فصل: باب فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَلَيْلَةً سَفَرًا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب كَمْ أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم في حجته‏)‏ أي من يوم قدومه إلى أن خرج منها، وقد تقدم بيان ذلك في الكلام على حديث أنس في الباب الذي قبله‏.‏

والمقصود بهذه الترجمة بيان ما تقدم من أن المحقق فيه نية الإقامة هي مدة المقام بمكة قبل الخروج إلى منى ثم إلى عرفة وهي أربعة أيام ملفقة لأنه قدم في الرابع وخرج في الثامن فصلى بها إحدى وعشرين صلاة من أول ظهر الرابع إلى آخر ظهر الثامن صلى الله عليه وسلم، وقيل أراد مدة إقامته إلى أن توجه إلى المدينة وهي عشرة كما في حديث أنس، وإن كان لم يصرح في حديث ابن عباس بغايتها فإنها تعرف من الواقع، فإن بين دخوله وخروجه يوم النفر الثاني من منى إلى الأبطح عشرة أيام سواء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَّاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إِلَّا مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ تَابَعَهُ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي العالية البراء‏)‏ هو بتشديد الراء، كان يبري النبل، واسمه زياد وقيل غير ذلك، وهو غير أبي العالية الرياحي، وقد اشتركا في الرواية عن أبي عباس، وسيأتي الكلام على هذا الحديث وعلى متابعة عطاء عن جابر في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَلَيْلَةً سَفَرًا

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب في كم يقصر الصلاة‏)‏ يريد بيان المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر ولا يسوغ له في أقل منها، وهي من المواضع التي انتشر فيها الخلاف جدا، فحكى ابن المنذر وغيره فيها نحو من عشرين قولا، فأقل ما قيل في ذلك يوم وليلة، وأكثره ما دام غائبا عن بلده‏.‏

وقد أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام، وأورد ما يدل على أن اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسمي النبي صلى الله عليه وسلم يوما وليلة سفرا‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ السفر يوما وليلة ‏"‏ وفي كل منهما تجوز، والمعنى سمي مدة اليوم والليلة سفرا، وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة المذكور عنده في الباب، وقد تعقب بأن في بعض طرقه ‏"‏ ثلاثة أيام ‏"‏ كما أورده هو من حديث ابن عمر، وفي بعضها ‏"‏ يوم وليلة ‏"‏ وفي بعضها ‏"‏ يوم ‏"‏ وفي بعضها ‏"‏ ليلة ‏"‏ وفي بعضها ‏"‏ بريد ‏"‏ فإن حمل اليوم المطلق أو الليلة المطلقة على الكامل أي يوم بليلته أو ليلة بيومها قل الاختلاف واندرج في الثلاث فيكون أقل المسافة يوما وليلة، لكن يعكر عليه رواية ‏"‏ بريد ‏"‏ ويجاب عنه بما سيأتي قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر وابن عباس الخ‏)‏ ، وصله ابن المنذر من رواية يزيد بن أبي حبيب عن عطاء ابن أبي رباح ‏"‏ أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك ‏"‏ وروى السراج من طريق عمرو بن دينار عن ابن عمر نحوه، وروى الشافعي عن مالك عن ابن شهاب عن سالم ‏"‏ أن ابن عمر ركب إلى ذات النصب فقصر الصلاة ‏"‏ قال مالك وبينها وبين المدينة أربعة برد، رواه عبد الرزاق عن مالك هذا فقال‏:‏ بين المدينة وذات النصب ثمانية عشر ميلا‏.‏

وفي الموطأ عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه ‏"‏ كان يقصر في مسيرة اليوم التام ‏"‏ ومن طريق عطاء ‏"‏ أن ابن عباس سئل‏:‏ أنقصر الصلاة إلى عرفة‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

ولكن إلى عسفان أو إلى جدة أو الطائف ‏"‏ وقد روي عن ابن عباس مرفوعا أخرجه الدار قطني وابن أبي شيبة من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه وعطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان ‏"‏ وهذا إسناد ضعيف من أجل عبد الوهاب، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال ‏"‏ لا تقصروا الصلاة إلا في اليوم، ولا تقصر فيما دون اليوم‏"‏، ولابن أبي شيبة من وجه آخر صحيح عنه قال ‏"‏ تقصر الصلاة في مسيرة يوم وليلة ‏"‏ ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن مسافة أربعة برد يمكن سيرها في يوم وليلة، وأما حديث ابن عمر الدال على اعتبار الثلاث فإما أن يجمع بينه وبين اختياره بأن المسافة واحدة ولكن السير يختلف، أو أن الحديث المرفوع ما سيق لأجل بيان مسافة القصر، بل لنهي المرأة عن الخروج وحدها، ولذلك اختلفت الألفاظ في ذلك‏.‏

ويؤيد ذلك أن الحكم في نهي المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان، فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة مثلا في يوم تام لتعلق بها النهي، بخلاف المسافر فإنه لو قطع مسيرة نصف يوم مثلا في يومين لم يقصر فافترقا‏.‏

والله أعلم‏.‏

وأقل ما ورد في ذلك لفظ ‏"‏ بريد ‏"‏ إن كانت محفوظة وسنذكرها في آخر هذا الباب، وعلى هذا ففي تمسك الحنفية بحديث ابن عمر على أن أقل مسافة القصر ثلاثة أيام إشكال، ولا سيما على قاعدتهم بأن الاعتبار بما رأى الصحابي لا بما روى، فلو كان الحديث عنده لبيان أقل مسافة القصر لما خالفه وقصر في مسيرة اليوم التام‏.‏

وقد اختلف عن ابن عمر في تحديد ذلك اختلافا غير ما ذكر، فروى عبد الرزاق عن ابن جريج ‏"‏ أخبرني نافع أن ابن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة فيه مال له بخيبر ‏"‏ وبين المدينة وخيبر ستة وتسعون ميلا‏.‏

وروى وكيع من وجه آخر عن ابن عمر أنه قال ‏"‏ يقصر من المدينة إلى السويداء ‏"‏ وبينهما اثنان وسبعون ميلا‏.‏

وروى عبد الرزاق عن مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه ‏"‏ سافر إلى ريم فقصر الصلاة ‏"‏ قال عبد الرزاق‏:‏ وهي على ثلاثين ميلا من المدينة‏.‏

وروى ابن أبي شيبة عن وكيع عن مسعر عن محارب ‏"‏ سمعت ابن عمر يقول‏:‏ إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر ‏"‏ وقال الثوري‏:‏ سمعت جبلة بن سحيم عن ابن عمر يقول ‏"‏ لو خرجت ميلا قصرت الصلاة ‏"‏ إسناد كل منهما صحيح‏.‏

وهذه أقوال مغايرة جدا‏.‏

فالله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهي‏)‏ أي الأربعة برد ‏(‏ستة عشر فرسخا‏)‏ ذكر الفراء أن الفرسخ فارسي معرب، وهو ثلاثة أميال، والميل من الأرض منتهى مد البصر لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه، وبذلك جزم الجوهري‏.‏

وقيل حده أن ينظر إلى الشخص في أرض مسطحة فلا يدري أهو رجل أو امرأة أو هو ذاهب أو آت قال النووي الميل ستة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون إصبعا معترضة معتدلة والإصبع ست شعيرات معترضة معتدلة ا ه‏.‏

وهذا الذي قاله هو الأشهر، ومنهم من عبر عن ذلك باثني عشر ألف قدم بقدم الإنسان، وقيل هو أربعة آلاف ذراع، وقيل بل ثلاثة آلاف ذراع نقله صاحب البيان، وقيل وخمسمائة صحيحه ابن عبد البر‏.‏

وقيل هو ألفا ذراع، ومنهم من عبر عن ذلك بألف خطوة للجمل، ثم إن الذراع الذي ذكر النووي تحديده قد حرره غيره بذراع الحديد المستعمل الآن في مصر والحجاز في هذا الأعصار فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن، فعلى هذا فالميل بذراع الحديد على القول المشهور خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعا، وهذه فائدة نفيسة قل من نبه عليها‏.‏

وحكى النووي أن أهل الظاهر ذهبوا إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال، وكأنهم احتجوا في ذلك بما رواه مسلم وأبو داود من حديث أنس قال ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال - أو فراسخ - قصر الصلاة ‏"‏ وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التي يبتدأ مها القصر لا غاية السفر، ولا يخفى بعد هذا الحمل، أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال ‏"‏ سألت أنسا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة - يعني من البصرة - فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع، فقال أنس فذكر الحديث، فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدأ القصر منه‏.‏

ثم إن الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منها، ورده القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ، فإن الثلاثة أميال مدرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطا، وقد روى ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن ابن حرملة قال ‏"‏ قلت لسعيد بن المسيب‏:‏ أأقصر الصلاة وأفطر في بريد من المدينة‏؟‏ قال‏:‏ نعم ‏"‏ والله أعلم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ اختلف في معنى الفرسخ، فقيل السكون ذكره ابن سيده، وقيل السعة، وقيل المكان الذي لا فرجة فيه، وقيل الشيء الطويل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ قال أبو علي الجياني حيث قال البخاري ‏"‏ حدثنا إسحاق ‏"‏ فهو إما ابن راهويه، وإما ابن نصر السعدي، وإما ابن منصور الكوسج، لأن الثلاثة أخرج عنهم عن أبي أسامة‏.‏

قلت‏:‏ لكن إسحاق هنا هو ابن راهويه، لأنه ساق هذا الحديث في مسنده بهذه الألفاظ سندا ومتنا، ومن عادته الإتيان بهذه العبارة دون الأخيرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثكم عبيد الله‏)‏ هو ابن عمر العمري، واستدل به على أنه لا يشترط في صحة التحمل قول الشيخ ‏"‏ نعم ‏"‏ في جواب من قال له حدثكم فلان بكذا، وفيه نظر لأن في مسند إسحاق في آخره فأقر به أبو أسامة وقال‏:‏ نعم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تسافر المرأة ثلاثة أيام‏)‏ في رواية مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع ‏"‏ مسيرة ثلاث ليال ‏"‏ والجمع بينهما أن المراد ثلاثة أيام بلياليها أو ثلاث ليال بأيامها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا مع ذي محرم‏)‏ في رواية أبي ذر والأصيلي ‏"‏ إلا معها ذو محرم ‏"‏ والمحرم بفتح الميم الحرام والمراد به من لا يحل له نكاحها‏.‏

ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم وأبي داود ‏"‏ إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها ‏"‏ أخرجاه من طريق الأعمش عن أبي صالح عنه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ تَابَعَهُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه أحمد‏)‏ هو ابن محمد المروزي أحد شيوخ البخاري، ووهم من زعم أنه أحمد بن حنبل لأنه لم يسمع من عبد الله بن المبارك، ونقل الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ عن يحيى القطان قال‏:‏ ما أنكرت على عبيد الله بن عمر إلا هذا الحديث‏.‏

ورواه أخوه عبد الله موقوفا‏.‏

قلت‏:‏ وعبد الله ضعيف، وقد تابع عبيد الله الضحاك كما تقدم فاعتمده البخاري لذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ تَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَسُهَيْلٌ وَمَالِكٌ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر‏)‏ مفهومه أن النهي المذكور يختص بالمؤمنات، فتخرج الكافرات كتابية كانت أو حربية، وقد قال به بعض أهل العلم‏.‏

وأجيب بأن الإيمان هو الذي يستمر للمتصف به خطاب الشارع فينتفع به وينقاد له، فلذلك قيد به، أو أن الوصف ذكر لتأكيد التحريم ولم يقصد به إخراج مما سواه‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة‏)‏ أي محرم، واستدل به على عدم جواز السفر للمرأة بلا محرم، وهو إجماع في غير الحج والعمرة والخروج من دار الشرك، ومنهم من جعل ذلك من شرائط الحج كما سيأتي البحث فيه في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال شيخنا ابن الملقن تبعا لشيخه مغلطاي‏:‏ الهاء في قوله ‏"‏ مسيرة يوم وليلة ‏"‏ للمرة الواحدة، والتقدير أن تسافر مرة واحدة مخصوصة بيوم وليلة، ولا سلف له في هذا الإعراب، ومسيرة إنما هي مصدر سار كقوله سيرا مثل عاش معيشة وعيشا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه يحيى بن أبي كثير وسهيل ومالك عن المقبري‏)‏ يعني سعيدا ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ يعني لم يقولوا ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ فعلى هذا فهي متابعة في المتن لا في الإسناد، على أنه قد اختلف على سهيل وعلى مالك فيه، وكأن الرواية التي جزم بها المصنف أرجح عنده عنهم، ورجح الدار قطني أنه عن سعيد عن أبي هريرة ليس فيه ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ كما رواه معظم رواة الموطأ، لكن الزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما إذا كان حافظا، وقد وافق ابن أبي ذئب على قوله ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ الليث بن سعد عند أبي داود، والليث وابن أبي ذئب من أثبت الناس في سعيد، فأما رواية يحيى فأخرجها أحمد عن الحسن بن موسى عن شيبان النحوي عنه ولم أجد عنه فيه اختلافا إلا أن لفظة ‏"‏ أن تسافر يوما إلا مع ذي محرم ‏"‏ ويحمل قوله يوما على أن المراد به اليوم بليلته فيوافق رواية ابن أبي ذئب، وأما رواية سهيل فذكر ابن عبد البر أنه اضطرب في إسنادها ومتنها، وأخرجه ابن خزيمة من طريق خالد الواسطي وحماد بن سلمة، وأخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم من طريق جرير كلاهما عن سهيل بن أبي صالح عن سعيد عن أبي هريرة كما علقه البخاري، إلا أن جريرا قال في روايته ‏"‏ بريدا ‏"‏ بدل يوما‏.‏

وقال بشر بن المفضل عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أبدل سعيدا بأبي صالح، وخالف في اللفظ أيضا فقال ‏"‏ تسافر ثلاثا ‏"‏ أخرجه مسلم، ويحتمل أن يكون الحديثان معا عند سهيل، ومن ثم صحح ابن حبان الطريقين عنه، لكن المحفوظ عن أبي صالح عن أبي سعيد كما تقدمت الإشارة إليه‏.‏

وأما رواية مالك فهي في الموطأ كما قال البخاري، وأخرجها مسلم وأبو داود وغيرهما، وهو المشهور عنه‏.‏

ورواها بشر بن عمر الزهراني عنه فقال ‏"‏ عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ‏"‏ أخرجه أبو داود والترمذي وأبو عوانة وابن خزيمة من طريقه‏.‏

وقال ابن خزيمة‏:‏ إنه تفرد به عن مالك، وفيه نظر لأن الدار قطني أخرجه في ‏"‏ الغرائب ‏"‏ من رواية إسحاق بن محمد الفروي عن مالك كذلك، وأخرجه الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم عن مالك، والمحفوظ عن مالك ليس فيه قوله ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ والله أعلم‏.‏

*3*باب يَقْصُرُ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ

وَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَصَرَ وَهُوَ يَرَى الْبُيُوتَ فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ هَذِهِ الْكُوفَةُ قَالَ لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يقصر إذا خرج من موضعه‏)‏ يعني إذا قصد سفرا تقصر في مثله الصلاة، وهي من المسائل المختلف فيها أيضا‏.‏

قال ابن المنذر أجمعوا على أن لمن يريد السفر أن يقصر إذا خرج عن جميع بيوت القرية التي يخرج منها، واختلفوا فيما قبل الخروج عن البيوت‏:‏ فذهب الجمهور إلى أنه لا بد من مفارقة جميع البيوت‏.‏

وذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين ولو كان في منزله‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ إذا ركب قصر إن شاء، ورجح ابن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على أنه يقصر إذا فارق البيوت، واختلفوا فيما قبل ذلك، فعليه الإتمام على أصل ما كان عليه حتى يثبت أن له القصر، قال‏:‏ ولا أعلم النبي صلى الله عليه وسلم قصر في شيء من أسفاره إلا بعد خروجه عن المدينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وخرج علي فقصر وهو يرى البيوت، فلما رجع قيل له‏:‏ هذه الكوفة، قال لا، حتى ندخل‏)‏ وصله الحاكم من رواية الثوري عن وقاء بن إياس وهو بكسر الواو وبعدها قاف ثم مدة عن علي بن ربيعة قال ‏"‏ خرجنا مع علي بن أبي طالب فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت، ثم رجعنا فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت ‏"‏ وأخرجه البيهقي من طريق يزيد بن هارون عن وقاء بن إياس بلفظ ‏"‏ خرجنا مع علي متوجهين هاهنا - وأشار بيده إلى الشام - فصلى ركعتين ركعتين، حتى إذا رجعنا ونظرنا إلى الكوفة حضرت الصلاة قالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين هذه الكوفة، أتم الصلاة‏.‏

قال‏:‏ لا، حتى ندخلها ‏"‏ وفهم ابن بطال من قوله في التعليق ‏"‏ لا، حتى ندخلها ‏"‏ أنه امتنع من الصلاة حتى يدخل الكوفة، قال لأنه لو صلى فقصر ساغ له ذلك، لكنه اختار أن يتم لاتساع الوقت ا ه‏.‏

وقد تبين من سياق أثر على أن الأمر على خلاف ما فهمه ابن بطال، وأن المراد بقوله ‏"‏ هذه الكوفة ‏"‏ أي فأتم الصلاة، فقال ‏"‏ لا، حتى ندخلها ‏"‏ أي لا نزال نقصر حتى ندخلها، فإنا ما لم ندخلها في حكم المسافرين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّيْتُ الظُّهْرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ

الشرح‏:‏

‏(‏صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ والعصر بذي الحليفة ركعتين ‏"‏ وهي ثابتة في رواية مسلم، وكذا في رواية أبي قلابة عن أنس عند المصنف في الحج، واستدل به على استباحة قصر الصلاة في السفر القصير لأن بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال، وتعقب بأن ذا الحليفة لم تكن منتهى السفر وإنما خرج إليها حيث كان قاصدا إلى مكة فاتفق نزوله بها وكانت أول صلاة حضرت بها العصر فقصرها واستمر يقصر إلى أن رجع، ومناسبة أثر على الحديث أنس ثم لحديث عائشة أن حديث علي دال على أن القصر يشرع بفراق الحضر، وكونه صلى الله عليه وسلم لم يقصر حتى رأى ذا الحليفة إنما هو لكونه أول منزل نزله ولم يحضر قبله وقت صلاة، ويؤيده حديث عائشة ففيه تعليق الحكم بالسفر والحضر، فحيث وجد السفر شرع القصر، وحيث وجد الحضر شرع الإتمام‏.‏

واستدل به على أن من أراد السفر لا يقصر حتى يبرز من البلد خلافا لمن قال من السلف يقصر ولو في بيته، وفيه حجة على مجاهد في قوله‏:‏ لا يقصر حتى يدخل الليل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ الصَّلَاةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ قَالَ تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ

الشرح‏:‏

‏(‏الصلاة أول ما فرضت‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ الصلوات ‏"‏ بصيغة الجمع، وأول بالرفع على أنه بدل من الصلاة أو مبتدأ ثان، ويجوز النصب على أنه ظرف أي في أول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ركعتين‏)‏ في رواية كريمة ‏"‏ ركعتين ركعتين‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأقرت صلاة السفر‏)‏ تقدم الكلام عليه في أول الصلاة، واستدل بقوله ‏"‏ فرضت ركعتين ‏"‏ على أن صلاة المسافر لا تجوز إلا مقصورة، ورد بأنه معارض بقوله تعالى ‏(‏فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة‏)‏ ولأنه دال على أن الأصل الإتمام، ومنهم من حمل قول عائشة ‏"‏ فرضت ‏"‏ أي قدرت‏.‏

وقال الطبري‏:‏ معناه أن المسافر إذا اختار القصر فهو فرضه، ومن أدل دليل على تعين تأويل حديث عائشة هذا كونها كانت تتم في السفر، ولذلك أورده الزهري عن عروة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتأولت ما تأول عثمان‏)‏ هذا فيه رد على من زعم أن عثمان إنما أتم لكونه تأهل بمكة، أو لأنه أمير المؤمنين وكل موضع له دار، أو لأنه عزم على الإقامة بمكة، أو لأنه استجد له أرضا بمنى، أو لأنه كان يسبق الناس إلى مكة، لأن جميع ذلك منتف في حق عائشة وأكثره لا دليل عليه بل هي ظنون ممن قالها، ويرد الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بزوجاته وقصر، والثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى بذلك، والثالث أن الإقامة بمكة على المهاجرين حرام كما سيأتي تقريره في الكلام حديث على حديث العلاء بن الحضرمي في كتاب المغازي، والرابع والخامس لم ينقلا فلا يكفي التخرص في ذلك، والأول وإن كان نقل وأخرجه أحمد والبيهقي من حديث عثمان وأنه لما صلى بمنى أربع ركعات أنكر الناس عليه فقال‏:‏ إني تأهلت بمكة لما قدمت وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ من تأهل ببلدة فإنه يصلي صلاة مقيم ‏"‏ فهذا الحدث لا يصح لأنه منقطع، وفي رواته من لا يحتج به، ويرده قول عروة‏:‏ إن عائشة تأولت ما تأول عثمان، ولا جائز أن تتأهل عائشة أصلا‏.‏

فدل على وهن ذلك الخبر‏.‏

ثم ظهر لي أنه يمكن أن يكون مراد عروة بقوله ‏"‏ كما تأول عثمان ‏"‏ التشبيه بعثمان في الإتمام بتأويل لا اتحاد تأويلهما، ويقويه أن الأسباب اختلفت في تأويل عثمان فتكاثرت، بخلاف تأويل عائشة‏.‏

وقد أخرج ابن جرير في تفسير سورة النساء ‏"‏ إن عائشة كانت تصلي في السفر أربعا، فإذا احتجوا عليها تقول‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حرب وكان يخاف، فهل تخافون أنتم ‏"‏‏؟‏ وقد قيل في تأويل عائشة إنما أتمت في سفرها إلى البصرة إلى قتال علي والقصر عندها إنما يكون في سفر طاعة، وهذان القولان باطلان لا سيما الثاني، ولعل قول عائشة هذا هو السبب في حديث حارثة بن وهب الماضي قبل ببابين والمنقول أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصا بمن كان شاخصا سائرا، وأما من أقام في مكان في أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم، والحجة فيه ما رواه أحمد بإسناد حسن عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال‏:‏ لما قدم علينا معاوية حاجا صلى بنا الظهر ركعتين بمكة، ثم انصرف إلى دار الندوة، فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا‏:‏ لقد عبت أمر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة‏.‏

قال‏:‏ وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء أربعا أربعا، ثم إذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ الوجه الصحيح في ذلك أن عثمان وعائشة كانا يريان أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصر لأنه أخذ بالأيسر من ذلك على أمته، فأخذا لأنفسهما بالشدة ا ه‏.‏

وهذا رجحه جماعة من آخرهم القرطبي، لكن الوجه الذي قبله أولى لتصريح الراوي بالسبب، وأما ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن عثمان إنما أتم الصلاة لأنه نوى الإقامة بعد الحج فهو مرسل، وفيه نظر لأن الإقامة بمكة على المهاجرين حرام كما سيأتي في الكلام على حديث العلاء بن الحضرمي في المغازي، وصح عن عثمان أنه كان لا يودع النساء إلا على ظهر راحلته، ويسرع الخروج خشية أن يرجع في هجرته‏.‏

وثبت عن عثمان أنه قال لما حاصروه - وقال له المغيرة‏:‏ اركب رواحلك إلى مكة - قال‏:‏ لن أفارق دار هجرتي‏.‏

ومع هذا النظر في رواية معمر عن الزهري فقد روى أيوب عن الزهري ما يخالفه، فروى الطحاوي وغيره من هذا الوجه عن الزهري قال‏:‏ إنما صلى عثمان بمنى أربعا لأن الأعراب كانوا كثروا في ذلك العام فأحب أن يعلمهم أن الصلاة أربع، وروى البيهقي من طريق عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عثمان أنه أتم بمنى ثم خطب فقال‏:‏ إن القصر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ولكنه حدث طغام - يعني بفتح الطاء والمعجمة - فخفت أن يستنوا‏.‏

وعن ابن جريح أن أعرابيا ناداه في منى‏:‏ يا أمير المؤمنين ما زلت أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين‏.‏

وهذه طرق يقوي بعضها بعضا، ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الإتمام، وليس بمعارض للوجه الذي اخترته بل يقويه من حيث أن حالة الإقامة في أثناء السفر أقرب إلى قياس الإقامة المطلقة عليها بخلاف السائر، وهذا ما أدى إليه اجتهاد عثمان‏.‏

وأما عائشة فقد جاء عنها سبب الإتمام صريحا، وهو فيما أخرجه البيهقي من طريق هشام بن عروة عن أبيه ‏"‏ أنها كانت تصلى في السفر أربعا، فقلت لها‏:‏ لو صليت ركعتين، فقالت‏:‏ يا ابن أختي إنه لا يشق علي ‏"‏ إسناده صحيح، وهو دال على أنها تأولت أن القصر رخصة، وأن الإتمام لمن لا يشق عليه أفضل‏.‏

ويدل على اختيار الجمهور ما رواه أبو يعلى والطبراني بإسناد جيد عن أبي هريرة أنه سافر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فكلم كان يصلي ركعتين من حين يخرج من المدينة إلى مكة حتى يرجع إلى المدينة في السير وفي المقام بمكة‏.‏

قال الكرماني ما ملخصه‏:‏ تمسك الحنفية بحديث عائشة في أن الفرض في السفر أن يصلي الرباعية ركعتين، وتعقب بأنه لو كان على ظاهره لما أتمت عائشة، وعندهم العبرة بما رأى الراوي إذا عارض ما روى‏.‏

ثم ظاهر الحديث مخالف لظاهر القرآن لأنه يدل على أنها فرضت في الأصل ركعتين واستمرت في السفر، وظاهر القرآن أنها كانت أربعا فنقصت ثم إن قولها ‏"‏ الصلاة ‏"‏ تعم الخمس، وهو مخصوص بخروج المغرب مطلقا والصبح بعدم الزيادة فيها في الحضر قال‏:‏ والعام إذا خص ضعفت دلالته حتى اختلف في بقاء الاحتجاج به‏.‏

*3*باب يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا فِي السَّفَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يصلي المغرب ثلاثا في السفر‏)‏ أي ولا يدخل القصر فيها، ونقل ابن المنذر وغيره فيه الإجماع وأراد المصنف أن الأحاديث المطلقة في قول الراوي ‏"‏ كان يصلي في السفر ركعتين ‏"‏ محمولة على المقيدة بأن المغرب بخلاف ذلك، وروى أحمد من طريق ثمامة بن شرحبيل قال ‏"‏ خرجت إلى ابن عمر فقلت‏:‏ ما صلاة المسافر‏؟‏ قال ركعتين ركعتين، إلا صلاة المغرب ثلاثا‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ قَالَ سَالِمٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَفْعَلُهُ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ سَالِمٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ قَالَ سَالِمٌ وَأَخَّرَ ابْنُ عُمَرَ الْمَغْرِبَ وَكَانَ اسْتُصْرِخَ عَلَى امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ فَقُلْتُ لَهُ الصَّلَاةَ فَقَالَ سِرْ فَقُلْتُ الصَّلَاةَ فَقَالَ سِرْ حَتَّى سَارَ مِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ فَيُصَلِّيهَا ثَلَاثًا ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ الْعِشَاءَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَلَا يُسَبِّحُ بَعْدَ الْعِشَاءِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أعجله السير في السفر‏)‏ يخرج ما إذا أعجله السير في الحضر، كأن يكون خارج البلد في بستان مثلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزاد الليث حدثني يونس‏)‏ وصله الإسماعيلي بطوله عن القاسم بن زكريا عن ابن زنجويه عن إبراهيم بن هانئ عن الرمادي كلاهما عن أبي صالح عن الليث به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأخر ابن عمر المغرب وكان استصرخ على صفية بنت أبي عبيد‏)‏ هي أخت المختار الثقفي، وقوله استصرخ بالضم أي استغيث بصوت مرتفع، وهو من الصراخ بالخاء المعجمة، والمصرخ المغيث قال الله تعالى ‏(‏ما أنا بمصرخكم‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقلت له الصلاة‏)‏ بالنصب على الإغراء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلت له الصلاة‏)‏ فيه ما كانوا عليه من مراعاة أوقات العبادة‏.‏

وفي قوله ‏"‏ سر ‏"‏ جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ظاهر سياق المؤلف أن جميع ما بعد قوله ‏"‏ زاد الليث ‏"‏ ليس داخلا في رواية شعيب، وليس كذلك فإنه أخرج رواية شعيب بعد ثمانية أبواب وفيها أكثر من ذلك، وإنما الزيادة في قصة صفية وصنيع ابن عمر خاصة، وفي التصريح بقوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى سار ميلين أو ثلاثة‏)‏ أخرجه المصنف في ‏"‏ باب السرعة في السير ‏"‏ من كتاب الجهاد من رواية أسلم مولى عمر قال ‏"‏ كنت مع عبد الله بن عمر بطريق مكة فبلغه عن صفية بنت أبي عبيد شدة وجع، فأسرع السير حتى إذا كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعتمة جمع بينهما ‏"‏ فأفادت هذه الرواية تعيين السفر المذكور ووقت انتهاء السير والتصريح بالجمع بين الصلاتين، وأفاد النسائي في رواية أنها كتبت إليه تعلمه بذلك، ولمسلم نحوه من رواية نافع عن ابن عمر‏.‏

وفي رواية لأبي داود من هذا الوجه ‏"‏ فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم نزل فصلى الصلاتين جميعا ‏"‏ وللنسائي من هذا الوجه ‏"‏ حتى إذا كان في آخر الشفق نزل فصلى المغرب ثم أقام العشاء وقد توارى الشفق فصلى بنا ‏"‏ فهذا محمول على أنها قصة أخرى، ويدل عليه أن في أوله ‏"‏ خرجت مع ابن عمر في سفر يريد أرضا له ‏"‏ وفي الأول أن ذلك كان بعد رجوعه من مكة، فدل على التعدد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الله‏)‏ أي ابن عمر ‏(‏رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير‏)‏ يؤخذ منه تقييد جواز التأخير بمن كان على ظهر سير، وسيأتي الكلام عليه بعد ستة أبواب قوله‏:‏ ‏(‏يقيم المغرب‏)‏ كذا للحموي والأكثر بالقاف، وهي موافقة للرواية الآتية، وللمستملى والكشميهني ‏"‏ يعتم ‏"‏ بعين مهملة ساكنة بعدها مثناة فوقانية مكسورة أي يدل في العتمة، ولكريمة ‏"‏ يؤخر‏"‏، وفي الباب عن عمران بن حصين قال ‏"‏ ما سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صلى ركعتين، إلا المغرب صححه الترمذي، وعن علي ‏"‏ صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة السفر ركعتين إلا المغرب ثلاثا ‏"‏ أخرجه البزار، وفيه أيضا عن خزيمة بن ثابت وجابر وغيرهما وعن عائشة كما تقدم في أول الصلاة‏.‏