فصل: باب لَا يَقُولُ فُلَانٌ شَهِيدٌ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب لَا يَقُولُ فُلَانٌ شَهِيدٌ

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يقال فلان شهيد‏)‏ أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي، وكأنه أشار إلى حديث عمر أنه خطب فقال ‏"‏ تقولون في مغازيكم فلان شهيد ومات فلان شهيدا، ولعله قد يكون قد أوقر راحلته، ألا لا تقولوا ذلكم ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد ‏"‏ وهو حديث حسن أخرجه أحمد وسيد بن منصور وغيرهما من طريق محمد بن سيرين عن أبي العجفاء بفتح المهملة وسكون الجيم ثم فاء عن عمر، وله شاهد في حديث مرفوع أخرجه أبو نعيم من طريق عبد الله بن الصلت عن أبي ذر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من تعدون الشهيد‏؟‏ قالوا‏:‏ من أصابه السلاح، قال‏:‏ كم من أصابه السلاح وليس بشهيد ولا حميد، وكم من مات على فراشه حتف أنفه عند الله صديق وشهيد ‏"‏ وفي إسناده نظر، فإنه من رواية عبد الله بن خبيق بالمعجمة والموحدة والقاف مصغر عن يوسف بن أسباط الزاهد المشهور، وعلى هذا فالمراد النهي عن تعيين وصف واحد بعينه بأنه شهيد، بل يجوز أن يقال ذلك على طريق الإجمال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الله أعلم بمن يجاهد في سبيله والله أعلم بمن يكلم في سبيله‏)‏ أى يجرح، وهذا طرف من حديث تقدم في أوائل الجهاد من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة باللفظ الأول، ومن طريق الأعرج عنه باللفظ الثاني، ووجه أخذ الترجمة منه يظهر من حديث أبي موسى الماضي ‏"‏ من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ‏"‏ ولا يطلع على ذلك إلا بالوحي، فمن ثبت أنه في سبيل الله أعطى حكم الشهادة، فقوله ‏"‏ والله أعلم‏.‏

بمن يكلم في سبيله ‏"‏ أي فلا يعلم ذلك إلا من أعلمه الله، فلا ينبغي إطلاق كون كل مقتول في الجهاد أنه في سبيل الله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَسْكَرِهِ وَمَالَ الْآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ فَقَالَ مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلَانٌ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَنَا صَاحِبُهُ قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ قَالَ فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَ الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ فَقُلْتُ أَنَا لَكُمْ بِهِ فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ

الشرح‏:‏

حديث سهل بن سعد في قصة الذي بالغ في القتال حتى قال المسلمون‏:‏ ما أجزأ أحد ما أجزأ، ثم كان آخر أمره أن قتل نفسه، وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي حيث ذكره المصنف، ووجه أخذ الترجمة منه أنهم شهدوا رجحانه في أمر الجهاد، فلو كان قتل لم يمتنع أن يشهدوا له بالشهادة، وقد ظهر منه أنه لم يقاتل لله وإنما قاتل غضبا لقومه، فلا يطلق على كل مقتول في الجهاد أنه شهيد لاحتمال أن يكون مثل هذا، وإن كان مع ذلك يعطي حكم الشهداء في الأحكام الظاهرة، ولذلك أطبق السلف على تسمية المقتولين في بدر وأحد وغيرهما شهداء، والمراد بذلك الحكم الظاهر المبني على الظن الغالب والله أعلم‏.‏

وروي سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد قال ‏"‏ لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك قال‏:‏ لا يخرج معنا إلا مقوى فخرج رجل على بكر ضعيف فوقص فمات، فقال الناس‏:‏ الشهيد الشهيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا بلال ناد إن الجنة لا يدخلها عاص ‏"‏ وفيه إشارة إلى أن الشهيد لا يدخل النار لأنه صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ إنه من أهل النار ‏"‏ ولم يتبين منه إلا قتل نفسه وهو بذلك عاص لا كافر، لكن يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على كفره في الباطن أو أنه استحل قتل نفسه وقد يتعجب من المهلب حيث قال‏:‏ إن حديث الباب ضد ما ترجم به البخاري لأنه قال ‏"‏ لا يقال فلان شهيد ‏"‏ والحديث فيه ضد الشهادة، وكأنه لم يتأمل مراد البخاري، وهو ظاهر كما قررته بحمد الله تعالى‏.‏

*3*باب التَّحْرِيضِ عَلَى الرَّمْيِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التحريض على الرمي وقول الله عز وجل ‏(‏وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل‏)‏ الآية‏)‏ لمح بما جاء في تفسير القوه في هذه الآية أنها الرمي، وهو عند مسلم من حديث عقبة بن عامر ولفظه ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر ‏(‏وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة‏)‏ ألا إن القوة الرمي ثلاثا ‏"‏ ولأبي داود وابن حبان من وجه آخر عن عقبة بن عامر رفعه ‏"‏ أن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة‏:‏ صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومنبله فارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا ‏"‏ الحديث، وفيه ‏"‏ ومن ترك الرمي بعد علمه رغبة عنه فإنه نعمة كفرها ‏"‏ ولمسلم من وجه آخر عن عقبة رفعه ‏"‏ من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو فقد عصى ‏"‏ ورواه ابن ماجه بلفظ ‏"‏ فقد عصاني ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ إنما فسر القوة بالرمي وإن كانت القوة تظهر بأعداد غيره من آلات الحرب لكون الرمي أشد نكاية في العدو وأسهل مؤنة، لأنه قد يرمي رأس الكتيبة فيصاب فيهزم من خلفه وذكر المصنف في الباب حديثين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ قَالَ فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكُمْ لَا تَرْمُونَ قَالُوا كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ

الشرح‏:‏

حديث سلمة بن الأكوع قوله‏:‏ ‏(‏مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم‏)‏ أي من بني أسلم القبيلة المشهورة، وهي بلفظ أفعل التفضيل من السلامة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ينتضلون‏)‏ بالضاد المعجمة أى يترامون، والتناضل الترامي للسبق، وفضل فلان فلانا إذا غلبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنا مع بني فلان‏)‏ في حديث أبي هريرة في نحو هذه القصة عند ابن حبان والبزار ‏"‏ وأنا مع ابن الأذرع ‏"‏ انتهى، واسم ابن الأذرع محجن، وقع ذلك من حديث حمزة بن عمرو الأسلمي في هذا الحديث عند الطبراني قال فيه ‏"‏ وأنا مع محجن بن الأذرع ‏"‏ ومثله في مرسل عروة أخرجه السراج عن قتيبة عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عنه، وهو صحابي معروف له حديث آخر في الأدب المفرد للبخاري وفي أبي داود والنسائي وابن خزيمة، وقيل اسم ابن الأذرع سلمة حكاه ابن منده قال‏:‏ والأذرع لقب واسمه ذكوان والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالوا كيف نرمي وأنت معهم‏)‏ اسم قائل ذلك منهم نضلة الأسلمي ذكره ابن إسحاق في المغازي عن سفيان بن فروة الأسلمي عن أشياخ من قومه من الصحابة قالوا ‏"‏ بينا محجن بن الأذرع يناضل رجلا من أسلم يقال له نضلة، فذكر الحديث وفيه ‏"‏ فقال نضلة وألقى قوسه من يده‏:‏ والله لا أرمي معه وأنت معه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنا معكم كلكم‏)‏ بكسر اللام، ووقع في رواية عروة ‏"‏ وأنا مع جماعتكم ‏"‏ والمراد بالمعية معية القصد إلى الخير، ويحتمل أن يكون قام مقام المحلل فيخرج السبق من عنده ولا يخرج كما تقدم، ولا سيما وقد خصه بعضهم بالإمام قال المهلب يستفاد منه أن من صار السلطان عليه في جملة المناضلين له أن لا يتعرض لذلك كما فعل هؤلاء القوم حيث أمسكوا لكون النبي صلى الله عليه وسلم مع الفريق الآخر خشية أن يغلبوهم فيكون النبي صلى الله عليه وسلم مع من وقع عليه الغلب فأمسكوا عن ذلك تأدبا معه انتهى وتعقب بأن المعنى الذي أمسكوا له لم ينحصر في هذا بل الظاهر أنهم أمسكوا لما استشعروا من قوة قلوب أصحابهم بالغلبة حيث صار النبي صلى الله عليه وسلم معهم وذلك من أعظم الوجوه المشعرة بالنصر وقد وقع في رواية حمزة ابن عمرو عند الطبراني ‏"‏ فقالوا من كنت معه فقد غلب ‏"‏ وكذا في رواية ابن إسحاق ‏"‏ فقال نضلة‏:‏ لا نغلب من كنت معه ‏"‏ واستدل بهذا الحديث على أن اليمن من بني إسماعيل، وفيه نظر لما سيأتي في مناقب قريش من أنه استدلال بالأخص على الأعم وفيه أن الجد الأعلى يسمى أبا، وفيه التنويه بذكر الماهر في صناعته ببيان فضله وتطييب قلوب من هم دونه وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته بأمور الحرب وفيه الندب إلى اتباع خصال الآباء المحمودة، والعمل بمثلها وفيه حسن أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ صَفَفَنَا لِقُرَيْشٍ وَصَفُّوا لَنَا إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالنَّبْلِ

الشرح‏:‏

حديث أبي أسيد بضم الهمزة، ووقع في رواية السرخسي وحده بفتحها، وهو خطأ وقوله ‏"‏ إذا أكثبوكم‏"‏، كذا في نسخ البخاري بمثلثة ثم موحدة، والكثب بفتحتين القرب، فالمعنى إذا دنوا منكم وقد استشكل بأن الذي يليق بالدنو المطاعنة بالرمح والمضاربة بالسيف، وأما الذي يليق برمي النبل فالبعد، وزعم الداودي أن معنى أكثبوكم كاثروكم، قال‏:‏ وذلك أن النبل إذا رمى في الجمع لم يخطئ غالبا ففيه ردع لهم، وقد تعقب هذا التفسير بأنه لا يعرف، وتفسير الكثب بالكثرة غريب، والأول هو المعتمد وقد بينته رواية أبي داود حيث زاد في آخره ‏"‏ واستبقوا نبلكم ‏"‏ وفي رواية له ‏"‏ ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم ‏"‏ فظهر أن معنى الحديث الأمر بترك الرمي والقتال حتى يقربوا لأنهم إذا رموهم على بعد قد لا تصل إليهم وتذهب في غير منفعة، وإلى ذلك الإشارة بقوله ‏"‏ واستبقوا نبلكم ‏"‏ وعرف بقوله ‏"‏ ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم ‏"‏ أن المراد بالقرب المطلوب في الرمي قرب نسبى بما بحيث تنالهم السهام لأقرب قريب بحيث يلتحمون معهم، والنبل بفتح النون وسكون الموحدة جمع نبلة ويجمع أيضا على نبال وهي السهام العربية اللطاف ‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏‏:‏ وقع في إسناد هذا الحديث اختلاف سأبينه إن شاء الله تعالى في غزوة بدر‏.‏

*3*باب اللَّهْوِ بِالْحِرَابِ وَنَحْوِهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب اللهو بالحراب ونحوها‏)‏ أي من آلات الحرب، وكأنه يشير بقوله ونحوها إلى ما روى أبو داود والنسائي وصححه ابن جبان من حديث عقبة بن عامر مرفوعا ‏"‏ ليس من اللهو ‏"‏ - أي مشروع أو مطلوب - إلا تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِرَابِهِمْ دَخَلَ عُمَرُ فَأَهْوَى إِلَى الْحَصَى فَحَصَبَهُمْ بِهَا فَقَالَ دَعْهُمْ يَا عُمَرُ وَزَادَ عَلِيٌّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ فِي الْمَسْجِدِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ بينا الحبشة يلعبون عند النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الحديث، ولم يقع في هذه الرواية ذكر الحراب وكأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما تقدم بيانه في ‏"‏ باب أصحاب الحراب في المسجد ‏"‏ من كتاب الصلاة وذكرنا فوائده هناك، وفي كتاب العيدين، قال ابن التين يحتمل أن يكون عمر لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلم أنه رآهم، أو ظن أنه رآهم واستحيا أن يمنعهم، وهذا أولى لقوله في الحديث ‏"‏ وهم يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وهذا لا يمنع الاحتمال المذكور أولا، ويحتمل أن يكون إنكاره لهذا شبيه إنكاره على المغنيتين، وكان من شدته في الدين ينكر خلاف الأولى، والجد في الجملة أولى من اللعب المباح وأما النبي صلى الله عليه وسلم فكان بصدد بيان الجواز وقوله ‏"‏ زاد علي حدثنا عبد الرزاق، وقع في رواية الكشميهني ‏"‏ زادنا على‏"‏‏.‏

*3*باب الْمِجَنِّ وَمَنْ يَتَّرِسُ بِتُرْسِ صَاحِبِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب المجن‏)‏ في رواية ابن شبوية ‏"‏ الترسة ‏"‏ جمع ترس، والمجن بكسر الميم وفتح الجيم وتثقيل النون أي الدرقة، قال ابن المنير‏:‏ وجه هذه التراجم دفع من يتخيل أن اتخاذه هذه الآلات ينافي التوكل، والحق أن الحذر لا يرد القدر، ولكن يضيق مسالك الوسوسة لما طبع عليه البشر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن يترس بترس صاحبه‏)‏ أي فلا بأس به، ثم ذكر فيه أربعة أحاديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَتَتَرَّسُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتُرْسٍ وَاحِدٍ وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ حَسَنَ الرَّمْيِ فَكَانَ إِذَا رَمَى تَشَرَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعِ نَبْلِهِ

الشرح‏:‏

حديث أنس ‏"‏ كان أبو طلحة يترس مع النبي صلى الله عليه وسلم بترس واحد ‏"‏ الحديث، أورده مختصرا من هذا الوجه، وسيأتي بأتم من هذا السياق في المناقب في غزوة أحد، قيل إن الرامي يحتاج إلى من يستره لشغله يديه جميعا بالرمي، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يترسه بترسه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ لَمَّا كُسِرَتْ بَيْضَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِهِ وَأُدْمِيَ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَكَانَ عَلِيٌّ يَخْتَلِفُ بِالْمَاءِ فِي الْمِجَنِّ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَغْسِلُهُ فَلَمَّا رَأَتْ الدَّمَ يَزِيدُ عَلَى الْمَاءِ كَثْرَةً عَمَدَتْ إِلَى حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا عَلَى جُرْحِهِ فَرَقَأَ الدَّمُ

الشرح‏:‏

حديث سهل وهو ابن سعده ‏"‏ لما كسرت بيضة النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه ‏"‏ الحديث، والغرض منه قوله ‏"‏ وكان على يختلف بالماء في المجن ‏"‏ وقد تقدمت له طريق أخرى قريبا، ويأتي الكلام عليه في غزوة أحد إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

حديث عمر ‏"‏ كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله ‏"‏ الحديث، ذكر منه طرفا، وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب فرض الخمس وفي الفرائض، والغرض منه قوله هنا ‏"‏ ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة، لأن المجن من جملة آلات السلاح كما روى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن ابن عمر ‏"‏ أنه كانت عنده درقة فقال‏:‏ لولا أن عمر قال لي احبس سلاحك لأعطيت هذه الدرقة لبعض أولادي‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ عَلِيٍّ ح حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَدِّي رَجُلًا بَعْدَ سَعْدٍ سَمِعْتُهُ يَقُولُ ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي

الشرح‏:‏

حديث على في قوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص ‏"‏ ارم فداك أبي وأمي ‏"‏ وسيأتي شرحه مستوفي في المناقب وفي غزوة أحد، وقوله فيه ‏"‏ حدثنا قبيصة ‏"‏ هو ابن عقبة، وسفيان هو الثوري وزعم أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ أن لفظ قبيصة هنا تصحيف ممن دون البخاري وأن الصواب حدثنا قتيبة، وعلى هذا فسفيان هو ابن عيينة لأن قتيبة لم يسمع من الثوري، لكن لا أعرف لإنكاره معنى إذ لا مانع أن يكون عند السفيانين، وقد أخرجه المصنف في الأدب من طريق يحيى القطان عن سفيان الثوري، ووقع في رواية النسفي هنا عن مسدد عن يحيى أيضا، ودخول هذا الحديث هنا غير ظاهر لأنه لا يوافق واحدا من ركني الترجمة، وقد أثبت ابن شبويه في روايته قبله لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ بغير ترجمة، وله مناسبة بالترجمة التي قبله من جهة أن الرامي لا يستغنى عن شيء يقي به عن نفسه سهام من يراميه، وفي حديث على جواز التفدية، وسيأتي بسط ذلك بأدلته وبيان ما يعارضه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب الدَّرَقِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الدرق‏)‏ جمع درقة أي جواز اتخاذ ذلك أو مشروعيته‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ عَمْرٌو حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دَعْهُمَا فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا قَالَتْ وَكَانَ يَوْمُ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ فَإِمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا قَالَ تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ فَقَالَتْ نَعَمْ فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَيَقُولُ دُونَكُمْ بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ حَسْبُكِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاذْهَبِي قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فَلَمَّا غَفَلَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن أبي أويس كما جزم به المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ وأغفل ذلك في ‏"‏ التهذيب ‏"‏ وهذا الحديث قد تقدم في أول العيدين عن أحمد عن ابن وهب، وبينت هناك الاختلاف في أبيه، وهو المراد بقوله في هذا الباب ‏"‏ قال أحمد ‏"‏ يعني عن ابن وهب بهذا السند، وقوله فيه ‏"‏ فقال دعهما، فلما غفل غمزتها فخرجتا ‏"‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ عمد ‏"‏ يدل ‏"‏ غفل ‏"‏ وكذا في رواية أبي زيد المروزي، قال عياض‏:‏ ورواية الأكثر هي الوجه‏.‏

*3*باب الْحَمَائِلِ وَتَعْلِيقِ السَّيْفِ بِالْعُنُقِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق‏)‏ الحمائل بالمهملة جمع حميلة وهي ما يقلد به السيف، ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً فَخَرَجُوا نَحْوَ الصَّوْتِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اسْتَبْرَأَ الْخَبَرَ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ وَفِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا ثُمَّ قَالَ وَجَدْنَاهُ بَحْرًا أَوْ قَالَ إِنَّهُ لَبَحْرٌ

الشرح‏:‏

حديث أنس وقد تقدم في ‏"‏ باب الفرس العرى ‏"‏ و ‏"‏ باب الشجاعة في الحرب ‏"‏ وسياقه هنا أتم، وسبق شرحه في الهبة، والغرض منه هنا قوله ‏"‏ وفي عنقه السيف ‏"‏ فدل على جواز ذلك، وقوله ‏"‏لم تراعوا ‏"‏ وقع في رواية الحموي والكشميهني مرتين، قال ابن المنير‏:‏ مقصود المصنف من هذه التراجم أن يبين زي السلف في آلة الحرب وما سبق استعماله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أطيب للنفس وأنفى للبدعة‏.‏

*3*باب مَا جَاءَ فِي حِلْيَةِ السُّيُوفِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في حلية السيوف‏)‏ أي من الجواز وعدمه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ حَبِيبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ لَقَدْ فَتَحَ الْفُتُوحَ قَوْمٌ مَا كَانَتْ حِلْيَةُ سُيُوفِهِمْ الذَّهَبَ وَلَا الْفِضَّةَ إِنَّمَا كَانَتْ حِلْيَتُهُمْ الْعَلَابِيَّ وَالْآنُكَ وَالْحَدِيدَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت سليمان بن حبيب‏)‏ هو المحاربي قاضي دمشق في زمن عمر بن عبد العزيز وغيره ومات سنة عشرين أو بعدها، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقد فتح الفتوح قوم‏)‏ وقع عند ابن ماجه لتحديث أبي أمامة بذلك سبب وهو ‏"‏ دخلنا على أبي أمامة فرأى في سيوفنا شيئا من حلية فضة، فغضب وقال ‏"‏ فذكره، وزاد الإسماعيلي في روايته أنه دخل عليه بحمص وزاد فيه ‏"‏ لأنتم أنجل من أهل الجاهلية، إن الله يرزق الرجل منكم الدرهم ينفقه في سبيل الله بسبعمائة ثم أنتم تمسكون ‏"‏ وأخرجه هشام بن عمار في فوائده والطبراني من طريقه من وجه آخر عن سليمان ابن حبيب قال، نزلنا حمص قافلين من الروم فإذا عبد الله بن أبى زكريا ومكحول، فانطلقنا إلى أبي أمامة فإذا شيخ هرم، فلما تكلم إذا رجل يبلغ حاجته، ثم قال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ ما أرسل به، وأنتم تبلغون عنا ثم نظر إلى سيوفنا فإذا فيها شيء من الفضة فغضب حتى اشتد غضبه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العلابي‏)‏ بفتح المهلة وتخفيف اللام وكسر الموحدة جمع علباء بسكون اللام، وقد فسره الأوزاعي في رواية أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج‏"‏، فقال‏:‏ العلابي الجلود الخام التي ليست بمدبوغة وقال غيره‏:‏ العلابي العصب تؤخذ رطبة فيشد بها جفون السيوف وتلوي عليها فتجف، وكذلك تلوى رطبة على ما يصدع من الرماح وقال الخطابي‏:‏ هي عصب العنق، وهي أمتن ما يكون من عصب البعير وزعم الداودي أن العلابي ضرب من الرصاص فأخطأ كما نبه عليه القزاز في ‏"‏ شرح غريب الجامع ‏"‏ وكأنه لما رآه قرن بالآنك ظنه ضربا منه، وزاد هشام بن عمار في روايته ‏"‏ والحديد ‏"‏ وزاد فيه أشياء لا تتعلق بالجهاد والآنك بالمد وضم النون بعدها كاف وهو الرصاص، وهو واحد لا جمع له، وقيل هو الرصاص الخالص، وزعم الداودي أن الآنك القصدير وقال ابن الجوزي‏:‏ الآنك الرصاص القلعي وهو بفتح اللام منسوب إلى القلعة موضع بالبادية ينسب ذلك إليه، وتنسب إليه السيوف أيضا فيقال سيوف قلعية، وكأنه معدن يوجد فيه الحديد والرصاص وفي هذا الحديث أن تحلية السيوف وغيرها من آلات الحرب بغير الفضة والذهب أولى وأجاب من أباحها بأن تحلية السيوف بالذهب والفضة إنما شرع لإرهاب العدو، وكان لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك غنية لشدتهم في أنفسهم وقوتهم في إيمانهم‏.‏

*3*باب مَنْ عَلَّقَ سَيْفَهُ بِالشَّجَرِ فِي السَّفَرِ عِنْدَ الْقَائِلَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة‏)‏ ذكر فيه حديث جابر في قصة الأعرابي الذي اخترط سيف النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ فَأَدْرَكَتْهُمْ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ وَنِمْنَا نَوْمَةً فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَا وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا فَقَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي فَقُلْتُ اللَّهُ ثَلَاثًا وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ

الشرح‏:‏

حديث جابر في قصة الأعرابي الذي اخترط سيف النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، والغرض منه قوله ‏"‏ فنزل تحت شجرة فعلق بها سيفه ‏"‏ وسيأتي شرحه في كتاب المغازي‏.‏

*3*باب لُبْسِ الْبَيْضَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لبس البيضة‏)‏ بفتح الموحدة، وهي ما يلبس في الرأس من آلات السلاح‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ جُرْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ جُرِحَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَهُشِمَتْ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ فَكَانَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام تَغْسِلُ الدَّمَ وَعَلِيٌّ يُمْسِكُ فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ الدَّمَ لَا يَزِيدُ إِلَّا كَثْرَةً أَخَذَتْ حَصِيرًا فَأَحْرَقَتْهُ حَتَّى صَارَ رَمَادًا ثُمَّ أَلْزَقَتْهُ فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ

الشرح‏:‏

حديث سهل بن سعد الماضي قبل أربعة أبواب لقوله فيه ‏"‏ وهشمت البيضة على رأسه ‏"‏ وقد تقدمت الإشارة إلى مكان شرحه‏.‏

*3*باب مَنْ لَمْ يَرَ كَسْرَ السِّلَاحِ عِنْدَ الْمَوْتِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم ير كسر السلاح وعقر الدواب عند الموت‏)‏ كأنه يشير إلى رد ما كان عليه أهل الجاهلية من كسر السلاح وعقر الدواب إذا مات الرئيس فيهم، وربما كان يعهد بذلك لهم قال ابن المنير‏:‏ وفي ذلك إشارة إلى انقطاع عمل الجاهلي الذي كان يعمله لغير الله وبطلان آثاره وخمول ذكره، بخلاف سنة المسلمين في جميع ذلك انتهى ولعل المصنف لمح بذلك إلى من نقل عنه أنه كسر رمحه عند الاصطدام حتى لا يغنمه العدو أن لو قتل وكسر جفن سيفه وضرب بسيفه حتى قتل كما جاء نحو ذلك عن جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة، فأشار إلى أن هذا شيء فعله جعفر وغيره عن اجتهاد، والأصل عدم جواز إتلاف المال، لأنه يفعل شيئا محققا في أمر غير محقق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا سِلَاحَهُ وَبَغْلَةً بَيْضَاءَ وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً

الشرح‏:‏

حديث عمرو بن الحارث الخزاعي ‏"‏ ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم - أي عند موته - إلا سلاحه ‏"‏ الحديث وقد تقدم في الوصايا، وسيأتي شرحه في المغازي وزعم الكرماني أن مناسبته للترجمة أنه صلى الله عليه وسلم مات وعليه دين ولم يبع فيه شيئا من سلاحه ولو كان رهن درعه، وعلى هذا فالمراد بكسر السلاح بيعه، ولا يخفى بعده‏.‏

*3*باب تَفَرُّقِ النَّاسِ عَنْ الْإِمَامِ عِنْدَ الْقَائِلَةِ وَالِاسْتِظْلَالِ بِالشَّجَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر‏)‏ ذكر فيه حديث جابر الماضي قبل بابين من وجهين وهو ظاهر فيما ترجم له، وقد تقدمت الإشارة إلى مكان شرحه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ وَأَبُو سَلَمَةَ أَنَّ جَابِرًا أَخْبَرَهُ ح و حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْرَكَتْهُمْ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ ثُمَّ نَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِهِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي فَقَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ قُلْتُ اللَّهُ فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ

الشرح‏:‏

حديث جابر الماضي قبل بابين من وجهين وهو ظاهر فيما ترجم له، وقد تقدمت الإشارة إلى مكان شرحه، قال القرطبي‏:‏ هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان في هذا الوقت لا يحرسه أحد من الناس، بخلاف ما كان عليه في أول الأمر فإنه كان يحرس حتى نزل قوله تعالى ‏(‏والله يعصمك من الناس‏)‏ ‏.‏

قلت‏:‏ قد تقدم ذلك قبل أبواب لكن قد قيل أن هذه القصة سبب نزول قوله تعالى ‏(‏والله يعصمك من الناس‏)‏ وذلك فيما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ‏"‏ كنا إذا نزلنا طلبنا للنبي صلى الله عليه وسلم أعظم شجرة وأظلها، فنزل تحت شجرة، فجاء رجل فأخذ سيفه فقال‏:‏ يا محمد من يمنعك مني، قال‏:‏ الله فأنزل الله‏:‏ ‏"‏ والله يعصمك من الناس ‏"‏ وهذا إسناد حسن، فيحتمل إن كان محفوظا أن يقال كان مخيرا في اتخاذ الحرس فتركه مرة لقوة يقينه، فلما وقعت هذه القصة ونزلت هذه الآية ترك ذلك‏.‏

*3*باب مَا قِيلَ فِي الرِّمَاحِ

وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما قيل في الرماح‏)‏ أي في اتخاذها واستعمالها أي من الفضل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن ابن عمر إلخ‏)‏ هو طرف من حديث أخرجه أحمد من طريق أبي منيب - بضم الميم وكسر النون ثم تحتانية ساكنة ثم موحدة - الجرشي بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة عن ابن عمر بلفظ بعثت بين يدي الساعة مع السيف، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار عل من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم ‏"‏ وأخرج أبو داود منه قوله ‏"‏ من تشبه بقوم فهو منهم ‏"‏ حسب من هذا الوجه، وأبو منيب لا يعرف اسمه وفي الإسناد عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان مختلف في توثيقه، وله شاهد مرسل بإسناد حسن أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الأوزاعي عن سعيد بن جبلة عن النبي صلى الله عليه وسلم بتمامه، وفي الحديث إشارة إلى فضل الرمح، وإلى حل الغنائم لهذه الأمة وإلى أن رزق النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيها لا في غيرها من المكاسب، ولهذا قال بعض العلماء أنها أفضل المكاسب، والمراد بالصغار وهو بفتح المهملة وبالمعجمة بذل الجزية‏.‏

وفي قوله ‏"‏ تحت ظل رمحي ‏"‏ إشارة إلى أن ظله ممدود إلى أبد الآباد، والحكمة في الاقتصار على ذكر الرمح دون غيره من آلات الحرب كالسيف أن عادتهم جرت بجعل الرايات في أطراف الرمح، فلما كان ظل الرمح أسبغ كان نسبة الرزق إليه أليق وقد تعرض في الحديث الآخر لظل السيف كما سيأتي قريبا من قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏الجنة تحت ظلال السيوف ‏"‏ فنسب الرزق إلى ظل الرمح لما ذكرته أن المقصود بذكر الرمح الراية، ونسبت الجنة إلى ظل السيف لأن الشهادة تقع به غالبا ولأن ظل السيف يكثر ظهوره بكثرة حركة السيف في يد المقاتل؛ ولأن ظل السيف لا يظهر إلا بعد الضرب به لأنه قبل ذلك يكون مغمودا معلقا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَى بَعْضٌ فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ قَالَ هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ

الشرح‏:‏

حديث أبي قتادة في قصة الحمار الوحشي بإسنادين لمالك، وقد تقدم شرحه مستوفى في الحج، والغرض منه قوله ‏"‏ فسألهم رمحه فأبوا‏"‏‏.‏

*3*باب مَا قِيلَ فِي دِرْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمِيصِ فِي الْحَرْبِ

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي من أي شيء كانت‏؟‏ و قوله‏:‏ ‏(‏والقميص في الحرب‏)‏ أي حكمه وحكم لبسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أما خالد احتبس أدراعه في سبيل الله‏)‏ هو طرف من حديث لأبي هريرة تقدم شرحه في كتاب الزكاة، والأدراع جمع درع وهو القميص المتخذ من الزرد، وأشار المصنف بذكر هذا الحديث إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كما لبس الدرع فيما ذكره في الباب ذكر الدرع ونسبه إلى بعض الشجعان من الصحابة فدل على مشروعيته وأن لبسها لا ينافي التوكل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ وَهُوَ فِي الدِّرْعِ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ وَقَالَ وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَوْمَ بَدْرٍ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، والغرض منه قوله، وهو في الدرع، وقوله فيه ‏"‏ حدثنا عبد الوهاب ‏"‏ هو ابن عبد المجيد الثقفي، وقوله ‏"‏وقال وهيب ‏"‏ يعني ابن خالد ‏"‏ حدثنا خالد‏:‏ يوم بدر ‏"‏ يعني أن وهيب بن خالد رواه عن خالد وهو الحذاء شيخ عبد الوهاب فيه عن عكرمة عن ابن عباس فزاد بعد قوله وهو في قبة ‏"‏ يوم بدر ‏"‏ وقد رواه محمد بن عبد الله بن حوشب عن عبد الوهاب كذلك كما سيأتي في المغازي، وكذلك قال إسحاق بن راهويه عن عبد الوهاب الثقفي، فلعل محمد ابن المثنى شيخ البخاري لم يحفظها، ورواية وهيب وصلها المؤلف في تفسير سورة القمر، ويأتي بيان ما استشكل من هذا الحديث في غزوة بدر، وهو من مراسيل الصحابة لأن ابن عباس لم يحضر ذلك، وسيأتي ما فيه هناك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ وَقَالَ يَعْلَى حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ دِرْعٌ مِنْ حَدِيدٍ وَقَالَ مُعَلًّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ وَقَالَ رَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ

الشرح‏:‏

حديث عائشة ‏"‏ توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال يعلى حدثنا الأعمش‏:‏ درع من حديد‏)‏ يعني أن يعلى وهو ابن عبيد رواه عن الأعمش بالإسناد المذكور فزاد أن الدرع كانت من حديد، وقد وصله المؤلف في السلم كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال معلى عن عبد الواحد‏)‏ يعني أن معلى بن أسد رواه عن عبد الواحد بن زياد فقال فيه أيضا ‏"‏ رهنه درع من حديد ‏"‏ وقد وصله المصنف في الاستقراض، وتقدم الكلام على شرحه مستوفى في كتاب الرهن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ مَثَلُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ قَدْ اضْطَرَّتْ أَيْدِيَهُمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا فَكُلَّمَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَتِهِ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تُعَفِّيَ أَثَرَهُ وَكُلَّمَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِالصَّدَقَةِ انْقَبَضَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا وَتَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ فَسَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فَيَجْتَهِدُ أَنْ يُوَسِّعَهَا فَلَا تَتَّسِعُ

الشرح‏:‏

حديث أبا هريرة في البخيل المتصدق وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الزكاة، والغرض منه هنا ذكر الجبتين، فإنه روى بالموحدة وهو المناسب لذكر القميص في الترجمة، وروى بالنون وهو المناسب للدرع، وقد تقدم بيان اختلاف الرواة في ذلك هناك والجبة بالموحدة ما قطع من الثياب مشمرا قاله في المطالع، ومحل استشهاده للترجمة - وإن كان الممثل به في المثل لا يشترط وجوده فضلا عن مشروعيته - من جهة أنه مثل بدرع الكريم فتشبيه الكريم المحمود بالدرع يشعر بأن الدرع محمود، وموضع الشاهد منه درع الكريم لا درع البخيل، وكأنه أقام الكريم مقام الشجاع لتلازمهما غالبا وكذلك ضدهما‏.‏

*3*باب الْجُبَّةِ فِي السَّفَرِ وَالْحَرْبِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الجبة في السفر والحرب‏)‏ ذكر فيه حديث المغيرة في قصة المسح على الخفين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى مُسْلِمٍ هُوَ ابْنُ صُبَيْحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَالَ انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ فَلَقِيتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَأْمِيَّةٌ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ فَذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ فَكَانَا ضَيِّقَيْنِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتُ فَغَسَلَهُمَا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَعَلَى خُفَّيْهِ

الشرح‏:‏

حديث المغيرة في قصة المسح على الخفين وفيه ‏"‏ وعليه جبة شامية ‏"‏ وفيه ‏"‏ فذهب يخرج يديه من كميه وكانا ضيقين ‏"‏ وهو ظاهر فيما ترجم له، وقد تقدم الكلام على الحديث مستوفى في ‏"‏ باب المسح على الخفين ‏"‏ من كتاب الطهارة‏.‏

*3*باب الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الحرير في الحرب‏)‏ ذكر فيه حديث أنس في الرخصة للزبير وعبد الرحمن بن عوف في قميص الحرير، ذكره من خمسة طرق، ففي رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ‏"‏ من حكة كانت بهما ‏"‏ وكذا قال شعبة في أحد الطريقين‏.‏

وفي رواية همام عن قتادة في أحد الطريقين ‏"‏ يعني القمل ‏"‏ ورجح ابن التين الرواية التي فيها الحكة وقال‏:‏ لعل أحد الرواة تأولها فأخطأ، وجمع الداودي باحتمال أن يكون إحدى العلتين بأحد الرجلين‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ قد ورد أنه أرخص لكل منهما فالإفراد يقتضي أن لكل حكمة‏.‏

قلت‏:‏ ويمكن الجمع بان الحكة حصلت من القمل فنسبت العلة تارة إلى السبب وتارة إلى سبب السبب، ووقع في رواية محمد بن بشار عن غندر ‏"‏ رخص أو أرخص ‏"‏ كذا بالشك، وقد أخرجه أحمد عن غندر بلفظ ‏"‏ رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا قال وكيع عن شعبة كما سيأتي في كتاب اللباس، وأما تقييده بالحرب فكأنه أخذه من قوله في رواية همام ‏"‏ فرأيته عليهما في غزاة ‏"‏ ووقع في رواية أبي داود ‏"‏ في السفر من حكة ‏"‏ وقد ترجم له في اللباس ‏"‏ ما يرخص للرجال من الحرير للحكة ‏"‏ ولم يقيده بالحرب ‏"‏ فزعم بعضهم أن الحرب في الترجمة بالجيم وفتح الراء، وليس كما زعم لأنها لا يبقى لها في أبواب الجهاد مناسبة، ويلزم منه إعادة الترجمة في اللباس، إذ الحكة والجرب متقاربان وجعل الطبري جوازه في العزو مستنبطا من جوازه للحكة فقال‏:‏ دلت الرخصة في لبسه بسبب الحكة أن من قصد بلبسه ما هو أعظم من أذى الحكة كدفع سلاح العدو ونحو ذلك فإنه يجوز، وقد تبع الترمذي البخاري فترجم له ‏"‏ باب ما جاء في لبس الحرير في الحرب ‏"‏ ثم المشهور عن القائلين بالجواز أنه لا يختص بالسفر، وعن بعض الشافعية يختص‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ الحديث حجة على من منع إلا أن يدعى الخصوصية بالزبير وعبد الرحمن ولا تصح تلك الدعوى‏.‏

قلت‏:‏ قد جنح إلى ذلك عمر رضي الله عنه، فروى ابن عساكر من طريق ابن عوف عن ابن سيرين ‏"‏ أن عمر رأى على خالد بن الوليد قميص حرير فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏ فذكر له خالد قصة عبد الرحمن ابن عوف فقال‏:‏ وأنت مثل عبد الرحمن‏؟‏ أو لك مثل ما لعبد الرحمن‏؟‏ ثم أمر من حضره فزقوه ‏"‏ رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا وقد اختلف السلف في لباسه فمنع مالك وأبو حنيفة مطلقا‏.‏

وقال الشافعي وأبو يوسف بالجواز للضرورة، وحكى ابن حبيب عن ابن الماجشون أنه يستحب في الحرب‏.‏

وقال المهلب‏:‏ لباسه في الحرب لإرهاب العدو وهو مثل الرخصة في الاختيال في الحرب انتهى ووقع في كلام النووي تبعا لغيره أن الحكمة في لبس الحرير للحكة لما فيه من البرودة، وتعقب بأن الحرير حار فالصواب أن الحكة فيه لخاصة فيه لدفع ما تنشأ عنه الحكة كالقمل والله أعلم‏.‏