فصل: باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما الآية‏)‏ الفشل بالفاء والمعجمة الجبن، وقيل الفشل في الرأي العجز، وفي البدن الإعياء وفي الحرب الجبن، والولي الناصر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا بَنِي سَلِمَةَ وَبَنِي حَارِثَةَ وَمَا أُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ وَاللَّهُ يَقُولُ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو‏)‏ هو ابن دينار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نزلت هذه الآية فينا‏)‏ أي في قومه بني سلمة وهم من الخزرج، وفي أقاربهم بني حارثة وهم من الأوس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما أحب أنها لم تنزل والله يقول‏:‏ والله وليهما‏)‏ أي وإن الآية وإن كان في ظاهرها غض منهم لكن في آخرها غاية الشرف لهم، قال ابن إسحاق‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏والله وليهما‏)‏ أي الدافع عنهما ما هموا به من الفشل، لأن ذلك كان من وسوسة الشيطان من غير وهن منهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ نَكَحْتَ يَا جَابِرُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ مَاذَا أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا قُلْتُ لَا بَلْ ثَيِّبًا قَالَ فَهَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ كُنَّ لِي تِسْعَ أَخَوَاتٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ إِلَيْهِنَّ جَارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ وَلَكِنْ امْرَأَةً تَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ قَالَ أَصَبْتَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو‏)‏ هو ابن دينار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تسع بنات‏)‏ في رواية الشعبي ‏"‏ ست بنات ‏"‏ فكأن ثلاثا منهن كن متزوجات أو بالعكس، وقد تقدم شرح ما تضمنته الرواية الثانية في علامات النبوة، ويأتي شرح ما تضمنته الرواية الأولى في كتاب النكاح، وقد تقدم في الجنائز من وجه آخر عن جابر، والغرض من إيراده هنا أن عبد الله والد جابر كان ممن استشهد بأحد، وعند الترمذي من طريق طلحة بن خراش ‏"‏ سمعت جابرا يقول‏:‏ لقيني النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ما لي أراك منكسرا‏؟‏ قلت‏:‏ يا رسول الله استشهد أبي بأحد وترك دينا وعيالا، قال‏:‏ أفلا أبشرك‏؟‏ إن الله قد لقي أباك فقال‏:‏ تمن علي، قال‏:‏ تحييني فأقتل فيك مرة أخرى، وأنزلت هذه الآية ‏(‏ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء‏)‏ الآية‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ فَلَمَّا حَضَرَ جِزَازُ النَّخْلِ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي قَدْ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ دَيْنًا كَثِيرًا وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ فَقَالَ اذْهَبْ فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ عَلَى نَاحِيَةٍ فَفَعَلْتُ ثُمَّ دَعَوْتُهُ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ كَأَنَّهُمْ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ أَطَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي أَصْحَابَكَ فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ عَنْ وَالِدِي أَمَانَتَهُ وَأَنَا أَرْضَى أَنْ يُؤَدِّيَ اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي وَلَا أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ فَسَلَّمَ اللَّهُ الْبَيَادِرَ كُلَّهَا وَحَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهَا لَمْ تَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏تسع بنات‏)‏ في رواية الشعبي ‏"‏ ست بنات ‏"‏ فكأن ثلاثا منهن كن متزوجات أو بالعكس، وقد تقدم شرح ما تضمنته الرواية الثانية في علامات النبوة، ويأتي شرح ما تضمنته الرواية الأولى في كتاب النكاح، وقد تقدم في الجنائز من وجه آخر عن جابر، والغرض من إيراده هنا أن عبد الله والد جابر كان ممن استشهد بأحد، وعند الترمذي من طريق طلحة بن خراش ‏"‏ سمعت جابرا يقول‏:‏ لقيني النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ما لي أراك منكسرا‏؟‏ قلت‏:‏ يا رسول الله استشهد أبي بأحد وترك دينا وعيالا، قال‏:‏ أفلا أبشرك‏؟‏ إن الله قد لقي أباك فقال‏:‏ تمن علي، قال‏:‏ تحييني فأقتل فيك مرة أخرى، وأنزلت هذه الآية ‏(‏ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء‏)‏ الآية‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَمَعَهُ رَجُلَانِ يُقَاتِلَانِ عَنْهُ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ كَأَشَدِّ الْقِتَالِ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو سعد بن إبراهيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومعه رجلان يقاتلان عنه‏)‏ هما جبريل وميكائيل كذا وقع في مسلم من طريق أخرى عن مسعر وفي آخره ‏"‏ يعني جبريل وميكائيل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما رأيتهما قبل ولا بعد‏)‏ في رواية الطيالسي عن إبراهيم بن سعد ‏"‏ لم أرهما قبل ذلك اليوم ولا بعده‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ السَّعْدِيُّ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ نَثَلَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِنَانَتَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي

الشرح‏:‏

حديث سعد أورده من وجهين عن سعيد بن المسيب عنه ومن وجهين عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب، وقوله في الرواية الثانية‏:‏ ‏"‏ حدثنا يحيى هو ابن سعيد القطان ‏"‏ وفي الثالثة ليث وهو ابن سعد عن يحيى وهو ابن سعيد الأنصاري، ورواية الليث أتم‏.‏

وقوله في الرواية الأولى‏:‏ ‏"‏ هاشم بن هاشم ‏"‏ أي ابن عتبة أي ابن أبي وقاص وإنما قال في نسبته السعدي لأنه منسوب إلى عم أبيه سعد وهو جده من قبل الأم، وقوله ‏"‏نثل ‏"‏ بفتح النون والمثلثة أي نفض وزنا ومعنى، والكنانة جعبة السهام وتكون غالبا من جلود، وقوله في الرواية الثالثة‏:‏ ‏"‏ كلاهما ‏"‏ كذا لأبي ذر وأبي الوقت، ولغيرهما ‏"‏ كليهما ‏"‏ وهما جائزان‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ ارم فداك أبي وأمي ‏"‏ هو تفسير لما في الروايتين الأخريين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ جَمَعَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏"‏ جمع لي أبويه ‏"‏ ورأيت في هذا الحديث زيادة من وجه آخر مرسل أخرجها ابن عائذ عن الوليد بن مسلم عن يحيى بن حمزة قال‏:‏ ‏"‏ قال سعد‏:‏ رميت بسهم، فرد علي النبي صلى الله عليه وسلم سهمي أعرفه، حتى واليت بين ثمانية أو تسعة كل ذلك يرده علي، فقلت‏:‏ هذا سهم دم فجعلته في كنانتي لا يفارقني ‏"‏ وعند الحاكم لهذه القصة بيان سبب، فأخرج من طريق يونس بن بكير وهو في المغازي روايته من طريق عائشة بنت سعد عن أبيها قال‏:‏ ‏"‏ جال الناس يوم أحد تلك الجولة تنحيت فقلت أذود عن نفسي فإما أن أنجو وإما أن أستشهد، فإذا رجل محمر وجهه وقد كاد المشركون أن يركبوه، فملأ يده من الحصى فرماهم، وإذا بيني وبينه المقداد، فأردت أن أسأله عن الرجل فقال لي‏:‏ يا سعد هذا رسول الله يدعوك، فقمت وكأنه لم يصبني شيء من الأذى، وأجلسني أمامه فجعلت أرمي ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ غَيْرَ سَعْدٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سعد‏)‏ هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وابن شداد هو عبد الله كما في الرواية الثانية، وأبوه صحابي جليل‏.‏

ويسرة بفتح التحتانية والمهملة‏.‏

وإبراهيم هو ابن سعد بن إبراهيم المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وغير سعد‏)‏ أي ابن أبي وقاص، وهو ابن مالك كما في الرواية الثانية‏.‏

وقوله فيها‏:‏ ‏"‏ إلا لسعد بن مالك ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ غير سعد بن مالك‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُعْتَمِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ زَعَمَ أَبُو عُثْمَانَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَيَّامِ الَّتِي يُقَاتِلُ فِيهِنَّ غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ عَنْ حَدِيثِهِمَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن معتمر‏)‏ هو ابن سليمان، وقوله‏:‏ ‏"‏ زعم أبو عثمان ‏"‏ يعني النهدي‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ سمعت أبا عثمان‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في تلك الأيام‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ في بعض تلك الأيام ‏"‏ وهو أبين، لأن المراد بالبعض يوم أحد، وقوله‏:‏ ‏"‏ الذي يقاتل فيهن ‏"‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ التي ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ غير طلحة ‏"‏ ابن عبيد الله ‏"‏ وسعد ‏"‏ ابن وقاص، وقوله‏:‏ ‏"‏ عن حديثهما ‏"‏ يريد أنهما حدثا أبا عثمان بذلك‏.‏

ووقع عند أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق عبد الله بن معاذ عن معتمر في هذا الحديث ‏"‏ قال سليمان فقلت لأبي عثمان‏:‏ وما علمك بذلك‏؟‏ قال‏:‏ عن حديثهما ‏"‏ وهذا قد يعكر عليه ما تقدم قريبا في الحديث الخامس أن المقداد كان ممن بقي معه، لكن يحتمل أن المقداد إنما حضر بعد تلك الجولة، ويحتمل أن يكون انفرادهما عنه في بعض المقامات، فقد روى مسلم من طريق ثابت عن أنس قال‏:‏ ‏"‏ أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش ‏"‏ وكأن المراد بالرجلين طلحة وسعد، وكأن المراد بالحصر المذكور في حديث الباب تخصيصه بالمهاجرين، فكأنه قال‏:‏ لم يبق معه من المهاجرين غير هذين، وتعين حمله على ما أولته وأن ذلك باعتبار اختلاف الأحوال وأنهم تفرقوا في القتال، فلما وقعت الهزيمة فيمن انهزم وصاح الشيطان‏:‏ قتل محمد، اشتغل كل واحد منهم بهمه والذب عن نفسه كما في حديث سعد، ثم عرفوا عن قرب ببقائه فتراجعوا إليه أولا فأولا، ثم بعد ذلك كان يندبهم إلى القتال فيشتغلون به‏.‏

وروى ابن إسحاق بإسناد حسن عن الزبير بن العوام قال‏:‏ ‏"‏ مال الرماة يوم أحد يريدون النهب، فأتينا من ورائنا، وصرخ صارخ‏:‏ ألا إن محمدا قد قتل، فانكفأنا راجعين، وانكفأ القوم علينا ‏"‏ وسمي ابن إسحاق في المغازي بإسناد له أن حملة من استشهد من الأنصار الذين بقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ زياد بن السكن - قال وبعضهم يقول عمارة بن السكن - في خمسة من الأنصار، وعند ابن عائذ من مرسل المطلب بن عبد الله بن حنطب ‏"‏ أن الصحابة تفرقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى بقي معه اثنا عشر رجلا من الأنصار ‏"‏ وللنسائي والبيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من طريق عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر قال‏.‏

تفرق الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبقي منه أحد عشر رجلا من الأنصار وطلحة ‏"‏ وإسناده جيد، وهو كحديث أنس، إلا أن فيه زيادة أربعة فلعلهم جاءوا بعد ذلك‏.‏

وعند محمد بن سعد أنه ثبت معه أربعة عشر رجلا‏:‏ سبعة من المهاجرين منهم أبو بكر وسبعة من الأنصار، ويجمع بينه وبين حديث الباب بأن سعدا جاءهم بعد ذلك كما في حديثه الذي قدمته في الحديث الخامس، وأن المذكورين من الأنصار استشهدوا كما في حديث أنس، فإن فيه عند مسلم ‏"‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة‏؟‏ فقام رجل من الأنصار ‏"‏ فذكر أن المذكورين من الأنصار استشهدوا كلهم فلم يبق غير طلحة وسعد، ثم جاء بعدهم من جاء‏.‏

وأما المقداد فيحتمل أن يكون استمر مشتغلا بالقتال، وسيأتي بيان ما جرى لطلحة بعد هذا وذكر الواقدي في المغازي أنه ثبت يوم أحد من المهاجرين سبعة‏:‏ أبو بكر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد وطلحة والزبير وأبو عبيدة، ومن الأنصار أبو دجانة والحباب بن المنذر وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير، وقيل‏:‏ إن سعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة بدل الأخيرين، وإن ثبت حمل على أنهم ثبتوا في الجملة، وما تقدم فيمن حضر عنده صلى الله عليه وسلم أولا فأولا والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ صَحِبْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَالْمِقْدَادَ وَسَعْدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن يوسف‏)‏ هو الكندي، والسائب بن يزيد صحابي صغير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا أني سمعت طلحة‏)‏ يعني ابن عبيد الله ‏(‏يحدث عن يوم أحد‏)‏ وقد تقدم شرح هذا الحديث في الجهاد، ووقع عند أبي يعلى من وجه آخر عن السائب بن يزيد أن طلحة ظاهر يوم أحد بين درعين، وذكر ابن إسحاق أن طلحة جلس تحت النبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد الجبل، قال‏:‏ ‏"‏ فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جده عن عبد الله بن الزبير قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ يقول‏:‏ أوجب طلحة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شَلَّاءَ وَقَى بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن إسماعيل‏)‏ هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وقوله‏:‏ ‏"‏ رأيت يد طلحة ‏"‏ أي ابن عبيد الله وقوله‏:‏ ‏"‏ شلاء ‏"‏ بفتح المعجمة وتشديد اللام مع المد أي أصابها الشلل، وهو ما يبطل عمل الأصابع أو بعضها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد‏)‏ وقع بيان ذلك عند الحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ من طريق موسى بن طلحة ‏"‏ جرح يوم أحد تسعا وثلاثين أو خمسا وثلاثين، وشلت إصبعه ‏"‏ أي السبابة والتي تليها‏.‏

وللطيالسي من طريق عيسى بن طلحة عن عائشة قالت‏:‏ ‏"‏ كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال‏:‏ كان ذلك اليوم كله لطلحة‏.‏

قال‏:‏ كنت أول من فاء فرأيت رجلا يقاتل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فقلت‏:‏ كن طلحة، قلت‏:‏ حيث فاتني يكون رجل من قومي، وبيني وبينه رجل من المشركين فإذا هو أبو عبيدة، فانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ دونكما صاحبكما، يريد طلحة، فإذا هو قد قطعت‏:‏ إصبعه، فلما أصلحنا من شأنه ‏"‏ وفي حديث جابر عند النسائي قال‏:‏ ‏"‏ فأدرك المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ من للقوم‏؟‏ فقال طلحة‏:‏ أنا ‏"‏ فذكر قتل الذين كانوا معهما من الأنصار وقال‏:‏ ‏"‏ ثم قاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى ضربت يده فقطعت أصابعه فقال‏:‏ حسن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون، قال ثم رد الله المشركين‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ بِجَعْبَةٍ مِنْ النَّبْلِ فَيَقُولُ انْثُرْهَا لِأَبِي طَلْحَةَ قَالَ وَيُشْرِفُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَا تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تُنْقِزَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلَآَنِهَا ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلَاثًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد العزيز‏)‏ هو ابن صهيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏انهزم الناس‏)‏ أي بعضهم، أو أطلق ذلك باعتبار تفرقهم كما تقدم بيانه، والواقع أنهم صاروا ثلاث فرق‏:‏ فرقة استمروا في الهزيمة إلى قرب المدينة فما رجعوا حتى انفض القتال وهم قليل، وهم الذين نزل فيهم‏:‏ ‏(‏إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان‏)‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 155‏]‏ ، وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل فصار غاية الواحد منهم أن يذب عن نفسه أو يستمر على بصيرته في القتال إلى أن يقتل، وهم أكثر الصحابة‏.‏

وفرقة ثبتت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم تراجع إليه القسم الثاني شيئا فشيئا لما عرفوا أنه حي كما بينته في الحديث السابع، وبهذا يجمع بين مختلف الأخبار في عدة من بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فعند محمد بن عائذ من مرسل المطلب بن حنطب‏:‏ لم يبق منه سوى اثني عشر رجلا، وعند ابن سعد ثبت معه سبعة من الأنصار وسبعة من قريش، وفي مسلم من حديث أنس ‏"‏ أفرد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش طلحة وسعد ‏"‏ وقد سرد أسماءهم الواقدي، واقتصر أبو عثمان النهدي على ذكر طلحة وسعد وهو في الصحيح‏.‏

وأخرج الطبري من طريق السدي أن ابن قمئة لما رمى النبي صلى الله عليه وسلم وكسر رباعيته وشجه في وجه وتفرق الصحابة منهزمين وجعل يدعوهما فاجتمع إليه منهم ثلاثون رجلا، فذكر بقية القصة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو طلحة‏)‏ هو زيد بن سهل الأنصاري، وهو زوج والدة أنس وكان أنس حمل هذا الحديث عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مجوب‏)‏ بضم أوله وفتح الجيم وتشديد الواو المكسورة بعدها موحدة أي مترس، ويقال للترس جوبة، والحجفة بفتح المهملة والجيم والفاء هي الترس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شديد النزع‏)‏ بفتح النون والزاي الساكنة ثم المهملة أي رمي السهم، وتقدم في الجهاد من وجه آخر بلفظ ‏"‏ كان أبو طلحة حسن الرمي، وكان يتترس مع النبي صلى الله عليه وسلم بترس واحد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا‏)‏ أي من شدة الرمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بجعبة‏)‏ بضم الجيم وسكون العين المهملة بعدها موحدة هي الآلة التي يوضع فيها السهام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تشرف‏)‏ بضم أوله وسكون المعجمة من الإشراف، ولأبي الوقت بفتح أوله وسكون الشين أيضا وتشديد الراء وأصله تتشرف أي لا تطلب الإشراف عليهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يصبك‏)‏ بسكون الموحدة على أنه جواب النهي‏.‏

ولغير أبي ذر ‏"‏ يصيبك ‏"‏ بالرفع وهو جائز على تقدير، كأنه قال مثلا لا تشرف فإنه يصيبك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نحري دون نحرك‏)‏ أي أفديك بنفسي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر‏)‏ أم المؤمنين ‏(‏وأم سليم‏)‏ أي والدة أنس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أرى خدم سوقهما‏)‏ بفتح المعجمة والمهملة جمع خدمة وهي الخلاخيل، وقيل‏:‏ الخدمة أصل الساق والسوق جمع ساق، وقد تقدم في الجهاد، وكذا شرح قوله‏:‏ ‏"‏ تنقزان القرب ‏"‏ والاختلاف في لفظه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولقد وقع السيف من يد أبي طلحة‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ من يدي ‏"‏ بالتثنية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إما مرتين وإما ثلاثا‏)‏ زاد مسلم عن الدارمي عن أبي معمر شيخ البخاري فيه بهذا الإسناد ‏"‏ من النعاس ‏"‏ فأفاد سبب وقوع السيف من يده، وسيأتي بعد باب من وجه آخر عن أنس عن أبي طلحة ‏"‏ كنت فيمن يغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا‏"‏، ولأحمد والحاكم من طريق ثابت عن أنس ‏"‏ رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر وما منهم من أحد إلا وهو يميل تحت حجفته من النعاس وهو قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إذ يغشاكم النعاس أمنة منه‏)‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ فَصَرَخَ إِبْلِيسُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ فَبَصُرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ فَقَالَ أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أَبِي أَبِي قَالَ قَالَتْ فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ قَالَ عُرْوَةُ فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَصُرْتُ عَلِمْتُ مِنْ الْبَصِيرَةِ فِي الْأَمْرِ وَأَبْصَرْتُ مِنْ بَصَرِ الْعَيْنِ وَيُقَالُ بَصُرْتُ وَأَبْصَرْتُ وَاحِدٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما كان يوم أحد هزم المشركون، فصرخ إبليس‏:‏ أي عباد الله أخراكم‏)‏ أي احترزوا من جهة أخراكم، وهي كلمة تقال لمن يخشى أن يؤتي عند القتال من ورائه، وكان ذلك لما ترك الرماة مكانهم ودخلوا ينتهبون عسكر المشركين كما سبق بيانه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم‏)‏ أي وهم يظنون أنهم من العدو، وقد تقدم بيان ذلك من حديث ابن عباس الذي أخرجه أحمد والحاكم، وأنهم لما رجعوا اختلطوا بالمشركين والتبس العسكران فلم يتميزوا، فوقع القتل على المسلمين بعضهم من بعض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبصر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان فقال‏:‏ أي عباد الله أبي أبي‏)‏ هو بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة وأعادها تأكيدا، وإنما ضبطه لئلا يصحف بأبي بضم الهمزة وفتح الموحدة مع التشديد، وأفاد ابن سعد أن الذي قتل اليمان خطأ عتبة بن مسعود أخو عبد الله بن مسعود، وهو في ‏"‏ تفسير عبد بن حميد ‏"‏ من وجه آخر عن ابن عباس، وذكر ابن إسحاق قال‏:‏ ‏"‏ حدثني عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد قال كان اليمان والد حذيفة وثابت بن وقش شيخين كبيرين فتركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع النساء والصبيان، فتذاكرا بينهما ورغبا في الشهادة، فأخذا سيفيهما ولحقا بالمسلمين بعد الهزيمة، فلم يعرفوا بهما، فأما ثابت فقتله المشركون، وأما اليمان فاختلف عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عروة إلخ‏)‏ تقدم بيانه في المناقب‏.‏

وفي رواية ابن إسحاق ‏"‏ فقال حذيفة‏:‏ قتلتم أبي، قالوا، والله ما عرفناه، وصدقوا، فقال حذيفة‏.‏

يغفر الله لكم، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين، فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ‏"‏ وفيه تعقب على ابن التين حيث قال‏.‏

إن الراوي سكت في قتل اليمان عما يجب فيه من الدية والكفارة، فإما أن تكون لم تفرض يومئذ، أو اكتفى بعلم السامع‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ

إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان‏)‏ اتفق أهل العلم بالنقل على أن المراد به هنا يوم أحد‏.‏

وغفل من قال يوم بدر، لأنه لم يول فيها أحد من المسلمين‏.‏

نعم المراد بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان‏)‏ وهي في سورة الأنفال يوم بدر، ولا يلزم منه أن يكون حيث جاء ‏(‏التقى الجمعان‏)‏ المراد به يوم بدر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏استزلهم‏)‏ أي زين لهم أن يزلوا، وقوله‏:‏ ‏(‏ببعض ما كسبوا‏)‏ قال ابن التين‏:‏ يقال إن الشيطان ذكرهم خطاياهم فكرهوا القتال قبل التوبة‏؟‏ ولم يكرهوه معاندة ولا نفاقا، فعفا الله عنهم‏.‏

قلت‏:‏ ولم يتعين ما قال، فيحتمل أن يكونوا فروا جبنا ومحبة في الحياة لا عنادا ولا نفاقا، فتابوا فعفا الله عنهم‏.‏

ثم ذكر حديث ابن عمر في قصة عثمان، وقد تقدم شرحه في مناقب عثمان، وقدمت أني لم أقف على اسمه صريحا، إلا أنه يحتمل يكون هو العلاء بن عرار‏.‏

ثم رأيت لبعضهم أن اسمه حكيم فليحرر‏.‏

وفي الرواية المتقدمة أنه من أهل مصر، ثم وجدت الجزم بالعلاء بن عرار وهما بالمهملات وذلك في مناقب عثمان، ويأتي بأبسط من ذلك في تفسير ‏(‏وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة‏)‏ من سورة البقرة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ حَجَّ الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ مَنْ هَؤُلَاءِ الْقُعُودُ قَالُوا هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ قَالَ مَنْ الشَّيْخُ قَالُوا ابْنُ عُمَرَ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ أَتُحَدِّثُنِي قَالَ أَنْشُدُكَ بِحُرْمَةِ هَذَا الْبَيْتِ أَتَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَتَعْلَمُهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَتَعْلَمُ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَكَبَّرَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ تَعَالَ لِأُخْبِرَكَ وَلِأُبَيِّنَ لَكَ عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ مَرِيضَةً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ فَبَعَثَ عُثْمَانَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَمَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ هَذِهِ لِعُثْمَانَ اذْهَبْ بِهَذَا الْآنَ مَعَكَ

الشرح‏:‏

وقوله في هذه الرواية‏:‏ ‏"‏ أنشدك بحرمة هذا البيت ‏"‏ فيه جواز مثل هذا القسم عند أثر عبد الله بن عمر لكونه لم ينكر عليه، وسيأتي البحث في شيء من هذا في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني سائلك عن شيء، أتحدثني‏؟‏‏)‏ زاد في رواية أبي نعيم المذكورة ‏"‏ قال‏:‏ نعم‏"‏‏.‏

*3*باب إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ

وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ تُصْعِدُونَ تَذْهَبُونَ أَصْعَدَ وَصَعِدَ فَوْقَ الْبَيْتِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذ تصعدون ولا تلوون على أحد - إلى قوله - بما تعملون‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تصعدون تذهبون، أصعد وصعد فوق البيت‏)‏ سقط هذا التفسير للمستملي، كأنه يريد الإشارة إلى التفرقة بين الثلاثي والرباعي، فالثلاثي بمعنى ارتفع والرباعي بمعنى ذهب‏.‏

وقال بعض أهل اللغة‏:‏ أصعد إذا ابتدأ السير‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فأثابكم غما بغم‏)‏ روى عبد بن حميد من طريق مجاهد قال‏:‏ ‏"‏ كان الغم الأول حين سمعوا الصوت أن محمدا قد قتل، والثاني لما انحازوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصعدوا في الجبل فتذكروا قتل من قتل منهم فاغتموا ‏"‏ ومن طريق سعيد عن قتادة نحوه وزاد ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏(‏لكيلا تحزنوا على ما فاتكم‏)‏ أي من الغنيمة ‏(‏ولا ما أصابكم‏)‏ أي من الجراح وقتل إخوانكم‏"‏‏.‏

وروى الطبري من طريق السري نحوه لكن قال‏:‏ ‏"‏ الغم الأول ما فاتهم من الغنيمة والثاني ما أصابهم من الجراح ‏"‏ وزاد قال‏:‏ ‏"‏ لما صعدوا أقبل أبو سفيان بالخيل حتى أشرف عليهم فنسوا ما كانوا فيه من الحزن على من قتل منهما واشتغلوا بدفع المشركين‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمْ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ

الشرح‏:‏

حديث البراء في قصة الرماة تقدم شرحه قريبا‏.‏

*3*باب ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا

يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا‏)‏ الآية ذكر فيه حديث أبي طلحة ‏"‏ كنت فيمن تغشاه النعاس ‏"‏ الحديث، وقد تقدم شرحه قريبا‏.‏

قال ابن إسحاق أنزل الله النعاس أمنة لأهل اليقين فهم نيام لا يخافون، والذين أهمتهم أنفسهم أهل النفاق في غاية الخوف والذعر‏.‏

*3*باب لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ

قَالَ حُمَيْدٌ وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ شُجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ فَنَزَلَتْ لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون‏)‏ أي بيان سبب نزول هذه الآية، وقد ذكر في الباب سببين، ويحتمل أن تكون نزلت في الأمرين جميعا فإنهما كانا في قصة واحدة، وسأذكر في آخر الباب سببا آخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال حميد وثابت عن أنس‏:‏ شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فقال‏:‏ كيف يفلح قوم شجوا نبيهم‏؟‏ فنزلت‏:‏ ليس لك من الأمر شيء‏)‏ أما حديث حميد فوصله أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن حميد به‏.‏

وقال ابن إسحاق في المغازي ‏"‏ حدثني حميد الطويل عن أنس قال‏:‏ كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وشج وجهه، فجعل الدم يسيل على وجهه، وجعل يمسح الدم وهو يقول‏:‏ كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم‏؟‏ فأنزل الله الآية ‏"‏ وأما حديث ثابت فوصله مسلم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد وهو يسلت الدم عن وجهه‏:‏ كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وأدموا وجهه‏؟‏ فأنزل الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ ليس لك من الأمر شيء الآية ‏"‏ وذكر ابن هشام في حديث أبي سعيد الخدري ‏"‏ أن عتبة بن أبي وقاص هو الذي كسر رباعية النبي صلى الله عليه وسلم السفلى وجرح شفته السفلى، وأن عبد الله بن شهاب الزهري هو الذي شجه في جبهته، وأن عبد الله بن قمئة جرحه في وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته وأن مالك بن سنان مص الدم من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ازدرده فقال‏:‏ لن تمسك النار ‏"‏ وروى ابن إسحاق من حديث سعد بن أبي وقاص قال‏:‏ ‏"‏ فما حرصت على قتل رجل قط حرصي على قتل أخي عتبة بن أبي وقاص لما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ‏"‏ وفي الطبراني من حديث أبي أسامة قال‏:‏ ‏"‏ رمى عبد الله بن قمئة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فشج وجهه وكسر رباعيته فقال‏:‏ خذها وأنا ابن قمئة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهه‏:‏ مالك أقمأك الله، فسلط الله عليه تيس جبل فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة ‏"‏ وأخرج ابن عائذ في المغازي عن الوليد بن مسلم حدثني عبد الرحمن بن يزيد عن جابر فذكر نحوه منقطعا، وسيأتي في أواخر هذه الغزوة شواهد لحديث أنس من حديث أبي هريرة وغيره‏.‏

ووقع عند مسلم من طريق ابن عباس عن عمر في قصة بدر قال‏:‏ فلما كان يوم أحد قتل منهم سبعون وفروا وكسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه‏.‏

فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏(‏أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها‏)‏ الآية، والمراد بكسر الرباعية وهي السن التي بين الثنية والناب أنها كسرت فذهب منها فلقة ولم تقلع من أصلها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ الْفَجْرِ يَقُولُ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ إِلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عَلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَزَلَتْ لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ إِلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العن فلانا وفلانا وفلانا‏)‏ سماهم في الرواية التي بعدها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن حنظلة بن أبي سفيان‏)‏ هو معطوف على قوله‏.‏

‏"‏ أخبرنا معمر إلخ ‏"‏ والراوي له عن حنظلة هو عبد الله بن المبارك، ووهم من زعم أنه معلق‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ سمعت سالم بن عبد الله يقول‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلخ ‏"‏ وهو مرسل، والثلاثة الذين سماهم قد أسلموا يوم الفتح، ولعل هذا هو السر في نزول قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ليس لك من الأمر شيء‏)‏ ووقع في رواية يونس عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة نحو حديث ابن عمر، لكن فيه ‏"‏ اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية ‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏ ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت‏:‏ ليس لك من الأمر شيء‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وهذا إن كان محفوظا احتمل أن يكون نزول الآية تراخى عن قصة أحد، لأن قصة رعل وذكوان كانت بعدها كما سيأتي تلو هذه الغزوة وفيه بعد، والصواب أنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم بسبب قصة أحد، والله أعلم‏.‏

ويؤيد ذلك ظاهر قوله في صدر الآية ‏(‏ليقطع طرفا من الذين كفروا‏)‏ أي يقتلهم ‏(‏أو يكبتهم‏)‏ أي يخزيهم، ثم قال‏:‏ ‏(‏أو يتوب عليهم‏)‏ أي فيسلموا ‏(‏أو يعذبهم‏)‏ أي إن ماتوا كفارا‏.‏

*3*باب ذِكْرِ أُمِّ سَلِيطٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ذكر أم سليط‏)‏ بفتح المهملة وكسر اللام، ذكر فيه حديث عمر في قصة المروط، وقد تقدم شرحه في كتاب الجهاد، وأم سليط المذكورة هي والدة أبي سعيد الخدري كانت زوجا لأبي سليط فمات عنها قبل الهجرة، فتزوجها مالك بن سنان الخدري فولدت له أبا سعيد‏.‏

*3*باب قَتْلِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره ‏"‏ باب قتل حمزة ‏"‏ فقط، وللنسفي ‏"‏ قتل حمزة سيد الشهداء ‏"‏ وهذا اللفظ قد ثبت في حديث مرفوع أخرجه الطبراني من طريق الأصبغ بن نباته عن علي قال‏:‏ ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ فَلَمَّا قَدِمْنَا حِمْصَ قَالَ لِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ هَلْ لَكَ فِي وَحْشِيٍّ نَسْأَلُهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ قُلْتُ نَعَمْ وَكَانَ وَحْشِيٌّ يَسْكُنُ حِمْصَ فَسَأَلْنَا عَنْهُ فَقِيلَ لَنَا هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ قَصْرِهِ كَأَنَّهُ حَمِيتٌ قَالَ فَجِئْنَا حَتَّى وَقَفْنَا عَلَيْهِ بِيَسِيرٍ فَسَلَّمْنَا فَرَدَّ السَّلَامَ قَالَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَتِهِ مَا يَرَى وَحْشِيٌّ إِلَّا عَيْنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ يَا وَحْشِيُّ أَتَعْرِفُنِي قَالَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَا وَاللَّهِ إِلَّا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ الْخِيَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قِتَالٍ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا بِمَكَّةَ فَكُنْتُ أَسْتَرْضِعُ لَهُ فَحَمَلْتُ ذَلِكَ الْغُلَامَ مَعَ أُمِّهِ فَنَاوَلْتُهَا إِيَّاهُ فَلَكَأَنِّي نَظَرْتُ إِلَى قَدَمَيْكَ قَالَ فَكَشَفَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ أَلَا تُخْبِرُنَا بِقَتْلِ حَمْزَةَ قَالَ نَعَمْ إِنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ بِبَدْرٍ فَقَالَ لِي مَوْلَايَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي فَأَنْتَ حُرٌّ قَالَ فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ النَّاسُ عَامَ عَيْنَيْنِ وَعَيْنَيْنِ جَبَلٌ بِحِيَالِ أُحُدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَادٍ خَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ إِلَى الْقِتَالِ فَلَمَّا أَنْ اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ خَرَجَ سِبَاعٌ فَقَالَ هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ قَالَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ يَا سِبَاعُ يَا ابْنَ أُمِّ أَنْمَارٍ مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ أَتُحَادُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ قَالَ وَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا فِي ثُنَّتِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ وَرِكَيْهِ قَالَ فَكَانَ ذَاكَ الْعَهْدَ بِهِ فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ رَجَعْتُ مَعَهُمْ فَأَقَمْتُ بِمَكَّةَ حَتَّى فَشَا فِيهَا الْإِسْلَامُ ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الطَّائِفِ فَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا فَقِيلَ لِي إِنَّهُ لَا يَهِيجُ الرُّسُلَ قَالَ فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ آنْتَ وَحْشِيٌّ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ قُلْتُ قَدْ كَانَ مِنْ الْأَمْرِ مَا بَلَغَكَ قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي قَالَ فَخَرَجْتُ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ قُلْتُ لَأَخْرُجَنَّ إِلَى مُسَيْلِمَةَ لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئَ بِهِ حَمْزَةَ قَالَ فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ قَالَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثَلْمَةِ جِدَارٍ كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرُ الرَّأْسِ قَالَ فَرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ قَالَ وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ فَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ فَقَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ وَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني أبو جعفر محمد بن عبد الله‏)‏ أي ابن المبارك المخرمي بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الراء البغدادي، روى عنه البخاري هنا وفي الطلاق، وشيخه حجين بن المثنى بمهملة ثم جيم وآخره نون مصغر، أصله من اليمامة وسكن بغداد وولي قضاء خراسان، وهو من أقران كبار شيوخ البخاري لكن لم يسمع منه البخاري، وليس له عنده سوى هذا الموضع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن الفضل‏)‏ هو ابن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المدني من صغار التابعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن جعفر بن عمرو بن أمية‏)‏ هو الضمري، وأبوه هو الصحابي المشهور، هذا هو المحفوظ، وكذا رواه أحمد بن خالد الوهبي عن عبد العزيز أخرجه الطبراني وقد رواه أبو داود الطيالسي عن عبد العزيز شيخ حجين بن المثنى فيه فقال ‏"‏ عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال‏:‏ أقبلنا من الروم ‏"‏ فذكر الحديث، والمحفوظ ‏"‏ عن جعفر بن عمرو قال‏:‏ خرجت مع عبيد الله بن عدي ‏"‏ وكذا أخرجه ابن إسحاق ‏"‏ عن عبد الله بن الفضل عن سليمان عن جعفر قال‏:‏ خرجت أنا وعبيد الله ‏"‏ فذكره، وكذا أخرجه ابن عائذ في المغازي ‏"‏ عن الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن جعفر بن عمرو بن أمية قال خرجت أنا وعبيد الله بن عدي ‏"‏ وللطبراني من وجه آخر عن ابن جابر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار‏)‏ النوفلي الذي تقدم ذكره في مناقب عثمان، زاد أحمد بن خالد الوهبي عن عبد العزيز بن عبد الله ‏"‏ فأدربنا ‏"‏ أي دخلنا درب الروم مجاهدين ‏"‏ فلما مررنا بحمص ‏"‏ وكذا في رواية ابن إسحاق‏.‏

وفي رواية عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ‏"‏ خرجت أنا وعبيد الله بن عدي غازيين الطائفة زمن معاوية، فلما قفلنا مررنا بحمص‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هل لك في وحشي‏)‏ أي ابن حرب الحبشي مولى جبير بن مطعم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نسأله عن قتل حمزة‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فنسأله عن قتله حمزة ‏"‏ زاد ابن إسحاق كيف قتله‏؟‏ قوله‏:‏ ‏(‏فسألنا عنه، فقيل لنا‏)‏ في رواية ابن إسحاق ‏"‏ فقال لنا رجل ونحن نسأل عنه‏:‏ إنه غلب عليه الخمر، فإن تجداه صاحيا تجداه عربيا يحدثكما بما شئتما، وإن تجداه على غير ذلك فانصرفا عنه ‏"‏ وفي رواية الطيالسي نحوه وقال فيه‏:‏ ‏"‏ إن أدركتماه شاربا فلا تسألاه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كأنه حميت‏)‏ بمهملة وزن رغيف، أي زق كبير، وأكثر ما يقال ذلك إذا كان مملوءا‏.‏

وفي رواية لابن عائذ ‏"‏ فوجدناه رجلا سمينا محمرة عيناه ‏"‏ وفي رواية الطيالسي ‏"‏ فإذا به قد ألقي له شيء على بابه وهو جالس صاح ‏"‏ وفي رواية ابن إسحاق ‏"‏ على طنفسة له ‏"‏ وزاد ‏"‏ فإذا شيخ كبير مثل البغاث ‏"‏ يعني بفتح الموحدة والمعجمة الخفيفة وآخره مثلثة وهو طائر ضعيف الجثة كالرخمة ونحوها مما لا يصيد ولا يصاد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏معتجر‏)‏ أي لاف عمامته على رأسه من غير تحنيك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا وحشي أتعرفني‏)‏ في رواية ابن إسحاق ‏"‏ فلما انتهينا إليه سلمنا عليه فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي فقال ابن العدي بن الخيار أنت‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

فيحتمل أن يكون قال له ذلك بعد أن قال له ‏"‏ أتعرفني‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أم قتال‏)‏ بكسر القاف بعدها مثناة خفيفة‏.‏

وفي رواية الكشميهني بموحدة، والأول أصح، وهي عمة عتاب بن أسيد أي ابن أبي العيص بن أمية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أسترضع له‏)‏ أي أطلب له من يرضعه، زاد في رواية ابن إسحاق ‏"‏ والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى، فإني ناولتكها وهي على بعيرها فأخذتك، فلمعت لي قدمك حين رفعتك، فما هو إلا أن وقفت علي فعرفتها ‏"‏ وهذا يوضح قوله في رواية الباب ‏"‏ فكأني نظرت إلى قدميك ‏"‏ يعني أنه شبه قدميه بقدم الغلام الذي حمله فكان هو هو، وبين الرؤيتين قريب من خمسين سنة، فدل ذلك على ذكاء مفرط، ومعرفة تامة بالقيافة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا تخبرنا بقتل حمزة‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏)‏ في رواية الطيالسي ‏"‏ فقال سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما أن خرج الناس‏)‏ أي قريش ومن معهم ‏(‏عام عينين‏)‏ أي سنة أحد وقوله‏:‏ ‏"‏ عينين جبل بحيال أحد ‏"‏ أي من ناحية أحد، يقال فلان حيال كذا بالمهملة المكسورة بعد تحتانية خفيفة أي مقابله، وهو تفسير من بعض رواته‏.‏

والسبب في نسبة وحشي العام إليه دون أحد أن قريشا كانوا نزلوا عنده‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خرجت مع الناس إلى القتال‏)‏ في رواية الطيالسي ‏"‏ فانطلقت يوم أحد معي حربتي، وأنا رجل من الحبشة ألعب لعبهم، قال‏:‏ وخرجت ما أريد أن أقتل ولا أقاتل إلا حمزة، وعند ابن إسحاق‏:‏ وكان وحشي يقذف بالحربة قذف الحبشة قلما يخطئ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خرج سباع‏)‏ بكسر المهملة بعدها موحدة خفيفة وهو ابن عبد العزى الخزاعي ثم الغبشاني بضم المعجمة وسكون الموحدة ثم معجمة، ذكر ابن إسحاق أن كنيته أبو نيار بكسر النون وتخفيف التحتانية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فخرج إليه حمزة‏)‏ في رواية الطيالسي ‏"‏ فإذا حمزة كأنه جمل أورق ما يرفع له أحد إلا قمعه بالسيف، فهبته‏.‏

وبادر إليه رجل من ولد سباع ‏"‏ كذا قال، والذي في الصحيح هو الصواب، وعند ابن إسحاق ‏"‏ فجعل يهد الناس بسيفه ‏"‏ وعند ابن عائذ ‏"‏ فرأيت رجلا إذا حمل لا يرجع حتى يهزمنا، فقلت‏:‏ من هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ حمزة‏.‏

قلت‏:‏ هذا حاجتي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا ابن أم أنمار‏)‏ بفتح الهمزة وسكون النون هي أمه، كانت مولاة لشريق بن عمرو الثقفي والد الأخنس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مقطعة البظور‏)‏ بالظاء المعجمة جمع بظر وهي اللحمة التي تقطع من فرج المرأة عند الختان، قال ابن إسحاق‏:‏ كانت أمه ختانة بمكة تختن النساء ا هـ والعرب تطلق هذا اللفظ في معرض الذم، وإلا قالوا خاتنة وذكر عمر بن شبة في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ عن عبد العزيز بن المطلب أنها أم سباع وعبد العزى الخزاعي، وكانت أمة وهي والدة خباب بن الأرت الصحابي المشهور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتحاد‏)‏ بمهملتين وتشديد الدال أي أتعاند، وأصل المحاددة أن يكون ذا في حد وذا في حد، ثم استعمل في المحاربة والمعاداة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ كأمس الذاهب ‏"‏ هي كناية عن قتله أي صيره عدما‏.‏

وفي رواية ابن إسحاق ‏"‏ فكأنما أخطأ رأسه ‏"‏ وهدا يقال عند المبالغة في الإصابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكمنت‏)‏ بفتح الميم أي اختفيت‏.‏

وفي رواية ابن عائذ ‏"‏ عند شجرة ‏"‏ وعند ابن أبي شيبة من مرسل عمير بن إسحاق أن حمزة عثر فانكشفت الدرع عن بطنه فأبصره العبد الحبشي فرماه بالحربة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في ثنته‏)‏ بضم المثلثة وتشديد النون هي العانة، وقيل ما بين السرة والعانة، وللطيالسي ‏"‏ فجعلت ألوذ من حمزة بشجرة ومعي حربتي حتى إذا استمكنت منه هززت الحربة حتى رضيت منها، ثم أرسلتها فوقعت بين ثندوتيه، وذهب يقوم فلم يستطع ‏"‏ ا هـ والثندوة بفتح المثلثة وسكون النون وضم المهملة بعدها واو خفيفة هي من الرجل موضع الثدي من المرأة‏.‏

والذي في الصحيح أن الحربة أصابت ثنته أصح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما رجع الناس‏)‏ أي إلى مكة، زاد الطيالسي ‏"‏ فلما جئت عتقت ‏"‏ ولابن إسحاق ‏"‏ فلما قدمت مكة عتقت، وإنما قتلته لأعتق‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى فشا فيها الإسلام‏)‏ في روية ابن إسحاق ‏"‏ فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية ابن إسحاق ‏"‏ فلما خرج وفد الطائف ليسلموا تغمت علي المذاهب فقلت ألحق باليمن أو الشام أو غيرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رسلا‏)‏ كذا لأبي ذر وأبي الوقت، ولغيرهما رسولا بالإفراد، كان أول من قدم من ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة عروة بن مسعود فأسلم، ورجع فدعاهم إلى الإسلام فقتلوه، ثم ندموا فأرسلوا وفدهم - وهم عمرو بن وهب بن مغيث وشرحبيل بن غيلان بن مسلمة وعبد يا ليل بن عمرو بن عمير، هؤلاء الثلاثة من الأحلاف، وعثمان بن أبي العاص، وأوس بن عوف ونمير بن حرشة، وهؤلاء الثلاثة من بني مالك، ذكر ذلك محمد بن إسحاق مطولا، وزاد ابن إسحاق أن الوفد كانوا سبعين رجلا، وكان الستة رؤساءهم، وقيل كان الجميع سبعة عشر، قال وهو أثبت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقيل لي إنه لا يهيج الرسل‏)‏ أي لا ينالهم منه إزعاج‏.‏

وفي رواية الطيالسي ‏"‏ فأردت الهرب إلى الشام، فقال لي رجل‏:‏ ويحك، والله ما يأتي محمدا أحد بشهادة الحق إلا خلى عنه، قال فانطلقت فما شعر بي إلا وأنا قائم على رأسه أشهد بشهادة الحق ‏"‏ وعند ابن إسحاق ‏"‏ فلم يرعه إلا بي قائما على رأسه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ أنت قتلت حمزة‏؟‏ قلت‏:‏ قد كان من الأمر ما قد بلغك‏)‏ في رواية الطيالسي ‏"‏ فقال ويحك، حدثني عن قتل حمزة‏.‏

قال فأنشأت أحدثه كما حدثتكما ‏"‏ وعند يونس بن بكير في المغازي عند ابن إسحاق قال ‏"‏ فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وحشي، فقال‏:‏ دعوه فلإسلام رجل واحد أحب إلي من قتل ألف كافر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني‏)‏ في رواية الطيالسي ‏"‏ فقال غيب وجهك عني فلا أراك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال فخرجت‏)‏ زاد الطيالسي ‏"‏ فكنت أتقي أن يراني‏"‏‏.‏

ولابن عائذ ‏"‏ فما رآني حتى مات‏"‏‏.‏

وعند الطبراني ‏"‏ فقال‏:‏ يا وحشي، اخرج فقاتل في سبيل الله كما كنت تصد عن سبيل الله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقلت لأخرجن إلى مسيلمة‏)‏ في رواية الطيالسي ‏"‏ فلما كان من أمر مسيلمة ما كان انبعث مع البعث فأخذت حربتي ‏"‏ ولابن إسحاق نحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأكافئ به حمزة‏)‏ بالهمز أي أساويه به، وقد فسره بعد بقوله ‏"‏ فقتلت خير الناس وشر الناس ‏"‏ قوله ‏"‏ فكان من أمره ما كان ‏"‏ أي من محاربته، وقتل جمع من الصحابة في الواقعة التي كانت بينهم وبينه، ثم كان الفتح للمسلمين بقتل مسيلمة كما سيأتي بيان ذلك في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في ثلمة جدار‏)‏ أي خلل جدار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جمل أورق‏)‏ أي لونه مثل الرماد، وكان ذلك من غبار الحرب‏.‏

وقوله ‏"‏ثائر الرأس ‏"‏ أي شعره منتفش‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوضعتها‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فأضعها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ووثب إليه رجل من الأنصار‏)‏ هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني كما جزم به الواقدي وإسحاق بن راهويه والحاكم، وقيل هو عدي بن سهل جزم به سيف في ‏"‏ كتاب الردة ‏"‏ وقيل أبو دجانة، وقيل زيد بن الخطاب الأول أشهر، ولعل عبد الله بن زيد هو الذي أصابته ضربته، وأما الآخران فحملا عليه في الجملة‏.‏

وأغرب وثيمة في ‏"‏ كتاب الردة ‏"‏ فزعم أن الذي ضرب مسيلمة هو شن بفتح المعجمة وتشديد النون ابن عبد الله، وأنشد له‏:‏ ألم تر أني ووحشيهم ضربنا مسيلمة المفتن يسائلني الناس عن قتله فقلت ضربت وهذا طعن فلست بصاحبه دونه وليس بصاحبه دون شن وأغرب من ذلك ما حكى ابن عبد البر أن الذي قتل مسيلمة هو خلاس بن بشير بن الأصم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فضربه بالسيف على هامته‏)‏ في رواية الطيالسي ‏"‏ فربك أعلم أينا قتله، فإن أك قتلته فقد قتلت خير الناس وشر الناس‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله بن الفضل‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور أولا‏.‏

وفي رواية الطيالسي ‏"‏ فقال سليمان بن يسار‏:‏ سمعت ابن عمر يقول ‏"‏ زاد ابن إسحاق في روايته ‏"‏ وكان قد شهد اليمامة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالت جارية على ظهر بيت‏:‏ وا أمير المؤمنين، قتله العبد الأسود‏)‏ هذا فيه تأييد لقول وحشي إنه قتله، لكن في قول الجارية أمير المؤمنين نظر لأن مسيلمة كان يدعي أنه نبي مرسل من الله، وكانوا يقولون له يا رسول الله ونبي الله، والتلقيب بأمير المؤمنين حدث بعد ذلك، وأول من لقب به عمر، وذكر بعد قتل مسيلمة بمدة، فليتأمل هذا‏.‏

وأما قول ابن التين‏:‏ كان مسيلمة تسمى تارة بالنبي وتارة بأمير المؤمنين، فإن كان أخذه من هذا الحديث فليس بجيد، وإلا فيحتاج إلى نقل بذلك والذي في رواية الطيالسي ‏"‏ قال ابن عمر‏:‏ كنت في الجيش يومئذ، فسمعت قائلا يقول في مسيلمة‏:‏ قتله العبد الأسود ‏"‏ ولم يقل أمير المؤمنين، ويحتمل أن تكون الجارية أطلقت عليه الأمير باعتبار أن أمر أصحابه كان إليه وأطلقت على أصحابه المؤمنين باعتبار إيمانهم به، ولم يقصد إلى تلقيبه بذلك، والله أعلم‏.‏

ثم وجدت في كلام أبي الخطاب بن دحية الإنكار على من أطلق أن عمر أول من لقب أمير المؤمنين وقال‏:‏ قد تسمى به مسيلمة قبله، كما أخرجه البخاري في قصة وحشي، يشير إلى هذه الرواية‏.‏

وتعقبه ابن الصلاح ثم النووي‏.‏

قال النووي‏:‏ وذكر ابن الصلاح أن الذي ذكره ابن دحية ليس بصحيح، فإنه ليس في هذا الحديث إلا أن الجارية صاحت لما أصيب مسيلمة‏:‏ وا أمير المؤمنين، ولا يلزم من ذلك تسميته بذلك ا هـ‏.‏

واعترض مغلطاي أيضا بأن أول من قيل له أمير المؤمنين عبد الله بن جحش، وهو متعقب أيضا بأنه لم يلقب به، وإنما خوطب بذلك لأنه كان أول أمير في الإسلام على سرية‏.‏

وفي حديث وحشي من الفوائد غير ما تقدم ما كان عليه من الذكاء المفرط، ومناقب كثيرة لحمزة، وفيه أن المرء يكره أن يرى من أوصل إلى قريبه أو صديقه أذى، ولا يلزم من ذلك وقوع الهجرة المنهية بينهما‏.‏

وفيه أن الإسلام يهدم ما قبله، والحذر في الحرب، وأن لا يحتقر المرء منها أحدا، فإن حمزة لا بد أن يكون رأى وحشيا في ذلك اليوم لكنه لم يحترز منه احتقارا منه إلى أن أتي من قبله‏.‏

وذكر ابن إسحاق قال‏:‏ ‏"‏ حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس حمزة، فوجده ببطن الوادي قد مثل به، فقال‏:‏ لولا أن تحزن صفية - يعني بنت عبد المطلب - وتكون سنة بعدي لتركته حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطير ‏"‏ زاد ابن هشام قال‏:‏ ‏"‏ وقال لن أصاب بمثلك أبدا‏.‏

ونزل جبريل فقال‏:‏ إن حمزة مكتوب في السماء أسد الله وأسد رسوله ‏"‏ وروى البزار والطبراني بإسناد فيه ضعف عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى حمزة قد مثل به قال‏:‏ رحمة الله عليك، لقد كنت وصولا للرحم، فعولا للخير، ولولا حزن من بعدك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أجواف شتى‏.‏

ثم حلف وهو بمكانه لأمثلن بسبعين منهم، فنزل القرآن ‏(‏وإن عاقبتم‏)‏ الآية ‏"‏ وعند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني من حديث أبي بن كعب قال‏:‏ ‏"‏ مثل المشركون بقتلى المسلمين، فقال الأنصار‏:‏ لئن أصبنا منهم يوما من الدهر لنزيدن عليهم، فلما كان يوم فتح مكة نادى رجل‏:‏ لا قريش بعد اليوم، فأنزل الله ‏(‏وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به‏)‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كفوا عن القوم‏"‏‏.‏

وعند ابن مردويه من طريق مقسم عن ابن عباس نحو حديث أبي هريرة باختصار‏.‏

وقال في آخره ‏"‏ فقال‏:‏ بل نصبر يا رب ‏"‏ وهذه طرق يقوي بعضها بعضا‏.‏