطع لأن الزهري لم يسمع من جابر، ومن طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة نحوه مرسلا‏.‏

قال البيهقي‏:‏ وصله حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال البيهقي‏.‏

يحتمل أن يكون تركها أولا ثم لما مات بشر بن البراء من الأكلة قتلها، وبذلك أجاب السهيلي وزاد‏:‏ أنه كان تركها لأنه كان لا ينتقم لنفسه، ثم قتلها يبشر قصاصا‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون تركها لكونها أسلمت، وإنما أخر قتلها حتى مات بشر لأن بموته تحقق وجوب القصاص بشرطه‏.‏

ووافق موسى بن عقبة على تسميتها زينب بنت الحارث‏.‏

وأخرج الواقدي بسند له عن الزهري ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها‏:‏ ما حملك على ما فعلت‏؟‏ قالت‏:‏ قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي‏"‏‏.‏

قال فسألت إبراهيم بن جعفر فقال‏:‏ عمها يسار وكان من أجبن الناس، وهو الذي أنزل من الرف‏.‏

وأخوها زبير، وزوجها سلام بن مشكم‏.‏

ووقع في سنن أبي داود ‏"‏ أخت مرحب ‏"‏ وبه جزم السهيلي‏.‏

وعند البيهقي في الدلائل ‏"‏ بنت أخي مرحب ‏"‏ ولم ينفرد الزهري بدعواه أنها أسلمت، فقد جزم بذلك سليمان التيمي في مغازيه ولفظه بعد قولها وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك، وقد استبان لي الآن أنك صادق، وأنا أشهدك ومن حضر أني على دينك، وأن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله قال فانصرف عنها حين أسلمت‏.‏

وقد اشتملت قصة خيبر على أحكام كثيرة‏:‏ منها جواز قتال الكفار في أشهر الحرم، والإغارة على من بلغته الدعوة بغير إنذار، وقسمة الغنيمة على السهام، وأكل الطعام الذي يصاب من المشركين قبل القسمة لمن يحتاج إليه بشرط أن لا يدخره ولا يحوله، وأن مدد الجيش إذا حضر بعد انقضاء الحرب يسهم له إن رضي الجماعة كما وقع لجعفر والأشعريين، ولا يسهم لهم إذا لم يرضوا كما وقع لأبان بن سعيد وأصحابه، وبذلك يجمع بين الأخبار‏.‏

ومنها تحريم لحوم الحمر الأهلية، وأن ما لا يؤكل لحمه لا يطهر بالذكاة، وتحريم متعة النساء، وجواز المساقاة والمزارعة، ويثبت عقد الصلح والتوثق من أرباب التهم، وأن من خالف من أهل الذمة ما شرط عليه انتقض عهده وهدر دمه، وأن من أخذ شيئا من الغنيمة قبل القسمة لم يملكه ولو كان دون حقه، وأن الإمام مخير في أرض العنوة بين قسمتها وتركها، وجواز إجلاء أهل الذمة إذا استغنى عنهم، وجواز البناء بالأهل بالسفر، والأكل من طعام أهل الكتاب وقبول هديتهم، وقد ذكرت غالب هذه الأحكام في أبوابها، والله الهادي للصواب‏.‏

*3*باب غَزْوَةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏غزوة زيد بن حارثة‏)‏ بالمهملة والمثلثة‏:‏ مولى النبي صلى الله عليه وسلم ووالد أسامة بن زيد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ عَلَى قَوْمٍ فَطَعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَالَ إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ خَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في بعث أسامة، سيأتي شرحه في أواخر المغازي، والغرض منه قوله‏:‏ ‏"‏ فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله ‏"‏ وسيأتي قريبا بعد غزو مؤتة حديث أبي عاصم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال‏:‏ ‏"‏ غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، وغزوت مع ابن حارثة، استعمله علينا ‏"‏ هكذا ذكره مبهما، ورواه أبو مسلم الكجي عن أبي عاصم بلفظ ‏"‏ وغزوت مع زيد بن حارثة سبع غزوات يؤمره علينا ‏"‏ وكذلك أخرجه الطبراني عن أبي مسلم بهذا اللفظ وأخرجه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ عن أبي شعيب الحراني عن أبي عاصم كذلك، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طرق عن أبي عاصم‏.‏

وقد تتبعت ما ذكره أهل المغازي من سرايا زيد بن حارثة فبلغت سبعا كما قاله سلمة، وإن كان بعضهم ذكر ما لم يذكره بعض، فأولها‏:‏ في جمادى الأخيرة سنة خمس قبل نجد في مائة راكب، والثانية‏:‏ في ربيع الآخر سنة ست إلى بني سليم، والثالثة‏:‏ في جمادى الأولى منها في مائة وسبعين فتلقى عيرا لقريش وأسروا أبا العاص بن الربيع، والرابعة‏:‏ في جمادى الآخرة منها إلى بني ثعلبة، والخامسة‏:‏ إلى حسمي بضم المهملة وسكون المهملة مقصور في خمسمائة إلى أناس من بني جذام بطريق الشام كانوا قطعوا الطريق على دحية وهو راجع من عند هرقل، والسادسة‏:‏ إلى وادي القرى، والسابعة‏:‏ إلى ناس من بني فزارة، وكان خرج قبلها في تجارة فخرج عليه ناس من بني فزارة فأخذوا ما معه وضربوه فجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فأوقع بهم وقتل أم قرفة بكسر القاف وسكون الراء بعدها فاء وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر زوج مالك بن حذيفة بن بدر عم عيينة بن حصن بن حذيفة وكانت معظمة فيهم، فيقال ربطها في ذنب فرسين وأجراهما فتقطعت، وأسر بنتها وكانت جميلة، ولعل هذه الأخيرة مراد المصنف، وقد ذكر مسلم طرفا منها من حديث سلمة بن الأكوع

*3*باب عُمْرَةِ الْقَضَاءِ

ذَكَرَهُ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب عمرة القضاء‏)‏ كذا للأكثر، وللمستملي وحده ‏"‏ غزوة القضاء ‏"‏ والأول أولى‏.‏

ووجهوا كونها غزوة بأن موسى بن عقبة ذكر في المغازي عن ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم خرج مستعدا بالسلاح والمقاتلة خشية أن يقع من قريش غدر فبلغهم ذلك ففزعوا، فلقيه مكرز فأخبره أنه باق على شرطه وأن لا يدخل مكة بسلاح إلا السيوف في أغمادها، وإنما خرج في تلك الهيئة احتياطا فوثق بذلك، وأخر النبي صلى الله عليه وسلم السلاح مع طائفة من أصحابه خارج الحرم حتى رجع، ولا يلزم من إطلاق الغزوة وقوع المقاتلة‏.‏

وقال ابن الأثير‏:‏ أدخل البخاري عمرة القضاء في المغازي لكونها كانت مسببة عن غزوة الحديبية، انتهى‏.‏

واختلف في سبب تسميتها عمرة القضاء، فقيل‏:‏ المراد ما وقع من المقاضاة بين المسلمين والمشركين من الكتاب الذي كتب بينهم بالحديبية، فالمراد بالقضاء الفصل الذي وقع عليه الصلح، ولذلك يقال لها عمرة القضية‏.‏

قال أهل اللغة‏:‏ قاضى فلانا عاهده، وقاضاه عاوضه، فيحتمل تسميتها بذلك لأمرين قاله عياض‏.‏

ويرجح الثاني تسميتها قصاصا قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏الشهر الحرام بالشهر الحرام، والحرمات قصاص‏)‏ قال السهيلي‏:‏ تسميتها عمرة القصاص أولى لأن هذه الآية نزلت فيها‏.‏

قلت‏:‏ كذا رواه ابن جرير وعبد بن حميد بإسناد صحيح عن مجاهد، وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ بلغنا عن ابن عباس فذكره، ووصله الحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ عن ابن عباس لكن في إسناده الواقدي‏.‏

وقال السهيلي‏:‏ سميت عمرة القضاء لأنه قاضي فيها قريشا، لا لأنها قضاء عن العمرة التي صد عنها، لأنها لم تكن فسدت حتى يجب قضاؤها بل كانت عمرة تامة، ولهذا عدوا عمر النبي صلى الله عليه وسلم أربعا كما تقدم تقريره في كتاب الحج‏.‏

وقال آخرون‏:‏ بل كانت قضاء عن العمرة الأولى، وعدت عمرة الحديبية في العمر لثبوت الأجر لا لأنها كملت، وهذا الخلاف مبني على الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصد عن البيت، فقال الجمهور‏:‏ يجب عليه الهدي ولا قضاء عليه، وعن أبي حنيفة عكسه، وعن أحمد رواية أنه لا يلزمه هدي ولا قضاء، وأخرى يلزمه الهدي والقضاء، فحجة الجمهور قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي‏)‏ وحجة أبي حنيفة تلزم بالشروع، فإذا أحصر جاز له تأخيرها، فإذا زال الحصر أتى بها، ولا يلزم من التحلل بين الإحرامين سقوط القضاء‏.‏

وحجة من أوجبها ما وقع للصحابة فإنهم نحروا الهدي حيث صدوا واعتمروا من قابل وساقوا الهدي، وقد روى أبو داود من طريق أبي حاضر قال‏:‏ ‏"‏ اعتمرت فأحصرت فنحرت الهدي وتحللت، ثم رجعت العام المقبل فقال لي ابن عباس‏:‏ ابذل الهدي فإن الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك‏"‏‏.‏

وحجة من لم يوجبها أن تحللهم بالحصر لم يتوقف على نحر الهدي بل أمر من معه هدي أن ينحره، ومن ليس معه هدي أن يحلق‏.‏

واستدل الكل بظاهر أحاديث من أوجبهما، قال ابن إسحاق‏:‏ خرج النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة مثل الشهر الذي صد فيه المشركون معتمرا عمر القضاء مكان عمرته التي صدوه عنها، وكذلك ذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب، وأبو الأسود عن عروة وسليمان التيمي جميعا في مغازيهم أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى عمرة القضاء في ذي القعدة‏.‏

وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند حسن عن ابن عمر قال‏:‏ ‏"‏ كانت عمرة القضية في ذي القعدة سنة سبع ‏"‏ وفي مغازي سليمان التيمي ‏"‏ لما رجع من خيبر بث سراياه وأقام بالمدينة حتى استهل ذو القعدة فنادى في الناس أن تجهزوا إلى العمرة ‏"‏ وقال ابن إسحاق‏:‏ خرج معه من كان صد في تلك العمرة إلا من مات أو استشهد‏.‏

وقال الحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ تواترت الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم لما هل ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم وأن لا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية، فخرجوا إلا من استشهد، وخرج معه آخرون معتمرين فكانت عدتهم ألفين سوى النساء والصبيان، قال وتسمى أيضا عمرة الصلح‏.‏

قلت‏:‏ فتحصل من أسمائها أربعة‏:‏ القضاء، والقضية، والقصاص، والصلح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذكره أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كنت ذكرت في ‏"‏ تعليق التعليق ‏"‏ أن مراده حديث أنس في عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم موصولا في الحج، ثم ظهر لي الآن أن مراده بحديث أنس ما أخرجه عبد الرزاق عنه من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ روايته عن معمر عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة ينشد بين يديه‏:‏

خلوا بني الكفار عن سبيله * قد أنزل الرحمن في تنزيله

بأن خير القتل في سبيله

نحن قتلناكم على تأويله * كما قتلناكم على تنزيله

أخرجه أبو يعلى من طريقه، وأخرجه الطبراني عن عبد الله بن أحمد عن أبيه عن عبد الرزاق وما وجدته في مسند أحمد، وقد أخرجه الطبراني أيضا عاليا عن إبراهيم بن أبي سويد عن عبد الرزاق، ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في ‏"‏ الدلائل‏"‏، وأخرجه من طريق أبي الأزهر عن عبد الرزاق فذكر القسم الأول من الرجز وقال بعده‏:‏

اليوم نضربكم على تنزيله

ضربا يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

يا رب إني مؤمن بقيله

قال الدار قطني في ‏"‏ الأفراد ‏"‏‏:‏ تفرد به معمر عن الزهري، وتفرد به عبد الرزاق عن معمر‏.‏

قلت‏:‏ وقد رواه موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري أيضا لكن لم يذكر أنسا، وعنده بعد قوله‏:‏ قد أنزل الرحمن في تنزيله * في صحف تتلى على رسوله

وذكر ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال‏:‏ بلغني‏.‏‏.‏‏.‏فذكره وزاد بعد قوله‏:‏ يا رب إني مؤمن بقيله إني رأيت الحق في قبوله وزعم ابن هشام في مختصر السيرة أن قوله‏:‏ ‏"‏ نحن ضربناكم على تأويله ‏"‏ إلى آخر الشعر من قول عمار بن ياسر قاله يوم صفين، قال‏:‏ ويؤيده أن المشركين لم يقروا بالتنزيل، وإنما يقاتل على التأويل من أقر بالتنزيل، انتهى‏.‏

وإذا ثبتت الرواية فلا مانع من إطلاق ذلك، فإن التقدير على رأي ابن هشام‏:‏ نحن ضربناكم على تأويله‏.‏

أي حتى تذعنوا إلى ذلك التأويل‏.‏

ويجوز أن يكون التقدير‏:‏ نحن ضربناكم على تأويل ما فهمنا منه حتى تدخلوا فيما دخلنا فيه‏.‏

وإذا كان كذلك محتملا وثبتت الرواية سقط الاعتراض‏.‏

نعم الرواية التي جاء فيما فاليوم نضربكم على تأويله يظهر أنها قول عمار، ويبعد أن تكون قول ابن رواحة لأنه لم يقع في عمرة القضاء ضرب ولا قتال، وصحيح الرواية‏:‏

نحن ضربناكم على تأويله * كما ضربناكم على تنزيله

يشير بكل منهما إلى ما مضى، ولا مانع أن يتمثل عمار بن ياسر بهذا الرجز ويقول هذه اللفظة، ومعنى قوله‏:‏ ‏"‏ نحن ضربناكم على تنزيله ‏"‏ أي في عهد الرسول فيما مضى، وقوله‏:‏ ‏"‏ واليوم نضربكم على تأويله ‏"‏ أي الآن‏.‏

وجاز تسكين الباء لضرورة الشعر، بل هي لغة قرئ بها في المشهور والله أعلم‏.‏

والرواية الثانية رواية عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس أخرجها البزار وقال‏:‏ لم يروه عن ثابت إلا جعفر بن سليمان، وأخرجها الترمذي والنسائي من طريقه بلفظ ‏"‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة بن يديه يمشي وهو يقول‏:‏

خلوا بني الكفار عن سبيله * اليوم نضربكم على تنزيله

ضربا يزيل الهام عن مقيله * يذهل الخليل عن خليله

فقال له عمر‏:‏ يا ابن رواحة، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول الشعر‏؟‏ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خل عنه يا عمر، فلهو أسرع فيهم من نضح النبل‏.‏

قال الترمذي‏:‏ حديث حسن غريب‏.‏

وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس نحوه قال‏:‏ وفي غير هذا الحديث أن هذه القصة لكعب بن مالك، وهو أصح لأن عبد الله بن رواحة قتل بمؤتة وكانت عمرة القضاء قبل ذلك‏.‏

قلت‏:‏ وهو ذهول شديد وغلط مردود، وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك مع وفور معرفته ومع أن في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه علي وزيد بن حارثة في بنت حمزة كما سيأتي في هذا الباب، وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد كما سيأتي قريبا، وكيف يخفى عليه - أعني الترمذي - مثل هذا‏؟‏ ثم وجدت عن بعضهم أن الذي عند الترمذي من حديث أنس أن ذلك كان في فتح مكة، فإن كان كذلك اتجه اعتراضه، لكن الموجود بخط الكروخي راوي الترمذي ما تقدم، والله أعلم‏.‏

وقد صححه ابن حبان من الوجهين، وعجيب من الحاكم كيف لم يستدركه مع أن الوجه الأول على شرطهما، ومن الوجه الثاني على شرط مسلم لأجل جعفر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالُوا لَا نُقِرُّ لَكَ بِهَذَا لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا مَنَعْنَاكَ شَيْئًا وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ امْحُ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَلِيٌّ لَا وَاللَّهِ لَا أَمْحُوكَ أَبَدًا فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ فَكَتَبَ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا يُدْخِلُ مَكَّةَ السِّلَاحَ إِلَّا السَّيْفَ فِي الْقِرَابِ وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ وَأَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا قُلْ لِصَاحِبِكَ اخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبِعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِي يَا عَمِّ يَا عَمِّ فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ حَمَلَتْهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ قَالَ عَلِيٌّ أَنَا أَخَذْتُهَا وَهِيَ بِنْتُ عَمِّي وَقَالَ جَعْفَرٌ ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي وَقَالَ زَيْدٌ ابْنَةُ أَخِي فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا وَقَالَ الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَقَالَ لِعَلِيٍّ أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ وَقَالَ لِجَعْفَرٍ أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي وَقَالَ لِزَيْدٍ أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا وَقَالَ عَلِيٌّ أَلَا تَتَزَوَّجُ بِنْتَ حَمْزَةَ قَالَ إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن البراء‏)‏ في رواية شعبة عن أبي إسحاق ‏"‏ سمعت البراء ‏"‏ أخرجها في الصلح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة‏)‏ أي سنة ست‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يدعوه‏)‏ بفتح الدال أي يتركوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام‏)‏ أي من العام المقبل، وصرح به في حديث ابن عمر بعده، وتقدم سبب هذه المقاضاة في الكلام على حديث المسور في الشروط مستوفى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما كتب الكتاب‏)‏ كذا هو بضم الكاف من كتب على البناء للمجهول، وللأكثر كتبوا بصيغة الجمع، وتقدم في الجزية من طريق يوسف بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق بلفظ ‏"‏ فأخذ يكتب بينهم الشرط علي بن أبي طالب ‏"‏ وفي رواية شعبة ‏"‏ كتب علي بينهم كتابا ‏"‏ وفي حديث المسور ‏"‏ قال فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب فقال‏:‏ اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل‏.‏

أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب، فقال المسلمون لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ اكتب باسمك اللهم ‏"‏ ونحوه في حديث أنس باختصار ولفظه ‏"‏ أن قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم فيهم سهيل بن عمرو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي‏:‏ اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل‏:‏ ما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم، ولكن اكتب ما نعرف‏:‏ باسمك اللهم ‏"‏ وللحاكم من حديث عبد الله بن مغفل ‏"‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فأمسك سهيل بيده فقال‏:‏ اكتب في قضيتنا ما نعرف، فقال‏:‏ اكتب باسمك اللهم، فكتب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا‏)‏ إشارة إلى ما في الذهن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما قاضى‏)‏ خبر مفسر له‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ هذا ما قاضانا ‏"‏ وهو غلط، وكأنه لما رأى قوله ‏"‏ اكتبوا ‏"‏ ظن بأن المراد قريش، وليس كذلك بل المراد المسلمون، ونسبة ذلك إليهم وإن كان الكاتب واحدا مجازية، وفي حديث عبد الله بن مغفل المذكور ‏"‏ فكتب هذا ما صالح محمد رسول الله أهل مكة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالوا لا نقر لك بهذا‏)‏ تقدم في الصلح بهذا الإسناد بعينه بلفظ ‏"‏ فقالوا لا نقر بها ‏"‏ أي بالنبوة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا‏)‏ زاد في رواية يوسف ‏"‏ ولبايعناك ‏"‏ وعند النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاري فيه ‏"‏ ما منعناك بيته ‏"‏ وفي رواية شعبة عن أبي إسحاق ‏"‏ لو كنت رسول الله لم نقاتلك ‏"‏ وفي حديث أنس ‏"‏ لاتبعناك ‏"‏ وفي حديث المسور ‏"‏ فقال سهيل بن عمرو‏:‏ والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ‏"‏ وفي رواية أبي الأسود عن عروة في المغازي ‏"‏ فقال سهيل‏:‏ ظلمناك إن أقررنا لك بها ومنعناك ‏"‏ وفي حديث عبد الله بن مغفل ‏"‏ لقد ظلمناك إن كنت رسولا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولكن أنت محمد بن عبد الله‏)‏ وفي رواية يوسف وكذا حديث المسور ‏"‏ ولكن اكتب ‏"‏ وكذا هو في رواية زكريا عن أبي إسحاق عند مسلم، وفي حديث أنس وكذا في مرسل عروة ‏"‏ ولكن اكتب اسمك واسم وأبيك ‏"‏ زاد في حديث عبد الله بن مغفل ‏"‏ فقال‏:‏ اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال لعلي‏:‏ امح رسول الله‏)‏ أي امح هذه الكلمة المكتوبة من الكتاب، فقال‏:‏ لا والله لا أمحوك أبدا ‏"‏ وللنسائي من طريق علقمة بن قيس عن علي قال ‏"‏ كنت كاتب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية فكتبت‏:‏ هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، فقال سهيل‏:‏ لو علمنا أنه رسول الله ما قاتلناه، امحها‏.‏

فقلت‏:‏ هو والله رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن رغم أنفك، لا والله لا أمحوها ‏"‏ وكأن عليا فهم أن أمره له بذلك ليس متحتما، فلذلك امتنع من امتثاله‏.‏

ووقع في رواية يوسف بعد ‏"‏ فقال لعلي‏:‏ امح رسول الله، فقال‏:‏ لا والله لا أمحاه أبدا‏.‏

قال‏:‏ فأرنيه، فأراه إياه فمحا النبي صلى الله عليه وسلم بيده ‏"‏ ونحوه في رواية زكريا عند مسلم وفي حديث علي عند النسائي وزاد ‏"‏ وقال‏:‏ أما إن لك مثلها، وستأتيها وأنت مضطر ‏"‏ يشير صلى الله عليه وسلم إلى ما وقع لعلي يوم الحكمين فكان كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لكتاب وليس يحسن يكتب، فكتب‏:‏ هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله‏)‏ تقدم هذا الحديث في الصلح عن عبيد الله بن موسى بهذا الإسناد وليست فيه هذه اللفظة ‏"‏ ليس يحسن يكتب ‏"‏ ولهذا أنكر بعض المتأخرين على أبي مسعود نسبتها إلى تخريج البخاري وقال‏:‏ ليس في البخاري هذه اللفظة ولا في مسلم، وهو كما قال عن مسلم فإنه أخرجه من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق بلفظ ‏"‏ فأراه مكانها فمحاها وكتب‏:‏ ‏"‏ ابن عبد الله ‏"‏ انتهى وقد عرفت ثبوتها في البخاري في مظنة الحديث، وكذلك أخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى مثل ما هنا سواء، وكذا أخرجها أحمد عن حجين بن المثني عن إسرائيل ولفظه ‏"‏ فأخذ الكتاب - وليس يحسن أن يكتب - فكتب مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ‏"‏ وقد تمسك بظاهر هذه الرواية أبو الوليد الباجي فادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن يكتب، فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بالزندقة، وأن الذي قاله يخالف القرآن حتى قال قائلهم‏:‏ برئت ممن شرى دنيا بآخرة * وقال إن رسول الله قد كتبا

فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال للأمير‏:‏ هذا لا ينافي القرآن، بل يؤخذ من مفهوم القرآن لأنه قيد النفي بما قيل ورود القرآن فقال‏.‏

(‏وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك‏)‏ وبعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى‏.‏

وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك، منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء إفريقية وغيرها، واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة وعمر بن شبة من طريق مجاهد عن عون بن عبد الله قال‏:‏ ‏"‏ ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ ‏"‏ قال مجاهد‏:‏ فذكرته للشعبي فقال‏:‏ صدق قد سمعت من يذكر ذلك‏.‏

ومن طريق يونس بن ميسرة على أبي كبشة السلولي عن سهل بن الحنظلية ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة، فقال عيينة‏:‏ أتراني أذهب بصحيفة المتلمس‏؟‏ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة فنظر فيها فقال‏:‏ قد كتب لك بما أمر لك ‏"‏ قال يونس فنرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بعدما أنزل عليه‏.‏

قال عياض‏:‏ وردت آثار تدل على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها كقوله لكاتبه‏:‏ ‏"‏ ضع القلم على أذنك فإنه أذكر لك ‏"‏ وقوله لمعاوية‏:‏ ‏"‏ ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء وفرق السين ولا تعور الميم ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ لا تمد بسم الله ‏"‏ قال‏:‏ وهذا وإن لم يثبت أنه كتب فلا يبعد أن يرزق علم وضيع الكتابة، فإنه أوتي علم كل شيء‏.‏

وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث‏.‏

وعن قصة الحديبية بأن القصة واحدة والكاتب فيها علي وقد صرح في حديث المسور بأن عليا هو الذي كتب، فيحمل على أن النكتة في قوله‏:‏ ‏"‏ فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب ‏"‏ لبيان أن قوله‏:‏ ‏"‏ أرني إياها ‏"‏ أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة، وعلى أن قوله بعد ذلك ‏"‏ فكتب ‏"‏ فيه حذف تقديره فمحاها فأعادها لعلي فكتب‏.‏

وبهذا جزم ابن التين وأطلق كتب بمعنى أمر بالكتابة، وهو كثير كقوله‏:‏ كتب إلى قيصر وكتب إلى كسرى، وعلى تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالما بالكتابة ويخرج عن كونه أميا، فإن كثيرا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها وخصوصا الأسماء، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا ككثير من الملوك‏.‏

ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها فخرج المكتوب على وفق المراد فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا‏.‏

وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني أحد أئمة الأصول من الأشاعرة وتبعه ابن الجوزي، وتعقب ذلك السهيلي وغيره بأن هذا وإن كان ممكنا ويكون آية أخرى لكنه يناقض كونه أميا لا يكتب، وهي الآية التي قامت بها الحجة وأفحم الجاحد وانحسمت الشبهة‏.‏

فلو جاز أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة‏.‏

وقال المعاند‏:‏ كان يحسن يكتب لكنه كان يكتم ذلك، قال السهيلي‏:‏ والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضا، والحق أن معني قوله‏:‏ ‏"‏ فكتب ‏"‏ أي أمر عليا أن يكتب انتهى‏.‏

وفي دعوى أن كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة تستلزم مناقضة المعجزة وتثبت كونه غير أمي نظر كبير، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يدخل‏)‏ هذا تفسير للخبر المتقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا السيف في القراب‏)‏ في رواية شعبة ‏"‏ فكان فيما اشترطوا أن يدخلوا مكة فيقيموا بها ثلاثا ولا يدخلها بسلاح ‏"‏ ونحوه لزكريا عن أبي إسحاق عند مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن لا يخرج من أهلها بأحد إلخ‏)‏ في حديث أنس ‏"‏ قال علي‏:‏ قلت يا رسول الله أكتب هذا‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما دخلها‏)‏ أي في العام المقبل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومضى الأجل‏)‏ أي الأيام الثلاثة‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ لما مضى أي قرب مضيه، ويتعين الحمل عليه لئلا يلزم الخلف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتوا عليا فقالوا‏:‏ قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل‏)‏ في رواية يوسف ‏"‏ فقالوا‏:‏ مر صاحبك فليرتحل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فخرج النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية يوسف ‏"‏ فذكر ذلك علي فقال‏:‏ نعم فارتحل ‏"‏ وفي مغازي أبي الأسود عن عروة ‏"‏ فلما كان اليوم الرابع جاءه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى فقالا‏:‏ ننشدك الله والعهد إلا ما خرجت من أرضنا، فرد عليه سعد بن عبادة، فأسكته النبي صلى الله عليه وسلم وآذن بالرحيل ‏"‏ وأخرج الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ من حديث ميمونة في هذه القصة ‏"‏ فأتاه حويطب بن عبد العزي ‏"‏ وكأنه في أوائل النهار فلم يكمل الثلاث إلا في مثل ذلك الوقت من النهار الرابع الذي دخل فيه بالتلفيق، وكان مجيئهم في أول النهار قرب مجيء ذلك الوقت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة‏)‏ هكذا رواه البخاري عن عبيد الله بن موسى معطوفا على إسناد القصة التي قبله، وكذا أخرجه النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى، وكذا رواه الحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ والبيهقي من طريق سعيد بن مسعود عن عبيد الله بن موسى بتمامه، وادعى البيهقي أن فيه إدراجا لأن زكريا بن أبي زائدة رواه عن أبي إسحاق متصلا‏.‏

وأخرج مسلم والإسماعيلي القصة الأولى من طريقه عن أبي إسحاق من حديث علي، وهكذا رواه أسود بن عامر عن إسرائيل أخرجه أحمد من طريقه لكن باختصار في الموضعين قال البيهقي‏:‏ وكذا روى عبيد الله بن موسى أيضا قصة بنت حمزة من حديث علي‏.‏

قلت‏:‏ هو كذلك عند ابن حبان عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبيد الله بن موسى لكن باختصار، وكذا رواه الهيثم بن كليب في مسنده عن الحسن بن علي بن عفان عن عبيد الله بن موسى بأتم من سياق ابن حبان‏.‏

وأخرج أبو داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل قصة بنت حمزة خاصة من حديث علي بلفظ ‏"‏ لما خرجنا من مكة تبعتنا بنت حمزة ‏"‏ الحديث‏.‏

وكذا أخرجها أحمد عن حجاج بن محمد ويحيى بن آدم جميعا عن إسرائيل‏.‏

قلت‏:‏ والذي يظهر لي أن لا إدراج فيه، وأن الحديث كان عند إسرائيل وكذا عند عبيد الله بن موسى عنه بالإسنادين جميعا، لكنه في القصة الأولى من حديث البراء أتم، وبالقصة الثانية من حديث علي أتم، وبيان ذلك أن عند البيهقي في رواية زكريا عن أبي إسحاق عن البراء قال‏.‏

‏"‏ أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة أيام في عمرة القضاء، فلما كان اليوم الثالث قالوا لعلي‏:‏ إن هذا آخر يوم من شرط صاحبك، فمره فليخرج‏.‏

فحدثه بذلك فقال‏:‏ نعم، فخرج‏"‏‏.‏

قال أبو إسحاق‏.‏

فحدثني هانئ بن هانئ وهبيرة فذكر حديث علي في قصة بنت حمزة أتم مما وقع في حديث هذا الباب عن البراء، وسيأتي إيضاح ذلك عند شرحه إن شاء الله تعالى‏.‏

وكذا أخرج الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن أبي بكرة بن أبي شيبة عن عبيد الله بن موسى قصة بنت حمزة من حديث البراء، فوضح أنه عند عبيد الله بن موسى ثم عند أبي بكر بن أبي شيبة عنه بالإسنادين جميعا، وكذا أخرج ابن سعد عن عبيد الله بن موسى بالإسنادين معا عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لجعفر أشبهت خلقي وخلقي‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابنة حمزة‏)‏ اسمها عمارة وقيل فاطمة وقيل أمامة وقيل أمة الله وقيل سلمى، والأول هو المشهور‏.‏

وذكر الحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ وأبو سعيد في ‏"‏ شرف المصطفى ‏"‏ من حديث ابن عباس بسند ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أخي بين حمزة وزيد بن حارثة، وأن عمارة بنت حمزة كانت مع أمها بمكة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تنادي يا عم‏)‏ كأنها خاطبت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إجلالا له، وإلا فهو ابن عمها، أو بالنسبة إلى كون حمزة وإن كان عمه من النسب فهو أخوه من الرضاعة، وقد أقرها على ذلك بقوله لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ دونك ابنة عمك ‏"‏ وفي ديوان حسان بن ثابت لأبي سعيد السكري أن عليا هو الذي قال لفاطمة ولفظه ‏"‏ فأخذ علي أمامه فدفعها إلى فاطمة ‏"‏ وذكر أن مخاصمة علي وجعفر وزيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم كانت بعد أن وصلوا إلى مر الظهران‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دونك‏)‏ هي كلمة من أسماء الأفعال تدل على الأمر بأخذ الشيء المشار إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حملتها‏)‏ كذا للأكثر بصيغة الفعل الماضي وكأن الفاء سقطت‏.‏

قلت‏:‏ وقد ثبتت في رواية النسائي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري، وكذا لأبي داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل، وكذا لأحمد في حديث علي‏.‏

ووقع في رواية أبي ذر عن السرخسي والكشميهني ‏"‏ حمليها ‏"‏ بتشديد الميم المكسورة وبالتحتانية بصيغة الأمر، وللكشميهني في الصلح في هذا الموضع ‏"‏ احمليها ‏"‏ بألف بدل التشديد، وعند الحاكم من مرسل الحسن ‏"‏ فقال علي لفاطمة وهي في هودجها‏:‏ أمسكيها عندك ‏"‏ وعند ابن سعد من مرسل محمد بن علي بن الحسين الباقر بإسناد صحيح إليه ‏"‏ بينما بنت حمزة تطوف في الرجال إذا أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاختصم فيها علي بن أبي طالب وجعفر‏)‏ أي أخوه ‏(‏وزيد بن حارثة‏)‏ أي في أيهم تكون عنده، وكانت خصومتهم في ذلك بعد أن قدموا المدينة، ثبت ذلك في حديث علي عند أحمد والحاكم‏.‏

وفي المغازي لأبي الأسود عن عروة في هذه القصة ‏"‏ فلما دنوا من المدينة كلمه فيها زيد بن حارثة وكان وصي حمزة وأخاه ‏"‏ وهذا لا ينفي أن المخاصمة إنما وقعت بالمدينة، فلعل زيدا سأل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ووقعت المنازعة بعد، ووقع في مغازي سليمان التيمي ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع إلى رحله وجد بنت حمزة فقال لها‏:‏ ما أخرجك‏؟‏ قالت‏:‏ رجل من أهلك، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإخراجها‏"‏‏.‏

وفي حديث علي عند أبي داود ‏"‏ أن زيد بن حارثة أخرجها من مكة ‏"‏ وفي حديث ابن عباس المذكور ‏"‏ فقال له علي‏:‏ كيف تترك ابنة عمك مقيمة بين ظهراني المشركين ‏"‏‏؟‏ وهذا يشعر بأن أمها إما لم تكن أسلمت فإن في حديث ابن عباس المذكور أنها سلمى بنت عميس وهي معدودة في الصحابة، وإما أن تكون ماتت إن لم يثبت حديث ابن عباس، وإنما أقرهم على أخذها مع اشتراط المشركين أن لا يخرج بأحد من أهلها أراد الخروج، لأنهم لم يطلبوها، وأيضا فقد تقدم في الشروط ويأتي في التفسير أن النساء المؤمنات لم يدخلن في ذلك، لكن إنما نزل القرآن في ذلك بعد رجوعهم إلى المدينة‏.‏

ووقع في رواية أبي سعيد السكري أن فاطمة قالت لعلي‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آلى أن لا يصيب منهم أحدا إلا رده عليهم، فقال لها علي‏:‏ إنها ليست منهم إنما هي منا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاختصم فيها علي إلخ‏)‏ زاد في رواية ابن سعد ‏"‏ حتى ارتفعت أصواتهم فأيقظوا النبي صلى الله عليه وسلم من نومه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال علي أنا أخرجتها وهي بنت عمي‏)‏ زاد في حديث علي عند أبي داود ‏"‏ وعندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أحق بها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وخالتها تحتي‏)‏ أي زوجتي‏.‏

وفي رواية الحاكم عندي واسم خالتها أسماء بنت عميس التي تقدم ذكرها في غزوة خيبر وصرح باسمها في حديث علي عند أحمد، وكان لكل من هؤلاء الثلاثة فيها شبهة‏:‏ أما زيد فللأخوة التي ذكرتها ولكونه بدأ بإخراجها من مكة، وأما علي فلأنه ابن عمها وحملها مع زوجته وأما جعفر فلكونه ابن عمها وخالتها عنده فيترجح جانب جعفر باجتماع قرابة الرجل والمرأة منها دون الآخرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال زيد بنت أخي‏)‏ زاد في حديث علي إنما خرجت إليها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها‏)‏ في حديث ابن عباس المذكور فقال النبي صلى الله عليه وسلم جعفر أولى بها‏.‏

وفي حديث علي عند أبي داود وأحمد أما الجارية فلا قضى بها لجعفر‏.‏

وفي رواية أبي سعيد السكري‏:‏ ادفعاها إلى جعفر فإنه أوسع منكم‏.‏

وهذا سبب ثالث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال‏:‏ الخالة بمنزلة الأم‏)‏ أي في هذا الحكم الخاص لأنها تقرب منها في الحنو والشفقة والاهتداء إلى ما يصلح الولد لما دل عليه السياق، فلا حجة فيه لمن زعم أن الخالة ترث لأن الأم ترث، وفي حديث علي وفي مرسل الباقر ‏"‏ الخالة والدة، وإنما الخالة أم ‏"‏ وهي بمعنى قوله بمنزلة الأم لا أنها أم حقيقية‏.‏

ويؤخذ منه أن الخالة في الحضانة مقدمة على العمة لأن صفية بنت عبد المطلب كانت موجودة حينئذ، وإذا قدمت على العمة مع كونها أقرب العصبات من النساء فهي مقدمة على غيرها، ويؤخذ منه تقديم أقارب الأم على أقارب الأب‏.‏

وعن أحمد رواية أن العمة مقدمة في الحضانة على الخالة، وأجيب عن هذه القصة بأن العمة لما تطلب، فإن قيل‏:‏ والخالة لم تطلب، قيل‏:‏ قد طلب لها زوجها، فكما أن للقريب المحضون أن يمنع الحاضنة إذا تزوجت فللزوج أيضا أن يمنعها من أخذه، فإذا وقع الرضا سقط الحرج‏.‏

وفيه من الفوائد أيضا تعظيم صلة الرحم بحيث تقع المخاصمة بين الكبار في التوصل إليها، وأن الحاكم يبين دليل الحكم للخصم، وأن الخصم يدلي بحجته، وأن الحاضنة إذا تزوجت بقريب المحضونة لا تسقط حضانتها إذا كانت المحضونة أنثى أخذا بظاهر هذا الحديث قاله أحمد، وعنه لا فرق بين الأنثى والذكر، ولا يشترط كونه محرما لكن يشترط أن يكون فيه مأمونا، وأن الصغيرة لا تشتهي، ولا تسقط إلا إذا تزوجت بأجنبي، والمعروف عن الشافعية والمالكية اشتراط كون الزوج جدا للمحضون‏.‏

وأجابوا عن هذه القصة بأن العمة لم يطلب وأن الزوج رضي بإقامتها عنده، وكل من طلبت حضانتها لها كانت متزوجة فرجح جانب جعفر بكونه تزوج الخالة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال لعلي‏:‏ أنت مني وأنا منك‏)‏ أي في النسب والصهر والمسابقة والمحبة وغير ذلك من المزايا، ولم يرد محض القرابة وإلا فجعفر شريكه فيها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي‏)‏ بفتح الخاء الأولى وضم الثانية، في مرسل ابن سيرين عند ابن سعد ‏"‏ أشبه خلقك خلقي، وخلقك خلقي ‏"‏ وهي منقبة عظيمة لجعفر، أما الخلق فالمراد به الصورة فقد شاركه فيها جماعة ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرت أسماءهم في مناقب الحسن وأنهم عشرة أنفس غير فاطمة عليها السلام، وقد كنت نظمت إذ ذاك بيتين في ذلك ووقفت بعد ذلك في حديث أنس على أن إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلم كان يشبهه، وكذا في قصة جعفر بن أبي طالب أن ولديه عبد الله وعونا كانا يشبهانه فغيرت البيتين الأولين بالزيادة فأصلحتهما هناك، ورأيت إعادتهما هنا ليكتبهما من لم يكن كتبهما إذ ذاك‏:‏ شبه النبي ليج سائب وأبي سفيان والحسنين الخال أمهما وجعفر ولداه وابن عامرهم ومسلم كابس يتلوه مع قثما ووقع في تراجم الرجال وأهل البيت ممن كان يشبهه صلى الله عليه وسلم من غير هؤلاء عدة‏:‏ منهم إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ويحيى بن القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي وكان يقال له الشبيه، والقاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، وعلي بن علي بن عباد بن رفاعة الرفاعي شيخ بصري من أتباع التابعين، ذكر ابن سعد عن عفان قال‏:‏ كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما لم أدخل هؤلاء في النظم لبعد عهدهم عن عصر النبي صلى الله عليه وسلم فاقتصرت على من أدركه والله أعلم‏.‏

وأما شبهه في الخلق بالضم فخصوصية جعفر إلا أن يقال إن مثل ذلك حصل لفاطمة عليها السلام، فإن في حديث عائشة ما يقتضي ذلك ولكن ليس بصريح كما في قصة جعفر هذه‏.‏

وهي منقبة عظيمة لجعفر، قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏وإنك لعلى خلق عظيم‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال لزيد‏:‏ أنت أخونا‏)‏ أي في الإيمان ‏(‏ومولانا‏)‏ أي من جهة أنه أعتقه، وقد تقدم أن مولى القوم منهم، فوقع منه صلى الله عليه وسلم تطييب خواطر الجميع وإن كان قضى لجعفر فقد بين وجه ذلك‏.‏

وحاصله أن المقضي له في الحقيقة الخالة وجعفر تبع لها لأنه كان القائم في الطلب لها، وفي حديث علي عند أحمد وكذا في مرسل الباقر ‏"‏ فقام جعفر فحجل حول النبي صلى الله عليه وسلم دار عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما هذا‏؟‏ قال‏:‏ شيء رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم ‏"‏ وفي حديث ابن عباس ‏"‏ أن النجاشي كان إذا رضى أحدا من أصحابه قام فحجل حوله ‏"‏ وحجل بفتح المهملة وكسر الجيم أي وقف على رجل واحدة وهو الرقص بهيئة مخصوصة‏.‏

وفي حديث علي المذكور أن الثلاثة فعلوا ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال علي‏)‏ أي للنبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏ألا نتزوج بنت حمزة‏؟‏ قال‏:‏ إنها بنت أخي‏)‏ أي من الرضاعة‏.‏

هو موصول بالإسناد المذكور أولا، ووقع في رواية النسائي ‏"‏ فقال علي إلخ ‏"‏ ووقع في رواية أبي سعيد السكري ‏"‏ فدفعناها إلى جعفر فلم تزل عنده حتى قتل، فأوصى بها جعفر إلى علي فمكثت عنده حتى بلغت، فعرضها علي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها فقال‏:‏ هي ابنة أخي من الرضاعة ‏"‏ وسيأتي الكلام على ما يتعلق بالرضاعة في أوائل النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ وَلَا يَحْمِلَ سِلَاحًا عَلَيْهِمْ إِلَّا سُيُوفًا وَلَا يُقِيمَ بِهَا إِلَّا مَا أَحَبُّوا فَاعْتَمَرَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ فَلَمَّا أَنْ أَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ فَخَرَجَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني محمد هو ابن رافع‏)‏ هذا البعض رواه الفربري، ووقع في رواية النسفي عن البخاري ‏"‏ حدثني محمد بن رافع ‏"‏ وكذا تقدم في الصلح مجزوما به في هذا الحديث لجميعهم، وساقه هناك على لفظه وهنا على لفظ رفيقه‏.‏

وسريح هو ابن النعمان وهو من شيوخ البخاري، وقد يحدث عنه بواسطة كما هنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم‏)‏ يعني المعروف بابن إشكاب يكنى أبا جعفر وأبوه الحسين بن إبراهيم بن الحسن العامري يكنى أبا علي، خراساني سكن بغداد وطلب الحديث ولزم أبا يوسف، وقد أدركه البخاري فإنه مات سنة ست عشرة ومائتين، وليس له ولا لأبيه في البخاري سوى هذا الموضع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالحديبية‏)‏ تقدم بيان ذلك في حديث المسور في الشروط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا سيوفا‏)‏ يعني في غمدها كما تقدم في الذي قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يقيم بها إلا ما أحبوا‏)‏ بين في حديث البراء أنهم اتفقوا على ثلاث أيام‏.‏

وقال ابن التين قوله‏:‏ ‏"‏ ثلاثة أيام ‏"‏ يخالف قوله‏:‏ ‏"‏ إلا ما أحبوا ‏"‏ فيجمع بأن محبتهم لما كانت ثلاثة أيام أفصح بها الراوي معبرا عما آل إليه الحال وهو ثلاثة أيام‏.‏

قلت‏:‏ بل قوله‏:‏ ‏"‏ ما أحبوا ‏"‏ مجمل بينته رواية ثلاثة أيام بدليل ما سأذكره من حديث البراء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما أن أقام بها ثلاثا أمروه أن يخرج فخرج‏)‏ تقدم بيان ذلك في حديث البراء، ووقع في رواية زكريا عن أبي إسحاق عن البراء عند مسلم ‏"‏ فقالوا لعلي‏:‏ هذا آخر يوم من شرط صاحبك، فمره أن يخرج، فذكر ذلك له فخرج‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ ثُمَّ قَالَ كَمْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعًا ثُمَّ سَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ قَالَ عُرْوَةُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فَقَالَتْ مَا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمْرَةً إِلَّا وَهُوَ شَاهِدُهُ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في العمرة، وفيه قصته مع عائشة وإنكارها عليه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب، وقد تقدم شرحه في أبواب العمرة، وقوله فيه‏:‏ ‏"‏ ألا تسمعين ‏"‏ في رواية الكشميهني، ونقل الكرماني رواية ‏"‏ ألا تسمعي ‏"‏ بغير نون وهي لغية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ لَمَّا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَتَرْنَاهُ مِنْ غِلْمَانِ الْمُشْرِكِينَ وَمِنْهُمْ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن إسماعيل بن أبي خالد‏)‏ في رواية الحميدي ‏"‏ عن سفيان حدثنا إسماعيل بن أبي خالد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سترناه من غلمان المشركين ومنهم أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي خشية أن يؤذوه، كذا قاله علي بن عبد الله عن سفيان بهذا اللفظ‏.‏

وقاله ابن أبي عمر عن سفيان بلفظ ‏"‏ لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة طاف بالبيت في عمرة القضية، فكنا نستره من السفهاء والصبيان مخافة أن يؤذوه ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي، وأخرجه ن رواية إسحاق بن أبي إسرائيل عن سفيان بلفظ ‏"‏ وكنا نستره من صبيان أهل مكة لا يؤذونه ‏"‏ أخرجه الحميدي كذلك، وتقدم في أبواب العمرة من وجه آخر عن عبد الله بن أبي أوفى بأتم من هذا السياق قال‏:‏ ‏"‏ اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتمرنا معه، فلما دخل مكة طاف فطفنا معه، وأتى الصفا والمروة وأتيناهما معه ‏"‏ أي سعوا، قال‏:‏ ‏"‏ وكنا نستره من أهل مكة أن يرميه أحد‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَفْدٌ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ وَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَزَادَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَامِهِ الَّذِي اسْتَأْمَنَ قَالَ ارْمُلُوا لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوَّتَهُمْ وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس، تقدم بهذا السند والمتن في أبواب الطواف من كتاب الحج في ‏"‏ باب بدء الرمل ‏"‏ وشرحت بعض ألفاظه وحكم الرمل هناك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفد‏)‏ أي قوم وزنا ومعنى، ووقع في رواية ابن السكن ‏"‏ وقد ‏"‏ بفتح القاف وسكون الدال وهو خطأ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهنتهم‏)‏ بتخفيف الهاء وتشديدها أي أضعفتهم، ويثرب اسم المدينة النبوية في الجاهلية، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسميتها بذلك، وإنما ذكر ابن عباس ذلك حكاية‏:‏ لكلام المشركين وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ فأطلعه الله على ما قالوا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا الإبقاء عليهم‏)‏ بكسر الهمزة وسكون الموحدة بعدها القاف والمد أي الرفق بهم والإشفاق عليهم، والمعنى لم يمنعه من أمرهم بالرمل في جميع الطوفات إلا الرفق بهم، قال القرطبي‏:‏ روينا قوله‏:‏ ‏"‏ إلا الإبقاء عليهم ‏"‏ بالرفع على أنه فاعل يمنعه، وبالنصب على أن يكون مفعولا من أجله ويكون في يمنعه ضمير عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فاعله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن يمشوا بين الركنين‏)‏ أي اليمانيين، وعند أبي داود من وجه آخر ‏"‏ وكانوا إذا تواروا عن قريش بين الركنين مشوا، وإذا طلعوا عليهم رملوا ‏"‏ وسيأتي في الذي بعده أن المشركين كانوا من قبل قيقعان وهو يشرف على الركنين الشاميين، ومن كان به لا يرى من بين الركنين اليمانيين‏.‏

ولمسلم من هذا الوجه في آخره ‏"‏ فقال المشركون‏.‏

هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى وهنتهم، لهؤلاء أجلد من كذا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزاد ابن سلمة‏)‏ كذا وقع هنا، ووقع عند النسفي عقب الذي قبله وهو به أليق، وابن سلمة هو حماد، وقد شارك حماد بن زيد في روايته له عن أيوب وزاد عليه تعيين مكان المشركين وهو قيقعان، وطريق حماد بن سلمة هذه وصلها الإسماعيلي نحوه وزاد في آخره ‏"‏ فلما رملوا قال المشركون‏:‏ ما وهنتهم ‏"‏ ووقع في بعض النسخ وزاد ابن مسلمة ‏"‏ بزيادة ميم في أوله وهو غلط‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ إِنَّمَا سَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ هو ابن سلام، وعمرو هو ابن دينار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنما سعى بالبيت‏)‏ أي رمل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليرى المشركون قوته‏)‏ تقدم سببه في الذي قبله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَزَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَأَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏تزوج ميمونة وهو محرم‏)‏ سيأتي البحث فيه في كتاب النكاح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزاد ابن إسحاق إلخ‏)‏ هو موصول في السيرة، وزاد في آخره ‏"‏ وكان الذي زوجها منه العباس بن عبد المطلب ‏"‏ ولابن حبان والطبراني من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق بلفظ ‏"‏ تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك - يعني عمرة القضاء - وهو حرام وكان الذي زوجه إياها العباس ‏"‏ ونحوه للنسائي من وجه آخر عن ابن عباس، وفي مغازي أبي الأسود عن عروة ‏"‏ بعث النبي صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب إلى ميمونة ليخطبها له فجعلت أمرها إلى العباس، وكانت أختها أم الفضل تحته، فزوجه إياها، فبني بها بسرف، وقدر الله أنها ماتت بعد ذلك بسرف، وكانت قبله صلى الله عليه وسلم تحت أبي رهم بن عبد العزى، وقيل‏:‏ تحت أخيه حويطب، وقيل‏:‏ سخبرة بن أبي رهم، وأمها هند بنت عوف الهلالية‏.‏