فصل: باب قِصَّةِ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب قِصَّةِ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قصة عكل‏)‏ بضم المهملة وسكون الكاف بعدها لام ‏(‏وعرينة‏)‏ بمهملة وراء ثم نون مصغر، قبيلتان تقدم ذكرهما وبيان نسبهما في ‏"‏ باب أبواب الإبل ‏"‏ من كتاب الطهارة مع شرح حديث الباب مستوفى، وتقدم قريبا بيان الاختلاف في وقتها وأن ابن إسحاق ذكر أنها كانت بعد غزوة ذي قرد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَوْدٍ وَرَاعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا نَاحِيَةَ الْحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ قَالَ قَتَادَةُ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ وَقَالَ شُعْبَةُ وَأَبَانُ وَحَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ مِنْ عُرَيْنَةَ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَأَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال قتادة‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة‏)‏ بضم الميم وسكون المثلثة، وهذا البلاغ لم أقف على من فسر المراد به، وقد يسر الله الكريم به الآن، وكنت قد أغفلت التنبيه عليه في المقدمة، وحقه أن يذكر في الفصل الأخير منها عند ذكر عدد أحاديث الصحيح وتفصيلها بذكر كل صحابي وكم ورد له عنده من حديث، وأن يذكر في المبهمات من الفصل المذكور، فإنه حديث أخرجه البخاري في الجملة وإن كان إسناده معضلا، فإن هذا المتن جاء من حديث قتادة عن الحسن البصري عن هياج بن عمران عن عمران بن حصين وعن سمرة بن جندب قال‏:‏ ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثا على الصدقة وينهانا عن المثلة ‏"‏ أخرجه أبو داود من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة بهذا الإسناد واللفظ وفيه قصة، وأخرجه أحمد من طريق سعيد عن قتادة بهذا الإسناد إلى عمران بن حصين وفيه القصة ولفظه ‏"‏ كان يحث في خطبته على الصدقة وينهى عن المثلة ‏"‏ وعن سمرة مثل ذلك، وإسناد هذا الحديث قوي، فإن هياجا بتحتانية ثقيلة وآخره جيم هو ابن عمران البصري وثقه ابن سعد وابن حبان وبقية رجاله من رجال الصحيح، وسيأتي في الذبائح، ومضى في المظالم من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري قال‏:‏ ‏"‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة والنهبى ‏"‏ ولكنه من غير طريق قتادة، وسيأتي شرح المثلة في الذبائح إن شاء الله تعالى والذي يظهر أن الذي أوردناه هو مراد قتادة بالبلاغ الذي وقع عند البخاري، وقد تبين بهذا أن في الحديث الذي أخرجه النسائي من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن هشام عن قتادة عن أنس قال‏:‏ ‏"‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة ‏"‏ إدراجا وأن هذا القدر من الحديث لم يسنده قتادة عن أنس وإنما ذكره بلاغا، ولما نشط لذكر إسناده ساقه بوسائط إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال شعبة وأبان وحماد عن قتادة من عرينة‏)‏ يريد أن هؤلاء رووا هذا الحديث عن قتادة عن أنس فاقتصروا على ذكر عرينة دون عكل، فأما رواية شعبة فوصلها المصنف في الزكاة‏.‏

وأما رواية أبان وهو ابن يزيد العطار فوصلها ابن أبي شيبة، وأما رواية حماد هو ابن سلمة فوصلها أبو داود والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال يحيى بن أبي كثير وأيوب عن أبي قلابة عن أنس‏:‏ قدم نفر من عكل‏)‏ يريد أن هذين روياه بعكس أولئك فاقتصرا على ذكر عكل دون عرينة، فأما رواية يحيى فوصلها المصنف في المحاربين، وأما رواية أيوب فوصلها المصنف في الطهارة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَالْحَجَّاجُ الصَّوَّافُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلَابَةَ وَكَانَ مَعَهُ بِالشَّأْمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ اسْتَشَارَ النَّاسَ يَوْمًا قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْقَسَامَةِ فَقَالُوا حَقٌّ قَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَضَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ قَبْلَكَ قَالَ وَأَبُو قِلَابَةَ خَلْفَ سَرِيرِهِ فَقَالَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ فَأَيْنَ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الْعُرَنِيِّينَ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ إِيَّايَ حَدَّثَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ مِنْ عُرَيْنَةَ وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ مِنْ عُكْلٍ ذَكَرَ الْقِصَّةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحدثني محمد بن عبد الرحيم‏)‏ هو الحافظ لمعروف بصاعقة البزار يكنى أبا يحيى، وحفص بن عمر شيخه من شيوخ البخاري وربما روى عنه بواسطة كالذي هنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أيوب والحجاج الصواف قالا حدثني أبو قلابة‏)‏ كذا وقع في النسخ المعتمدة ‏"‏ قال حدثني ‏"‏ بالأفراد والمراد حجاج، فأما أيوب فلا يظهر من هذه الرواية كيفية سياقه، وقد اختلف عليه فيه هل هو عنده عن أبي قلابة بغير واسطة أو بواسطة، وأوضح ذلك الدار قطني فقال‏:‏ أن أيوب حيث يرويه عن أبي قلابة نفسه فإنه يقتصر على قصة العرنيين، وحيث يرويه عن أبي رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة فإنه يذكر مع ذلك قصة أبي قلابة مع عمر بن عبد العزيز ولما دار بينه وبين عنبسة بن سعيد، وأما حجاج الصواف فإنه يرويه بتمامه عن أبي رجاء عن أبي قلابة انتهى‏.‏

وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من هذا في كتاب الطهارة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو قلابة خلف سريره فقال عنبسة بن سعيد‏)‏ كذا وقع مختصرا، وسيأتي في الديات من طريق إسماعيل بن علية عن حجاج الصواف مطولا، وكذا ساقه الإسماعيلي من طريق أيوب عن أبي رجاء عن أبي قلابة مطولا، وسيأتي شرحه في الديات إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو قلابة عن أنس من عكل، وذكر القصة‏)‏ أي قصتهم، وقد تقدم الكلام على حديث أبي قلابة في الطهارة‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع من قوله ‏"‏ وقال شعبة ‏"‏ إلى آخر الباب عند أبي ذر بين غزوة ذي قرد وبين غزوة خيبر وعليه جرى الإسماعيلي، ووقع عند الباقين تاليا لحديث العرنيين الذي قبله وهو الراجح، ولعل الفصل وقع مع تغيير بعض الرواة، ويحتمل أن يكون البخاري تعمد ذلك إشارة منه إلى أن قصة العرنيين متحدة مع غزوة ذي قرد كما يشير إليه كلام بعض أهل المغازي، وإن كان الراجح خلافه، والله أعلم‏.‏

*3*باب غَزْوَةِ ذِي قَرَدَ

وَهِيَ الْغَزْوَةُ الَّتِي أَغَارُوا عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ خَيْبَرَ بِثَلَاثٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهي الغزوة التي أغاروا فيها على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم قبل خيبر بثلاث‏)‏ كذا جزم به، ومستنده في ذلك حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه فإنه قال في آخر الحديث الطويل الذي أخرجه مسلم من طريقه ‏"‏ قال فرجعنا - أي من الغزوة - إلى المدينة فوالله ما لبثنا بالمدينة إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر ‏"‏ وأما ابن سعد فقال ‏"‏ كانت غزوة ذي قرد في ربيع الأول سنة ست قبل الحديبية، وقيل‏:‏ في جمادى الأولى ‏"‏ وعن ابن إسحاق في شعبان منها فإنه قال‏:‏ ‏"‏ كانت بنو لحيان في شعبان سنة ست، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فلم يقم بها إلا ليالي حتى أغار عيينة بن حصن على لقاحه ‏"‏ قال القرطبي شارح مسلم في الكلام على حديث سلمة من الأكوع‏:‏ لا يختلف أهل السير أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية، فيكون ما وقع في حديث سلمه من وهم بعض الرواة، قال‏:‏ ويحتمل أن يجمع بأن يقال‏:‏ يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان أغزى سرية فيهم سلمة بن الأكوع إلى خيبر قبل فتحها، فأخبر سلمة عن نفسه وعمن خرج معه يعني حيث قال‏:‏ ‏"‏ خرجنا إلى خيبر ‏"‏ قال‏:‏ ويؤيده أن ابن إسحاق ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أغزى إليها عبد الله بن رواحة قبل فتحها مرتين انتهى‏.‏

وسياق الحديث يأبى هدا الجمع، فإن فيه بعد قوله‏:‏ ‏"‏ حين خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل عمر يرتجز بالقول ‏"‏ وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من السائق ‏"‏ وفيه مبارزة علي لمرحب وقتل عامر وغير ذلك مما وقع في غزوة خيبر حين خرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا ما في الصحيح من التاريخ لغزوة ذي قرد أصح مما ذكره أهل السير، ويحتمل في طريق الجمع أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللقاح وقعت مرتين الأولى التي ذكرها ابن إسحاق وهي قبل الحديبية، والثانية بعد الحديبية قبل الخروج إلى خيبر، وكان رأس الذين أغاروا عبد الرحمن بن عيينة كما في سياق سلمة عند مسلم، ويؤيده أن الحاكم ذكر في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ أن الخروج إلى ذي، قرد تكرر، ففي الأول خرج إليها زيد بن حارثة قبل أحد، وفي الثانية خرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الآخر سنة خمس، والثالثة هذه المختلف فيها انتهى‏.‏

فإذا ثبت هذا قوي هذا الجمع الذي ذكرته والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ يَقُولُ خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ بِالْأُولَى وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْعَى بِذِي قَرَدَ قَالَ فَلَقِيَنِي غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ مَنْ أَخَذَهَا قَالَ غَطَفَانُ قَالَ فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ يَا صَبَاحَاهْ قَالَ فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ وَقَدْ أَخَذُوا يَسْتَقُونَ مِنْ الْمَاءِ فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِي وَكُنْتُ رَامِيًا وَأَقُولُ أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعْ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ وَأَرْتَجِزُ حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً قَالَ وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ حَمَيْتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ وَهُمْ عِطَاشٌ فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ السَّاعَةَ فَقَالَ يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ قَالَ ثُمَّ رَجَعْنَا وَيُرْدِفُنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حاتم‏)‏ هو ابن إسماعيل ويزيد بن أبي عبيدة هو مولى سلمة بن الأكوع، وقد أخرج البخاري هذا الحديث عاليا في الجهاد عن مكي بن إبراهيم عن يزيد وهو أحد ثلاثياته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خرجت قبل أن يؤذن بالأولى‏)‏ يعني صلاة الصبح، ويدل عليه في رواية مسلم أنه تبعهم من الغلس إلى غروب الشمس‏.‏

وفي رواية مكي ‏"‏ خرجت من المدينة ذاهبا نحو الغابة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكانت لقاح رسول الله ترعى بذي قرد‏)‏ اللقاح بكسر اللام وتخفيف القاف ثم مهملة‏.‏

ذوات الدر من الإبل واحدها لقحة بالكسر وبالفتح أيضا، واللقوح الحلوب‏.‏

وذكر ابن سعد أنها كانت عشرين لقحة، قال‏.‏

وكان فيهم ابن أبي ذر وامرأته فأغار المشركون عليهم فقتلوا الرجل وأسروا المرأة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف‏)‏ لم أقف على أسمه، ويحتمل أن يكون هو رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في رواية مسلم، وكأنه كان ملك أحدهما وكان يخدم الآخر فنسب تارة إلى هذا وتارة إلى هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غطفان‏)‏ بفتح المعجمة والطاء المشالة المهملة والفاء، تقدم بيان نسبهم في غزوة ذات الرقاع‏.‏

وفي رواية مكي ‏"‏ غطفان وفزارة ‏"‏ وهو من الخاص بعد العام لأن فزارة من غطفان، وعند مسلم ‏"‏ قدمنا الحديبية ثم قدمنا المدينة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلامه وأنا معه، وخرجت بفرس لطلحة أندبه، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري ‏"‏ ولأحمد وابن سعد من هذا الوجه ‏"‏ عبد الرحمن بن عيينة بن حصن الفزاري وقد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقه أجمع وقتل راعيه، قال فقلت‏:‏ يا رباح خذ هذا الفرس وأبلغه طلحة وأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر ‏"‏ وللطبراني من وجه آخر عن سلمة ‏"‏ خرجت بقوسي ونبلي وكنت أرمي الصيد، فإذا عيينة بن حصن قد أغار على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقها ‏"‏ ولا مناف، فإن كلا من عيينة وعبد الرحمن بن عيينة كان في القوم‏.‏

وذكر موسى بن عقبة وابن إسحاق أن مسعدة الفزاري كان أيضا رئيسا في فزارة في هذه الغزاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصرخت ثلاثة صرخات‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ بثلاث ‏"‏ بزيادة الموحدة وهي للاستغاثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأسمعت ما بين لابتي المدينة‏)‏ فيه إشعار بأنه كان واسع الصوت جدا، ويحتمل أن يكون ذلك من خوارق العادات‏.‏

ولمسلم ‏"‏ فعلوت أكمة فاستقبلت المدينة فناديت ثلاثا ‏"‏ وللطبراني ‏"‏ فصعدت في سلع ثم صحت‏:‏ يا صباحاه، فانتهى صياحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنودي في الناس الفزع الفزع ‏"‏ وهو عند إسحاق بمعناه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا صباحاه‏)‏ هي كلمة تقال عند استنفار من كان غافلا عن عدوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم اندفعت على وجهي‏)‏ أي لم ألتفت يمينا ولا شمالا بل أسرعت الجري، وكان شديد العدو كما سيأتي بيانه في آخر الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى أدركتهم‏)‏ في رواية مكي ‏"‏ حتى ألقاهم وقد أخذوها ‏"‏ يعني اللقاح ذكره بهذه الصيغة مبالغة في استحضار الحال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأقبلت أرميهم‏)‏ أي أقبلت عليهم أرميهم أي بالسهام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأقول‏:‏ أنا ابن الأكوع، واليوم يوم الرضع‏)‏ بضم الراء وتشديد المعجمة جمع راضع وهو اللئيم، فمعناه اليوم يوم اللئام أي اليوم يوم هلاك اللئام، والأصل فيه أن شخصا كان شديد البخل، فكان إذا أراد حلب ناقته ارتضع من ثديها لئلا يحلبها فيسمع جيرانه أو من يمر به صوت الحلب فيطلبون منه اللبن، وقيل‏:‏ بل صنع ذلك لئلا يتبدد من اللبن شيء إذا حلب في الإناء أو يبقى في الإناء شيء إذا شربه منه، فقالوا في المثل ‏"‏ الأم من راضع ‏"‏ وقيل‏:‏ بل معنى المثل ارتضع اللؤم من بطن أمه، وقيل‏:‏ كل من كان يوصف وباللؤم يوصف بالمص والرضاع، وقيل‏:‏ المراد من يمص طرف الخلال إذا خل أسنانه، وهو دال على شدة الحرص‏.‏

وقيل‏:‏ هو الراعي الذي لا يستصحب محلبا، فإذا جاءه الضيف اعتذر بأن لا محلب منه، وإذا أراد أن يشرب ارتضع ثديها‏.‏

وقال أبو عمرو الشيباني‏:‏ هو الذي يرتضع الشاة أو الناقة عند إرادة الحلب من شدة الشره‏.‏

وقيل‏:‏ أصله الشاة ترضع لبن شاتين من شدة الجوع‏.‏

وقيل‏:‏ معناه اليوم يعرف من ارتضع كريمة فأنجبته ولئيمة فهجنته‏.‏

وقيل‏:‏ معناه اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها من غيره‏.‏

وقال الداودي‏:‏ معناه هذا يوم شديد عليكم تفارق فيه المرضعة من أرضعته فلا تجد من ترضعه‏.‏

قال السهيلي‏:‏ قوله اليوم يوم الرضع يجوز الرفع فيهما ويصب الأول ورفع الثاني على جعل الأول ظرفا قال‏:‏ وهو جائز إذا كان الظرف واسعا ولا يضيق على الثاني‏.‏

قال‏:‏ وقال أهل اللغة‏:‏ يقال في اللؤم رضع بالفتح يرضع بالضم رضاعة لا غير، ورضع الصبي بالكسر ثدي أمه يرضع بالفتح رضاعا مثل سمع يسمع سماعا‏.‏

وعند مسلم في هذا الموضع ‏"‏ فأقبلت أرميهم بالنبل وأرتجز ‏"‏ وفيه ‏"‏ فألحق رجلا منهم فأصكه بسهم في رجله فخلص السهم إلى كعبه، فما زلت أرميهم وأعقرهم، فإذا رجع إلى فارس منهم أتيت شجرة فجلست في أصلها ثم رميته فعقرت به، فإذا تضايق الخيل فدخلوا في مضايقة علوت الجبل فرميتهم بالحجارة ‏"‏ وعند ابن إسحاق ‏"‏ وكان سلمة مثل الأسد، فإذا حملت عليه الخيل فر ثم عارضهم فنضحها عنه بالنبل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏استنقذت اللقاح منهم واستلبت منهم ثلاثين بردة‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ فما زلت كذلك حتى ما خلق الله من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعير إلا خلفته وراء ظهري، ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يتخففون بها، قال فأتوا مضيقا فأتاهم رجل فجلسوا يتغدون فجلست على رأس قرن، فقال لهم‏:‏ من هذا‏؟‏ فقالوا لقينا من هذا البرج، قال فليقم إليه منكم أربعة، فتوجهوا إليه فتهددهم فرجعوا، قال‏:‏ فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم الأخرم الأسدي، فقلت له احذوهم، فالتقى هو وعبد الرحمن بن عيينة فقتله عبد الرحمن وتحول على فرسه، فلحقه أبو قتادة فقتل عبد الرحمن وتحول على الفرس، قال واتبعتهم على رجلي حتى ما أرى أحدا، فعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له ذي قرد فشربوا منه وهم عطاش، قال فجلاهم عنه حتى طردهم، وتركوا فرسين على ثنية فحثت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ابن إسحاق نحو هذه القصة وقال ‏"‏ إن الأخرم لقب، واسمه محرز بن نضلة ‏"‏ لكن وقع عنده ‏"‏ حبيب بن عيينة بن حصن ‏"‏ بدل عبد الرحمن، فيحتمل أن يكون كان له اسمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ وأتاني عمي عامر بن الأكوع بسطيحة فيها ماء وسطيحة فيها لبن، فتوضأت وشربت ‏"‏ ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذي أجليتهم عنه، فإذا هو قد أخذ كل شيء استنقذته منهم، ونحر له بلال ناقته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد حميت القوم الماء‏)‏ أي منعتهم من الشرب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فابعث إليهم الساعة‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ فقلت يا رسول الله خلني أنتخب من القوم مائة رجل فأتبعهم فلا يبقى منهم مخبر، قال فضحك ‏"‏ وعند ابن إسحاق ‏"‏ فقلت يا رسول الله لو سرحتني في مائة رجل لأخذت بأعناق القوم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال يا ابن الأكوع ملكت فأسجح‏)‏ بهمزة قطع وسين مهملة ساكنة وجيم مكسورة بعدها مهملة، أي سهل‏.‏

والمعنى قدرت فاعف‏.‏

والسجاحة السهولة‏.‏

زاد مكي في روايته ‏"‏ أن القوم ليقرون في قومهم ‏"‏ وعند الكشميهني ‏"‏ من قومهم ‏"‏ ولمسلم ‏"‏ أنهم ليقرون في أرض غطفان ‏"‏ ويقرون بضم أوله وسكون القاف وفتح الراء وسكون الواو من القرى وهي الضيافة، ولابن إسحاق ‏"‏ فقال إنهم الآن وليغبقون في غطفان ‏"‏ وهو بالغين المعجمة الساكنة والموحدة المفتوحة والقاف، من الغبوق وهو شرب أول الليل، والمراد أنهم فاتوا وأنهم وصلوا إلى بلاد قومهم ونزلوا عليهم فهم الآن يذبحون لهم ويطعمونهم‏.‏

ووقع عند مسلم ‏"‏ قال‏:‏ فجاء رجل فقال‏:‏ نحر لهم فلان جزورا، فلما كشطوا جلدها إذا هم بغبرة، فقالوا‏:‏ أتاكم القوم فخرجوا هاربين‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم رجعنا‏)‏ إلى المدينة ‏(‏ويردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته حتى دخلنا المدينة‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء ‏"‏ وذكر قصة الأنصاري الذي سابقه فسبقه سلمة، قال‏:‏ ‏"‏ فسبقت إلى المدينة، فوالله ما لبثنا إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر - وفيه - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا اليوم سلمة‏.‏

قال سلمة ثم أعطاني سهم الراجل والفارس جميعا ‏"‏ وروى الحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ والبيهقي من طريق عكرمة بن قتادة بن عبد الله بن عكرمة بن عبد الله بن أبي قتادة حدثني أبي عن أبيه عن عبد الله بن أبي قتادة، أن أبا قتادة اشترى فرسه، فلقيه مسعدة الفزاري فتقاولا فقال أبو قتادة‏:‏ أسأل الله أن يلقينك وأنا عليها، قال‏:‏ آمين‏.‏

قال‏:‏ فبينما هو يعلفها إذ قيل‏:‏ أخذت اللقاح، فركبها حتى هجم على العسكر، قال فطلع على فارس فقال‏:‏ لقد ألقانيك الله يا أبا قتادة، فذكر مصارعته له وظفره به وقتله وهزم المشركين، ثم لم ينشب المسلمون أن طلع عليهم أبو قتادة يحوش اللقاح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أبو قتادة سيد الفرسان‏"‏‏.‏

وفي الحديث جواز العدو الشديد في الغزو، والإنذار بالصياح العالي، وتعريف الإنسان نفسه إذا كان شجاعا ليرعب خصمه، واستحباب الثناء على الشجاع ومن فيه فضيلة لا سيما عند الصنع الجميل ليستزيد من ذلك ومحله حيث يؤمن الافتتان، وفيه المسابقة على الإقدام ولا خلاف في جوازه بغير عوض، وأما بالعوض فالصحيح لا يصح‏.‏

والله أعلم‏.‏