فصل: باب مَا يُكْرَهُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي التَّكْبِيرِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَنْ أَخَذَ بِالرِّكَابِ وَنَحْوِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من أخذ بالركاب ونحوه‏)‏ أي من الإعانة على الركوب وغيره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ وَيُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق أخبرنا عبد الرزاق‏)‏ كذا هو غير منسوب، وقد تقدم في ‏"‏ باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر ‏"‏ عن إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق لكن سياقه مغاير لسياقه هنا، وتقدم في الصلح عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق مقتصرا على بعضه، وهو أشبه بسياقه هنا فليفسر به هذا المهمل هنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كل سلامى‏)‏ بضم المهملة وتخفيف اللام أي أنملة، وقيل كل عظم مجوف صغير، وقيل هو في الأصل عظم يكون في فرسن البعير واحده وجمعه سواء، وقيل جمعه سلاميات‏:‏ وقوله ‏"‏ كل يوم عليه صدقة ‏"‏ بنصب كل على الظرفية وقوله ‏"‏ عليه ‏"‏ مشكل، قال ابن مالك‏:‏ المعهود في ‏"‏ كل ‏"‏ إذا أضيفت إلى نكرة من خبر وتمييز وغيرهما أن تجيء على وفق المضاف كقولة تعالى ‏(‏كل نفس ذائقة الموت‏)‏ وهنا جاء على وفق ‏"‏ كل ‏"‏ في قوله ‏"‏ كل سلامى عليه صدقة ‏"‏ وكان القياس أن يقول عليها صدقة، لأن السلامى مؤنثة، لكن دل مجيئها في هدا الحديث على الجواز، ويحتمل أن يكون ضمن السلامى معنى العظم أو المفصل فأعاد الضمير عليه كذلك، والمعنى على كل مسلم مكلف بعدد كل مفصل من عظامه صدقة لله تعالى على سبيل الشكر له بأن جعل عظامه مفاصل يتمكن بها من القبض والبسط‏.‏

وخصت بالذكر لما في التصرف بها من دقائق الصنائع التي اختص بها الآدمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يعدل‏)‏ فاعله الشخص المسلم المكلف وهو مبتدأ على تقدير العدل نحو ‏"‏ تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ‏"‏ وقد قال سبحانه وتعالى ‏(‏ومن آياته يريكم البرق‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها‏)‏ هو موضع الترجمة، فإن قوله ‏"‏ فيحمل عليها ‏"‏ أعم من أن يريد يحمل عليها المتاع أو الراكب‏.‏

وقوله ‏"‏أو يرفع عليها متاعه ‏"‏ إما شك من الراوي أو تنويع، وحمل الراكب أعم من أن يحمله كما هو أو بعينه في الركوب فتصح الترجمة‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ لا تؤخذ الترجمة من مجرد صيغة الفعل فإنه مطلق، بل من جهة عموم المعنى، وقد روى مسلم من حديث العباس في غزوة حنين قال ‏"‏ وأنا آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويميط الأذى عن الطريق‏)‏ تقدم في ‏"‏ باب إماطة الأذى عن الطريق ‏"‏ من هذا الوجه معلقا، وحكى ابن بطال عن بعض من تقدمه أن هذا من قول أبي هريرة موقوف، وتعقبه بأن الفضائل لا تدرك بالقياس، وإنما تؤخذ توقيفا من النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

*3*باب السَّفَرِ بِالْمَصَاحِفِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ

وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ كراهية ‏"‏ إلا للمستملي فأثبتها، وبثبوتها يندفع الإشكال الآتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكذلك يروى عن محمد بن بشر عن عبيد الله‏)‏ هو ابن عمر ‏(‏عن نافع عن ابن عمر‏)‏ وتابعه ابن إسحاق عن نافع‏.‏

أما رواية محمد بن بشر فوصلها إسحاق بن راهويه في مسنده عنه ولفظه ‏"‏ كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو‏.‏

وقال الدار قطني‏.‏

والبرقاني‏:‏ لم يروه بلفظ الكراهة إلا محمد بن بشر‏.‏

وأما متابعة ابن إسحاق فهي بالمعنى لأن أحمد أخرجه من طريقه بلفظ ‏"‏ نهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدو ‏"‏ والنهمي يقتضي الكراهة لأنه لا ينفك عن كراهة التنزيه أو التحريم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أرض العدو وهم يعلمون القرآن‏)‏ أشار البخاري بذلك إلى أن المراد بالنهي عن السفر بالقرآن السفر بالمصحف خشية أن يناله العدو لا السفر بالقرآن نفسه، وقد تعقبه الإسماعيلي بأنه لم يقل أحد إن من يحسن القرآن لا يغزو العدو في دارهم، وهو اعتراض من لم يفهم مراد البخاري‏.‏

وادعى المهلب أن مراد البخاري بذلك تقوية القول بالتفرقة بين العسكر الكثير والطائفة القليلة، فيجوز في تلك دون هذه، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ

الشرح‏:‏

حديث مالك في ذلك وهو بلفظ ‏"‏ نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ‏"‏ وأورده ابن ماجه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن مالك وزاد ‏"‏ مخافة أن يناله العدو ‏"‏ رواه ابن وهب عن مالك فقال ‏"‏ خشية أن يناله العدو ‏"‏ وأخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك فقال‏:‏ قال مالك أراه ‏"‏ مخافة ‏"‏ فذكره، قال أبو عمر‏:‏ كذا قال يحيى بن يحيى الأندلسي ويحيى بن بكير، وأكثر الرواة عن مالك جعلوا التعليل من كلامه ولم يرفعوه؛ وأشار إلى أن ابن وهب تفرد برفعها، وليس كذلك لما قدمته من رواية ابن ماجه، وهذه الزيادة رفعها ابن إسحاق أيضا كما تقدم، وكذلك أخرجها مسلم والنسائي وابن ماجه من طريق الليث عن نافع، ومسلم من طريق أيوب بلفظ ‏"‏ فإني لا آمن أن يناله العدو ‏"‏ فصح أنه مرفوع وليس بمدرج، ولعل مالكا كان يجزم به، ثم صار يشك في رفعه فجعله من تفسير نفسه‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ أجمع الفقهاء أن لا يسافر بالمصحف في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه، واختلفوا في الكبير المأمون عليه‏:‏ فمنع مالك أيضا مطلقا، وفصل أبو حنيفة، وأدار الشافعية الكراهة مع الخوف وجودا وعدما‏.‏

وقال بعضهم كالمالكية، واستدل به على منع بيع المصحف من الكافر لوجود المعنى المذكور فيه وهو التمكن من الاستهانة به، ولا خلاف في تحريم ذلك وإنما وقع الاختلاف هل يصح لو وقع ويؤمر بإزالة ملكه عنه أم لا‏؟‏ واستدل به على منع تعلم الكافر القرآن‏:‏ فمنع مالك مطلقا، وأجاز الحنفية مطلقا، وعن الشافعي قولان، وفصل بعض المالكية بين القليل لأجل مصلحة قيام الحجة عليهم فأجازه، وبين الكثير فمنعه‏.‏

ويؤيده قصة هرقل حيث كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم بعض الآيات، وقد سبق في ‏"‏ باب هل يرشد بشيء من هذا ‏"‏ وقد نقل النووي الاتفاق على جواز الكتابة إليهم بمثل ذلك‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ادعى ابن بطال أن ترتيب هذا الباب وقع فيه غلط من الناسخ، وأن الصواب أن يقدم حديث مالك قبل قوله ‏"‏ وكذلك يروى عن محمد بن بشر إلخ ‏"‏ قال‏:‏ وإنما احتاج إلى المتابعة لأن بعض الناس زاد في الحديث ‏"‏ مخافة أن يناله العدو ‏"‏ ولم تصح هذه الزيادة عند مالك ولا عند البخاري انتهى‏.‏

وما ادعاه من الغلط مردود، فإنه استند إلى أنه لم يتقدم شيء يشار إليه بقوله كذلك، وليس كما قال لأنه أشار بقوله ‏"‏ كذلك ‏"‏ إلى لفظ الترجمة كما بينه من رواية المستملي، وأما ما ادعاه من سبب المتابعة فليس كما قال، فإن لفظ الكراهية تفرد به محمد بن بشر، ومتابعة ابن إسحاق له إنما هي في أصل الحديث لكنه أفاد أن المراد بالقرآن المصحف لا حامل القرآن‏.‏

*3*باب التَّكْبِيرِ عِنْدَ الْحَرْبِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التكبير عند الحرب‏)‏ أي جوازه أو مشروعيته‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَبَّحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا هَذَا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَلَجَئُوا إِلَى الْحِصْنِ فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ وَأَصَبْنَا حُمُرًا فَطَبَخْنَاهَا فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا تَابَعَهُ عَلِيٌّ عَنْ سُفْيَانَ رَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ

الشرح‏:‏

حديث أنس في قصة خيبر وفيه قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏الله أكبر خربت خيبر ‏"‏ وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب المغازي، والذي نادى بالنهي عن لحوم الحمر الأهلية هو أبو طلحة كما وقع عند مسلم، وقوله ‏"‏تابعه علي عن سفيان ‏"‏ يعني علي بن المديني شيخه، وسيأتي في علامات النبوة‏.‏

*3*باب مَا يُكْرَهُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي التَّكْبِيرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير‏)‏ أورد فيه حديث أبي موسى ‏"‏ كنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا ‏"‏ الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ

الشرح‏:‏

حديث أبي موسى ‏"‏ كنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا ‏"‏ الحديث، وسيأتي شرحه في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اربعوا‏)‏ بفتح الموحدة أي ارفقوا، قال الطبري‏:‏ فيه كراهية رفع الصوت بالدعاء والذكر، وبه قال عامة السلف من الصحابة والتابعين انتهى‏.‏

وتصرف البخاري يقتضي أن ذلك خاص بالتكبير عند القتال، وأما رفع الصوت في غيره فقد تقدم في كتاب الصلاة حديث ابن عباس أن رفع الصوت بالذكر كان على العهد النبوي إذا انصرفوا من المكتوبة، وتقدم البحث فيه هناك‏.‏

*3*باب التَّسْبِيحِ إِذَا هَبَطَ وَادِيًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التسبيح إذا هبط واديا‏)‏ وأورد فيه حديث جابر ‏"‏ كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا‏"‏‏.‏

*3*باب التَّكْبِيرِ إِذَا عَلَا شَرَفًا

الشرح‏:‏

ثم قال ‏(‏باب التكبير إذا علا شرفا‏)‏ وأورد فيه حديث جابر المذكور وفيه ‏"‏ وإذا تصوبنا سبحنا‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا تَصَوَّبْنَا سَبَّحْنَا

الشرح‏:‏

حديث جابر وفيه ‏"‏ وإذا تصوبنا سبحنا ‏"‏ أي انحدرنا والتصويب النزول‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَفَلَ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ الْغَزْوِ يَقُولُ كُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ قَالَ صَالِحٌ فَقُلْتُ لَهُ أَلَمْ يَقُلْ عَبْدُ اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ لَا

الشرح‏:‏

والفدفد بفاءين مفتوحتين بينهما مهملة هي الأرض الغليظة ذات الحصى وقيل المستوية وقيل المكان المرتفع الصلب‏.‏

وقوله ‏"‏حدثنا عبد الله حدثني عبد العزيز بن أبي سلمة ‏"‏ زعم أبو مسعود أن عبد الله هو ابن صالح، وتعقبه الجياني بأنه وقع في رواية ابن السكن عبد الله بن يوسف وهو المعتمد، وسالم المذكور في إسناده هو ابن أبي الجعد، وأما سالم المذكور في الذي بعده فهو ابن عبد الله ابن عمر، وقد تقدم الحديث من طريق أخرى عن ابن عمر في أواخر الحج، والغرض من حديث ابن عمر قوله فيه ‏"‏ كلما أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثا ‏"‏ قال المهلب‏:‏ تكبيره صلى الله عليه وسلم عند الارتفاع استشعار لكبرياء الله عز وجل وعندما يقع عليه العين من عظيم خلقه أنه أكبر من كل شيء، وتسبيحه في بطون الأودية مستنبط من قصة يونس فإن بتسبيحه في بطن الحوت نجاه الله من الظلمات فسبح النبي صلى الله عليه وسلم في بطون الأودية لينجيه الله منها، وقيل مناسبة التسبيح في الأماكن المنخفضة من جهة أن التسبيح هو التنزيه فناسب تنزيه الله عن صفات الانخفاض كما ناسب تكبيره عند الأماكن المرتفعة، ولا يلزم من كون جهتي العلو والسفل محال على الله أن لا يوصف بالعلو لأن وصفه بالعلو من جهة المعنى والمستحيل كون ذلك من جهة الحس، ولذلك ورد في صفته العالي والعلي والمتعالي ولم يرد ضد ذلك وإن كان قد أحاط بكل شيء علما جل وعز‏.‏

*3*باب يُكْتَبُ لِلْمُسَافِرِ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الْإِقَامَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة‏)‏ أي إذا كان سفره في غير معصية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا الْعَوَّامُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ السَّكْسَكِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ وَاصْطَحَبَ هُوَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي كَبْشَةَ فِي سَفَرٍ فَكَانَ يَزِيدُ يَصُومُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى مِرَارًا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا العوام‏)‏ هو ابن حوشب بمهملة ثم معجمة وزن جعفر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت أبا بردة‏)‏ هو ابن أبي موسى الأشعري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واصطحب هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر‏)‏ أي مع يزيد، ويزيد بن أبي كبشة هذا شامي، واسم أبيه حيويل بفتح المهملة وسكون التحتانية وكسر الواو بعدها تحتانية أخرى ساكنة ثم لام، وهو ثقة ولي خراج السند لسليمان بن عبد الملك ومات في خلافته، وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكان يزيد يصوم في السفر‏)‏ ، في رواية هشيم عن العوام بن حوشب ‏"‏ وكان يزيد بن أبي كبشة يصوم الدهر ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية هشيم عن العوام عند أبي داود ‏"‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول غير مرة ولا مرتين‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا مرض العبد أو سافر‏)‏ في رواية هشيم ‏"‏ إذا كان العبد يعمل عملا صالحا فشغله عن ذلك مرض‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا‏)‏ هو من اللف والنشر المقلوب، فالإقامة في مقابل السفر والصحة في مقابل المرض، وهو في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها كما ورد ذلك صريحا عند أبي داود من طريق العوام بن حوشب بهذا الإسناد في رواية هشيم، وعنده في آخره ‏"‏ كأصلح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم ‏"‏ ووقع أيضا في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا ‏"‏ إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به اكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه أو أكفته إلى ‏"‏ أخرجه عبد الرزاق وأحمد وصححه الحاكم، ولأحمد من حديث أنس رفعه ‏"‏ إذا ابتلى الله العبد المسلم ببلاء في جسده قال الله‏:‏ اكتب له صالح عمله الذي كان يعمله، فإن شفاه غسله وطهره، وإن قبضه غفر له ورحمه ‏"‏ ولرواية إبراهيم السكسكي عن أبي بردة متابع أخرجه الطبراني من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده بلفظ ‏"‏ إن الله يكتب للمريض أفضل ما كان يعمل في صحته ما دام في وثاقه ‏"‏ الحديث، وفي حديث عائشة عند النسائي ‏"‏ ما من امرئ تكون له صلاة من الليل يغلبه عليها نوم أو وجع إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ وهذا كله في النوافل، وأما صلاة الفرائض فلا تسقط بالسفر والمرض والله أعلم‏.‏

وتعقبه ابن المنير بأنه تحجر واسعا، ولا مانع من دخول الفرائض في ذلك، بمعنى أنه إذا عجز عن الإتيان بها على الهيئة الكاملة أن يكتب له أجر ما عجز عنه، كصلاة المريض جالسا يكتب له أجر القائم انتهى‏.‏

وليس اعتراضه بجيد لأنهما لم يتواردا على محل واحد، واستدل به على أن المريض والمسافر إذا تكلف العمل كان أفضل من عمله وهو صحيح مقيم‏.‏

وفي هذه الأحاديث تعقب على من زعم أن الأعذار المرخصة لترك الجماعة تسقط الكراهة والإثم خاصة من غير أن تكون محصلة للفضيلة، وبذلك جزم النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ وبالأول جزم الروياني في ‏"‏ التلخيص‏"‏، ويشهد لما قال حديث أبي هريرة رفعه ‏"‏ من توضأ فأحسن وضوءه ثم خرج إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلى وحضر، لا ينقص ذلك من أجره شيئا ‏"‏ أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وإسناده قوي‏.‏

وقال السبكي الكبير في ‏"‏ الحلبيات ‏"‏‏:‏ من كانت عادته أن يصلي جماعة فتعذر فانفرد كتب له ثواب الجماعة؛ ومن لم تكن له عادة لكن أراد الجماعة فتعذر فانفرد يكتب له ثواب قصده لا ثواب الجماعة، لأنه وإن كان قصده الجماعة لكنه قصد مجرد، ولو كان يتنزل منزلة من صلى جماعة كان دون من جمع والأولى سبقها فعل، ويدل للأول حديث الباب، وللثاني أن أجر الفعل يضاعف وأجر القصد لا يضاعف بدليل ‏"‏ من هم بحسنة كتبت له حسنة واحدة ‏"‏ كما سيأتي في كتاب الرقاق، قال ويمكن أن يقال‏:‏ إن الذي صلى منفردا ولو كتب له أجر صلاة الجماعة لكونه اعتادها فيكتب له ثواب صلاة منفرد بالأصالة وثواب مجمع بالفضل‏.‏

انتهى ملخصا

*3*باب السَّيْرِ وَحْدَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب السير وحده‏)‏ ذكر فيه حديثين

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ نَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ قَالَ سُفْيَانُ الْحَوَارِيُّ النَّاصِرُ

الشرح‏:‏

حديث جابر في انتداب الزبير وحده، وقد تقدم في ‏"‏ باب هل يبعث الطليعة وحده ‏"‏ وتعقبه الإسماعيلي فقال‏:‏ لا أعلم هذا الحديث كيف يدخل في هذا الباب، وقرره ابن المنير بأنه لا يلزم من كون الزبير انتدب أن لا يكون سار معه غير متابعا له‏.‏

قلت‏:‏ لكن قد ورد من وجه آخر ما يدل على أن الزبير توجه وحده، وسيأتي في مناقب الزبير من طريق عبد الله بن الزبير ما يدل على ذلك، وفيه ‏"‏ قلت يا أبت رأيتك تختلف، فقال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأتيني بخبر بني قريظة فانطلقت ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان الحواري الناصر‏)‏ هو موصول عن الحميدي عنه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده‏)‏ ساقه على لفظ أبي نعيم، وقوله ‏"‏ما أعلم ‏"‏ أي الذي أعلمه من الآفات التي تحصل من ذلك‏.‏

والوحدة بفتح الواو ويجوز كسرها ومنعه بعضهم‏.‏

‏(‏تنبيهان‏)‏ ‏:‏ أحدهما قال المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏‏:‏ قال البخاري حدثنا أبو الوليد عن عاصم بن محمد به‏.‏

وقال بعده ‏"‏ وأبو نعيم عن عاصم ‏"‏ ولم يقل حدثنا أبو نعيم، ولا في كتاب حماد بن شاكر حدثنا أبو نعيم انتهى‏.‏

والذي وقع لنا في جميع الروايات عن الفربري عن البخاري ‏"‏ حدثنا أبو نعيم ‏"‏ وكذلك وقع في رواية النسفي عن البخاري فقال ‏"‏ حدثنا أبو الوليد ‏"‏ فساق الإسناد ثم قال ‏"‏ وحدثنا أبو الوليد وأبو نعيم قالا حدثنا عاصم ‏"‏ فذكره، وبذلك جزم أبو نعيم الأصبهاني في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ فقال بعد أن أخرجه من طريق عمرو بن مرزوق عن عاصم بن محمد ‏"‏ أخرجه البخاري عن أبي نعيم وأبي الوليد ‏"‏ فلعل لفظ حدثنا في رواية أبي نعيم سقط من رواية حماد بن شاكر وحده‏.‏

ثانيهما ذكر الترمذي أن عاصم بن محمد تفرد برواية هذا الحديث، وفيه نظر لأن عمر بن محمد أخاه قد رواه معه عن أبيه أخرجه النسائي‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ السير لمصلحة الحرب أخص من السفر، والخبر ورد في السفر فيؤخذ من حديث جابر جواز السفر منفردا للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالانفراد كإرسال الجاسوس والطليعة، والكراهة لما عدا ذلك‏.‏

ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة، وقد وقع في كتب المغازي بعث كل من حذيفة ونعيم بن مسعود وعبد الله بن أنيس وخوات بن جبير وعمرو بن أمية وسالم بن عمير وبسبسة في عدة مواطن وبعضها في الصحيح، وتقدم في الشروط شيء من ذلك؛ ويأتي في باب الجاسوس بعد قليل‏.‏

*3*باب السُّرْعَةِ فِي السَّيْرِ

قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي فَلْيُعَجِّلْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب السرعة في السير‏)‏ أي في الرجوع إلى الوطن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو حميد قال النبي صلى الله عليه وسلم إني متعجل إلخ‏)‏ هو طرف من حديث سبق في الزكاة بطوله، وتقدم الكلام عليه هناك‏.‏

ذكر فيه ثلاثة أحاديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَحْيَى يَقُولُ وَأَنَا أَسْمَعُ فَسَقَطَ عَنِّي عَنْ مَسِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ فَكَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ

الشرح‏:‏

حديث أسامة بن زيد في سير العنق، وقد تقدم شرحه مستوفى في الحج، وقوله ‏"‏قال سئل أسامة بن زيد كان يحيى يقول وأنا أسمع فسقط عني ‏"‏ القائل ذلك هو محمد بن المثنى شيخ البخاري، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق بندار والدورقي وغيرهما عن يحيى بن سعيد وقال فيه ‏"‏ سئل أسامة وأنا شاهده‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ شِدَّةُ وَجَعٍ فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعَتَمَةَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في جمعه بين الصلاتين لما بلغه وجع صفية بنت أبي عبيد وهي زوجته، وقد تقدم في أواخر أبواب العمرة بهذا الإسناد مع الكلام عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ السفر قطعة من العذاب ‏"‏ وقد تقدم شرحه في أواخر أبواب العمرة، وقوله ‏"‏نهمته ‏"‏ بفتح النون على المشهور أي رغبته، قال المهلب‏:‏ تعجله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ليريح نفسه ويفرح أهله، وتعجله إلى المزدلفة ليعجل الوقوف بالمشعر الحرام، وتعجل ابن عمر إلى زوجته ليدرك من حياتها ما يمكنه أن تعهد إليه بما لا تعهد إلى غيره‏.‏

*3*باب إِذَا حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فَرَآهَا تُبَاعُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا حمل على فرس فرآها تباع‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عمر في ذلك، وحديث عمر نفسه، وقد تقدما قريبا وبيان مكان شرحهما‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَابْتَاعَهُ أَوْ فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَشْتَرِهِ وَإِنْ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ

الشرح‏:‏

وقوله ‏"‏ابتاعه أو أضاعه ‏"‏ شك من الراوي، ولا معنى لقوله ‏"‏ ابتاعه ‏"‏ لأنه لم يشتره وإنما عرضه للبيع، فيحتمل أن يكون في الأصل باعه فهو بمعنى عرضه للبيع‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب الْجِهَادِ بِإِذْنِ الْأَبَوَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الجهاد بإذن الأبوين‏)‏ كذا أطلق، وهو قول الثوري، وقيده بالإسلام الجمهور، ولم يقع في حديث الباب أنهما منعاه، لكن لعله أشار إلى حديث أبي سعيد الآتي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ وَكَانَ لَا يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت أبا العباس الشاعر وكان لا يتهم في حديثه‏)‏ تقدم القول في ذلك في ‏"‏ باب صوم داود ‏"‏ من كتاب الصيام، وقد خالف الأعمش شعبة فرواه ابن ماجه من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب ابن أبي ثابت عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو، فلعل لحبيب فيه إسنادين، ويؤيده أن بكر بن بكار رواه عن شعبة عن حبيب عن عبد الله بن باباه كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جاء رجل‏)‏ يحتمل أن يكون هو جاهمة بن العباس بن مرداس، فقد روى النسائي وأحمد من طريق معاوية بن جاهمة ‏"‏ أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أردت الغزو وجئت لأستشيرك، فقال هل لك من أم‏؟‏ قال نعم‏.‏

قال الزمها ‏"‏ الحديث، ورواه البيهقي من طريق ابن جريج عن محمد بن طلحة بن ركانة عن معاوية بن جاهمة السلمي عن أبيه قال ‏"‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستأذنه في الجهاد ‏"‏ فذكره‏.‏

وقد اختلف في إسناده على محمد بن طلحة اختلافا كثيرا بينته في ترجمة جاهمة من كتابي في الصحابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيهما فجاهد‏)‏ أي خصصهما بجهاد النفس في رضاهما، ويستفاد منه جواز التعبير عن الشيء بضده إذا فهم المعنى، لأن صيغة الأمر في قوله ‏"‏ فجاهد ‏"‏ ظاهرها إيصال الضرر الذي كان يحصل لغيرهما لهما، وليس ذلك مرادا قطعا، وإنما المراد إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد وهو تعب البدن والمآل، ويؤخذ منه أن كل شيء يتعب النفس يسمى جهادا، وفيه أن بر الوالد قد يكون أفضل من الجهاد، وأن المستشار يشير بالنصيحة المحضة، وأن المكلف يستفضل عن الأفضل في أعمال الطاعة ليعمل به لأنه سمع فضل الجهاد فبادر إليه، ثم لم يقنع حتى استأذن فيه فدل على ما هو أفضل منه في حقه، ولولا السؤال ما حصل له العلم بذلك‏.‏

ولمسلم وسعيد بن منصور من طريق ناعم مولى أم سلمة عن عبد الله بن عمرو في نحو هذه القصة قال ‏"‏ ارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما ‏"‏ ولأبي داود وابن حبان من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو ‏"‏ ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما ‏"‏ وأصرح من ذلك حديث أبي سعيد عند أبي داود بلفظ ‏"‏ ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما ‏"‏ وصححه ابن حبان‏.‏

قال جمهور العلماء‏:‏ يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين، لأن برهما فرض عين عليه والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن‏.‏

ويشهد له ما أخرجه ابن حبان من طريق أخرى عن عبد الله بن عمرو ‏"‏ جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال، قال‏:‏ الصلاة‏.‏

قال ثم مه‏؟‏ قال الجهاد‏.‏

قال فإن لي والدين، فقال آمرك بوالديك خيرا‏.‏

فقال والذي بعثك بالحق نبيا لأجاهدن ولأتركنهما قال فأنت أعلم ‏"‏ وهو محمول على جهاد فرض العين توفيقا بين الحديثين، وهل يلحق الجد والجدة بالأبوين في ذلك‏؟‏ الأصح عند الشافعية نعم والأصح أيضا أن لا يفرق بين الحر والرقيق في ذلك لشمول طلب البر، فلو كان الولد رقيقا فأذن له سيده لم يعتبر إذن أبويه، ولهما الرجوع في الإذن إلا إن حضر الصف، وكذا لو شرطا أن لا يقاتل فحضر الصف فلا أثر للشرط، واستدل به على تحريم السفر بغير إذن لأن الجهاد إذا منع مع فضيلته فالسفر المباح أولى نعم إن كان سفره لتعلم فرض عين حيث تعيين السفر طريقا إليه فلا منع، وإن كان فرض كفاية ففيه خلاف‏.‏

وفي الحديث فضل بر الوالدين وتعظيم حقهما وكثرة الثواب على برهما، وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مَا قِيلَ فِي الْجَرَسِ وَنَحْوِهِ فِي أَعْنَاقِ الْإِبِلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل‏)‏ أي من الكراهة، وقيده بالإبل لورود الخير فيها بخصوصها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا أَنْ لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلَادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي بكر‏)‏ أي ابن محمد بن عمرو بن حزم، وعباد بن تميم هو المازني، وهو وشيخه والراوي عنه أنصاريون مدنيون، وعبد الله وعباد تابعيان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أبا بشير الأنصاري أخبره‏)‏ ليس لأبي بشير وهو بفتح الموحدة ثم معجمة في البخاري غير هذا الحديث الواحد، وقد ذكره الحاكم أبو أحمد فيمن لا يعرف اسمه، وقيل اسمه قيس بن عبد الحرير بمهملات مصغر ابن عمرو، ذكر ذلك ابن سعد وساق نسبه إلى مازن الأنصاري، وفيه نظر لأنه وقع في رواية عثمان بن عمر عن مالك عند الدار قطني نسبة أبي بشير ساعديا، فإن كان قيس يكنى أبا بشير أيضا فهو غير صاحب هذا الحديث، وأبو بشير المازني هذا عاش إلى بعد الستين وشهد الحرة وجرح بها ومات من ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في بعض أسفاره‏)‏ لم أقف على تعيينها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله حسبت أنه قال‏)‏ عبد الله هو ابن أبي بكر الراوي، وكأنه شك في هذه الجملة، ولم أرها من طريقه إلا هكذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأرسل‏)‏ قال ابن عبد البر‏:‏ في رواية روح بن عبادة عن مالك ‏"‏ أرسل مولاه زيدا ‏"‏ قال ابن عبد البر‏:‏ وهو زيد بن حارثة فيما يظهر لي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة‏)‏ كذا هنا بلفظ ‏"‏ أو ‏"‏ وهي للشك أو للتنويع، ووقع في رواية أبي داود عن القعنبي بلفظ ‏"‏ ولا قلادة ‏"‏ وهو من عطف العام على الخاص، وبهذا جزم المهلب، ويؤيد الأول ما روى عن مالك أنه سئل عن القلادة فقال‏:‏ ما سمعت بكراهتها إلا في الوتر، وقوله وتر بالمثناة في جميع الروايات، قال ابن الجوزي‏:‏ ربما صحف من لا علم له بالحديث فقال وبر بالموحدة‏.‏

قلت‏:‏ حكى ابن التين أن الداودي جزم بذلك وقال‏:‏ هو ما ينتزع عن الجمال يشبه الصوف، قال ابن التين‏:‏ فصحف‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وفي المراد بالأوتار ثلاثة أقوال‏:‏ أحدها أنهم كانوا يقلدون الإبل أوتار القسي لئلا تصيبها العين بزعمهم، فأمروا بقطعها إعلاما بأن الأوتار لا ترد من أمر الله شيئا، وهذا قول مالك‏.‏

قلت‏:‏ وقع ذلك متصلا بالحديث من كلامه في الموطأ وعند مسلم وأبي داود وغيرهما، قال مالك‏:‏ أرى أن ذلك من أجل العين، ويؤيده حديث عقبة بن عامر رفعه ‏"‏ من علق تميمة فلا أتم الله له ‏"‏ أخرجه أبو داود أيضا، والتميمة ما علق من القلائد خشية العين ونحو ذلك، قال ابن عبد البر‏:‏ إذا اعتقد الذي قلدها أنها ترد العين فقد ظن أنها ترد القدر وذلك لا يجوز اعتقاده‏.‏

ثانيها النهي عن ذلك لئلا تختنق الدابة بها عند شدة الركض، ويحكى ذلك عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، وكلام أبي عبيد يرجحه فإنه قال‏:‏ نهى عن ذلك لأن الدواب تتأذى بذلك ويضيق عليها نفسها ورعيها، وربما تعلقت بشجرة فاختنقت أو تعوقت عن السير‏.‏

ثالثها أنهم كانوا يعلقون فيها الأجراس حكاه الخطابي وعليه يدل تبويب البخاري، وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أم حبيبة أم المؤمنين مرفوعا ‏"‏ لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس ‏"‏ وأخرجه النسائي من حديث أم سلمة أيضا، والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما ورد في بعض طرقه، فقد أخرجه الدار قطني من طريق عثمان بن عمر المذكور بلفظ ‏"‏ لا تبقين قلادة من وتر ولا جرس في عنق بعير إلا قطع‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ ولا فرق بين الإبل وغيرها في ذلك، إلا على القول الثالث فلم تجر العادة بتعليق الأجراس في رقاب الخيل، وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أبي وهب الحساني رفعه ‏"‏ اربطوا الخيل وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار ‏"‏ فدل على أن لا اختصاص للإبل، فلعل التقييد بها في الترجمة للغالب‏.‏

وقد حمل النضر بن شميل الأوتار في هذا الحديث على معنى الثأر فقال‏:‏ معناه لا تطلبوا بها ذحول الجاهلية، قال القرطبي‏:‏ وهو تأويل بعيد‏.‏

وقال الثوري‏:‏ ضعيف‏.‏

وإلى نحو قول النضر جنح وكيع فقال‏:‏ المعنى لا تركبوا الخيل في الفتن، فإن من ركبها لم يسلم أن يتعلق به وتر يطلب به‏.‏

والدليل على أن المراد بالأوتار جمع الوتر بالتحريك لا الوتر بالإسكان ما رواه أبو داود أيضا من حديث رويفع بن ثابت رفعه ‏"‏ من عقد لحيته أو تقلد وترا فإن محمدا بريء منه ‏"‏ فإنه عند الرواة أجمع بفتح المثناة، والجرس بفتح الجيم والراء ثم مهملة معروف، وحكى عياض إسكان الراء، والتحقيق أن الذي بالفتح اسم الآلة وبالإسكان اسم الصوت‏.‏

وروى مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ الجرس مزمار الشيطان ‏"‏ وهو دال على أن الكراهية فيه لصوته لأن فيها شبها بصوت الناقوس وشكله، قال النووي وغيره‏:‏ الجمهور على أن النهي للكراهة وأنها كراهة تنزيه، وقيل للتحريم، وقيل يمنع منه قبل الحاجة، ويجوز إذا وقعت الحاجة‏.‏

وعن مالك تختص الكراهة من القلائد بالوتر، ويجوز بغيرها إذا لم يقصد دفع العين‏.‏

هذا كله في تعليق التمائم وغيرها مما ليس فيه قرآن ونحوه، فأما ما فيه ذكر الله فلا نهي فيه فإنه إنما يجعل للتبرك به والتعوذ بأسمائه وذكره، وكذلك لا نهي عما يعلق لأجل الزينة ما لم يبلغ الخيلاء أو السرف‏.‏

واختلفوا في تعليق الجرس أيضا‏.‏

ثالثها يجوز بقدر الحاجة، ومنهم من أجاز الصغير منها دون الكبير‏.‏

وأغرب ابن حبان فزعم أن الملائكة لا تصحب الرفقة التي يكون فيها الجرس إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها‏.‏

*3*باب مَنْ اكْتُتِبَ فِي جَيْشٍ فَخَرَجَتْ امْرَأَتُهُ حَاجَّةً أَوْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ هَلْ يُؤْذَنُ لَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة أو كان له عذر هل يؤذن له‏)‏ ‏؟‏ ذكر فيه حديث ابن عباس في ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً قَالَ اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس، وفيه قوله ‏"‏ اذهب فاحجج مع امرأتك ‏"‏ وقد سبق الكلام عليه في أواخر أبواب المحصر من الحج، ويستفاد منه أن الحج في حق مثله أفضل من الجهاد لأنه اجتمع له مع حج التطوع في حقه تحصيل حج الفرض لامرأته وكان اجتماع ذلك له أفضل من مجرد الجهاد الذي يحصل المقصود منه بغيره، وفيه مشروعية كتابة الجيش ونظر الإمام لرعيته بالمصلحة‏.‏

*3*باب الْجَاسُوسِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ التَّجَسُّسُ التَّبَحُّثُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الجاسوس‏)‏ بجيم ومهملتين أي حكمه إذا كان من جهة الكفار، ومشرعيته إذا كان من جهة المسلمين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والتجسس‏:‏ التبحث‏)‏ هو تفسير أبي عبيدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله عز وجل ‏(‏لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء‏)‏ الآية‏)‏ مناسبة الآية إما لما سيأتي في التفسير أن القصة المذكورة في حديث الباب كانت سبب نزولها، وإما لأن ينتزع منها حكم جاسوس الكفار، فإذا طلع عليه بعض المسلمين لا يكتم أمره بل يرفعه إلى الإمام ليرى فيه رأيه‏.‏

وقد اختلف العلماء في جواز قتل جاسوس الكفار، وسيأتي البحث فيه بعد أحد وثلاثين بابا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ قَالَ أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ فَقَالَتْ مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا حَاطِبُ مَا هَذَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ صَدَقَكُمْ قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ قَالَ إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ قَالَ سُفْيَانُ وَأَيُّ إِسْنَادٍ هَذَا

الشرح‏:‏

حديث علي في قصة حاطب ابن أبي بلتعة، وسيأتي الكلام على شرحه في تفسير سورة الممتحنة إن شاء الله تعالى، ونذكر فيه المرأة وتسمية من عرف ممن كاتبه حاطب من أهل مكة‏:‏ وقوله فيه ‏"‏ روضة خاخ ‏"‏ بمنقوطتين من فوق، والظعينة بالظاء المعجمة المرأة، وقوله في آخره ‏"‏ قال سفيان وأي إسناد هذا ‏"‏ أي عجبا لجلالة رجاله وصريح اتصاله

*3*باب الْكِسْوَةِ لِلْأُسَارَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الكسوة للأسارى‏)‏ أي بما يواري عوراتهم، إذ لا يجوز النظر إليها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أُتِيَ بِأُسَارَى وَأُتِيَ بِالْعَبَّاسِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ قَمِيصًا فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَقْدُرُ عَلَيْهِ فَكَسَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ فَلِذَلِكَ نَزَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ الَّذِي أَلْبَسَهُ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يُكَافِئَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو‏)‏ هو ابن دينار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما كان يوم بدر أتي بأسارى‏)‏ من المشركين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأتي بالعباس‏)‏ أي ابن عبد المطلب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقدر عليه‏)‏ بضم الدال، وإنما كان ذلك لأن العباس كان بين الطول، وكذلك كان عبد الله ابن أبي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلذلك نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي ألبسه‏)‏ أي لعبد الله بن أبي عند دفنه، وقد تقدم شرح ذلك في أواخر الجنائز وما يحتمل في ذلك من الإدراج، وقوله في آخر هذا الحديث ‏"‏ قال ابن عيينة كانت له ‏"‏ أي لعبد الله بن أبي‏.‏

وقوله ‏"‏يد ‏"‏ أي نعمة، وهو محصل ما سبق من قوله في الجنائز ‏"‏ كانوا يرون إلخ‏"‏

*3*باب فَضْلِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل من أسلم على يديه رجل‏)‏ ذكر فيه حديث سهل بن سعد في قصة على يوم خيبر، والمراد منه قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ‏"‏ وهو ظاهر فيما ترجم له، وسيأتي شرح الحديث في المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب الْأُسَارَى فِي السَّلَاسِلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الأسارى في السلاسل‏)‏ ذكر فيه حديث أبي هريرة ‏"‏ عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل ‏"‏ وقد أخرجه أبو داود من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد بلفظ ‏"‏ يقادون إلى الجنة بالسلاسل ‏"‏ وقد تقدم توجيه العجب في حق الله في أوائل الجهاد وأن معناه الرضا ونحو ذلك، قال ابن المنير‏:‏ إن كان المراد حقيقة وضع السلاسل في الأعناق فالترجمة مطابقة، وإن كان المراد المجاز عن الإكراه فليست مطابقة‏.‏

قلت‏:‏ المراد بكون السلاسل في أعناقهم مقيد بحالة الدنيا، فلا مانع من حمله على حقيقته، والتقدير يدخلون الجنة، وكانوا قبل أن يسلموا في السلاسل، وسيأتي في تفسير آل عمران من وجه آخر عن أبي هريرة في قوله تعالى ‏(‏كنتم خير أمة أخرجت للناس‏)‏ قال ‏"‏ خير الناس للناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام‏"‏، قال ابن الجوزي‏:‏ معناه أنهم أسروا وقيدوا، فلما عرفوا صحة الإسلام دخلوا طوعا فدخلوا الجنة، فكان الإكراه على الأسر والتقييد هو السبب الأول، وكأنه أطلق على الإكراه التسلسل، ولما كان هو السبب في دخول الجنة أقام المسبب مقام السبب‏.‏

وقال الطيبي‏:‏ ويحتمل أن يكون المراد بالسلسلة الجذب الذي يجذبه الحق من خلص عباده من الضلالة إلى الهدى ومن الهبوط في مهاوي الطبيعة إلى العروج للدرجات، لكن الحديث في تفسير آل عمران يدل على أنه على الحقيقة‏.‏

ونحوه ما أخرجه من طريق أبي الطفيل رفعه ‏"‏ رأيت ناسا من أمتي يساقون إلى الجنة في السلاسل كرها‏.‏

قلت‏:‏ يا رسول الله من هم‏؟‏ قال قوم من العجم يسبيهم المهاجرون فيدخلونهم في الإسلام مكرهين ‏"‏ وأما إبراهيم الحربي فمنع حمله على حقيقة التقييد وقال‏:‏ المعنى يقادون إلى الإسلام مكرهين فيكون ذلك سبب دخولهم الجنة، وليس المراد أن ثم سلسلة‏.‏

وقال غيره‏:‏ يحتمل أن يكون المراد المسلمين المأسورين عند أهل الكفر يموتون على ذلك أو يقتلون فيحشرون كذلك، وعبر عن الحشر بدخول الجنة لثبوت دخولهم عقبه‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب فَضْلِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل من أسلم من أهل الكتابين‏)‏ ذكر فيه حديث أبي بردة وأنه سمع أباه بقول ‏"‏ ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين ‏"‏ الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيٍّ أَبُو حَسَنٍ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْأَمَةُ فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ تَعْلِيمَهَا وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ أَدَبَهَا ثُمَّ يُعْتِقُهَا فَيَتَزَوَّجُهَا فَلَهُ أَجْرَانِ وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِي كَانَ مُؤْمِنًا ثُمَّ آمَنَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَالْعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَأَعْطَيْتُكَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِي أَهْوَنَ مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ

الشرح‏:‏

حديث أبي بردة وأنه سمع أباه بقول ‏"‏ ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين ‏"‏ الحديث وقد تقدم الكلام عليه في العتق، قال المهلب‏:‏ جاء النص في هؤلاء الثلاثة لينبه به على سائر من أحسن في معنيين في أي فعل كان من أفعال البر، وقد تقدمت مباحث هذا الحديث في كتاب العلم، ويأتي الكلام على ما يتعلق لمن يعتق الأمة ثم يتزوجها في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ مؤمن أهل الكتاب لا بد أن يكون مؤمنا بنبينا صلى الله عليه وسلم لما أخذ الله عليهم من العهد والميثاق، فإذا بعث فإيمانه مستمر فكيف يتعدد إيمانه حتى يتعدد أجره‏.‏

ثم أجاب بأن إيمانه الأول بأن الموصوف بكذا رسول، والثاني بأن محمدا هو الموصوف فظهر التغاير فثبت التعدد انتهى‏.‏

ويحتمل أن يكون تعدد أجره لكونه لم يعاند كما عاند غيره ممن أضله الله على علم، فحصل له الأجر الثاني بمجاهدته نفسه على مخالفة أنظاره‏.‏