فصل: باب مَنَاقِبِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَنَاقِبِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ

أَبِي عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ وَقَالَ مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي‏)‏ هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبـد شمس بن عبـد مناف يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبد مناف‏.‏

وعدد ما بينهما من الآباء متفاوت، فالنبي صلى الله عليه وسلم من حيث العدد في درجة عفان كما وقع لعمر سواء، وأما كنيته فهو الذي استقر عليه الأمر، وقد نقل يعقوب بن سفيان عن الزهري أنه كان يكنى أبا عبد الله بابنه عبد الله الذي رزقه من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات عبد الله المذكور صغيرا وله ست سنين، وحكى ابن سعد أن موته كان سنة أربع من الهجرة، وماتت أمه رقية قبل ذلك سنة اثنتين والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، وكان بعض من ينتقصه يكنيه أبا ليلى يشير إلى لين جانبه، حكاه ابن قتيبة‏.‏

وقد اشتهر أن لقبه ذو النورين‏.‏

وروى خيثمة في ‏"‏ الفضائل ‏"‏ والدار قطني في ‏"‏ الأفراد ‏"‏ من حديث علي أنه ذكر عثمان فقال ‏"‏ ذاك امرؤ يدعى في السماء ذا النورين ‏"‏ وسأذكر اسم أمه ونسبها في الكلام على الحديث الثاني من ترجمته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من يحفر بئر رومة فله الجنة، فحفرها عثمان‏.‏

وقاله النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزه عثمان‏)‏ هذا التعليق تقدم ذكر من وصله في أواخر كتاب الوقف وبسطت هناك الكلام عليه، وفيه من مناقب عثمان أشياء كثيرة استوعبتها هناك فأغنى عن إعادتها، والمراد بجيش العسرة تبوك كما سيأتي في المغازي‏.‏

وأخرج أحمد والترمذي من حديث عبد الرحمن بن حباب السلمي أن عثمان أعان فيها بثلاثمائة بعير، ومن حديث عبد الرحمن بن سمرة أن عثمان أتى فيها بألف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مضى في الوقف بقية طرقه، وفي حديث حذيفة عند ابن عدي ‏"‏ فجاء عثمان بعشرة آلاف دينار ‏"‏ وسنده واه، ولعلها كانت بعشرة آلاف درهم فتوافق رواية ألف دينار‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ حَائِطًا وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ بَابِ الْحَائِطِ فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ فَإِذَا عُمَرُ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ فَسَكَتَ هُنَيْهَةً ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى سَتُصِيبُهُ فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَالَ حَمَّادٌ وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ وَعَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ سَمِعَا أَبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى بِنَحْوِهِ وَزَادَ فِيهِ عَاصِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَاعِدًا فِي مَكَانٍ فِيهِ مَاءٌ قَدْ انْكَشَفَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ أَوْ رُكْبَتِهِ فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ غَطَّاهَا

الشرح‏:‏

حديث أبي موسى في قصة القف أوردها مختصرة من طريق أبي عثمان عن أبي موسى، وقد تقدم شرحها في مناقب أبي بكر الصديق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسكت هنيهة‏)‏ بالتصغير أي قليلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال حماد وحدثنا عاصم‏)‏ كذا للأكثر، وهو بقية الإسناد المتقدم، وحماد هو ابن زيد، ووقع في رواية أبي ذر وحده ‏"‏ وقال حماد بن سلمة حدثنا عاصم إلخ ‏"‏ والأول أصوب، فقد أخرجه الطبراني عن يوسف القاضي عن سليمان بن حرب ‏"‏ حدثنا حماد بن زيد عن أيوب ‏"‏ فذكر الحديث وفي آخره ‏"‏ قال حماد فحدثني علي بن الحكم وعاصم أنهما سمعا أبا عثمان يحدث عن أبي موسى نحوا من هذا، غير أن عاصما زاد، فذكر الزيادة‏.‏

وقد وقع لي من حديث حماد بن سلمة لكن عن علي بن الحكم وحده أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه عن موسى بن إسماعيل، والطبراني من طريق حجاج بن منهال وهدبة بن خالد كلهم عن حماد بن سلمة عن علي بن الحكم وحده به وليست فيه الزيادة، ثم وجدته في نسخة الصغاني مثل رواية أبي ذر، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزاد فيه عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبته، فلما دخل عثمان غطاها‏)‏ قال ابن التين‏:‏ أنكر الداودي هذه الرواية وقال‏:‏ هذه الزيادة ليست من هذا الحديث بل دخل لرواتها حديث في حديث، وإنما ذلك الحديث أن أبا بكر أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته قد انكشف فخذه فجلس أبو بكر، ثم دخل عمر، ثم دخل عثمان فغطاها الحديث‏.‏

قلت‏:‏ يشير إلى حديث عائشة ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحالة ‏"‏ الحديث، وفيه ‏"‏ ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، فقال‏:‏ ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ‏"‏ وفي رواية لمسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال في جواب عائشة ‏"‏ إن عثمان رجل حيي، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحالة لا يبلغ إلي في حاجته انتهى، وهذا لا يلزم منه تغليط رواية عاصم، إذ لا مانع أن يتفق للنبي صلى الله عليه وسلم أن يغطي ذلك مرتين حين دخل عثمان، وأن يقع ذلك في موطنين، ولا سيما مع اختلاف مخرج الحديثين وإنما يقال ما قاله الداودي حيث تتفق المخارج فيمكن أن يدخل حديث في حديث لا مع افتراق المخارج كما في هذا، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يُونُسَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالَا مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لِأَخِيهِ الْوَلِيدِ فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ فَقَصَدْتُ لِعُثْمَانَ حَتَّى خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ قُلْتُ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً وَهِيَ نَصِيحَةٌ لَكَ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ قَالَ مَعْمَرٌ أُرَاهُ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَانْصَرَفْتُ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمْ إِذْ جَاءَ رَسُولُ عُثْمَانَ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ مَا نَصِيحَتُكَ فَقُلْتُ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَكُنْتَ مِمَّنْ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَاجَرْتَ الْهِجْرَتَيْنِ وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي شَأْنِ الْوَلِيدِ قَالَ أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ لَا وَلَكِنْ خَلَصَ إِلَيَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا يَخْلُصُ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ فَكُنْتُ مِمَّنْ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ كَمَا قُلْتَ وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعْتُهُ فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مِثْلُهُ ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُهُ ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ أَفَلَيْسَ لِي مِنْ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ قُلْتُ بَلَى قَالَ فَمَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَلِيدِ فَسَنَأْخُذُ فِيهِ بِالْحَقِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِدَهُ فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما يمنعك أن تكلم عثمان‏)‏ في رواية معمر عن الزهري الآتية في هجرة الحبشة ‏"‏ أن تكلم خالك‏"‏، ووجه كون عثمان خاله أن أم عبيد الله هذا هي أم قتال بنت أسيد بن أبي العاص بن أمية وهي بنت عم عثمان، وأقارب الأم يطلق عليهم أخوال وأما أم عثمان فهي أروى بنت كريز بالتصغير ابن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب، وهي شقيقة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال إنهما ولدا توأما حكاه الزبير بن بكار، فكان ابن بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ابن خال والدته، وقد أسلمت أم عثمان كما بينت ذلك في كتاب الصحابة‏.‏

وروى محمد بن الحسين المخزومي في كتاب المدينة أنها ماتت في خلافة ابنها عثمان وأنه كان ممن حملها إلى قبرها‏.‏

وأما أبوه فهلك في الجاهلية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأخيه‏)‏ اللام للتعليل أي لأجل أخيه، ويحتمل أن تكون بمعنى عن، ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ في أخيه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الوليد‏)‏ أي ابن عقبة، وصرح بذلك في رواية معمر، وعقبة هو ابن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس وكان أخا عثمان لأمه، وكان عثمان ولاه الكوفة بعد عزل سعد بن أبي وقاص، فإن عثمان كان ولاه الكوفة لما ولي الخلافة بوصية من عمر كما سيأتي في آخر ترجمة عثمان في قصة مقتل عمر، ثم عزله بالوليد وذلك سنة خمس وعشرين، وكان سبب ذلك أن سعدا كان أميرها وكان عبد الله بن مسعود على بيت المال فاقترض سعد منه مالا، فجاءه يتقاضاه فاختصما، فبلغ عثمان فغضب عليهما وعزل سعدا، واستحضر الوليد وكان عاملا بالجزيرة على عسر بها فولاه الكوفة، وذكر ذلك الطبري في تاريخه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقد أكثر الناس فيه‏)‏ أي في شأن الوليد أي من القول ووقع في رواية معمر وكان أكثر الناس فيما فعل به، أي من تركه إقامة الحد عليه، وإنكارهم عليه عزل سعد بن أبي وقاص به مع كون سعد أحد العشرة ومن أهل الشورى واجتمع له من الفضل والسنن والعلم والدين والسبق إلى الإسلام ما لم يتفق شيء منه للوليد بن عقبة، والعذر لعثمان في ذلك أن عمر كان عزل سعدا كما تقدم بيانه في الصلاة وأوصى عمر من يلي الخلافة بعده أن يولي سعدا قال ‏"‏ لأني لم أعزله عن خيانة ولا عجز ‏"‏ كما سيأتي ذلك في حديث مقتل عمر قريبا، فولاه عثمان امتثالا لوصية عمر، ثم عزله للسبب الذي تقدم ذكره وولى الوليد لما ظهر له من كفايته لذلك وليصل رحمه، فلما ظهر له سوء سيرته عزله، وإنما أخر إقامة الحد عليه ليكشف عن حال من شهد عليه بذلك، فلما وضح له الأمر أمر بإقامة الحد عليه‏.‏

وروى المدائني من طريق الشعبي أن عثمان لما شهدوا عنده على الوليد حبسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقصدت لعثمان حتى خرج‏)‏ أي أنه جعل غاية القصد خروج عثمان‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ حين خرج ‏"‏ وهي تشعر بأن القصد صادف وقت خروجه، بخلاف الرواية الأخرى فإنها تشعر بأنه قصد إليه ثم انتظره حتى خرج، يؤيد الأول رواية معمر ‏"‏ فانتصبت لعثمان حين خرج‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن لي إليك حاجة، وهي نصيحة لك، فقال‏:‏ يا أيها المرء منك‏)‏ كذا في رواية يونس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال معمر أعوذ بالله منك‏)‏ هذا تعليق أراد به المصنف بيان الخلاف بين الروايتين، ورواية معمر قد وصلها في هجرة الحبشة كما قدمته ولفظه هناك ‏"‏ فقال يا أيها المرء أعوذ بالله منك ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ إنما استعاذ منه خشية أن يكلمه بشيء يقتضي الإنكار عليه وهو في ذلك معذور فيضيق بذلك صدره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانصرفت فرجعت إليهما‏)‏ زاد في رواية معمر ‏"‏ فحدثتهما بالذي قلت لعثمان وقال لي، فقالا‏:‏ قد قضيت الذي كان عليك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذ جاء رسول عثمان‏)‏ في رواية معمر ‏"‏ فبينما أنا جالس معهما إذ جاءني رسول عثمان فقالا لي‏:‏ قد ابتلاك الله، فانطلقت ‏"‏ ولم أقف في شيء من الطرق على اسم هذا الرسول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكنت ممن استجاب‏)‏ هو بفتح كنت على المخاطبة وكذا هاجرت وصحبت، وأراد بالهجرتين الهجرة إلى الحبشة والهجرة إلى المدينة، وسيأتي ذكرهما قريبا، وزاد في رواية معمر ‏"‏ ورأيت هديه ‏"‏ أي هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بفتح الهاء وسكون الدال الطريقة‏.‏

وفي رواية شعيب عن الزهري الآتية في هجرة الحبشة ‏"‏ وكنت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد أكثر الناس في شأن الوليد‏)‏ زاد معمر ‏"‏ ابن عقبة ‏"‏ فحق عليك أن تقيم عليه الحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أدركت رسول الله‏؟‏ فقلت لا‏)‏ في رواية معمر ‏"‏ فقال لي‏:‏ يا ابن أختي ‏"‏ وفي رواية صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عمر بن شبة ‏"‏ قال هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فال لا ‏"‏ ومراده بالإدراك إدراك السماع منه والأخذ عنه، وبالرؤية رؤية المميز له، ولم يرد هنا الإدراك بالسن فإنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فسيأتي في المغازي في قصة مقتل حمزة من حديث وحشي بن حرب ما يدل على ذلك، ولم يثبت أن أباه عدي بن الخيار قتل كافرا وإن ذكر ذلك ابن ماكولا وغيره، فإن ابن سعد ذكره في طبقة الفتحيين، وذكر المدائني وعمر بن شبة في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ أن هذه القصة المحكية هنا وقعت لعدي بن الخيار نفسه مع عثمان فالله أعلم‏.‏

قال ابن التين‏:‏ إنما استثبت عثمان في ذلك لينبهه على أن الذي ظنه من مخالفة عثمان ليس كما ظنه‏.‏

قلت‏:‏ ويفسر المراد من ذلك ما رواه أحمد من طريق سماك بن حرب عن عبادة بن زاهر ‏"‏ سمعت عثمان خطب فقال‏:‏ إنا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر إن ناسا يعلموني سنته عسى أن لا يكون أحدهم رآه قط‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خلص‏)‏ بفتح المعجمة وضم اللام ويجوز فتحها بعدها مهملة أي وصل، وأراد ابن عدي بذلك أن علم النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مكتوما ولا خاصا بل كان شائعا حتى وصل إلى العذراء المستترة، فوصوله إليه مع حرصه عليه أولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أبو بكر مثله ثم عمر مثله‏)‏ يعني قال في كل منهما فما عصيته ولا غششته‏.‏

وصرح بذلك في رواية معمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم استخلفت‏)‏ بضم التاء الأولى والثانية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أفليس لي من الحق مثل الذي لهم‏)‏ في رواية معمر ‏"‏ أفليس لي عليكم من الحق مثل الذي كان لهم علي ‏"‏ ووقع في رواية الأصيلي وهم يأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم‏)‏ كأنهم كانوا يتكلمون في سبب تأخيره إقامة الحد على الوليد، وقد ذكرنا عذره في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأمره أن يجلد‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أن يجلده‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجلده ثمانين‏)‏ في رواية معمر ‏"‏ فجلد الوليد أربعين جلدة ‏"‏ وهذه الرواية أصح من رواية يونس، والوهم فيه من الراوي عنه شبيب بن سعيد، ويرجح رواية معمر ما أخرجه مسلم من طريق أبي ساسان قال ‏"‏ شهدت عثمان أتى بالوليد وقد صلى الصبح ركعتين ثم قال أزيدكم، فشهد عليه رجلان أحدهما حمران يعني مولى عثمان أنه قد شرب الخمر، فقال عثمان يا علي قم فاجلده، فقال علي قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن ول حارها من تولى قارها، فكأنه وجد عليه فقال‏:‏ يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده، فجلده، وعلي يعد، حتى بلغ أربعين فقال‏:‏ أمسك‏.‏

ثم قال‏:‏ جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل ذلك سنة، وهذا أحب إلي ‏"‏ انتهى والشاهد الآخر الذي لم يسم في هذه الرواية قيل هو الصعب بن جثامة الصحابي المشهور رواه يعقوب بن سفيان في تاريخه، وعند الطبري من طريق سيف في الفتوح أن الذي شهد عليه ولد الصعب واسمه جثامة كاسم جده‏.‏

وفي رواية أخرى أن ممن شهد عليه أبا زينب بن عوف الأسدي وأبا مورع الأسدي، وكذلك روى عمر بن شبة في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ بإسناد حسن إلى أبي الضحى وقال‏:‏ ‏"‏ لما بلغ عثمان قصة الوليد استشار عليا فقال‏:‏ أرى أن تستحضره فإن شهدوا عليه بمحضر منه حددته، ففعل فشهد عليه أبو زينب وأبو مورع وجندب بن زهير الأزدي وسعد بن مالك الأشعري ‏"‏ فذكر نحو رواية أبي ساسان وفيه ‏"‏ فضربه بمخصرة لها رأسان، فلما بلغ أربعين قال له‏:‏ أمسك‏"‏‏.‏

وأخرج من طريق الشعبي قال‏:‏ قال الحطيئة في ذلك‏:‏ شهد الحطيئة يوم يلقى ربـه أن الوليد أحق بالعذر نادى وقد تمت صلاتهـم أأزيدكم سفها ومـا يدري فأتوا أبا وهب ولو أذنوا لقرنت بين الشفع والـوتـر كفـوا عنانك إذ جريت ولـو تـركوا عنانك لم تزل تجري وذكر المسعودي في ‏"‏ المروج ‏"‏ أن عثمان قال للذين شهدوا‏:‏ وما يدريكم أنه شرب الخمر‏؟‏ قالوا‏:‏ هي التي كنا نشربها في الجاهلية‏.‏

وذكر الطبري أن الوليد ولي الكوفة خمس سنين، قالوا وكان جوادا، فولى عثمان بعده سعيد بن العاص فسار فيهم سيرة عادلة فكان بعض الموالي يقول‏:‏ ويلنا قد عزل الوليد وجاءنا مجوعا سعيـد ينقص في الصاع ولا يزيد

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ حَدَّثَنَا شَاذَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا شاذان‏)‏ هو الأسود بن عامر، وعبيد الله هو ابن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم‏)‏ تقدم الكلام عليه في مناقب أبي بكر، قال الخطابي‏:‏ إنما لم يذكر ابن عمر عليا لأنه أراد الشيوخ وذوي الأسنان الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر شاورهم، وكان علي في زمانه صلى الله عليه وسلم حديث السن‏.‏

قال ولم يرد ابن عمر الازدراء به ولا تأخيره عن الفضيلة بعد عثمان انتهى‏.‏

وما اعتذر به من جهة السن بعيد لا أثر له في التفضيل المذكور، وقد اتفق العلماء على تأويل كلام ابن عمر هذا لما تقرر عند أهل السنة قاطبة من تقديم علي بعد عثمان ومن تقديم بقية العشرة المبشرة على غيرهم ومن تقديم أهل بدر على من لم يشهدها وغير ذلك، فالظاهر أن ابن عمر إنما أراد بهذا النفي أنهم كانوا يجتهدون في التفضيل، فيظهر لهم فضائل الثلاثة ظهورا بينا فيجزمون به ولم يكونوا حينئذ اطلعوا على التنصيص، ويؤيده ما روى البزار عن ابن مسعود قال ‏"‏ كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب ‏"‏ رجاله موثقون، وهو محمول على أن ذلك قاله ابن مسعود بعد قتل عمر، وقد حمل حديث ابن عمر على ما يتعلق بالترتيب في التفضيل، واحتج في التربيع بعلي بحديث سفينة مرفوعا ‏"‏ الخلافة ثلاثون سنة ثم تصير ملكا ‏"‏ أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ لا حجة في قوله ‏"‏ كنا نترك ‏"‏ لأن الأصوليين اختلفوا في صيغة ‏"‏ كنا نفعل ‏"‏ لا في صيغة كنا لا نفعل لتصور تقرير الرسول في الأول دون الثاني، وعلى تقدير أن يكون حجة فما هو من العمليات حتى يكفي فيه الظن، ولو سلمنا فقد عارضه ما هو أقوى منه‏.‏

ثم قال‏:‏ ويحتمل أن يكون ابن عمر أراد أن ذلك كان وقع لهم في بعض أزمنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يمنع ذلك أن يظهر بعد ذلك لهم، وقد مضت تتمة هذا في مناقب أبي بكر، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه عبد الله بن صالح عن عبد العزيز‏)‏ أي ابن أبي سلمة بإسناده المذكور، وابن صالح هذا هو الجهني كاتب الليث، وقيل هو العجلي والد أحمد صاحب ‏"‏ كتاب الثقات ‏"‏ والله أعلم‏.‏

وكأن البخاري أراد بهذه المتابعة إثبات الطريق إلى عبد العزيز بن أبي سلمة لأن عباسا الدوري روى هذا الحديث عن شاذان فقال‏:‏ ‏"‏ عن الفرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن نافع ‏"‏ فكأن لشاذان فيه شيخين، والله أعلم وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي عمار والرمادي وعثمان بن أبي شيبة وغير واحد عن أسود بن عامر المذكور، وكذلك رواه عن عبد العزيز عبدة أبو سلمة الخزاعي وحجين بن المثنى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ حَجَّ الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ فَقَالُوا هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ قَالَ فَمَنْ الشَّيْخُ فِيهِمْ قَالُوا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ يَا ابْنَ عُمَرَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَحَدِّثْنِي هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْ قَالَ نَعَمْ قَالَ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ مَرِيضَةً فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ هَذِهِ لِعُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ اذْهَبْ بِهَا الْآنَ مَعَكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا موسى‏)‏ هو ابن إسماعيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عثمان هو ابن موهب‏)‏ نسبه إلى جده وهو عثمان بن عبد الله بن موهب بفتح الميم وسكون الواو وفتح الهاء بعدها موحدة مولى بني تيم، بصري تابعي وسط من طبقة الحسن البصري وهو ثقة باتفاقهم، وفي الرواة آخر يقال له عثمان بن موهب بصري أيضا لكنه أصغر من هذا، روى عن أنس، روى عنه زيد بن الحباب وحده أخرج له النسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جاء رجل من أهل مصر وحج البيت‏)‏ لم أقف على اسمه ولا على اسم من أجابه من القوم ولا على أسماء القوم، وسيأتي في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة‏)‏ من سورة البقرة ما قد يقرب أنه العلاء بن عيزار، وهو بمهملات، وكذا في مناقب علي بعد هذا، ويأتي في سورة الأنفال أن الذي باشر السؤال اسمه حكيم، وعليه اقتصر شيخنا ابن الملقن، وهذا كله بناء على أن الحديثين في قصة واحدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال فمن الشيخ‏)‏ أي الكبير ‏(‏فيهم‏)‏ الذي يرجعون إلى قوله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد إلخ‏)‏ الذي يظهر من سياقه أن السائل كان ممن يتعصب على عثمان فأراد بالمسائل الثلاث أن يقرر معتقده فيه، ولذلك كبر مستحسنا لما أجابه به ابن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عمر‏:‏ تعال أبين لك‏)‏ كأن ابن عمر فهم منه مراده لما كبر، وإلا لو فهم ذلك من أول سؤاله لقرن العذر بالجواب، وحاصله أنه عابه بثلاثة أشياء فأظهر له ابن عمر العذر عن جميعها‏:‏ أما الفرار فبالعفو، وأما التخلف فبالأمر، وقد حصل له مقصود من شهد من ترتب الأمرين الدنيوي وهو السهم والأخروي وهو الأجر، وأما البيعة فكان مأذونا له في ذلك أيضا، ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لعثمان من يده كما ثبت ذلك أيضا عن عثمان نفسه فيما رواه البزار بإسناد جيد أنه عاتب عبد الرحمن بن عوف فقال له‏:‏ لم ترفع صوتك علي‏؟‏ فذكر الأمور الثلاثة، فأجابه بمثل ما أجاب به ابن عمر‏.‏

قال في هذه‏:‏ فشمال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لي من يميني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له‏)‏ يريد قوله تعالى ‏(‏إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا، ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ هي رقية، فروى الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال ‏"‏ خلف النبي صلى الله عليه وسلم عثمـان وأسامة بن زيد على رقية في مرضها لما خرج إلى بدر، فماتت رقية حين وصل زيد بن حارثة بالبشارة، وكان عمر رقية لما ماتت عشرين سنة، قال ابن إسحاق‏:‏ ويقال إن ابنها عبد الله بن عثمان مات بعدها سنة أربع من الهجرة وله ست سنين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلو كان أحد ببطن مكة أعز من عثمان‏)‏ أي على من بها ‏(‏لبعثه‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏مكانه‏)‏ أي بدل عثمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان‏)‏ أي بعد أن بعثه والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عثمان ليعلم قريشا أنه إنما جاء معتمرا لا محاربا، ففي غيبة عثمان شاع عندهم أن المشركين تعرضوا لحرب المسلمين، فاستعد المسلمون للقتال وبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ تحت الشجرة على أن لا يفروا وذلك في غيبة عثمان‏.‏

وقيل بل جاء الخبر بأن عثمان قتل، فكان ذلك سبب السعة، وسيأتي إيضاح ذلك في عمرة الحديبية من المغازي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى‏)‏ أي أشار بها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذه يد عثمان‏)‏ أي بدلها، فضرب بها على يده اليسرى فقال‏:‏ ‏"‏ هذه - أي البيعة - لعثمان ‏"‏ أي عن عثمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال له ابن عمر‏:‏ اذهب بها الآن معك‏)‏ أي اقرن هذا العذر بالجواب حتى لا يبقى لك فيما أجبتك به حجة على ما كنت تعتقده من غيبة عثمان‏.‏

وقال الطيبي‏.‏

قال له ابن عمر تهكما به، أي توجه بما تمسكت به فإنه لا ينفعك بعدما بينت لك، وسيأتي بقية لما دار بينهما في ذلك في مناقب علي إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع هنا عند الأكثر حديث أنس المذكور قبل بحديثين، والذي أوردناه هو ترتيب ما وقع في رواية أبي ذر، والخطب في ذلك سهل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُمْ قَالَ صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحُدًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ وَقَالَ اسْكُنْ أُحُدُ أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ

الشرح‏:‏

حديث أنس ‏"‏ اسكن أحد ‏"‏ بضم الدال على أنه منادى مفرد، وحذف منه حرف النداء، وقد تقدم الكلام عليه في مناقب أبي بكر، ومن رواه بلفظ حراء، وأنه يمكن الجمع بالحمل على التعدد، ثم وجدت ما يؤيده‏:‏ فعند مسلم من حديث أبي هريرة قال‏:‏ ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكره‏.‏

وفي رواية له ‏"‏ وسعد ‏"‏ وله شاهد من حديث سعيد بن زيد عند الترمذي وآخر عن علي عند الدار قطني‏.‏